الإمارة الشّهابيّة وجبل عامل علاقات التاريخ والجغرافيا
د. وشاح فرج*
مقدمة
بعد انتصار العثمانيّين على المماليك في معركة مرج دابق العام (1516م)، دخل جبل عامل تحت سيطرة السلطنة العثمانيّة، وهو شأنه كغيره من المناطق التي تشكل منها لبنان الحالي، فخضع إلى نوع من النّظام الإقطاعي عرف بالإقطاع الطائفي، وقد قام على عصبيات محلية ومذهبية، وهو من موروثات العصر المماليكي، أقرته السلطنة العثمانيّة في مقاطعاتها. وبموجب هذا النّظام استمر العثمانيّون طيلة أربعة قرون بإحكام سيطرتهم وتثبيت دعائم سلطاتهم. فبعد تجزئة بلاد الشام إلى إقطاعات مستقلة، كانت السلطنة تطرح المقاطعات الرّيفية منها على سبيل المزايدة بين الراغبين فيها من أعيان البلاد، وأغنيائها مقابل مبالغ محددة يدفعها الملتزم منهم مقابل التزامه. وكانت تابعيّة هؤلاء الإقطاعيين لحكومة مستبدة في سياساتها، فتلك الإقطاعات – بموجب هذه السياسات – صارت ميدانًا للتنازع والتفريق بين حكامها من جهة، وبين ملتمسي الإمرة والحكم من جهة أخرى. لقد كان الشّيخ الملتزم بمقاطعة معينة، يدير مقاطعته كيفما يشاء، ويجبي من الأهالي ما يفرضه من ضرائب تحت عنوان دفع الالتزام المترتب عليه للدولة، ويعمل على حفظ الأمن، وتأمين الطرق، وتطبيق الخدمة العسكرية للدولة، وكان عليه أن يسلّم قيمة التزامه لشيخ المشايخ، الذي له الرياسة العليا، والذي بدوره يسلمها للوالي العثمانيّ. وحين استعراض الموضوعات التي نالت استحواذ المؤرّحين والباحثين خلال العهد العثمانيّ، ولا سيّما المهتمين منهم بالشّأن العاملي، يلاحظ أنّ ما عرف بالحقبة الشّهابيّة قد نالت مساحة خاصة في كتاباتهم وتحليلاتهم، ومع بذل قدرٍ من الجهد، يقع الباحث على كمّ من التوافقات والاختلافات التي حفلت بها كتابات المؤرّحين وتحليلاتهم لأحداث هذه الحقبة. وهنا، تطرح عدة تساؤلات حول هذه الحقبة، خصوصياتها، فهل يعود ذلك إلى تميّز ما للحكم الشّهابيّ عن الحكم الأموي الذي سبقه؟ أم لتغير ما في طبيعة الحكام العامليين أنفسهم؟ وهل يتعلق ذلك بكامل الحقبة الشّهابيّة التي امتدت قرابة ماية وأربع وأربعون عامًا (1697-1841)، أم يتعلق بمحطات محددة فيها؟ وبالتالي، هل ارتبط ذلك بمتغيرات داخل الحكم العثمانيّ؟ أم بمتغيرات إقليمية فرضت بتداعياتها على هذه الحقبة خصوصيتها؟ الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها، هي محور الدراسة التي سوف تتوزع على مباحث، منها في الاجتماع العاملي وما شهده من تطورات في بنيته الاجتماعيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، بينما يُعنى مبحث آخر في علاقة العامليين بمحيطهم، سواء لجهة الجنوب مع الصّفديين في فلسطين، أو لجهة الشّمال مع حكام بلاد الشوف (الشّهابيّين)، والمبحث الثالث، سوف يتناول العلاقة بين العامليين، وكلّ من الحكم العثمانيّ، وما تخلله من حكم مصري للبلاد.
أولًا: البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصاديّة وتطورها في جبل عامل
توالى على حكم مقاطعات جبل عامل خلال العهد العثمانيّ، أسر عدّة، بعضها لم يستقم الأمر لها طويلًا، مثل آل شكر في بلاد بشارة وساحل معركة، ومقدمي جزين الخزرجيين في إقليم جزين، وآل الزين في بلاد بشارة وساحل صور، وآل برو في جبل الريحان، وآل داغر في منطقة أنصار، وآل شامي في بنت جبيل. أمّا التي استقام لها الأمر طويلًا واستقلّ مشايخها بحكم مقاطعة، أو مقاطعات عدة من الجبل، يلتزمونها ويديرون أمورها، هم:
– مشايخ بنو منكر، الذين يعرفون بالمناكرة، وقيل إنّهم بنو منقر، نسبة إلى عشيرة قيس بن عامر المنقري، وقد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة، كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة.
حكموا إقليمي الشّومر والتفاح([1]).
- مشايخ بنو صعب، وقيل إن نسبهم يرجع إلى بعض أكابر الأكراد الذين كان لهم حظوة في دولة بني أيوب، وقد حكموا مقاطعة الشّقيف([2]).
- مشايخ بنو الصّغير، نسبة إلى علي الصّغير بن شرف الوائلي، وكان جدّهم محمد بن هزاع الوائلي القحطاني، انتقل إلى بلاد عاملة أيام صلاح الدّين الأيوبيّ، وتولى السّلطة في بلاد بشارة، بعد انتصاره على أميرها بشارة بن مقبل القحطاني، ثمّ توارث الحكم أبناؤه وأحفاده من بعده قرون عدة، وأجلّ أحفاده الشّيخ ناصيف بن نصّار المقتول في عهد الجزار([3]).
كان مقدار الضّريبة المتوجبة على مقاطعات جبل عامل، بحسب ما ذكره المؤرخ آل صفا، هي بحدود ستين ألف قرش، موزعة على المقاطعات الثمانيّة، وهي الشّقيف، والشّومر، والتّفاح، وجبل هونين، وجبل تبنين، وساحل معركة، وساحل قانا، وساحل صور، يؤدونها إذا راق لهم ويرفضون دفعها إذا شاؤوا تبعًا للظروف([4]). إنّما بصرف النّظر عن ذلك، كان على الفلّاح العاملي دفع المتوجب من ضرائب سواءً أكان الحاكم عامليًا أو معنيًا أو شهابيًا أو عثمانيًا. ينقسم الاجتماع العاملي إلى ثلاث فئات، فإلى جانب المشايخ الأعيان الذين سبق ذكرهم، كانت فئة العلماء والمجتهدين، بينما الفئة الكبرى هم من الفلاحين والمزارعين. وفي علاقة الأخيرين بحكّامهم، تتعدد المقاربات وتختلف، فحكامهم بحسب آل صفا، بهم أرفق وعليهم أشفق([5])، بينما يعارض علي الزين ذلك، فالفلاحون الذين يزرعون أرض الالتزام، ليسوا أكثر شأنًا من العبيد، بل أكثر ذلًا، حتى بات الإذلال دستورًا اعتادوا عليه، حتى إذا ما آنسوا من الملتزم أو الملّاك تسامحًا معهم ورحمة بهم، تهاونوا في خدمته، وازدروه، وماطلوه في دفع ما عليهم([6]). ويبدو أنّ هذا الاختلاف عائد إلى تبدل في الظروف، والحكام أنفسهم. أمّا في العلاقة بين الحكام العامليين أنفسهم، فإنّه كما كانت الأحداث، والمنازعات، والحروب تتواصل في باقي مناطق لبنان، بين قيسي ويمني، يزبكي وجنبلاطي، كانت العلاقة بين مشايخ جبل عامل على الرّغم من وحدة المذهب والديار، لا تخلو من التنافس والتنافر في ما بينهم، والذي كان داميًا في أكثر من واقعة.
إلاّ أنّ هناك ما يشبه الإجماع عند المؤرّحين لوقائع مغايرة شهدتها الحِقبة التي حكم فيها الشّيخ ناصيف النصّار مقاطعات جبل عامل (1750-1780)، وقد كان الوفاق والتّوافق هو السائد بين مشايخ الجبل. فقد جرى بين مشايخ المقاطعات في جبل عامل تسليم لزعامة الشّيخ النصّار، وحسبانه شيخ المشايخ في الجبل وصلة الوصل بين مشايخه ووالي صيدا. وقد وصفه القنصل الفرنسيّ في صيدا، دي توليس، بالشّيخ الكبير الذي اشتهر في جميع أنحاء سوريا بشجاعته([7]). وهو بحسب آل صفا، أشهر أمراء الشّرق الأوسط، وأعظم أمير عربي قام في القرن الثاني عشر للهجرة([8])، وهو عمود المتاولة وأفرس أهل عصره عند القس حنانيا المنير([9])، وهو موضع إشادة القناصل الذين عرفوه([10]).
وعهده بحسب حسن الأمين، أزهى العهود في جبل عامل، فقد تمتع العامليون في عهده بالحرية والاستقلال، لم يخضعوا لظالم ولم يتحكم بهم غاشم، فبرزوا في ميادين القتال وفي معاهد العلم وفي مجالس الشعراء([11]). وقد استطاع أن يفرض سقفًا محددًا للضرائب، لاغيًا ما سمي بضريبة اليركو وأعشار ورسوم تمليك، ومنع الشّباب من السّوق إلى الجندية([12]). لذلك ولغيره من الأقوال بحق الشّيخ النصّار، صار بالإمكان فهم المبررات التي استند إليها المؤرخون العامليون في رفعهم الشّيخ إلى رتبة الإنسان الكامل، كحاكم، وفارس، وتغنى به الشّعراء من معاصريه ومن تلاهم، وبكى العامليون عليه بعد استشهاده، طيلة عقود من الزمن. وبذلك عدّت مجريات الأحداث في تلك الحِقبة، إحدى معالم التميّز في التّاريخ العامليّ خلال الحكم العثمانيّ. وفي قراءة الخطوات التي أمكنت الزّعيم العامليّ من تقديم تجربته الرّائدة – المسلّم بها عند خصومه قبل مؤيديه – يلاحظ أنّ تجربة ناصيف النصّار في حكم جبل عامل، التي دامت قرابة ثلاثين عامًا (1750 – 1780) إنّما قامت بالدّرجة الأولى على مسألة تمتين الجبهة الدّاخلية، إلى جانب خطوات أخرى سوف تبرز لاحقًا حين الحديث عن علاقة العامليين مع الجار الجنوبي في شمال فلسطين، ومع الجار الشّمالي في بلاد الشوف، وفي مواجهة التّحديات من قبل السّلطنة العثمانيّة، وما تخلل تلك الحِقبة من حكم مصري للمنطقة. لقد ركّز الشّيخ ناصيف النصّار في بداية حكمه على إزالة أسباب النّزاعات بين شيوخ المقاطعات الثمانية، التي كان يتشكل منها جبل عامل، أي بين بني الصّغير الذين يحكمون خمس مقاطعات، وبين الصّعبيين الذين يحكمون مقاطعة الشّقيف، وبين المناكرة الذين يحكمون مقاطعة الشّومر وجباع. وقد استطاع الشّيخ النصّار أن يوحد صفوف المشايخ العامليين، ويجمع كلمتهم، فهم شرعوا العام 1751، في ترميم القلاع والحصون العامليّة لدرء الأخطار المحدقة ببلادهم، وخاضوا الحملات المشتركة لتأديب المناوئين لهم، من عرب القنيطرة العام 1753، وعرب مرج رميش في العام نفسه، وتحالفوا في وجه اعتداءات الوالي وأعوانه، منها، حين دخل بلاد بشارة العام 1759([13]). أولى نتائج خطوات النصّار، دخول جبل عامل في حال من الاستقرار الأمنيّ، والسياسيّ. وكان لذلك تداعيات إيجابيّة على الجانب الاقتصادي، فازدهرت بعهده الزراعة، وكثرت معاصر الزّيت، والعنب، والخروب، وانتشرت على مجاري أنهاره المطاحن المائيّة، وتوسعت الزّراعة التبغيّة، وقصب السكر، وبساتين الفواكه. إلى جانب بعض الصّناعات الحرفيّة والتّحويليّة، فزاد الإنتاج عن حاجة السّوق المحلية للاستهلاك، فانتشرت الأسواق الواقعة على خطوط انتقال القوافل التّجاريّة المنتقلة من سوريا إلى فلسطين والعمق العربي والعكس. دفع ذلك أيضًا إلى تطوير مدينة صور، فأقام فيها دار الحكومة وأحيا ميناءها، وعرض على القنصل الفرنسيّ تسهيلات تجارية، حتى غدت سوقًا تجاريًا رائجًا([14]). وكان لتلك الطفرة الاقتصاديّة، دورها في إحداث تغيرات في بنية الاجتماع العامليّ، منها على سبيل المثال لا الحصر، استقدام حاكم صور أحد كبار التّجار المسيحيين”جرجس مشاقة” للإقامة في مدينة صور بعد أن اتخذ من مرفأها ممرًا لتجارته مع مصر، ولم يكن في حينها أي من المسيحيين يسكن المدينة، ففي العام 1757 انتقل إليها مشاقة مع أقربائه من آل منسى وغيرهم، فاجتمعت بيوت كثيرة من الرّوم الكاثوليك، ومن ثـــَمَّ شرع في بناء كنيسة ومسجد في المدينة([15]). كما كان للشّيخ النصّار محاولات تمتين أواصر التّواصل والتنسيق مع الشّيعة خارج جبل عامل، مع إدراكه للعوائق الجغرافيّة التي كانت تحول دون سهولة الاتصال بين الجبل، والأقاليم الشّيعيّة الأخرى، في البقاع وجبل لبنان، وإلى الإجراءات العثمانيّة التي عهد تنفيذها إلى فخر الدين سابقًا، للحيلولة دون الاتصال بين جبل عامل وبعلبك عن طريق البقاع الغربيّ. فقد ذكر التاريخ أنّ الشّيخ النصّار كان يشرك الحرافشة، حكّام الشّيعة في بعلبك والبقاع، في مساعيه لنسج التّحالفات مع الدّروز والفلسطينيين، منها ما أورده الشّهابيّ في تاريخه، حين حضر الأمير محمد حرفوش اجتماعًا مشتركًا مع الدّروز إلى جانب الشّيخ نصّار، وقد حمّله الأخير رسائل إلى المشايخ في بعلبك([16]). كما ذكر التّاريخ، الدّور الذي قام به الحرافشة في احتضان المشايخ، والعائلات التي نزحت من جبل عامل بعد نكبتهم الكبرى على يد الجزار، واستشهاد زعيمهم الشّيخ ناصيف النصّار.
ثانيًا: علاقة العامليّين مع الشّهابيّين
تشير معطيات المرحلة الانتقاليّة من الحكم المعنيّ إلى الحكم الشّهابيّ، إلى حقيقة لا يمكن التغافل عنها، بأن صراع التّكتّلات الاجتماعيّة في المناطق التي تشكل منها لبنان بصيغته الحاليّة، لا يمكن الرّكون بشكل حاسم إلى أنّ دوافعه المذهبيّة، أو الطائفيّة هي المحرك الأساسيّ له. ففي نهايات الحكم المعنيّ، كانت المواجهات قائمة بين العامليين وبين المعنيين، كالتي حدثت في عيناتا 1660م([17])، وفي النبطية الفوقا 1666م، وفي وادي الكفور 1667م، بينما علاقة الشّيعة في مناطق الشّمال اتجهت إلى عقد حلف مع المعنيين بوجه السّلطة، بلغ ذروته في حركة قمهز، التي جمعت بين الشّوفيين والحماديين في جبهة واحدة([18])، فاتخذ خلالها الصّراع بعده العرقي، وليس الطائفيّ، العرب بوجه العثمانيّين. ولمّا حاول العثمانيّون بثّ الشّقاق بين المعنيين والمتاولة، أفشل الأمير أحمد المعنيّ ذلك، فأقدمت السّلطة على عزله من منصبه([19]). وهذه الحقيقة تبدو جلية أيضًا في السّياق الذي سلكته عملية انتقال الحكم من المعنيين إلى الشّهابيّين، فقد اتفق المؤرخون على تعيين الأمير بشير ابن الأمير حسين أمير راشيا، ملتزمًا على جبل الدّروز عقب وفاة الأمير أحمد المعني سنة 1109ه – 1697م، لكنهم اختلفوا حول كيفيتها ودوافعها. فالرّواية الأكثر شيوعًا، هي التي بثها الشّهابيّ والشّدياق، وفيها يعرضان لكيفية حصول عملية الانتقال، التي تمّت عن طريق الإرث الشّرعيّ، والاختيار الطّوعيّ والجماعيّ من أصحاب الشّأن، على أساس أنّ الأمير أحمد المعني كان من دون عقب، فجرى الاتفاق على الأمير بشير لأنه ابن أخت الأمير أحمد([20]). ومع كثرة تداول هذه الرّواية، إلاّ أنها موضع نقد وتشكيك عند عدد من المؤرّحين، فهي بحسب عباس صالح، تفتقر إلى الإقناع والإثبات، لأن القيسيّة والحكم الشّهابيّ هي غرض مروجيها([21])، وأنّ إعطاء الالتزام لبشير بوصفه وكيل عن قريبه حيدر القاصر، هي عند سعدون حمادة سابقة غير ثابتة في أي من المصادر التّاريخية([22]). وأنّ الأمير بشير لم يحكم الشّوف بحسب عبد الرحيم أبو حسين، كونه وصيًا على قريبه القاصر، وإنّما لقاء تعهده بدفع جميع المبالغ المستحقة على أسلافه لصالح الخزانة السّلطانيّة([23]). وبحسب ميخائيل مشّاقة المعاصر للأمير الشّهابيّ الثاني، أنّ الإتيان بحاكم أجنبيّ عن عشائر الدروز، جاء لاستحالة خضوع عشائر الدّروز المقدمة إلى حكم أحد أفرادها([24]). حتى إنّ المؤرخ الشّدياق نفسه، أشار في مؤلفه إلى اعتراض الأحزاب اليمنيّة على تولية الأمير بشير الشّهابيّ، ومن ثـــَــمَّ فرارهم إلى دمشق بعدما عيّن بالنيابة عن الأمير حيدر حتى يبلغ الأخير أشدّه([25]). ويتسع مجال تفسير عملية انتقال إمارة لبنان من المعنيين إلى الشّهابيّين، فهو – أي الانتقال – عند المؤرخ علي الزين جاء كي لا تظل سياسة لبنان – درزية عثمانيّة – كسياسة الأمراء اليمنيين، إذ يصعب معها تحويرها، وتكييف أوضاع لبنان العربية حسب تصاميم الإفرنسيين. ولم يكن من سبيل إلى مثل هذا التّحوير- آن ذاك- إلاّ بأن ينقل حكم لبنان إلى أمراء مسلمين بظاهرهم يُطمأن إلى سهولة تكيّفهم، وتطوّرهم ما توحيّ به الأغراض والمطامع، ومناهج رسل فرنسا في بلاد الشام([26]).
ويغمز البعض من ناحية هُوية مدبّري الأمراء في الشّوف، فهم منذ عهد الأمير أحمد المعنيّ إلى آخر عهد الأمير بشير شهاب الثانيّ، كانوا من الموارنة معينين قناصل لفرنسا([27]). وأن هؤلاء القناصل بحسب قول المؤرخ النّمساوي، أندريا أوبليتر، هم الحكام الحقيقيون لجبل لبنان، حيث اختبر ذلك بنفسه طيلة إقامته في دير القمر، مركز الحكم، وليس للأمير سوى أن يثبت رأيهم ويحكم بما يشورون عليه([28]). وبحسب الزّين، فإنّ عمليّة الانتقال حصلت في ظروف صعبة كانت تعانيها السّلطنة العثمانيّة خلال الحقبة 1697 – 1699، بسبب الهزيمة أمام قوى النّمسا وحلفائها، واضطرارها إلى توقيع معاهدة(كارلو فتز)، وعندها كان العثمانيّون بأمسّ الحاجة إلى تأييد فرنسا وغيرها من مناهضيّ النّمساويين، وهذا ما استدعى التّغاضي عن كل ما يحاوله أنصار فرنسا في لبنان([29]). أضف إلى ذلك، فإنّ عملية الانتقال حصلت في ظل تنافس شديد بين الفرنسيّين والبريطانيين، إذ إنّ السياسة التي اعتمدها ورثة المعنيين، قد نفّرت الدّروز من فرنسا وجعلتهم يرتمون بأحضان قناصل بريطانيا، كما نفّرت البريطانيّين من الموارنة حتى قال قنصلهم العام في تقاريره عن لبنان: إنّ الموارنة مستسلمون نفسًا وجسدًا إلى فرنسا… وعليه فلم يبق لإنكلترا أن تختار في الأمر، بل أمسى من المحتّم عليها عضد الدّروز([30]). ويأتي في هذا المجال، الجهد الذي بذلته فرنسا لاحقًا لإرجاع الأسرة الشّهابيّة لحكم لبنان بعدما خسرته، وهذا ما قاله “المسيو دي ملفيل” في مجلس الأعيان الفرنسي سنة 1846: إنّ إنكلترا واصلت جهودها منذ خمس سنوات لمنع إعاد الحكم إلى الأمير بشير شهاب، وأسرته مهما كلّف ذلك، ولماذا ذلك؟ غير خافٍ على أحد أن إعادة إمارة لبنان المسيحية إلى ما كانت عليه ينجم عنها بسط النّفوذ الفرنسيّ، وهذا ما تأباه إنكلترا، ثمّ يكمل فيقول: يجب على جميع الرّجال العقلاء أن يجعلوا مرمى غاية الحكومة إعادة إمارة الجبل المسيحيّة إلى ما كانت عليه من الاستقلال بالحكم([31]). وبالعودة إلى بداية العهد الشّهابيّ، يبدو أن الالتباسات التي رافقت هذه البداية لم تقتصر على كيفية التّعيين وظروفه فحسب، بل تجاوزتها نحو الخطوات الأولى التي باشرها الشّهابيّون منذ أن تولوا الحكم بعد المعنيين، وبالتّحديد، تلك المتعلقة بجبل عامل، أو ما يعرف بالمواجهة الأولى مع أحد المشايخ العامليين، مشرف الصّغير. ومعها، فتحت صفحة داميّة في سجل طويل من الحروب والخلافات بين الشّهابيّين في وادي التّيم، وجبل الدّروز بعد ولايتهم عليه، وبين جيرانهم من الشّيعة في الجنوب وفي الشّمال. فالشّهابيّون منذ أن وصلوا إلى الحكم، كانوا الأكثر حماسة لإخضاع الشّيعة، واستمروا في ذلك حتى أواخر عهدهم، حين انهارت إمارتهم في جبل الدّروز، بعد خروج إبراهيم باشا، وحليفه بشير الشّهابيّ من لبنان. فالمواجهة الشّهابيّة مع مشرف بن أحمد بن علي بن حسين بن علي الصّغير، تعدّ موضوعًا إشكاليًا، في سياق قراءة العهد الشّهابيّ، وأثره على جبل عامل، حتى بات تناولها مدخلية للكشف عن المزيد من الخبايا التي تضمنتها مجريات هذا العهد. لقد التقى الشّدياق والشّهابيّ حول رواية وقائع المواجهة بين الأمير بشير الشّهابيّ والشّيخ العامليّ مشرف الصّغير، فالشّيخ المتوالي اليمني، خرج في سنة 1698م، عن طاعة أرسلان باشا، واعتدى على بعض غلمانه، فكلّف الوزير المذكور الأمير القيسيّ، بشير الشّهابيّ بقتال مشرف، وأطلق له مقاطعات جبل عامل الثلاث، بشارة، والشّومر، والتّفاح، والشّقيف، فزحف الأمير بثمانية آلاف مقاتل نحو مشرف الذي انهزم أمامه في المعركة وألقى القبض عليه، وسلّمه إلى أرسلان باشا، فولّي الأمير الشّهابيّ من صفد إلى جسر المعاملتين، فعيّن ابن أخيه، واليًا على صفد، وجعل تحت يده الشّيخ الصّفدي القيسيّ، أبا ظاهر بن أبي زيدان العمر، وعيّن المتاولة من بنو منكر على إقليمي الشّومر والتّفاح، والمتاولة من بنو صعب على الشّقيف، ورجع إلى دير القمر معتزًا([32]). وبذلك، وضع المؤرخان المذكوران هذه المواجهة في إطار الصّراع القيسيّ اليمنيّ، وفي تقديم الأمير الشّهابيّ صاحب القدرة على تأديب الخارجين على النّظام والمستحق بجدارة للزّعامة ونيل الالتزام من الباشا العثمانيّ. بينما من جهته، قدّم المؤرخ سعدون حمادة، وبالاستناد إلى وثائق عثمانيّة صارت قيد التّداول، أنّ الحراك الصغيريّ أكبر من مجرّد حراك فوضوي، بل كان الجناح الجنوبيّ للثورة الشّيعيّة التي كانت تخوض أقصى المواجهات في الشّمال (جبل لبنان) والبقاع([33]). ففي ما قدمته هذه الوثائق، أنّ الباب العالي أصدر حكمًا سلطانيًّا في تاريخ سابق على تاريخ الحملة الشّهابيّة على الشّيخ مشرف، أي في شباط 1696م، يطلب فيه من والي صيدا أن يعيق المغضوب عليهم “القازلباش”، الذين يتلقون تعزيزات من جبل عامل، يرهبون عابريّ السّبيل، والفلاحين في جبال سرحال في ولاية طرابلس([34]). وفي أيار من العام نفسه، تلقى الأمير أحمد المعني قبل إقصائه وهربه، اتّهامًا سلطانيًا له بدعمه الضمني للثوار الشّيعة ومساندتهم، يفيد: إذا تكرّرت هذه الأعمال بدعمك ومساندتك، أو بدعم، ومساندة الشّيخ مشرف مثل تقديم الملجأ إلى اللصوص “القزلباش” القاطنين في المناطق الزّراعيّة القريبة من صيدا، وحيثما وجدوا يقتضي استئصالهم.([35])
وفيما عمل المؤرخ حمادة على تدعيم رؤيته المختلفة حول المواجهة بين الشّيخ مشرف والشّهابيّين، يلاحظ وقوعه في سقطة تأريخية، عندما عاب على المؤرّحين، طنوس والشّهابيّ، قصة روايتهما لمسألة توزيع الأمير بشير الشّهابيّ المقاطعات العامليّة على مشايخ المتاولة الموالين له بعدما هزم الشّيخ مشرف. فهو استند في نقده لهما، على أنّ الحملة على الشّيخ مشرف جرت في العام 1700م، وأنّ السّجلات في محكمة صيدا الشّرعية تفيد أن عقود الالتزام تلك، أعطيت للمشايخ العامليين منذ أيار العام 1699م([36])، وهذا ما يعني، أن عقود الالتزام سابقة على تاريخ الحملة. لكن بالعودة إلى الشّهابيّ في مؤلّفه، ذكر أنّ تاريخ الحملة على الشّيخ مشرف كان في 1110ه – 1698م([37])، وقد أكد على ذلك كاتب أعيان الشّيعة([38])، وبذلك يكون تاريخ الحملة على الشّيخ مشرف مخالف لما ذكره حمادة، أي إنّه سابق على توزيع الالتزامات على عدد من المشايخ العامليين. أمّا المؤرخ “علي الزين” كان له قراءة مختلفة للواقعة بين مشرف والشّهابيّين، حين راح يقدّم أدلّة وقرائن ويجريّ المقارنات، ليثبت أنّ وقائع حراك مشرف الصغير، قد جرى تضخيمها ووضعها في خارج سياقاتها، إلى درجة المبالغات الخياليّة، والإغراق في تكييف هذا الحراك بما يتوافق مع غرضية اصطناع الحروب، واتخاذ نتائجها وسيلة لتكبير شأن الأمير الشّهابيّ الجديد. فبحسب المؤرخ الزّين وبالاستناد إلى نص حيدر الشّهابيّ، لم يكن الشّيخ مشرف حين الإغارة عليه، حاكمًا رسميًا من قبل الدولة، ولا زعيمًا مطاعًا من قبل الأهالي، ولا متّفقًا مع بقية حكّام المقاطعات العامليّة، إذ إنّ الأمير الشّهابيّ لم يتعرّض لغير مشرف من مشايخ المقاطعات، ولو كان مشرف حاكمًا لبلاد بشارة كان اتخذ من قلعة تبنين حصنًا له، وليس التّمركز في مزرعة نائية([39]). ويكمل المؤرخ الزّين قراءته لإغارة الأمير بشير الأول على الشّيخ مشرف، بما يدعم اتجاهه للربط بين الحكم الشّهابيّ، والنفوذ الفرنسيّ، فحشد الأمير ثمانية آلاف مقاتل من رجاله لهزيمة الشّيخ العامليّ مشرف الصّغير والقبض على أخيه، ليس المقصود منها إخضاع مشرف فقط، بل ليرجع الأمير بشير – بحسب الشّدياق – إلى دير القمر معتزًا، ويصير اسمه – بحسب الشّهابيّ – عظيم عند الدولة، ويعتبر الدروز مما جرى لغيرهم. ذلك أن السبيل إلى تغيير أسلوب الحكم، وتعبيد الطّريق أمام نفوذ فرنسا في الشّرق لا يستقيم مع الزّمن إذا لم يصبح خليفة الأمراء المعنيين عظيمًا عند الدولة، وعزيزًا مهابًا بين جميع الطوائف في لبنان([40]). وعلى الرغم من الالتباسات التي تحيط بمعطيات المواجهة بين الشّيخ مشرف والأمير الشّهابيّ، وما رافقها من غموض حول مواقف بقية المشايخ العامليين، تبقى الإشارة إلى التّفاوت الكبير بين مقدّرات العامليين قياسًا بما توافر لخصومهم، سواءً الإمبراطورية العثمانيّة المترامية الأطراف، وما تتمتع به من إمكانيات ماديّة، وبشريّة لا حدود لها، إضافة إلى قدرتها على تجييش المقاطعات الموالية لها، من جبل الدّروز وملحقاته، لتقديم العون في إخضاع العامليين. ولم تمض بضع سنوات حتى استعاد الصغيريون الالتزام على بلاد بشارة، وبالتّحديد، بعد وفاة الأمير بشير الأول سنة 1707م، ومعها، عادت علاقتهم مع الوالي العثمانيّ إلى طبيعتها التّصادميّة، فأعلنوا الثّورة والتّمرد من جديد، وانضم إليهم المناكرة والصّعبية، فما كان من الأمير حيدر الشّهابيّ الذي خلف الأمير بشير إلا أن اشترى التزام المقاطعات الجنوبيّة، واستعد بدعم من الوالي العثمانيّ، لمهاجمة المتاولة([41])، فكانت واقعة النبطيّة التي هزمهم فيها، وانجلى بنو علي الصّغير عن بلاد بشارة واستولى على ديارهم([42]). فخلت تلك البلاد من سكانها ومشايخها وانخفضت الجباية إلى أدنى درجاتها، وهذا ما أثار اهتمام الباب العالي والطلب من والي دمشق الاهتمام في معالجة هذا الواقع ومراقبة الظلامات التي يوقعها الأمير في جبل عامل([43]). تشير هذه الالتفاتة العثمانيّة إلى المعيار الذي يحكم علاقتهم بالعامليين، فجباية الضرائب وحجمها هو الأساس، وذلك أنّ حملات الأمراء الشّهابيّين على العامليين لم تكن نتاج جشع الأمراء فحسب، بل هي في الدّرجة الأولى، بسبب جشع الوالي العثمانيّ. ما جعل مشايخ جبل عامل، في وضعية التّململ والتّلويح بالعصيان والخروج على طاعته، إنما مطالبته بالمزيد من الأموال، وأمام ذلك، كان الوالي يكلف، عادةً، الأمير الشّهابيّ أو أيًا من الحكام المجاورين، مَهَمَّة حصار قلاعهم ومهاجمة قراهم([44]). ومنذ أن استلم الشّيخ ناصيف النصّار الحكم في جبل عامل، راح يسعى باتجاه الدّروز علّه يحظى باتفاق معهم يبدد حال التّوتر التي كانت قائمة، والتي كان للأمير فخر الدين دور سابق في تأجيجها، لكن، يبدو أن شخصية الأمير يوسف الشّهابيّ، ومطامعه، وظروف مجيئه إلى السّلطة، جعلته في الخندق العثمانيّ، وهذا حال دون إتمام التّحالف الشّيعي والدّرزيّ، بل كان الشّهابيّ رأس حربتهم في وجه العامليين.
ثالثًا: علاقة العامليين مع الصّفديين في فلسطين
يذكر المؤرخون في هذا المجال، أنّ النشاط السياسيّ لكلّ من مشايخ جبل عامل وظاهر العمر كان يتمحور حول مشروع واحد، تمثل بتحقيق الانفصال عن السّلطة المركزية في الآستانة، أو على الأقل تكريس أمر واقع يتمتع بحد من الاستقلال الذّاتيّ والتّبعيّة الاسميّة للباب العاليّ، ومع ذلك، فإنّ التّعاون والتّحالف لم يكن على الدّوام يسود العلاقة بينهما، بل إنّ الخلاف والتّصادم كان في البداية يسود العلاقة بين العامليين وظاهر العمر، إذ لطالما عمل الأخير على ضم العامليين إلى جانبه بالقوة والإكراه. فقد شهدت العلاقة بينهما عدد من الحوادث، يذكر منها، المواجهة التي حصلت في وادي المعظميّة([45])، في آب العام 1765، بين عسكر الشّيخين ناصيف وعباس إلى جانب عسكر الدولة، وبين عسكر الصّفدية بقيادة عليّ الظّاهر([46]). كما حصلت بين الطرفين وقعة صفد في العام 1766([47])، وصفد هي قرية عامليّة أتبعت إلى فلسطين بعد احتلالها من قبل الانكليز([48])، أمّا أكثر الحوادث أهمّيّة كانت وقعة قرية تربيخا في العام 1766، بعد أن استولى ظاهر العمر على قرية البصّة، والقرية التي تقع في رأس النّاقورة، كانت في عهد ناصيف النصّار تتبع إلى جبل عامل قبل أن تصبح اليوم من أعمال فلسطين، ومن ثــَــمَّ حاول ظاهر العمر أن يهاجم قرية تربيخا، فتصدى له مشايخ الجبل بقيادة نصّار، ومنعوه من تحقيق غايته([49]). وأمام هذه المناكفات والمواجهات والاحتلالات، صار من الضّروري الإجابة على تساؤل يفرض نفسه، ما الذي دفع كلا الطّرفين إلى عقد التّحالف بينهما؟
في الإجابة عن التّساؤل المطروح، وردت تفسيرات عدّة، منها، من أرجع التّحالف بين الزّعيم العامليّ والزّعيم الصّفديّ، إلى تقارب في شخصيتيهما، فبين الأخير والحاكم العامليّ أكثر من صفة مشتركة وقراءة متقاربة لطّبيعة توزع نفوذ القوى في المنطقة، لذلك وعلى الرّغم من المواجهات الحدودية التي حصلت بين الرّجلين، إلاّ أنهما اقتنعا بضرورة التّحالف فيما بينهما. والتّفسير الثّاني عبّرت عنه مجلة العرفان([50])، وقد ردّت أسباب التّحالف بعد الخصومة، إلى نتائج المواجهات بينهما، والتي كان أغلبها ليس لصالح ظاهر العمر، فأدرك عندها الأخير استحالة ضم العامليين إليه بالإكراه، وقد عجّل في هذا التّبدل، الأحداث المتسارعة التي شهدتها السّاحة السياسيّة، وما أحدثته من إرباكات للسلطنة العثمانيّة، عسكريًا وسياسيًا، سواءً في انشغالها بحربها ضد روسيا القيصريّة، أو في حركة علي بك الكبير، إلى جانب تلويح الأقليّات القوميّة من البلقان بالعصيان والتّمرد في وجه السّلطة، عندها لوحظ مسارعة ظاهر العمر ومشايخ جبل عامل إلى عقد التّحالف بينهما للاستفادة من هذه التّبدلات([51]). أيّد المؤرخ عادل إسماعيل هذا الاتجاه وأضاف، في قوله، إنّه وجد ظاهر العمر في بلاد عاملة خط دفاع عن مركز حكمه في مقاطعة صفد، في مواجهة تعديّ ولاة السّلطنة العثمانيّة وحلفائها الشّهابيّين، على رعيته وإرهاقهم بالضّرائب، بينما وجد العامليون في ظاهر العمر، سندًا خلفيًا يعينهم على مواجهة الأخطار المحدقة بهم، فمعه يمكن أن يحققوا فرصة الاستقلال، والإعفاء من الجعالات المطلوبة منهم للسّلطان([52]). فالحاكم العامليّ، ناصيف النصّار، كان يدرك بأن الثّغرة التي ينفذ منها العثمانيّ لتحقيق هيمنته وتسلطه، وفرضه الضّرائب التّعسفيّة، هي في تحريك الخلافات بين الفلسطينيين والشّيعة، لذلك راح الشّيخ النصّار يعمل على نسج التّحالفات بينهما، للحدّ من التفاوتات الهائلة بين تلك المكونات والسّلطنة العثمانيّة، التي يعود إليها الدّور الأساس في تمكين الباشوات الأتراك في تدخلهم الدّائم بشؤونهم لمصالح شخصيّة على حساب حرية الأهالي وكرامتهم وزعمائهم.
بينما ذهب ميخائيل نقولا الصباغ حفيد المعلم إبراهيم الصباغ مدبر ظاهر العمر ومستشاره، إلى تقديم تفسير آخر([53])، يقول فيه، إن الشّيخ ظاهر العمر طلب من الشّيخ ناصيف النصّار التنازل له عن القريتين، البصة ويارون، فكان الرفض من الأخير بلغة حاسمة وقول غليظ، فأرسل الشّيخ ظاهر إلى الباشا في صيدا يطلب منه ذلك، فوافق على الطلب، عندها طرد منها ولاة المتاولة، ولمّا بلغ الشّيخ ناصيف ذلك، جرّد حملة عسكرية فحدثت بين الطرفين مواجهات دامت أيام، استغل خلالها الدّنكزليّ، عامل ظاهر العمر، انشغال ناصيف بالمواجهة فهجم على دارته وأسر ولديه وسلّمهما إلى ظاهر، عندها أرسل ناصيف يطلب الصّلح والمقايضة بين أولاده والتّنازل عن القريتين، فحدث ذلك، وعُقِد التحالف بينهما. وبصرف النّظر عن أيّ التّفسيرات أقرب للحقيقة، فالثابت أنّه في العام 1767، بدأت مرحلة جديدة من العلاقة بين جبل عامل ومقاطعة صفد الفلسطينيّة، عقب توقيع الشّيخ ناصيف النصّار معاهدة صلح وتحالف مع الشّيخ ظاهر العمر، حلف فيها الزعيمان اليمين على السّيف والمصحف، أن يكونا وشعبهما متضامنين متصافيين، ما دامت الأرض والسّماء. وقد وصفت هذه المعاهدة بأنّها محالفة دفاعيّة هجوميّة([54]). ومن ثــَمَّ أجريت اتصالات عدّة مع سائر زعماء الأقطار الشّاميّة بغية إقامة جبهة متضامنة للوقوف في وجه السلطنة العثمانيّة([55]). لكنّ هل العلاقة بين الفريقين ما كانت لتسلك مساراتها الإيجابيّة دون الأخذ بالحسبان تدخل عوامل خارجية مساعدة، ففي حقيقة الأمر أنّ حال التّحالف بين الفريقين، كان في لحظة تعانيّ فيها السلطنة العثمانيّة الضَّعف وازدياد حركات الانفصال في أكثر من ناحية، والأسطول الرّوسيّ الّذي كان يجوب شواطئ المنطقة مقدّمًا الدّعم لحركاتها المناوئة للسّلطة، والاتفاق المبرم مع الزّعيم المصري، محمّد عليّ بك الكبير، لمواجهة العدو المشترك. إنّ أُولى نتائج هذا التّحالف، تناميّ النّهضة الاقتصاديّة في المنطقتين، وارتفاع معدلات التّبادل التّجاريّ بينهما، إلى جانب التّوسع في العلاقات التّجاريّة مع الخارج، عبر مرفأيّ صور وعكا، مع أوروبا عمومًا وفرنسا على وجه التحّديد، وكذلك مع مصر وقبرص. فقد اتسعت رقعة الأراضيّ المزروعة وارتفعت مداخيل الفلاحين والعاملين وأصحاب الأراضيّ والمشايخ. وقد أسهمت تلك النتائج، في تعزيز القدرات العسكريّة، والتي بدورها امتدت لجعل الحلم بالاستقلاليّة عن الإدارة العثمانيّة أقرب للتّحقق. مؤشرات هذا المنحى ذكرتها السّلطنة العثمانيّة في وثائقها عندما ذكرت حالة العصيان التي يمارسها مشايخ جبل عامل في رفضهم دفع الالتزام المتوجب عليهم للسّلطنة وعدم تجديد العقود في هذا الشّأن([56]). أكّد على ذلك، آل صفا، حين ذكر أن التّحالف بين العامليّين والصّفديين عزز طموح الفريقين للاستقلال فخلعوا نير السّلطة التّركية وأبوا دفع الضّرائب([57]). وذكر القنصل الفرنسيّ، الفارس دو توليس في أحد تقاريره الدّبلوماسيّة المؤرخة في 18 – حزيران – 1772: إنّ الذي دفع المتاولة وهم جميعهم من شيعة عليّ إلى الثّورة ضد الباب العاليّ، هو طغيان الباشا، ولا يربحون شيئًا من ثورتهم غير الاستقلال، والتّخلص نهائيًا من دفع العائدات المفروضة عليهم من السّلطان([58]). لقد أنتج التّحالف بين العامليين وظاهر العمر، انتصارهما في خمس عشرة عمليّة عسكريّة، منها أربع حملات حصلت داخل فلسطين ضدّ مشايخ نابلس، وضدّ عرب بني صخر، وضدّ عرب الوكر، إضافة إلى حصارهم يافا([59]). ومنها أربع حملات خارج فلسطين، الأولى، يوم اشترك العامليون إلى جانب ظاهر العمر وحليفه أبيّ الذّهب، في هزيمة عثمان باشا الصّادق واحتلال دمشق([60])، وقد تحدث عن هذه المعركة، المؤرخ المراديّ في قوله: فتوجه أبو الذّهب جهة دمشق، وكان وصوله إليها يوم الإثنين تاسع عشر من صفر سنة 1185ه، وكان معه تسعة صناجق وخمسة من أولاد ظاهر العمر أمير بلدة عكا، ومشايخ المتاولة، والصّفديّة أهل البدع، والرّفض ومعه نحو ثمانين مدفعًا وأربعين ألف مقاتل. وقد روى هذه المعركة الرّحالة الفرنسيّ، فولني([61])، كما رواها الأمير حيدر الشّهابيّ في كتابه نزهة الزّمان([62]).
أمّا المعركة الثانية كانت أيضًا في العام 1771، حين اشترك العامليون وظاهر العمر لقتال واليّ دمشق، عثمان باشا، وإلحاق الهزيمة به في معركة الحولة([63])، وقد تحدث الأمير حيدر الشّهابيّ عن تفاصيل المعركة، أن الواليّ العثمانيّ أراد الانتقام من ظاهر العمر والعامليين لحملتهم على دمشق، فخرج إليهم بجيش عظيم، لكنه انهزم أمامهم وألقى عساكره بأنفسهم في البحيرة وماتوا غرقًا([64]). وفي العام نفسه، تعاون العامليون مع ظاهر لاحتلال صيدا وتسليمها لأحد عماله، أحمد آغا الدّنكزليّ([65]). ومشاركتهم في معركة حصلت في حارة صيدا والغازيّة، العام 1772، ضد الأمير يوسف الشّهابيّ والدّروز والنصّارى المتحالفين مع عسكر الدّولة بقيادة والي القدس خليل باشا. وإلى جانب تلك الحملات، شارك العامليون إلى جانب ظاهر في سبع تجريدات، حصلت سنوات: 1769، 1770، 1771، انتهت دون قتال بسبب تراجع المتنازعين في اللحظات الأخيرة([66]). وفيما يتوالى استعراض الانتصارات المتتاليّة التي حققها الحلف بين العامليين والصفديين، يلحظ الباحث بروز أحداث مغايرة، وضعت العامليين في موقف النّاقض للحلف، حين تخلّفوا عن نصرة ظاهر العمر، بعدما جرّد عليه “أبي الذّهب” حملة بإيعاز من السّلطنة العثمانيّة. في إشارة إلى نكوص العامليين بعهدهم الذي قطعوه مع حليفهم الصّفدي، لمّا أرسل إليهم كما أوردت العرفان، أن يساندوه برجالهم وخيلهم لملاقاة أبي الذّهب إلى غزّة([67]). فقد سارع مشايخ جبل عامل إلى مقابلة أبيّ الذّهب في عكا، وقد أحسن وفادتهم، فأكرم زعيمهم ناصيف النصّار، إكرامًا زائدًا، وكانت شفاعته ماضية عند جنابه في كل شيء يريده([68]). ويستمر طرح المآخذ على موقف مشايخ العامليّين في العلاقة مع مشايخ الصّفديين، أنّهم بعد مقتل الشّيخ ظاهر، وتشتيت آله، وإسناد الحكم في ولاية صيدا وعكا لأحمد باشا الجزار، انصاع العامليون لإرادة الجزّار، وساروا مع عسكره يطاردون الشّيخ عليّ ظاهر ابن حليفهم السّابق ظاهر العمر. تدفع هذه المآخذ وغيرها، للبحث في طبيعة العلاقة وظروفها بين العامليين، وبين العثمانيّين في عهد الجزار.
رابعًا: جبل عامل والعثمانيّين (حكم الجزّار)
بدايةً، من المستحسن تعرف الظّروف التي جعلت من شريد مجهول الأصل كان يسكن أحد مقاهي دير القمر، وآل عثمانيّ، بل أهم وأقوى الولاة العثمانيّين. فهو بحسب المؤرخ ميخائيل مشاقة، قد سبق أن عرض نفسه للخدمة عند الزّيادنة والمتاولة فرفضوه، فاستدعاه الأمير يوسف الشّهابيّ بناء على نصيحة من كاخيته، لاستخدامه في مَهَمّات خاصة، فصار حاكمًا لمدينة بيروت([69]). واستطاع لاحقًا أن يقدم نفسه خادمًا للباب العالي في تطويع الحكام في ولاية صيدا، فقبل عرضه، وبذلك صار سيّده الشّهابيّ الذي منّ عليه ذات يوم واستخدمه، تحت إمرته([70]). يذكر الرّكيني، أنه بعد تسلّم أحمد باشا الجزّار ولاية صيدا وعكا، العام 1776، وأصبح حاكمًا مطلقًا عليها، انصاع له مشايخ جبل عامل ومالأوه، وقاتلوا مع عسكره عليّ بن ظاهر العمر، كما وشاركوه والأمير يوسف الشّهابيّ في حملته ضد آل جنبلاط([71]). كما يذكر الرّكيني أنّ الممالأة لم تكن من جهة العامليين وحدهم، فالجزّار من جهته، راح في بداية الأمر يتقرب منهم، إذ إنّه حين قام بزيارة صور، نزل عند شيخ المقاطعة حمد العباس، وقبل شفاعة الشّيخ ناصيف النصّار للعفو عن أولاد الشّيخ عليّ الجنبلاطيّ([72]). لكن هذه السّياسة لم تدم طويلًا، حتى باشر الجزّار حملته على جبل عامل في العام 1781، فتصدى له العامليون بقيادة زعيمهم ناصيف النصّار، عند قرية يارون، وأسفرت المواجهة عن هزيمة العامليين، ومقتل زعيمهم وشقيقه أحمد مع ما يقارب أربع مئة من مقاتليه، ومن ثــَمَّ عمدت قوات الجزّار إلى هدم القلاع والحصون التي سقطت جميعها باستثناء قلعة الشّقيف التي صمدت مدة شهرين، وأُخذت بالأمان وهدمت، وبسط الجزّار سلطته المباشرة على الجبل، فكان ذلك نهاية حِقبة من الحكم الذّاتيّ تمتعت به بلاد عاملة، وتشتت أعيانها في أرجاء بلاد الشّام وخارجها([73]).
كما شهدت تلك الحِقبة أفول عهد الرّاحة الاقتصاديّة، فمن خلال مقارنة أسعار السّلع الأساسيّة بين النّصف الثّاني من القرن الثّامن عشر والرّبع الأول من القرن التّاسع عشر، يلاحظ ارتفاع معدلاتها بنسب عالية جدًا، تضافرت في صنعها عوامل عدة، منها، الكوارث الطّبيعية التي حلّت في البلاد، والحروب التي دارت على أرضها، والجباية المتمادية التي كانت تفرضها السّلطة الحاكمة. فبينما على سبيل المثال لا الحصر، كان ثمن غرارة القمح 3 قروش في العام 1752، صار ثمنها 504 قروش في العام 1816، وكان ثمن غرارة الشّعير 2 قرش، صار ثمنها 216 قرش، وكان ثمن غرارة العدس 1,75 قرش صار 288 قرش. واستمرت معاناة العامليين حتى وفاة الجزار العام 1804، وتولّي سليمان باشا العادل مكانه، الذي سعى إلى التّقرب من العامليين، وتوصّل معهم، في السّنة نفسها، إلى اتّفاق قضى برجوع زعمائهم إلى بلادهم، وعودة الجبل إلى ممارسة نوع من الحكم الذاتيّ باعتراف صريح من السّلطنة([74]). وظلّ الاتفاق المعقود بين مشايخ الجبل والسلطنة قائمًا حتى ولّي عبد الله باشا على عكا، بعد سليمان باشا 1819، فعمد الوالي الجديد إلى عقد اتفاق وشيخ المشايخ فارس ناصيف النصّار، أعاد بموجبه حكم بلاد عاملة كما كان قبل الجزار. والرّاجح أنّ السّبب الرئيس في إقدام عبد الله باشا على هذه الخطوة، هو حاجته إلى ولاء مشايخ جبل عامل ومؤازرتهم له في صراعه مع خصمه درويش باشا، واليّ الشّام. وبالفعل، أخلص المشايخ في جبل عامل له، وشاركوه وحليفه بشير الشّهابيّ في إلحاق الهزيمة بواليّ الشّام، في معركتيْ بنات يعقوب والمزّة، 1822([75]). واستمر هذا الإخلاص قائمًا مع بروز متغيرات كبرى، تمثلت بغزو إبراهيم باشا بلاد الشّام، وإرساء الحكم المصري فيها، بينما تخلى الأمير الشّهابيّ عن حليفه العثمانيّ واضعًا نفسه في خدمة المصريين، بوصفه حليفًا لهم، الذين بدورهم اتخذوه عاملًا لهم على جبل لبنان. ونتيجة اّلتعديلات التي أحدثها المصريون في إدارة البلاد، لجهة تحجيم دور الإقطاع السّائد، وإحلال المؤسسات مكانه تحت سلطة مركزية ترتبط بالحكمدار في دمشق، أُلحِقَ جبل عامل بجبل لبنان، وبذلك صار تحت الحكم الشّهابيّ بوجهته المصرية.
خامسًا: جبل عامل والحكم المصريّ
احتل إبراهيم باشا بلاد الشّام، في سنة 1831، فدخل جبل عامل تحت سيطرة المصريين الّذين ألحقوه بالإمارة الشّهابيّة، وفقد استقلاله مجدّدًا، وخضع منذ ذلك الحين، للانعكاسات التي خلفتها سياسة الأمير بشير داخل الإمارة وخارجها. وفي قراءة لتلك السياسات، فإنها، وإن لم تكن بمعزل عن إرادة السّلطة المصرية الحاكمة، لكنّها لم تبتعد من كونها تعبر عن نزعة ذاتيّة لدى المتعهد المحليّ للإمارة. فقد أوكل الأمير الشّهابيّ ولده مجيد، أمر المقاطعات العامليّة، وكان بسبب جهله وقلة خبرته، أن راح يسيء إلى الأهالي ممارسًا بحقهم شتى أنواع الظلم، وساق المئات منهم إلى السجون([76]). إنّما هذه السّلوكيات لا تبتعد أيضًا، من منحى سلكته السّلطة المصريّة، أملته ظروف المواجهة مع العثمانيّين من جهة، وتدخّل قناصل الدّول الأوروبيّة في تأليب النّاس ضد السّلطة المصريّة، دفع ذلك إلى إجراءات صارمة اعتمدها المصريون، وكان من نتيجتها ارتفاع مستوى التّململ لدى النّاس وبروز ملامح الثّورة. ومن تلك الإجراءات، التّوسع في عملية التّجنيد الإجباريّ من أجل سد حاجات المواجهات المشتعلة بين المصريين والعثمانيّين، بالإضافة إلى متطلبات ضبط الأمن الدّاخليّ في وجه المتمردين على السّلطة والناقمين على سياساتها. كما تمّ تجريد النّاس من سلاحهم، وهذا يتعارض وتراث المنطقة الذي يعظم أهمّيّة اقتناء السّلاح، ولاعتبارات متعددة. أضف إلى ذلك تكاليف المواجهات التي خاضها االمصريّون، دفعهم نحو سياسة رفع الضرائب التي قاربت الثلاثة أضعاف، وتطبيق نظام السّخرة على الرّجال والنّساء. صحيح أن تلك الإجراءات عمّت المناطق التي تخضع للسّلطة المصرية، لكنها في جبل عامل، وعموم المناطق الشّيعيّة، كان وقعها أكبر، فقد صورها الشّهابيّون في عيون المصريين، أنّها بلاد ثائرة، وشعبها متمرد، لذلك يجب أن تُحكم بالشّدة والبطش، وهذا ما كان يجري بالفعل، فقد زجّ الشّهابيّون بزعماء الشّيعة وأعيانهم في السّجون([77]). وقد أضاف ذلك، عاملًا جديدًا إلى التّمرد العامليّ على الحكم المصريّ، إذ افتقد العامليون ما يمكن تسميته بالاستقلال الذي سبق لهم أن نعموا به، وأعاد إلى الأذهان الصّراعات المؤلمة التي كانوا يعانون منها من قبل جيرانهم الشّوفيين.
فقبل الحكم المصريّ، استطاع العامليون أن ينالوا ما يشبه الاستقلال بعدما خاضوا حرب العصابات ضد السّلطة العثمانيّة وحاكمها، الجزّار، بقياد الشّيخ فارس النصّار نجل زعيمهم، إذ اعترف سليمان باشا، خليفة الجزّار، بالحكم الذّاتيّ لشيعة جبل عامل، واستمر حتى 1832، حين دخل جبل عامل تحت الحكم المصري([78]). ويبدو أنّ هذه الإجراءات العثمانيّة، هي المفسّر لتراجع حال العداء العامليّ من الحكم العثمانيّ وتوجيهه نحو السّلطة الجديدة، فهم قد وقفوا إلى جانب الحاكم العثمانيّ، عبد الله باشا، في مواجهاته مع المصريين، في معارك المزة وجسر بنات يعقوب، ومعركة البهجة خارج عكا، ومعارك حمص ونزب وقونية، وبعد هزيمة العثمانيّين، فرّ زعيم العامليين – حمد ناصيف النصّار – إلى الزبدانيّ ليقيم فيها بعد أن صادرت السّلطة المصريّة أملاكه ولم تعدها إليه إلاّ قبل ثلاث سنوات من انتهاء حكمها، لكن الاجتماع العامليّ لم يكن موحّدًا تجاه الحكم المصريّ، وبالتحديد، داخل بيت الزّعامة العامليّة، فقد ذكر التّاريخ أنّ أحد مشايخ آل النصّار، حسين السّلمان حفيد عباس المحمد، كان من المقربين للحاكم البشيريّ ومن مناصريّ الحكم المصريّ، وقد قدّم إليهم خدمات عديدة في ملاحقة المتمردين وتثبيت نفوذهم في البلاد. بينما في المقابل، أعلن حفيد الشّهيد فارس النصّار، حسين الشبيب، في أوائل تشرين الثاني 1839، الثّورة على الحكم المصريّ لرفع اليد عن جبل عامل([79]). وقد ذكرت الوثائق، والمحفوظات الملكية المصريّة الكثير عن وقائع هذه الثّورة([80])، التي يبدو أنّها استطاعت أن تربك الحكم المصريّ، والذي أوكل مَهّمَّة القضاء على هذه الثّورة إلى الأمير الشّهابيّ، فاستطاع أن ينفذ المَهّمَّة ويفرض على الزّعيم العامليّ، الانسحاب إلى حوران وأرباض دمشق([81]). وما يجدر ذكره في هذا المجال، مشاركة الشّيعة البقاعيين في هذه الثّورة، إذ ورد ذكر للأمير خنجر الحرفوش مع مقاتلين وفدوا إلى جبل عامل للمشاركة في الثّورة. أما من النّاحية الاقتصاديّة، فمع دخول جبل عامل في دائرة الحكم المصريّ، شهد الاقتصاد العاملي تغيرات مُهِمَّة، أسوة بالتي شهدتها البلاد التي وقعت تحت الحكم المصري، حين حاول إبراهيم باشا تعميم النهضة الاقتصاديّة التي بدأها والده في مصر على البلاد التي أصبحت بحوزته، ومنها سوريا ولبنان.
لقد ألغىبراهيم باشا نظام البشالق العتيق، كما ألغى الامتيازات المقصورة على الأغنياء، وألغى نظام الالتزام، وقضى على نفوذ الأعيان المحليين واحتكارهم، وفرض ضريبة شخصيّة جديدة([82]). وفي 1838، ألغى نظام الاستئجار وزراعة الأراضيّ السّلطانية، أمّا الأراضي التي زرعها السّكان الدّائمون المقيمون، فغدت باستلام أبناء القرى، الذين استلموها مباشرة من الدّولة، وحلّت ضريبة الأعشار تدريجيًا محل الميري، وأخذ مزارع القرية يدفع الضّريبة الجديدة سنويًا، أمّا سيّد القرية، فظلّ في الواقع، على ما هو عليه من نفوذ سابق، على الرّغم من أنّه جرّد من سلطاته الشّرعيّة في القرية، عدا سلطة جمع الضّرائب([83]). ومن جهة أخرى، طبّق إبراهيم باشا سياسة الاحتكار، إذ جعل الحرير وكثيرًا من الحاصلات في البلاد، احتكارًا بيد الدولة([84]). ومن التّغيرات التي شهدها الاقتصاد العامليّ، الخروج من دائرة الاقتصاد العثمانيّ التّقليديّ إلى تحديث هيكليّة اقتصاديّة تعتمد الإنتاج، ليس لغرض الاستهلاك المحليّ، وإنّما لغرض السّوق الخارجيّة القائمة على المبادلة النّقديّة، التي بدأت تحل محلّ الاقتصاد العينيّ القائم على مبدأ المقايضة. كما تجلى المنحى التّحديثيّ المصريّ باعتماد المدن محاور رئيسة للنّشاط الاقتصاديّ، حيث تحوّلت هذه المدن، لا سيّما السّاحليّة منها، إلى أسواق حرة للمبادلات الدّاخلية والخارجيّة، ولا سيّما بعد أن نفذ الحكم المصريّ سياسة جمركيّة، باسترجاعها من أيدي الملتزمين، وحدد رسومًا جمركيّة. وقد كتب القنصل الرّوسيّ، بازيلي، أن الحريّة التي منحتها الإدارة المصريّة للتجارة، بعثت حياة جديدة في المدن السّاحلية، فأصبحت أسواقًا للجبليّين، الّذين استبدلوا في هذه المدن، الحرير وزيت الزيتون، بالقمح ومنتوجات الصناعة الأوروبيّة، وقد زاد الإنتاج الزراعيّ في تلك الحِقبة، بنسبة الثلث، كذلك زاد استهلاك السلع الأجنبية بنسبة الضُّعف([85]). كما صارت هذه المدن مركزًا للصّناعات والحرف، ويذكر في هذا المجال، أن محمد علي باشا باشر بإنشاء معمل لصناعة الأقمشة لجيشه في محلة برك رأس العين في منطقة صور، وكلّف أحد المهندسين الإنكليز بالإشراف على تنفيذه. وقد وفدت إلى صور في تلك الحِقبة عائلات مصريّة عديدة، اندمجت في مجتمعها([86]). ويذكر أيضًا، النّشاط الذي شهدته الصّناعة التّحويليّة، وبشكل أساسيّ زراعة التّبغ، التي سجلت 1840، 6000 كنتال، كان يستهلك منها حوالي 1500 كنتال في بيروت ودمشق، والباقيّ يصدر إلى الموانئ المصريّة في دمياط والإسكندرية([87]). وكان على العامليين الانتظار لظروف أكثر ملائمة حتى يعاودوا الثّورة على الحكم المصريّ، فمع تطور الرأيّ الدّوليّ تجاه مشاريع محمد علي، وانتقال الجيش العثمانيّ إلى المبادرة لاسترجاع حكم البلاد، وجد الزّعيم العامليّ، حمد المحمود، المنفيّ عن بلاده إثر ثورته، أن يعاود التّحرك وإعلان الثّورة على الحكم المصريّ، فكانت المواجهة مع الأمير مجيد الشّهابيّ في قعقعية الجسر ورده على أعقابه، ثم التحق بالجيش العثمانيّ في حمص، وخاض معه حروبًا عدّة، فعينه العثمانيّون حاكمًا على جبل عامل، وأسندوا إليه مَهَمَّة مطاردة الجيش المصريّ في المنطقة، كما أسندوا إليه، لقب “بك” ولأول مرة في تاريخ الزّعماء العامليين، إلى جانب لقب الوزير الأعظم([88]). لم يكن لحمد المحمود ذرية تتولى الزّعامة من بعده، فكان حفيد شقيقه، عليّ بك الأسعد، الذي لازمه في منفاه في الزبدانيّ، وخاض معه المعارك ضد الحاكم المصريّ، هو من عهد إليه بالزعامة بعد وفاة الشّيخ حمد، وفي الحِقبة التي كانت فيها البلاد تشهد عودة الحكم إلى العثمانيّين. ومن مآثر هذا العهد، أنّه شهد ازدهار المصادر التّاريخية العامليّة، التي تشكل اليوم نواة كتابة التّاريخ العامليّ، منها، شرح الشّيخ عليّ السبيتيّ لقصيدة نظمها عليّ بك عدّد فيها مفاخر قومه وعشيرته، والجوهر المجرد في شرح قصيدة عليّ بك الأسعد، وتاريخ الشّيخ عليّ مروّة، جبل عامل في قرنين، وتاريخ محمد مغنية، جواهر الحكم. لم تشهد حقبة حكم علي بك الأسعد – التي دامت ثلاثة عشر عامًا – كما شهدت سابقاتها من الحروب والكوارث، لكنها شهدت حادثة تاريخيّة بارزة في التّاريخ اللبنانيّ، أيّ الفتنة التي حصلت بين الدّروز والمسيحيين 1860، كان للزّعيم الدّور في تأمين الحماية للمسيحيين بنقلهم من جبل لبنان إلى السّواحل في بيروت وصيدا وصور، وأسكن بعضهم تبنين. فقامت على إثرها علاقة بين الزّعيم العامليّ والأمير عبد القادر الجزائريّ الذي اشتهر بحماية المسيحيين في دمشق. لكن الزّعيم العامليّ الذي أوكل إليه الكثير من مَهَمّات شيخ الصّلح وإخماد الفتن والصّراعات القبليّة، لم يتمكن من تجنب صراع طال بينه وبين أحد أبناء عشيرته، تامر الحسين، ابن حسين السّلمان الذي تفرّد بمساندة الحكم المصريّ خلافًا لبنيّ عمه الذين حالفوا العثمانيّين. ويعود السّبب في خلاف الزّعيم الأسعديّ مع ابن عمه تامر، أنّ الأخير يعدُّ نفسه أولى بالزّعامة من محمد بك الأسعد الذي عينه علي بك الأسعد بدلًا عنه لحكم جبل هونين ومرجعيون، واستمر الصّراع بينهما محتدمًا، وشكّل حجة عند السّلطة العثمانيّة لإلغاء الحكم المحليّ في جبل عامل([89]). ويبدو أن السّلطة العثمانيّة قد اتخذت من الخلاف بين الزّعماء العامليين فرصة للقضاء على سلطة الحكام المحليين، واستبدالها بموظفين حكوميين، فراحت تعمّق الخلاف بينهما، إلى أن اعتقلتهما، وماتا مسمومين بحسب تقرير رسميّ فرنسي([90]). وانتهى بوفاتهما الحكم الوطنيّ لجبل عامل، الذي استمر تحت الحكم التركيّ المباشر إلى حين اندلاع الحرب العالمية الأولى.
الخاتمة
لا شك في أنّ هذه الحِقبة التي مرّ بها جبل عامل تخللها محطات عديدة، ارتبطت بمتغيّرات داخليّة داخل الحكم العثمانيّ، وأخرى إقليميّة فرضت بتداعياتها خصوصيتها على هذه الحِقبة. ففي تطورات الاجتماع العامليّ، رأينا أن أسر عديدة توالت على حكم مقاطعات جبل عامل خلال العهد العثمانيّ، بعضها لم يستقم لها الأمر طويلًا، أما البعض الآخر فقد استقل مشايخها بحكم المقاطعات يؤدون الضرائب إذا راق لهم، ويرفضون دفعها إذا شاؤوا تبعًا للظروف باستثناء الفلاح العاملي الذي كان يدفع المتوجب عليه سواء كان الحاكم عامليًّا، أو معنيًّا، أو شهابيًّا، أو عثمانيًّا. فالمجتمع العامليّ كان ينقسم إلى ثلاث فئات، فإلى جانب المشايخ الأعيان، كانت فئة العلماء والمجتهدين، بينما الفئة الكبرى هم من الفلاحين والمزارعين. وفي علاقة الأخيرين بحكّامهم، فكانت تتفاوت بحسب الحاكم. أمّا في العلاقة بين الحكّام العامليين فإنّه كما كانت الأحداث والمنازعات والحروب تتواصل في باقي مناطق لبنان، بين قيسيّ ويمنيّ، يزبكيّ وجنبلاطيّ، كانت العلاقة بين مشايخ جبل عامل على الرّغم من وحدة المذهب والدّيار، لا تخلو من التّنافس والتّنافر بينهم، الذي كان داميًا في أكثر من واقعة، لكن توالي التّحديات التي داهمتهم جعلتهم يتجاوزون الخلافات، وحوّلت المجتمع العامليّ إلى مجتمع محارب. ففي نهاية الحكم المعنيّ حصلت مواجهات بين العامليين والمعنيين، كذلك مع بداية العهد الشّهابيّ، حصلت مواجهات دامية بينهم وبين العامليين، فالشّهابيّون كانوا الأكثر حماسة لإخضاع الشّيعة منذ أن وصلوا إلى الحكم، ذلك أن المعيار الّذي كان يحكم علاقتهم هو جباية الضّرائب، إرضاءً للوالي العثمانيّ. غير أن الوالي العثمانيّ لم يبدل سياسته مع الصّفديين. العامليون كانوا يدركون أنّ الثّغرة التي ينفذ منها العثمانيّ لهيمنته وفرضه الضّرائب هي تحريك الخلافات بين الفلسطينيين والشّيعة في جبل عامل، لذلك راح الحاكم العامليّ الشّيخ ناصيف يعمل على نسج التّحالفات بينهما التي كان من شأنها تنامي النّهضة الاقتصاديّة وتعزيز القدرات العسكريّة التي أدت إلى انتصارهما في خمس عشرة عملية عسكرية خاضوها ضد العثمانيّين. لكن قيام الجزار بحملة عسكرية على جبل عامل 1781م، التي انتهت بهزيمة العامليين، أ مرحلة الحكم الذّاتي الذي نعمت به بلاد عاملة وتشتت أعيانها في بلاد الشّام وخارجها، وشهدت تلك الحِقبة نهاية عهد الراحة الاقتصاديّة. وفي 1831، احتل إبراهيم باشا بلاد الشّام، فدخل جبل عامل تحت سيطرة المصريين فألحقوه بالإمارة الشّهابيّة، وفقد استقلاله بسبب عدم توحد الاجتماع العامليّ تجاه الحكم المصريّ، وخضع منذ ذلك الحين للانعكاسات التي خلفتها سياسة الأمير بشير داخل الإمارة وخارجها.
فهرس المصادر والمراجع
- الدويهي، تاريخ الأزمنة.
- الفقيه، جبل عامل في التاريخ.
- القس حنانيا المنير، الدر الموصوف في تاريخ الشوف، بيروت دار رائد.
- الشدياق، أخبار الأعيان، ج1، الطبعة الثانية.
- حسن الأمين، جبل عامل السيف والقلم.
- حيدر الشهابي، تاريخ الأمير حيدر الشهابي، طباعة مصر، القسم الأول.
- حيدر رضا الركيني، جبل عامل في قرن، 1750-1831.
- عباس أبو صالح، الإمارة الشهابية.
- عبد الرحيم أبو حسين، لبنان والإمارة الدرزية.
- علي الزين، للبحث عن تاريخنا، دار الفكر الحديث، بيروت 2006.
- علي السبيتي، العقد المنضد.
- سعدون حمادة، تاريخ الشيعة في لبنان، مجلد 1، دار الخيال، بيروت 2008.
- طنوس الشدياق، أخبار الأعيان، ج2. الطبعة الثانية.
- محمد تقي الفقيه، جبل عامل في التاريخ، دار الأضواء.
15- محمد جابر آل صفا، تاريخ جبل عامل، بيروت.
16- منير وعادل إسماعيل، الصراع الدولي حول المشرق العربي، الوثائق الدبلوماسية، ق1 ج1، بيروت 1990.
17- ميخائيل مشاقة، منتخبات من الجواب على اقتراح الأحباب.
18- A.ismail,Documents diplomatiques et consulaires relatifs a l,histoire du liban et des pays du proshe-orient du xvII siecle a non jours, vI Beyrouth.1975.
المجلات
([1]) العرفان، مجلد 27.
(2) العرفان، مجلد 21.
(3) مجلّة أوراق لبنانية سنة 1956، أندريا أوبليتر، أخبار لبنان 1729 – 1759.
(4) ميخائيل نقولا الصباغ، تاريخ ظاهر العمر الزيداني.
(5) أموري دفتر داري (أ.م.د.)، سجل 156.
(7) D.D.C.T2,p.235.
(8) فولني، رحلة فولني، تعريب حبيب السيوفي.
(9) حيدر الشهابي، نزهة الزمان، مطبعة مصر.
(10) العرفان، مجلد28.
(11) إبراهيم العورة، تاريخ ولاية سليمان باشا العادل، نشر قسطنطين باشا، صيدا 1936.
(12) محمد جابر آل صفا، تاريخ، م.س.، ص150.
(13) لبنان في تاريخه وتراثه.
(14) جلال أحمد أمين، المشرق العربي والغرب، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1979.
المراجع المترجمة
- بولياك، الإقطاعية في مصر، سوريا، فلسطين ولبنان، ترجمة عاطف كرم، بيروت 1948.
(2) فيليب حتّي، لبنان في التاريخ، ترجمة أنيس فريحة، دار الثقافة، بيروت 1959.
(3) بازيلي، سوريا لبنان وفلسطين، تحت الحكم التركي من الناحيتين السياسية والتاريخية، ترجمة يسر جابر، ط1، دار الحداثة، بيروت 1988.
(4) سجلاّت محكمة صور الشرعية.
(5) Adel Ismail:Docu93,p:310-311.
(6) جلال أحمد أمين، المشرق العربيّ والغرب، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1979.
(7) D.D.C.T14,p.225.
(8) محمد تقي الفقيه، جبل عامل في التاريخ، دار الأضواء، بيروت 1986.
(9) سجلات المحكمة الشرعية في صيدا، سجل رقم 1.
- المحررات السياسية، ج1.
([1]) محمد تقي الفقيه، جبل عامل في التاريخ، دار الأضواء، بيروت 1986، ص393.
([2]) علي السبيتي، العقد المنضد، ص19.
([3]) علي السبيتي، العقد المنضد، م. س.، ص16.
([4]) محمد جابر آل صفا، تاريخ جبل عامل، بيروت، ص90 و105.
([5]) محمد جابر آل صفا، تاريخ جبل عامل، بيروت، ص105.
([6]) علي الزين، للبحث عن تاريخنا، دار الفكر الحديث، بيروت 2006، ص320.
([7]) منير وعادل إسماعيل، الصراع الدولي حول المشرق العربي، الوثائق الدبلوماسية، ق1 ج1، بيروت 1990، ص128.
([8]) محمد جابر آل صفا، تاريخ جبل عامل، م.س.، ص51.
([9]) القس حنانيا المنير، الدر الموصوف في تاريخ الشوف، بيروت دار رائد، ص73.
([11]) حسن الأمين، جبل عامل السيف والقلم، ص145.
([12]) محمد جابر آل صفا، تاريخ جبل عامل، م.س.، ص90.
([13]) حيدر رضا الركيني، جبل عامل في قرن، 1750-1831، ص34-36-43.
([14]) منير وعادل إسماعيل، تاريخ لبنان الحديث، م.س.، ص120-121.
([15]) مشاقة، منتخبات من الجواب على اقتراح الأحباب، م.س.، ص2.
([16]) حيدر الشّهابيّ، تاريخ الشّهابيّ، القسم الأول، م.س.، ص67.
([17]) الفقيه، جبل عامل في التاريخ، ص176
([18]) الدويهي، تاريخ الأزمنة، ص550-551.
([19]) عبد الرحيم أبو حسين، لبنان والإمارة الدرزية، ص92-93.
([20]) الشدياق، أخبار الأعيان، ج1، الطبعة الثانية، ص16.
([21]) عباس أبو صالح، الإمارة الشّهابيّة، ص34.
([22]) سعدون حمادة، تاريخ الشّيعة في لبنان، مجلد 1، دار الخيال، بيروت 2008، ص121.
([23]) عبد الرحيم أبو حسين، لبنان والإمارة الدرزية، ص98.
([24]) ميخائيل مشاقة، من الجواب على اقتراح الأحباب، ص67.
([25]) الشدياق، أخبار الأعيان، ج2، ص311. الشّهابيّ، ج1، ص3.
([26]) علي الزين، للبحث عن تاريخنا في لبنان، دار الفكر الحديث، بيروت 2006، ص345.
([27]) طنوس الشدياق، أخبار الأعيان، ج1، الطبعة الثانية، ص86.
([28]) أنظر: مجلة أوراق لبنانية سنة 1956، اندريا أوبليتر، أخبار لبنان 1729-1759، ص323.
([29]) علي الزين، للبحث عن تاريخنا في لبنان، م.س.، ص337.
([30]) المحررات السياسية، م1، ص73.
([31]) المحررات السياسية، ج1، ص249-250.
([32]) انظر: طنوس الشدياق، أخبار الأعيان، الطبعة الثانية، م2، ص16. وحيدر الشّهابيّ، تاريخ الأمير حيدر الشّهابيّ، طباعة مصر،ج2، ص885.
([33]) سعدون حمادة، تاريخ الشّيعة في لبنان، مجلد 1، م.س.، ص419.
([34]) أ.م.د، السجل 317-81، 108.
([35]) أ.م.د، السجل 1093-259، 108.
([36]) انظر: سجلات المحكمة الشرعية في صيدا، سجل رقم 1، ص28.
([37]) انظر: طنوس الشدياق، أخبار الأعيان، الطبعة الثانية، م2، ص16. وحيدر الشّهابيّ، تاريخ الأمير حيدر الشّهابيّ، طباعة مصر،ج2، ص885.
([38]) أعيان الشّيعة، ج48، ص58.
([39]) عليّ الزين، للبحث عن تاريخنا في لبنان، م.س.، ص330-331.
([40]) عليّ الزين، للبحث عن تاريخنا في لبنان، م.س.، ص346.
([41]) عبّاس أبو صالح، الإمارة الشّهابيّة، ص47.
([42]) حيدر الشّهابيّ، تاريخ الأمير حيدر الشّهابيّ، طباعة مصر،ج2، ص887.
([44]) A.ismail,Documents diplomatiques et consulaires relatifs a l,histoire du liban et des pays du proshe-orient du xvII siecle a non jours, vI Beyrouth.1975,p.77..
([45]) وادي المعظمية بحسب يوميات الرحالة روبنسون، هو الواقع شمال قرية الجش.
([46]) العرفان، مجلد 27، م.س.، ص627.
([47]) الركيني، جبل عامل في قرن، م.س.، ص54.
([49]) انظر: العرفان، مجلد27، ص735-736.
([51]) بدأت الحرب العام 1767، وانتهت العام 1774.
([52]) منير وعادل اسماعيل، الصراع الدولي حول المشرق العربي، 1/1، ص138.
([53]) أنظر: تاريخ ظاهر العمر، مخايل نقولا الصباغ، ص39-41.
([54]) ميخائيل نقولا الصباغ، تاريخ ظاهر العمر الزيداني، ص39.
([55]) الركيني، جبل عامل في قرن، م.س.، ص56. السبيتي، العقد المنضد، ص26. الفقيه، جبل عامل، ص399.
([56]) أموري دفتر داريل (أ.م.د.)، سجل 156، ص231.
([57]) آل صفا، تاريخ جبل عامل، م.س.، ص122.
([59]) الركيني، جبل عامل في قرن، م.س.، ص65-66. عادل ومنير إسماعيل، الصراع الدولي، 1/1، ص111.
([60]) الركيني، جبل عامل في قرن، م.س.، ص56. السبيتي، العقد المنضد، ص26. الفقيه، جبل عامل، ص399.
([61]) انظر: فولني، رحلة فولني، تعريب حبيب السيوفي، ص74 ثم ص95-97.
([62]) حيدر الشّهابيّ، نزهة الزمان، ج2، ص809.
([63]) الركيني، جبل عامل في قرن، م.س.، ص65-66. الفقيه، جبل عامل، ص215-216.
([64]) حيدر الشّهابيّ، نزهة الزمان، طبعة مصر، ص806-808.
([65]) الركيني، جبل عامل في قرن، م.س.، ص68. عادل ومنير إسماعيل، الصراع الدولي، 1/1، ص86-95-96.
([66]) الركيني، جبل عامل في قرن، م.س.، ص61-66. عادل ومنير إسماعيل، الصراع الدولي، 1/1، ص90.
([68]) الركيني، م.س.، ص77-78. جورج يني، مجلة المقتطف، العدد 28، ص463.
([69]) ميخائيل مشاقة، الجواب على اقتراح الأحباب، م.س.، ص5.
([70]) ميخائيل مشاقة، الجواب على اقتراح الأحباب، م.س.، ص7.
([73]) الركيني، م.س.، ص95-97. محمد جابر آل صفا، تاريخ جبل عامل، م.س.، ص136-138.
([74]) محمد جابر آل صفا، تاريخ، م.س.، ص140-141. إبراهيم العورة، تاريخ ولاية سليمان باشا العادل، نشر قسطنطين باشا، صيدا 1936، ص 43-48-50-51.
([75]) الركيني، م.س.، ص138-139. الشّهابيّ، ج3، ص712-717.
([76]) محمد جابر آل صفا، تاريخ، م.س.، ص58.
([77]) محمد جابر آل صفا، تاريخ، م.س.، ص150.
([78]) لبنان في تاريخه وتراثه، ص 330.
([79]) محسن الأمين، أعيان الشّيعة، ج11، م.س.، ص337.
([80]) انظر: ما أورده أسد رستم نقلًا عن الوثائق المصرية، مجلد الرابع، ص250-280.
([81]) محمد جابر آل صفا، تاريخ، م.س.، ص148.
([82]) جلال أحمد أمين، المشرق العربي والغرب، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1979، ص15.
([83]) أ.ن. بولياك، الإقطاعية في مصر، سوريا، فلسطين ولبنان، ترجمة عاطف كرم، بيروت 1948، ص210-212.
([84]) فيليب حتّي، لبنان في التاريخ، ترجمة أنيس فريحة، دار الثقافة، بيروت 1959، ص831.
([85]) انظر: بازيلي، سوريا لبنان وفلسطين، تحت الحكم التركي من الناحيتين السياسية والتاريخية، ترجمة يسر جابر، ط1، دار الحداثة، بيروت 1988، ص206.
([86]) انظر: سجلاّت محكمة صور الشرعية.
([87]) Adel Ismail:Docu93,p:310-311.
([88]) محمد جابر آل صفا، تاريخ، م.س.، ص151.