الخطاب الإعلامي والانحراف القيمي؛ كيف تروّج المنصات الرّقمية لأيديولوجيا الجندر والشّذوذ بين الشّباب
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
الخطاب الإعلامي والانحراف القيمي؛ كيف تروّج المنصات الرّقمية لأيديولوجيا الجندر والشّذوذ بين الشّباب.
Media Discourse and Moral Deviation: how Digital Platforms Promote Gender ideology and homosexuality among youth.
Hassana Adnan Hamdar حسّانة عدنان همدر([1])
Supervision of Dr. Saher Al-Anan إشراف أ. الدكتور ساهر العنان ([2])
تاريخ الإرسال:18-10-2025 تاريخ القبول:30-10-2025
المستخلصturnitin:5% :
يتناول هذا البحث تأثير الخطاب الإعلامي على البيئة الاجتماعيّة والأخلاقيّة، في المجتمعات المعاصرة، مع التّركيز على دور المنصات الرّقمية في ترويج أيديولوجيا الجندر والشّذوذ بين الشّباب. يقوم البحث بتحليل تأثير الإعلام الرّقمي في تشكيل الهُويّة الجنسية للأجيال الجديدة، واستكشاف كيفيّة استغلال هذه المنصات في نشر مفاهيم الجندر والشّذوذ، وترويجها كجزء من حقوق الإنسان والحريّة.
يستعرض البحث تطور مفهوم “الجندر” من كونه مجرد وصف اجتماعي للأدوار البيولوجيّة إلى أداة أيديولوجية تُستخدم لتبرير الشّذوذ الجنسي، وتفكيك القيم التّقليديّة المرتبطة بالجنس والهُويّة. كما يعرض البحث المواقف الدّينيّة المختلفة من الجندر والشّذوذ، مُقارنًا بين موقف الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة إستنادًا إلى النصوص المقدّسة وآراء العلماء.
بالإضافة إلى ذلك، يناقش البحث الأسس الفكريّة والسياسيّة للعولمة الإعلاميّة، وكيف تسعى المنصات الرّقمية إلى تطبيع مفاهيم الجندر والشّذوذ تحت شعارات “الحرية” و”حقوق الإنسان”. وتُستخدم هذه المنصات في فرض منظومة قيم كونية متناقضة مع القيم الدّينيّة والثّقافيّة التّقليديّة.
تتمثل أهمية هذا البحث في منهجيته التداخليّة التي تجمع بين التّحليل الإعلامي، الدّيني، والثّقافي، ما يساعد في كشف الأهداف الخفيّة وراء خطاب الجندر وتأثيراته السلبيّة على الأسرة والمجتمع. كما يقدم البحث حلولًا عمليّة لمواجهة هذه الظاهرة تشمل التّوعية الدّينيّة، تعزيز دور الأسرة، وتطبيق تشريعات وقائيّة لحماية الهُويّة الثّقافيّة والدّينيّة.
الكلمات المفتاحيّة: الخطاب الإعلامي؛ الجندر؛ الشّذوذ؛ الشّباب؛ العولمة الثّقافيّة؛ القيم الدّينيّة.
Abstract:
This study examines the impact of media discourse on societal values and the role of digital platforms in promoting gender ideology and homosexuality among youth. It analyzes how digital platforms act as tools for disseminating gender concepts, shifting from a sociological description of biological roles to an ideological mechanism that justifies behaviors contrary to natural human dispositions. The research explores the evolution of the term “gender” and its instrumentalization in undermining traditional religious and familial values.
The study further investigates the perspectives of the three Abrahamic religionsIslam, Christianity, and Judaism—on gender deviations and homosexuality, analyzing sacred texts and scholarly opinions. It contrasts these religious stances with global agendas seeking to normalize gender diversity under the banners of freedom and human rights.
The paper also addresses the philosophical and political foundations of globalization, emphasizing its attempts to reshape human identity by imposing a universal value system detached from religious and cultural roots. The importance of this research lies in its interdisciplinary approach, combining religious, social, and cultural analyses to unveil the hidden agendas behind gender discourse and its negative consequences on family structures, society, and moral identity.
Practical solutions are proposed, focusing on religious awareness, the role of the family, and preventive legislation to counteract these ideological shifts.
Keywords: Media discourse; gender; homosexuality; youth; globalization; religious values.

المقدّمة: باتت المنصات الإعلاميّة في عصر العولمة الرّقمية، أحد الأدوات الرئيسة في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي للأجيال الجديدة، خاصة في ما يتعلق بمفاهيم الجندر والشّذوذ الجنسي. يُعدُّ هذا التحوّل في مفاهيم الهُويّة الجنسيّة من الظواهر المهمّة التي تواجهها المجتمعات المعاصرة. إذ أصبح مفهوم الجندر، الذي كان في الماضي يُستخدم كأداة علمية لوصف الأدوار الاجتماعيّة المرتبطة بالجنس البيولوجي، أداة أيديولوجية تُوظف لتبرير الشّذوذ الجنسي وتفكيك القيم الأُسريّ’ والدّينيّة التّقليديّة.
إشكاليّة البحث : مع تطوّر وسائل الإعلام الرّقمي وانتشار المنصات الاجتماعيّة، تتزايد قوة الخطاب الإعلامي الرّقمي في نشر هذه المفاهيم الجديدة التي تتناقض مع الفطرة الإنسانيّة. وعلى الرغم من تأثير هذه الظواهر في المجتمعات الغربية، فإن تأثيرها يتسارع في المجتمعات الأخرى بفعل العولمة الثّقافيّة والإعلاميّة، ما يهدّد القيم الاجتماعيّة والأخلاقيّة التي ترسخت في المجتمعات ذات الهُويّة الثّقافيّة والدّينيّة الراسخة.
فرضيّة البحث: تنطلق هذه الدّراسة من أنّ الخطاب الإعلامي الرّقمي يؤدي دورًا محوريًا في ترويج وتطبيع مفاهيم الجندر والشّذوذ بين الشّباب، ما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في الفهم الاجتماعي والثقافي لهوياتهم الجنسيّة. كما أنّ المنصات الرّقميّة أصبحت وسيلة فعالة لنشر هذه الأيديولوجيات تحت شعارات الحريّة وحقوق الإنسان، ما يسهم في تقويض القيم الدّينيّة والأُسريّة التّقليديّة.
أهداف البحث:تسعى الدّراسة إلى استكشاف تأثير الخطاب الإعلامي على الشّباب، وتحليل كيفيّة استخدام المنصات الرّقمية كأداة لنشر هذه الأيديولوجيات. وتهدف الدّراسة إلى فحص المواقف الدّينيّة الثلاثة (الإسلام، المسيحية، واليهودية) تجاه مفهومي الجندر والشّذوذ، من خلال تحليل النّصوص المقدسة وآراء العلماء. كما تتناول الدّراسة دور العولمة الإعلاميّة في تشكيل هوية الإنسان من خلال فرض قيم كونيّة، بعيدًا من الجذور الدّينيّة والثّقافيّة.
أهمّيّة البحث: تكمن أهميّة هذا البحث في منهجيته التداخليّة التي تجمع بين التّحليل الدّيني والاجتماعي والثقافي، ما يساعد في كشف الأهداف الخفيّة وراء خطاب الجندر وتأثيراته السلبيّة على الأسرة والمجتمع. كما يقدم حلولًا عمليّة لمواجهة هذه الظاهرة، تشمل التّوعية الدّينيّة، تعزيز دور الأسرة، وتفعيل التّشريعات الوقائيّة لحماية الهُويّة الثّقافيّة والدّينيّة.
منهج البحث: اعتمدت هذه الدّراسة على المنهج الوصفي-التّحليلي بوصفه الأنسب لفهم وتحليل ظاهرة الخطاب الإعلامي الرّقمي وأثره على مفهومي الجندر والشّذوذ الجنسي بين الشّباب. يهدف هذا المنهج إلى وصف مكونات الخطاب الإعلامي وتحليل مضامينه ومرجعياته الأيديولوجيّة، من خلال تحليل المحتوى الإعلامي ومقارنته بالنُّظم القيميّة في المرجعيّات الدّينيّة، وبخاصة في ظل تصاعد تأثير الإعلام الرّقمي في تشكيل وعي الجيل الجديد.
واعتُمِد على المنهج المقارن لمقاربة الاختلاف الجذري بين المرجعيّة الدّينيّة (في الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة) والمرجعيّة الليبراليّة الغربيّة في ما يتعلق بمفاهيم الجندر والشّذوذ، وذلك من خلال تحليل النّصوص الدّينيّة ومواقف العلماء، في مقابل تحليل الخطاب الإعلامي العالمي، ما يسمح بفهم طبيعة التناقض والصّدام القيمي الناتج عن هذا التداخل.
الخطوات المعتمدة في المنهج:
- جمع المادة العلميّة: حصِرت مجموعة من المراجع المتخصّصة، تشمل دراسات أكاديميّة، كتب نظريّة، بحوث منشورة، تقارير ثقافيّة، ومضامين إعلاميّة رقميّة تُعبّر عن الخطاب الجندري المروَّج عبر المنصات.
- تحليل الخطاب الإعلامي: أُجري تحليل نظري لمضامين إعلاميّة مختارة تمثل نماذج من الخطاب الرّقمي حول الجندر والشّذوذ، مع التّركيز على اللّغة المستخدمة، الرّموز، وتكرار الرّسائل، وتفسيرها من منظور سيميائي وثقافي.
- مقارنة المرجعيّات: حُلِّلت النّصوص الدّينيّة التي تتناول موضوعات الجندر والشّذوذ، واستعراض آراء الفقهاء والمفسرين، ثم مقارنتها بالخطاب الليبرالي المعاصر كما يظهر في الإنتاج الإعلامي والسياسي الغربي.
- تحليل البُعد الأيديولوجي: استُحضِرت النظريّات التي تفسّر كيف تُستخدم المنصات الرّقميّة كأدوات لفرض قيم أيديولوجية معينة، مستندًا إلى مفاهيم الهيمنة الثّقافيّة، الغرس الثقافي، ونظريّة صناعة الرأي العام.
- استخلاص الرؤية التفسيريّة: من خلال الدّمج بين التّحليل النّصي والدّيني والثقافي، قُدِّم تفسير شامل لكيفيّة تحول الإعلام الرّقمي إلى فاعل قيمي يعيد تشكيل الوعي الجندري، ويقوّض المرجعيّات التّقليديّة.
الأدوات النظريّة المعتمدة:
- تحليل المحتوى النظري والرمزي: فُكِّكت بنية الخطاب الإعلامي في اللّغة، الرّموز، والدّلالات، بالاستناد إلى النظريات السيميائيّة ونظريّة الخطاب.
- التحليل النصي المقارن: حُلِّلت النّصوص الدّينيّة (القرآن الكريم، الكتاب المقدس، التوراة) ومقارنتها بالنّصوص والخطابات الإعلامية الرّقمية.
- الإطار النّظري متعدد التخصصات: وُظِّف أطر سوسيولوجيّة، دينيّة، إعلاميّة وفكريّة لفهم الظاهرة، من بينها: نظريّة الغرس الثقافي، نظريّة الأجندة، ونظريّة ما بعد الحداثة.
المبحث الأول: مفهوم الجندر وتأثيراته في السياق الإعلامي والعولمة
أولًا : تطوّر مفهوم الجندر من وصف اجتماعي إلى أداة أيديولوجيّة
يُعد مفهوم الجندر من أبرز المواضيع التي شهدت تطورًا ملحوظًا في الأدبيّات الفكريّة، خاصة في مجال الدّراسات الاجتماعيّة والفكر النسوي. في البداية، كان الجندر يُستخدم في سياق الدّراسات السوسيولوجيّة كأداة لفهم الأدوار الاجتماعيّة التي تُمنح للذكور والإناث. لكن، مع مرور الوقت وتطور الحركات النسويّة، تحول هذا المفهوم إلى أداة أيديولوجيّة تُستخدم لتحدّي النظام الاجتماعي، والثقافي القائم الذي كان يُعدُّ ثابتًا بناءً على خصائص بيولوجية محدّدة.
كان الجندر في مطلع القرن العشرين، يُفهم ببساطة على أنّه تمييز بين الذكور والإناث بناءً على الخصائص البيولوجيّة فقط، مثل التناسل، والوظائف البيولوجيّة التي يقتصر كل جنس على أدائها. لكن، في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، بدأ المفكرون مثل جوديت بتلر في إعادة تعريف الجندر بشكل غير تقليدي. فبتلر، في عملها الشّهير Gender Trouble، قامت بتحدي الفكرة التّقليديّة بأن الجندر هو ببساطة وظيفة بيولوجيّة، وأكدت أنّ الجندر هو أداء ثقافي واجتماعي يُعاد إنتاجه باستمرار من خلال الممارسات الاجتماعيّة.
بدأت الحركات النّسويّة مع موجة الجندر الجديدة في السبعينيات في الغرب، إذ قام المفكرون النّسويون بتوسيع هذا المفهوم ليشمل نقدًا جوهريًا للتمييز الجنسي والاجتماعي. استُخدِم الجندر كأداة لإعادة تشكيل التّوزيع التّقليدي للأدوار الاجتماعيّة في المجتمع، بالإضافة إلى أنّه أصبح منهجًا فكريًا يُستخدم في دراسات الهُويّة الجنسيّة والإنسانيّة. في هذا الإطار، ارتبطت هذه التّحولات الثّقافيّة بتوسيع نطاق القيم الجندريّة، لتشمل الهُويّة الجندريّة التي يمكن أن تتجاوز الجنس البيولوجي.( Butler,1990:45)
اليوم، يمكننا النظر إلى الجندر كأداة تُستخدم لتمرير أيديولوجيّات سياسية معقدة تهدف إلى تفكيك الأسرة، و التّقويض المتعمد للتركيبات الثّقافيّة والدّينيّة التي كانت سائدة في المجتمعات لحقِب طويلة. وبذلك، أصبح الجندر ليس فقط وسيلة لفهم الأدوار الاجتماعيّة، بل أيضًا أداة تمكّن الحركات السياسيّة الحديثة من إعادة هيكلة المجتمعات وجعلها أكثر مرونة في تعاملها مع القضايا الجندريّة.
وقد أظهرت الدّراسات الأكاديميّة المعاصرة أن الجندر أصبح أداة لتمرير الأيديولوجيات التي تروج للشّذوذ الجنسي و الهُويّة الجندريّة السّائلة، وهو ما يعارض القيم الدّينيّة التّقليديّة التي تستند إلى ثنائية الذكر والأنثى. في هذا السّياق، تتزايد الدّعوات إلى إلغاء الفروق الجندريّة البيولوجيّة من خلال تطبيق مفاهيم الجندر في مجالات الحياة كافة ، بما في ذلك التّعليم، القانون والإعلام( Money,1954:307).
ثانيًا: المنصّات الرّقميّة ودورها في نشر مفاهيم الجندر والشّذوذ
أدّت المنصات الرّقميّة إلى تحولات كبرى في كيفيّة التواصل، إذ أصبحت الأدوات الرئيسة في نشر أفكار ومفاهيم جديدة حول الجندر والشّذوذ الجنسي. من خلال وسائل الإعلام الاجتماعيّة مثل فيسبوك، تويتر، إنستغرام، و يوتيوب، باتت المنصات الرّقميّة مسرحًا رئيسًا للمناقشات حول الحقوق الجندريّة والتّحرر الجنسي. هذه المنصات لم تقتصر على كونها منصات ترفيهيّة أو تفاعليّة، بل أصبحت أدوات فعّالة لنشر الأيديولوجيات.
كانت منصات التّواصل الاجتماعي في البداية، تُستخدم لنشر الأفكار وتبادل المعلومات في مجالات متنوعة، مثل السياسة، والاقتصاد، والثقافة. ولكن في الآونة الأخيرة، تطور دور هذه المنصات ليشمل نشر وتعزيز المفاهيم الجندريّة التي تُركز على قبول الهويات الجنسيّة المتعددة و الشّذوذ الجنسي. تُنشر هذه المفاهيم من خلال المحتوى المرئي مثل مقاطع الفيديو، الصور، والمقالات، التي تُعزز التنوع الجندري، وتدعو إلى تغيير الهويات التّقليديّة للذكور والإناث.
تُظهر الدّراسات مثل دراسة Roberts أن الشّباب هم الأكثر تأثرًا بهذه المنصات، إذ يُعلَّمون أن الهُويّة الجندريّة يمكن أن تكون أكثر من مجرد اختيارات بيولوجيّة. على سبيل المثال، يمكن للمستخدمين أن يجدوا مجموعات ومجتمعات داعمة للأشخاص الذين يتبنون الهُويّة الجندريّة السائلة أو الهُويّة المثيليّة، ما يجعل هذه المفاهيم أكثر قبولًا من خلال التّفاعل المستمر عبر هذه المنصات (2018 :70 )
فالمنصات الرّقميّة تتيح فرصة كبيرة لتبادل الآراء والتّجارب بين الشّباب، ما يساهم في تغيير مفاهيمهم حول الهُويّة الجنسيّة. يُنظر إلى هذه المنصات كأداة تثقيفية تجذب الأجيال الجديدة إلى التّفاعل مع هذه المفاهيم، في الوقت الذي تسعى فيه العولمة الثّقافيّة إلى جعل هذه الهُويات جزءًا من القبول الاجتماعي في أنحاء العالم جميعه.( Wolf,2007 :105)
ثالثًا : المواقف الدّينيّة من الجندر والشّذوذ الجنسي
تُعد المواقف الدّينيّة من الجندر والشّذوذ الجنسي موضوعًا محوريًا لفهم العلاقة بين القيم الدّينيّة و التّغييرات الثّقافيّة التي تروج لها الحركات المعاصرة. في الإسلام، يُعدُّ الجندر جزءًا من الخلق الإلهي الذي لا يمكن تعديله أو تغييره. كما تُحرم الممارسات المثليّة في الشّريعة ّالتي تؤكد أنّ الجندر يجب أن يكون ثنائيًا، وأنّ كل من الذّكر والأنثى لهما دور محدد في المجتمع بناءً على تلك الثنائيّة.
وفي المسيحيّة، الكنائس التّقليديّة (الكاثوليكيّة، الأرثوذكسيّة، والبروتستانتيّة) ترفض أيضًا هذه الممارسات، إذ يُعدُّ الشّذوذ الجنسي خروجًا عن النّظام الإلهي. يُستند إلى العديد من النّصوص من العهد القديم، والعهد الجديد التي تحرّم مثل هذه الأفعال، ويُؤكد أن الزواج يجب أن يكون بين رجل وامرأة، بناءً على تعاليم الكتاب المقدس.( القرضاوي ، 2001 :231 )
أمّا في اليهوديّة، فتعِدُّ التوراة أنّ ثنائية الجنس هي جزء من الخلق الإلهي ولا يجوز الخروج عنها. تُعزز هذه المواقف من خلال التّفسير الدّيني الذي يحرم المثليّة ويرفض أي تحولات جندريّة. (المسيري, 2002 :321 )
إذن، تشترك الأديان السّماويّة الثلاث في رفض هذه الممارسات، مؤكد’ ضرورة التّمسك بالنّظام الجندري البيولوجي الذي ينص على تمييز الذكر والأنثى كجزء من الخلق الإلهي. ووفاقًا لهذه الدّيانات، فإنّ أي محاولة لتغيير هذا النّظام الجندري تُعدُّ خروجًا عن الفطرة وانحرافًا اجتماعيًا وأخلاقيًا. (السيستاني,2021 :105)
رابعًا : الأسس الفكريّة والسياسيّة للعولمة الإعلاميّة
أصبحت العولمة الإعلاميّة الأداة الرئيسة لفرض القيم الغربيّة المتعلقة بالجندر والشّذوذ الجنسي على المجتمعات التّقليديّة. الخطاب الإعلامي الذي تقدمّه المنصات الرّقميّة، يهدف إلى نشر مفاهيم الحريّة الجنسيّة و تعدد الهُويات الجندريّة بوصفها جزءًا من الحقوق الإنسانيّة. تمثل العولمة الإعلاميّة واحدة من أكثر القوى التي تؤثر على الهُويّة الثّقافيّة، وتُساهم في تفكيك القيم التّقليديّة في المجتمعات المحافظة. Beauvoir,1989 :280))
يُقدَّم من خلال الإعلام الرّقمي، الجندر والشّذوذ الجنسي كمفاهيم طبيعية ومقبولة اجتماعيًا، على الرّغم من تعارضها مع القيم التّقليديّة. وتعمل المنظمات الدّوليّة مثل الأمم المتحدة على تسويق هذه المفاهيم على مستوى عالمي، من خلال الاتفاقات الدّوليّة التي تدعم حقوق المثليين والهُويّة الجندريّة السّائلة.
فالعولمة الإعلاميّة تسعى إلى فرض نموذج ثقافي عالمي، يتجاوز الحدود الدّينيّة والثّقافيّة، ويدعو إلى تقبل مفاهيم الجندر المتعددة. ولكن هذا النّموذج لا يتناسب مع المجتمعات التّقليديّة التي تتمسك بالقيم الدّينيّة التي تُعِدُّ هذه الممارسات انحرافًا عن الفطرة.( Jameson,1991:23 )
المبحث الثاني: تأثير الخطاب الإعلامي الرّقمي على الهُويّة الجندريّة والشّذوذ الجنسي بين الشّباب
أولًا: الخطاب الإعلامي الرّقمي كمحرك لتشكيل الهُويّة الجندريّة
أدى انتشار الإعلام الرّقمي عبر منصات مثل فيسبوك، تويتر، وإنستغرام إلى حدوث تحولات ثقافيّة واجتماعيّة كبيرة فيما يخص الهُويّة الجندريّة. في السّابق، كانت الهُويّة الجندريّة تُفهم بشكل بسيط على أنّها تمييز بيولوجي بين الذكر والأنثى، ما فرض أدوارًا اجتماعيّة محددة لكلّ جنس. لكن مع تطور وسائل الإعلام الرّقميّة، أصبح الجندر يُنظر إليه على أنّه سمة اجتماعيّة وثقافيّة قابلة للتّحوّل وليست فقط سمة بيولوجيّة ثابتة الحمادي.( الحمادي،2018 :115 )
يتيح الخطاب الإعلامي من خلال هذه المنصات، للأفراد فرصة إعادة تعريف هويتهم الجندريّة بناءً على تجاربهم الشخّصيّة والبيئة الثّقافيّة التي يعيشون فيها. يُشجَّع الشّباب بشكل خاص على استكشاف هويتهم الجندريّة بعيدًا من القيود البيولوجية التّقليديّة. تُظهر المنصات الرّقميّة بشكل متزايد الهُويّة الجندريّة السائلة، ما يجعل الأفراد قادرين على تحديد هويتهم الجندريّة بناءً على خياراتهم الشّخصيّة والتّفاعلات الاجتماعيّة. (الزويدي،2019 :135)
في المجتمعات العربيّة، يواجه هذا المفهوم مقاومة من الأجيال الأكبر سنًا، إذ يتمسك الكثيرون بالقيم الجندريّة التّقليديّة التي تعتمد على التقسيم الثنائي للجنس. ولكن، بدأت الأجيال الجديدة تتأثر بشكل متزايد بالخطاب الرّقمي الذي يعزز التنوع الجندري، ويشجع على القبول الاجتماعي لهويات جندرية غير تقليديّة.
ثانيًا : دور الإعلام الرّقمي في تطبيع الشّذوذ الجنسي
ساهم الإعلام الرّقمي بشكل كبير في تطبيع الشّذوذ الجنسي في المجتمعات العربيّة والعالميّة، إذ كان يُعدُّ في الماضي محرمًا في العديد من الثّقافات والأديان. ومع انتشار المنصات الرّقميّة، أصبح الشّذوذ الجنسي يُعرض بشكل طبيعي ويُنظر إليه على أنّه اختيار شخصي. ويُعدُّ هذا التّحول جزءًا من العولمة الثّقافيّة التي تدفع نحو قبول التّنوع الجنسي في المجتمعات التي كانت تتمسك بالمفاهيم التّقليديّة.(أبو هلال،2017 :40 )
تُتيح المنصات الرّقميّة مثل يوتيوب وإنستغرام مساحة واسعة للأفراد المثليين للتعبير عن أنفسهم، ما يساهم في نشر ثقافة الشّذوذ الجنسي في المجتمعات العربيّة. يُعدُّ الخطاب الإعلامي في هذه المنصات شاهدًا على التّغيير الثّقافي، إذ تتزايد البرامج التّرفيهيّة التي تعرض شخصيات مثليّة، وتقدّم علاقات مثليّة بشكل طبيعي ومقبول اجتماعيًا.
تُعدُّ في المجتمعات العربيّة، المثلية الجنسيّة محظورة دينيًا واجتماعيًا، إلا أنّ الإعلام الرّقمي يعزز التّقبل الاجتماعي لهذا السّلوك من خلال إبراز قصص وتجارب مؤثرة لأفراد مثليين، ما يجعل من الشّذوذ الجنسي قضيّة حقوقيّة. يُساهم هذا في تقليل الوصمة الاجتماعيّة التي كانت ترافق المثليين في الماضي.(الشرع ، 2020 :145 )
ثالثًا :تأثير خطاب الإعلام الرّقمي على القيم الاجتماعيّة والأخلاقيّة
أدّى الخطاب الإعلامي الرّقمي إلى تغيير جذري في القيم الاجتماعيّة والأخلاقيّة في المجتمعات العربيّة، خاصة فيما يتعلق بمفاهيم الجندر والشّذوذ الجنسي، وقد كانت المجتمعات التّقليديّة، مثل المجتمعات الإسلاميّة و المسيحيّة، تعدُّ أنّ الجندر هو ثنائي بين الذكر والأنثى، ويجب على الأفراد اتباع الأدوار المحددة من المجتمع بناءً على هذا التمييز. إلّا أنّ الإعلام الرّقمي، من خلال المنصات الاجتماعيّة، قد ساهم في تحدي هذه الأدوار التّقليديّة.(غنيم ،2021 :85)
من خلال المحتوى الرّقمي الذي يعرض الهويات الجندريّة غير التّقليديّة والعلاقات المثليّة، يُصبح الشّذوذ الجنسي جزءًا من الخطاب الثقافي الذي يعزز الحقوق الجنسيّة. يساهم هذا في تغيير التّصورات حول ما هو مقبول اجتماعيًا، خاصة بين الشّباب الذين يتأثرون بشكل كبير بالمحتوى الذي يستهلكونه عبر الإنترنت. هذا التّحول في القيم أدى إلى زيادة القبول والتّسامح تجاه الهويات الجندريّة غير التّقليديّة والشّذوذ الجنسي.
يواجه هذا التّحول في المجتمعات العربيّة التّقليديّة، مقاومة شديدة من الأجيال الأكبر سنًا التي تتمسك بالقيم الدّينيّة. لكن الأجيال الشّابة بدأت تتبنى هذه المفاهيم بشكل تدريجي، ما أدى إلى تصادم بين الأجيال حول قضايا الهُويّة الجندريّة والشّذوذ الجنسي.(السماك ، 2018 :230 )
رابعًا : التحديات التي تواجه المجتمعات التّقليديّة في ظل العولمة الإعلامية
تمثل العولمة الإعلاميّة أحد التّحديات الكبرى للمجتمعات التّقليديّة التي تتمسك بالقيم الدّينيّة والثّقافيّة الثابتة. في المجتمعات العربيّة، فيُعدُّ الشّذوذ الجنسي و الهويات الجندريّة المتنوعة محرمات دينيّة، تساهم المنصات الرّقميّة في نشر الأيديولوجيات الغربيّة حول الحرية الجنسيّة و الحقوق الجندريّة. وتؤدي هذه التّحولات إلى صراع داخلي بين القيم التّقليديّة التي تؤمن بها الأجيال الأكبر سنًا، وبين الأجيال الشّابة التي تأثرت بالخطاب الرّقمي المعاصر.(حجازي، 2020 :120 )
يروج الإعلام الرّقمي لمفاهيم التعدد الجندري والحقوق الجنسيّة للأفراد المثليين، ما يدفع المجتمعات التّقليديّة إلى مواجهة تحديات ثقافيّة وأخلاقيّة كبيرة. إذ تسعى المنصات الرّقميّة إلى تعزيز تقبل الشّذوذ الجنسي والهويات الجندريّة السّائلة في المجتمعات التي كانت تُعدًّ هذه المفاهيم فيها محرمة اجتماعيًا ودينيًا. تواجه المجتمعات العربيّة التّقليديّة تحديات في الحفاظ على هويتها الثّقافيّة والدّينيّة في ظل هذه التغيرات الجذرية.(عبد الله ،2019 :165)
المبحث الثالث :الأطر النظريّة لتفسير العلاقة بين الخطاب الإعلامي والانحراف القيمي في قضايا الجندر والشّذوذ بين الشّباب.
أوّلًا : نظريّة البناء الاجتماعي للجندر – الإعلام كمصنع للانحراف القيمي
تستند نظريّة البناء الاجتماعي للجندر إلى أنّ الهُويّة الجندريّة لا تُولد مع الفرد، بل تُبنى تدريجيًا من خلال التنشئة الاجتماعيّة والخطابات الثّقافيّة المتكررة. في المجتمعات التّقليديّة، كان يتشكل الجندر عبر الأسرة والمدرسة والديّن، لكن الإعلام الرّقمي أصبح اليوم من أقوى مؤسسات التنشئة الحديثة، خصوصًا في تشكيل الوعي الجندري عند الشّباب.
ما يحدث حاليًا في الخطاب الإعلامي الرّقمي هو تفكيك المعنى الكلاسيكي للجندر، وإعادة بنائه وفق رؤية حداثيّة ترى أنّه “اختيار شخصي” وليس “هوية فطرية”. وتُظهر المنصات الرّقمية ذلك من خلال محتوى مُمنهج يُشجع على تقبّل “الهُويات الجندريّة البديلة”، وتقديمها بصورة إنسانيّة جذابة، ما يؤدي إلى ترسيخ تصورات جديدة تبتعد من الثوابت البيولوجيّة أو الدّينيّة.(نجم ،2021 :100 )
تؤثر هذه الظاهرة بشكل خاص على الشّباب غير المستقرين نفسيًا أو القادمين من بيئات أسرية مضطربة، حيث يكون الإعلام بالنسبة لهم مصدرًا لبناء الذات. فتبدو “الهُويّة الجندريّة الجديدة” مخرجًا للهروب من الضغوط النّفسيّة أو الاجتماعيّة، ما يخلق ارتباطًا خطيرًا بين الهُويّة والانفصال عن القيم.
ينتزع هذا النّوع من الخطابات الجندر من سياقه الدّيني والاجتماعي، ويُعيد تشكيله كجزء من “الحرية الشّخصيّة”، ما يؤدي إلى تشويش معرفي عند المتلقي، خاصة في البيئات العربيّة المحافظة التي تُحرَّف فيها القيم باسم التّقدم والانفتاح. ويتحوّل الخطاب من مجرد وصف للتّعدد الجندري إلى تحريض ضمني على التمرد القيمي، ما يجعله أداة لأدلجة، وتسييس الجندر في صراع حضاري أوسع.( Lorber,1994 :400)
ثانيًا : نظريّة الغرس الثقافي – التّكرار الذي يصنع الانحراف
تُظهر نظريّة الغرس الثقافي أنّ المحتوى الإعلامي لا يمر مرور الكرام، بل يتراكم في لا وعي المتلقي، ويُشكّل تدريجيًا نظرته للواقع. عندما يكون المحتوى المتكرر متعلقًا بالجندر والشّذوذ، كما هو الحال في المنصات الرّقميّة اليوم، يصبح هذا الغرس أشبه بهندسة إدراكيّة للقيم، خصوصًا عند الجيل الناشئ.
تعتمد المنصات الرّقميّة على خوارزميات ذكية تُعيد تقديم المحتوى المشابه لما شاهده المستخدم سابقًا، ما يخلق فقاعة معرفيّة مغلقة. فإذا أبدى المراهق فضولًا لمقطع عن الجندر، ستبدأ المنصة تلقائيًا في ضخّ محتوى متصل، حتى تتحول الفكرة من “استكشاف” إلى “تطبيع” ثم إلى تبنٍّ قيمي (العجمي ،2019 :150 )
هذا ما يجعل الغرس الإعلامي أكثر خطورة اليوم ما كان عليه في زمن التّلفاز؛ فوسائل التواصل الاجتماعي تدمج بين التّكرار، والتّفاعل، والانغماس، ما يسرّع عمليّة الغرس. ومن خلال التّعليقات، والمشاركة، وردود الأفعال الإيجابيّة، يتعزيز هذا الانحراف القيمي بوصفه “محبوبًا” أو “رائجًا”، ما يزيد من قابليّة الشّباب لتبنيه. لا يقتصر الغرس على المفاهيم، بل يشمل اللغة، المظهر، والرّموز. فالشّعارات والألوان المرتبطة بـ LGBTQ+ أصبحت رموزًا تكراريّة في الثقافة الرّقميّة، ومع الوقت تُخزَّن في الوعي على أنّها “طبيعيّة” أو “مطلوبة”، ما يُنتج سلوكًا مندمجًا مع ما كان في السّابق منبوذًا. (Morgan,2010 :355)
ثالثًا : نظريّة الأجندة – الإعلام يحدد القيم التي يجب مناقشتها
لا تقتصر خطورة الخطاب الإعلامي الرّقمي على ما يُعرض فقط، بل تمتد إلى ما يُركّز عليه باستمرار. وفاق نظريّة الأجندة، فإنّ التّركيز الإعلامي المكثف على قضايا الجندر، والشّذوذ يجعلها من أولويات النقاش المجتمعي، ويُحولها إلى مواضيع مشروعة حتى لو كانت تناقض السّياق الثّقافي والدّيني.
على سبيل المثال، تقوم المنصات الرّقمية ببرمجة خوارزمياتها لتضخيم الهاشتاغات المرتبطة بحقوق الجندر، ما يجعلها تكتسب زخمًا مصطنعًا، فيُخيّل للمتابع أن هذا ما يهتم به “العالم” فعلًا. وهنا تتشكل أجندة إعلاميّة عالميّة تفرض نفسها على الثقافة المحليّة، وتدفع بالشّباب العربي إلى إعادة ترتيب أولوياتهم القيمية.(حمدان ،2022 :82 )، تُصبح القضايا الجندريّة – من منظور الأجندة – قضايا “تحرر وتقدُّم”، وتُصور المقاومة لها على أنّها رجعيّة أو كراهيّة. وهذا التّلاعب في الإطار الإعلامي يجعل من الانحراف القيمي فضيلة معاصرة، ما يُربك القيم التربوية السائدة.
ومع تكرار تناول القضية بصيغة “الحق والحريّة”، تتحول القضية من سياقها الأخلاقي إلى سياق حقوقي/سياسي، ما يُحرم المجتمعات من حقّها في مناقشتها ضمن مرجعياتها، ويجعل الأيديولوجيا تحل محل القيم.(Dearing,1996 :80)
رابعًا: نظريّة الاستخدامات والإشباعات – لماذا ينجذب الشّباب إلى الخطاب الجندري؟
تفسر هذه النّظريّة التفاعل بين المستخدم والمحتوى، موضحة أنّ الشّباب لا يتأثرون فقط لأنّ المحتوى يُعرض عليهم، بل لأنّهم يطلبونه بإرادتهم. هذا يعني أنّ الجاذبيّة التي يتمتع بها محتوى الجندر والشّذوذ تعكس فراغًا نفسيًا، أو حاجة اجتماعيّة، أو ضغطًا ذاتيًا لدى المتلقي.(الناصر ،2020 :122)
يبحث الشّباب في المراحل الانتقالية (كالمراهقة) عن الاعتراف، والهُويّة، والانتماء. وفي ظل غياب الاحتواء الأسري والتربوي، يجدون في المجتمعات الرّقمية “ملاذًا” يمنحهم القبول دون شروط. وبذلك، يُشبِع الخطاب الجندري حاجاتهم النفسية، لكنه في الوقت نفسه يعيد تشكيل قيمهم من الجذور.
المفارقة هنا أن الخطاب الإعلامي الجندري لا يقدم فقط معلومات، بل يقدم هويات بديلة جاهزة، مما يجعل بعض الشّباب لا يكتفون بتبنّي الخطاب بل يحولونه إلى قناعة وسلوك. ومع التّفاعل الدائم، تبدأ منظومة القيم السّابقة بالتآكل، ويحل محلها نظام قيمي جديد هش، قائم على التمرد والانفصال.
وهنا يصبح الإعلام ليس مصدرًا للإشباع، فقط بل أداة لإعادة هيكلة القيم، وتحويل الاحتياجات النفسية إلى بوابات أيديولوجية تفتح الطريق نحو تبنّي الانحراف تحت شعار الحريّة.( Rubin,2009 :11)
المبحث الرابع : الخطاب الإعلامي الرّقمي وأدلجة الجندر والشّذوذ – تحليل سيميائي وثقافي
أوّلًا : السيميائية الجندريّة في الإعلام الرّقمي – كيف تصنع الرموز القبول؟
تُعد السيميائية أداة فعالة في تفكيك الخطاب الإعلامي الجندري، إذ تعتمد المنصات الرّقميّة على الرّموز، الألوان، والإشارات البصريّة لتوصيل رسائل معقدة بطريقة ضمنيّة. ففي الوقت الذي تُحرّم فيه المثليّة في الخطاب الديني، تُقدَّم عبر الإعلام كـ”حق” من خلال تغليفها برموز إيجابيّة.(صبري ،2021 :89)
مثال بارز هو استخدام علم قوس قزح (Rainbow Flag) الذي بات رمزًا عالميًا للمجتمع المثلي. لا يُعرض هذا الرمز كمجرد لون، بل يُلحق بمشاعر الحريّة، الحب، القبول، الشّجاعة. ومع تكرار ظهوره في المسلسلات، واجهات التّطبيقات، وصور المشاهير، يتحول تدريجيًا إلى علامة معياريّة على “التقدم”، في مقابل “الرجعية” الملتصقة برفض الشّذوذ. حتى في المنتجات التجارية مثل شعارات الشركات أثناء (Pride Month)، يُستخدَم الرّمز بذكاء تسويقي وسيميائي، ما يغرس في وعي المتلقي أنّ رفض هذه الرموز = عدوانيّة أو تخلف. هذا التّلاعب بالرمزيّة يعيد توجيه الإدراك الجمعي نحو تطبيع الانحراف القيمي.
في السّيميائيّات، يُقال: ما لا يُقال صراحة يُفهم من الرّمز. وهذا ما يحدث في الخطاب الجندري الرّقمي، فيصبح الرّمز أداة أيديولوجيّة ناعمة لتفكيك القيم، من دون خوض جدل مباشر (Barthes,1972:80)
– ثانيًا: التّحايل اللّغوي في الخطاب الجندري – كيف يُعاد تعريف المفاهيم؟
يلجأ الخطاب الإعلامي الرّقمي إلى إعادة صياغة المفاهيم اللّغوية المتعلقة بالجنس والجندر، فيتحول “الشّذوذ” إلى “اختلاف”، و”التّحول الجنسي” إلى “حقّ الهُويّة”، و”الأسرة الطبيعيّة” إلى “أحد أشكال العيش”. هذا التّحايل اللّغوي لا يهدف فقط إلى التجميل، بل إلى إعادة بناء المفهوم ذاته داخل الذهن الجمعي.
يستخدم الإعلام مصطلحات مثل:
- “التنوع الجندري“ بدلًا من الانحراف الجندري.
- “التحول الجندري“ بدلًا من اضطراب الهُويّة.
- “التحرر من الثنائية الجندريّة“ كمرادف للتخلي عن الفطرة Fairclough,1995:33))
هذه المصطلحات، وإن بدت أكاديميّة، فهي محملة بأيديولوجيا ما بعد الحداثة، التي تسعى إلى تفكيك الثوابت وإعادة تركيب الواقع وفاق رؤية نسبيّة لا تعترف بالثابت الأخلاقي. المفارقة أن كثيرًا من الشّباب العربي يتبنى هذه المصطلحات من دون إدراك خلفياتها الفكريّة، فيرددون: “أنا غير ثنائي”، “أنا أستكشف هويتي”، متأثرين بالنّماذج الغربيّة المنتشرة رقميًا. وبهذا يتحول التّحايل اللغوي إلى جسر أيديولوجي يمر عبره الإنحراف القيمي في صورة “تحرر لغوي”.( الصالح،2022 :78)
ثالثًا : السينما والإعلانات الرّقمية كمنصات لتطبيع الجندر
تؤدي الدراما الرّقميّة، والإعلانات، ومحتوى المنصات مثل نتفليكس، ويوتيوب دورًا مركزيًا في تطبيع السّلوكيات الجندريّة المنحرفة من خلال السّرد القصصي والبصري. تُعرض الشّخصيات المثليّة في معظم هذه المنصات كأبطال إيجابيين: ناجحين، لطفاء، محبوبين. بينما تُصوَّر الشّخصيات التي تنتقدهم كمتعصبة أو متخلفة. (Hall,1997 :50),
هذه الاستراتيجية البصريّة تُحدث انقلابًا ثقافيًا هائلًا، فيغسل الوعي البصري ويجعل التّكرار يؤدي إلى التطبيع. ووفاق مبدأ Exposure leads to acceptance، فإنّ كثافة هذا النوع من التمثيل تجعل المتلقي الشّاب يرى الشّذوذ كأمر “مقبول اجتماعيًا”.
والأخطر أن كثيرًا من هذه الرسائل تُدمج ضمن قصص رومانسيّة أو كوميديّة، ما يُخفف من حدّة الرّفض النّفسي، ويُحوّل المفهوم إلى شيء مألوف. الإعلانات أيضًا تُظهر “العائلة المثليّة” وكأنّها شكل من أشكال “الحب” الحديث، ما يُشكل تهديدًا مباشرًا لمفهوم الأسرة الفطريّة في الثقافات العربيّة.( البدوي،2020 :135 )
رابعًا: الهيمنة الثّقافيّة الرّقمية – كيف تُفرض أيديولوجيا الجندر عالميًا؟
من خلال مفهوم الهيمنة الثّقافيّة لغرامشي، يمكن تفسير كيف تتحول قيم الأقلية (مثل الجندر السّائل والشّذوذ) إلى خطاب عالمي مهيمن بفضل الإعلام الرّقمي. الشّركات الكبرى (ميتا، نتفليكس، ديزني، جوجل) تروّج لأيديولوجيا موحدة حول الجندر، وتسعى لفرضها على جميع المجتمعات تحت لافتة “حقوق الإنسان” و”التمكين(العامري ،2021 :88 )
لا تتم هذه الهيمنة بالقوة، بل عبر إنتاج ثقافي جماهيري يغزو وعي الأفراد تدريجيًا. ومن خلال دمج هذه القيم في الترفيه والتكنولوجيا والتعليم، تُتفكَّك الخصوصيّات الثّقافيّة وتُستبدل بـ”قيم كونية” منحرفة في جوهرها عن الفطرة، وبهذه الطريقة تصبح المنصات الرّقميّة أدوات استعمار ثقافي جديد، تسلب المجتمعات هويتها وتفرض عليها أيديولوجيا الجندر بوصفها “الحقيقة الإنسانيّة العليا”، بينما تُشيطن كلّ مقاومة على أنّها “كراهية” أو “عنصريّة جنسيّة(Gramsci,1971:12)
المبحث الخامس: المنصات الرّقمية كأدوات أيديولوجيّة: كيف تُستخدم التقنية في اختراق منظومة القيم؟
أوّلًا: خوارزميّات التوصية وتضخيم خطاب الجندر
أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي في المنصات الرّقمية (مثل يوتيوب، تيك توك، إنستغرام) فاعلًا غير مرئي لكنه مؤثر بشكل عميق في تشكيل وعي المستخدم. هذه الخوارزميّات لا تعرض المحتوى بشكل محايد، بل تنتقي المحتوى بناءً على سلوك المستخدم السابق، ما يؤدي إلى خلق ما يُعرف بـ”فقاعة الترشيح” (Filter Bubble).
في سياق الجندر، يؤدي مجرد تفاعل المستخدم مع فيديو أو منشور ذي علاقة بـ”الهُويّة الجندريّة” أو “المثلية الجنسية” إلى سلسلة من التوصيات التلقائية لمحتويات مشابهة، وغالبًا ما تكون أكثر جرأة أو تطرفًا. هذا التكرار القسري يغرس المفاهيم تدريجيًا، حتى تتحول من “فضول معرفي” إلى “قناعة داخلية”، وهو ما أشارت إليه نظريّة الغرس الثقافي سابقًا.(منصور ، 2022 :120 ). تُظهر دراسات إعلاميّة حديثة (Pariser, 2011) أنّ الخوارزميات تعزز القناعات لا تُناقضها، وتُغلق على المستخدم دوائر معرفيّة تؤدي إلى تضييق الخيارات، لا تنويعها. في ظل ذلك، يصبح الشاب أكثر عرضة لتلقّي محتوى يُروّج للجندر السائل أو الشّذوذ بوصفه الطبيعة الإنسانيّة الحقيقيّة.(ص 88)
أمّا في السّياق العربي، فإن غياب رقابة معرفيّة وقيميّة على هذه المنصات يجعل الخوارزميّات الغربيّة ذات المرجعيّة الليبراليّة قادرة على إعادة تشكيل وعي المستخدم العربي من دون أي مقاومة فكريّة أو مجتمعيّة واضحة.
ثانيًا : اقتصاد الانتباه وتسييل الانحراف
لا تُروّج المنصات الرّقميّة للمحتوى الجندري انطلاقًا من أيديولوجيا فقط، بل تُوظف ذلك ضمن ما يُعرف بـاقتصاد الانتباه. في هذا الاقتصاد، كل ثانية يقضيها المستخدم أمام الشّاشة تُحسب كقيمة سوقيّة؛ لذلك، تسعى المنصات لعرض محتوى مثير، عاطفي، أو صادم، بما يضمن أقصى تفاعل.
ويُعد المحتوى المرتبط بالجندر والشّذوذ من أكثر المواضيع التي تثير الجدل والانقسام، ما يحقق نسبة مشاهدات عالية، ويزيد من أرباح الإعلانات. ولذلك، تتواطأ المنصات – عن وعي أو من دونه – في تسييل الانحراف القيمي ليصبح مادة استهلاكية لا تُناقش في سياق أخلاقي، بل تسويقي. (Wu,2016:42)
المشكلة ليست فقط في التّرويج، بل في نزع القداسة عن المفاهيم الفطريّة مثل الذكورة والأنوثة والأسرة. ويُتعامل مع هذه المفاهيم بوصفها “منتجات ثقافية” قابلة للتبديل، وتُستبدل بمفاهيم سيولة الجندر وتمجيد الشّذوذ تحت شعارات الحداثة والقبول.
في هذا السّياق، لا يعود الانحراف فقط ظاهرة سلوكيّة فرديّة، بل يتحول إلى سلعة رقميّة رائجة تُسوَّق عبر المؤثرين والمحتوى الترفيهي وحتى الإعلانات.(الحربي ،2021 :110 )
ثالثًا: المؤثرون الجندريون كأدوات ناعمة لاختراق الوعي الجمعي
أصبح في البيئة الرّقميّة، ما يُعرف بـ”المؤثر” فاعلًا ثقافيًا يتجاوز دور الإعلامي التقليدي. المؤثرون الذين يطرحون أنفسهم كمتحولين جنسيًا، أو لا يعرّفون أنفسهم ضمن الثنائية الجندريّة، يؤدون دورًا خطيرًا في اختراق الوعي الجمعي للشباب.(حسن ،2022 :58). يتميز هؤلاء المؤثرون بـ”الكاريزما الرّقميّة”، واستخدامهم لأسلوب بسيط وعاطفي في عرض تجاربهم الشّخصيّة، ما يُكسبهم ثقة المتلقي وتعاطفه. يتحول بذلك الخطاب من خطاب معرفي إلى خطاب وجداني يصعب مقاومته، خصوصًا في غياب الوعي النقدي أو البدائل الثّقافيّة.
يستخدم هؤلاء أدوات مثل:
- “الفضفضة” أمام الكاميرا.
- “سرد المظلوميّة” بسبب المجتمع والدّين.
- “إبراز الدّعم الدّولي” و”الاحتفاء بالاختلاف.( Abidin,2018 :80)
يُسهم كل ذلك في إعادة بناء القيم بطريقة شعبويّة، فتبدو معه المثلية والتحول لا كخيار، بل كحقّ مظلوم يجب الدّفاع عنه. وهنا تتحول المنصة الرّقميّة إلى مساحة لإعادة تشكيل القيم من الأسفل لا من الأعلى.
رابعًا :هندسة الرأي العام عبر الحملات الرّقميّة
تُستخدم الحملات الرّقميّة لخلق ما يُشبه الإجماع الوهمي حول قضايا شديدة الجدل مثل الجندر والشّذوذ، وتُصمم هذه الحملات بشكل احترافي لتأثير نفسي وثقافي واسع، خاصة خلال المناسبات العالمية مثل Pride Month أو أحداث حقوق الإنسان.(فهد ،2020 :170). من خلال دعم هذه الحملات من الشّركات الكبرى، والمؤسسات الإعلاميّة، والمنظمات الدولية، تُفرَض رسائل متكررة من قبيل:
- “كن على طبيعتك.”
- “الحب لا يُقيد.”
- “احترم الهُويّة.”
- “العائلة هي من تختارها.”
هذه العبارات، على الرّغم من بساطتها الظاهرية، محمّلة بأيديولوجيا ما بعد الهُويّة، وتستهدف إعادة بناء مفهوم الذات والعائلة والفطرة. والأسوأ أن من يعارضها يُصور على أنّه عدو للحرية، أو شخص “سام” وغير إنساني. تُحوَّل بذلك المساحات الرّقمية إلى ميادين أيديولوجيّة، تُستخدم فيها العواطف والشّعارات بدلًا من البرهان العقلي أو النقاش القيمي. ونتيجة هذا كلّه، يتشكل رأي عام مشوّه يرى في الانحراف خيارًا مشروعًا بل واجب الاحترام( Castells,2012:90 )
المبحث السّادس:القيم الدّينيّة في مواجهة الانحراف القيمي – تحليل مقارن للخطاب الجندري بين المرجعيات الغربية والدّينيّة.
أوّلًا: الأساس القيمي في الأديان السّماويّة تجاه الجندر والشّذوذ
تجمع الأديان السّماويّة الثلاثة (الإسلام، المسيحيّة، اليهوديّة) على رفض الشّذوذ الجنسي وعدِّه خروجًا عن الفطرة وانحرافًا أخلاقيًا يستوجب الرّفض والعقوبة، ويهدد البنية الطبيعيّة للأسرة والمجتمع. فالرؤية الدّينيّة لقضايا الجندر ترتكز على أنّ الله خلق الإنسان في ثنائية بيولوجيّة واضحة: ذكرًا وأنثى، وأن هذه الثنائيّة هي الإطار الطبيعي للعلاقات الاجتماعيّة والجنسيّة، بما يحفظ التّوازن النّفسي والأخلاقي للبشر. Robinson,2010 :40 ))
تتجلى في الإسلام، هذه الرؤية بوضوح في القرآن الكريم في قصة قوم لوط، الذين “سبقوا إليها من العالمين”، فوصفت أفعالهم بـ”الفاحشة” و”السوء”، ما يُضفي عليها بعدًا قيميًا وأخلاقيًا منحرفًا لا مجرد مخالفة اجتماعيّة (الأعراف: 80–81). وقد أكد النبي محمد ﷺ في أحاديث كثيرة تحريم فعل قوم لوط، وعدِّه من الكبائر، وأجمع الفقهاء على استحقاق العقوبة عليه، وإن اختلفوا في نوعها.
أمّا في المسيحيّة، فيُعدُّ الشّذوذ الجنسي تعديًا على النّاموس الإلهي. وتُذكر في رسالة بولس إلى أهل رومية (1:26–27) إدانة صريحة للرجال الذين “اشتهوا بعضهم بعضًا” وتركوا العلاقة الطبيعيّة مع النساء. وتاريخيًا، عدَّته الكنيسة الكاثوليكيّة فعلاً “مخالفًا للطبيعة”، وتستمر حتى اليوم في موقفها الرّسمي الرافض للمثليّة وإن خفّفت بعض المواقف بسبب الضغوط الاجتماعيّة.( Catholic Church. 1992)
وفي اليهودية، ينص سفر اللاويين (20:13) على أنّ “من اضطجع مع ذكر كما يضطجع مع أنثى فقد فعل رجسًا”، وهو نص واضح في الإدانة، ويعكس مدى مركزية ثنائية الذكر والأنثى في التّشريع التوراتي.
وعلى مستوى الجندر، لا تعترف هذه الأديان بمفهوم “الهُويّة الجندريّة الذاتية”، بل ترى أن الهُويّة البيولوجيّة المحددة بالولادة هي مرجع الإنسان في سلوكه الاجتماعي والدّيني. التّحول الجندري، أو رفض الجنس البيولوجي، يُعد خروجًا عن الحكمة الإلهية، ويخل بميزان الخلق.
إذًا، القيم الدّينيّة لا تقوم فقط على الرفض، بل على تقديم نظام قيمي متكامل، يربط بين الأخلاق، الفطرة، والغاية من الخلق. وبهذا، تقدم الأديان خطابًا متماسكًا يرفض الانحراف الجندري لا عن كراهية، بل انطلاقًا من الحرص على سلامة النفس والمجتمع والنسق الأخلاقي العام. (Nasr,2002 :46)
ثانيًا : المرجعية الليبراليّة الحديثة وتمجيد الانحراف
في مقابل الموقف الديني، تقوم المرجعيّة الغربية الحديثة – خاصة الليبراليّة المتطرفة وما بعد الحداثيّة – على رؤية تعيد تعريف كل المفاهيم المتعلقة بالهُويّة والجنس والعلاقات. فالفرد في هذه المرجعيّة هو المصدر الوحيد للمعنى، وبالتالي من حقّه أن يحدد من هو، وماذا يريد أن يكون، بصرف النّظر عن القيم أو البيولوجيا أو الدين.( Butler,2004 :50),
بدأت هذه الرؤية في التبلور مع الفلاسفة البنيويين وما بعد البنيويين مثل ميشيل فوكو الذي رأى أن “الجنسانيّة ليست طبيعة بل بناء ثقافي”، وأنّ السّلطة تتحكم في تعريف ما هو “طبيعي” وما هو “شاذ”. وتبع ذلك ظهور تيارات مثل النّسوية الجندريّة التي تفكك فكرة الأدوار البيولوجيّة، وتعدُّ الجندر خيارًا يمكن تغييره.
تترجم هذه المرجعيّة اليوم في دعم دولي هائل لأيديولوجيا الجندر والشّذوذ. فالقوانين في العديد من الدّول الغربيّة تمنح المثليين حقوق الزواج والتّبني وتغيير الجنس قانونيًا، بل وتُجرِّم خطاب الكراهية ضدهم، حتى إن كان صادرًا من نصوص دينية. وتُقدَّم هذه القوانين تحت لافتات: الحريّة، حقوق الإنسان، المساواة، التنوع.
الإعلام، التعليم، السياسات الصحيّة، كلها باتت أدوات لنشر هذا الفكر، ما حوّل الجندر والشّذوذ من ظاهرة هامشيّة إلى أيديولوجيا عالمية مهيمنة. وتُصوِّر من يعارضها أنّه “رجعي، متطرف، غير متسامح”. )ديميتري،2021 :138 ) ، والخطورة الأكبر أن هذا الخطاب لا يكتفي بالمطالبة بالتّسامح، بل يسعى إلى فرض القبول والإذعان، حتى لو تعارض مع العقائد الدّينيّة. وهكذا يُحوِّل الانحراف القيمي إلى قيمة مفروضة بالقانون والإعلام والتعليم.( Foucault,1978: 11),
ثالثًا: صدام المرجعيّات – الشّباب بين خطابين متضادين
أصبح الشّباب اليوم في ظل الانفجار الإعلامي الرّقمي، يعيشون بين مرجعيتين متصارعتين: مرجعية دينيّة تقليديّة تؤكد الثوابت والقيم المستمدة من النّصوص، ومرجعيّة غربيّة ليبراليّة حداثيّة تروّج للمرونة الجندريّة والانفلات الأخلاقي بوصفه “حريّة شخصيّة”. هذا الصّراع لا يدور فقط في الفضاء العام، بل يتجسّد داخل الهُويّة النّفسيّة والقيميّة للفرد، خاصة فئة الشّباب)الغامدي ،2022 :115 )
يمثل هذا الصدام حالة من الازدواج القيمي؛ فالشاب قد يذهب إلى مسجد أو كنيسة أو مدرسة تشرح له أن الشّذوذ محرّم، بينما في هاتفه يشاهد “قصص نجاح” لأشخاص مثليين، ويتلقى إشارات مستمرة أنّ الجندر أمر ذاتي يمكن تغييره. وهو ما يولّد حالة من التّوتر النّفسي والمعرفي: هل يتبع ضميره الدّيني؟ أم يميل للتيار الغالب الذي يعدّه بالقبول والتقدير؟
يمكن تسمية هذه الحالة بـ”الانقسام الوجداني“، وتُعد من أخطر إفرازات الصّراع بين الخطابين. فالكثير من الشّباب باتوا يعيشون في مساحة رماديّة؛ لا يستطيعون إنكار الدّين، ولا يقدرون على مقاومة سطوة الخطاب الرّقمي، خاصة عندما يُقدَّم في قوالب جذابة: فن، موسيقى، كوميديا، محتوى إنساني.
يوضح التّحليل السوسيولوجي أنّ هذا التناقض يُنتج ما يُعرف بـ”الفرد المعلّق قيميًا“، أي من ليس له مرجعيّة صلبة، بل يتحرك بحسب التيار الأقوى، وهذا النوع من الوعي الهش يشكّل خطرًا حقيقيًا على تماسك المجتمع وهويته الأخلاقيّة. (Turkle,2011:6)
غابت للأسف في المقابل، الخطابات الدّينيّة والتربويّة المعاصرة القادرة على مجاراة الخطاب الجندري في التأثير والأسلوب. فالكثير من الخطاب الدّيني لا يزال تقليديًا، يعتمد التلقين، ويغفل مخاطبة العقل والعاطفة بلغة رقميّة معاصرة.
وبالتالي، فإن الشّباب العربي – في ظل غياب خطاب ديني عقلاني وقيمي ينافس الخطاب الإعلامي – ينزلق إمّا إلى رفض كلي للدين، أو إلى تبنٍّ غير نقدي للخطاب الليبرالي، وكلاهما يؤدي إلى تشوه الهُويّة وغياب البوصلة القيمية. (كمال،2020 :101 )
– رابعًا: نحو خطاب إعلامي قيمي بديل
أمام هذا المد الجارف من الخطاب الإعلامي العالمي المروّج للجندر والشّذوذ، لا يكفي الرّفض أو المنع. بل يجب تطوير خطاب إعلامي بديل، لا يقمع ولا يُقصي، بل يُقنع ويُواجه بخطاب عقلاني وقيمي ورقمي أيضًا. فالمشكلة ليست فقط في المحتوى المنحرف، بل في غياب محتوى بديل منافس)أبو العلا ،2021 :65 )
الخطاب القيمي المطلوب لا يجب أن يكون تقليديًا وعظيًا فقط، بل يجب أن يفهم لغة المنصة، وآليات التّفاعل، وسلوك المتلقي الرّقمي. فالشّباب اليوم لا يقرأون الخطب، بل يشاهدون الرّيلز والفيديوهات القصيرة. لذا، يجب أن يخاطبهم الخطاب القيمي بلغتهم، في بيئتهم، ومن خلال أدواتهم.
من ملامح هذا الخطاب:
- تقديم نماذج واقعيّة لشباب متمسكين بدينهم، ويعيشون حياة ناجحة ومتوازنة.
- إنتاج محتوى رقمي جذاب (كرتون، فيديوهات قصيرة، مؤثرين) يعرض البدائل الأخلاقيّة بلغة حديثة.
- التركيز على الحب والكرامة والحريّة الحقيقيّة من منظور ديني، لا فقط الترهيب والعقوبة.
- الانفتاح على الحوار مع المختلف دون تنازل عن الثوابت,( Al-Ghazali,2008,11)
كما يجب إدماج قيم الدين في المحتوى اليومي، لا فقط وقت الأزمات. فكما أن منصات الشّذوذ تقدم المثليّة في سياق “الحب” و”الشّجاعة”، يجب أن يُعرض الحياء والعفة والإيمان في سياق “الوعي والكرامة والانسجام”.
أيضًا، هناك حاجة لتعاون بين المؤسسات الدّينيّة، والمبدعين، والتّقنيين لإنتاج منظومة إعلاميّة بديلة تنافس المنصات العالميّة، بدلًا من مجرد الشّكوى من تأثيرها.
بكلمة، المطلوب ليس “المنع”، بل “المنعة”؛ أي أن نُكوّن لدى الشّباب مناعة فكرية وأخلاقية تُحصّنهم من الانحراف، وتُعيد الثقة في الدين كمرجعية رحيمة، واقعية، ومعاصرة.(زيدان ،2023 :76 ). إنّ المقارنة بين المرجعية الدّينيّة والأيديولوجيا الجندريّة التي تروّج لها المنصات الرّقميّة تكشف عن هوة معرفيّة وقيميّة عميقة. الأديان تقدم نظامًا قيميًا منسجمًا مع الفطرة والكرامة الإنسانيّة، بينما يسعى الخطاب الليبرالي الحديث إلى تفكيك المعنى ذاته باسم الحريّة. وفي ظل هذه المواجهة، بات من الضروري بناء خطاب ديني رقمي معاصر قادر على حماية الهُويّة ومخاطبة الواقع بوعي ومسؤولية.
الخاتمة العامة والتوصيات
أولًا: الخاتمة
بعد دراسة معمّقة للطبيعة المتداخلة للخطاب الإعلامي الرّقمي، وما يحمله من أبعاد أيديولوجية ترتبط مباشرة بمفاهيم الجندر والشّذوذ، يتبيّن أنّ المنصات الرّقميّة لم تعد مجرّد أدوات لنقل المعلومة أو الترفيه، بل أصبحت مُنتجًا أيديولوجيًا فاعلًا في صياغة المفاهيم القيميّة وإعادة هندسة الوعي الفردي والجمعي، لا سيما لدى فئة الشّباب.
لقد كشفت الدّراسة أنّ التحوّل في تناول قضايا الجندر والشّذوذ داخل الخطاب الإعلامي لم يأتِ عفويًا، بل كان جزءًا من توجه ثقافي عالمي ينزع نحو تسييل المفاهيم الأخلاقيّة، وتفكيك المرجعيات الدّينيّة والاجتماعيّة التّقليديّة، تحت شعارات: “الحرية”، “التنوع”، و”حقوق الإنسان”.
وأوضحت الدّراسة أنّ الشّباب العربي بات في قلب صراع رمزي ومعرفي بين مرجعيات دينية تمنحه هوية واضحة، وخطابات إعلامية عالمية تسوّق له نماذج بديلة للهُوية والحرية والعلاقات، مما يؤدي إلى تشوّه في البناء القيمي، واهتزاز في الانتماء الثقافي، خاصة في غياب خطاب ديني أو تربوي بديل قادر على المنافسة.
من خلال التحليل النظري، والمقارنة بين المرجعيات، وتفكيك الرموز الإعلامية، تبيّن أن الإعلام الرّقمي لا ينقل فقط، بل يُهيمن ويُطبع ويُشرعن، وأن مواجهة هذا الواقع تتطلب تحرّكًا واعيًا ومدروسًا، لا يتوقف عند الرفض أو الإنكار، بل ينتقل إلى الفعل الإعلامي المضاد، والتربية القيمية الوقائية.
🔷 ثانيًا: التوصيات
- إنتاج محتوى إعلامي قيمي معاصر: يجب دعم مبادرات إنتاج محتوى رقمي يجمع بين الاحتراف الفني والوعي القيمي، يخاطب الشّباب بلغتهم الرّقمية، ويقدّم مفاهيم العفّة، الفطرة، والأسرة بصورة إيجابية وعصرية.
- دمج الخطاب الديني بالوسائط الحديثة: من الضروري تطوير الخطاب الدّيني ليكون أكثر قربًا من الواقع الرّقمي، باستخدام المؤثرين المتخصصين، وصيغ الفيديو القصير، والمحتوى التفاعلي، مع مراعاة احترام عقل الشّباب واحتياجاتهم النفسية.
- إدماج التربيّة الإعلاميّة في المناهج التّعليميّة: لتمكين الشّباب من فهم وتحليل الخطابات الرّقميّة وعدم تلقيها بسطحيّة أو انبهار، يُنصح بإدخال وحدات تعليميّة في المدارس والجامعات حول “التفكيك الإعلامي”، و”التحليل السيميائي”، و”الأيديولوجيا الرّقميّة”.
- تشجيع البحوث النقديّة متعددة التخصصات:لا بدّ من دعم المزيد من الدّراسات النظريّة التي تجمع بين الإعلام، الدّين، السوسيولوجيا، والفلسفة، لتوسيع فهم الظاهرة، وتوفير أرضيّة علميّة لصياغة سياسات ثقافية وتربويّة فعّالة.
- تفعيل دور الأسرة كمصدر مرجعي قيمي: على الأسرة أن تستعيد دورها في بناء الهُويّة الأخلاقيّة لأبنائها، عبر الحوار، والقدوة، والمراقبة النّاعمة، بدلًا من ترك الشّباب رهائن للمنصات الرّقميّة فقط.
- سنّ تشريعات تنظيميّة للمحتوى المنحرف
على الرّغم من صعوبة الرّقابة في الفضاء الرّقمي، فإنّ بعض القوانين يمكن أن تُقلص من التّرويج الصريح للخطابات الشاذة جنسيًا أو قيميًا، خصوصًا تلك الموجهة للأطفال والناشئة.
المراجع العربيّة:
1- أبو العلا، طارق (2021). “مقومات الخطاب القيمي المعاصر في مواجهة إعلام الجندر”، مجلة الاتصال الحضاري، العدد 10.
2- أبو هلال، محمود (2017). الخطاب الإعلامي الجديد وتحديات المجتمع العربي، مجلة دراسات الإعلام، المجلد 34.
3- البدوي، نجلاء (2020). “تأثير الدراما الرّقمية على تشكيل القيم الجندريّة”، المجلة العربيّة للإعلام الحديث، العدد 10.
4- الحمادي، عبد الله (2018). الإعلام الرّقمي والشّباب: دراسة في التحولات الثّقافيّة، المركز العربي للأبحاث، بيروت.
5- حمدان، خالد (2022). “الإعلام الجديد وصناعة الرأي حول القضايا الأخلاقيّة”، مجلة الفكر السياسي المعاصر، 11(1).
6- الحربي، نوال (2021). “اقتصاد الانتباه ومنطق التسييل الأخلاقي في الإعلام الجديد”، مجلة الفلسفة المعاصرة، العدد 13.
7-حسن، رشا (2022). “صناعة المؤثرين وشرعنة القيم البديلة عبر المنصات”، مجلة علم الاجتماع الرّقمي، العدد 6.
8- ديميتري، نادر (2021). “المرجعية الغربية وتفكيك القيم الأخلاقيّة”، مجلة الفكر العالمي، العدد 19.
9- الزويدي، فهد (2019). تأثير الإعلام الجديد على الشّباب: تحليل نقدي للخطاب الإعلامي الجندري في السعودية، دار النشر الأكاديمية، جدة.
10- زيدان، منى (2023). “البدائل الإعلامية الإسلاميّة في الفضاء الرّقمي”، مجلة إعلام الأمة، العدد 4.
11- السيستاني, علي (2021). استفتاءات في قضايا العصر”، مكتب السيد السيستاني، قم.
12- السماك، إبراهيم (2018). تأثير الإعلام الرّقمي على القيم الاجتماعيّة في المجتمعات العربيّة، المركز العربي للدراسات الاجتماعيّة، القاهرة.
13- الشرع، عبد الرحمن (2020). التحولات الاجتماعيّة في ظل الإعلام الرّقمي: المثلية الجنسية والنظرة الثّقافيّة في المجتمعات العربيّة، دار الفكر العربي، القاهرة.
14- صبري، مها (2021). “تحليل سيميائي لرموز الجندر في الإعلام العربي”، مجلة البحوث الإعلامية، العدد 33.
15- الصالح، إيناس (2022). “التحولات اللغوية في خطاب الجندر على السوشيال ميديا”، مجلة الدراسات الثّقافيّة والنقدية، العدد 8 .
16- عبد الله، محمد (2019). المجتمعات التّقليديّة والعولمة الإعلامية: دراسة في صراع القيم، المركز العربي للدراسات السياسية.
17- العجمي، طارق (2019). “الغرس الثقافي والمحتوى الغربي في منصات التواصل”، مجلة التربية المعاصرة، 22(3).
18- العامري، يوسف (2021). “الهيمنة الثّقافيّة الرّقمية وخطاب الجندر”، مجلة العلوم السياسية والاجتماعيّة، العدد 14.
19- غنيم، عبد الفتاح (2021). التحولات الاجتماعيّة في عصر الإعلام الرّقمي: دراسة في تأثير الإنترنت على القيم الاجتماعيّة، مجلة الثقافة العربيّة، المجلد 45.
20- فهد، يوسف (2020). “الهندسة الأيديولوجية للرأي العام في البيئة الرّقمية”، مجلة الفكر والإعلام، العدد 18 .
21- القرضاوي, يوسف (2001). الصحوة الإسلاميّة بين الجحود والتطرف، دار الشروق، القاهرة.
22- كمال، هالة (2020). “صراع الخطاب الديني والإعلامي في تشكيل الوعي الجندري”، مجلة قضايا الشّباب، العدد 14.
23- الغامدي، يوسف (2022). “الانقسام القيمي لدى الشّباب بين المنصات والمرجعيات التّقليديّة”، مجلة علم الاجتماع المعاصر، العدد 20 .
24- المسيري, عبد الوهاب (2002). العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، دار الشروق، القاهرة.
25- منصور، أحمد (2022). “الذكاء الخوارزمي وتشكيل السلوك القيمي لدى الشّباب”، مجلة دراسات الإعلام الرّقمي، العدد 8.
26- نجم، سعاد (2021). “الهُويّة الجندريّة والتحولات الثّقافيّة في المجتمع العربي”، مجلة دراسات المرأة المعاصرة.
27- الناصر، بدر (2020). “دوافع الشّباب في استهلاك المحتوى الجندري في وسائل التواصل”، مجلة علم الاجتماع الرّقمي، العدد 6.
المراجع الأجنبية :
-28 Abidin, C. (2018). Internet Celebrity: Understanding Fame Online. Emerald Publishing.
-29 Al-Ghazali, A. (2008). Islam and the Media. Islamic Research Foundation.
-30 Barthes, R. (1972). Mythologies. Hill and Wang.
-31 Butler, J. (1990). Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity, Routledge, New York.
-32 Butler, J. (2004). Undoing Gender. Routledge.
-33 Castells, M. (2012). Networks of Outrage and Hope: Social Movements in the Internet Age. Polity Press.
-34 Catholic Church. (1992). Catechism of the Catholic Church, Libreria Editrice Vaticana.
-35 Dearing, J. W. & Rogers, E. M. (1996). Agenda-Setting. Sage.
-36 Fairclough, N. (1995). Media Discourse. Edward Arnold.
-37 Foucault, M. (1978). The History of Sexuality, Vol. 1. Pantheon Books.
-38 Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks.
-39 Hall, S. (1997). Representation: Cultural Representations and Signifying Practices. Sage.
-40 Jameson, Fredric (1991). Postmodernism, or, The Cultural Logic of Late Capitalism, Duke University Press.
-41 Lorber, J. (1994). Paradoxes of Gender. Yale University Press.
-42 Money, John (1954). “Psychosexual Differentiation,” The Journal of Nervous and Mental Disease, vol. 120, no. 4.
-43 Morgan, M. & Shanahan, J. (2010). “The State of Cultivation.” Journal of Broadcasting & Electronic Media.
-44 Nasr, S. H. (2002). The Heart of Islam: Enduring Values for Humanity. HarperOne.
-45 Pariser, E. (2011). The Filter Bubble: What the Internet Is Hiding from You. Penguin Press.
-46 Roberts, Daniel Phillip (2018). “Homosexuality and the Body,” Journal of Cultural Studies.
-47 Robinson, B. A. (2010). “Homosexuality and Religion”, Ontario Consultants on Religious Tolerance.
-48 Rubin, A. M. (2009). “Uses-and-Gratifications Perspective on Media Effects.” Media Effects: Advances in Theory and Research, 3rd ed.
-49 Turkle, S. (2011). Alone Together: Why We Expect More from Technology and Less from Each Other. Basic Books.
-50 Wolf, Naomi (2007). The End of America: Letter of Warning to a Young Patriot, Chelsea Green Publishing.
-51 Wu, T. (2016). The Attention Merchants. Alfred A. Knopf.
1- طالبة دوكتوراه في جامعة أزادة الاسلامية ، طهران إيران ، استراتيجيات التخطيط الثقافي ، تحضر لمناقشة أطروحتها قريبًا
A Lebanese researcher currently pursuing a Ph.D. at the Islamic Azad University (Tehran, Iran), focusing on “Strategies of Integrated cultural planning or Cultural Management”.. The research is supervised by: Prof. Dr. Saher Al Anan. Email:hasanhhamdar@ gmail.com
2- أستاذ دكتور متحصص في العلوم الإدارية والتخطيط الاستراتيجي ومحاضر في عدة جامعات عربية و أجنبية منها
الجامعة الأمريكيّة في لوس أنجلوس- الولايات المتحدة الأمريكية، الجامعة العربية في لبنان
Professor specializing in Administrative Sciences and Strategic Planning, and a lecturer at several Arab and foreign universities, including the American University in Los Angeles, United States, and the Arab University in Lebanon
.