foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

الفضاء المعرفيّ الإسلاميّ ومعضلة الحقل المعرفيّ لفلسفة العلم

0

الفضاء المعرفيّ الإسلاميّ ومعضلة الحقل المعرفيّ لفلسفة العلم

علي زهري([1])

الملخص

يتحدث المقال عن الفضاء الفلسفيّ والمعرفيّ الذي نشأت داخله فلسفة العلم، والبنى الفكريّة التي وضعها الفلاسفة الحداثويون وما أنتج عنها من تدمير للأسس والمسلمات الأرسطية التي كانت سائدة في الوسط الفلسفي، بدءًا بالمبدأ الكانطيّ الذي شكل منعطفا أساسيًّا في نظرتنا وفهمنا للواقع، فأصبح هذا الأخير غامضا ومبهما ولا يمكن إدراكه والإمساك به، مرورا بنيتشه الذي أعلن موت الله إذ لم يعد لوجوده أيّ فائدة، ووصولًا إلى تأويلية هايدغر وظاهرتية هوسرل و وجودية سارتر التي أعادت الاعتبار إلى الذّات الإنسانيّة واللغة والأدب.

من ثم البحث في إمكانية الاستفادة من فلسفة العلم في الفضاء الإسلاميّ عن طريق عزلها عن فضاءاتها المعرفيّة وتنقيّة الجوانب التي يمكن الاستفادة منها من دون وجود أي خطورة على النّص الدّيني الإسلاميّ، وقد فعل المسلمون ذلك سابقًا عندما ترجموا التّراث اليونانيّ على الرّغم من أنه بقي يتضمن أفكارًا وثنية. في قبال من يرفض عزل الأفكار والعلوم عن فضاءها المعرفي، ويعدُّ عنصر الخصوصيّة أساسًا في فهم هذه الأفكار على أكمل وجه، أما إذا خرجت عن فضاءها فستتسبب في العديد من المشاكل التي ستولدها اللغة والبيئة المختلفة، والثقافة والعادات والتقاليد المغايرة، وكل ما يشكل عنصرًا مهمًا وأساسيًّا في عملية بناء الأفكار.

ومع أن الفضاء الإسلامي للوهلة الأولى قد يبدو متناقضًا مع الفضاء المعرفيّ لفلسفة العلم، ولكن يبدو أن هناك تشابهًا بينه وبين الفضاء الغربي، الأمر الذي سيفتح المجال للقول بإمكانيّة الاستفادة من فلسفة العلم ورفض عنصر الخصوصية لعزل الأفكار والبنى المعرفيّة عن بعضها البعض.

 

 

Article title: The Islamic cognitive space and the dilemma of the cognitive field of the philosophy of science.

The abstract

The article talks about the philosophical and epistemological space within which the philosophy of science arose and the intellectual structures developed by the modern philosophers,  and the resulting destruction of the Aristotelian foundations that prevailed in the philosophical field, starting with the Kantian principle, which constituted a fundamental turning point in our view and understanding of reality, Where this reality became vague and ambiguous, passing through Nietzsche, who announced the death of God, whose existence no longer has any benefit, to Heidegger’s interpretation, Husserl’s phenomenon, and Sartre’s existentialism, which restored consideration to the human subject, language and literature.

And then looking at the possibility of  using the philosophy of science in the Islamic space by isolating it from its knowledge spaces and purifying the aspects that can be benefited from without any danger to the Islamic religious text. The Muslims did this previously when they translated Greek heritage, although it still includes pagan thoughts.

In opposition to those who refuse to isolate ideas and sciences from their cognitive space, and consider the element of privacy essential in understanding these ideas. But if it goes out of its space, it will cause many problems that will be caused by the different language and environment, different culture, customs and traditions, and everything that is an important and essential element in the process of building ideas.

Although the Islamic space at first sight may seem contradictory with the cognitive space of the philosophy of science, but it seems that there is a similarity between it and the Western space, which will open the way to say that there is a possibility to using the philosophy of science and refuse the privacy factor to isolate ideas and knowledge structures From each other.

المقدّمة

فلسفة العلم هي فرع من فروع الفلسفة بمعناها العام، وهي تدخل ضمن حقل الفلسفات المضافة، والتي تشكّلت جميعها في أحضان الفلسفة الحديثة وتفرّعت عنها.

لقد غدت فلسفة العلم عمادًا أساسيًّا تقوم عليه العلوم، إذ يصعب في عصرنا هذا الحديث عن علم من دون فلسفة تقوّمه، وتبيّن ماهيّته وغاياته والبنى المنطقيّة التّصوريّة التي تؤثّر في نتائجه، فيبقى البحث برانيًّا غير متحيّز، لا جوانيّ غير موضوعيّ، تمارس عليه عوامل تفسيريّة وتحليليّة ونقديّة معياريّة يكون هدفها تطوير البنية الدّاخليّة للعلم المنشود.

ينبغي علينا أولا أن نُعرِّف الفلسفة، ونحدد الفضاءات المعرفيّة التي نشأت في بوتقتها فلسفة العلم، ومن ثمَّ نبين مدى قابليّة الفضاء المعرفيّ الإسلاميّ، وقدرته على احتواء فلسفة  العلم.

معنى الفلسفة

سأحاول قدر الإمكان أن أقف على تعريف للفلسفة بحسب المراحل التّاريخيّة المختلفة التي مرت بها.

لقد مرّت الفلسفة بمراحل متعدّدة تغيّر معناها ومفهومها وماهيّتها بحسب الظّروف الموضوعيّة الرّاهنة لها، ويمكن تقسيم مراحل تطوّر الفلسفة إلى ثلاث:

1ــ المرحلة الأولى هي مرحلة الفلسفة اليونانيّة، وتمتدّ من القرن السّادس قبل الميلاد إلى ما قبل ولادة المسيح، والفلسفة في هذه المرحلة تعدُّ محاولة منطقيّة عقليّة لتهذيب الفكر الإغريقيّ الأسطوريّ، ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى شقين:

الأول: هو زمن بلغت فيه الفلسفة أوجها مع أرسطو الذي ضمّن الفلسفة جميع العلوم النّظريّة والعمليّة ومن قبله أفلاطون والسّفسطائيين بشكل أقل، بعد أن كانت قبله وقبل أفلاطون والسفسطائيين محاولة لاكتشاف العنصر الأول الذي نشأت منه مادة الكون.

2ـ المرحلة الثانية: تسمى مرحلة القرون الوسطى، وتتميز هذه المرحلة بهيمنة الكنيسة على جوانب الحياة العامة جميعها الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة، و حُجِم دور الفلسفة والفلاسفة بشكل كبير، ولم تتطور الفلسفة كثيرًا، بل بقيت أبحاثها ومسائلها لا تتجاوز مادة أفلاطون وأرسطو، إذ يمكن القول إنّ الفلسفة في العصور الوسطى المسيحيّة والإسلاميّة هي محاولة للجمع والتّوفيق بين النّص الوحيانيّ المفارق وبين الفلسفة اليونانيّة.

كان المنهج المهيمن في هاتين المرحلتين هو منهج التّأمل العقليّ التّحليليّ والتّفسيريّ للكشف عن حقيقة العالم سواء أكانت تلك الحقيقة ماديّة أم ماورائيّة.

3ـ هذه المرحلة هي مرحلة الفلسفة الحديثة التي بدأت ملامحها في القرن السّادس عشر، وبرزت بشكل كبير مع كانط، فقد حصل انعطاف كبير وخطير في بنية الفلسفة وماهيتها، فقد تبنت الفلسفة الحديثة منطق الحقائق المتعددة لا الحقيقة الواحدة، فالواقع أصبح غامضًا ومبهمًا، ولم نعد نبحث عنه بشكله التّام والمطلق، وحصلت تغيرات جذريّة في المنهج المتبع، فأصبح للمنهج التّجريبيّ(هيوم) دور كبير، أمّا العقل فقد رفع إلى مرتبة المطلق(كانط)، ولكن دوره اقتصر على الحدود البشريّة والأفهام المتعددة التي يمكن أن يصل إليها، وتحوّلت المسلمات إلى فرضيات يمكن تدميرها في أيّ لحظة، فالظروف الفكريّة والثقافيّة التي هيمنت على المجتمع الغربيّ، وخصوصًا في عصر الحداثة تميّزت بميزتين أساسيتين: محوريّة الإنسان والتّعويل على العقل والتّجربة، وتحول العقل الغربيّ من الاعتماد على المنطق الأرسطيّ الذي يدّعي أنّ الواقع خامّ ويمكن إصابته، إلى المبدأ الكانطيّ الذي يقرّ بغموض الواقع وإبهامه ، والذي فتح المجال لإعادة صياغة مفهوم المنظومة الدّينيّة(1).

بدأت بشكل تدريجي عملية الفصل بين الفلسفة والعلم، فقد جعلت “ثورة جاليليو وكبلر وأخيرًا نيوتن في القرن السّابع عشر من الفيزياء موضوعًا منفصلًا عن الميتافيزيقيا…، وفي سنة 1852 فصل كتاب أصل الأنواع البيولوجيّا عن الفلسفة وعن اللاهوت، ومع بزوغ القرن العشرين انفصل علم النّفس متحررًا من الفلسفة كفرع مستقل من فروع المعرفة، وخلال الخمسين سنة الأخيرة تمخض الاهتمام الأخير للفلسفة بالمنطق على مدى ألف عام عن علم الكمبيوتر”(2)، فأضحت الفلسفة تارة يقتصر دورها على عملية الرّبط بين نتائج العلوم وأخرى في إبداع الأفاهيم والسستام الفلسفيّ، وثالثة في الجانب الأخلاقيّ، ورابعة في الجانب البراغماتيّ النّفعيّ، وخامسة محاولة الإجابة عن الأسئلة التي عجزت العلوم عن الإجابة عنها مثل: ماهو العقل؟ وما هي طبيعة علاقته بالمادة؟ ما هو الزّمان؟ وما هو الوجود؟ وما هي اللغة؟ وما هي علاقة العلوم ببعضها؟ وما الذي يميز المعرفة العلميّة من غيرها من المعارف البشريّة؟، وغير ذلك من الأسئلة(3). والسّؤال المطروح: أين هي فلسفة العلم من ذلك كلّه؟ وأيّ فضاء معرفيّ تنتمي إليه؟

في الواقع إنّ فلسفة العلم تنتمي إلى الطائفة الأخيرة من الأسئلة الفلسفيّة، فهذه الأسئلة وغيرها هي التي تشكل مدماكًا أساسيًّا لفلسفة العلوم، والتي لا نجد أجوبة لها في أيّ علم من العلوم. أمّا الفضاءات المعرفيّة التي تنتمي إليها فلسفة العلم فهي تصب في قالب الفلسفة الحديثة؛ بمعنى أن فلسفة العلم قد نشأت في الإطار الفكريّ والمعرفيّ للفلسفة الحديثة.

لقد عُرِّفت فلسفة العلم أنَّها الفلسفة التي تحاول أن تجيب “عن تلك الأسئلة المتعلقة بالعلم والتي لا نجد إجابة لها في أيّ علم بعينه من العلوم….”(4)، وما هي في جوهرها “إلا نقد للعلم، وهي تقوم بما يقوم به النّاقد في أيّ مجال من المجالات من تحليل وتفسير العمل محل النقد، ثم تقييمه ، وإيضاح مدى اقترابه أو ابتعاده من الصورة المثلى للإبداع”(5).

إنّ فيلسوف العلم يدأب على “شرح مقومات العلم وتحليل مفاهيمه الأساسية، كمفهوم الزّمان والمكان والمادة والحركة والعلاقة والإمكان والضرورة و….”(6). وعُرِّفت أيضًا أنّها “علم العلم وحكمته التي أخذت على عاتقها مهمة البحث عن قضابا مهمة بالنّسبة إلى العلم….. وذلك ضمن دراسة تحليليّة نقديّة من خارج العلم، منطلقًا من هدف تقويميّ أساسه السّعي نحو تصحيح خطى العلم المعرفيّة وتطوير مناهجه البحثيّة ومساعدته على تخطي العقبات التي تعترض مسيرته العلميّة”(7).

فلسفة العلم في الفضاء المعرفيّ الإسلاميّ

إنّ إشكاليّة الفضاء المعرفيّ التي وُلدت في أحضانها فلسفة العلم قد تشكل عنصرًا مانعًا ومخيفًا أمام علماء الإسلام من الاقتراب منها، نظرًا إلى الأسس اللادينيّة المعرفيّة والفلسفيّة التي تنطلق منها، والتنائج السلبيّة والمدمّرة التي توصل إليها. صحيح أنّ التّعامل مع النّص الدّينيّ من قبل علماء الفقه والأصول المسلمين يحتمل تفسيرات ومعانٍ متعددة، ولكن المعضلة لا تكمن في تعدد التّفاسير والقراءات التي هي عماد عمليّة الاجتهاد، وإنّما في الأساس المعرفيّ والآليات المعتمدة. فهناك خيوط وأساسات وبنيان ثقافيّ معرفيّ وفلسفيّ نشأت في أحضانها فلسفة العلم، بدءًا بالمبدأ الكانطي الذي شكل منعطفًا أساسيًّا في نظرتنا وفهمنا للواقع، فأصبح هذا الأخير غامضًا ومبهمًا ولا يمكن إدراكه والإمساك به، مرورًا بنيتشه الذي أعلن موت الله الذي لم يعد لوجوده أيّ فائدة(8)، ووصولًا إلى تأويليّة هايدغر وظاهرتيّة هوسرل ووجوديّة سارتر التي أعادت الاعتبار إلى الذَّات الإنسانيّة واللغة والأدب(9).

فقد عدَّ هايدغر أن الوجود ينكشف بشكل تدريجيّ للإنسان من خلال اللغة التي تشكل وتكوّن هذا الوجود في لحظة الكشف عنه، فلا يوجد شيء عند هايدغر خارج اللغة والشّعر(10)، أمّا هوسرل فقد اتسمت ظاهريته بعامل التّوفيق بين مثاليّة كانط التي فشلت في تفسير الواقع وبين الفلسفة التّجريبيّة التي لم تعط الاعتبار للذات الإنسانيّة المدركة(11)، وقد ظهرت قيمة الذّات الإنسانيّة بشكلها المثاليّ مع سارتر الذي قال: إنّ وجود الإنسان متقدم على ماهيته التي يكون فيها الوجود الفرديّ تابعًا لتصور مسبق للإنسان ومحددًا لماهيته، كلّ هذا أدى إلى اللعب الحرّ على اللغة عند البنيويّة والتّفكيكيّة التي نفت وجود مرجعيّة للنص، وأعلنت موت المؤلف. ولم تعد “العلاقة بين الكلمة والشيء أو بين الدّال والمدلول علاقة تشابه، وكان يصعب تأكيد المعرفة من دون وجود رابطة حقيقيّة بين طرفيّ العلامة، ومع التّحول المعرفيّ الذي امتد طوال العصر الكلاسيكيّ للفلسفة الغربيّة؛ أيّ طوال القرنين السّابع والثّامن عشر، تحول التّشابه المفترض بين الدّال والمدلول إلى التّصوير أو التمثيل، ولم تعد اللغة مجموعة من الرّموز أو الدّالات التّقليديّة التي تمارس معها آليات المنطق الأرسطيّ نشاطها. مع التّحول المعرفيّ الجديد نقترب من مفهوم اللغة كنظام له وحدته وتماسكه الخاصان به”(12).

ولكن إذا استطعنا عزل فلسفة العلم عن فضاءاتها المعرفيّة وتنقية الجوانب التي يمكن الاستفادة منها من دون وجود أيّ خطورة على النّص الدّينيّ الإسلاميّ وقدسيته، فإنّه لا مناص من حاجة المسلمين إلى الاستفادة من فلسفة العلم. وفي الواقع إنَّ المسلمين قد فعلوا شيئًا مماثلًا من هذا، وذلك عندما ترجموا علوم اليونان وتقبلوها بشكل كبير، فقد كانت الفكرة السّائدة لدى الباحثين شرقيين وأوروبيين “أنّ المنطق الأرسططاليسي قوبل في العالم الإسلاميّ حين ترجم وتوالت تراجمه أحسن مقابلة، فسرعان ما عدَّته المدارس الإسلاميّة على اختلاف نزعاتها وتباين أغراضها قانون العقل الذي لا يرد، والمنهج العلميّ الثابت”(13) مع أنّ الفلسفة اليونانيّة هي عمليّة تهذيب للفكر الإغريقيّ الوثنيّ،  “فقد ظهر بين مفكريّ اليونان من نادى بالتّوحيد ودعا إليه على الرّغم من الكمِّ الهائل للآلهة اليونانيّة، ولعل أكثر المفكرين أهمّية هم زينوفان وسقراط ومعهما مدرسة وحدة الوجود التي يمثلها بارمنيدس”(14)، ولكن لم تستطع الفلسفة اليونانيّة بمنهجها العقليّ أن تخرج بشكل كامل عن هذا الفكر الوثنيّ، وقد عمل المسلمون على تنقية هذا الفكر من شوائبه الوثنيّة، ومن ثم قبلوا منه ما لايضر عقائدهم ونصوصهم.

ومن هنا، إنّ انفتاح النّص الدّينيّ على آليات خارج الفضاء المعرفي ومناهجه الذي تشكل داخله لا يضر بروحه وجوهره  ومنطقه المفارق أو المحايث.

ولكن يوجد من يرفض عزل الأفكار والعلوم عن فضاءها المعرفيّ، ويعدُّ عنصر الخصوصيّة أساسيًّا في فهم هذه الأفكار على أكمل وجه، أما إذا خرجت عن فضاءها فستتسبب في العديد من المشاكل التي ستولدها اللغة والبيئة المختلفة، والثّقافة والعادات والتّقاليد المغايرة، وكل ما يشكل عنصرًا مهمًا وأساسيًّا في عملية بناء الأفكار، ولنضرب مثالًا على أهميّة عنصر الخصوصيّة بما يتعلق بالفلسفة اللغويّة التّفكيكيّة التي نشأت أولًا في المانيا على يد هايدغر، ثمَّ انتقلت إلى فرنسا مع دريدا، ومن ثم ترجمت إلى العربيّة وتأثر بها رواد الفكر العربيّ بشكل كبير، لذلك نجد العديد من الدّعوات التي تنادي بالمنطق التّفكيكيّ في فهم النّصوص. ولكن إذا تأملنا قليلًا سأجد أنّ البيئة الألمانيّة تميل إلى التّدمير والتّصحيح؛ أيّ إلى تفكيك النّص وإسقاطه عن الاعتبار، ومن ثمّ إعادة ترميمه، فقد افترض هايدغر أنّ التّقاليد التي تتحكم في الإنسان هي الآلهة عند الإغريق التي تحاول تثبيط عزيمته  وتدمير ذاتيته، ومرحلة نضج الإنسان تظهر عندما يكثر في التّساؤل عن ماهيّة التّقاليد وقيمتها من دون العمل على تدميرها، وإنَّما على تصحيحها، هذا الرّفض للتّدمير قد تولد عند هايدغر بتأثير من البيئة الألمانيّة التي تنحو اتجاه ثنائية التّدمير والتّصحيح، من دون الانطباع بقوالب منفردة كما في وجوديّة سارتر التي رفضت التّقاليد بشكل مطلق، وتفكيكيّة دريدا التي رفضت وجود أيّ مرجعيّة، وذلك بتأثير من البيئة الفرنسيّة التي تتصف بالتّدمير الدّائم ومن دون التّرميم، فالتّدمير “الذي يقصده هايدغر هو عمليّة للكشف عما حجبته التّقاليد وأخفته بأحكامها ومفاهيمها وكينونتها”(15).

من هنا، قد يذهب البعض إلى القول إنّ الفضاءات المعرفيّة التي شكلت فلسفة العلم مختلفة تمامًا مع الفضاءات الإسلاميّة، فالأولى تتضمن قطيعة معرفيّة مع الماضي ومع المطلق المفارق، وتهديم المثل العليا التي يقوم عليها الدّين ومن ثم إعادة ترميمها تحت لواء العقل الإنسانيّ المحايث، أمّا النّص الدّينيّ الإسلاميّ فمصدره مفارق ومجاوز وقدسي لا يمكن الإزاحة عنه أو القطيعة معه، فلا يزال الدّين والنّص الدّينيّ يمثل مرجعيّة قدسيّة غيبيّة، ولا يعني ذلك نفي دور العقل، بل إنّ الفقهاء قد أعطوا دورًا كبيرًا للعقل في كثير من الموارد.

ولكن لا بدَّ من التّوقف قليلًا عند هذا الاختلاف بين الفضاءين، وينبغي علينا أن نطرح السؤال الآتي: هل يوجد إسلام منعزل ومنفصل عن تصور المسلمين له؟

لقد ميز عبد الكريم سروش في كتابه القبض والبسط في الشّريعة بين أمرين: الدّين في ذاته والدّين كما يظهر لنا، ويدّعي سروش أنّ المعرفة الدّينيّة هي واحدة من المعارف البشريّة، وبما أنّ المعارف البشريّة هي في حالة تغيّر وسيلان فإن المعرفة الدّينيّة  ستتأثر بتطور هذه المعارف وتغيّرها قبضًا وبسطًا، لذلك يجب أن نميّز بين الدّين بما هو أمر واقع موجود عند الله وبين فهمنا ومعرفتنا له، وقد ذكر سروش عدة فروقات بينهما:

1ـ الدّين لا تناقض فيه ولا اختلاف، أمّا الفهم الدينيّ فمليء بالتّناقضات والاختلافات.

2ـ الدّين حقّ كلّه، أمّا الفهم الدينيّ فمنه ما هو حقّ ومنه ما هو باطل.

3ـ الدّين كامل وتام لا نقص فيه، بخلاف المعرفة الدّينيّة.

4ـ الدّين لا يتأثر بالثقافات والأفكار الدّخيلة، أمّا المعرفة الدّينيّة فهي مشروطة بها.

5ـ الدّين ثابت، أمّا المعرفة الدّينيّة فهي متغيّرة وسيّالة بتغيّر المكان والزمان والظروف(16).

إذا عرّجنا إلى علماء الفقه الإسلاميّ سنجد بذورًا لهذا التّفريق عندهم في الفقه، بل إنّ له جذورًا كلاميّة أشارت له مجموعة من الرّوايات التي تنفي إمكانيّة معرفة الله في ذاته وإدراك كنهه وحقيقته. هذا التّوجه يعكس وجود بعد ابستيمولوجيّ متكون ومتشكل في صدر الإسلام، هذا البعد يتجاوز ثنائيّة الذّات والموضوع الذي خلقها عقل أرسطو، إلى الفصل بينهما كما فعلت الحداثة الغربيّة، فالموضوع في ذاته أصبح غامضًا ومبهمًا ويصعب الإحاطة به، وما يتقولب في ذهننا مقتصر على هذه المفاهيم الظاهرة التي هي حصيلة تفاعل بين الذّات والموضوع كما يظهر لنا، ومن هنا فإنّ الوسائل التي تستخدمها الذّات لفهم الموضوع ستبقى في حالة من التّبدل طالما أن فهمنا للموضوع سيكون فهمًا سيالًا.

من هنا يمكن القول بوجود تشابه كبير بين الفضاءين المعرفيين، وإن كان هناك من اختلاف فهو طفيف جدًا.

نعم، إذًا لاحظنا الجوانب الأخرى للحداثة، والتي ترتبط بالتّحولات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، فيصعب علينا أن ندّعي وجود حداثة مماثلة في السّاحة الإسلاميّة، وإنما ينبغي الاقتصار على عنصر التّحديث، ففي العالم الإسلاميّ والعربيّ حدث تحديث غير مسبوق بحداثة كما حصل في أوروبا وبعض دول الشّرق، وفرق واسع بين الحداثة والتّحديث، فالحداثة وعي كوني تقدمي، ونتاج أفكار وفلسفات وتحولات تاريخيّة خلقها فلاسفة ومبدعون وعلماء، وهي “ثورة فكرية لفلاسفة ومخترعين ومبدعين أدت إلى الثورة الصناعيّة والثورة الأمريكيّة والثّورة الفرنسيّة”(17).

المصادر والمراجع

1- حب الله، حيدر، التّعدديّة الدّينيّة نظرة في المذهب البلوراليّ، ط1، دار الغدير، بيروت 2001م، ص.ص 77 ــ 78.

2 – روزنبرغ، أليكس، فلسفة العلم، مقدمة معاصرة، ترجمة وتقديم فتح الله الشّيخ وأحمد عبد الله السّماحيّ، راجعه وشارك في الترجمة نصار عبد الله، ط1، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ص 13.

3 – راجع: م.ن، ص 11.

4 – الشّيخ، فتح الله، السّماحي، أحمد عبد الله، مقدمة كتاب فلسفة العلم، مقدمة معاصرة، راجعه وشارك في التّرجمة نصار عبد الله، ط1، المركز القومي للترجمة، القاهرة ، ص 9

5 -م.ن، ص 9

6 – م.ن ، ص 9.

7 – مصطفويّ، محمد، فلسفة الفقه، دراسة في الأسس المنهجيّة للفقه الإسلاميّ، مراجعة وتقويم فريق مركز الحضارة،  ط1، مكتبة مؤمن قريش، بيروت 2008م ، ص 9

8- راجع: نيتشه، فريدريك، العلم المرح، ترجمة وتقديم حسان بورقية ومحمد النّاجي، ط1، أفريقيا الشرق، المغرب 1993م.، ص 122، وراجع أيضًا: نيتشه، فريدريك، إرادة القوّة، ترجمة وتقديم محمد النّاجي، لا ط، أفريقيا الشّرق، المغرب 2011م، ص 11.

9- راجع: حمودة، عبد العزيز، المرايا المحدبة، من البنيويّة إلى التّفكيّك، لا ط، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1998م ، ص 68.

10 – هايدغر، مارتن، الكينونة والزّمان، ترجمة وتقديم وتعليق فتحيّ المسكينيّ، مراجعة إسماعيل المصدق، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت 2012م، ص 312.

11 – راجع: م.ن، ص 75.

12 -م.ن، ص 130.

13 -النّشار، علي ساميّ، مناهج البحث عند مفكريّ الإسلام، ط3، دار النّهضة العربيّة، بيروت 1984م، ص 10.

14 – الماجدي، خزعل، المعتقدات الإفريقيّة، ط1، دار الشّروق للنشر والتوزيع، عمان 2004م، ص 90 ــ 91.

15 – حمودة، عبد العزيز، المرايا المحدبة، من البنيويّة إلى التّفكيك، م.س، ص 202.

16 – راجع: سروش، عبد الكريم، القبض والبسط في الشّريعة، ترجمة د. دلال عباس، ط2، دار الجديد، بيروت 2010م ، ص.ص 30 ــ 31.

17 – التّميميّ، عبد المالك خلف، الحداثة والتّحديث في دول الخليج العربيّة منذ منتصف القرن العشرين، لا ط، المجلس الوطنيّ للثّقافة والفنون والآداب، الكويت 2018، ص 19.

 

[1] – طالب دكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية، الجامعة اللبنانية_قسم الفلسفة.

Ali.zehri.1991@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website