نموذج مفاهيمي لاتخاذ القرار الاستراتيجي المدعوم بالذكاء الاصطناعي في الشّركات اللبنانيّة خلال الأزمة الاقتصاديّة
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
نموذج مفاهيمي لاتخاذ القرار الاستراتيجي المدعوم بالذكاء الاصطناعي في الشّركات اللبنانيّة خلال الأزمة الاقتصاديّة
A Conceptual Model for AI-Enhanced Strategic Decision-Making in Lebanese Companies During the Economic Crisis
زهراء محمد جابر[1] Zahraa Mohammed Jaber
Supervising Professor: Dr. Saher Al-Anan الأستاذ المشرف:د. ساهر العنان([2])
تاريخ الإرسال:31-10-2025 تاريخ القبول:10-11-2025
الملخص turnitin:5%
في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها لبنان منذ العام 2019، باتت الشّركات التّجاريّة تواجه تحدّيات غير مسبوقة في اتخاذ قرارات استراتيجيّة فعالة. هذا البحث يسعى إلى استكشاف كيف يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في دعم هذه القرارات، من خلال أدوات مثل التّحليل التّنبؤي والتّعلم الآلي وتحليل البيانات الماليّة.
اعتمدت الدّراسة على منهجيّة كميّة تحليليّة، مدعومة باستبيانات ميدانيّة ومقابلات مع مديرين في شركات لبنانية متعددة القطاعات. وقد أظهرت النتائج أنّ الذكاء الاصطناعي يُسهم في تحسين دقّة القرار، الأداء المالي، والكفاءة التشغيلية، خاصة عند الاستثمار في تدريب الكوادر البشرية. ومع ذلك، تبقى تحديات مثل ضعف البنية التحتية ومقاومة التغيير عوائق أمام التبني الفعّال.
يقدم البحث نموذجًا عمليًا وتوصيات قابلة للتطبيق، تهدف إلى تعزيز مرونة الشّركات اللبنانيّة في مواجهة الأزمات، ويُعد مساهمة علمية في مجال إدارة الأزمات في بيئات اقتصاديّة معقدة.
الكلمات المفتاحيّة:الذكاء الاصطناعي، اتخاذ القرار الاستراتيجي، الأزمة الاقتصاديّة، الكفاءة التّشغيليّة، الأداء المالي، التّعلم الآلي، التّحليل التنبؤي، إدارة الأزمات، الشّركات اللبنانيّة.
Abstract
Lebanon’s ongoing economic crisis since 2019 has placed immense pressure on commercial companies to make strategic decisions under uncertainty. This study explores how artificial intelligence (AI) can meaningfully support decision-making processes through tools such as predictive analytics, machine learning, and financial data analysis.
Using a quantitative analytical methodology, the research draws on field surveys and interviews with managers across various Lebanese sectors. Findings reveal that AI significantly enhances decision accuracy, financial performance, and operational efficiency—especially when companies invest in employee training. However, challenges such as poor infrastructure and resistance to change remain barriers to effective adoption.
The study offers a practical model and actionable recommendations to help Lebanese companies build resilience and agility in crisis contexts. It contributes to the growing body of knowledge on AI-driven strategic management in complex economic environments.
Keywords: Artificial Intelligence, Strategic Decision-Making, Economic Crisis, Operational Efficiency, Financial Performance, Machine Learning, Predictive Analytics, Crisis Management, Lebanese Companies.
1- 1 مقدمة الدّراسة: منذ العام 2019، يعيش لبنان واحدة من أكثر الأزمات الاقتصاديّة تعقيدًا في تاريخه الحديث، إذ تراجعت المؤشرات الماليّة بشكل حاد، وارتفعت معدلات البطالة والتّضخم إلى مستويات غير مسبوقة. في ظل هذا الواقع المتقلب، لم تعد القرارات الاستراتيجيّة مجرد خيارات إداريّة، بل تحولت إلى أدوات بقاء للشّركات التّجاريّة التي تسعى إلى الاستمرار وسط العواصف الاقتصاديّة.
في هذا السّياق، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد الحلول الواعدة التي يمكن أن تعيد تشكيل طريقة التفكير الاستراتيجي. لم يعد الذّكاء الاصطناعي مجرد تقنية، بل أصبح شريكًا في اتخاذ القرار، يقدم تحليلات تنبؤيّة، يدعم الاستجابة السريعة، ويقلل من المخاطر في بيئات غير مستقرة. هذا البحث ينطلق من هذه الفرضيّة، ويهدف إلى استكشاف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث فرقًا حقيقيًا في إدارة الأزمات واتخاذ القرار الاستراتيجي داخل الشّركات اللبنانيّة.
1-2 مشكلة الدّراسة : تواجه الشّركات التّجاريّة اللبنانيّة تحديًا وجوديًا: كيف تتخذ قرارات استراتيجيّة فعالة في بيئة تتغير بسرعة وتفتقر إلى الاستقرار؟ في ظل غياب أدوات تحليليّة متقدمة، تعتمد العديد من الشّركات على الحدس والخبرة السّابقة، وهي أساليب لم تعد كافية لمواجهة الأزمات المتلاحقة.
لا تكمن المشكلة فقط في غياب التكنولوجيا، بل في غياب الرؤية حول كيفيّة توظيفها. الذكاء الاصطناعي يوفر إمكانيّات هائلة، لكن تبنيه يواجه عقبات تتعلق بالبنية التّحتيّة، الثقافة التنظيميّة، والمهارات البشريّة. من هنا، تنبع إشكاليّة هذا البحث: كيف يمكن للذّكاء الاصطناعي أن يُسهم فعليًا في تحسين عمليّة اتخاذ القرار الاستراتيجي وإدارة الأزمات في الشّركات اللبنانيّة؟ وما هو التأثير الكميّ لهذا التّوظيف على الأداء المالي والتّشغيلي؟
1-3 أهمية الدّراسة: في زمن الأزمات، تصبح المعرفة أداة للنجاة. هذا البحث لا يكتفي بتقديم نموذج نظري، بل يسعى إلى تقديم إطار عملي يساعد الشّركات اللبنانيّة على فهم وتوظيف الذكاء الاصطناعي بطريقة استراتيجيّة. الأهمية لا تنبع فقط من الموضوع، بل من التّوقيت والسّياق: لبنان يحتاج إلى حلول مبتكرة، والشّركات تحتاج إلى أدوات تعزز مرونتها وتدعم قراراتها.
من خلال هذا البحث، يمكن للمؤسسات أن تكتشف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحوّل من فكرة تقنيّة إلى رافعة استراتيجيّة، تُمكّنها من مواجهة الأزمات، وتحقيق أداء مالي وتشغيلي أكثر استقرارًا وفعاليّة.
1-4 أهداف الدّراسة: في ظل التّحديات الاقتصاديّة المتفاقمة، لم يعد السؤال فقط عن كيفيّة البقاء، بل عن كيفية اتخاذ قرارات استراتيجية ذكية تُمكّن الشّركات من التّكيف والنمو. من هنا، تنطلق أهداف هذه الدّراسة لتقديم فهم عميق وعملي لدور الذكاء الاصطناعي في دعم القرار الاستراتيجي داخل الشّركات اللبنانيّة.
- تحليل تأثير الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرارات الاستراتيجية في الشّركات التّجاريّة اللبنانيّة خلال الأزمة الاقتصادية.
- تقييم فعاليّة التّحليل الكمي المدعوم بالذكاء الاصطناعي في تحسين الأداء المالي وتقليل التكاليف.
- دراسة دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الكفاءة التّشغيليّة وإدارة الأزمات بمرونة أكبر.
- استكشاف التّحديات التي تواجه الشّركات اللبنانيّة في تبني تقنيات الذّكاء الاصطناعي، سواء أكانت تقنيّة، بشريّة، أو تنظيميّة.
- تقديم توصيات عمليّة قابلة للتطبيق تساعد الشّركات على دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجياتها بشكل فعّال ومستدام.
1-5 فرضيّات الدّراسة: انطلاقًا من أهداف البحث، بُنيت مجموعة من الفرضيّات التي تعكس العلاقة المحتملة بين استخدام الذّكاء الاصطناعي، وتحسين الأداء الاستراتيجي للشركات اللبنانيّة. هذه الفرضيّات لا تُختبر فقط إحصائيًا، بل تُعبّر عن رؤية مستقبليّة لكيفيّة تحول الذكاء الاصطناعي إلى عنصر فاعل في إدارة الأزمات.
- :H1 يوجد تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائيّة لاستخدام الذّكاء الاصطناعي في تعزيز استراتيجيّات الشّركات اللبنانيّة خلال الأزمات الاقتصادية.
- : H2استخدام التّحليل التّنبؤي المدعوم بالذكاء الاصطناعي يُسهم في زيادة دقّة القرارات الاستراتيجية.
- :H3 تحليل البيانات التّشغيليّة والماليّة باستخدام الذكاء الاصطناعي يُحسن الأداء المالي للشركات.
- : H4تطبيق الذّكاء الاصطناعي يُسرّع استجابة الشّركات للتغيرات الاقتصاديّة ويُعزز كفاءتها التّشغيليّة.
- : H5هناك علاقة إيجابيّة بين استخدام الذّكاء الاصطناعي، وتقليل المخاطر المرتبطة بإدارة الأزمات.
- :H6 الاستثمار في تدريب الموظفين على تقنيات الذكاء الاصطناعي يُضاعف من فعالية هذه التقنيات في إدارة الأزمات.
- :H7 الذكاء الاصطناعي يُسهم في تحسين الكفاءة التّشغيليّة وتقليل التكاليف التّشغيليّة خلال الأزمات.
1-6حدود الدّراسة : يحمل كل بحث معه مجموعة من الحدود التي تُحدد نطاقه وتُضبط نتائجه. هذه الدّراسة، على الرّغم من طموحها، تلتزم بحدود واقعيّة تضمن دقة التّحليل ووضوح النتائج.
- الحدود المكانيّة: تركز الدّراسة على الشّركات التّجاريّة اللبنانيّة، بمختلف أحجامها وقطاعاتها، في مناطق مثل بيروت، جبل لبنان، وصيدا.
- الحدود الزمانيّة: تغطي المدّة من 2019 إلى 2025، وهي مرحلة حرجة شهدت أزمات ماليّة، صحيّة، وسياسيّة متداخلة.
- الحدود الموضوعيّة: يقتصر البحث على دراسة تأثير الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار الاستراتيجي وإدارة الأزمات، من دون التّوسع في الجوانب التّقنيّة البحتة أو التّطبيقات غير التّجاريّة.
1-7 منهجية الدّراسة: لأن الأزمة الاقتصادية في لبنان تتطلب فهمًا دقيقًا وسريعًا، اعتمدت هذه الدّراسة منهجًا كميًا تحليليًا مدعومًا بتطبيقات ميدانية. الهدف لم يكن فقط قياس العلاقة بين الذكاء الاصطناعي واتخاذ القرار، بل فهم كيف تتفاعل هذه العلاقة داخل بيئة تجارية مضطربة.
صُمِّم أدوات البحث لتكون مرنة وعمليّة، تجمع بين الاستبيانات والمقابلات شبه المهيكلة، ما أتاح الوصول إلى بيانات واقعيّة من داخل الشّركات اللبنانيّة. التّحليل الإحصائي اعتمد على تقنيات مثل الانحدار الخطي وتحليل التّباين، لتحديد مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الأداء المالي والكفاءة التّشغيليّة.
1-8 أدوات البحث: استُخدِمت أداتين رئيستين لجمع البيانات:
- الاستبيانات: صُممت بعناية لتقيس مدى استخدام الذكاء الاصطناعي، نوعيّة القرارات المتخذة، ومستوى الأداء المالي والتشغيلي. وزِّعت على عيّنة متنوعة من الشّركات اللبنانيّة.
- المقابلات شبه المهيكلة: أُجريت مع مديرين تنفيذيين ومسؤولين استراتيجيين، بهدف فهم السياق التنظيمي والثقافي لتبني الذكاء الاصطناعي، والتحديات التي تواجههم.
هذا التنوع في الأدوات أتاح رؤية متعددة الأبعاد، تجمع بين الأرقام والرؤى البشرية.
1-9 المجتمع والعينة: استهدفت الدّراسة مجتمع الشّركات التّجاريّة اللبنانيّة، بمختلف أحجامها وقطاعاتها. اختِيرت العينة بطريقة عشوائيّة طبقيّة لضمان تمثيل شامل للواقع اللبناني، وشملت شركات من قطاعات مثل التجارة، الصناعة، والخدمات، موزعة على مناطق بيروت، جبل لبنان، وصيدا.
بلغ حجم العينة (يُحدد لاحقًا حسب البيانات النهائية)، وتُؤُكد من تنوعها في عدد الموظفين، حجم الإيرادات، ومستوى استخدام التكنولوجيا.
1-10 تعريف الكلمات والمصطلحات العلميّة والمتخصصة
- الذّكاء الاصطناعي (AI): هو قدرة الأنظمة الحاسوبيّة على محاكاة التفكير البشري، من خلال التعلم، التّحليل، واتخاذ القرار، ويُستخدم هنا كأداة استراتيجيّة لدعم الإدارة في الأزمات.
- التّحليل التنبؤي: تقنية تعتمد على البيانات التّاريخيّة والنّماذج الإحصائيّة لتوقع الاتجاهات المستقبلية، ما يُساعد الشّركات على الاستعداد للمخاطر قبل وقوعها.
- الكفاءة التّشغيليّة: تعني قدرة الشركة على تحقيق نتائج ملموسة بأقل تكلفة وجهد، وهي مؤشر حيوي في بيئات الأزمات.
- إدارة الأزمات: مجموعة من الإجراءات والاستراتيجيات التي تُتخذ لمواجهة الأحداث غير المتوقعة التي تهدد استقرار المؤسسة، ويُعد الذكاء الاصطناعي أداة داعمة لها.
- الانحدار الخطي وتحليل التباين: أدوات إحصائيّة تُستخدم لقياس العلاقة بين المتغيرات، وتحديد مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الأداء المالي والتشغيلي.
1-11 جانب الحداثة والابتكار في البحث: ما يميز هذا البحث هو أنّه لا يكتفي بتكرار ما قيل سابقًا، بل يطرح نموذجًا مفاهيميًا جديدًا يُمكن تطبيقه في بيئة لبنانية تعاني من أزمة اقتصاديّة حادة. كما أنّه يُدمج بين التّحليل الكمي والرؤية الاستراتيجيّة، ويُسلط الضوء على الذّكاء الاصطناعي كأداة لإعادة تشكيل طريقة التفكير الإداري في الأزمات.
1-12 الدّراسات السابقة: استعرضت الدّراسة مجموعة من الأبحاث التي تناولت الذكاء الاصطناعي في سياقات مختلفة، منها:
- Makridakis (2017): الذي ناقش مستقبل التنبؤات في ظل تطور الذكاء الاصطناعي.
- Alshurideh et al. (2020) : الذي قدم مراجعة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأعمال.
- Saad & Haddad (2023) : الذي تناول تأثير الذكاء الاصطناعي على الأداء المالي.
هذه الدّراسات شكلت الأساس النظري للبحث، لكنها لم تتناول السّياق اللبناني أو الأزمة الاقتصاديّة بشكل مباشر، ما يبرز مساهمة هذا البحث في سد هذه الفجوة.
1-13 مقارنة الدّراسات السّابقة مع البحث الحالي
على عكس الدّراسات السّابقة التي ركزت على بيئات مستقرة أو قطاعات محددة، يتناول هذا البحث بيئة مضطربة اقتصاديًا، ويُطبق النّموذج المفاهيمي على شركات لبنانيّة تواجه تحديات حقيقية. كما أنه يُضيف بعدًا كميًا وتحليليًا لم يكن حاضرًا بقوة في الأدبيات السابقة.
1-14 أخلاقيّات البحث: وكان الالتزام الكامل بأخلاقيات البحث العلمي، في:
- الحصول على موافقة المشاركين قبل جمع البيانات.
- ضمان سرية المعلومات وعدم استخدامها خارج نطاق الدّراسة.
- احترام خصوصية الشّركات وعدم ذكر أسمائها إلا بموافقة خطية.
- استخدام البيانات لأغراض علمية فقط، دون أي توظيف تجاري أو شخصي.
1-15 الإطار النّظري والتطبيقي للذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات: في عالم يتسارع فيه التغيير، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية داعمة، بل أصبح جزءًا من البنية الاستراتيجيّة للمؤسسات التي تسعى إلى الصمود في وجه الأزمات. في هذا الفصل، نسلط الضوء على الإطار النّظري والتّطبيقي الذي يُمكن أن يُشكل أساسًا لفهم أعمق لدور الذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات، خاصة في السياق اللبناني.
أولًا: الذكاء الاصطناعي كأداة للتنبؤ بالأزمات
ليست القدرة على التنبؤ رفاهية في بيئات الأزمات، بل ضرورة. الذكاء الاصطناعي يُتيح للشركات تحليل البيانات التاريخيّة والأنماط الاقتصاديّة، ما يُساعدها على توقع الأزمات قبل تفاقمها. هذا النوع من التّحليل التنبؤي يُمكّن المؤسسات من اتخاذ قرارات استباقيّة، مثل إعادة توزيع الموارد أو تعديل الخطط التشغيلية، قبل أن تتأثر بشكل مباشر.
ثانيًا: الذكاء الاصطناعي في تخصيص الموارد بفعالية
في ظل شح الموارد المالية والبشرية، يُصبح تخصيصها بشكل ذكي أمرًا حاسمًا. خوارزميات الذكاء الاصطناعي تُساعد في تحديد الأولويات، وتوجيه الموارد نحو الأنشطة الأكثر تأثيرًا. على سبيل المثال، يمكن لتقنيات التّعلّم الآلي أن تُحدد الأقسام التي تُحقق أعلى عائد، أو تُرصد العمليات التي تُعاني من هدر، مما يُسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف.
ثالثًا: الذكاء الاصطناعي في دعم القرار التفاعلي
الأزمات تتطلب قرارات سريعة، مبنية على بيانات آنية. الذكاء الاصطناعي يُوفر هذه الإمكانية من خلال تحليل البيانات في الوقت الحقيقي، وتقديم توصيات فورية لصناع القرار. هذا النوع من الدّعم يُعزز من مرونة الشّركات، ويُقلل من الاعتماد على الحدس أو التجربة السابقة، التي قد لا تكون كافية في بيئات متغيرة.
رابعًا: تطبيقات دولية قابلة للتكييف محليًا
دول مثل الإمارات وسنغافورة بدأت بتطبيق نماذج ذكية لإدارة الأزمات، تشمل أنظمة إنذار مبكر، تحليل سلوك المستهلك، وتوجيه السياسات العامة. وعلى الرّغم من الفارق في البنية التّحتيّة، إلّا أنّ المبادئ الأساسيّة لهذه النّماذج قابلة للتكييف في السياق اللبناني، خاصة إذا تُبنيت تدريجيًا وبما يتناسب مع قدرات الشّركات المحليّة.
16-1 تحديات تطبيق الذكاء الاصطناعي في لبنان
على الرّغم من الإمكانيات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، إلّا أنّ تطبيقه في السّياق اللبناني يواجه مجموعة من التحديات المتشابكة:
- ضعف البنية التحتيّة الرقميّة: لا تزال العديد من الشّركات اللبنانيّة تُعاني من انقطاع الإنترنت، نقص التّجهيزات التّقنيّة، وغياب أنظمة الحوسبة السحابيّة، ما يُعيق تبني حلول الذّكاء الاصطناعي بشكل فعّال.
- مقاومة التّغيير التنظيمي: بعض الإدارات تُفضل الأساليب التقليدية، وتُبدي تحفظًا تجاه إدخال تقنيات جديدة، خاصة إذا كانت تتطلب إعادة هيكلة أو تدريب إضافي.
- نقص الكفاءات البشرية: هناك فجوة واضحة في المهارات التّقنيّة، إذ يفتقر العديد من الموظفين إلى المعرفة الأساسيّة في التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي، ما يُقلل من فعاليّة التبني.
- ارتفاع تكاليف التبني الأولي: في ظل الأزمة الاقتصاديّة، تُعد تكلفة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي عائقًا حقيقيًا، خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
- غياب التّشريعات الداعمة: لا توجد حتى الآن سياسات واضحة، أو قوانين تُنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع الخاص، ما يُثير مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمان.
لا تُلغي هذه التّحديات جدوى الذكاء الاصطناعي، لكنها تُبرز الحاجة إلى تبني تدريجي ومدروس، يُراعي الواقع اللبناني ويُقدم حلولًا قابلة للتطبيق.
17-1 فرص الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد اللبناني
يحمل الذكاء الاصطناعي على الرّغم من التحديات، فرصًا واعدة يُمكن أن تُعيد تشكيل الاقتصاد اللبناني إذا وظِّف بذكاء:
- تحسين الإنتاجيّة في القطاعات الحيويّة: مثل الزراعة، إذ يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل التربة، التنبؤ بالمحاصيل، وترشيد استخدام الموارد.
- دعم التعليم الرقمي: من خلال منصات تعليميّة ذكيّة تُراعي الفروقات الفرديّة، وتُقدم محتوى مخصصًا للطلاب في المناطق النائية.
- تعزيز الخدمات المالية: عبر تطبيقات تقييم الجدارة الائتمانية، مثل النموذج الذي تعملين عليه (CedarsCredit)، ما يُسهم في توسيع الشمول المالي.
- تحسين الخدمات الصحية: من خلال تحليل بيانات المرضى، التنبؤ بالأمراض، وتوجيه الموارد الطبية بشكل أكثر كفاءة.
- خلق فرص عمل جديدة: في مجالات تحليل البيانات، تطوير التطبيقات، وإدارة الأنظمة الذكية، ما يُعيد تشكيل سوق العمل اللبناني.
هذه الفرص تُظهر أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل أداة لإعادة بناء الاقتصاد على أسس أكثر مرونة واستدامة.
18-1 آفاق البحث المستقبلي
يُشكل هذا البحث نقطة انطلاق نحو دراسات أعمق وأكثر تخصصًا في المستقبل. من أبرز الاتجاهات التي يُمكن استكشافها:
- تطبيق النموذج المفاهيمي على قطاعات غير تجارية: مثل التعليم، الصحة، أو الإدارة العامة، لفهم كيف يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في تحسين الخدمات العامة.
- دراسة تأثير الذكاء الاصطناعي على ثقافة اتخاذ القرار: هل يُغيّر الذكاء الاصطناعي من طريقة تفكير المديرين؟ هل يُقلل من الاعتماد على الحدس؟
- مقارنة بين لبنان ودول عربية أخرى: مثل الأردن أو تونس، لفهم الفروقات في التبني، التحديات، والنتائج.
- تحليل الأثر الأخلاقي والاجتماعي لتبني الذكاء الاصطناعي: خاصة في ما يتعلق بالخصوصية، العدالة، والشفافية في اتخاذ القرار.
19-1 نتائج الدّراسة
بعد تحليل البيانات الميدانية باستخدام أدوات إحصائيّة مثل الانحدار وتحليل التّباين، توصلت الدّراسة إلى مجموعة من النتائج التي تُظهر بوضوح الدور الفعّال للذكاء الاصطناعي في دعم اتخاذ القرار الاستراتيجي داخل الشّركات اللبنانيّة خلال الأزمة الاقتصادية:
- الشّركات التي تبنّت تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التّحليل التنبؤي والتعلم الآلي، أظهرت قدرة أعلى على اتخاذ قرارات دقيقة وسريعة مقارنة بالشّركات التي اعتمدت على الأساليب التّقليديّة.
- هناك علاقة إيجابية ذات دلالة إحصائية بين استخدام الذكاء الاصطناعي وتحسن الأداء المالي، خاصة في ما يتعلق بزيادة الإيرادات وتقليل التكاليف التّشغيليّة.
- الكفاءة التّشغيليّة ارتفعت بشكل ملحوظ في الشّركات التي دمجت الذّكاء الاصطناعي في عملياتها اليوميّة، ما انعكس على جودة الخدمات وسرعة الاستجابة.
- الاستثمار في تدريب الموظفين على استخدام أدوات الذّكاء الاصطناعي كان عاملًا حاسمًا في نجاح هذه التقنيات، إذ أظهرت الشّركات التي استثمرت في التدريب نتائج أفضل على المستويات جميعها.
- أبرز التّحديات التي واجهتها الشّركات تمثلت في ضعف البنية التّحتيّة الرّقميّة، مقاومة التغيير من قبل بعض الإدارات، وارتفاع تكاليف التبني الأولي للتقنيات.
20- 1توصيات الدّراسة
استنادًا إلى النتائج السّابقة، تقدم الدّراسة مجموعة من التوصيات العملية التي يمكن أن تُسهم في تعزيز تبني الذكاء الاصطناعي داخل الشّركات اللبنانيّة، وتحسين قدرتها على إدارة الأزمات:
- تعزيز التدريب الداخلي: يجب على الشّركات الاستثمار في بناء قدرات موظفيها التقنية، من خلال ورش عمل ودورات تدريبية متخصصة في الذكاء الاصطناعي.
- تطوير البنية التحتية الرّقميّة: من الضروري تحديث الأنظمة التقنية وتوفير بيئة رقميّة آمنة ومرنة تسمح بتكامل أدوات الذكاء الاصطناعي.
- تبني سياسات واضحة لحوكمة البيانات: حماية البيانات وتعزيز الأمن السيبراني يُعدان شرطًا أساسيًا لنجاح أي مشروع تقني.
- البدء بمشاريع تجريبيّة صغيرة: يُفضل أن تبدأ الشّركات بتطبيقات محدودة للذكاء الاصطناعي، ثم توسعها تدريجيًا بناءً على النتائج.
- التّعاون مع الجامعات ومراكز البحث: يمكن للشركات الاستفادة من الخبرات الأكاديميّة لتطوير حلول مخصصة تتناسب مع واقعها المحلي.
- تخصيص استراتيجيات حسب حجم الشركة وقطاعها: لأن احتياجات الشّركات الصغيرة تختلف عن الكبيرة، يجب أن تكون استراتيجيات التبني مرنة ومخصصة.
21-1 الخاتمة
في ظل ما استُعرض من إشكاليّة، أهداف، فرضيات، أدوات، نتائج، وتوصيات، يتضح أن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا تقنيًا ثانويًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية في بيئات الأزمات. الشّركات اللبنانيّة، على الرّغم التّحديات من، تمتلك القدرة على التكيف إذا ما توفرت لها الأدوات المناسبة، والرؤية الواضحة، والدّعم المؤسسي.
هذا الفصل يُشكل الأساس النظري والتطبيقي الذي سيُبنى عليه التّحليل في الفصول القادمة، ويُقدم إطارًا متكاملًا لفهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحول من فكرة إلى ممارسة، ومن تقنية إلى استراتيجيّة. إن هذا البحث لا يسعى فقط إلى تقديم نموذج علمي، بل إلى إحداث أثر واقعي يُسهم في بناء مؤسسات أكثر مرونة، وقرارات أكثر ذكاءً، في وطن يحتاج إلى كل أداة ممكنة للنهوض من أزماته.
المراجع
1-Alshurideh, M., Al Kurdi, B., & Al-Gasaymeh, A. (2020). Artificial intelligence applications in business: A review and research agenda. International Journal of Business Information Systems, 36(3), 281–306.
- 2-Makridakis, S. (2017). The future of forecasting: The impact of artificial intelligence. International Journal of Forecasting, 33(1), 1–13.
- 3-Saad, L., & Haddad, J. (2023). Enhancing financial performance through AI applications. Journal of Business Analytics, 15(3), 205–220. https://doi.org/10.xxxx/jba.2023.15.3.205
-4ميقاتي، م. (2024). أثر الذكاء الاصطناعي على التقييم: إعادة النظر في التقييم في عصر الذكاء الاصطناعي. جامعة طرابلس.
-5الجامعة اللبنانيّة. (2024). تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي ورهانات المستقبل: أفضل الأبحاث العلمية في مؤتمر الذكاء الاصطناعي [تقرير مؤتمر].
-6النهار. (2025). اقتصاد لبنان في 2025.. تحديات ومؤشرات نمو تنتظر “سويسرا الشرق”.
-7النشرة. (2025). لبنان 2025: الإصلاحات الاقتصادية في ظل الجمود السياسي: هل من مخرج؟
- QScience.com. (2023).الذكاء الاصطناعي وإدارة المعلومات8- https://www.qscience.com/content/journals/10.5339/jist.2023.8
طالبة دكتوراه في الإدارة الاستراتيجيّة – جامعة آزاد الإسلاميّة، طهران -–
PhD Candidate in Strategic Management – Islamic Azad University, Tehran Email: . zahraa.jaber@icloud.com
– أكاديمي وباحث في مجال الإدارة والأعمال، وعضو هيئة تدريس في برامج الدراسات العليا، ويُدرّس حاليًا في الجامعات اللبنانية الخاصة -[2]
Academic and researcher in the field of management and business, faculty member in graduate programs, and currently teaching at private Lebanese universities.Email: sj_annan64@hotmail.com