دانيالا
محمد شمص([1])
دانيالا
أكتب إليك رسالتي هذه وأنا أعرف كم أنت مستاءة مني، وأعرف مدى انزعاجك من لا مبالاتي بهذا الأمر. لكن صدقيني لم أشأ أن أخبرك. لا لأني غير مهتم أو غير مبالٍ بآلامك لا أبداً، بل لأني أدرك جيدًا أنه لو أخبرتك ستكرهينني وتحقدين عليّ. لكن لم يعد هذا الأمر يهمني الآن.
اليوم سأخبرك كيف قتل موشيه.
كنت دائمًا أفتخر بأني فرد من قوات النّخبة (وحدة ماغلان) وأفتخر بأنّي جنديّ من جنود الملك داوود، فأنا الجندي الذي تربّى على فكرة أنّ النّصر أمرٌ حتميّ لجيش الدّفاع، وأنّ رجال إسرائيل أشعلوا حروبًا وانتصروا وخاضوا معارك وهزموا جيوش العرب وجحافلها. لا أحد يمكنه أن يقف في وجه إسرائيل، فلدينا أقوى جيش في المنطقة وأقوى سلاح جو ولدينا ولدينا و…
صباح السابع عشر من تموز، انطلقت عمليّتنا البريّة قرب مارون الراس وسميت آنذاك: إسرائيل خيوط فولاذ. كنت في وحدة «ماغلان – تجمع القوات الخاصة»، وكان يتبعني ثلاثون جنديًا من بينهم موشيه. كان هدف العملية الوصول إلى نقطة الملعب وزرع علم إسرائيل هناك حيث ألقى “نصرالله” خطابه الشهير سنة 2000م بعد خروجنا من لبنان. مهدت لهذه العملية البرية طائرتنا الحربية فجعلت الموت يهبط من السماء كالمطر، ودمرت كل شيء. أقول كل شيء. قالوا لنا الآن باتت المنطقة آمنة يمكنكم البدء بالعملية. تبّاً وسحقاً لقاداتنا المخادعين الكذبة، تبّاً وسحقاً لطائراتنا الحربية العظيمة، تبّاً وسحقاً لمدافعنا الثقيلة.
تريدين أن تعرفي كيف قتل موشيه؟! حسناً سأخبرك.
نحن من قتل موشيه، جيشنا العظيم من قتله، أنا من قتل موشيه.
تقدمنا سريعًا وفجأة واجهتنا مقاومة لم تكن في الحسبان، من أين خرج رجال حزب الله لا ندري كانوا أشبه بالأشباح ملؤوا قلوبنا رعبًا وأحالوا صباحنا ليلاً، فلم نستطع الوصول إلى الملعب وبقي أمامنا كيلو متر واحدًا، لكن لم نجرأ على التّقدم. النيران الكثيفة أحاطت بنا من كلّ جانب ، وسقط لنا جرحى وقتلى.
استقر الرأي على زرع علم إسرائيل على أحد البيوت، ثم تصويره ليُقدَّم للإعلام على أن اسرائيل أعادت اعتبارها وهي خيوط من فولاذ.
صدقيني يا دانيالا إنّ إسرائيل هي ليست كبيت العنكبوت، بل هي أوهن من بيت العنكبوت تمامًا كما قال نصرالله.
صعد أحد الجنود إلى سطح المبنى ليزرع علم إسرائيل، ما إن أنهى مهتمه حتى جاءتنا قذيفة قتلت الجندي واحترق العلم ووصلت شظيّة إلى موشيه فسقط جريحاً. وأُتبعت برشقات فر على أثرها كلّ الجنود وكنْت مع الفارين. كان بإمكاني نقل موشيه إلى مكان آمن، لكني لم أفعل. كان قلبي مملوءاً بالرّعب جبنت وهربت ولم ينفع موشيه كل توسلاته وآهاته. نعم تركته لمصيره الأسود.
دانيالا
لا تلقِ كل اللوم عليّ لستُ وحدي من فرَّ من المعركة لست وحدي من ضعف عن القتال سلي كل جنود وضباط إسرائيل فمن يحدثك عن بطولاته في تموز ضعي أصابعك في عينيه لأنه كاذب مخادع.
وها أنا اليوم لم أزل أتذوق طعم المرارة ، طعم الهزيمة الكريه، لم أعد أستطيع التّحمل أكثر فما تزال توسلات موشيه وصراخه تضج في رأسي ولا أزال أعيش ذلك اليوم كما لو أنّه الآن؛ رعب ،اضطراب، قتل، صراخ، ألم، حرقة، فرار، جبن، عار…
لا شيء نفعني لا عقاقير مهدئة أو حتى منومة ولم أستطع أن أنقذ موشيه ولم أستطع أن أنقذ نفسي.
غابي حاييم
17تموز 2007
طوى إبراهم ضابط التّحقيق الرّسالة الملوثة بالدّم وكان الطّبيب الشّرعي لما يزل يعاين الجثة والمسدس ملقى بجانبها وبقعة كبيرة من الدّم قد غطت المكان.
ثم قال متأسفًا: رسالته موجهة إلى أم موشيه.