اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
لهب الجليد([1])
Ice flame
Dr. Omar Qaziha د. عمر قزيحه([2])
سَأشْدُو لِبيروتَ ألحانَ ثلوجِ النَّارِ
أنفسًا تلاشى صوتُها
في جناحِ حكمِ الأقدارِ
قلوبًا وارَتِ الجراحَ
في خفايا حنايا المنايا
وما يزال في الأنفسِ مزيدٌ…
في ظلالِ الأسرارِ!!
******
يا سحرُ اسمعيني
ولَبِّي نداءَ الأحرارِ
بِرَايةِ الفدا تقدَّمي
وحطِّمي كُلَّ الأسوارِ
إنَّما الموتُ هنالِكَ
لِيَأخذَكِ إلى دارِ القَرارِ
سَيَتَلاشَى جَسَدُكِ بعيدًا
في عُمْقِ الأغْوارِ
******
النهار ولَّى
والليلُ قد سجا
شابٌ يبكي
بين تَمَنٍّ ورَجَا
لكنَّ سحرَ لا تجيبْ!
******
شابٌّ يبكي
وفي عينَيهِ بريقُ اللولو
ردِّدُوا مَعَه نِدَاهُ
يا سَحَرُ
نَادُوها وقُولُوا
ولو أنَّ شَمْسَهَا في مغيبْ!
******
ذاكَ يا بيروتُ أمرٌ عجيبْ
إعصارٌ من سعيرِ اللهيبْ
وبيروتُ في عينِ الزَّمانِ تَنْدَثِرْ
تفجَّرَتْ في بيروتَ الأشلاءْ
فَرَشَتْ دروبَها ضحايا ودماءْ
وما من أحدٍ يَعْتَبِرْ
******
والكلُّ يُنادِي وطني
يا لبنانُ لا تَنْتَحِرْ
ولبنانُ في عينِ الموتِ يَغْفُو
والردى يلعبُ بأجفانِهِ ويَحْنُو
يَبقَى لَطِيفًا ولَيسَ كَالمُجْرمِينَ يَقْسُو
ابْكُوا واصْرُخُوا، لا!
بلِ امْرَحُوا والعَبُوا!
لبنانُ ينتحرُ!
لبنانُ يموتْ!
******
وأمُّ سحرَ لا تراها
وشابٌّ يَهْمِي في هواها
روحُهُ كَلْمَى ما دواها؟
قُولُوا له ما شِئْتُمُ
قَولُكُمُ ما رَوَاها!
حكايةَ الطُّهرِ حكاها لنا
ورَوَاهَا
أرادَ سَحَرَ مُحِبًّا
ولنفسِهِ نَوَاهَا
******
لكنَّ شَيطَانَ الشَّرِّ عَوَى
وأَخَذَ يَسْرِي للنُّفُوسِ
في غِوَى
ولُبْنَانُ يَتَلاشى
والموتُ يَفتحُ عَينَهُ الجائعةْ
وسَحرُ تَمُوتُ وبَيرُوتُ تَمُوتْ
وضَمائرُ المجْرِمِينَ لا تموتْ
******
وكانَ يومَ التابوتِ ويومَ الكفنْ
وأشلاءُ بَيرُوتَ شاهدةٌ على الضَّمائرْ
بِعُمْقِ جِراحٍ أَضْمَرَتْهَا السَّرائرْ
حتَّى الحَنَايا قَسَتْ
فَأظْهَرَتِ الخَفَايا
والدُّمُوعُ تَحَجَّرَتْ
وقُلُوبُ الشَّرِّ أعْلَنَتِ النَّوايا
فَإلَى مَنْ يَتَوَجَّهُ نِدَاءُ الغِناءِ
يا بَيْرُوتْ؟
******
لَقَدْ وارَتِ القُلُوبُ الجراحَ
فَتَفَجَّرتِ المَخَابِئُ الآمنةُ والْتَهَبَتْ
تَمَازَجَتِ الدِّمَاءُ في الأعْماقِ
وقِوى الشَّرِّ ازْدَوَجَتْ!
******
بَكَتْ بَيْرُوتُ فَلَمْ تَجِدْ فِي نُفُوسِكُمُ حَنَانا
لَيْسَ فِيْكُمُ مَنْ حَضَنَها وأعْطَاها أَمَانا
فَانْتَفَضَ الرُّكَامُ يَسعَى إلى النَّارْ
يُنَادِي أَيْنَ أنتُمُ يا أحْرارْ؟
فَنَامَتِ الآذَانُ عَبِيْدًا وثُوَّارْ!
******
ومَا كَانَتْ بَيروتُ إلَّا سِحْرا
تألَّقَ يَومًا ثُمَّ تَلاشَى سَحَرَا
وما سَحَرُ إلّا روحٌ باكيةْ
وما كَانَتْ يومًا
إلّا دمْعَةَ روحٍ عابرةْ
ابْتَسَمَتْ لَنَا فِي غَفْلَةٍ
مِنَ الزَّمانِ
ثُمَّ تَفَجَّرَتْ لِتَتَلاشَى
في بَرِيقِ الأَلْوانِ
روحًا في مَسْرَى الزَّمانِ
تغيبُ!
الكاتب: د. عمر قزيحه – مستشار دولي ومدرب في مركز الضاد الدولي للعلوم الإنسانية والاجتماعية – نائب رئيس تحرير مجلة الضاد ومحكم بحوث علمية فيها – مدقق لغوي معتمد في جامعة الجنان.
لغة القصيدة
– دار القرار: الموت. – الأغوار: جمع (غَور)، أي القعر العميق. – سجا: المصطلح هنا بمعنى الدوام والاستمرار. – التمني والرجاء: التمني يحمل معنى الضعف، وانتظار تحقُّق الأمر من الآخرين، أمَّا الرَّجاء فهو بمعنى القوَّة والعزم على تحقيق الأمر، بما يتأكَّد صاحبه من أنَّه سيتحقَّق فعلًا بجهد يبذله. – اللولو: كلمة فصيحة من لغات العرب المعتمدة. – امرحوا: المرح هو الفرح، مع حركات غير متَّزنة. – كلمى: جريحة. – رواها: الأولى بمعنى قولكم ما أطفأ ظمأها، أي لم يهدِّئ روح الشَّابِّ الذي يفتقد خطيبته، والثَّانية (حكاها لنا ورواها) بمعنى نقلها إلينا على سبيل الحكاية. – عَوَى: هنا بمعنى الدَّعوة إلى الفتنة والأذى. – الميل إلى الهوى، البعد عن الحقِّ، الضَّلال. – سَحَر: أواخر الليل، والمقصود هنا بـ(تلاشى سَحَرًا)، أي إنَّ بياضها يعلو سوادها، إذ إنَّ الكلمة نستخدمها بمعنى (أواخر الليل) كما نستخدمها في الوقت عينِهِ قاصِدينَ بها (سحر فارس)، التي كانت ضحيَّة انفجار بيروت، وبياضها (الفستان الأبيض المرتقب الَّذي لم يقدَّر لها أن تلبسه) ظلَّ في الأذهان والقلوب أكثر بكثير من مشهد السَّواد الحزين والتابوت الأليم.
[1]– إهداء إلى سحر فارس، وفوج الإطفاء الذين دفعوا حياتهم ثمنًا في محاولة إنقاذهم أرواح الآخرين من لهيب النيران المستعرة.
[2] – مستشار دولي ومدرب في مركز الضّاد الدّولي للعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة – نائب رئيس تحرير مجلة الضّاد ومحكم بحوث علميّة فيها – مدقق لغوي معتمد في جامعة الجنان.
International consultant and trainer at the International Center for Humanities and Social Sciences, Deputy Editor-in-Chief of Al-Dhad Journal and a referee for its scientific research, and a certified language proofreader at Al-Jinan University.