عنوان البحث: حسن عليّ شرارة شاعرُ الحُبُّ والوجود
اسم الكاتب: د. صهيب يقطين
تاريخ النشر: 16/07/2025
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 38
تحميل البحث بصيغة PDFحسن عليّ شرارة شاعرُ الحُبُّ والوجود
Hassan Ali Sharara, the poet of love and existence
د. صهيب يقطين([1]) Dr. Sohaib Yaqtin
المقدّمة: هو شاعر وأديب عربيّ معاصر، يُعدُّ من أبرز الأصوات الأدبيّة في لبنان والعالم العربيّ. وُلد في لبنان، وترعرع في بيئةٍ أدبيّة وفكريّة غنيّة، وساهم بصورةٍ مُؤثِّرةٍ في إثراء المشهد الأدبيّ العربيّ بأعماله القيِّمة التي تمزج بين الفلسفة والأدب والإنسانيّة. وعلى الرّغم من أنّ اسمه قد لا يكون ذائعًا على نطاقٍ عالمـيّ كما عند بعض الشّعراء المشهورين؛ إلّا أنّ له إسهاماتٌ شعريّة متنوّعة لا تخفى على كلّ باحث، وهو يظلّ علامة فارقة في الأدب العربيّ بفضل أسلوبه الأنيق ومحتواه العميق الذي تنضحُ به قصائده وروائعه.
اشتهر بشعره الّذي يعكس اهتماماتٍ شخصيّة وفكريّة تتنوّع بين الذّاتيّة والعامّة. ويتميّز شعرُه بعمق المعاني وجماليّة التّعابير وأصالة الأفكار، إذ يعكس تفكيرًا فلسفيًّا وإنسانيًّا راقيًا ومُلتَزِمًا، يعبّر من خلاله عن مواقفه الشّجاعة تّجاه قضايا الحياة والمجتمع.
شعره وتوجُّهاته الأدبيّة
تتميّز قصائده بعمقها الفكريّ ونضجها العاطفيّ. وتتراوح موضوعاته بين التأمّلات الفلسفيّة العميقة، والتّساؤلات الوجوديّة حول الإنسان والحياة والموت، مرورًا بالهموم الإنسانيّة التي تكتنف مصائر البشر، وصولًا إلى قضايا المجتمع العربيّ المعاصِرة
يعكس صوته الشّعريّ هُويّته الثّقافيّة، إذ يتميّز بهذا الخليط المُبدع بين التّراث العربيّ الكلاسيكيّ وبين المفاهيم الحديثة الّتي تناولت وواكبت التّغيّرات الاجتماعيّة والسّياسيّة.
سماته الأدبيّة والشّخصيّة
1- الفكر العميق: شعرُ شرارة ينمُّ عن تفكير فلسفيّ عميق؛ فهو لا يقتصر على التّعبير عن حدود التّجربة الذّاتيّة فقط، بل يعكس هموم الإنسان بشكل عامّ أنّى وُجِد. فهو يتأمّل في موضوعات الوجود والموت والحبّ والفقد والحنين والوطن، محاولًا البحث عن إجاباتٍ شافيةٍ لأسئلة الحياة الكبرى الّتي تشغل الأذهان.
2- الهمّ الإنسانيّ: يهتمّ الشّاعر بقضايا الإنسان والمجتمع، إذ يتطرّق في شعره إلى القضايا الاجتماعيّة والسّياسيّة الّتي تشغل بالَ الأفراد. يُعايِنُ شعره الألم الجماعيّ الذي ينجم عن الحروب، والظّلم، والتّهجير. هذه الهموم الثّقيلة التي تُؤرّقُ إحساس الشّاعر فتصوغ رؤيته نحو العالم.
3- الحساسيّة المُفرِطة: وهي تمثّل إحدى سمات شرارة تجاه محيطه؛ فقدرته على التقاط التّفاصيل الدّقيقة في الحياة اليوميّة المَعيشة تجعل شعره نابضًا بالحياة. هذه الحساسيّة المُفرِطة تتيح له التّعبير عن المشاعر الإنسانيّة في أعمق صورها وأروع تجلّياتها.
الإبداع والتّجديد: على الرغم من تعلّقه بالتّراث العربيّ الكلاسيكيّ، إلّا أنّه يسعى دائمًا إلى تجديد الأسلوب الشّعريّ؛ فلا يكتفي بالأساليب التّقليديّة التي درج عليها السَّلف، بل يعكف على ابتكار طرائق تعبير جديدة،ما يجعل شعره يتّسمُ بالتّنوّع والحيويّة والرّشاقة والقدرة على التّفاعل مع العصر الحديث.
التّحليل النّفسيّ: يَظهر شاعرًا مرهف المشاعر عميق التّفكير، لديه رغبة جامِحة ومُلحّة في فهم ذاته وفي إزاحة الحُجُب عن العالم من حوله. يتّسم بقدرةٍ واسعةٍ على التّأمّل والتّبصُّر والاستبطان، ما يجعله قادرًا على طرح تساؤلاتٍ عميقةٍ عن الحياة والموت والوجود. حتّى كأنّك تراه يعيشُ حالة مِن التّناقض بين الفرح والحزن، الأمل والألم، الإقدام والإحجام. هذا التّناقض يعكس شخصيّة إنسانيّة مُعقّدة تحمل في ثناياها مشاعر متعدّدة ومُتضاربة.
مواقفه
1- رفض الظّلم: يُعبّر عن موقف أصيلٍ رافض للظّلم الاجتماعيّ والسّياسيّ، وقد تجسّد ذلك في بعض قصائده الّتي تنتقد الأوضاع السّياسيّة والاجتماعيّة في العالم العربيّ.
2- التّطلّع إلى التّحرّر الفكريّ: يروّج للتّفكير الحرّ المُنفَلِت من عُقال الأفكار المُعلّبة والجامِدة، ويدعو إلى امتلاك زِمام التّعبيرِ عن الرّأي بعيدًا عن القيود التّقليديّة التي ألِفها النّاس، ويدعو إلى التّفكير النّقديّ الخلّاق، والتّحليل المنطقيّ للأحداث من حوله.
3-التّركيز على الأبعاد الإنسانيّة: شاعرنا يُؤمن أنّ الشّعر يجب أن يكون مرآةً للمشاعر الإنسانيّة، وصورةً جليّةً للمواقف الشّخصيّة الّتي تتقاطع مع التّجربة الإنسانيّة الكونيّة. اهتمامه بالمعاناة الشّخصيّة والعامّة يعكس رغبته في التّفاعل مع العالم مِن منظور إنسانيّ أعمق.
التّحليل الأدبيّ: يبرز اهتمامٌ واضِحٌ بالتّفاصيل الدّقيقة، في شعره، وبقدرةٍ جليّةٍ على التّعبير عن حالات داخليّة مُتباينة. كلماتُه تنبض بالحياة وتتوسَّلُ المجاز والإشارات الأدبيّة، ما يجعل شعره أكثر تعقيدًا وجمالًا. إنّ الجانب المميّز في مواقفه هو طريقته العجيبة في مزج الغنائيّة بالصّرامة الفكريّة، إذ يحاول غالبًا البحث عن الحقيقة من خلال الانغماس في العاطفة الإنسانيّة، ولكنّه يظلّ يتساءل عن دور الشّاعر في هذا الكون الفسيح.
المواقف الفلسفيّة: يتبنّى الشاعر مواقف فلسفيّة أخلاقيّة في قصائده. فلا يتوقّف أسلوبه الشّعريّ عند مجرّد التّعبير عن التّجارب الإنسانيّة، بل يتجاوز ذلك إلى طرح الأسئلة الجوهريّة حول الحياة والموت والوجود. تظهر في قصائده أسئلة عن معنى الحياة، والغاية من الوجود، وتجد فيها محاولات البحث عن إجابات يمكن أن تساعد القارئ في فهم الذّات.
أسلوبه الشّعريّ: يمتاز شعره بالسّلاسة، ولكنّه محمّلٌ بشحناتٍ من المعاني عميقة والإيحاءاتٍ البعيدة. يعتمد على الرّمزيّة والتّلميح أكثر من اعتماده على التّعيين المباشر. لا يقتصر أسلوبه الشّعريّ على مجرّد التّعبير عن الذّات، بل يُظهر علاقته بالعالم المحيط به. من خلال هذه العلاقة الجدليّة يتطوّر شعره ليعكس صراعًا داخليًّا ترافقها حُزمةٌ من التّساؤلات حول الحياة، والحروب، والتّحدّيات الاجتماعيّة.
صور شعريّة ومجازات
يُوظّف الشاعر في شعره الصّور التي تستحضرُ مزيجًا فريدًا من الرّمزيّة والواقع المَعيش. إنّه يُبدعُ صورًا شاعريّةً حيّةً لاهتماماته بالفلسفة الوجوديّة، فيحوّل من خلال المجازات الشّعريّة معاناة الإنسان إلى ألوان من التّعبير الجماليّ العميق. إنّ شعره يعتمد على الفكرة الرّمزيّة الّتي تسمح له بتقديم تجارب إنسانيّة مشتركة، لكنّها في الوقت ذاته تحتوي على أبعاد خاصّة تعكس صراعاته الشّخصيّة في الحيّاة.
تحليل المقتطف
رُمْتُ الجِهادَ،وقدْ نذرتُ حَياتي
وكَذا نذرتُ لأجلِهِ أوْقَاتِي
وَجَعَلْتُ لَيلي كالنّهارِ ونورِهِ
وحلمْتُ أَنّي جَامعُ القُدراتِ
وشكمْتُ جيدَ الموجِ رغمَ هياجِهِ
وسخرْتُ منْ عصفِ الرّياحِ العَاتي
وقطعْتُ أرجاءَ العصورِ برحلةٍ
مقرونةٍ بمُروءةٍ وثبَاتِ
ومضيْتُ في الآفاقِ أَنشُدُ غَايتي
أعْلُو الصِّعَابَ بجُرأةٍ وثَباتِ
وشربْتُ مُرَّ الكأسِ دونَ تَردّدٍ
ووقفْتُ لا أخْشَى منَ النّكبَاتِ
ووقفْتُ عُمري جَاهِدًا بمكاسبٍ
ومآربٍ منْ أنبلِ الغاياتِ
آليت لا أشكُو الزّمانَ وأهلَه
حتّى ولو سرقَ الزّمانُ رُفاتي
هذا بياني صفحةٌ عن سِيرَتي
كُتبتْ بحبرٍ منْ مَعينِ دَواتي
تحليل المقتطف
1- الرّمزية والصّراع: يظهر الشّاعر في هذا المقتطف مُتأمّلًا في معنى “الجهاد” الّذي لا يعني الحرب المباشرة، بل هو صراع داخليّ مع قوى الحياة القاسيّة. يقف ضدّ التّحدّيات الحياتيّة كـ”الموج العاتي” و”الرّياح” الّتي تعصف به. ومع ذلك، لا يتردّد في مواجهة هذه التّحدّيات، بل يتّخذها كجزء من رحلة الحياة التي لا بدّ من خوضها.
2- المثابرة على القيم: ما يُميّز المُقتطف هو التزام الشّاعر بمبادئه وأهدافه من دون خوف أو تراجع، ما يعكس فلسفته في الحياة: “لا أشكو الزّمان وأهله”، ما يعني أنّه يرفض الاستسلام للمصاعب ويستمرّ في مسيرته الإنسانيّة بكلّ ما فيها من ألم وتحدّيات.
مواضيع شعره
1- الوجود والمعنى: تتناول قصائده الأسئلة الوجوديّة الّتي تتعلّق بالحياة والموت، مع محاولات لفهم مغزى الوجود في عالم مليء بالصّراعات. يُسائل الشّاعر عن الهدف الأسمى للحياة وتحديد دور الإنسان في هذا الكون الواسع.
2- الحبّ والهجر: الحبّ، بأبعاده العاطفيّة المُتناقضة، هو أحد المواضيع المركزيّة في شعره. يتناول الحبّ من زاوية مملوءة بالشّوق والحزن، ويسبر أغوار الفقد والهجر، ما يُضفي على قصائده نبرة إنسانيّة مليئة بالعاطفة.
3– النّقد الاجتماعيّ والسّياسيّ: على الرّغم من عمق المواقف الشّخصيّة، لا يقتصر شعره على الهموم الفرديّة فقط، بل يتفاعل مع قضايا المجتمع العربيّ، فيتناول الظّلم السّياسيّ والاجتماعيّ، منتقدًا الأوضاع السّائدة في بلاده وفي العالم العربيّ ككلّ.
الخلاصة: يُتقن حسن عليّ شرارة الشاعر الأصيلٌ فنّ التّعبير عن الصّراع الإنسانيّ مع الحياة والموت. إنّه يرمي إلى تقديم رؤية فلسفيّة عن الوجود، إذ تُدمج الأسئلة الكبرى مع التّحديّات اليوميّة الّتي يواجهها الأفراد في المجتمع. يسعى إلى تطوير خطاب شعريّ إنسانيّ ينطوي على تفكير عميق، وهو يتعامل مع معاناة الإنسان من خلال تعبيرات رمزيّة وشعريّة تدعو القارئ إلى التّأمّل والمشاركة في البحث عن الحقيقة والهدف.
باحث وناقد لغويّ، شاعر، أديب، له مشاركات شعريّة، وكتابات نثريّة في العديد من المنتديات الأدبيّة -[1]
A linguistic researcher and critic, poet, and writer, he has contributed poetry and prose writings to many literary forums.Email: Souhaibyactine@yahoo.com