إشكاليات المسار الفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ للأدب
د. عليّ أحمد الأحمد([1])
المقدمة
تهدف هذه الدراسة إلى محاولة التّوصل إلى توصيف دقيق للعلاقة بين المسار السياسيّ والاجتماعيّ في الأدب العربيّ، فضلّا عن التّطرق إلى معالجة نقطة أساسيّة في التّحليل تتمحور حول إشكاليّة التّواصل اللغويّ في المجتمع، تلك التي كانت نتيجة حتميّة للتأثيرات السّلبية التي خلفتها ظاهرة العولمة على البنى الاجتماعيّة، فهي من أكثر المنافذ المستخدمة أهمّية من أجل الولوج إلى عمق الثقافة والبنيّة الاجتماعيّة، وصياغتها وتوريثها لتكون بذلك واحدة من أكثر العوامل الأساسية أهمّية في تكوين المجتمع وبنائه، لتشارك وبشكل أساسي وفعال في تحديد الهوية الجماعيّة للمجموعة البشريّة التي تتحدث بها، هذا الذي يؤكد وجود علاقة بين كل من اللغة والمجتمع، فهما وجهان لعملة واحدة، أيّ أنّ الأدب يمكن أن يكون مرآة لكل ما يدور في المجتمع، وبقدر جديته وتركيزه على القضايا الإنسانيّة، يكون نجاحه في أن يتحول إلى جزء من الواقع الاجتماعيّ، وليس مجرد انعكاس له، فكم من روايات غيرت مجرى حياة الكثير من الناس، بل غيرت مفاهيم متجذرة في المجتمع. ونحن حين نحاول إرسال بعض هذه الأضواء، بما ننتجه وما نقدّمه من إانتاج الآخرين، لا نريد ولا نستطيع أن نفرض اتجاهًا، أو نلزم أحدًا، فإنّ في ذلك اعتداء على حرية الأديب الفنان ومحاولةً لخنق إبداعه، وكل ما نريده أن نقرّر واقعًا قد يكون خافيًا على الكثير، ونعتقد أنّه في الكشف عنه نسهم في توعية الكاتب والقارئ معًا على قضايا عصره ومشكلات وجوده.
وتنطلق الدّراسة من الإشكاليّة الآتية : هل يعيش أدبنا حياتنا؟ هذا هو الاستفتاء الذي وجهته الآداب إلى فريق من الأدباء المعاصرين العرب. وسوف يرى القارئ أنّ في الأجوبة اختلافًا وتناقضًا كبيرين، نحن نرى في ذلك دليلًا جديدًا على أن من أهم واجباتنا أن نهتم بمنهج العمل قبل أن نبدأ العمل، ولا سيما أنّنا في مرحلة نهضة حضارية جديدة ستقرّر قيمة وجودنا إلى بضعة أجيال. المغزى في ما نحن بصدده من علاقة لمسار الأدب العربيّ بالحياة، هي أنّ أدبنا يستطيع أن يكون قوة رئيسة فاعلة في هدم أوضاع اجتماعيّة فاسدة، وتشييد أركان جديدة تقوم على روح التّقدّم والوعيّ.
إشكاليات الأدب في المضمون والوظيفة
الأدب ليس في شكله فقط، بل شكله ومضمونه متحدين متوافقين، وكما أرى أنّ الأدب ينبغي له أن يتمترس بقضايا العصر ومشاكله، ويميز مع ذلك ظواهر الحياة النّامية حوله من ظواهرها التي تذبل وتضمحل، ويتعلق بالمواضيع التي تبرز من جراء ذلك وتشتد وتلح. هنا لا بد للأدب من عنصر عدم انسجام بينه وبين الموضوعات حوله، آية ذلك أنّ ” المثقف في مضمونه هو إنسان علم ومعرفة ومواقف حضاريّة شاملة تجاه كلّ من الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة ” ([1]) لا بد في الأدب من نقد للأشياء حوله مع ما في هذه الأشياء. وبما أنّ تاريخ الآداب لا يستطيع أن يستقل، ولا أن يكون علمًا منفصلًا قائمًا بنفسه، بينه وبين الحياة الأدبية من البعد مثل ما بين التّاريخ والمسار السياسيّ والحياة السياسيّة، المسافة نفسها، وقد أثّرت بدورها في أمور كثيرة حصلت في بلاد العرب، ومنها الـتأثير في وظيفة الأدب التي واكبت هذه المسارات وتطوّراتها، فتأثّرت بها، وكانت نوعًا من الاستجابة لفاعليتها، لذلك فإنّ النظرة إلى هذه المسارات، ينبغي أن تكون في نطاق العلاقات الصّراعيّة المتحفّزة للانتقال إلى الجديد، والمتمثّل بالمستجدّ، ذلك الجديد الذي يقلق ويبهر في آن واحد، و كان مبعث خلاف في وجهات نظر كثيرة، ضمن هذه المسارات الصّراعّية لوظيفة الأدب التي كانت بدورها صراعًا مميتًاحينًا ومحيية حينًا آخر. لذلك كان ثمّة اتجاهات مختلفة أوجدتها لوازم هذا التّطور، ودفعت بها إلى الواجهة، في شيء من الاعتناق المتشدّد مرّة والمتساهل غير مرّة، المسؤول حينًا والعابث حينًا آخر.
كثيرة هي المشكلات التي يجابهها عالمنا العربيّ في مختلف شؤون حياته، وفي أقطاره عدّة. ففي الحياة الاجتماعيّة مشكلات الفقر والمرض والاقطاع والإجرام واللاجئين. وفي الحياة السياسيّة قضية الصّلة بين المواطن والحاكم، وأزمات الحكم واختلاف الأحزاب وتضارب الفلسفات العقائديّة، ومطامع الاستعمار، وفي الحياة الاقتصاديّة مشكلات الإنماء والمواصلات واستقلال النّقد، وفي الحياة الفكريّة مشكلات التّعليم والأمّية والجهل ومشكلات اللغة في قضيّة الفصحى والعاميّة وفي المصطلحات الحديثة. ولكل قطر مشكلاته الخاصة به، ومشكلاته في علاقاته بسائر الأقطار العربيّة، ولا تكاد بعض الحلول الآنيّة توضع لعلاج أجزاء من المشكلات الأخرى فقد تضخمت وتعقدت وتوالدت… وإذا كان على المفكر العربيّ في الأحوال العاديّة واجب الإسهام في معالجة قضايا وطنه، فإنّ ما بَلَغه المجتمع العربيّ اليوم من تعقد الخصائص والمميزات وما يجتازه من مرحلة بالغة الدّقة والحرج، يفرض على كل مفكر فيه أن يَهَب فكره بتضحية وسخاء وحماسة ليعالج مشكلات وطن يسير نحو مستقبل غامض، في تخبط وقلق.
لا ريب في أن تعاون رجال الفكر، وتعرّفهم إلى اتجاهات كل منهم، وتبادل الفائدة من خبرات بعضهم بعضًا بحيث تكمل معرفةُ فئة معرفة أخرى، وبحيث يلتقي الفكر السياسيّ، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ والحقوقيّ، ويلتقي المؤرخ والفنان والفيلسوف، فتغنى المواهب، وتتنوع، وينشأ نوع من الشّمول في دراسة مشاكلنا العربيّة على الصعد كافة، إنّ الدور الذي ينبغي أن يقوم به الفكر: دور المثقفين المخلصين، هو في الحقيقة دور خطير في مثل هذه اللحظات الحسّاسة من تاريخ الشّعوب، فلا وسيلة للسّيطرة على مسارات المعارك الكبرى التي تخوضها تلك الشّعوب إلا بفهم مصدر هذه المعارك، وأهدافها فهمًا موضوعيًا كاملًا، ثم العمل على إبراز الغايات الحقيقيّة لمثل هذه المعارك، فهي بتضحياتها الكثيرة إنّما تهدف إلى تحقيق غايات موضوعيّة مرتبطة بمصائرها الكبرى في الحياة. مصيرها الاقتصاديّ، مصيرها الفكريّ، مصيرها الاجتماعيّ، ومن الجائز أن تكون غالبية عظمى من أبناء هذه الشّعوب، وهي مثقلة بالجهل والإعياء، غير واعية تمامًا لما تهدف إليه، وهنا يكون دور الفكر أيضًا هو أن يوضح العناصر المتعدّدة لأهداف هذه الغالبية المجتهدة من وراء معاركها الدّامية. وعلى المثقفين أن يقوموا بأداء هذا الدّور، وأن يعملوا في تآزر مخلص، وجهد صادق، والتزام واعٍ على توضيح هذه المسارات وأهدافها، وليكن ذلك عن كل طريق يمكن الوصول من خلاله إلى عقول أبناء الشّعب وقلوبهم، وأي إهمال في أداء هذا الدّور الفكريّ في تحديد مسارات النّهضة التّاريخيّة للشّعوب هو مساعدة مباشرة على تبديد قوى تلك الشّعوب وإتاحة الفرصة لتدخل عناصر خارجية في تحديد مصيرها، وإثارة الضباب في وجه أهدافها الحقيقية الصريحة. وغالبًا ما تكون هذه العناصر الخارجية ذات مصالح متناقضة مع مصالح الشّعوب نفسها، فلن يكون تدخلها أبدًا في صالح تلك الشّعوب، وأهدافها الحقيقية، آية ذلك أنّ رصد هذه المسارات يعيدنا إلى البدايات الأولى للنّهوض العربيّ الذي أنجز بعضه على صفحات الأدب قبيل القرن العشرين. وهو رصد يجد مسوّغه في جملة من التحوّلات النّفسيّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، والثقافيّة. وهي التي طرأت على المجتمع العربيّ، وأخرجت الدّفين إلى الوجود، سواء أكان في النّفس أم في بطون التراث. وما كان ذلك ليتمّ إلا بسلسلةٍ من الحلقات التّطوّرية، فعلت فيها العوامل الدّاخليّة والخارجيّة فعلها، وأظهرتها على الصورة التي انتهت إليها في كل مرحلة. وظلّت هذه المراحل مفتوحة على أخرى، كما ظلّت المسارات المتعدّدة بدورها مفتوحة على التّجارب، والحلول تتجدّد، وتتغيّر، وتتطور بفعل العوامل الموضوعيّة التي أثّرت تأثيرًا كبيرًا في الوجود العربيّ، وفي التّعبير عنه، عبر التنقّل بالأدب، أيضًا من وظيفة إلى أخرى، تأخذ شكل الحدث، والزمن، والمكان، والظّروف في وقت واحد لمسار التّغيير في العالم العربي ابتداء من العوامل النّفسيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، مرورًا بالمسارات السياسيّة، والثقافية وصولاً إلى وظيفة الكتابة والتّعبير، “لذلك رأينا الثورة الفرنسيّة، مثلاً، تضع الحرية على رأس شعاراتها حينما أرادت أن تعيد للإنسان اعتباره، وقد تحرك المجتمع العربيّ يطلب التحرر”([2])، وهي قضية تشغل الشّعوب عمومًا والشّعب العربيّ على وجه الخصوص التي تبرز اليوم على مسرح الفكر والحياة في مرحلة من مراحل تاريخها، هذه القضية تعالج بصورة موضوعية قضايا المجتمع، ووظيفة الأدب، ونطاق التّغيير، وفيه جاء الحديث عن الإشكالية المطروحة، وعلاقة الأدب بالمجتمع المنتج في هذه الإشكاليّة، لأزمان التحوّل، وتناوبات الوظيفة الأدبيّة. وفي تلك الوقائع نلاحظ أنّ الأدب خطا خطوات ناجحة باتجاه تمثيل الحياة وما يجري في المجتمع من تغيّر وتبدل. وكانت الصحافة قد أدّت دورها المهم في نقل الأساليب الكتابيّة من حالة الضَعف، والركاكة، والعاميّة، والتّصنيع، إلى حالة العربية الفصحى، ومن ثمَّ إلى حالة جديدة من الكتابة العصرية الجديدة المقتفية آثار الغرب في الكتابة السهلة المستمدة مفرداتها وتعابيرها من الواقع الجديد، ولذلك وجدنا التطوّر الأدبي في تلك الحِقبة ينهل من مناهل متعدّدة، يأتي في مقدمها وأكثرها أهمية: الواقع بمشكلاته العديدة والمتتاليّة، وثانيها: من هموم الشّعب وتطلعاته، وثالثها: من التفاعل الحرّ بين الشّرق والغرب، هذا التفّاعل الذي يجري من دون إذن من أحد، سواء أكان عربيًا أم أجنبيًا. تفاعلٌ تقدّمه الحياة على أنّه ضروري لكلّ أمة تريد الخير لنفسها وللعالم بأسره. ولقد كان الأدب يعكس هذه التّطورات ويدخل في أجواء جديدة من التّعبير عن الواقع المستجد، لا سيّما في مرحلة مفترق الطرق الجديدة التي شهدها الرّبع الأول من القرن العشرين.
واستجابة لهذا الواقع انبثق أدب جديد يختزن في تجاربه رؤية فنّية جديدة، على أنّ النّظرة العامة إلى عمليات التّشكيل الجميل تعطينا أولى درجات المعرفة به. أولى الدرجات، وليست أسماها، ولا أحكمها، فإذا سألنا: ما الفن؟ كان أول ما ينهض أمامنا قيمته الجماليّة التي يخاطبنا بها ويمزجنا فيها، وهذه القيمة نفسها معقدة تعقيدًا لا سبيل إلى إنكاره، أو الغض منه. “وكان للظروف السياسيّة، والاجتماعيّة تأثير بالغ في عملية الانبعاث، الأمر الذي دفع الذّات القوميّة إلى البروز في نواحٍ عدّة حركها خصوصًا في عملية التّحرير السياسيّ، والتّعبير عن المنطلقات الجديدة للفكر العربيّ الحديث”([3]) إنّها تعطينا التّفسير الوجدانيّ للحياة كما يعطي العلم التّفسير التّجريبيّ، وكما يعطي الدّين التّفسير الغيبيّ، والفلسفة التّفسير العقليّ! والتشكيل الجميل أول حدود الفن لنقول بتفاوته وتععدّد الأذواق في قبوله أو رفضه، إذ ليس يستلزم أن يكون كل جميل جميلاً عند الجميع، لسبب ظاهر هو تعدّد جهاز الحسّ في كل نفس، ومع ذلك فلا شك في أن هناك عناصر تعمل على تحريك الجهاز، وتعمل على الإثارة والمتعة. حتى لنستطيع بسهولة أن نتعمق آراء آية “جوته” في دراسته للأشكال الطّبيعية، وكان قد انتهى إلى أنّ الفن عملية تحوّل وتكوّن لها، ذلك أنّ الفنان لا يجد الجمال بقدر ما يحدده ويقرره… يحدده ويقرره في أشكال نستطيع أن نلمحها حتى في قصيدة الشّعر! يمتاز الفنّ إذًا بالشكل الجميل أيًا كان هذا الفن، وأيًا كان نوعه، وطبيعته، ومسارته المتجددة، فكان الأدب المهجريّ الذي ولد معظم روّاده في نهايات القرن التّاسع عشر، يجرج إلى الوجود بحلّة جديدة، قوامها الوعيّ الرومنطيقيّ المبشّر بثورة فنّيّة، وفكريّة جديدة إلى جانب ثورته المتعددة الوجوه: ضد الإقطاع، ورجال الدّين، والحكام، والمتنفّذين، وأشكال الاستعمار… وهو ما مثلّه أدب جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، وإلياس فرحات، ورشيد سليم الخوري (القروي)، وفوزي المعلوف، وسلمى صايغ، وأمين الريحاني، وسواهم كثير. وهي نظرة تحتمل دوام الحراك الاجتماعيّ واستمراره، وفي هذا الحراك تبدو وظيفة الأدب متغيّرة بحسب الواقع واستعداد الإنسان للتغير، بما يحمله هذا الاستعداد من أسلحة تغيير، ووعي، وفن، واستنارة، وتجدّد الظواهر، ثم متابعة هذا التجدّد وإغناؤه من جديد انطلاقًا من المستجدات الاجتماعيّة.
إشكاليات المسار السياسيّ والاجتماعيّ للأدب العربيّ
لا بدّ من التأكيد بدايةً أنّ الفصل بين المسارات المتعدّدة أمر في غاية الصعوبة، نظرًا إلى تداخل السياسيّ، والاجتماعيّ، والثّقافيّ بالنّفسيّ. ويأتي الأدب ليشغل مكانته في التّعبير عنها جميعًا. إنّ الخوض في مجال المسار السياسيّ – الاجتماعيّ في الحِقبة التي نتناول الأدب فيها، لا يمكن أن يخرج عن الترسيمة العامة لمسار التّطورات المتعدّدة منذ النّهضة حتى العام 1970، وربما إلى الوقت الراهن. وهذه التّرسيمة يمكن أن تكون على الشكل الآتي:
مقدّمات ما قبل النّهضة – بَدء النّهضة – التفاعلات المتعدّدة الدّاخلية خلال المائة سنة الأولى – مرحلة الانتقال من حكم إلى آخر – مرحلة ما بين الحربين – مرحلة ما بعد الحرب الثانية إلى العام 1970 – مرحلة ما بعد السبعين – مرحلة العولمة. وقد يكون الوقوف في محطة الانتقال (1900-1914) هو الأمر الذي يعنينا في مجال دراستنا هذه، وهي كما تبدو من التّرسيمة غير منقطعة عن الماضي، وبالتالي تشكّل نطاقًا للتطورات الحاصلة في ما بعد.
وما مرحلة الانتقال المنوّه بها آنفًا، إلا نتيجة لما حصل أولًا، وركيزة لما استجدّ لاحقًا. والتعاطي مع موضوع وظيفة الأدب سيكون على هذا الأساس، أي عبر سبر غوره في المحطات الرئيسة التي قطعها المسار السياسيّ – الاجتماعيّ للمجتمع العربيّ. وهي مرحلة بدأت تتخلّق فيها أشياء جديدة مواكبة لدقائق التّطور الحاصل، وكانت وظيفة الأدب أن يعيش ضمن الممهّدات الأولى للنّهضة ومقوّماتها ونتائجها، ويبتكر إبداعاته في ضوئها: عاليًا بعلوّها وهابطًا بهبوطها. فالجديد الذي ينمو في رحم القديم يلزمه دائمًا المزيد من المواجهات، والتّضحيات حتى يثبت وجوده. والجديد دائمًا مرهوب منه، ومرغوب فيه، ومشكوك فيه حتى تثبت إيجابيته، لذلك كانت خطورة وظيفة الأدب في رحلتها الطّويلة. فعندما بدأ الرواد خلال القرن التّاسع عشر يكتبون الرواية، أو يقتبسونها، أو يترجمونها، أحدث ذلك في البداية معارضة شديدة من المتزمتين. وتحفظت على بعض المواقف المنبِّهة إلى خطورة الرّواية على الأجيال، ولا سيما النساء.
وفي هذا الصدد، أوردت جريدة صدى بابل في العام 1909 نداء إلى الفتاة العربية تحذّرها من قراءة الروايات الخيالية، “لأنّها غالبًا ما تحرّك القلب حَراكًا شديدًا تخرجه عن طور المحبة المعتدل إلى الإحساس الشديد، بل إلى الهيجان العصبيّ، فتتولّد الأوهام ويُؤسر القلب الحرّ برباطات خيالية لا تجدي نفعًا”([4])، ولقد ظهرت في الأدب صورة تلك المرحلة، أدب يرتدّ إلى الذات ويصوّر الشخصيّة العربيّة في ماضيها وحاضرها، ويستلهم التّراث ويعيده إلى الواجهة، وفاق منهج جديد يعتمد العصريّة، والبحث عن سمات التقدّم. لذلك ظهرت الرّواية الفنيّة فكتب أصحابها عن مشكلاتها الوطن وهمومه. وهذا الأمر غالبًا ما يحصل في المجتمعات التي تتعرّض للتبدّل، والتّغيير في شؤونها العامة، خصوصًا تلك التي تشكّل المعتقدات والخصوصية، وتلك التي تقف على مفترق طرق للانتقال إلى تفكير آخرَين وسلوكهم.
إنّ حمْل الأدب قضايا أساسية ومفصليّة، عند تحديد مشكلات المجتمع، أمر يحتاج إلى كثير من الانتباه، نظرًا إلى تشابك الوظائف وتداخلها.” والواقع أنّه ليس لدينا مفهوم واحد للأدب، بل مئات المفاهيم المتشابهة حينًا والمتباينة حينًا آخر، والتي لا نستطيع أن نحكم بصحتها، أو بخطأها بشكل جازم ومؤكد. ثم إنّ مفهوم الأدب ليس ثابتًا، إنّما هو مفهوم متغير بتغير العصور والبيئات والظّروف”([5])
في ضوء ذلك نتناول المسار السياسيّ والاجتماعيّ والتّعبير عنه. ولا يستقيم الكلام عليه إلا بالعودة إلى المقدّمات الطويلة التي سبقت المرحلة التي نحن بصددها، أيّ منذ سقوط بغداد في العام 1258، وقد تبدّلت مسميات العروش من صفويّ إلى مملوكيّ إلى عثمانيّ. وربما كان هذا الأخير أكثر فاعليّة في ما جرى في المجتمع العربيّ، وقد كثر التساؤل حوله: أهو حكم إسلاميّ، كما يدّعي أصحابه؟ وإذا كان كذلك، فهل يوصي الإسلام الناس بأن يعاملوا بعضهم بمثل هذه المعاملة القاسية؟ لذلك اختلف الدّارسون حول تاريخ العثمانيّين، فقد رأى بعضهم أنّه “امتداد للتّاريخ العربيّ، أو على الأقل هو استمرار للدول العربيّة الإسلاميّة السّابقة، ورأى البعض الآخر “أنّه غير عربيّ، وإن كانت الأسرة التّركيّة التي نهضت به مسلمة”([6]). فلأول مرّة تخرج عاصمة المسلمين من نطاق بلاد العرب لتكون القسطنطينية أو أدرنة، ولأول مرّة تخرج اللغة العربية من وظيفتها الرّسمية بوصفها لغة للدولة الإسلاميّة لتحلّ محلّها التّركية، وبالتالي فإنّ المجتمع العثمانيّ ودولته بُنيت على خليط من عناصر وقواعد هي خليط من التّركيّة، والبيزنطيّة، والفارسيّة، والعربيّة([7]). كما أُشكل على كثير من العرب تحديد العلاقة مع هذا النّظام: أهو احتلال، أم سيطرة، أم وجود، أم سيادة شرعية، أم استعمار؟
وكانت الحقيقة تتبدّى لقسم من الدّارسين بأنّ الأتراك غير عرب، احتلّوا بلاد العرب عنوة، ولم يحكموا بموجب الإسلام، وعيّنوا حكّامًا منهم عليها، ولم يشاركوا العرب في الحكم، بل أبعدوهم عنوة، وبموجب قرار جاء عبر ردّ على بعض المشايخ السائلين عن مصير مشاركتهم في الحكم: “فوالله لو دخلتم هذه المناصب الدّينية لَفَسُدَت وبُدِّلت الحقيقة بالمجاز، وما تجعلونه حجّة من استعمالنا لهذه القوانين في الأحكام الشّرعيّة لها أصل معتبر في الشّرع العزيز، يعلمها من تقدّم في فهم الكتاب والسنّة. فلا تحدّثوا أنفسكم بالتّقديم لهذه المراتب، فإنّ ولايتكم لها هي ابتداء المفاسد. فاقنعوا بما ترزقونه في الملازمة، والتّدريس، وما تنتفعون به من الكتابة، والصحبة لكلّ رئيس”([8]).
وبالطبع سيكون لذلك تأثير كبير في دور العرب الذي أصبح هامشيًا شيئًا فشيئًا، الأمر الذي انسحب على مجمل شؤون الحياة بما فيها الإبداع الأدبيّ، حيث تراجعت وظيفة الأدب من الواجهة المضيئة إلى الوراء المظلم.
وسيمرّ حينٌ من الدّهر (1516-1914) ترى فيه العرب خارج السّلطة، وخارج الفعل الماديّ، والعطاء المعنويّ الفكريّ، وهو الأمر الذي أعطاهم الحقّ في المطالبة بالتحرّر، والاستقلال، وضرورة النهوض. واجه العرب إذًا متسلّطًا آخر بعد التسلّط الصفوي، لم يشعروا كثيراً بالفروق بينهما، بل إنّ الثاني أمعن في تغييبهم عن تاريخهم، وأبعدهم عن الحفاظ على أمنهم باستقدامه فرقًا من المرتزقة والإنكشاريّة، ولم يحظوا إلاّ بنظام “السّخرة” العسكريّة التي فُرضت عليهم ابتداء من نهايات القرن التّاسع عشر لحماية الأتراك، وليس لحماية أنفسهم بالذّات. وكانت قد ترسبت في نفوس العرب صور مقيتة من الوحشيّة، والقسوة، والتّدمير، والخراب، والتّشريد، والقتل، يوم دخل الأتراك بلادهم حربًا، وليس سلمًا. كما ترسّخ الانطباع لديهم بأنّ العثمانيين ليسوا دعاة حضارة، ولا علم، ولا أدب، ولا معرفة، عمومًا، ولم يستفيدوا من التقدّم الحاصل في أوروبا، واكتفوا في ميدان الاقتصاد بدور المستهلك، وليس المنتج، وتحوّل ولاتهم إلى نهمين للمال، وشرهين للظلم. لذلك كانت وجهة العرب باتجاه الغرب حينما فكّروا في التغيير، في حين لم يكن لديهم إلاّ موروثهم. فبدأوا بالأخذ من الغرب، وليس من تركيا التي لم يكن لديها شيء لتعطيه، بل آثرت الحياة الرتيبة العقيمة الخالية من عناصر القوّة، إلاّ قوّة البطش والتنكيل، وسياسة “فرِّق تَسُد”، واللعب بالأمراء والولاة، وبمصادر عيش الناس، ودعم هذا الإقطاعيّ ضدّ ذاك، ودفع الناس إلى الاقتتال في ما بينهم، ومنح الإقطاعي “سلطة القتل وتشويه أخلاق الشّعب”([9]).
لقد أفضى ذلك كلّه إلى نتائج خطيرة على مستوى مصير الدّولة العثمانيّة، فكثرت فيها العلل، وكثر المنشقّون عنها، وازدادت فاعليات التّدخل الأجنبيّ في رقعتها، وانهار اقتصادها، وشلّت حركة الحياة فيها، وهو الأمر الذي توقّف العرب عنده مليًّا، فقويت نزعة المطالبة بالاستقلال، وإثبات الشّخصيّة، والتّبصّر بالأمور، يوم رأوا هذا الضّعف الشّديد المستبدّ بتلك الدّولة، فبدأوا نهضتهم، ونجحت بعض انتفاضاتهم في إيصال محمّد عليّ باشا إلى الحكم، وهو الذي حاول أن ينهض ببلاد العرب إلى مستوى الدّول الراقيّة، “وكان محمّد عليّ باشا يأمر بترجمة الكتب التي يرى له ولمصر فائدة منها، ويوزعها على الأعيان والمكاتب، وربما طلب كتب من أوروبا إذا رأى فيها حاجة”([10]) على غرار أوروبا، بعد أن استفاد من تدهور تركيا على جميع المستويات: في السياسة، والاقتصاد، والوضع الاجتماعيّ، والضَّعف العسكريّ…
وإن لم ينجح محمّد عليّ باشا في إقامة دولة عربيّة موحدة، فقد نجح في جعل مصر تتمتّع بنوع من الخصوصيّة، أدّت إلى الالتفات إلى القضايا الدّاخليّة، والعمل على إقامة الدولة العصرية بمستلزماتها الكثيرة.
إنّ إخفاق محمّد عليّ في هدفه العام كان بدافع خارجيّ، إذ وجد بعض الغربيين فيه خطرًا على مصالحهم، فأوقفوا زحفه، وجعلوه يحكم مصر وحدها. وكانت نتائج حركته قد فتحت عهدًا جديدًا من التّدخل الأوروبيّ في بلاد العرب سياسيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وثقافيًّا، فتحوّلت إلى مستعمرات وأسواق للغرب، فَنَمَت الرساميل الأجنبية، وسيطرت احتكاراتها على مقدرات البلاد، الأمر الذي حوّل بلاد العرب إلى سوق استهلاك للأجنبيّ، على حساب انتاج البلاد الحرفيّ الذي كان آخذاً في النّموّ، فخرّب، ونمت على هامشه بورجوازية طفيليّة أدّت دور الوسيط في أحسن حالاتها. وقد أدّى ذلك إلى توسّع المدن العربيّة، وإلى نموّها الاقتصاديّ، خصوصًا التّجاريّ، والاجتماعيّ، والثقافيّ، وشقّت طرق المواصلات، وقويت الزّراعة، واتخذت سمة الاقتصاد البضائعيّ، وبذلك أخذت البلاد العربيّة تنضمّ شيئًا فشيئًا إلى السّوق الرّأسماليّة العالميّة بوصفه تابعًا يمدّها بالمواد الأوليّة، والخامات الزّراعيّة، في شبه علاقات غير متكافئة، وفي ظلال توسّع نشاطات الإرساليات الأجنبية التي عملت على توسيع نفوذ بلادها.
حول بدايات القرن العشرين
ولقد شهدت أخريات القرن التّاسع عشر والقسم الأكبر من القرن العشرين تسارعًا في الأحداث، وقد يطول الكلام حولها، لذلك يمكن الإشارة إليها سريعًا نظرًا إلى ما لها من أهمية في المرحلة التي نتناولها. وهي تتركّز في جملة من التّطورات التي أفضت إلى الأوضاع الجديدة التي دشّنت صفحات مليئة بالاضطراب من تاريخ العرب الحديث، وهي لأهميتها نجد أنّ الأدب قد ارتبط بها ارتباطًا وثيقًا.
فعلى وقع التخلّف داخل تركيا وفي ولاياتها، طالب الإصلاحيون بتغيير الأوضاع، والإفساح في المجال للتّحوّلات الديمقراطيّة أن تصيب هذه الرّقعة الواسعة التي بدأت تتهاوى تحت ضربات متعدّدة، من ذلك أنّ بعض الغرب أخذ يشدّد قبضته على امتيازاته، ومكتسباته في هذه السلطنة، بعدما ما تأكد له من خلال الإرساليات، والمبشّرين، والسلسلة الطويلة من الرّحلات الاستكشافيّة التي كانت مَهَمَّتها أن تضع المؤلفات والتّقارير عن كل شيء في أحوال الشّرق، وأن تشكّل مقدّمات لما حصل في ما بعد([11]). ومن ذلك أيضًا سوء الأحوال العامة، وتحرّكات الأقاليم من أجل الاستقلال، حيث فقدت تركيا قسمًا من سلطنتها في أوروبا (بلغاريا، ورومانيا، واليونان، والصرب، والجبل الأسود…)، وقيام حركة محمّد عليّ باشا، وتعاظم خطرها بعد حملة بونابرت، وبروز الحركات الجهاديّة العربيّة والإسلاميّة، مثل: الحركة الوهابيّة في الجزيرة العربيّة (1844)، وحركة الأمير عبد القادر الجزائريّ (1832-1847)، والحركة المهديّة في السّودان (1881-1898)، وحركة بعض الضباط الأحرار بقيادة أحمد عرابيّ في مصر (1884)، وبروز الزّعيم المصري مصطفى كامل بعد حادثة دنشوايّ الذي ذهب ضحيتها آلاف المصريين على يد الإنكليز (1906)، وظهور عمر المختار في ليبيا وحركته لمناوئة الإيطاليين التي استمرّت ثلاث عشرة سنة (1912-1925)، والثورات المتتالية في أصقاع كثيرة من الوطن العربيّ مطالبة بالاستقلال عن الدّول الغربيّة: ثورة حسين شريف مكة (1916)، وثورة العراق (1916، و1917، و1918، و1920)، والثورة المصريّة بقيادة سعد زغلول (1919)، والثّورة السّورية (1925)، ومعارك الاستقلال في لبنان (1943)، والثّورات الفلسطينيّة المتتالية (خصوصًا سنة 1936)، وثورة يوليو في مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر (1952)، والثورة العراقية مجددًا (1958)، وثورة اليمن (1964)، والجزائر (1962)، وليبيا (1969). وغيرها كثير من الانتفاضات التي عرفها العرب إبّان الحكم التركي والاستعمار الغربيّ.
تلك التّحركات جميعها مدفوعة بالمطالبة بالحرّية والاستقلال، لم تكن سلاحًا عسكريًا وحسب، بل حملت سلاحًا ثقافيًّا لمواجهة الأمرين: الواقع التّركي، والغزو الثقافيّ الغربيّ([12]). وقد مهّدت الحالة التي وصلت إليها تركيا إلى دفع فئة من المثفين في الدّولة العثمانيّة المتشرّبين مبادئ الثورة الفرنسيّة إلى القول: “إنّ أساليب عبد الحميد لا تقدّم الحلول النّاجعة لتخليص السفينة من الغرق، فلا بدّ من دستور ولا بدّ من مجلس نواب، ولا بدّ من الاتصال بالحضارة الغربية اتصالًا وثيقًا ومباشرًا حتى تنهض البلاد من كبوتها”([13]). وحاول عبد الحميد أن يفي بوعده، فحقق ما طالب به المطالبون، ومنح الدستور، وسمح بالانتخابات النيابيّة، لكنّ ذلك لم يعمّر إلاّ شهورًا، فارتدّ السلطان عبد الحميد عن منحه هذا، لكنّه عاد بعد عشرات السنين إلى إقرار الدّستور، والحكم النيابيّ من جديد سنة 1908([14]). إنّ مؤرّخ تلك المراحل يثبت بالبراهين والأدلّة ذلك التّسابق الغربيّ إلى احتلال الأراضي العربية مستفيدًا من “الرّجل المريض”، تركيا. وقد أعلن الإنكليز في أثناء احتلالهم العراق أنّهم “لا يستهدفون من حربهم هذه ضمّ أرض جديدة، أو إلحاق مدن أخرى بأراضيهم، وأنهم إنّما يحاربون لتحرير الشّعوب التي ترزح تحت الطغيان الألمانيّ، وليست لهم أي نيّة في أي توسّع إقليمي”([15]).
وبالطبع كان ذلك زورًا وبهتانًا، لأنّ معاهدة سايكس بيكو التي فضحتها الثّورة الرّوسيّة (1917) كانت بمنزلة دليل دامغ على نيّة الغرب اقتسام الشرق، والاقتتال من أجل هذا الاقتسام، وتنفيذ المشاريع الكبرى فيه، ولا سيّما المشروع الصّهيونيّ، والسيطرة السياسيّة، والاقتصاديّة، والثقافيّة الكاملة على بلاد العرب. وعلى الرّغم من استقلال معظم الأقطار العربيّة حتى العام 1970، فإنّه لم ينجز تامًا، بل ظلّت الأزمات تتتالى على المجتمعات العربيّة التي شهدت تبدّلات وتغيّرات في الأنظمة، ولا تزال إلى الآن تعاني هذه الأزمات الحادّة على غير صعيد، خصوصًا أنّ الاستعمار قد أكمل سيطرته على البلاد العربيّة، فإن لم تكن عسكرية كلّها فهي في معظمها سياسيّة اقتصاديّة.
المؤتمرات العامة في وظيفة الأدب (حديثاً)
كان الدّين ولا يزال عنصرًا رئيسًا في تركيب المجتمعات العربيّة، كما هو عنصر رئيس في تركيب الشّخصيّة العربيّة: في عقلها، وتفكيرها، ومشاعرها، وأحاسيسها، وأجوائها. ويمثّل الدّين القسم الأكبر من الثقافة العربيّة في فرعيها: الدّينيّ والدّنيويّ. إلا أنّ الأتراك لم يراعوا هذه النّاحية، ولم يكن الدّين عندهم كذلك، لذلك “أساؤوا استعمال الإسلام في طريقة حكمهم، وتوجههم إلى رعاياهم، وخصوصًا المسلمين”([16]). ولقد أدّت إساءتهم إلى تحوّل ذلك العنصر إلى أداة محرّكة في هذا المجتمع العربيّ الذي رأى من حقّه أن ينهض ويتطوّر ويتحرّر، حتى أصبح الدّين من العوامل الرئيسة في النّهضة الحديثة، ولا سيّما بعد تحوّله إلى منهج في التفكير لدى الكثير من الجماعات، والحركات، والمواقف، والتّطلعات. وهو ما تبنّته الحركات الجهاديّة ابتداء من الحركة الوهابيّة التي تحوّلت إلى اتجاه سياسي دينيّ يطرح فكرة السيطرة على الحكم ضدّ السلطان الجائر البعيد من الإسلام([17]). وفي وجه الغرب الذي حُسِبَ مهدّدًا الدّين، والخصوصيّة العربيّة، والإسلاميّة. وقد أفسح ذلك في المجال للكشف عن دعوات إسلاميّة أخرى، ومنها إلى “الجامعة الإسلاميّة”، وتيقظ فئات من أديان أخرى، الأمر الذي أدّى إلى قيام حركات طائفيّة واسعة النّطاق لم تلبث إلاّ وشبّ القتال بينها، خصوصًا في لبنان. كما أفسحت في المجال لقيام حركات إصلاحيّة في أصقاع العالم الإسلاميّ المتعدّدة. وقد تركّز ذلك في التّحرّك السياسيّ الذي قاده جمال الدّين الأفغانيّ (توفى سنة 1897) باسم حركة “الجامعة الإسلاميّة”، وفي التّوجيه الإصلاحيّ الذي برز فيه أقطاب فاعلون أمثال: المفكر عبد الرحمن الكواكبيّ (المتوفى سنة 1902)، ومحمّد عبده (المتوفى سنة 1905)، وخير الدّين التّونسيّ (متوفى سنة 1879)، ومحمّد رشيد رضا (متوفى سنة 1935)، وطاهر الجزائري (متوفى سنة 1920)، وعبد الحميد بن باديس (متوفى سنة 1940)، وعبد العزيز الثّعالبيّ (متوفى سنة 1944).
والجدير بالذكر أنّ الأفغاني قد تبنّى في دعوته برنامجًا إصلاحيًّا يرى فيه ضرورة نهضة المسلمين ووحدتهم، وكما لم يكن الأمر متيسّرًا لتوحد العرب، فقد نادى بالجامعة الإسلاميّة التي من ضمنها الأتراك وتحت لوائهم. وهي الدّعوة التي تبنّاها السّلطان عبد الحميد الثاني تفاديًا لسقوط دولته، وبذلك تقوى، وتشتدّ، وتقف في وجه الهجمة الغربيّة المتفاقمة الخطر. لكنّ ذلك كان محكوم عليه بالإخفاق لاستمراره في سياسة الظلم، وكبت الحريات، والفتك بالأحرار.
والجدير بالذكر أيضًا أنّ آراء هؤلاء المصلحين، قد تنوّعت وتعدّدت، فإذا كان الأفغانيّ يرى الحلّ يكمن في الإسلام نفسه عن طريق العودة إلى النّص، وفتح باب الاجتهاد، وألاّ خلاف بين جوهر الإسلام والحقائق العلميّة، لأنّ القرآن يحضّ على ذلك([18])، فإنّ تلميذه الإمام محمد عبده قد وافقه، في البداية، في مجمل آرائه، لكنّه عاد وبدّل موقفه من العثمانيين، ومال إلى الطرف الآخر الغربيّ، ونظر إليه باعتدال، مسوّغًا ذلك بقوله: “إنّ الحضارة الصحيحة تتوافق مع الإسلام”([19])، وكان شديد الإعجاب بأوروبا، وبفلاسفتها ولا سيّما “سبنسر” الذي نقل كتابه عن النّص الفرنسيّ، وكان يقول: “ما من مرّة أذهب إلى أوروبا إلاّ ويتجدّد عندي الأمل في تغيير حال المسلمين إلى خير منها”([20]).
وإذا كان الدّين قد ظلّ في صلب النّظرة التّغييريّة لدى الكثير من الفئات الدّينيّة التي استمرت إلى يومنا هذا على شكل أحزاب، وتنظيمات، وتجمّعات، وتيّارات، ففي المقابل كانت نظرات أخرى تنحو بالتفكير العربيّ نحوًا آخر قوامه الاعتماد على مبدأ فصل الدّين عن الدّولة، وكان ذلك بدايات طلائع التّفكير بالعلمنة التي بدأت بشكل مختلط بالدّين مع الطهطاوي، في دعوته إلى إقامة حكم ليبراليّ قائم على حسبان الحرية والعدل والمساواة أساسًا في بناء قاعدة الدّولة، وهو الذي أرسله محمد علي باشا مرشدًا لإحدى البعثات إلى أوروبا انطلاقًا من نظرته الخاصة إلى أوروبا الحديثة “كمجتمع نشيط يستثمر موارده، ويدير شؤونه استنادًا إلى العقل وسياسته على العموم كانت قائمة على المساواة الدّينية”([21]).
وهذا التّفكير بالعلمنة يمكن رصد بداياته منذ حملة نابليون بونابرت، مرورًا بمحمّد عليّ باشا، ومشروعه في إقامة الدّولة الحديثة، وهو الذي “أدرك سرَّ قوّة أوروبا، وسرّ الدّولة الحديثة عمومًا، وحاول تمثّل عناصر ذلك السرّ في الأخذ بالعلم، والتنظيم، والقوّة المادّيّة، والحدّ من منافسة رجال الدّين”([22]). أدّت هذه الدّعوة إلى إحلال القوانين الوضعيّة في نظام الحكم العربيّ، شهدت المزيد من الدّاعين إليها في فكر النّهضة العربيّة الحديثة، وصولًا إلى القرن العشرين، وما جرى فيه من وضع للدساتير الجديدة التي تنوّه بالدّين، ولا تعتمده أساسًا في قوانينها إلاّ في ما ندر.
ويمكن لمن أراد التفصيل حول هذه الدّعوة، العودة إلى فكر رفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك، وفرح أنطون، وشبلي الشميّل، وغيرهم كثير ممن تنكّب الدّعوة القوميّة التي بدأت في أواخر القرن التّاسع عشر، واستمرّت على مدى القرن العشرين. ففي مقابل تحوّل الدّين أو العمل على تحويله إلى سلطة زمنيّة، كانت ثمّة اتجاهات تقول بفصله عن السّلطة، مرتكزة على جملة من الأسس، وفي إحلال العلم وفي جوهره العقل في تناول قضية تنظيم المجتمع سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، والنّظر إلى التّطورات والأحداث نظرة موضوعية تحيل كثيرًا من المسائل إلى سلطان الحياة الجارف المعروف عالميًا، وهو الذي حاول أن يقصي الدّين، ويحلّ محلّه قوانين التّطوّر الطّبيعيّ والقوانين الملائمة للتماشي مع الليبرالية وتطوّر الاقتصاد وموقف النّاس من هذا التّطور.
فقد نقل الطهطاويّ، منذ عهد مبكر من النّهضة، تجربة التّشريع الفرنسيّ بما تتضمنه من تقسيم للسّلطات، وتحديد لسلطة الحاكم، وتعيين حقوق المواطن وواجباته. وكان هذا من شأنه أن يدشّن في التّفكير العربيّ الاتجاه الدّيموقراطيّ الليبراليّ، ويرسى المفهوم التّمثيليّ، ويعرّف حقوق وواجبات الحاكم والمحكوم على السواء([23]).
وقد ساعد العامل القوميّ في أثناء ظهوره على هذا الاتجاه، حيث كانت القومية لا تغير المسلمين وحدهم، بل جميع الطوائف الدّينيّة التي هي عربيّة في الأساس، فأخذت فكرة الجامعة القومية تحلّ محلّ فكرة الجامعة الإسلاميّة. وهو ما دعا إليه إبراهيم اليازجي في شعره، حيث يهيب بالعرب أن يفيقوا ويستيقظوا. وقد قال مارون عبّود فيه: “فلإبراهيم شعر حماسيّ قوميّ أهاب فيه ببني يعرب، يوم كانوا يعملون لاسترداد الملك المفقود. نظم قصيدتين شهيرتين نشرتا غفلاً في بيروت، فأقضتا مضجع الوالي فبثَّ جلاوزته، ورجال شرطته لينتزعوهما عن الجدران، الأولى: ومن البسيط، مطلعها:
تنبّهُوا واستفيقُوا أيُّها العربُ فقدْ طمى الخَطبُ حتّى غَاصتِ الرّكبُ
والثانية: من مجزوء الكامل، مطلعها:
دعْ مجلسَ الغيدِ الأوانسْ وهوَى لواحِظِهَا النّواعسْ([24])
وهذا ما كان يشكّل قسمًا كبيرًا من مضامين شعر خليل مطران، وأدب جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبي ماضي، ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي)، وسواهم.
وإن لم يصرّح هؤلاء علانية بضرورة فصل الدّين عن الدولة، فقد تضمّن أدبهم الاتجاه القومي عمومًا، والثورة على بعض رجال الدّين الذين آزروا الإقطاع في وقوفهم إلى جانبهم في المظالم إلى جانب الحروب الطائفيّة التي كانت تندلع في لبنان، ابتداء من العام 1840م وصولاً إلى زماننا هذا. وقد حمل أدباء العصر على الطائفيّة والتّعصب الدّيني، وكان صوت بطرس البستانيّ على صفحات صحيفته “نفير سوريا” مدوّيًا في ذكر مساوئ هذا الاقتتال.
ويبدو أنّ فكرة التّطوير خارج النّطاق الدّينيّ، قد لقيت رواجًا لدى مفكريّ وأدباء تلك المرحلة. وقد تجسّد ذلك في ما طرح في مؤتمرات([25]) عقدت لغاية ضرورة تقديم الإصلاح على أساس ليبراليّ، وبالتّالي على أساس ديمقراطيّ يشمل جميع فئات النّاس، ومن ذلك ما شهده المؤتمر الأول المنعقد في باريس بتاريخ 18 حزيران في العام 1913. وقد أعلن أحد المشاركين فيه، وهو عبد الحميد الزّهراويّ، ضرورة الاقتباس عن الغرب ولكن بحذر: “الغرب اليوم مقتدى الشّرق، ومهما أردنا أن نقول: إنّه يجب على الشّرقيّ أن يحتاط في ما يريد أخذه من بدع الغرب. فإنّنا لا نستطيع أن ننكر أن عدم اقتباس الشرقيين شيئًا من وسائل حرية الغربيين فيه من الخطر أضعاف أضعاف ما في الجمود على الحالات المعهودة”([26]).
تضع هذه المداخلات الموضوع النّهضويّ في مسار خاص، إلى جانب المسار الدّينيّ الذي بقي موجودًا، على الأقل في كثير من مؤسسات المجتمع المدنيّ والتنظيمات المختلفة. حتى إنّ بعض الأنظمة السياسيّة، على الرّغم من تبنّيها الاتجاه الوضعيّ الليبراليّ، فإنّها كانت تزاوج بين حساب الطوائف، وحساب هذا النّظام المدعو إليه والمعمول به، كحالة لبنان مثلاً.
وكان نتاج فكر كلٍّ من شبلي الشّميّل، وفرح أنطون، وسلامة موسى قد شقّ طريقه في الوجود العربيّ، وكان التّمثيل قد رأى في الدّين عائقًا أمام التّطور، بعد أن أصبحت أزقتها في أيدي حكّام لا يتأخّرون عن استعمال الدّين “سلاحًا للتفريق حتى في الوطن الواحد”([27]). أما “الحكومات فلا يجوز أن يكون لها دين طالما هي تحكم أقوامًا من معتقدات متعدّدة، يطلب منها أن تجمعهم في مصالح اجتماعيّة واحدة مشتركة، وإلاّ كانت هي العاملة على الدّمار”([28]).
ولقد أثرى فرح أنطون في جملة مؤلفاته فكرة الدّولة العلمانيّة في مجموعة آثاره في حيّزها النّظريّ، والآخر التّطبيقيّ الذي جاء على شكل أدبيّ روائيّ أبرزها روايته “المدن الثلاث الدّين والعلم والمال”، حيث يصوّر الصراع المبكر بين الطبقات الاجتماعيّة المتحالف بعضها ضد الآخر، بينما في كتابه عن ابن رشد يرى ألاّ “مدنيّة حقيقيّة ولا تساهل ولا عدل ولا مساواة ولا أمن ولا إلفة ولا حرّية ولا علم ولا فلسفة، ولا تقدّم في الدّاخل إلاّ بفصل السّلطة المدنيّة عن السّلطة الدّينية”([29]).
لقد وُجِدَت هذه التيارات جنبًا إلى جنب، ولم تمنع الدّعوة إلى الفصل بين السلطتين المدنيّة والدّينيّة من استمرار الفكرة الإسلاميّة، وظهور أحزابها مثل “الإخوان المسلمين” في العام 1928 في مصر، وبروز قادتهم مثل: حسن البنّا، وسيّد قطب… حتى إنّ هذه الدعوات جميعها لم تمنع وجود فئات ظلّت متمسّكة بتركيا، وحكم الخلافة حتى رحيلها. وقد ظهر هذا الأمر في نتاج بعض الشّعراء أمثال: أحمد شوقيّ، ومن الكتّاب أمثال: الرّافعيّ ممّن أسفوا على انهيار الدّولة العثمانية([30]).
وهكذا نجد أنّ المسار السياسيّ – الاجتماعيّ قد شهد تطوّرات كثيرة، جعلت الفكر والأدب يتبعانها بأمانة، ويرسمانها بإخلاص. فلقد استمرّت حركة الوعيّ الإسلاميّ متمثّلة بجملة من التّنظيمات أكثرها بروزًا “الإخوان المسلمون” الذين واكبوا مجمل هذه التّطورات إلى يومنا هذا، ونادوا بضرورة الاستيلاء على السّلطة، وإقامة الحكم الإسلاميّ، ولقد اتخذ “الإخوان” أسماء متعدّدة في كل قطر عربيّ، وهذا دليل على سعة انتشارهم. حتى إنّ التّيار الإسلاميّ دخل في تركيب بعض الأحزاب السياسيّة على السّاحة العربيّة، وشكّلت حركة هذا التيار ثقلًا نوعيًا كاد أن يغيّر بعض الأنظمة في الأقطار العربيّة، حتى إنّه تنكّب الكفاح ضدّ الصّهاينة، ودخل في نسيج منظمة التّحرير الفلسطينيّة التي كادت أن تكون الممثّل الشّرعيّ الوحيد للشّعب الفلسطينيّ، قبل أن تحصل فيها الانشقاقات، وتبرز فيها منظمات “الجهاد الإسلاميّ” و”حماس” وبعض الأجنحة داخل المنظمة.
بيد أنّ الحرب العالميّة الكونيّة الأولى قد ولّدت تفكيرًا جديدًا نحا بمراميه نحو الدّاخل، أيّ نحو الشّخصيّة العربيّة التي حاولت الظهور، والالتفات إلى ما عندها وتنميته، بعدما تبيّن لها أنّ الغرب الذي يعطي الحضارة بيد يعطي الدّمار والخراب والقتل والاستعمار بيد أخرى. ولقد ميّز هذا التفكير مرحلة ما بين الحربين العالميتين، وشهد وقائع أكثر موضوعيّة في تجاوب الغرب جعلته يرتد في مواقفه. وهذا ما وجدناه لدى جبران خليل جبران ونعيمة والعقاد وتوفيق الحكيم وطه حسين ومحمد حسين هيكل وغيرهم ممن كتبوا عن عظماء الإسلام ومشاهيره، واستلهموا التّراث الدّينيّ والعربيّ في كتاباتهم، في تعاطٍ حرٍّ لا ينكر على الغرب ثقافته وحضارته. وقد تجلّت الفكرة الإسلاميّة لدى هذا الاتجاه في صوغه الأدبيّ في غير مرمى.
لذلك نجد في هذا الأدب ما يسمى “بالعثمانيّات” التي تمجّد العثمانيّين([31])، كما نجد استلهامات كثير من الفكرة الإسلاميّة التي تدعو إلى أخلاقها، واجتماعياتها، ومبادئها، وإلى توحيد المسلمين والعودة إلى التّراث الدّيني، وهو ما برز في السّلسلة الطويلة من المؤلفات التي ظهرت في تلك المرحلة.
النّزعة القوميّة الفنيّة
كانت الأديان الأخرى الموجودة في بلاد العرب تخطّ لنفسها طرقًا أخرى بغية الوصول إلى أهداف معيّنة. ولقد تعايش العرب، بطوائفهم المتعدّدة، جنبًا إلى جنب في مجتمع واحد، وشاركت هذه الطوائف في هذه الحياة بجوانبها العديدة. إلاّ أنّ العصر الحديث، ابتداء من النّهضة لم يوقظ المسلمين وحدهم، بل أيقظ العرب أيضًا المنتمين إلى الطوائف الأخرى. ومنذ النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر ظهر سعي اليهود إلى إقامة دولة مستقلّة لهم، حتى نالوا الوعد، وعد بلفور بإقامة دولة صهيونيّة في فلسطين، تجمع يهود العالم بالإضافة إلى اليهود العرب، الأمر الذي شكّل معضلة كبيرة لا تزال فصولها تتابع يومًا بعد يوم متمثّلة في الصراع المميت بين الصّهيونيّة وبين العرب.
وكان طبيعيًّا أن تجد يقظة هذا الحسّ تعبيرها في الأدب العربيّ الحديث، فإذا بالشّعراء، والرّوائيين، والقصاصين، والدّارسين ينتجون آثارًا تعبّر عن نزعة قوميّة فنّيّة، إنّ لم تكن قد استكملت جميع مقوماتها في العقود الأولى من هذا القرن. الواقع أن أدبنا الحديث الذي بدأ بتسجيل هذه الظاهرة والتّعبير عنها، ما لبث أن أمدّها بنسغٍ جديد زادها قوة وتماسكًا، فهو الآن يؤثر فيها بقدر ما تأثّر بها، وبذلك يكتسب طابعًا حياتيًا لا بدّ من أن تكون له قيمة خاصة في تاريخ أدبنا الحديث. ومقصدنا من هذه الدّراسة التّخطيطيّة القصيرة للنزعة القوميّة في قَصصنا العربيّ الحديث أن نوجه النّظر إلى أهمية تأثير الأوضاع التّاريخيّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة التي تجتازها بلادنا، أهمية هذا النتاج في ردّ هذا التأثير إلى تلك الأوضاع. وسوف يسعى مؤرخو الأدب والعلماء، بعد ذلك، أن يقيّموا هذا النتاج الأدبيّ في الميزان الحضاريّ للأمة العربيّة في وثبتها الجديدة سيستغل في موضوعاته هذا الجانب من أساس الشّعوب استغلالًا واسعًا عميقًا بعد الآن، لسبب بسيط، هو أنّ الشّعور القوميّ في نفوس الأجيال العربيّة الصاعدة يكثف، ويعمق يومًا بعد يوم، استجابة للأمانيّ التي تنشد التّحرر من الاستعمار، والاستقلال الذّاتي الكبير، والوحدة الكبرى. ولمّا كان الأدب العربيّ الحديث قد أخذ منذ حينٍ، يماشي خطّ سير الحياة العربيّة ويصور تياراتها المتعدّدة، فلا بدّ له من أن يسجل بتنوّع ألوانه، هذه المظاهر الجديدة. وهو لن يكتفي بالتّسجيل، بل سيرسم خطوطًا جديدة تلتمس ابتداءً من الواقع مستقبلًا أفضل. وهكذا يضطلع الأدب بَمهَمَّته الحقيقيّة للوظيفة الفكريّة، وإنّما هي النّزوع والاستشراف، وفي هذا وحدة الضمانة الحقيقيّة لأنّ تلحق قضايانا العربيّة الحديثة بركب الأداب العالميّة.
كما أنّ حركة الإرساليات الأجنبية النّاشطة، قد أيقظت بعض مسيحييّ الشّرق، ولا سيّما في لبنان، وأوهمتهم بتميّزهم حضاريًّا عن محيطهم، وزيّنت لهم أنّ باستطاعتهم إقامة دولة مستقلة، وهو الأمر الذي جرّ ويلات عديدة لم تنتهِ مفاعيلها، وتطوّراتها إلى الوقت الحاضر.
وكما ظهرت الفكرة الإسلاميّة في الأدب العربيّ على امتداد زمن النّهضة حتى الآن، كذلك ظهر التّعبير عن أفكار الطوائف الأخرى بأشكال متعدّدة.
تلازم الأيديولوجيا الإسلاميّة القوميّة
يبقى التّشديد على الفكرة الإسلاميّة دائمًا في المجتمعات العربيّة، خصوصًا على المستوى الشّعبيّ.
لكنّ ثمّة تطورات ظهرت في هذا المسار السياسيّ – الاجتماعيّ وسمت المجتمعات العربية بسمات لا تزال تعيشها إلى يومنا هذا. وهي بذاتها شكّلت المنطلقات الرّئيسة لوظيفة الأدب العربي الحديث والمعاصر.
ولقد تبيّن أنّ الدّين، بطوائفه المتعدّدة، قد أدّى دورًا مهمًا في حركة المجتمعات العربيّة، وإلى جانبه انبثقت الفكرة القوميّة التي يعيدها بعض الدّارسين إلى القرن التّاسع عشر([32])، وربما قبله بكثير. وبعضهم يعيدها إلى مرحلة التّرهل التّركيّ التي شجّعت الأقاليم على الاستقلال، ومنها العرب الذين شعروا بضرورة توحدهم([33])، ومن يعيدها إلى بعض الأقليات الدّينية العربيّة، كالمسيحيين المتأثّرين بالظلم التّركي من جهة، وحسم الصّراع الدّائر بين الأقليّات، والتّيارات الإسلاميّة المجارية للسلطة التّركية([34]).
ولقد ميّز الدّارسون بين ثلاث مراحل للقوميّة العربيّة: الأولى من 1800م إلى 1914م، والثّانية من 1914م إلى 1939م 1945م، والثّالثة بعد الحرب العالميّة الثّانيّة([35]). ولقد كانت لكلّ مرحلة مواصفاتها، ففي الأولى طغت الفكرة الدّينيّة، وفي الثّانية برزت الشّخصنة، وفي الثّالثة برز الوّعي بالمشكلات الحادّة التي واجهها العرب، وبأهميّة الأحزاب السياسيّة القوميّة التي شكّلت استجابة لدواعٍ وتطورات عديدة.
ولقد ارتبطت الفكرة القوميّة، منذ البداية بالدّيموقراطيّة وبمسألة الحرية، وكان على العربيّ أن ينتظم في وطن مزدوج الحدود، ولا سيّما بعد الحرب العالميّة الأولى: الحدود القطريّة والحدود القوميّة، بسبب التّقسيم الاستعماريّ لبلاد العرب. وتواجدت ضمن هذه الحدود التّيارات الفكريّة المختلفة: الإسلاميّة والليبراليّة والاشتراكيّة، وهي تعكس أنماط الوّعيّ القوميّ السّائدة، والتي تشكّلت على مرّ الزّمن كأفكار تحرّرية، تهدف إلى الخلاص من تركيا أولاً، والاستعمار الغربيّ ثانيًا، ومواجهة الأزمات الدّاخليّة، ومنها قضية وحدة العرب وقضية فلسطين ومسألة تقصير الأنظمة عن القيام بالمهّات الوطنيّة والقومية ثالثًا، وإجراء التّحوّلات السياسيّة والاقتصاديّة والفكريّة رابعًا.
ولم تخلُ تلك المراحل من بروز المنادين بالقوميّات الأخرى الموجودة في المجتمعات العربية، ومنها: الفرعونية، والبربريّة، والفينيقيّة، والقبطيّة، والكرديّة.
ففي زمن مضى، كان فيه الفكر القوميّ العربيّ مزدهراً، ويمثّل التيّار الذي يحمله أقوى تيّارات الحركة السياسيّة العربية وأكثرها نفوذًا، لم تكن هذه الإشكاليّة مطروحة بمثل هذه الحدّة التي نلمسها اليوم. وكانت هناك قناعة سائدة، بين صفوف المفكرين القوميين العرب، بأن العروبة اكتسبت، وخصوصًا بعد انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة، كينونة شبه مستقلة عن الإسلام، وصارت تتحرك في دائرة خاصة بها غير الدّائرة الإسلاميّة. وأصبحت الرّابطة القوميّة متمايزة عن الرّابطة الدّينيّة، وباتت وظيفة الأمّة العربيّة أمّة قائمة بذاتها مثلها مثل الأمم الأخرى التي تعتنق الإسلام بوصفه دينًا عالميًا لكلّ الأمم والقوميات. لذلك “إذا شعر العرب بإلحاح، وجاذبيّة التّجمع، والتّلاقيّ، فإنّ هذا الشّعور سيعبر عن نفسه في المجالات الاقتصاديّة، وغير الاقتصاديّة على السّواء”([36]).
ولقد ساعدت بعض الظّروف على بروز هذه الاتجاهات المتعدّدة، ومنها على سبيل المثال بروز القوميّة الطّورانيّة، واشتداد وتيرة الحركات الإسلاميّة والعربيّة، وتشجيع بعض الغربيين للأقليات الطّائفيّة والعرقيّة على المطالبة باستقلالها، وعجز الأنظمة العربيّة عن حلّ مشكلة الأقلّيات، خاصة، ومشكلات البلاد العربيّة عامة، وسعي الاستعمار للإبقاء على التّجزئة، وضعف الطرح العلميّ للقضيّة القوميّة وضيق الأفق عند بعض الجماعات الدّينيّة التي رأت الحلّ الوحيد يأتي من الدّين نفسه.
وعلى الرّغم من هذا كلّه، فإنّ القوميّة العربيّة عرفت تطورًا أكثر علميّة في مفاهيمها، فكانت عادلة في طرح قضاياها، ولم تعتدِ على الآخرين. وقد تبنّت قضية الوحدة العربيّة وقضية فلسطين وحماية الثّروات العربيّة، خصوصًا بعد ظهور النّفط في أرض العرب، وإعادة تنظيم الدّولة، والتّعاون مع الحركات التّحرّرية العالميّة العادلة.
ولقد تميّز الفكر العربيّ في تلك المراحل، سواء أكان على الصّعيد الشّعبيّ، أم على مستوى بعض النّظام الرّسميّ باختيار أحد الاتجاهات السّائدة في العالم، خصوصًا بعد الحرب العالميّة الثانيّة: الرّأسماليّ والاشتراكيّ والانتقائيّ والحياديّ والإسلاميّ وفكر بعض الطوائف الدّينيّة، وبالطبع كان هناك معسكران رئيسان هما: الرأسماليّ والاشتراكيّ. وكان العرب منقسمين بينهما، بل ساد خليط من هذه التّيارات والمعسكرات، فانعكس هذا الأمر على مؤسسات المجتمع العربيّ، وعلى فكره وأدبه وميوله، وقراره السياسيّ المتمثّل بعجز مؤتمرات القمّة المتتاليّة عن حلّ المعضلات الكبرى التي تواجه العرب. هؤلاء الذين كانوا يتوزّعون على الأراضيّ العربيّة في أنظمة تتبنّى الاشتراكيّة في مكان، والرّأسماليّة في آخر، وتُوجد فيها أنظمة لا تزال إقطاعيّة وعشائريّة.
وفي الرّبع الثّاني من القرن العشرين، شهدت المجتمعاتّ العربيّة تدفقًا في تشكيل الأحزاب العقائديّة، منها ما هو وطني، ومنها ما هو قوميّ، ومنها ما هو طائفيّ، ومنها ما هو عرقي ومنها ما هو أمميّ.
وكان لنا أن نميّز في هذه الأحزاب اتجاهات مختلفة: الاتجاه الاشتراكيّ العلميّ (الحزب الشّيوعي مثلًا في غير قطر عربيّ)، وغيره من الحركات اليّساريّة الاشتراكيّة، والاتجاه الاشتراكيّ العام الذي انبثق تحت تسميات متعدّدة: الاشتراكيّة العربيّة، والاشتراكيّة الإسلاميّة، والاشتراكيّة النّاصريّة، واشتراكيّة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ. كما لنا أن نميّز ثلّة من الأحزاب الطائفيّة التي تأسست في لبنان وسواه من الأقطار العربيّة، والأحزاب العرقيّة (الحزب الكردستانيّ والأحزاب البربريّة…).
وعلى الرّغم من هذا الكمّ الهائل في التّشكيل الفكريّ والثّقافيّ والسياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ… والذي لا يزال قائمًا حتى الآن، فإنّ واحدة من المشكلات العربيّة لم تحلّ حتى الآن. ولقد أتت الخمسينيّات بمدّ قوميّ تحرّري واسع النّطاق، يغلّب فكرة ضرورة التّحوّل في المسارات كلّها، فإنّ قضية فلسطين لا تزال في الواجهة الصّراعيّة بين العرب وأعدائهم القريبين والبعيدين، على الرّغم من الدماء الزّكيّة التي قدّمها الشّهداء من أجل تحرير الأرض السّليبة. فقد خاض العرب حروبًا عدّة من أجلها، لكنّهم منيوا بنكسات كثيرة، أبرزها في العام 1967 التي فتحت الباب واسعًا للتّغيير من جديد.
لكنّ استمرار المؤامرات وموت الرئيس المصري جمال عبد النّاصر (1970)، أدخلا المنطقة العربية بأسرها في دوّامة صراع مفتوحة الحدود، على الرّغم من أنّ العرب سجّلوا انتصارًا محدودًا في العام 1973، فأعادوا بعض الأراضيّ العربيّة المقضومة في العام 1967، لكنّهم دخلوا من جديد في غياهب المشكلات والصّراعات التي لم تنتهِ إلى الآن، بين العرب أنفسهم، وبينهم وبين عدوّهم المتربص في قلب جغرافيتهم على وقع السّماح للتّدخل الدّوليّ في شؤونهم المتعدّدة، عبد الناصر انتهى جسدًا، وهذه هي سنة الحياة، ولكن مبادئه التي كافح من أجلها، والتي هي مبادئ الأمّة العربيّة التي عاش جمال عبد الناصر حياته في سبيلها باقية، لأنّها التعبير عن آمال الأمة العربيّة، وآلامها، ونقول للمستعمرين، ونقول للعدّو الصّهيونيّ: إنّ الشّعوب العربية لا تزال هي الرّائدة في معركة التّحرير، ولا تزال بيروت، ودمشق، والقاهرة، والقدّس، وبغداد، والرّياض، والوطن العربيّ بأكمله قلعة الأحرار وقلعة الحريّة، ولن تنتكس الأعلام العربيّة، ويستمر الشّعب العظيم الذي قدّم التّضحيات الجمّة من أجل أمته العربيّة، وسوف يستمر النّضال لأنّ الشّعب الذي أنجب القادة الكبار قادر على أن يتحوّل كله إلى رجل واحد، مع أن إسرائيل والاستعمار يحاولون أن يضربوا القوّة العربيّة والوحدة العربيّة، القضية ليست قضية شخص واحد، ولا رئيس، ولا قيادة، ولا الانحراف، وغير الانحراف في الاتجاه والتّاريخ. هذه مرحلة من مراحل تاريخنا، أصبحت فعلًا أمرًا واقعًا ثم إنّها ليست مرحلة عادية، المرحلة هذه غير مرحلة عاديّة. إنّ التّحدي لفلسطين ليس تحديًّا لها فقط، بل هو تحدٍ للأمة العربيّة كلها تحدٍّ للقومية العربية، والحقّ العربيّ، استرجاع فلسطين المحتلة، وأعتقد أنّ كل الذين يحملون راية الأمّة العربيّة من المثقفين في الهدف، وعليه لم يبقَ إلا توحيد الصّفوف. يعني وحدة الهدف أعتقد قائمة، ولا ينتقص إلا أن نوحّد الصّف ما دام اتفقنا في الهدف. وهو هدف الوحدة العربيّة، والشّيء الصّعب هو أن يكون النّاس غير متفقين في الهدف، والعمل يسهل كثيرًا إذا اتفق الناس على الهدف فمن السّهل أن تتوحد الصفوف وصولاً إلى الهدف.
الخاتمة
وفي النّتيجة نجد أنّ ثمّة دورانًا لحركة الحياة الجديدة على غير مستوى، وهي حركة لم تنشأ من فراغ، بل تناوب على تكوينها ودفعها إلى الأمام عوامل ومؤثّرات متعدّدة، جعلت الأدب يعيش داخلها، ويبحث عن وظيفته في نطاقها. فإذا بها أحداث جليلة، وتطوّرات سريعة فاقت التّصوّرات، حتّمت على الأدب العربيّ أن يستوعبها جميعًا، ويرسم وظيفته على أساس من تناميها، فإذا بنا أمام أدب يشهد بضرورة التحوّل، وأنّ عليه أن يكون صراعيًّا في مكان، ومهادنًا في مكان آخر، يحمل هموم الثقافة، والاجتماع، والسياسة، ويعبّر عنها عبر رهانات مستفيضة على الدّيمقراطية، والعدالة، والمساواة، والحريّة، وطلب الاستقلال، والتحرّر من قيودٍ كثيرة أبرزها: الخروج من أسر القديم، والتطلّع إلى حياة حديثة تلائم لهاث العصر الدّائم نحو الجديد على الصّعد كافّة. وقد لا تحدد هذه المرحلة بسنوات معينة، ولا سيّما إذا تناولناها من وجهة أدبيّة، فإنّ هذا الانتقال الذي مثّل القديم والجديد في آن واحد، يعيش جنبًا إلى جنب مع الأساليب الجديدة التي دعت إلى اعتناق الجديد وحده مع الاستفادة من القديم([37])، وتبرز في هذا المجال مجموعة كبيرة من الشّعراء والكتّاب الذين يزاوجون بين القديم والجديد، في اعتقادٍ راسخ أنّ القديم لا يزال مفيدًا، ويمكن أن ندرج في الشّعر: محمود سامي الباروديّ، وشكيب أرسلان، ومحمّد عبد المطلب، وإسماعيل صبريّ، وسواهم. ومن الكتّاب: رفاعة الطّهطاويّ، والإمام محمّد عبده، وأحمد فارس الشّدياق، وشكيب أرسلان، وأديب إسحق… وكانت وظيفة الأدب في ذلك الإنتاج على تماسٍ كبير بالتحوّلات التي كانت تطرأ على المجتمع، فحاولت تمثّل القديم، وجارت الجديد في بعض مضامينه، لكنّها لم تبتعد من الأحداث، والتّطورات التي حصلت في القرن العشرين. وعلى صعيد آخر كان الأدب العربيّ في ذلك الوقت يرصد هذا التّحوّل في النّفوس، وفي المعطيات، والأحداث السياسيّة، والتغيير في رسم الخطط، والتوق إلى بناء حياة جديدة، في ضوء الوعي الجديد الذي اكتسبه المجتمع خلال قرن من الزّمان. ولم تنحصر مجالات توظيف الأدب في نطاق البيئة العربيّة وحسب، بل امتدّت لتعانق الإنسانيّة بأسرها، لأنّهم كانوا يحسبون أنّ الإنسانيّة الحقّة قائمة على التّعاون والتّبادل، وأنّ الظلم واحد في الأرض كلّها، وأنّ ما يحصل من كوارث في بلاد العرب هو نفسه في أصقاع كثيرة من العالم.
وفي بلاد العرب ثمَّة تصاعد في الأزمات التي تخلّلتها خلال مدّة طويلة من الزمن لا تزال إلى وقتنا الحاضر. فقد استكملت معارك الاستقلال، واستمرّت الثورات التي تبغي التحرّر من الاستعمار، وسالت دماء عربية كثيرة في سبيلها، واشتدّ أوار القومية، وأصبحت ركنًا أساسيًّا في التفكير العربيّ. كما تميّزت تلك المرحلة بنهوض حركة التحرّر العربية واشتداد المطالبة بالحقوق العربية: حقّ العرب في فلسطين والوحدة العربية وحماية الثورات العربية والاستقلال وخروج المستعمر نهائياً.
الهوامش
[1]- أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة.
(1) عبد السلام الشاذلي، شخصية المثقف في الرواية العربية الحديثة (1882 – 1952) دار الحداثة، بيروت، 1985، ص30.
(2) الشعر والوطنية في لبنان والبلاد العربية من مطلع النهضة إلى عام 1939 دار المشرق، بيروت،وليم الخازن،ص،111.
[3])) الأدب العربي الحديث، سالم المعوش، دار المواسم، بيروت، 1999، ص، 128
([4]) جريدة “صدى بابل” – بغداد – 1909 (عن كتاب “الرواية العربية في العراق” – عمر الطالب – ص 16 – مكتبة الأندلس – 1971).
([5]) مريم حمزة، الأدب بين الشرق والغرب مفاهيم وأنواع، دار المواسم، 2004، ص 33 – 34.
([6]) الحياة السياسيّة والعلمية في الدولة العثمانية – محمد خير فارس – مجلة “الطريق” – عدد 4 – السنة 54 – تموز/آب 1995 – بيروت – ص 127-128.
([7]) الحياة السياسيّة والعلمية في الدولة العثمانية، محمد خير فارس – مجلة “الطريق ” – عدد 4 – السنة 54-تموز/آب 1995، ص 128.
([8]) منتخب تاريخ دمشق – الحصيني – ص 301 (عن المرجع نفسه – ص 130).
([9]) مشهد العيان بحوادث سوريا ولبنان – ميخائيل مشاقة – ص 22 – مصر – 1908.
)10(10) الشعروالوطنية في لبنان والبلاد العربية من مطلع النهضة إلى عام 1939، دار المشرق، بيروت، وليم الخازن، 1986، ص 44.
([11]) “الرحلة إلى الغرب والرحلة إلى الشرق” – ناجي نجيب – ص 16 وما بعدها – دار الكلمة للنشر – بيروت 1981.
([12]) انظر كتاب “الحركة العربية (1908-1924)” – سليمان الموسى – دار النهار للنشر – بيروت – ط 3 – 1986. (خصوصاً ابتداء من صفحة 60).
([13]) الحركة العربية – سليمان موسى – ص 60.
([14]) الفنون الأدبية وأعلامها – أنيس المقدسي – ص 18.
([15]) الثورة العراقية الكبرى – عبد الرزاق الحسني – ص 14 – مطبعة العرفان – صيدا 1965.
([16]) الشرق الإسلاميّ في العصر الحديث – حسين مؤنس – ص 32-33 – المكتبة التجارية الكبرى – مصر 1938.
([17]) حاضر العالم الإسلاميّ: لوثروب ستودارد – تعريف عجاج نويهض – ج 1 – ص 26 – المطبعة السلفية 1343هـ.
([18]) الالتزام في الشعر العربي الحديث – أحمد أبو حاقة – ص 110 – دار العلم للملايين – بيروت – 1979.
([19]) الفكر العربي في عصر النهضة – ألبرت حوراني – ص 169.
([20]) المحافظة والتجديد في النثر العربي في مائة عام (1840-1940) – أنور الجندي – ص 42 – مطبعة الرسالة 1961.
([21]) الحركات الجماهيرية في الوطن العربي (دراسات نظرية وتطبيقية) – محمد شيا و حليم اليازجي و أحمد خواجا – ص 40 – معهد الإنماء العربي – بيروت – 1991.
([23]) الحركات الجماهيرية في الوطن العربي ( دراسات نظرية وتطبيقية ) – محمد شيا و حليم اليازجي وأحمد خوااجا ص 45-46.
([24]) عن كتاب روّاد النّهضة الحديثة لمارون عبود – ص: 207-208.
([25]) الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة (1798-1914) – علي المحافظة – ص 117 – الطبعة الأهلية للنشر والتوزيع – بيروت 1975.
([26]) وثائق المؤتمر العربي الأول (1913) – من كلمة عبد الحميد الزهراوي في افتتاح المؤتمر بعنوان: “تربيتنا السياسيّة” – ص 31 من القسم الخاص بوقائع المؤتمر – دار الحداثة – بيروت – 1980.
([27]) فلسفة النشوء والارتقاء – شبلي الشميّل – 495 – دار مارون عبود – بيروت (د.ت.ط).
([29]) ابن رشد – فرح أنطون – ص 160 – دار الطليعة – بيروت – 1979.
([30]) الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر – محمد محمد حسين – ج 2 – 432 إلى 444 – مكتبة الآداب بالجمايز – 1382هـ.
([31]) لدى أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وشكيب أرسلان وغيرهم.
([32]) الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر – محمد محمد حسين – ج 2 – ص 94.
([33]) الفكر العربي في عصر النهضة (1798-1939) – ألبرت حوراني – ص 312.
([35]) تاريخ المجتمع العربيّ – مروان عبدو – ص 130 – الجامعة اللبنانية – لبنان – 1986.
([36]) يوسف صايغ، الاندماج الاقنصادي العربي وذريعة السيادة الوطنية، مجلة المستقبل العربي، العدد 6، 1979، ص 23- 41.
([37]) ينظر في هذا المجال كتاب: “الصراع بين القديم والجديد” للدكتور محمد الكتاني ابتاء من صفحة 225 حتى صفحة 230.
المصادر والمراجع
- ابن رشد – فرح أنطون – دار الطليعة – بيروت – 1979.
- أحمد أبو حاقة الالتزام– في الشعر العربي الحديث– دار العلم للملايين – بيروت – 1979.
- ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة (1798-1939).
- أنور الجندي – المحافظة والتجديد في النثر العربي في مائة عام (1840-1940) – مطبعة الرسالة 1961.
- أنيس المقدسي – الفنون الأدبية وأعلامها.
- حسين مؤنس – الشرق الاسلامي في العصر الحديث – المكتبة التجارية الكبرى – مصر 1938.
- سالم المعوش- الأدب العربي الحديث- دار المواسم- بيروت- 1999.
- سليمان الموسى – “الحركة العربية (1908-1924)” – دار النهار للنشر – بيروت – ط 3 – 1986.
- شبلي الشميّل – فلسفة النشوء والارتقاء –495 – دار مارون عبود – بيروت (د.ت.ط).
- عبد الرزاق الحسني – الثورة العراقية الكبرى –مطبعة العرفان – صيدا 1965.
- عبد السلام الشاذلي، شخصية المثقف في الرواية العربية الحديثة ( 1882 – 1952 ) دار الحداثة، بيروت، 1985.
- علي المحافظة – الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة (1798-1914) –الطبعة الأهلية للنشر والتوزيع – بيروت 1975.
- لوثروب ستودارد- حاضر العالم الاسلامي:– تعريف عجاج نويهض – ج 1 – المطبعة السلفية 1343هـ.
- مارون عبود- كتاب روّاد النهضة الحديثة.
- مروان عبدو، تاريخ المجتمع العربي – الجامعة اللبنانية – لبنان – 1986.
- مريم حمزة، الأدب بين الشرق والغرب مفاهيم وأنواع، دار المواسم، 2004م .
- محمد خير فارس – الحياة السياسية والعلمية في الدولة العثمانية – مجلة “الطريق” – عدد 4 – السنة 54 – تموز/آب 1995 – بيروت.
- محمد الكتاني، الصراع بين القديم والجديد.
- محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر– ج 2 – مكتبة الآداب بالجمايز – 1382هـ.
- محمد شيا و حليم اليازجي و أحمد خواجا –الحركات الجماهيرية في الوطن العربي (دراسات نظرية وتطبيقية) – معهد الإنماء العربي – بيروت – 1991.
- منتخب تاريخ دمشق – الحصيني – ص 301 (عن المرجع نفسه – ص 130).
- ميخائيل مشاقة – مشهد العيان بحوادث سوريا ولبنان – مصر – 1908.
- ناجي نجيب – “الرحلة إلى الغرب والرحلة إلى الشرق” – دار الكلمة للنشر – بيروت 1981.
- وثائق المؤتمر العربي الأول (1913) – من كلمة عبد الحميد الزهراوي في افتتاح المؤتمر بعنوان: “تربيتنا السياسية” – دار الحداثة – بيروت – 1980.
- وليم الخازن- الشعر والوطنية في لبنان والبلاد العربية من مطلع النهضة إلى عام 1939- دار المشرق – بيروت – 1986.
- يوسف صايغ، الاندماج الاقنصادي العربي وذريعة السيادة الوطنية، مجلة المستقبل العربي، 1979.
- جريدة “صدى بابل” – بغداد – 1909 (عن كتاب “الرواية العربية في العراق” – عمر الطالب – مكتبة الأندلس – 1971).