التراث الديني في شعر فايز خضور قدّاس الهلاك (نموذجًا)
ميادة محمّد دياب*
مقدّمة:
تراث الامّة أثمن ما بحوزتها هو جذورها ونسيج وجودها، ومصدر قوّتها الرئيس هو روح الأمّة ومقوّماتها وتاريخها.
التّراث منبع العطاء والإيحاء الّذي لا تنفذ طاقاته فعناصر هذا التّراث ومعطياته لها من القدرة على التّأثير في نفوس الجماهير، ووجدانهم ما ليس لأيّ معطيات أخرى حيث تعيش هذه المعطيات التراثيّة في وجدان النّاس وأعماقهم بهالة كبيرة من القداسة وإلأهمّيّة، فهي النّواة الأساسيّة لتكوينهم الفكريّ والوجدانيّ والنّفسيّ.
“إنّ التّراث ليس حركة جامدة، ولكنّه حياة متجدّدة، والماضي لا يحيا إلاّ في الحاضر، وكلّ قصيدة لا تستطيع أن تمدّ عمرها إلى المستقبل لا تستحقّ أن تكون تراثًا”([1]).
لذلك سعى شعراء الحداثة إلى إعادة التّراث بكلّ مشخصّاته، ووقائعه، وتجلّياته لأنّهم أدركوا “أنّه لا نجاة لشعرنا من الهوّة الّتي انحدر إليها بغير ربطه بتراثه العريق بما في ذلك التّراث من عوامل القوّة والنماء”([2]).
وعلى ذلك فالتّراث العربيّ، هو المخزن الّثقافيّ والمتوارث من قبل الأجداد، والمشتمل على القيم الدّينيّة، والتّاريخيّة، والحضاريّة، والشّعبيّة، بما فيها من عادات، وتقاليد سواء كانت هذه القيم مدوّنة في التّراث أم مبثوثة بين سطورها، أو متوارثة، أو مكتسبة بمرور الزّمن، وبعبارة أكثر وضوحًا: إنّ التّراث هو روح الماضي، وروح الحاضر، وروح المستقبل بالنسبة إلى الإنسان الذي يحيا، ويموت بشخصيّته وهُويّته إذا ابتعد منه، سواء في أقواله أو أفعاله”([3]).
الهدف:
يهدف هذا البحث إلى دراسة تجلّيات التّراث في النّصّ الشعريّ الحديث، ومثاقفة الشّاعر المعاصر للتراث.
وتأتي أهمّيّة الدّراسة في كونها تسلّط الضوء على جانب من تجربة فايز خضور الشعريّة، وتناوله التراث لما يزخر به من عناصر ومقوّمات ثقافيّة، ولغويّة، وجماليّة متنوّعة.
وسأعتمد في هذه الدراسة المنهج الوصفيّ التحليليّ لما يؤدّيه من دور في تفكيك الظاهرة، وتحليلها، وتوصيف الصّور.
التّراث لغة واصطلاحًا:
لغة: التّراث لغة مشتقّة من الفعل الثّلاثي “ورث” فقلبت الواو تاء لثقل الضمّة على الواو وتدلّ مادّة (وَرَث) في المعاجم اللغويّة على المال الموروث، أي الذي يخلّفه الرجل بعد موته لوارثه.
وجاء في لسان العرب الورثُ والوارثُ والإراثُ والوراثُ والتراثُ، والتراث واحد من الميراث أصله موراثٌ انقلبت الواو ياء وكسر ما قبلها والتراث أصل فيه واو”([4]).
التراث اصطلاحًا:
“التّراث هو كل ما وصل إلينا داخل الحضارة السائدة، فهو قضيّة موروث في نفس الوقت قضيّة معطى حاضر على مستويات عدّة”([5])
فمن خلال هذا التعريف يتبيّن لنا أنّ التّراث ينحصر في الكمّ الهائل من المخلّفات التي تركها الأجداد والأباء للأبناء على مرّ الدّهور، كما يقتصر على الطّابع النّفسانيّ الّذي يُعبّر عن الذّات النّفسيّة للمجتمع، كما يضيف سيّد عليّ إسماعيل قائلًا: “إنّ التّراث مستمرّ معنا إلى الآن بصورة أو بأخرى، وغالبًا ما يختلف من زمن إلى آخر، فالتّراث يتشكّل في كلّ فترة زمنيّة عن الأخرى، ونظرة الإنسان إليه تختلف، ووجهات النّظر تتفاعل بالأخذ والعطاء”([6]).
التّراث في النّصّ الشعريّ الحديث:
التّراث لا يُحصر في ثقافة معيّنة، أو حضارة ما “إنّما هو عامّ ومتكامل، ولا ينفصل بعضه عن بعض، إنّه كلّ ما يتركه الأوّل للآخر مادّيًّا ومعنويًّا، وهذه نظرة شاملة إلى التّراث باعتباره الماضي المؤثّر في الحاضر والمستقبل”([7])
إنّ تجربة الشّعر الجديدة تُخلص لروح التّراث، وإن تمرّدت على أشكاله وقوالبه، والشّعر المعاصر لم يطرح قضيّة التّراث جانبًا – كما يتوهّم البعض – بل هو “أعمق و أصدق ارتباطًا بها، وكلّ ما في الأمر أنّه لا يعيش فيه شكلًا وقوالب، بل يعيش فيه كِيانًا بيانيًّا مقصودًا إليه قصدًا، وله أبعاده الفكريّة، والانسانيّة”([8]).
إنّ آليّات تشكُّل القصيدة المعاصرة، لا يمكنها أن تتحقّق إبداعيًّا إلاّ بعد أن يحدّد الشّاعر موقفه من الموروث أوّلًا، وعلاقة هذا الموروث بالقصيدة في مرحلة ثانية”([9]).
لأنّ الشّعر ينمو من داخل التّراث الشعريّ، والحوار الذي يدور في نفس الشّاعر هو حوار بين تراثه الشعريّ، وبين العالم.
فصارت القصيدة بمثابة استمرار متقدّم للحساسيّة الشعريّة العربيّة التي تمثّلت في رقي تراث شعريّ متنوّع تنطلق من التّراث لتتجاوزه إلى نفسها فتصبح مرجع ذاتها.
ثقافة الشّاعر المعاصر للتّراث:
إنّ للتّراث أهمّيّة بالغة للشّاعر فهو ثروة لا تنتهي، وكنز لا يفنى فلا يستطيع الاستغناء عنه في نتاجه الشعريّ إنّه نواة أساسيّة يولد منها الشّعر، وينشأ حتّى يصل إلى ذروته.
فالشّعر لا ينشأ من عدم إنّما هو مهنة، وصناعة يتقنها الشّاعر بالممارسة عن الأقدمين “لكي ندرك مدى حاجة الشّاعر إلى التّراث، والتّلمذة له، والإفادة منه لا بدّ من تناول هذين المجالين أعني حاجة الشّاعر لثقافة خاصّة، وأخرى عامّة”([10]).
لذا ذهب الشّاعر العربيّ المعاصر إلى خلق علاقات مثاقفة واعية للتّراث، وطالب بضرورة الانتماء إلى الشعريّة العربيّة، وقراءة التّراث قراءة حداثيّة من خلال العمل على تفعيل هذا التّراث” بوصفه معطى حضاريًّا، وشكلًا فنّيًّا في بناء العمليّة الشعريّة”([11])
ولعلّ موقف الشّاعر المعاصر من التّراث قد مدّد القيم الجماليّة للتّجربة الشعريّة، حيث أصبح “التّراث الإنسانيّ لدى الشّاعر المعاصر جانبًا من تكوينه الشعريّ، ذلك أنّ تجربة الشّاعر المعاصر محاولة جاهدة لاستيعاب الوجدان الإنسانيّ عامّة من خلال إطار حضارة العصر، وتحديد موقف الشّاعر منه كإنسان معاصر”([12]).
فاستخدام الشّاعر المعاصر للتّراث يضفي على عمله الشعريّ “عراقة وأصالة ويمثّل نوعًا من امتداد الماضي في الحاضر، وتغلغل الحاضر بجذوره في تربة الماضي الخصبة المعطاء، كما أنّه يمنح الرؤية الشعريّة نوعًا من الشّمول والكلّيّة”([13]) لأنّ الحداثة الشعريّة الفاعلة هي التي ترتبط بنظرة إلى العصر، ومستجدّاته من جهة، وإلى التّراث وكوامنه التّعبيريّة القادرة على الاستمرار من جهة أخرى.
التّراث الدينيّ في شعر فايز خضور:
نرى أنّ ظاهرة استخدام التّراث الدّينيّ وشخصيّات الموروث الدّينيّ في الشّعر المعاصر شاعت حتّى أصبحت سمة من أبرز سمات هذا العصر. لقد “كان التّراث في كلّ العصور بالنّسبة إلى الشّاعر هو الينبوع الدّائم المتفجّر بأصل القيم وأنصعها وأبقاها، والأرض الصّلبة التي يقف عليها ليبني فوقها حاضره الشعريّ الجديد على أرسخ القواعد وأوصدها، والحصن المنيع الذي يلجأ إليه كلّما عصفت به العواصف فيمنحه الأرض السكينة”([14]).
فالشّعراء المعاصرون أدركوا أنّ التّراث هو مصدر غنى وإلهام يتوجّب عليهم أن لا يستغنوا عنه، فحدّدوا منهجًا للفكرة الدّينيّة في أدبهم وشعرهم على أساس أنّ “الأديان لا تتحدّث عن حقائق العقيدة في صورة فلسفيّة فقط، ولا يكون الدّين مجموعة من الحكم، والموعظة، والإرشاد، وإنّما يكون شيئًا أشمل من ذلك وأوسع، يكون التّعبير الجميل عن حقائق الوجود من زاوية الثقافة الدّينيّة، أو الالتزام الدّينيّ لهذا الوجود”([15]).
والمصادر التراثيّة الدّينيّة التي استمدّ منها الشّعراء المعاصرون الشخصيّات الدّينيّة التي وظّفوها في شعرهم هي القرآن الكريم، وقَصص الأنبياء، والكتاب المقدّس وغيرها.
وفي هذا الإطار تُعدّ تجربة الشّاعر فايز خضور رائدة فقد استلهم من التّراث ما يخدم تجربته، ووظفه بما ينسجم وطبيعة الرؤية لديه، لتخرج لغته حاملة طابع الأصالة والتّجديد معًا.
فالواقع المظلم الذي تعيشه الأّة العربيّة جرّاء السياسة التي تمارسها الدّول بحقّ شعوبها من تنكيل، واضطهاد، وقمع للحرّيّات، جعلت الشّاعر خضور يثور ويرفض هذا الواقع المؤلم متسلّحًا بشعره.
فاستحضر من نص القرآن الكريم الآية الكريمة ﴿إنّا أعطيناك الكوثر﴾ ليكشف الواقع الراهن. فالكوثر نهر في الجنّة وعد الله به رسوله ليكون جزاء له على طاعته وعبادته، وهو يختلف في مفهوم الروؤساء والملوك، فهم منحوا لأنفسهم الكوثر تحت شعار الدّين ينكّلون بالشّعوب، ويتحكّمون بمصيرهم يسوقونهم إلى النّحر كما تساق الخرفان من دون خجل أو رحمة، يدّعون أنّهم يمارسون حكم الله تحت شعار الدّين:
“يتعاطون مصير الناس:
حرابًا أو سحلًا.
بترًا أو نفيًا.
رفضًا أو صلوات رياءٍ.
لا يردعهم خجل
أو يخجلهم عيب..!!
زمن لا يتحكّم فيه سوى كلمات “وصيه”.
“إنّا أعطيناك الكوثر”
خذ من شعب الخرفان قطيعًا وانحر:
موتى للأحياء، وأحياءً للموتى”([16])
نرى في النصّ مجموعة من الكلمات الدّالة على الحال (حرابًا، بترًا، نفيًا، رفضًا) توصّف الواقع المرير أدقّ توصيف.
وما بين ممارسات الأعداء، وممارسات الرّؤساء، والملوك لا فرق، فإذا كان الحكّام العرب – بحسب تعبير الشّاعر- يسحقون شعوبهم، كذا الأعداء الصّهاينة يرتكبون المجازر على مرأى، ومسمع من العالم، فتتّحد أجراس الكنائس مع أصوات المآذن المتّشحة بالدّم لترفع القرابين قداديسًا مكلّلة بالغار:
“مئذنة الحرم الإبراهيميّ اتّشحت دامية،
بنواقيس العذراء- المريم،
سيّدة الرّحمات.
وضجّت أعراس الحزن الشتويّ،
قداديسًا…
وانضفر الغار- الآسُ،
أكاليلًا وغصونًا،
تقرع خافقة الثقلين”.([17])
وفي ضوء الأحداث التي تعيشها القدس تتقاطع التّوظيفات الدّينيّة التي تدخل في لحمة واحدة مشكلة بنية النّصّ، كالسّيّدة العذراء والحرم الإبراهيميّ، وأكاليل الغار التي تكلّل بها السّيّد المسيح، والثّقلين كتاب الله، وآل البيت معبّرة عن صورة الحاضر المنكسر الذي يرفضه الشّاعر.
لم تكن شخصيّة الرّسول الكريم (ص) بمعزل عن متناول الشّاعر فايز خضور لأنّه وجد فيها رموزًا تخدم تجربته الشعريّة فأتت هذه الشخصيّة حاملة دلالات الخلاص والانبعاث تارة ودلالات موت الحلم ورؤية الهزيمة تارة أخرى، فبعد أن كانت ولادة الرسول الكريم (ص) هدى للنّاس وضياء الكون، يرى خضور أنّ الحاضرين غيّروا بفعل حقدهم هذا الضياء:
“ولد الهدى”؟!.. واحسرتا..
ولد الهلاك
وزلزل الحقد المؤجّل في الضمائر،
فار أتّون العقائد بالخلائق.
والتكايا ضجّ في أرجائها شرّ البريّة.
أيّها العدل المقنع بالوصايا.
من يعيد إلى حقول النّار أغنية البراءة؟”([18])
إنّ استعمال الشّاعر الاستفهام التّعجبيّ بعد مقولة “ولد الهدى” يبيّن الحالة الشّعوريّة، والنّفسيّة التي يعيشها، وهي إذ تعكس واقع الحزن، وفقدان الأمل، فضجّت العقول بالحقد، والبغض، ولم تعد التكايا مكانًا للتّصوف، ومساعدة الدراويش، والمحتاجين، بل صارت بؤرًا للشرّ، هذا الذي اتّسعت ناره والتهم كلّ الخير، وما مناداته الرّسول العدل إلاّ ليبيّن الحاجة الملحّة لخلاص الامّة من الشّرّ وعودة الخير والحقّ إلى هذه البريّة، فمن غير شخص الرّسول قادر على إعادة البراءة إلى البريّة؟
فايز خضور صاحب قضيّة يحاول تحقيبها وتأريخها، لن يتغافل لحظة عن الكرامة والمقاومة وإكبار الفداء والتّضحية والشهادة، فعقيدته القوميّة ارتبطت بفلسطين وهي جزء من سوريا وهذه العقيدة نقيض جذريّ للصّهيونيّة، لذلك يسخر ويتهكّم بقوّة من العدوّ، ويرفض الاستسلام.
“يا بيت لحم، لك الفداء
وهذه الأيّام فصحٌ فيصلّي الرّوع
ميلاد المدائن حان،
رغم زلازل التهويد.
في ناموسنا، تبقى لنا،
مدنًا شهيدات، وذاكرة،
أبت أن تسلم الشرفات والأرواح،
إلاّ… واقفه!!!”([19])
يوظف الشّاعر مناسبة عيد الفصح المجيد مخاطبًا القدس بوساطة النّداء ليعلن ولادة الثّورة على الرغم من محاولات الأعداء تهويدها، ويتعالى الشّاعر على الخيبات والاحباطات، ويتمثّل العقيدة في الفداء، والبطولة، والشهادة، وينشد نشيد الثورة.
ونُنشد:
أيّها الفادي تمهّل..!!
وصلتْ إلى شفة الجحيم،
وغوّرتْ في القاع،
شائنةُ العداوة.
واستبدّت لعنة الأقدار بالأيّام:
تحصدها،
وتطويها،
وتلقّمها،
إلى “سيف ومنجل”..!!([20])
ويتكرّر النّداء معبّرًا عن عزيمة الشاعر ليعلن أنّ غيظ الأعداء سيغور في الجحيم، فيستحضر الشّاعر شخصيّة المسيح الفادي ليستلهم منه تحمله الآلام، من أجل قيامة الأمّة وانبعاثها.
لم يقتصر توظيف الإرث الّدينيّ في شعر خضور حدود الشّعر القوميّ، والعقديّ، بل برز أيضًا في الشّعر الذي تناول تجاربه الشخصيّة وعشقه المحبوبة.
ففي أحد المقاطع يعبّر فايز خضور عن تجربة شعوريّة مرّ بها تجلّت في حبّ امرأة استطاعت أن تسكنه روحًا وجسدًا، وقد عبّر عن هذا الحبّ الذي أعاد إليه الحياة والسّعادة، غير أنّ هذه السّعادة كانت مشحونةً بالألم والحزن، إذ إنّه حاول بهذا الحبّ أن يدفع جراحات الفراق وما تنتجه من الحزن، فتمكّن من استحضار المحبوبة ليخلق معها حوارًا يتمناه الشّاعر لإحياء العلاقة من جديد، وإعادة هذه العلاقة إلى ما كانت عليه من الودّ والوصل، إذ يلجأ خضور في ختام قصيدته إلى الإرث الدّينيّ محاولًا توظيفه في التّعبير عن تجربته متّخذًا من قصّة تفاحة آدم وحواء التي كانت سببًا في هبوطهما من الجنّة لمخالفتهما أوامر الله عزّ وجلّ مبرّرًا له في مخالفة عهد الحبّ. وكأنّه يريد أن يقول بوساطة الشّرط كيف لإنسان عاديّ ألاّ يقع في الخطأ؟ وقد وقع فيه من كان يسكن الجنة من قبل في إشارة إلى سيّدنا آدم عليه السلام.
فما عاد في العمر عُشر الذي قد مضى.
والضفافُ التي لا تعدُّ اختفتْ.
كُنْ حنونًا وباركْ فداحةَ فَقدي.
تلطَّف، أنا هالكٌ.
…
حبيبي. إذا كان “آدمُ” كُرمى لتّفاحةٍ،
سفّ من سامقاتِ الجنان.
فما بالُ شَروايَ قُدّامَ ألفٍ وتفاحتينْ..؟!!([21])
وفي مقطع آخر يستعيد خضور ذكريات جميلة انقضّتْ من حياته، وكأنّ هذه الحياة المجنونة، وهذا الزّمان الزّنيم مصيدة للرّوح البريئة الطّاهرة، أو مقتلة للجسد، والكرامة، والعنفوان، أو دحرًا لعالم الطفولة البريئة التي تحيا على تخوم الواقع والأحلام الملوّنة.
على لُجّةٍ – ذات عُمرٍ مضى –
من قطافِ الطُّفولةِ،
والزعرناتِ الكحيلةِ بالعنفوان:
نُطاولُ حورَ المروءاتِ بالعشْبِ.
….
نموّهُ كفَّ البراءاتِ،
بالحنَّة القرمزيةِ.
نسطو على خابياتِ الزبيبِ،
ونصبغُ عوراتنا بالطّحين.
ونكرجُ في جوقةٍ مِن لُماماتِنا،
لاثغينَ بمزمورنا الرَّعويّ:
“مضى من مضى… خائنٌ يا زمانْ..”!!([22])
يحشد الشّاعر الأفعال المضارعة (نطاول – نموّه – نسطو – نصبغ – نكرج) الدّالة على الحركة والاستمراريّة ليبعث الحياة في الذّكريات، فتشيع في داخله الفرح، والسعادة، وينشد أناشيد النّبيّ داوود، والنّبيّ سليمان عليهما السّلام من خلال الإشارة إلى المزمور الرعويّ، فالشّاعر يتحسّر على خيانة الزّمن له.
خاتمة:
يتّضح لنا ممّا سبق قدرة الشّاعر خضور في التّعاطي مع الإرث الدّينيّ، وتوظيفه بما يخدم مضمونات الخطاب الشعريّ فجاء توظيفه التّراث الدّينيّ غنىً للنصّ، فحضرت هذه الموروثات بهُويّة جديدة تخدم بنية النّصّ حاملة الحزن، والألم والهزيمة تارة، والانبعاث والتّجدّد تارة أخرى.
كانت عودة الشّاعر خضور إلى التّراث الدّينيّ عودة فنّيّة، لا تقوم على أساس المتابعة، والتّقليد، وإنّما تستلهم ذلك التّراث في نتاجات أدبيّة متميزة تجمع بين الأصالة، والمعاصرة، وتربط أواصر الماضي بالحاضر من أجل إحياء الرّوح القوميّة واستشراف المستقبل الواعد.
فهرس المصادر والمراجع
1– ابن منظور لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، مجلّد2، ط2 1992 ص 199- 201.
2- السعيد الورقيّ، لغة الشعر العربيّ الحديث، مقوّماتها الفنّيّة وطاقاتها الإبداعيّة، دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة، مصر، 2002م.
3- حبيب بوهرر، تشكّل الموقف النقديّ عند أدونيس ونزار قباني، عالم الكتاب العربيّ، عمان، الاردن، ط1، 2008م.
4- حسين حنفي، التراث والتجديد ط5، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، 2002م.
5- سيّد إسماعيل: أثر التراث العربيّ في المسرح المعاصر، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، سنة 2000م.
6- صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، دار العودة، بيروت، سنة1969م
7-عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، قضاياه وظواهره الفنّيّة والمعنويّة، دار العودة، بيروت، لبنان ط 1981م.
8- عليّ عشريّ زايد، استدعاء الشخصيّات التراثيّة، دار الفكر العربيّ، القاهرة، 1997م.
9- فاتح علاق، مفهوم الشعرعندالشعراء الرواد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، سنة2005م.
10- فايز خضور، قدّاس الهلاك (قصيدة) دار فكر للأبحاث والنشرط1، بيروت 1995م.
11- كاملي بلحاج، أثر التراث الشعبيّ في تشكيل القصيدة العربيّة المعاصرة (قراءة في المكوّنات والأصول) اتّحاد الكتّاب العرب، دمشق، سوريا، 2004م.
12- محمّد عليّ عبد الخالق ربيعيّ، أثر التراث العربيّ القديم في الشعر العربيّ المعاصر، د ط، دار النشر 2005م.
** طالبة دكتوراه في الجامعة اللبنانيّة، كلّيّة الآداب.
[1] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، دار العودة، بيروت، ط 1969، ص 113
[2] – م. ن، ص 58.
[3] – سيّد إسماعيل: أثرالتراث العربيّ في المسرح المعاصر، دارقباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط 2000، ص 40.
[4] – ابن منظور لسان العرب، دار ص ادر، بيروت، لبنان، مجلّد2، ط 2 1992 ص 199 – 201.
[5] – حسين حنفي، التراث والتجديد ط 5، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، 2002، ص 13.
[6] – سيّد عليّ إسماعيل، أثر التراث العربيّ في المسرح المعاصر، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2000، ص 43.
[7] – فاتح علاق، مفهوم الشعرعند الشعراء الروّاد، منشورات اتّحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، ط 2005 ، ص 118.
[8] – عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، قضاياه وظواهره الفنّيّة والمعنويّة، دارالعودة، بيروت، لبنان ط 1981، ص 29.
[9] – حبيب بوهرر، تشكّل الموقف النقديّ عند أدونيس ونزارقبانيّ، عالم الكتاب العربيّ، عمّان، الأردن، ط 1، 2008م ، ص 14.
[10] – محمّد عليّ عبدالخالق ربيعيّ، أثرالتراث العربيّ القديم في الشعر العربيّ المعاصر، د ط، دار النشر 2005 ص 15.
[11] – كاملي بلحاج، أثر التراث الشعبيّ في تشكيل القصيدة العربيّة المعاصرة (قراءة في المكوّنات والأصول) اتّحاد الكتّاب العرب، دمشق، سوريا، 2004م ص 26.
[12] – السعيد الورقيّ، لغة الشعر العربيّ الحديث، مقوّماتها الفنّيّة وطاقاتها الإبداعيّة، دارالمعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة، مصر، 2002م ص 90.
[13] – عليّ عشريّ زايد، استدعاء الشخصيّات التراثيّة، دار الفكرالعربيّ، القاهرة، ط 1997، ص 121.
[14] – م نفسه، ص 7.
[15] – م نفسه، ص 190.
[16] – فايزخضور، قدّاس الهلاك (قصيدة) دار فكر للأبحاث والنشرط1، بيروت 1995 ص 74 – 75.
[17] – فايز خضور، م نفسه، ص 84.
[18] – فايز خضور، م ن، ص 26.
[19] – فايز خضور، م ن، ص 47.
[20] – فايز خضور، م ن، ص 97 – 98.
[21] – فايز خضور، م ن، ص 79 – 80.
[22] – فايز خضور، م ن، ص 8 – 9.