اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
جبل عامل – الجغرافيا المخفيّة
بحث نقدي تحليلي مقارن لجغرافيا أماكن أحداث سيرة النّبي يوسف
Jabal Amel – The Hidden Geography
A critical, analytical, and comparative study of the geography of the sites of the events in the life of the Prophet Joseph
Dr. Ali I. Zeineddine د. علي إ. زين الدين ([1])
تاريخ الإرسال: 2-8-2025 تاريخ القبول: 24-9-2025
الملخّص Turnitin:12%
بالإستناد إلى المعطيات التّاريخيّة والأثريّة، وبعد مراجعة أقدم النّصوص، والنّقوش المتعلقة بسيرة نبي الله يوسف، والأحداث التي تعرض لها بين أخوته في بلاد كنعان، إلى أن يتفقوا على إبعاده بطريقة أو بأخرى، ومن ثم وصوله إلى مصر ونشأته في قصر فرعون فيصبح شخصيّة مهمة.
بعد ذلك يأتي بعائلته إلى مصر، ويقيمون فيها معززين إلى أن يموت الفرعون، ويأتي ملك آخر لا يطيب نفسًا بوجود قوم يوسف في مصر وحظوتهم تلك المكانة الرفيعة، فتبدأ معاناة قوم يوسف (أو بني إسرائيل) إلى أن يولد موسى (الكنعاني) الذي يعمل على إخراج قومه من مصر وإعادتهم إلى بلادهم كنعان.
بناء على المصادر التي سبق ذكرها، وبعد إجراء مسح أثري والكشف عن أوابد لا تزال قائمة وعلى آثار ماديّة، وبعد التّدقيق في أسماء أماكن ورد ذكرها في نصوص دينيّة وتاريخيّة، وبعد التّدقيق في الخريطة الشّاملة لمجرى الأحداث، حُدِّدت مراكزها المهمّة ليتبين أن معظمها في منطقة جبل عامل في الجنوب اللبناني، وبعضها في مناطق قريبة منها جغرافيا، بالتالي هذا ما سأحاول إثباته في هذا البحث بناء على الأدلة الماديّة والتّاريخيّة والآثريّة.
الكلمات المفتاحيّة
جنوب لبنان – جبل عامل – كنعان – مديَن – جلعاد – مصر – الجزيرة العربية – جغرافيا – تاريخ – آثار – يعقوب – يوسف – موسى – يثرون – شعيب – بني إسرائيل – فرعون – القرآن الكريم – العهد القديم – التوراة.
Abstract
Relying on historical and archaeological data, and following a review of the earliest texts and inscriptions concerning the life of the Prophet Joseph and the events he experienced with his brothers in the land of Canaan—until they resolved to remove him in one way or another—subsequently leading to his arrival in Egypt, his upbringing in Pharaoh’s palace, and his eventual rise to prominence.
Thereafter, he brought his family to Egypt, where they lived in honor until the death of that Pharaoh and the succession of another ruler who resented the presence of Joseph’s people and their elevated status. This marked the beginning of the suffering of Joseph’s people (the Israelites), which continued until the birth of Moses (a Canaanite), who led his people out of Egypt and restored them to their homeland in Canaan.
On the basis of the aforementioned sources, combined with archaeological surveys that uncovered surviving monuments and material remains, alongside a close examination of place-names cited in religious and historical texts, as well as a detailed reconstruction of the geographical course of events, the principal centers of these events have been identified. The findings indicate that these centers lie in close proximity to the Jabal Amel region of southern Lebanon, with some of them located squarely within that geographical area. This, therefore, is what I aim to demonstrate in the present study, grounded in material, historical, and archaeological evidence.
Keywords
South Lebanon – Jabal Amel – Canaan – Midian – Gilead – Egypt – the Arabian Peninsula – Geography – History – Archaeology – Jacob – Joseph – Moses – Jethro – Shuʿayb – Sons of Israel – Pharaoh – the Holy Qur’an – the Old Testament – the Torah.
المقدّمة: سأحاول في هذا البحث تسليط الضوء على المسرح الجغرافي، والمعطيات التّاريخيّة لقصّة نبي الله يوسف، وسيرته مع أخوته من جهة ومع المصريين من جهة أخرى، كما تروي التوراة أو العهد القديم بوصفها المصدر المكتوب الأقدم الذي تناول تفاصيل الأحداث، وإن كانت بحاجة إلى الكثير من التّدقيق على ضوء ما سيرد من معطيات من مصادر أخرى، ثم مقاربة الموضوع من خلال ما ورد في القرآن الكريم وعلم الآثار والتاريخ، فقصّة النّبي يوسف مترابطة مع قصّة النّبي موسى ومكملتان لبعضهما البعض إن على صعيد الجغرافيا، أو العقيدة الدّينيّة وحتى على الصّعيدين الثّقافي واللغوي، فالشّخصيات الرئيسة تنتمي إلى إثنيّة واحدة هي الكنعانيّة.
الإشكاليّة
تركّز الإشكاليّة على مراكز الأحداث المهمّة التي جرت في بلاد كنعان منذ بدايتها؛ أي منذ الرّحيل الجماعي إلى مصر وصولًا إلى العودة إلى بلاد كنعان، ما يعني أن الشّخصيات والجغرافيا المهمّة تنتمي إلى منطقة كنعانية خالصة، فيما نجد بعض الدّراسات والأبحاث تأخذ الأحداث إلى جغرافيا مختلفة كليًّا كالجزيرة العربيّة أو بلاد اليمن أو غيرها من الأماكن. لذلك كان لا بعد من محاولة إعادة تصحيح الجغرافيا، ووضع الأمور في نصابها الطبيعي بناء على المسح الأثري، وتحقيق المصادر الدّينيّة والتّاريخيّة والأطلال التي لا تزال في مكانها وبعض اللقى من كسر فخارية وأجزاء من عمارة، وأيضًا بعد الأخذ بالحسبان أسماء الأماكن التي تعدُّ واحدة من المصادر التي يطلق عليها التاريخ النقلي أو التاريخ الشفوي.
أهمية البحث
لما كانت العديد من المواقع الزّاخرة بالأوابد والآثار، لم يكن العمل الأثري والتّنقيب فيها بالمستوى المطلوب ضمن المساحة الجغرافيّة الواسعة المسماة جبل عامل في الجنوب اللبناني، لأسباب مختلفة ليس أقلّها الحروب، إذ إنّ بعض تلك المعالم تحمل في تفاصيلها، ونقوشها ملامح من الإنتاج الثّقافي لشعوب عبرت وحضارات سادت في زمن من الأزمان، وبما أن هذه المعلومات من شأنها تسليط الضوء على تاريخ منطقة واسعة من الجغرافيا اللبنانيّة، وإذ إنّ معظم منطقة البحث تقع مباشرة عند الحدود اللبنانيّة مع فلسطين المحتلة، بالتالي لم يجر العمل البحثي فيها بالشّكل الكافي، ولم تُنشر دراسات علميّة متخصصة حول الأوابد والآثار وعن ماهيتها وانتمائها الثقافي، وإن وجدت بعض التّقارير الصّحفيّة التي تتحدث عن بعض الأماكن، كان لا بدّ من القيام بمحاولة لكشف بعضها، ودراستها بما توفر لي من إمكانات.
بناء على ما تقدم، قمت بزيارات عديدة إلى المناطق التي استطعت الوصول إليها ربيع العام 2021 متتبعًا أسماء الأماكن، ودراسة الآثار التي لا تزال في مكانها، اللافت أنّه بسبب وجودها في أماكن نائية نسبيًّا، فإن الآثار وتفاصيل الأماكن لا تزال على حالها ولم يُعبث فيها بشكل كبير، لذلك سأعتمد المنهج البحثي الميداني التّحليلي من خلال إبراز ما أمكن من آثار ودراسة مدلولاتها ومحاولة تحديد إنتمائها الثقافي والحضاري.
الفرضيّة
بعد مقاطعة المعلومات التي توفرت مع ما ورد في بعض المصادر، عملت على تجميع مادة وإن كانت مختصرة أبرزتْ فرضيّة تفيد أنّ لها – على الأرجح – علاقة بمجموعة أحداث وردت في مصادر مكتوبة بعضها ذو طابع ديني كـالعهد القديم، والقرآن الكريم وبعضها الآخر ورد في مصادر مختلفة سنتعرض لها تباعًا.
سأعالج أحداثًا تتعلق بنبي من أنبياء الله يدعى يوسف، ومقاربة مسرح الأحداث التي جرت معه من خلال الوقائع والبحث الميداني، وبعض المصادر التي تعرضت للموضوع وطرح فرضيّة مؤيَدة بما توفر من مصادر تاريخيّة وأثريّة وجغرافيّة، تفيد أنّ الأماكن التي شهدت بدايات الأحداث الكبيرة لأبناء يعقوب جرت في المناطق التي سبق ذكرها أي شمال فلسطين، وجنوب لبنان تلك المنطقة المعروفة بـجبل عامل التي شهدت بداية الأحداث قبل الدّخول إلى مصر بطريقة دراماتيكيّة، وتدرج يوسف في قصر فرعون ليصبح شخصيّة بارزة في البلاط المصري.
أهداف البحث
الهدف ليس السّرد القصصي _وإن كان مطلوبًا_ فالبحث يتخطى ذلك باتجاه تصحيح وإعادة توجيه للأحداث الرئيسة، والتّركيز على مسرحها الجغرافي بناء على ما توفر لدينا من معلومات ومعطيات وفي ضوء ما أظهرته الحفريّات وعمليات المسح الأثري، لذلك كان اختيار منطقة جبل عامل بوصفها جزءًا مهمًا – على الأرجح – للقسم الكنعاني من جغرافيا لقصتين من خلال أسماء الأماكن، والآثار المنتشرة بكثرة فوق العديد من التلال، لذلك اختيرت هذه المنطقة الجغرافيّة لارتباط العديد من أسماء الأماكن بهاتين الشّخصيتين من جهة، ولارتباط تلك الجغرافيا بمصر، وهي القسم المكمّل لجغرافيا الأحداث الذي يتداخل بشكل كبير ومؤثر.
بناء على ما تقدم، إذ إنّ الأحداث مرتبطة بنبيَّن، فلا بدّ أن نبدأ من المصادر الدّينيّة المكتوبة، وكيف وثّقت الأحداث ومن ثم الانتقال إلى المصادر الأخرى، والمعطيات الأثريّة والتّاريخيّة، ربما من يتصفّح سورة يوسف في القرآن الكريم، وما ورد في سفر التكوين من التوراة (التي هي جزء من العهد القديم) يجد مشتركات بين السّرديتين للأحداث في عناوينها العامة[i]، التّوراة هو الكتاب المفترض أنّه نزل على نبي الله موسى زمن إخراج بني إسرائيل من مصر في القرن الثاني عشر قبل الميلاد – كما سنبيّن -، لكن الغريب أن بعضًا من أسماء الأعلام والأماكن التي وردت فيه ترقى إلى أزمنة متقدمة (القرن السّابع قبل الميلاد على أقل تقدير)، وهذا ما دفع بعض علماء الآثار (Garbini, G.) إلى القول إنّ العهد القديم دوِّن في حقبة متقدمة جدًا على زمن حصول أحداثه (أواخر القرن السّابع قبل الميلاد زمن الملك يوشيا)، حتى أن (Van Seters, J.) ذهب أبعد من ذلك فقال: إنّ التوراة كتب في الحقبة الهلنستيّة أي في القرن الرابع قبل الميلاد وما تلاه، بالتالي فإن محرر التّوراة وقع في مغالطات على مستوى التاريخ والجغرافيا حتى في تفاصيل الأحداث لا ندري إن كانت عن قصد أو عدم معرفة، مع الأخذ بالحسبان الفاصل الزّمني الطويل بين حصول الأحداث وتدوينها.
السّرديّة: يقدم التّوراة سرديته الخاصة حول قصّة النّبي يوسف، وصياغة للأحداث بدءًا من علاقته بإخوته وتمييز والده (يعقوب-إسرائيل) له ما جعلهم (إخوته) يتآمرون عليه لإبعاده حتى وصل إلى قصر فرعون في مصر: أراد أخوة يوسف قتله، أشار أحدهم (رأوبين) بإلقائّه في البئر (تكوين 37:22)، وأثناء جلوسهم لتناول الطعام مرت “قافلة إسماعيليين”، فقدم يهوذا اقتراحًا آخر لأخوته ببيعه للإسماعيليين (تكوين 37:26)، هنا يوجد قطع في السّرد، فجأة يمرّ تجار مديانيون فيسحبوا يوسف من البئر، ويبيعونه للإسماعيليين بعشرين من الفضة وهؤلاء يبيعونه في مصر، لم تنته قصّة يوسف مع أخوته عند هذا الحّد قبل وصوله إلى مصر، لأنّ هناك تجار مديانيون ظهروا مرة أخرى من دون مقدمات وهم من باعوا يوسف في مصر، “وَأَمَّا الْمِدْيَانِيُّونَ فَبَاعُوهُ فِي مِصْرَ لِفُوطِيفَارَ خَصِيِّ فِرْعَوْنَ، رَئِيسِ الشُّرَطِ. (تكوين 37:36).
هذا إن دلّ فإنما على ضياع لدى المحرر، فهو أورد مسمّيات من زمان التّدوين من ذاكرته الحيّة، (القرن السّابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع على أقل تقدير كما سبقت الإشارة) وأسقطها على الأحداث التي حصلت قبل ستة أو خمسة قرون، نعم زمن التّدوين كان هناك تجار اسماعيليّون بين الجزيرة العربيّة وبلاد كنعان ومصر، فطرق التّجارة والقوافل لم تتوقف، لكن التّوراة أخبرنا القصّة على عجل إذ يقرر أخوة يوسف بيعه للإسماعيليين، ثم ومن دون أي مبرر تأتي جماعة “مديانيون” وينتشلون يوسف ويبيعونه “للإسماعيليين”، بعد ذلك يخبرنا أن المديانيين باعوه في مصر!!
هنا نجد التباينات الآتية، أولًا: الإسماعيليون حشروا في القصّة، لأنّه في زمن يعقوب لم تكن هناك من تجارة بين موطن الإسماعيليين في الجزيرة العربيّة، وبلاد الكنعانيين ولا حتى مصر ثانيًا: يخبرنا أنّ القافلة فيها جمال محمّلة بمنتوجات الجزيرة العربيّة، في حين لم يثبت أثريًّا أنّ الجمال كانت قد استخدمت في تلك المرحلة([ii]) كوسائط نقل في التّجارة (فراس السّواح) علمًا أنّ البضائع المذكورة هي فعلًا منتجات من الجزيرة العربيّة، كانت متداولة لكن في مرحلة متقدمة جدًا عن زمن حصول الأحداث، “ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا طَعَامًا. فَرَفَعُوا عُيُونَهُمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا قَافِلَةُ إِسْمَاعِيلِيِّينَ مُقْبِلَةٌ مِنْ جِلْعَادَ، وَجِمَالُهُمْ حَامِلَةٌ كَثِيرَاءَ وَبَلَسَانًا وَلاَذَنًا، ذَاهِبِينَ لِيَنْزِلُوا بِهَا إِلَى مِصْرَ. (تكوين 37:25)
لذلك نجد في تعبير القرآن الكريم أنّ من انتشل يوسف من البئر، وباعه في مصر هم سيّارة أيّ مجموعة من النّاس يسافرون سيرًا على الأقدام، ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ (يوسف 19)، حتى أنّ أخوة يوسف حين قرروا إلقاءه في الجبّ، كانوا يتوقعون أن يلتقطه بعض السّيارة أيّ أنّ مرور سيّارة أمر شائع ليس مستغربًا بمعنى آخر أنّ التجار، أو العابرين كانوا يسيرون على الأقدام ولا يوجد جمال ولا قوافل، وهذا يؤشر إلى أنّ المكان القادمين منه ليس بعيدًا كثيرًا، بل في الجوار فكانوا يسيرون على الأقدام اقتربوا من الجب ليشربوا فسمعوا صوتًا من داخله وجدوا غلامًا أصعدوه وأخذوه معهم إلى مصر كبضاعة لبيعه أو باعوه لتجار ذاهبين إلى مصر (؟).
بالانتقال إلى القرآن الكريم الذي يقصّ علينا ما حدث مع نبي الله يوسف، وما جرى بينه وبين إخوته من أحداث قبل أن يصل إلى قصر فرعون في مصر على الشكل الآتي: ﴿قَالَ قَآئِل مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ﴿10﴾… وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ﴾… (يوسف21)
هذه هي الخطوط العامة وتفاصيل قصّة النّبي يوسف كما وردت في القرآن الكريم، وقد أراد إخوته قتله فأشار أحدهم بإلقائه في الجب فالتقطه سيارة وباعوه في مصر. بالعودة إلى البحث وجغرافيًّا؛ فأحداث قصّة النّبي يوسف ومن ثمَّ النّبي موسى فهي بلاد كنعان الواقعة بين حدود المملكة المصريّة الشّماليّة الغربيّة، والسّاحل الكنعاني شمالًا من صيدا حتى غزّة (فلسطين المحتلة) جنوبًا حسب تحديد التّوراة، قد نجد آراءً أخرى لدى بعض الباحثين تقول إنّ أحداث قصّة النّبي يوسف، وآبائه يعقوب وإسحق وإبراهيم جرت في أماكن أخرى (؟) غير ما نحن بصدده، لكن المتمعّن في جغرافيا المنطقة بين شمال فلسطين وجنوب لبنان (هي منطقة ذات وحدة إثنيّة ثقافيّة تاريخيّة كنعانيّة زمن حصول أحداث قصّة النّبي يوسف ومن ثَمَّ النّبي موسى) يرى أنّ مسرح الأحداث ينطبق إلى حدّ كبير مع المنطقة المذكورة، فالبئر الذي أُلقي فيه يوسف كان في كنعان، ويعقوب كان يعيش في كنعان، مع الأخذ بالحسبان أنّ السّاحة الكنعانيّة كانت مرتبطة بمصر تجاريًّا.
بعد المسح الأثري الذي قمْتُ به وقد أشرت إليه آنفا، أمكن تحديد المعالم الآتية: جبل كنعان، يثرون، بنيامين، يوشع، العباد، مسجد شعيب، بئر شعيب، خربة شعيب، كروم بنات يعقوب، بنيّات يعقوب، مسجد بنات يعقوب، الزّنار، هي من المسميّات التي لا تزال حتى يومنا الحالي تطلق على أوابد، وآثار وأماكن لا تزال قائمة إلى يومنا هذا إذ انتقلت تلك المسميات بوساطة ما يعرف بالتّوثيق أو التّاريخ الشفوي جيلًا بعد جيل أضف إلى توثيقها في بعض المصادر التّاريخيّة (الخطط الشّاميّة – محمد كرد علي، خطط جبل عامل – السيد محسن الأمين) بالتالي فإن القصّة تنتمي إلى هذه المنطقة من دون سواها بعد الأخذ بالحسبان، الجغرافيا وأسماء الأماكن والمسافات بين مراكز أحداثها المهمّة سواء في مصر أو في بلاد كنعان كما سيمرّ معنا، إضافة إلى أنّ أسماء الأماكن كلّها التي سبق ذكرها مستوحاة من أسماء شخصيات قصتي يوسف وموسى.
تبدأ القصّة مع تذمر أخوة يوسف من حبّ أبيهم له، وإجماعهم على التّخلص منه إلى أن يلقوه في الجب (البئر) وبيعه في مصر ونشأته في قصر فرعون، إلى هنا القصّة لا غبار عليها سوى أن القرآن الكريم ذكر أنّ أخوة يوسف هم من طلبوا من أبيهم أن يرسله معهم، ﴿أرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (يوسف 12)، فيما القصّة معكوسة في العهد القديم إذ إنّ يعقوب هو من أرسل يوسف إلى إخوته، فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «أَلَيْسَ إِخْوَتُكَ يَرْعَوْنَ عِنْدَ شَكِيمَ؟ تَعَالَ فَأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ». فَقَالَ لَهُ: «هأَنَذَا» (تكوين 37:13)، هذا الاختلاف في التّفاصيل سيرد في غير مكان لكن ما أظهرته الحفريات الأثريّة، والسّياقات المنطقيّة للأحداث سيقودنا إلى استنتاجات بنسبة عالية من الحقيقة، وإن لم تكن حقيقة مطلَقة لكن على ضوء ما توفّر لدينا من معطيات وأخبار.
تأريخ الأحداث: بناء على هذا التّضارب والضياع في الأحداث، والأماكن والتّواريخ فلا يمكن أن نضع تاريخًا لقصّة يوسف ودخول يعقوب وأهله إلى مصر، كما لا يمكننا تحديد زمن خروجهم منها مع موسى بالاستناد إلى الرّواية التوراتيّة، فلا يمكن الاعتماد على تواريخ العهد القديم بناء لما تقدم ولما سيلي هذا من جهة، من جهة أخرى القرآن الكريم يورد القصص في معظم الأحيان لأخذ العبر والدّروس بمعزل عن الكرونولوجيا لأنّ الهدف هو المغزى من مجريات القصّة أو الحدث التاريخي بصرف النظر عن تسلسلها الزّمني أو موقعها الجغرافي، لذلك لا بدّ أن نبحث عن زمنٍ ما موثّق ننطلق منه لتحديد تاريخ دخول مصر وتاريخ الخروج منها.
يذكر العهد القديم أنّ يوسف أسكن أهله في أرض رعمسيس أي عند دخولهم إلى مصر سكنوا في تلك الأرض، “فَأَسْكَنَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَعْطَاهُمْ مُلْكًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ، فِي أَرْضِ رَعَمْسِيسَ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ”… (تكوين 47:11)، هنا يظهر أنّ من حرر القصّة كان متعجلًا لإنّهاء سرديته، فيذكر أنّ بني إسرائيل عندما خرجوا من مصر خرجوا أيضًا من أرض رعمسيس!!، “فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ رَعَمْسِيسَ إِلَى سُكُّوتَ، نَحْوَ سِتِّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ مِنَ الرِّجَالِ عَدَا الأَوْلاَدِ” (خروج 12:37)، وبما أنّ تاريخ الرّعامسة في مصر موثق فيمكن تحديد زمن دخولهم، وخروجهم تقريبًا بين القرن الثاني عشر_إلى الثالث عشر_ قبل الميلاد (1180 ق. م. كتاريخ وسطي تقريبي على أساس أنّ حقبة الرّعامسة (1290 ق.م. – 1070 ق.م.))، إضافة إلى أنّ العهد القديم يذكر أنّ إقامة بني إسرائيل في مصر دامت 430 سنة، وَأَمَّا إِقَامَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أَقَامُوهَا فِي مِصْرَ فَكَانَتْ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً (خروج 12:40)، بالتالي يمكن أن نضع تاريخًا تقريبيًّا لأحداث قصّة يوسف بحسب التوراة 1610 ق. م. أيّ نهاية عصر البرونز الوسيط تقريبًا طبعًا هذه التواريخ بحسب الرّواية التوراتيّة، فكيف دخلوا مصر وخرجوا منها في عصر الرّعامسة الذي امتدّ حوالى 200 سنة في حين أقاموا في مصر 430 سنة؟؟
هنا يجب أن نأخذ بالحسبان أنّ التّاريخ التقريبي الذي حُدّد بحسب الرّواية التوراتيّة 1610 هو تاريخ المرحلة التي تعدُّ الأصعب في مصر، لأنّها اتسمت بالفوضى السياسيّة في الحكم وانهيار اقتصادي، واجتماعي أو ما عرف بعصر الهكسوس إذ لا رعمسيس ولا رعامسة، ملوك هذه الحقبة هم سقنن رع الثاني، وكامس وأحموس الذي طرد الهكسوس، بعد ذلك حكم مصر ملوك أطلق عليهم أمنحوتب الأول والثاني والثالث والرابع الذي اشتهر بـ أخناتون، إذا رعمسيس هو اسم الملك اللامع في ذهن محرر القصّة حين التّدوين، لأنّه من أشهر الملوك على مستوى السياسة والإقتصاد الذين مرّوا في تاريخ مصر. أيضا نجد إشكاليّة عويصة أخرى، وهي أنّه بحسب العهد القديم هناك نحو 500 سنة بين دخول يوسف لمصر وخروج بني اسرائيل منها، فهم خرجوا من مصر قبل 480 عامًا من بناء البيت([iii])، وكانَ فِي سَنَةِ الأَرْبَعِ مِئَةٍ وَالثَّمَانِينَ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِ سُلَيْمَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فِي شَهْرِ زِيُو وَهُوَ الشَّهْرُ الثَّانِي، أَنَّهُ بَنَى الْبَيْتَ لِلرَّبِّ. (الملوك 6:1)، وقبل أن يخرجوا من مصر أمضوا في العبوديّة 430 سنة (الخروج 40:12)، فإذا كان بناء البيت حوالى 1000 ق.م. (ثابت تاريخي) وهم خرجوا قبل بناء البيت بـ480 سنة، وكان مضى على عبوديتهم 430 سنة فيكون دخول بني إسرائيل إلى مصر في العام 1910 ق.م. أي بداية عصر البرونز الوسيط وهذا لا يتماشى مع قصّة دخولهم وخروجهم من أرض رعمسيس!.
فكيف دخلوا أرض رعمسيس وكيف خرجوا منها حوالى 1610؟؟؟ علمًا أنّ السِفر نفسه يذكر أنّ يعقوب وبنوه سكنوا في أرض جاسان في مصر، وَسَكَنَ إِسْرَائِيلُ فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَرْضِ جَاسَانَ، وَتَمَلَّكُوا فِيهَا وَأَثْمَرُوا وَكَثُرُوا جِدًّا (تكوين 47:27)، ومن جهة أخرى لم يكن من ملك يدعى رعمسيس في تلك الحقبة من تاريخ مصر كما سبق وأشرنا.
بناء على هذه المعطيات، لا يمكننا أبدًا أن نعتمد على رواية التوراة في تحديد التواريخ، كل ما يمكننا الاستفادة منه هو مجريات لبعض الأحداث بوصفها موثقة في مصادر أخرى، فهم لم يبقوا في العبودية 430 عامًا ولم يخرجوا من مصر قبل 480 عامًا من بناء البيت، فلا يوجد أي ذكر لـ “إسرائيل” في الكتابات المصريّة، وغير المصريّة التي توثق أحداث تلك المرحلة من تاريخ مصر أو المنطقة المحيطة، أول ذكر لـ “إسرائيل” ورد ضمن نقش على مسلّة للملك المصري مرنبتاح العام 1207 ق. م. إيّ نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد (عصر الحديد) حين يعدد الممالك التي هزمها، وقد أورد ذكر “إسرائيل” كعرق أو جماعة وليس كمنطقة جغرافيّة أو مملكة (الجدول رقم 9). بعد استقرار يوسف وإخوته ووالده يعقوب ومن معه في أرض (جاسان) في مصر يموت فرعون، وهو الملك الذي اهتمّ بيوسف وأهله ويموت يعقوب ويموت يوسف، ويأتي ملك آخر يتوجّس شرًّا من بني إسرائيل ولا يأمن لهم، حتى الشّعب يحقد عليهم لذلك يسومونهم سوء العذاب في أعمال السّخرة والعبوديّة، ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ (خروج 1:8). مع قيام الملك الجديد تبدأ معاناة بني إسرائيل في مصر، إلى أن يولد موسى ويشبّ في بيت فرعون، لكن بحسب أحداث القصّة كما وردت في التوراة وفي القرآن الكريم، فإنّ موسى كان يعلم بأصله الكنعاني ويعلم كذلك بمعاناة أبناء جلدته، ويعلم بقصّة يوسف وقصّة البئر، وكيف أن الله رفع شأن بني اسرائيل في مصر إلى أن مات يوسف فانقلبت الآية، لذلك نجد أن موسى كان حذرًا حتى في كنف فرعون وغير مطمئن، ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ…﴾ (القصص-15)
دخل المدينة على حين غفلة من أهلها أيّ دخل متخفيًّا لعلمه أن فرعون يريد به شرًّا، فدخل المدينة والنّاس في بيوتهم والطرقات خاليّة ربما هذا يدل على أن موسى كان مراقبًا أو ملاحقًا بمعنى آخر متوجسًا شرًّا، وبنو اسرائيل يعلمون حقيقة موسى، وأنّه منهم لذلك نجد أن الذي من شيعته أي بني إسرائيل (الكنعاني) استغاث موسى فأغاثه وقتل المصري، وفي اليوم التالي يجد موسى شخصين يقتتلان فيحاول أن يتدخل فيقول له أحدهماك أتريد قتلي كما قتلت المصري بالأمس؟ ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ …﴾ (القصص – 19)، حينها يعلم أن أمره انكشف، ويأتيه تحذير أن فرعون يريد قتله، ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ (القصص – 20) فخرج خائفًا يترقّب، وخروجه بهذه الطريقة دليل آخر على توتر العلاقة بين موسى، وفرعون فلو كانت العلاقة سويّة لغفر له الملك، وإن قتل ما قتل لكنه كان ينتظر أقل وشاية على موسى ليقضي عليه، إمّا بسبب عقيدة التّوحيد التي كان عليها موسى، وإمّا بسبب شكّ من الملك أن موسى ما هو إلّا فردًا من الكنعانيين، وتحديد الوجهة التي سيلجأ إليها كانت مشكلة أيضًا، فهناك سيطرة مصريّة على بلاد كنعان كما على بلاد العمونيين والأدوميين والمؤابيين شرقي الأردن، بمعنى آخر أينما توجه موسى كانت السيطرة المصريّة، وكما كان يتخفّى في مصر أي يتجول على حين غفلة من الناس كذلك تخفّى عن عيون المصريين حين قتل المصري، وخرج من المدينة وتوجه تلقاء مدين. ﴿ولَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ…﴾ (القصص – 23)، من هنا نعلم أنّ قصّة يوسف حيّة في وجدان موسى، لذلك نجده توجه إلى حيث البئر الذي عنده بدأت قصّة يوسف فهناك أرض أجداده وآباءه ولا بد أن يجد نصيرًا.
الأحداث كما وردت في القرآن الكريم نجد سردًا مشابهًا لها في التّوراة لجهة توتر العلاقة وغضب فرعون على موسى والأمر بقتله، وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى “أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ. ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟». فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ: «حَقًّا قَدْ عُرِفَ الأَمْرُ». فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هذَا الأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ، وَجَلَسَ عِنْدَ الْبِئْرِ (خروج 2:11,12،13،14،15)، هنا أتمنى التّدقيق خاصة بعبارة “إخوته” إذ وردت مرتين في مقطع واحد، أي خرج يتفقد أحوال قومه فهو يعلم أنهم جماعته وأهله.
المسرح الخفي: إلى أين خرج موسى؟ حين فكر في الجهة التي يجب أن يأوي إليها ويمكن أن يجد فيها الأمان أو التعاطف، فكّر بالأرض التي حدثه عنها قومه في مصر، كما يجدر الالتفات أنّ الأرض الموعودة لإبراهيم وإسحاق، ويعقوب هي أرض كنعان بعينها وليس غيرها بحسب التوراة أي أن مديَن شرق خليج العقبة خارج تحديد بلاد كنعان كما سيحددها العهد القديم فيما يأتي، وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ». (تكوين 17:8) أي أن يوسف وموسى يعلمان ذلك.
فلنتعرف إلى حدود كنعان بحسب التوراة، وَكَانَتْ تُخُومُ الْكَنْعَانِيِّ مِنْ صَيْدُونَ، حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ جَرَارَ إِلَى غَزَّةَ، وَحِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدْمَةَ وَصَبُويِيمَ إِلَى لاَشَعَ (تكوين 10:19) أي من صيدا إلى غزة ضمناً أما بقية المواقع فهي اتجاهات فقط، لذلك حين خرج موسى قصد تلك الأرض وحين خرج من مصر مع بني إسرائيل أيضا كانت هدفه ووجهته.
أين هو البئر الذي استقى منه موسى؟ وأين هي مديَن؟ وأين جرت تلك الأحداث؟ حتى نحدد هذه الأماكن لا بدّ لنا أن نبدأ من نقطة موثقة ومسلّم بها أركيولوجيا، لكننا سنستعين بالتوراة للتعرف إلى ما قد يرشدنا وإن بالتفاصيل العامة، ورد في التوراة أن لـ منطقة مديَن التي التجأ إليها موسى كاهن هكذا تصفه أيّ رجل صالح (نبي) وكان لديه سبع بنات، وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبْعُ بَنَاتٍ… (خروج 2:16)، ولكن حيناً تدعوه رعوئيل (خروج 2:18)، وحيناً تدعوه يثرون (خروج 3:1) وحيناً آخر تدعوه حوباب (العدد 10:29)
وأمّا القرآن الكريم فيخبرنا أن “كاهن” مديَن أو الرجل الصالح فيها يدعى شعيب، ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (هود-84) وهو حمي موسى لكن لديه بنتين وليس سبع، ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾… (القصص-27)، المهم في كل القصّة أن يثرون حمي موسى، أو شعيب كان رجلًا صالحًا يقيم على مقربة من البئر، تقوم ابنتاه بالرعي والّسقاية، ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةًۭ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌۭ كَبِيرٌۭ 23 فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍۢ فَقِيرٌۭ﴾ (القصص24)، هنا يجب الإلتفات إلى أمرين، الأول أنّ موسى من المفترض أنّه مصري أي يتكلم المصريّة فكيف استطاع أن يتحدث مع المرأتين؟ ببساطة لأنّه كان يمضي وقتًا طويلًا بين الكنعانيين في مصر فتعلم اللغة الكنعانيّة، الأمر الثاني أن اختلاف أسماء الأشخاص، قد يكون بسبب معاني الصفات التي تختلف بين لهجة وأخرى لكن المعنى واحد، مثلًا يثرون وشعيب وحوباب ورعوئيل كلمات لصفة واحدة، أو معنى واحد يعبّر عنها الراوي بلهجته الخاصة.
ولتحديد المكان تعالوا نلقي نظرة على الخريطة العامة لجغرافيا الأحداث، يذكر مؤرخون أن مديَن تقع شرقي خليج العقبة وشمال غرب الصحراء العربية، تبعد من النّقطة المفترض أن موسى فرّ منها في مصر حوالى 500 كلم، ولكي يصل إليها عليه أن يجتاز صحراء سيناء بما فيها من أخطار وقلّة الزاد _أو عدمه_ ثم خليج العقبة ليصل إلى مديَن التي يُزعم أن موسى التجأ إليها، ولا يعلم أن له أحد فيها هذا من جهة ثم لا يوجد أحد في تلك البلاد، يمكن أن يقدّم الدّعم له من جهة أخرى، كما أنّها لا تعني شيئًا له أصلًا ولا يوجد أي رابط خاصة اللغة .
الفرضيّة الأخرى وهي الأقرب إلى الواقع لجهة الجغرافيا، والتّاريخ والمنطق وبناء لتحديد الأرض التي أشرنا إليها، فعند الحدود اللبنانيّة – الفلسطينيّة وفوق تلّة حسنة الإرتفاع تطالعنا آثار لبناء واسع كبير متعدد الغرف مخصص للسكن، ويتبع له مرافق أخرى غير واضحة المعالم لكن يتضح من الآثار التي وجدت فيها من مطاحن ومعاصر، وخزانات للمياه أنّها مخصصة لصناعة المنتجات الغذائيّة (الصورة رقم 1)([iv])، تتضمن الآثار مداخل أبواب وعتبات وأجزاء من جُدُر مبنيّة بالقطع الحجرية الضخمة، ويمكن مشاهدة الكِسر الفخاريّة التي ترجع بغالبيتها إلى عصر الحديد (1200 ق. م.) وكسر قليلة لما قبل تلك الحقبة، إضافة إلى آثار مطاحن ومعاصر حجرية (الصورة رقم 2)، خلال عمليّة المسح كشفنا في المكان عتبة المدخل الرئيسي (؟) منقوش عليها باللغة القديمة ما ترجمته (مبدئيًّا) البيت الكبير أو البيت المحترم أو معنى ذلك (الصورة رقم 3 والصورة رقم 4)، وكشف مدخل آخر في الخربة مبني بالقطع الحجريّة الكبيرة أيضًا (صورة رقم 5). هذا المكان الذي سبق وصف آثاره يدعى إلى يومنا الحالي خربة شعيب، وعلى مقربة من الخربة يطالعنا بئر محفور في الصّخر على الحدود مع فلسطين المحتلة تمامًا، يطلق عليه اليوم بئر شعيب، وبالقرب من المكان يقع مسجد شعيب، إلى الشّمال الغربي من الخربة يقع مقام بنيامين السّبط الثاني عشر ليعقوب، إلى الجنوب الشّرقي جبل كنعان ومقام النّبي يوشع، وإذا ما تابعنا شمالًا نصل إلى جبل العباد المطل على فلسطين باتجاه مصر، الجهة الغربيّة تضم ما يعرف اليوم بـ كروم بنات يعقوب وبنيّات يعقوب وعلى مقربة وفوق تلّة مقابلة لتلة خربة شعيب، يوجد أوابد لما يعرف اليوم بالزّنار فوق التلّة بناء مشابه في أسلوبه المعماري البناء في خربة شعيب، بالقرب من الأطلال قبر محفور في الصّخر باتجاه غرب-شرق، وفي مكان غير بعيد مسجد صغير قديم يطلق عليه اليوم مسجد بنات يعقوب، وعلى مسافة قريبة لجهة الغرب مقام يثرون.
ليس من الصّدف على الإطلاق أن تجتمع كل تلك المسميّات في بقعة متقاربة، علمًا أنها تبعد من النقطة التي من المفترض أن موسى فرّ منها في مصر المسافة نفسها تقريبًا بين مديَن شرق خليج العقبة ومقر يوسف في مصر أي حوالى 450 كلم، لكن الطريق إليها مأهولة وفيها كنعانيين لديهم اللغة، والعادات نفسها (لذك تحدث موسى مع المرأتين عند البئر بسهولة) والتي اطلع عليها موسى من بني قومه (بين أخوته)، لذلك عندما أراد أن يخرج من مصر توجه إلى تلك المنطقة وإلى البئر الذي عنده كانت بداية الأحداث العظيمة ليوسف، وأبناء يعقوب أو بني اسرائيل، قد نجد العديد من الأماكن في لبنان وغيره من البلدان تحمل أسماء مشابهة، لكننا لا نجد مجموع تلك المسمّيات في بقعة واحدة لقصّة واحدة على مرحلتين.
فأين هي مواقع الأماكن المرتبطة بشخصيات السرديّة وحُدِّدت على جغرافيا جبل عامل بعد المسح الأثري؟ جبل كنعان- البلدة العامليّة بليدا (كنعان نسبة لبلاد كنعان كما ورد حين تحديد الأرض “الموعودة”). خربة شعيب – بليدا (شعيب أو يثرون أو حوباب أو رعوئيل حمي موسى). بئر شعيب أو الجبّ-بليدا (هو البئر الذي ألقي فيه يوسف علمًا أنّه لا يمتلئ بالمياه معظم أشهر الصّيف، والخريف ويتضمن صخرتين مرتفعتين يمكن لمن يعتلي الصّخرة أن يبقى بعيدًا من الماء القليل في الجب_نزلت في البئر وعاينته شخصيًّا)، وهذا ينسجم مع السّرديّة، لأنّ إخوته لم ينووا قتله بل إلقائه في الجب ليتعذر عليه اللحاق بهم، ويأتي أحد ما لينتشله وهذا ما حصل، وإذا قافلة قادمة من جلعاد، واجتاز رجال مديانيون فانتشلوا يوسف من البئر (تكوين 37:28) والأخيرة (جلعاد) شمال فلسطين المحتلة تبعد من البئر في بليدا بضع كيلومترات فقط، فإذا كانت مديَن ناحية خليج العقبة، والتّجار ذاهبون إلى مصر كما تقول السّردية فما الذي أتى بهم من جلعاد في كنعان؟! (الصورة رقم 8) المرجح أنّ التّجار مديانيون أي من المنطقة نفسها (سيارة) أي يسيرون على الأقدام انتشلوا يوسف من البئر وباعوه في مصر. مسجد شعيب – بليدا (مسجد أثري يتضح من العناصر المعماريّة والنقوش على جدرانه الخارجيّة أنّه قديم جدًا، على ما يبدو أنّه كان في زمن ما حصنًا عسكريًّا على الأرجح في الحقبة الصليبيّة، حيث تظهر بوضوح فتحات المراقبة الدّفاعيّة والمخصصة للرمي على المهاجمين، ومن خلال كشف بسيط لأساساته يتضح أنّ البناء الحالي هو إضافة عمرانيّة على بناء آخر – مواد وتقنية البناء مختلفة[v]. بنيامين-البلدة العامليّة محيبيب (بنيامين الشّقيق الأصغر ليوسف). يوشع-قرب البلدة العامليّة عيثرون (يوشع وصي النّبي موسى وقائد بني إسرائيل بعد موسى بحسب العهد القديم). العبّاد-البلدة العامليّة حولا (أو جبل العبّاد وهي أعلى التّلال في المنطقة تطل على فلسطين ومصر، تروي الذاكرة الشّعبيّة أن عابدًا كان يقيم هناك ودفن في مكان إقامته، ويقولون إنّ المقصود هو يعقوب كان يصعد الجبل، ويتوجه نحو مصر حيث يوسف فيتعبّد ويدعو هناك (؟)). كروم بنات يعقوب وبنيّات يعقوب-البلدة العامليّة شقرا. الزنار –شقرا (معلوم قصّة الزنار مع النّبي يوسف وعمته). مسجد بنات يعقوب-البلدة العامليّة حانين، وربما الأكثر أهمّيّة هو مقام النّبي يثرون في البلدة العامليّة ياثر وهو المنسوب إلى النّبي شعيب، هذه البلدات تجتمع في منطقة جغرافيّة متقاربة جدًا أحيانًا متلاصقة أو يفصل بينها بضع كيلومترات.
الخلاصة
بعد مقاطعة ما ورد في المصادر المكتوبة مع ما أظهرته الحفريات الأثريّة، أمكن تحديد مساحة زمنيّة عاشت فيها الشّخصيات المحوريّة وجرت الأحداث الكبرى، كما أمكن تحديد مساحة جغرافيّة كان لكلّ شخصية دور أدّته على هذه المساحة، بناء على كل ذلك وبناء على المعطيات المتوفرة لغاية الآن، يمكن أن نستنتج حقيقة مبيّنة بالنّصوص وبالوقائع أن المدة الزّمنيّة الفاصلة بين دخول بني إسرائيل إلى مصر بسبب يوسف، ومن ثم خروجهم منها بوساطة موسى لا تزيد على مئة عام أكثر أو أقل قليلًا، كلها حصلت بين القرن الثاني عشر والثالث عشر قبل الميلاد، دعونا نراجع دليلًا من نصوص العهد القديم كما بينا ذلك سابقًا، حين جاء بنو إسرائيل إلى مصر سكنوا في أرض رعمسيس وحين خرجوا أيضا خرجوا من أرض رعمسيس، وكما ذكرنا أنّ عصر الرّعامسة كاملًا كان خلال المدة بين القرن الثالث عشر إلى الحادي عشر قبل الميلاد.
دليل آخر يؤكد أن زمن بقائهم في مصر لم يتجاوز مئة عام تقريبًا، يخبرنا العهد القديم أن يوسف كان يحمل أحفاده في حضنه (أولاد ماكير ومنسّى)، وَرَأَى يُوسُفُ لأَفْرَايِمَ أَوْلاَدَ الْجِيلِ الثَّالِثِ. وَأَوْلاَدُ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى أَيْضًا وُلِدُوا عَلَى رُكْبَتَيْ يُوسُفَ (تكوين 50:23)، فكيف أنّه حين أراد موسى توزيع أرض الكنعانيين على أسباط بني إسرائيل بعد 430 سنة نجد أن ماكير بن مَنَسَّى بن يوسف كان حاضرًا القسمة وأخذ نصيبه؟ (فراس السّواح)، فَأَعْطَى مُوسَى جِلْعَادَ لِمَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى فَسَكَنَ فِيهَا (العدد 32:40)، فكيف يكون بين دخول بني إسرائيل مصر مع يوسف وخروجهم منها مع موسى 430 سنة!!!، هذا الرقم ما هو إلّا زمن خيالي لتكثير بني إسرائيل “ستماية ألف!” ليتمكنوا من اجتياح بلاد كنعان والسّيطرة عليها بالقوة كما تروي التوراة[vi].
في الختام أورد هذه الحقيقة، أن بلاد جبل عامل يتوزع في ربوعها العديد من المقامات والمزارات التي يحترمها أهالي البلاد، منها القليل الذي لا يزال على بنائه القديم، لكن معظمها كبِّر بناؤه، ووُسع تعظيمًا لمكانة صاحبه، ولتوضيح هذه الحقيقة سأورد بعضًا من المشاهد والمزارت في جبل عامل تندرج تحت هذا الوصف كمقام النّبي صياح (المرجح أنّه النّبي صالح بحسب التوثيق الشّفوي النقلي والمعالم الجغرافيّة التي بيّنها المسح الأثري) في جويا البلدة العامليّة حيث بالقرب من المقام جبل يعرف اليوم بجبل الناقة ومَبرَك الناقة ﴿وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ (هود – 64)، حُفر في الصخر عند جهة تبعد مئات الأمتار من المقام قبور تسعة (الرّهط التسعة؟) ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾(45)… ﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ﴾ (النمل – 48) لا تزال تلك القبور التسعة ظاهرة للعيان لغاية اليوم (صورة رقم 6 والصورة رقم 7)، بالقرب من جويا يقع مزار صغير ينسب لنبي الله داوود في الشّهابيّة البلدة العامليّة، مقام شمعون في بلدة شمع العامليّة وهو من تلامذة السّيد المسيح على ما يروى، مقام عمران في بلدة القليلة العامليّة ويروى أنّه والد السيدة مريم العذراء، ولا ننسى قانا الجليل تلك البلدة العامليّة التي تضم في أحد أطرافها مغارة حفر عليها من الخارج إثني عشر شخصيّة، يتوسطها شخص يبدو من خلال ملامح الحفر أنّه كبيرهم في إشارة إلى السيد المسيح وتلامذته، وعلى ما يروى أنّه في هذه المغارة قام السيد المسيح بمعجزة تحويل الماء إلى خمر، وربما الأجران الظاهرة فيها إلى اليوم تدل على ذلك، وهو ما عرف بـ عرس قانا الجليل كما ورد في إنجيل يوحنا، والقائمة تطول. هنا لا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة لماذا جبل عامل؟ جبل عامل منطقة جبليّة وعرة المسالك، مصادر المياه فيها قليلة كما الأراضي الخصبة للزراعة أي غير مرغوبة، لذلك نجدها ملجأ على مرّ التاريخ، فأبو ذر الغفاري نفي إلى جبل عامل، ويروى أن بلدة عديسة العامليّة إنما سميت بذلك نسبة إلى عبد الرحمن بن عديس (تاريخ ابن عساكر) وفي بلدة عديسة أيضًا مقام يُنسب إلى النّبي زكريا والد النّبي يحيى، أو يوحنا المعمدان الذي عمّد السيد المسيح كما ورد في الأناجيل الأربعة، ونلفت إلى شخصية ورد ذكرها في أكثر من مكان في العهد القديم الكاهن المعروف بـ ملكي صادق أو أدوني صادق، وَمَلْكِي صَادِقُ، مَلِكُ شَالِيمَ، أَخْرَجَ خُبْزًا وَخَمْرًا. وَكَانَ كَاهِنًا ِللهِ الْعَلِيِّ (تكوين 14:18) ربما أيضًا هي مرتبطة بالمقام والمزار الواقع فوق تلة عند إحدى أطراف بلدة تبنين العامليّة المعروف إلى اليوم بمقام النّبي صدّيق، هذه الأماكن ليست حصرًا بل من باب الإثبات ليس أكثر.
رقم 1- رفع المخطط العام لخربة شعيب وتضم المنطقة السكنيّة والمرافق المخصصة للتصنيع الغذائي (مطاحن، معاصر..)
|
||
![]() |
||
رقم 2 – آثار المعاصر الحجرية من خربة شعيب – بليدا |
||
![]() |
||
| رقم 3- المدخل الرئيس (؟) لخربة شعيب – بليدا | ||
![]() |
||
| رقم 4- عتبة (ساكف) المدخل الرئيسي (؟) لخربة شعب التي تحمل نقشا – بليدا | ||
![]() |
||
| رقم 5- مدخل آخر خربة شعيب – بليدا
|
||
![]() |
![]() |
|
| رقم 6 – القسم الأول من القبور التسعة – جويا | رقم 7- القسم الثاني من القبور التسعة – جويا | |
![]() |
||
| رقم 8 – تبين الخريطة مكان جلعاد وقربها من الحدود اللبنانية – الفلسطينية | ||
| نص مسلة مرنبتاح 1207 قبل الميلاد | |
| النص | الشرح |
| تيهينو قد نُهبت، وخاتي قد هدئت | تيهينو: قبائل ليبية/ خاتي: المملكة الحثية |
| كنعان قد أُخذت بكل شرورها | بلاد كنعان |
| أشقلون قد سُبيت، وجازر قد أُخذت | أشقلون: عسقلان/ جازر: مدينة كنعانية في فلسطين |
| يانو عام قد أُبيدت وأصبحت كالعدم | يانو عام: تحديدها غير دقيق، الأرجح مملكة في البقاع اللبناني |
| إسرائيل قد دُمرت، وبذورها لم تعد موجودة | وردت “إسرائيل” مع مخصص (علامة تحديد) رجل وإمرأة إشارة إلى جماعة أو نسل أو قومية، في حين وردت بقية الأسماء مع مخصص بلاد وهو شكل دائرة فيها خطوط عبارة عن حبات رمل إشارة إلى أرض |
| حورو قد أصبحت أرملة لمصر | حورو: إشارة إلى بلاد الشام (لبنان وسوريا وفلسطين) |
| الجدول رقم 9 تحليل نص مسلة مرنبتاح | |
مصادر
- القرآن الكريم.
- العهد القديم.
- السواح، ف. (1995). آرام دمشق وإسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي، دمشق.
- الضمور، د. (2010). رسالة ماجستير، آثار المملكة العبرانية، جامعة مؤتة، الأردن.
- إبن عساكر، علي ابن الحسن، (1995). تاريخ مدينة دمشق، دار الفكر.
- كرد علي، محمد بن عبد الرزاق، (1983). الخطط الشامية، مكتبة النوري، دمشق.
- العاملي، محسن الأمين (1983). خطط جبل عامل، الدار العالمية.
-8Barton, G. (1961). The Religion of “Israel”, New York.
-9Breasted, J.-H. (1972). Development of Religion and Thought in Ancient Egypt, Pennsylvania Press.
-10Eissfeldt, O. (1965). The Old Testament: An Introduction, New York:
-11Finkelstein, I. (1970). The Jewish Religion, New York.
Finkelstein يعتبر زعيم علم الآثار في جامعة “تل أبيب” في فلسطين المحتلة.
-12Garbini, G. (1988). History and Ideology in Ancient “Israel”, London.
-13Van Seters, J. (1975). Abraham in History and Tradition.
ملاحظة: الكلمات الواردة ضمن “…” تعني تحفظ وعدم موافقتي على استخدام المصطلح، وقد وردت من باب أمانة النقل العلمي فقط.
الهوامش
[1] – أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة – كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة – بيروت – لبنان – قسم الفنون والآثار.
Assistant Professor at the Lebanese University – Faculty of Arts and Humanities – Beirut – Lebanon – Department of Arts and Archaeology. E-mail: dr.zeineddine@hotmail.com
[i] – هنا لا بدّ من أنّ نوضح أنّ كتاب العهد القديم عبارة عن تسعة وثلاثين سفراً[i] قُسِّمت إلى ثلاث مجموعات رئيسة هي: التوراة، أسفار الأنبياء، الكتابات والأشعار، التوراة أو الشريعة هي: الأسفار الخمسة المنسوبة إلى النبي موسى (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية) (Barton, G.)، أسفار الأنبياء وتتضمن الرّعيل الأول منهم: والأنبياء المتأخرين (Breasted, J.-H.)، وأخيرًا أسفار الكتابات والأشعار وتتضمن مزامير داوود وغيرها. هذه الأسفار ال 39 أو العهد القديم هي طبقًا للأصل العبري قبل بها البروتستانت (Eissfeldt, O.)، وهناك مجموعة أخرى من الأسفار زِيدت بالتّرجمة اليونانيّة عن الأصل العبري وقبل بها الكاثوليك وبعض الأرثوذكس (Finkelstein, I.).
[ii]– أول كشف أثري وثّق استخدام الجمال كوسائط للنقل كان من منطقة تل جمّة، وهو تل أثري في فلسطين المحتلة في منطقة النقب على بعد بضع كيلومترات من وادي غزة الذي شهد مرور القوافل التّجاريّة بين الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر، أُرِّخ هذا الكشف الأثري للقرن التاسع قبل الميلاد، والدّليل على استمرارية في هذا الخط التّجاري بين الجزيرة العربيّة وبلاد الشام ومصر في الأوقات اللاحقة، نجد قبر هاشم بن عبد مناف جد النّبي محمد (ص) الذي توفي أثناء رحلة تجاريّة﴿ لِإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ ﴿1﴾ إِۦلَـٰفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ ﴿2﴾﴾ (قريش) فهو توفي خلال رحلة الصيف ودفن هناك، لذلك تسمى غزة بـ غزة هاشم.
[iii] -المقصود هيكل سليمان، الموثّق آثاريًّا أنه بني حوالي 1000 ق. م.
[iv]– كلِّف مهندس طوبوغرافي لرفع الآثار العمرانيّة لما يسمى اليوم خربة شعيب، فكان المخطط كما يظهر في الصورة رقم 1.
[v] ذكرت وكالة الجزيرة بعنوان “محاولة لطمس الهُويّة…إصرار إسرائيلي على طمس معالم الجنوب” بتاريخ 05 حزيران 2025، أنّ بعثة أثرية سوريّة – لبنانيّة كشفت المسجد وتبينت أنّه قديم جدًا، كان معبدَا في وقت ما ثم تحول إلى حصن عسكري في ما بعد ثم إلى مسجد.
كما ذكر تقرير لـ INDEPENDENT ARABIA بعنوان “مآذن جنوب لبنان المدمّرة لن تهلل لشهر الصيام” بتاريخ 04 آذار 2025 أنّ ناصيف النصار قام بترميمه في العام 1771.
للأسف إنّ المسجد اليوم دمّر بالكامل بعد الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان في تشرين الأول 2024.
[vi] – لمزيد من الاطلاع على هذا الموضوع يمكن مراجعة بحثي المنشور في مجلة أوراق ثقافيّة العدد السّابع 2020 تحت عنوان “غزو الوهم”.






