foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

التأثيرات الخارجيّة على الحوار الدِّيني (لبنان نموذجًا)

0

عنوان البحث: التأثيرات الخارجيّة على الحوار الدِّيني (لبنان نموذجًا)

اسم الكاتب: الشّيخ رامي أحمد الفري

تاريخ النشر: 16/07/2025

اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية

عدد المجلة: 38

تحميل البحث بصيغة PDF

التأثيرات الخارجيّة على الحوار الدِّيني (لبنان نموذجًا)

External influences on religious dialogue (Lebanon as a model)

Rami el ferri الشّيخ رامي أحمد الفري)[1](

تاريخ الإرسال:23-5-2025                                  تاريخ القبول:4-7-2025

الملخص

أهمّيّة وجود الحوار في المواضيع الحيويّة كلّها مهما توسع نطاقها أو ضعف، ويحدد البحث الحوار الدِّيني في لبنان تحديدًا وحيثياته والتّأثيرات الدّاخليّة والخارجيّة، والاقتصاديّة عليه كما يحدد تأثيره على المجتمع الدّاخلي اللبناني، والعلاقة بين أقرباء الوطن الواحد وضرورة التّطور في هذا الحوار تماشيًّا مع التّطور الرّقمي والذّكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يزرع ما يشاء في الأذهان أو يموّه أو يشتت أي تفكير، من أجل ذلك يجب تطوير الحوار البشري العاقل للتماشي في المكننة، والعالم الرّقمي والذكاء الاصطناعي

الكلمات المفتاحية: الحوار – الطائفة – الذّكاء الاصطناعي – الدولة -الطائفيّة

Research Summary
This study explores how interreligious dialogue in Lebanon is affected by various external factors, particularly amid the transformations of the digital age and the growing influence of media, technology, and foreign political and religious funding. The researcher highlights that these factors now pose a real threat to sectarian balance and civil peace in a multi-sectarian country like Lebanon.

Keywords: Dialogue – Sect – Artificial Intelligence – State – Sectarianism

المقدمة

يشهد العصر الرّقمي تحولات جذريّة في طبيعة الخطاب الدِّيني ومسارات الحوار بين الأديان، إذ لم تعد المؤسسات الدِّينية التّقليديّة هي الفاعل الوحيد في صياغة هذا الخطاب، بل برزت منصّات التّواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرّقميّة كأدوات فاعلة في تشكيل الرأي الدِّيني وتوجيهه. وفي سياق متعدد الطوائف مثل لبنان، تكتسب هذه التّحولات أهمّيّة مضاعفة، إذ تتداخل العوامل الدّاخليّة والخارجيّة في التأثير على السّلم الأهلي والنّسيج الاجتماعي.

يأتي هذا البحث ليكشف نقاب آليات هذا التّأثير الخارجي، سواء أكان سياسيًّا أم اقتصاديًّا أم تكنولوجيًّا، وليحلل كيفيّة الاستفادة من المنصات الرّقمية في التلاعب بالخطاب الدِّيني أو تعزيزه، مع التّركيز على لبنان كنموذجٍ حيويٍ يعكس تعقيدات هذه الظاهرة، وتداعياتها على الاستقرار الاجتماعي.

لا تقتصر خطورة التأثيرات الخارجيّة على الحوار الدِّيني في لبنان على الجانب الرّقمي فحسب، بل تمتد لتشمل تمويل المؤسسات الدِّينية، والخطابات الإعلاميّة الموجهة، واستغلال الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة لإثارة النّعرات الطائفيّة. وفي ظل غياب أطر تنظيميّة فاعلة وغياب الوعي الرّقمي الكافي، تبرز الحاجة الملحّة لدراسة هذه الظاهرة وتحليلها، لا سيما مع تنامي ظواهر جديدة؛ مثل: الذّكاء الاصطناعي التوليدي، والحسابات الوهميّة التي تزيد من تعقيد المشهد. يسعى هذا البحث إلى تقديم رؤية تحليليّة شاملة لهذه التأثيرات، ساعيًا إلى اقتراح آليات عملية لتعزيز مناعة المجتمع اللبناني ضد محاولات زعزعة استقراره، مع الإفادة من النماذج الدولية الناجحة في هذا المجال.

 أهميّة البحث:

أولاً: الأهميّة الأكاديميّة:

  • يسد فراغًا بحثيًّا في دراسة تأثير العوامل الخارجيّة على الحوار الدِّيني في السياق اللبناني، إذ تندر الدراسات التي تربط بين البعد الدِّيني والتأثيرات الرّقميّة في العالم العربي.
  • يقدم إضافة نوعيّة لنظريات الاتصال الحديثة من خلال تطبيقها على الحوار الدِّيني في بيئة متعددة الطوائف.

ثانيًا: الأهمّية المجتمعيّة:

  • يكشف آليات تأثير المنصات الرّقميّة على السّلم الأهلي في لبنان، ما يسهم في تعزيز الحوار بين الطّوائف.
  • يقدم توصيات عمليّة للمؤسسات الدِّينية والإعلاميّة وصناع القرار لمواجهة خطاب الكراهية والتّطرف.

ثالثًا: الأهمية التّطبيقيّة:

  • يحلل ظواهر حديثة مثل تأثير الذكاء الاصطناعي التّوليدي (ChatGPT وغيره من أدوات الذكاء الاصطناعي) على الخطاب الدِّيني.
  • يقترح نموذجًا لرصد التأثيرات الخارجيّة وآليات للحد منها، ما يفيد الجهات المعنيّة بالحوار الدِّيني والأمن الرّقمي.

 أهداف البحث:

أولًا: الهدف الرئيس: تحليل تأثير العوامل الخارجيّة (السياسيّة، الاقتصاديّة، التكنولوجيّة) على الحوار الدِّيني في لبنان.

ثانيًا: الأهداف الفرعيّة:

  • رصد أشكال التأثير الخارجي على الخطاب الدِّيني عبر المنصات الرّقميّة.
  • تقييم دور الذكاء الاصطناعي والخوارزميات في تشكيل الرأي الدِّيني.
  • تحديد نقاط الضعف في المواجهة الحالية لهذه التأثيرات.
  • تقديم مقترحات لتعزيز الحوار الدِّيني البناء وحمايته من التلاعب الخارجي.

 إشكاليّة البحث:

الإشكالية الرئيسة: كيف تؤثر العوامل الخارجيّة (السياسيّة، الرّقمية، الاقتصاديّة) على الحوار الدِّيني في لبنان، وما هي سبل مواجهة هذه التأثيرات؟

أسئلة البحث:

  1. ما أشكال التأثير الخارجي على الحوار الدِّيني في لبنان؟
  2. كيف تختلف هذه التأثيرات بين المنصات الرّقميّة (فيسبوك، تويتر، يوتيوب)؟
  3. ما دور الذكاء الاصطناعي والخوارزميّات في تعزيز أو تقويض الحوار الدِّيني؟
  4. ما مدى فعالية الآليات الحاليّة (القانونيّة، المجتمعيّة) في مواجهة هذه التأثيرات؟
  5. ما النّموذج الأمثل لرصد التأثيرات الخارجيّة وحماية الحوار الدِّيني في لبنان؟

 فرضيّات البحث:

  1. توجد علاقة طردية بين زيادة النشاط الرّقمي الخارجي وارتفاع حدة الخطاب الطائفي في لبنان.
  2. تختلف أنماط التأثير الخارجي حسب نوع المنصة الرّقمية وطبيعة الجمهور المستهدف.
  3. تفتقر المؤسسات الدِّينية اللبنانيّة إلى آليات فعالة لرصد التأثيرات الخارجيّة الرّقمية.
  4. يمكن تطوير مؤشرات دقيقة لقياس درجة التأثير الخارجي على الحوار الدِّيني.

 أسباب اختيار الموضوع:

  1. الخصوصية اللبنانيّة: يعدُّ لبنان نموذجًا فريدًا للتعددية الدِّينيّة والهشاشة السياسيّة، ما يجعله بيئة خصبة لدراسة تأثير العوامل الخارجيّة.
  2. التطورات التكنولوجيّة: تنامي استخدام المنصات الرّقمية في نشر الخطاب الدِّيني، وغياب دراسات كافية عن تأثيرها في السّياق اللبناني.
  3. الأزمات المتلاحقة: الأزمة الاقتصاديّة والانقسام السياسي في لبنان جعلا المجتمع أكثر عرضة للتأثيرات الخارجيّة عبر الخطاب الدِّيني.
  4. الفجوة البحثيّة: ندرة الأبحاث التي تجمع بين دراسة الحوار الدِّيني والتأثيرات الرّقميّة في العالم العربي، خاصة بعد العام 2020.
  5. الجِّدة والأهمّيّة: يتناول البحث ظواهر حديثة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي والتي لم تُدرس بعد في سياقها اللبناني.

بم يتميز هذا البحث: يتميز هذا البحث بشموليته، إذ يجمع بين التّحليل النّظري والتّطبيقي، مع التركيز على حالة دراسيّة غنيّة بالدّلالات (لبنان). كما يقدم رؤى قابلة للتطبيق في دول أخرى تعاني من تحديات مشابهة في مجال الحوار الدِّيني والأمن الرّقمي.

 حدود البحث

أولًا: الحدود الزمانيّة:

  1. المدّة الزّمنيّة المحددة: يركز البحث على المدة من 2019 إلى 2024، وهي مدّة حرجة شهدت:
  • اندلاع الاحتجاجات اللبنانيّة (ثورة 17 تشرين).
  • تفاقم الأزمة الاقتصاديّة والماليّة.
  • جائحة كورونا وتأثيرها على زيادة الاعتماد على المنصات الرّقميّة.
  • الانتخابات النيابيّة 2022 وتصاعد الخطاب الطائفي.
  • تطور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (مثل ChatGPT).
  1. السّياق التّاريخي: سيَتناول بعض الأحداث التّاريخيّة المؤثرة (مثل الحرب الأهليّة واتفاق الطائف) كخلفية فقط، من دون التّركيز عليها في التّحليل.

ثانيًا: الحدود المكانيّة:

  1. التّركيز الجغرافي: ينحصر البحث في الأراضي اللبنانيّة مع حسبان:
  • التّفاوت بين المناطق اللبنانية في استخدام المنصات الرّقميّة.
  • الاختلافات الطائفيّة بين المحافظات.
  1. الحدود الرّقميّة: تشمل المنصات الآتية:
  • فيسبوك (كأكثر المنصات استخدامًا في لبنان)
  • تويتر (كمنصة للنخب السياسيّة والدِّينية)
  • يوتيوب (لتحليل المحتوى المرئي الدِّيني)
  • واتساب (كوسيلة اتصال رئيسة بين اللبنانيين)
  1. الحدود الطائفيّة: التركيز على الطوائف الرئيسة:
  • الإسلام (السُّنة والشِّيعة)
  • المسيحيّة (المارونيّة والأرثوذكسيّة)
  • الدروز (كمكون رئيس في النّظام الطائفي)

ثالثًا: الحدود الموضوعية:

  1. أنواع التّأثيرات: سيُركَّز على:
  • التّأثيرات السياسيّة (دور الأحزاب والجهات الخارجيّة).
  • التّأثيرات التكنولوجيّة (الخوارزميات، الذكاء الاصطناعي).
  • التّأثيرات الاقتصاديّة (تمويل المحتوى الدِّيني).

استثناءات: لن يشمل البحث:

  • الخطاب الدِّيني غير المنظم (الشّخصي)
  • المنصات الناشئة (مثل تيك توك)
  • الطوائف الصغيرة (كاليهود والبهائيين)

أسباب اختيار هذه الحدود:

  1. الملاءمة الزّمنيّة: تغطي المدّة الأكثر حرجًا في التّحول الرّقمي للخطاب الدِّيني.
  2. التّمثيليّة المكانيّة: تعكس التنوع اللبناني من دون التوسع المفرط.
  3. الإجرائيّة: تمكن الباحث من جمع البيانات وتحليلها بفعاليّة. الأهميّة: تركز على الجوانب الأكثر تأثيرًا في الحوار الدِّيني اللبناني.

 الفصل الأول: الإطار المفاهيمي والواقع اللبناني

توطئة: يشكل الحوار الدِّيني في لبنان كما يعلم القاصي، والدّاني إحدى أبرز القضايا المتشابكة نظرًا لطبيعة المجتمع اللبناني الذي يتكوّن من طوائف دينيّة متعددة يتعايش المسلمون فيها على اختلاف مذاهبهم، وربما شعائرهم، مع الموحدين والعلويين بالإضافة إلى المسيحيين بمختلف طوائفهم (الموارنة والرّوم والأرثودوكس والملكيين والأرمن) وربما غيرهم من المذاهب والمعتقدات في هذا السّياق، من أجل ذلك يعدُّ الحوار بين الأديان والطوائف ضرورة وجوديّة للحفاظ على السّلم الأهلي والتّماسك الوطني وليس ترفًا فكريًا أو خيارًا.

ومع تعاظم مظاهر العولمة والتّطور التكنولوجي، لم يعد الخطاب الدِّيني حكرًا على المؤسسات التّقليديّة؛ مثل الكنيسة أو المسجد، بل دخلت على الخط قوى جديدة مثل المنصات الرّقميّة، ووسائل الإعلام العابرة للحدود، وحتى الذكاء الاصطناعي التّوليدي، ما جعل الحوار الدِّيني أكثر عرضة للتأثر بالمتغيرات الخارجيّة.

وبما أن المعرفة بالشّيء تخفّف التّوتر وترفع الخلافات عن مفهوم الاختلاف، وهذا ما لا شكّ فيه، يهدف هذا الفصل إلى وضع إطار نظري واضح لمفاهيم الحوار الدِّيني والتأثيرات الخارجيّة، مع ربطها بالخصوصيّة اللبنانيّة في البنية الطائفيّة والدِّينيّة، والسّياق التّاريخي والسياسي والإعلامي، وذلك تمهيدًا لتحليل أعمق في الفصل الآتي.

وهذا ينطبق تمامًا على العلم بباقي الدّيانات، ولا يمكن لأي وسيلة أن تكون أسهل من الحوار للوصول إلى المبتغى المرجو.

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي

أولًا: تعريف الحوار الدِّيني وأنواعه

يُعرَّف الحوار الدِّيني أنّه تفاعل فكري وثقافي وروحي بين أتباع أديان مختلفة، يهدف إلى بناء جسور من الفهم المشترك، والتّعاون، والاحترام، من دون السّعي لفرض قناعة طرف على الآخر. ويتخذ هذا الحوار أشكالًا متعددة؛ منها:

  • الحوار الحواري: والمقصود منه هو توضيح وجهات النّظر من كل طرف عن دين الآخر، وتقديم العقيدة الخاصة به بشكل واضح وسلس، ليعلم المتحاورون أديان بعضهم البعض، ويطَّلعوا على معتقداتهم ومقاصد شريعتهم وأهداف معتقداتهم، من دون اللجوء إلى سبل التّكفير أو تشويه الديانات الأخرى أو تسخيفها. وبذلك يكون قد علم كل منهم خفايا دين الآخر وخصاله، وهذا يعدُّ عند البعض أرقى أنواع الحوار الدِّيني المطروح والمطلوب أن يكون بين البشريّة اليوم.
  • الحوار التّبشيري: يخضع لمعايير مختلفة تمامًا، فيكون المحاور باحثًا عن هدف واحد، وهو استقطاب المتحاور معه إلى عقيدته ودينه، فلا يعنيه كمَّ المعلومات التي يقدمها عن هذا الدّين ولا قوة الإيمان التي يمكن أن يزرعها بالآخر، بل همه الاستقطاب إلى فكرة أو عقيدة تجذبه فيشتغل عليها وينمّيها. ولهذا النّوع من الحوار تحضيرات كبرى مبنيّة على دراسات مسبقة موثَّقة كحاجات الشّعوب، نقاط ضعفهم نقاط قوتهم، وغيرها من الدّراسات التي تحتاج إلى مؤسسات متخصصة ومراكز مدربة وطاقم بشري مهيئ لنشر الأفكار الدِّينيّة والتقرب إلى الآخر.
  • الحوار الصّراعي: وهذا النّوع من الحوار ينقسم شقين: الأول: لا يحتاج إلّا إلى عقليّة مخابراتيّة تزرع معلومات في أذهان الجهلة والمتسلقين ومحبي العدائيّة والكراهية، ومن هذا الحوار تنتشر العصبيّة والعنصريّة والكراهيّة، والتّشدد في الأمور الخلافيّة بالدّين ونقع أمام اختلاق البدع والتّمسك بالقشور وإسقاط الفتاوى والتّشريعات بغير مواضيعها ومواقعها. والشقّ الثاني: الذي يكون بعقول واعية لبناء جسور التّواصل والتفاهم بين أتباع الدّيانات المختلفة ما يقلّل من فرص الصراع والتوتر.

ثانيًا: مفهوم التأثيرات الخارجيّة

تشير التأثيرات الخارجيّة إلى الضغوط أو العوامل غير المحليّة التي تؤثر في بيئة الحوار الدِّيني، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتشمل:

  • التأثيرات السياسيّة: وتُعد من التأثيرات المهمّة الذي له تأثير سلبي وإيجابي في الوقت نفسه على الحوار الدِّيني، وهذه التأثيرات معقدة ومتعددة الأوجه من ناحية، فقد تستغل الأنظمة السياسيّة الدّين لأغراض سياسيّة، وهذا الأمر ليس بحاجة لبحث بل نكتفي بقراءة نشرات الأخبار المعاصرة بكل تجرد لنرى التأثير الفعلي؛ فالشّخص نفسه، حسب المصلحة السياسيّة طبعًا، يمكن أن يكون خليفة المسلمين بوصفٍ معين وهو نفسه يمكنه أن يكون رمزًا للاعتدال الدِّيني، أو أميرًا لكتيبة إرهابيّة، أو حتى رئيس منظمة إرهابيّة دوليّة، والأمثلة واضحة للرائي، كما أنّه يمكن لرئيس دولة أن يكون رمز الدّيمقراطيّة لأنّ سياسته تتماشى مع السّياسات المسيطرة الدّوليّة، وفجأة يغدو معاديًا للإنسانيّة والسّاميّة وعنصريًّا وطائفيًّا ويُنعت بأسوأ الصّفات؛ فقط لأنّ سياسته اختلفت مع سياسة أصحاب القرار.

وبالعودة إلى موضوعنا وتأثير السياسة على الخطاب الدِّيني فمن أجل السيطرة السياسيّة والتحكم بالشّعوب نرى التّلاعب السياسي بالخطاب الدِّيني؛ فمثلًا عند الحاجة للفاتيكان ترى السياسات العالمية تعظِّم من شأنه وترفع من قدر البابا لتوصله إلى مرحلة الألوهيّة، وبأن حديثه منزل من السّماء، وإذا ما تعارض قرار الفاتيكان مع السياسات العالميّة هوجم وحورب رأس الكنيسة ولو تمكَّنوا لاستبدلوه، وهذا ما حدث منذ حوالى عشر سنوات.

إذًا السياسة ترسم محرّمات الدّين خاصة للجهلة بالدّين، وتجعلهم يتكلمون بالدّين ويدافعون عنه وهم لا يفقهون منه شيئًا، وهنالك أمثلة كثيرة بالديانات جميعها، وبشتى العقائد.

  • التّأثيرات الاقتصاديّة: كذلك يمكن للعوامل الاقتصاديّة أن تؤثر سلبًا او إيجابًا؛ فالتأثيرات الاقتصاديّة على الحوار الدِّيني معقّدة ومتشابكة ومتشعبة، والظروف الاقتصاديّة كفيلة بخلق توترات اجتماعيّة تزيد من حدة الانقسامات الدِّينية، بينما يفرض الازدهار الاقتصادي تعزيز التّسامح والتّفاهم المتبادل لنشر السلم والمحبة. ويعدُّ التّمويل الخارجي للمؤسسات الدِّينيّة مؤثر مهمٌّ على خطابها أو دفعها حيث ما تتضمن سياسة المموّل.
  • التأثيرات الثقافيّة: أمّا موضوع الثّقافة فشاق وعميق ومعقد، وعلينا أنّ نوضح أولًا مفهوم الثقافة: فهي مجموعة الأفكار، والقيم، والمعتقدات، والسّلوكيات، والفنون، والتقاليد، والممارسات التي تميز مجتمعًا أو مجموعة معيّنة من الناس، وتشمل الثقافة أيضًا كلّ ما يكتسبه الإنسان من خلال التّعلّم والتّجربة، فهي ليست بكم المعلومات المكتسبة أو التي يتمتع بها العقل البشري، بل هي نوع المعلومات والثّوابت التي تترسخ في ذهن الإنسان أو أذهان المجموعات لتشكل ثقافة فردية أو ثقافة مجتمعية:

تؤثر الثقافة الفردية على الفرد والمحيط الذي يتعاطى معه، وتأثيراتها بسيطة محدودة ويمكن أن تكون مضبوطة، أمّا الثقافة المجتمعيّة فهي مؤثر أساسي في المجتمع، ويجب التّمييز بين الحالتين وتأثيراتهما وخاصة في الحوار. كما أنّ تأثير ثقافة الفرد على الحوار تبقى دائمًا محدودة ضمن المتحاورين على الرّغم من أن الثقافة تشكِّل طريقة تفكير الشّخص، ووجهات نظره ما يؤثر على كيفيّة تفاعله مع الآخرين في الحوار؛ فالأفراد من ثقافات مختلفة قد يمتلكون أساليب حوار متباينة ما يؤدي إلى سوء فهم أو صراعات، ولكن تبقى تأثيراتها أخف من الثقافة الجماعيّة إذ إنّ الفرد عندما يدخل في مجال الاقتناع لا عصبيّة تشدّه ولا خوف من الملامة … خلافًا لتأثير الثقافات المجتمعيّة ذلك أنّ العقيدة مربوطة بالعادات، والتّقاليد خاطئة كانت أم صحيحة ما يرسِّخ العناد ويُصَعِّب الانفتاح العقلي لتقبل طرح الأفكار، ويسود الخوف من التّعبير عن الرأي تخوفًا من الرفض داخل المجتمع.

وهناك تأثيرات كبرى لا يمكننا إحصاؤها بهذه العجالة إلّا أنّ النّتيجة الواضحة أنّ للثقافة تأثير مهم وكبير ومباشر على أي حوار بل حتى على نتائج الحوار.

  • التأثيرات التكنولوجيّة: ولتوضيح هذه التأثيرات نشرع في مفهوم التكنولوجيّة المقصودة التي هي تطبيق المعرفة العلمية، والمهارات والعمليات والأساليب المجربة والمدروسة، والمستخدمة في الخدمات أو تحقيق الأهداف. مثاله: التكنولوجيا تقطع الحوار حول قطعيّة الأرض الكروية أو نظرية تعداد السكان أو التّقمص الدّائم في الأرض، أو فالتكنولوجيّة الطبيّة التي طورت DNA، وكذلك تقطع كثيرًا من الحوارات الأخرى كالنسب، والتكنولوجيّة في عالم الطيارات بينما تفتح مجالات حوار في مجالات أخرى. وكلما ألمَّ المتحاورون بالتكنولوجيا وعلومها طوروا كثيرًا من المواضيع، وتخطوا العديد من الأفكار وسيكون لنا تفصيل عن هذا الأمر لاحقًا إلّا أنّ بابًا من أبواب التكنولوجيا هو العالم الرّقمي والذكاء الاصطناعي وغيره قد دخل بقوة على هذا المجال ويحتاج تفصيلًا كبيرًا في غير هذا البحث.

المبحث الثاني: الخصوصيّة اللبنانيّة

أولًا: التركيبة الطائفية اللبنانيّة وتاريخ الحوار بين الأديان

لبنان بلد متعدّد الطوائف، يتكوّن من 18 طائفة معترف بها رسميًا. وقد شكّل هذا التّنوع مصدرًا للغنى الثقافي والدِّيني، لكنه أيضًا كان سببًا رئيسًا للصّراعات والانقسامات. فبعد الحرب الأهليّة (1975–1990)، جاء اتفاق الطائف ليرسّخ مبدأ التوازن الطائفي، لكنه لم يؤسس لحوار ديني عميق ومستدام، فظلّت العلاقات بين الطوائف قائمة على التّسويات السياسية أكثر منها على الفهم الثقافي أو الرّوحي المتبادل.

من الممكن أن نقول إنّ أحد أسباب هذا البحث أو هذه الدّراسة المهمّة هو “الخصوصيّة اللبنانيّة” التي هي  نموذج مميز في العالم قلّ نظيره، ويصعب دراسته بشكل سريع إلّا أنّنا سنفصله ببندين:

  • التركيبة الطائفية اللبنانيّة وتاريخ الحوار بين الأديان: من المعلوم لدى الجميع أن لبنان يضم أقلّه ثمانية عشرة طائفة رسميًّا، وإذا ما خضنا في التّفاصيل والتّدقيق فنحن نتخطى خمسة وأربعين معتقدًا أو ما يزيد، فالطائفة السُنيّة وحدها أصبحت تضم، ضمن اختلافات عقائديّة واتهمات تكفيريّة (الوهابيّة، والإسماعيليّة، وعقيدة الإخوان المسلمين المنفتحة على آل البيت، والحبشية، والسّلفيّة، والقرآنيون، والمحمديون، والصوفية المتشددة، والصّوفيّة الجاهلة، والصّوفيّة المتحررة، والصّوفيّة النقيّة)، وربما عشرات المعتقدات التي تفتح آلاف التّبريرات لوجود الحوار وضروريته وأهميته، وضرورة وضع ضوابط له وحدود. ولذلك لا أخوض في العدد ولكن يقتضي التّوضيح بأن العديد من المعتقدات باتت تقسّم المجتمع اللبناني فلذلك وجب على الجميع  وضع ضوابط للحوار:

أهمها أن لا يكون سبب الحوار إقناع الآخر بدينك أو معتقدك، بل الوصول إلى نقاط تلاقي بين هذه التّباينات الكثيرة؛ فالمجتمع اللبناني المتنوّع بحاجة لرابط يجمع الكل، وأكثر هذه الروابط أهمّيّة هي الهُويّة اللبنانيّة التي ليس لها مثيل لا بالشّرق الأوسط وربما لا مثيل لها في العالم، فالطائفة في لبنان ليس فقط انتماء دينيًّا بل هي أيضًا عامل اجتماعي وسياسي، وكلما كثرت الاختلافات العقائديّة كثرت القادة وتوسَّعت الزعامات أو السلطات وهذا هو أساس المشاكل. لذلك يعمل المفسدون على خلق وتغذية التّباينات بين المعتقدات الذين يعدُّونه السّبيل الوحيد لاستمرار المكانة والسّلطة، كما هو السّبيل الوحيد لهدم الدولة، فتقتضي ضرورة الحوار بين الأديان بيان أهمّيّة استمرار الدّولة.

والتوازن بين حوار الأديان والتّسلط الدِّيني المذهبي على المواطن اللبناني هو الذي يثبت لبنان، فأيّ لعب في ذلك يعدُّ هدمًا للمعبد اللبناني وللمنظومة الموجودة فيه والمبنيّة على تبني الطائفة للوصول إلى السّلطة وتغذية الخلافات الطائفيّة لتعميق حجم المكاسب ولترسيخ المصالح الشّخصيّة، فكما أنّ لبنان بحاجة لطوائفه جميعها فهو أيضًا بحاجة للحوار بين الأديان فهذا ما سنتحدث عنه تفصيليًّا:

التعريف البراق للحوار بين الأديان في لبنان هو تفاعل إيجابي ، وتعاون بين أفراد من خلفيات دينيّة مختلفة يهدف إلى تعزيز التّفاهم والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة. ويهدف الحوار إلى بناء جسور للتواصل والتّعايش السّلمي في مجتمع متعدد الطوائف والمعتقدات كلبنان، أمّا تعريفي الشّخصي الذي أبنيه على أبحاث علميّة وتجارب موثقة تاريخيًّا، فالحوار ما هو إلّا مهدئ للطوائف قبل الغضب، ومسكّن أو قاتل لشهيّة التّحرر من قادة الطوائف، وسبيل لتسكين وتنويم العقول وتخدير الشّعوب، وتهميش الشّعوب الأخرى ضد المثقفين، ويدل على ذلك عشرات السنوات من الحوار الدِّيني لم تتمكن من إيصال الأفرقاء إلى:

  • كتاب تعريف بالأديان والطوائف موحّد. علمًا أن لكل طائفة الحقّ بأن تكتب أو تعرّف نفسها كما تشاء وبكل حرية.
  • لا يوجد كتاب تاريخ موحد يروي أحداث السّبعين سنة الماضية بتجرد.
  • لا اتفاق على تسمية أو تمييز بين الدّول الصديقة أو الاحتلال أو الانتداب أو الغزاة، كل ذلك لا توثيق له سوى المقالات والكتابات.

تشكّل المؤسسات الدِّينية التقليدية -علمًا لا داعي للفظة تقليديّة لأن لا وجود للمؤسسات الدِّينية الحضاريّة الثقافيّة إلا تحت غايات معينة، وأهداف واضحة فدار الفتوى ما هي إلّا مصغر عن الدّولة الإسلاميّة بالنسبة إلى المسلمين وهي المرجع الأساسي بالنسبّة إليهم عقائديًّا وربما سياسيًّا، وتنطوي قناعات كل مسلم تحت آراء دار الفتوى ما دام لا يريد الخروج من صفوف المسلمين أو المسلمين اللبنانيين، وكذلك المطرانيات وباقي المؤسسات الدِّينيّة- ملاذًا آمنًا للطائفة عندما يبعد الإنسان عن الوطن، ومعضلة صعبة الحل أفكارها تعجيزيّة لأنّها الأفكار الدِّينيّة ما هي إلّا سبب بوجود الكثير من المؤثرين في البلاد.

فبعيدًا من الارتباطات السياسيّة والأهداف السياسية للمؤسسات الدِّينيّة في لبنان، ولكن لها التأثير الكبير في موضوع الحوار ومتغيراته ومساره، وربما وجب علينا ضرب بعض الأمثال غير الواضحة لكي لا نكون طرفًا، فعندما يقع أي زعيم طائفة في مأزق يلجأ مباشرة إلى المؤسسة الدِّينيّة لتحميه، ومن أجل ذلك هناك تناغم كبير بين زعماء الطوائف ورؤساء تلك المؤسسات الدِّينيّة، وهذا طبعا نوع من أنواع خلق التّوازن، ولا يعني أبدًا انتقاصًا لتلك المؤسسات بل توضيحًا بأن هناك تناغمًا وتكاملًا بين سياسة الطائفيّة والمؤسسات الدِّينية في لبنان.

  • دور المؤسسات الدِّينية التقليدية في لبنان: تتمتع المؤسسات الدِّينية في لبنان بدور فاعل في الشأن العام، ولها تأثير مباشر على السياسة والتعليم والإعلام. ومن أبرز هذه المؤسسات: دار الفتوى، المجلس الإسلامي الشّيعي الأعلى، بكركي، المجلس الإسلامي العلوي، ومشيخة العقل للدروز.

على الرّغم من أنّ هذه المؤسسات غالبًا ما تدعو إلى الحوار والوحدة، إلّا أنّ خطابها يتأثر أحيانًا بالانقسامات السياسيّة، ما يجعلها عُرضة للتوظيف الخارجي في لحظات التوتر.

المبحث الثالث: مظاهر التأثير الخارجي

أولًا: تأثيرات الإعلام الدولي والفضائيات الدِّينيّة

هناك قنوات تلفزيونية متخصصة، تدّعي الاسم الدّيني ، ومن مبادئها المهمّة الهجوم على باقي الدّيانات أو الطوائف، وتشويه سمعة الدّيانات الأخرى، وهي تعتني بالهجوم على الأحاديث وبث الفتن والشّتائم وغيرها كثير يكون بوجه ديني معين، ولكن غايته الخبيثة نشر الفتن الطائفيّة بين أفرقاء البلد الواحد وهذا النّوع غير موجود في لبنان ولكن وجوده بالخارج ينطوي تحت عنوان التأثيرات الخارجيّة.

ثانيًا: دور وسائل التّواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي الدِّيني

أصبحت منصات مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب بيئة خصبة لتشكيل الرأي الدِّيني، إذ تنتشر الفتاوى والمواعظ بسرعة، وغالبًا من دون رقابة أو تحقق. وتُستخدم هذه المنصات من أطراف داخليّة وخارجيّة لبث رسائل معيّنة قد تكون دينيّة في ظاهرها لكنها ذات أهداف سياسيّة. والمشكلة الكبرى أنّ السيطرة أو التّحكم بهذه المنصات غامض وخارج عن الطبيعي وله أهداف خاصة.

ثالثًا: أثر التمويل الأجنبي للمؤسسات الدِّينية

تتلقى بعض المؤسسات الدِّينية اللبنانيّة تمويلًا مباشرًا أو غير مباشر من جهات خارجيّة، سواء أكانت دولًا أو جمعيّات دينيّة أو منظمات غير حكوميّة. هذا التّمويل يمكن أن يؤثر على استقلاليّة هذه المؤسسات، ويجعل خطابها موجهًا وفاقًا لمصالح المموّل، ما ينعكس على الحوار بين الطوائف وعلى حياديّة المواقف الدِّينيّة. وعلى الرّغم من ذلك نلاحظ أنّ منهج هذه المؤسسات لم يتغير فهي ملتزمة بهدف وجودها، إلّا أنّها تتميز بالثبات، وهذا يمنعها من التّطور والاستقلاليّة الماليّة ما يقوي التأثيرات الخارجيّة وهذا عليه علامة استفهام.

 

 الفصل الثاني: التحليل والتأثيرات الرّقمية

المبحث الأول: المنصات الرّقمية والحوار الدِّيني

أولًا: تحليل المحتوى الدِّيني على فيسبوك وتويتر في لبنان

تُعدّ منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما فيسبوك وتويتر، من أبرز المساحات التي تشهد تفاعلًا واسعًا في المجال الدِّيني بلبنان. ففيسبوك، كونه الأكثر استخدامًا، يمثّل ساحة مفتوحة لنشر المواعظ، الفتاوى

 

، والخطب المسجّلة، والتي تنتشر من دون رقابة مؤسساتيّة واضحة.

في المقابل، يتموضع تويتر كمنصّة نخبوية أكثر، تُستخدم من شخصيات دينيّة، ومؤسسات وناشطين سياسيين لبث مواقف دينية ذات صبغة سياسيّة، خاصة خلال الأزمات أو المواسم الانتخابيّة.

وقد كشفت تحليلات نوعية لمحتوى ديني منشور في السنوات الأخيرة عن الآتي:

  • تزايد استخدام الخطاب الطائفي عند الأزمات، مثل الانتخابات النيابيّة أو الحوادث الأمنيّة. وتختصر بعض الدّراسات التّوعوية أو تمنع من النشر.
  • الميل إلى “التحزّب الدِّيني”، إذ يرتبط الدّين بموقف سياسي أو ولاء خارجي. وهذا ما يلحظه المراقب في انتشار أفكار معيّنة من دون أخرى.
  • قلّة المبادرات التي تسعى للحوار أو تروّج لخطاب جامع، مقارنة بكمّ كبير من الخطابات الانفعاليّة أو التّعبويّة إلّا إذا كان من خلفه هدف.

ثانيًا: تأثير الخوارزميات على توجيه الخطاب الدِّيني

تؤدي الخوارزميّات دورًا مركزيًّا في تحديد نوعيّة المحتوى الذي يصل للمستخدم، ما يجعلها مسؤولة – ولو بشكل غير مباشر – عن تعزيز الانقسامات. فالمستخدمون الذين يظهرون اهتمامًا بخطابات دينية معينة، يزوّدون تلقائيًّا بمحتويات مماثلة، ما يعزز حالة “الفقاعة الفكرية” ويمنع الانفتاح على الخطابات الأخرى.

هذا التّوجيه الخوارزمي لا يخضع لرقابة شفافة، وقد يُستغل في “الهندسة المعلوماتيّة” الموجّهة من جهات خارجية تسعى للتأثير في الرأي العام اللبناني عبر الدين.

المبحث الثاني: دراسة حالة

أولًا: حالات تصعيد خطاب الكراهيّة عبر المنصات الرّقميّة

شهد لبنان في السنوات الأخيرة عدة موجات من تصعيد الخطاب الطائفي عبر الإنترنت، لا سيما خلال:

  • ثورة 17 تشرين (2019): وقد استُخدم الدّين لإعادة تموضع سياسي لبعض القوى.
  • انفجار مرفأ بيروت (2020): انتشرت نظريات مؤامرة ذات صبغة دينيّة/طائفيّة.
  • الانتخابات النيابيّة (2022): استُخدمت الحسابات الرّقميّة للترويج لخطابات طائفيّة أو مهاجمة مرشحين على أساس ديني.

في هذه الحالات، لوحظ الدّور البارز للحسابات الوهمّيّة، أو الصّفحات غير الرّسميّة التي تنشر محتوى تعبويًا تحت ستار الدين، ويظهر جليًّا للمتابع أن خطاب الشّتيمة هو اللامع.

ثانيًا: مبادرات ناجحة للحوار بين الأديان عبر الإنترنت

ظهرت على الرّغم من هذه التحديات نماذج ناجحة لحوار ديني رقمي، مثل:

  • صفحة مشتركة بين رجال دين من طوائف مختلفة تنشر رسائل تسامح. وهذا يكون بالعموميات لا بالتفصيل، لأنّه عند الدخول في التفاصيل يتولد النّفاق.
  • مؤسسات كنسيّة وإسلاميّة بادرت إلى حملات توعية دينيّة معتدلة على فيسبوك ويوتيوب. وفي بعض الأحيان تؤدي إلى نتائج عكسيّة كالتّوافق على يوم البشارة.
  • شبكات مدنيّة أطلقت وسم #لبنان_واحد أو # الدين_للسلام لمواجهة خطاب الكراهيّة.

هذه المبادرات غالبًا ما تكون محدودة الانتشار والتأثير مقارنة بالخطابات الطائفية، لكنها تشكّل نواة صلبة لأي استراتيجية مواجهة طويلة المدى.

المبحث الثالث: التحديات والتهديدات

أولًا: أثر الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل: (ChatGPT)

مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي مثل: (ChatGPT) بات بالإمكان إنتاج محتوى ديني بكميات ضخمة وسرعة فائقة. على الرّغم من الفوائد التّعليميّة لهذه الأدوات، إلّا أنّها تحمل مخاطر عدّة:

  • إمكانية توليد فتاوى أو نصوص دينيّة خاطئة عند سوء الاستخدام.
  • خطر التّلاعب بالأجوبة لتوجيه رأي ديني وفق أجندة خفية.
  • صعوبة التّحقق من مصدر المعلومة، ما يفتح الباب للغموض والتضليل.

ثانيًا: ظاهرة الحسابات الوهمية والنشر الموجه

الحسابات الوهميّة باتت من أخطر أدوات التأثير الخارجي في لبنان، إذ استُخدِمت لنشر محتوى ديني مستفز أو طائفي، بهدف زرع الفتن أو إعادة إنتاج الانقسام. هذه الحسابات تتقن “اللعب على وتر الدّين”، وتستهدف جمهورًا معينًا بخطاب يلامس مشاعره الدِّينية.

ثالثًا: استغلال الأزمات السياسيّة لزعزعة السلم الأهلي

تشكّل الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة بيئة مثالية لتفجّر الخطاب الدِّيني المتطرف، إذ يلجأ الناس إلى الدّين كملاذ نفسي أو هوياتي. تستغل جهات خارجيّة هذه اللحظات لحقن المجال الرّقمي برسائل تفرقة وكراهية، أحيانًا تحت عباءة “التحذير” أو “الوعي الدِّيني”، لكنها في الواقع تعمّق الشرخ الطائفي.

المبحث الثالث: الحلول والمقترحات

أولًا: آليات رقابيّة مقترحة للمحتوى الدِّيني

  • إنشاء وحدة وطنيّة لرصد المحتوى الدِّيني الرّقمي، بالتعاون بين الدولة والمجتمع المدني من دون أي خلفيّة مؤامرتيّة.
  • تطوير أدوات تقنية لاكتشاف المحتوى الطائفي أو المحرّض على الكراهيّة والصّدق في الحديث.
  • فرض شفافيّة على منصات التواصل لمشاركة البيانات حول الحسابات المشبوهة، وتأسيس منصات موثوقة عند كل الأفرقاء.

ثانيًا: دور المؤسسات التعليمية في تعزيز الحوار

  • إدماج ثقافة الحوار الدِّيني في المناهج المدرسيّة والجامعيّة، وهنا يمكن التّوسع في هذه الحلول بعد، فكلما انفتحت المدارس على الحوار كلما تأسس مجتمع متكامل.
  • تدريب الطلاب على التّفكير النقدي في التعامل مع المحتوى الرّقمي الدِّيني، بعد تمكين الطالب من المعلومات الصّحيحة الواضحة التي يمكن أن تساعده في الخوض بالحوار.
  • إطلاق مبادرات شبابيّة بين الطوائف لتطوير مشاريع رقميّة مشتركة، وجعلها نموذج حياة في المجالات جميعها.

ثالثًا: نموذج مقترح لمواجهة التأثيرات الخارجيّة

يقترح هذا البحث نموذجًا من ثلاث مراحل:

  1. الرصد: عبر منصات تحليل رقمية لرصد المحتوى الخطير.
  2. التحليل: من خلال لجان مشتركة دينية ومدنية تقيّم الخطاب.
  3. الاستجابة: عبر حملات مضادة، تعليميّة وتوعويّة، وبث محتوى إيجابي.

 

الخاتمة والتوصيات

أولاً: النتائج الرئيسة

أظهر هذا البحث أنّ الحوار الدِّيني في لبنان لا يُمكن فصله عن بيئته الرّقمية والسياسيّة والاقتصاديّة المعقدة، وأنّ التأثيرات الخارجيّة باتت تُشكل عاملًا حاسمًا في توجيه الخطاب الدِّيني وصياغة الوعي الجماعي للطوائف. ويمكن تلخيص أبرز النتائج كما يلي:

  1. التأثيرات الخارجيّة متداخلة: لا يمكن فصل التأثير السياسي عن التكنولوجي أو الاقتصادي؛ فكلّها تتكامل في التأثير على الحوار الدِّيني.
  2. المنصات الرّقميّة سلاح ذو حدين: هي وسيلة فعالة للحوار والانفتاح، لكنها في الوقت نفسه منبر لخطابات الكراهية والتلاعب الخارجي.
  3. ضعف البنية الرقابيّة المحليّة: المؤسسات الدِّينية والإعلاميّة تعاني من ضعف في القدرة على رصد ومواجهة التدفق الرّقمي الخارجي الموجّه.
  4. الذكاء الاصطناعي التّوليدي يشكّل تحديًا مستجدًا: قدرته على إنتاج محتوى ديني بشكل آلي وسريع يفتح الباب أمام استخدامات غير محكومة بالضّوابط الدِّينية أو الأخلاقية.
  5. المجتمع اللبناني هش أمام التأثيرات الخارجيّة: نتيجة الأزمات المتلاحقة والانقسام السياسي، ما يجعل خطاب الكراهية يجد أرضًا خصبة للانتشار.

ثانيًا: التوصيات

للمؤسسات الدِّينية:

  • تحديث الخطاب الدِّيني ليتلاءم مع الواقع الرّقمي، مع الحفاظ على الثوابت الأخلاقيّة.
  • تدريب رجال الدّين على التعامل مع أدوات التواصل الاجتماعي والذّكاء الاصطناعي بشكل فعّال وواعٍ.
  • التّعاون مع مؤسسات أكاديمية ومدنيّة لرصد وتحليل الظواهر الرّقمية المؤثرة في الجمهور الدِّيني.

للجهات التّشريعيّة:

  • إصدار قوانين تنظّم المحتوى الدِّيني الرّقمي وتحظر خطاب الكراهيّة والتّحريض الطائفي.
  • إلزام المنصات الرّقميّة بالتعاون مع الدولة للكشف عن الحسابات المموّلة والمضللة.
  • دعم إنشاء وحدات رقابة إلكترونيّة ذات طابع مستقل ومهني.

للمنظمات المدنيّة والإعلاميّة:

  • تنفيذ حملات توعية حول مخاطر التأثيرات الخارجيّة الرّقميّة على الحوار الدِّيني.
  • تشجيع المشاريع الإعلاميّة المشتركة بين الطوائف والتي تروّج لخطاب جامع وتعددي.
  • تدريب الشّباب على التفكير النقدي والتّعامل الواعي مع المعلومات الدِّينيّة على الإنترنت.

للمؤسسات التعليميّة والبحثيّة:

  • إدراج موضوع “الحوار الدِّيني الرّقمي” ضمن المناهج الجامعيّة، خاصة في كليات الإعلام، الشّريعة، والعلوم الاجتماعيّة.
  • تمويل دراسات علميّة حول دور الذكاء الاصطناعي في التأثير على الخطاب الدِّيني في العالم العربي.
  • تشجيع طلاب الدراسات العليا على تناول موضوعات مشتركة بين الدين والتكنولوجيا والسياسة.

ثالثًا: اقتراحات لأبحاث لاحقة

نقترح في ضوء ما سبق، تناول الموضوعات الآتية:

  1. تحليل دور تيك توك والمنصات الناشئة في نشر المحتوى الدِّيني بين المراهقين.
  2. دراسة مقارنة بين الخطاب الدِّيني الرّقمي في لبنان ودول عربية أخرى متعددة الطوائف، مثل: العراق أو سوريا.
  3. قياس أثر الذكاء الاصطناعي التوليدي على فتاوى الجمهور وتحولاته العقدية.
  4. تحليل السّلوك الدِّيني الرّقمي للشباب اللبناني بعد جائحة كورونا.

 

المصادر والمراجع

  1. أبو زعوك، رمضان. الوسطية والحوار وصورة الإسلام في الغرب. (ورقة عمل قدّمت ضمن أعمال المؤتمر الدولي الأول: “وسطية الإسلام بين الفكر والممارسة”) عمّان: وزارة الثقافة. د.ط. 2008م. ص137.
  2. أحمد، مريم آيت. العلاقة مع الآخر في ضوء الوسطية في الإسلام (أسسها وضوابطها). (ورقة عمل قدّمت ضمن أعمال المؤتمر الدولي الأول: “وسطية الإسلام بين الفكر والممارسة”). عمّان: وزارة الثقافة. د.ط. 2008م.
  3. الأحمدي، عبد الله بن عيسى بن موسى. حرية الاعتقاد: هل توجد في الإسلام، والموقف الصحيح منها. مستغانم – الجزائر: جامعة عبد الحميد بن باديس. (مجلة الحوار الثقافي. العدد: 4. السنة: 2015م).
  4. أرشيف جريدة التمدن.
  5. أرشيف جريدة الرقيب.
  6. أرشيف جريدة اللواء.
  7. آل جيل، ذاكر. الآخر بوصفه مفهومًا.. حول طبيعة تشكل مفهوم الآخر في الوعي الإنساني. نيوصوفيا – قبرص: شركة الكلمة للإعلام والنشر المحدودة (مجلة الكلمة. العدد: 40. السنة: 10. 2003م).
  8. الإيسيسكو (ICESCO)، منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة. أدب الاختلاف في الإسلام. عمّان: جامعة الزيتونة. د.ط. 2001م.
  9. البار، محمد علي. معاملة غير المسلمين الحوار والتسامح في الإسلام: شواهد من التاريخ. دمشق: دار القلم. ط1. 2004م.
  10. البازعي، سعد بن عبد الرحمن. الاختلاف الثّقافي وثقافة الاختلاف. الدار البيضاء: المركز الثّقافي العربي. ط1. 2008م.
  11. بكار، عبد العليم. القراءة والحوار والتعليم والتعلم. جدة: دار الأعلام. ط1. 1424ه.
  12. بكري، عبد الحليم حفني أحمد. أسلوب المحاورة في القرآن الكريم. القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب. ط3. 1995م.
  13. التّرابي، محمد الشّیخ أبو عاقلة. أخلاقيات الحوار في الإسلام. ورقة عمل مقدمة في ندوة الأخلاق الإنسانية الرفيعة. الخرطوم: جامعة الخرطوم. 2008م.
  14. التسخيري، آية الله محمد علي، قيم الحوار والتعايش في الرؤية الثقافية الإسلامية. الخرطوم: شركة دار كاهل للدراسات والطباعة والنشر. (مجلة أمة الإسلام العلمية. العدد: 1. السنة: 1430ه/2009م).
  15. توينبي، أرلوند جوزيف (ت1975م). الإسلام والغرب والمستقبل. ترجمة: نبيل صبحي. بيروت: الدار العربية. ط1. 1969م.
  16. الحسن، يوسف. الحوار الإسلامي المسيحي: الفرص والتحديات. أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة: المجمع الثقافي. ط1. 1997م.
  17. حميش، بنسالم. في معرفة الآخر. اللاذقية: دار الحوار للنشر والتّوزيع. ط2. 2003م.
  18. حنا، ميلاد. قبول الآخر: فكر واقتناع وممارسة. بيروت: دار الشروق. ط1. 1998م.
  19. رضاك، محمد فواز. الحوار الدِّيني عند بديع الزمان سعيد النورسي. بحث مقدم للحصول على درجة الليسانس). إشراف: الأستاذ محمد هادي. كنتور-إندونيسيا: قسم دراسة الأديان في كلية أصول الدين بجامعة دار السلام. 1439ه/2018م.
  20. الزّيان، رمضان إسحاق. الأساليب النّبوية والعصرية في فك الحصار عن الدّعوة الإسلاميّة. بحث مقدّم لمؤتمر الإسلام والتّحديات المعاصرة. غزة: كلية أصول الدّين في الجامعة الإسلاميّة. 2007م.
  21. سيل، بيتر. الكون الرّقمي: الثورة العالمية في الاتصالات. ترجمة: ضياء ورَّاد. القاهرة: مؤسسة هنداوي. ط1. 2017م.
  22. عثمان، صلاح. نحو أخلاقيات للآلة. تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحديات اتخاذ القرار. مقال منشور في موقع (المركز العربي للبحوث والدراسات). تاريخ النشر: الخميس 14/7/2012م. تاريخ الاطلاع: 25/4/2025م. الرابط: https://philarchive.org/rec/OSMNGV.
  23. موقع بيانات التابع لمؤسسة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله. السيرة المختصرة لسماحة المرجع السيد فضل الله. تاريخ الاطلاع: 20/4/2025م. تاريخ النشر: 1/6/2023م. الرابط: https://www.bayynat.org.lb/.
  24. مقابلات شخصية مع عدد كبير من الشخصيات السياسية والدِّينية والمؤثرين والمفكرين؛ منهم: القاضي الشيخ الدكتور محمد النقري / الدكتور رضوان السيد / الدكتور محمد السماك.

 

 

طالب دكتوراه في المعهد العالي للدكتواره في الجامعة اللبنانيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة- قسم علوم اجتماعيّة-[1]

PhD student at the Lebanese University – Faculty of Arts, Humanities and Social Sciences – Department of Social Sciences.Email: Ramiferri@hotmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website