foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

طرق إدراك الواجب والممكن والعلاقة بينهما من وجهة نظر ملا­صدرا

0

طرق إدراك الواجب والممكن والعلاقة بينهما من وجهة نظر ملا­صدرا

هذه المقالة مستلة من رسالة مقدّمة لنيل درجة الدکتوراه في قسم الفلسفة والکلام الإسلاميّ بجامعة أصفهان

د. مهدي تيموري([1])/ د. محمد بيدهندي([2])/ د. مهدي كنجور([3])

الملخص

يهدف هذا المقال إلی تسليط الضوء علی تعريف الوجود بقسميه: الواجب والممكن، وتأثيرهما المتبادل، کما يسعی وراء شرح وتبيين الإدراك البشري لوجود الواجب والممكن والعلاقة الثنائيّة بينهما من وجهة نظر ملا­صدرا علی ضوء المنهج الوصفيّ التّحليليّ؛ فتصرّح مبادئه الفلسفيّة علی أن مناهج إدراك حقيقة الواجب والممکن ومفاهيمهما، ترتبط بعضها ببعض وتؤثر بعضها في البعض؛ إذ إنّه إذا قصد من  إدراك مفهوم الممکن معرفة الله عزّ وجلّ تؤدي دورًا إعداديًّا حيويًّا لإدراك مفهوم الواجب کما أنّ إدراك مفهوم الواجب أيضًا تمثّل علة معدّة في إدراك وجود الممکن؛ والبيان أنّه إدراك مفهوم واجب الوجود في بعض الحالات قد تؤدي إلى إدراك وجود الممكن. هذا وتسبق إدراك وجود الواجب إدراك وجود الممکن، وتعزيز معرفة الواجب فكرياً وعملياً يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الإدراك الحضوريّ للممكن ، كما أن لمعرفة مفهوم الممکن دورًا إعداديًا في إدراك وجود الواجب.

الكلمات المفتاحيّة: الإدراك، الوجود، الممكن، الواجب، ملا­صدرا

The methods of cognition of human existence to the obligatory and possible and their two-way relationship from Sadra’s point of view

 

Abstract

The purpose of this article is to identify the methods of knowing the types of existence, both obligatory and possible, and their interaction with each other. This research seeks to explain the methods of cognition of human existence to the obligatory and possible and their two-way relationship from Sadra’s point of view with a descriptive-analytical approach. The present article, based on Mulla Sadra’s principles, shows that the existential and conceptual epistemological methods, in the obligatory and possible, are related to each other and affect one another. In such a way that possible conceptual cognition, if the cognitive agent intends in the direction of theology, has a numerical role in the obligatory conceptual cognition, and reciprocally, the obligatory conceptual cognition is also a numerical cause in the existential cognition. It explains that the conceptual knowledge of the obligatory can, in some cases, lead to existential cognition of the possible. The obligatory existential cognition precedes the existential cognition, and the strengthening of the cognition of the obligatory through intellectual and practical behavior can lead to the strengthening of the present cognition of the possible, and the possible conceptual cognition also has a numerical role in the cognition of the obligatory existence.

Keywords: Awareness, Existence, Possible, Duty, Mulla Sadra

المقدمة

إنّ موضوع الفلسفة، قبل إثبات أصالة الوجود أي “موجود بما هو موجود” وبعد إثباته هو “الوجود”؛ لذلك فإنّ المحور الأساسيّ في الفلسفة هو “الوجود” والفلسفة قائمة على إدراك الوجود. وفي الحكمة المتعاليّة، بناءً على المبادئ الوجوديّة المحددة والمقدمة فيها، يُتخاذ مسار خاص نحو إدراك الوجود، ولهذا السّبب، تتمحور المباحث الفلسفيّة حول معرفة الوجود. وتعتمد معرفة الوجود على اكتشاف وفهم معانيه المختلفة. وعلی هذا الأساس فإنّ للوجود معنيان: أحدهما معنى انتزاعيّ عقليّ من المعقولات الثانية التي لا يتحقق في الخارج ما يسمى الوجود الإثباتيّ، وثانيهما الأمر الحقيقي الذي يطرد العدم بذاته([1]). وهذه نقطة مهمّة ينبغي الالتفات إليها في معرفة مختلف أنحاء الوجود؛ منها الواجب والممكن خاصة عندما نرمي إلی اکتشاف العلاقة بين معرفة الوجود المطلق أيّ الله سبحانه وتعالی والممكنات أي المخلوقات. إنّ الارتباط بين إدراك وجود الواجب والممكن، ومفهومهما وتأثيرهما المتبادل في المنهج الصدّريّ ما لم يحظ باهتمام الفلاسفة.

فلهذه الضرورة نسعی في هذا المقال وراء دراسة تأثير إدراك وجود الواجب، ومفهومه علی إدراك وجود الممكن ومفهومه من وجهة نظر ملا صدرا وتأثيرهما المتبادل، مع تسليط الضوء علی مختلف زوايا هذه المسألة بعناية؛ فيتمحور البحث علی المحاور الآتية:

  1. ما هي العلاقة والمناسبة الموجودة بين إدراك وجود الممکن وإدراك مفهوم الممکن؟
  2. ما علاقة إدراك وجود الواجب بإدراك مفهومه؟
  3. هل يؤثر إدراك وجود الواجب ومفهومه علی إدراك وجود الممکن ومفهومه؟

2- إدراك حقيقة الوجود ومفهومه

يتحصل العلم والمعرفة للإنسان بطريقين: إمّا أنّ ينكشف له المعلوم بشكل مباشر ومن دون واسطة أو بوساطة الغير؛ والأول هو الحضوريّ والثاني هو الحصولي.

هذا وأن إدراك الوجود أيضًا يتحصل إمّا بإدراك حقيقة الوجود أو مفهومه.

  • إدراك حقيقة الوجود أو کنه الوجود

بما أنّ حقيقة الوجود هي عين الخارجية والوجود العينيّ، فلن تتبادر إلى الذّهن ولن تتصور فيه، على عكس الماهيات التي هي حقائق مشتركة بين الذّهن والخارج، فإما قد تتحقق في الخارج بوجودها الخارجيّة أو تحضر في الذّهن بوجودها العقلي. ولهذا يقال أن الماهية الخارجية تتحقق في الذّهن بکنه ذاتها، وأيّ تغيير يطرأ في الوجود لا يؤثر على الماهية. ولذلك عندما لا يمكن تصور حقيقة الوجود وصورته ذهنيّة، يمکننا الاستنتاج أنّه لا يمکن تعريف الوجود لا بالحدّ ولا بالرّسم، وإذا لا يمکن تعريف الوجود لا بالحدّ ولا بالرّسم ولا حتى بالتّساوي لذلك، فإنّ العلم الحصوليّ لن يكون له معنى في ما يتعلق بحقيقة الوجود، فإنما يبقى العلم الحضوريّ الذي يمتنع إدراك حقيقة الوجود إلا به([2]). إدراك مفهوم الوجود

إنّ حيثيّة الوجود، بخلاف حيثيّة المفهوم، ليست من اللاشرط من الذّهن ومن الخارج، بل هي عين الخارجيّة، لذلك إن ما يتحقق في الذّهن من الوجود وخصائص الوجود الذّهني مثل الکليّة والعموميةّ وغيرهما هو مفهوم الوجود وليس حقيقة الوجود، وهذا المفهوم ليس سوى وجه وحيثيّة لحقيقة الوجود.

في مفهوم الوجود، إذا كان هناك عمومية بالنسبة إلی مصاديق الوجود، فهي ليست نوعًا ولا جنسًا بل عموميتها تشبه عمومية مفهوم الشّيء والعرض بالنسبة إلی الأشياء والأعراض التّسعة. وعلى الرّغم من عمومية هذين المفهوميّن، إلا أنهما يلزمان حقيقة الشيء لا عين حقيقته. وفي الواقع، فإن مفهوم الوجود أمر انتزاعي يمثّل رمزًا للوجود الخارجي. وفي الحقيقة، فإنّ علاقة مفهوم الوجود بحقيقة الوجود هي علاقة الإشارة بالمشار إليه أو علاقة الرمز بالحقيقة العينيّة([3]).

3- إدراك الوجود من حيث حقيقته (العلم الاکتناهي بالوجود) وخصائصه

لإدراك حقيقة الوجود وجهان: أحدهما سلبيّ والآخر إيجابيّ. الوجه السلبيّ لإدراك حقيقة الوجود هو أن حقيقة الوجود لا تتحقق في الذّهن وهي لا تتغير في الحقيقة؛ أي أنه لا ينتقل من الخارج إلى الذّهن ولا من عقل إلى آخر، بل هو أمر خارجيّ وعيني بالذّات، وما هو خارجي وعيني بالذّات لا يمكنه أن يتحقق في الذّهن، وبعبارة أخری ليس «من حيث هي ليست إلا هي» حتی يتحقق بذاته في الذّهن. وإذا كان لحقيقة الوجود وجود ذهنيّ؛ يستلزم أن يحفظ الذّات والذّاتيات في كل موطن ولا يغير ذاته بتحققه في الذّهن، ويکون حقيقة الوجود متساوية في الذّهن والعين([4]). إنّ حقيقة الوجود، لن تنتقل إلى الذّهن، فتنفي الإدراك الاکتناهي لحقيقة الوجود عبر المفهوم والذّهن. فالإدراك الاکتناهي إدراك ذاتي؛ هذا وبما أن الإدراك المفهوميّ الذّهني لحقيقة الوجود ليس إدراكًا ذاتيًّا، لذلك لا يمكن الحصول على الإدراك الحقيقي والاکتناهي بواسطة المفهوم([5]). كما تقدّم في بيان الجانب السّلبي لوجود الحقيقة، لا يمكن إدراك حقيقة الوجود بواسطة المفهوم؛ ومن ثمَّ، فإن الطريقة الوحيدة لإدراك حقيقة الوجود هي العلم الحضوريّ والشّهوديّ. فالعلم الحضوريّ هو الطريق الوحيد لإدراك وجود، حقيقته خارجية ومؤثرة. ونتيجة لذلك، وفقًا لملا صدرا، لا يمكن تصور حقيقة الوجود أو نحو من أنحائه إلا بالعلم الحضوريّ([6]) بعد ما تقدّم من خصائص معرفية لحقيقة الوجود، جاء دور دراسة كيفيّة العلم الحضوريّ بأنحاء الوجود أيّ الممكن والواجب. بناءً على هذا، سنتطرق إلی العلم الحضوريّ بالممكن أولًا ثم ننتقل إلی دراسة العلم الحضوريّ بالواجب.

3-1- العلم الحضوريّ بالممکن

فالعلم الحضوريّ قد يتعلق بالواجب أحيانًا کما يتعلق بالممکن في حين آخر؛ هذا وللعلم الحضوريّ بالممکن سمات خاصة تميزه من خصائص العلم الحضوريّ بالواجب. والعلم بالممکنات قد يتحصل للعوام من الناس ما يطلق عليه العلم العام بالوجود، ولکنه عندما يتحصل لأهل الکشف والشهود يطلق عليه العلم الخاص بالوجود.

3-1-1 العلم العام بوجود الممكنات

ينحصر هذا نوع من العلم علی علم الإنسان بنفسه وآثارها؛ لأنه لا يمكن للعوام إدراك وجود ممکنات سوی أنفسهم. واستناداً إلى أصالة الوجود، توصل صدر المتألهين إلى أن المجعوليّة هي عين وجود الممکن والممكن، عين الفقر والحاجة إلى العلة، وليس له حيثيّة مستقلة، إذن فالموجود الذي هو عين الربط ومتقوّم بالعلة، يتوقف العلم به علی المربوط إليه ومقوِّمه؛ لأن العلم بالمتقوم يتوقف علی العلم بالمقوّم([7]). وعليه، ووفقًا لإمكان الماهية يمکن إدراك الممكن دون معرفة واجب الوجود؛ لأن الممکن على الرّغم من أنه بلحاظ الإمکان غير مرتبط بواجب الوجود شأنًا، وقابليّة لکنه بناء علی إمکان الافتقار يمتنع إدراك الممکن من دون معرفة واجب الوجود.

فليس للمعلول واقعيّة سوى القيام والارتباط، والتدلّي بالعلّة فهو يرتبط بواجب الوجود ارتباطًا ذاتيًّا هذا أولًا، وثانيًّا لا يمكن معرفة ذلك إلا بالعلم الحضوريّ الشّهوديّ؛ لأن ما حيثيته عين ترتّب الآثار، لا يعرف بالعلم الحصوليّ المفهوميّ، وثالثًا، لا يتحصل العلم بالمعلول والمسبب إلا عن طريق العلم بالعلة والسبب ونتيجة لذلك، فإنّ العلم الحضوريّ بالمعلول لا يتحقق إلا عن طريق المشاهدة الحضوريّة للعلة أيّ الله سبحانه وتعالی، والمشاهدة الحضوريّة للمعلول يساوي المشاهدة الحضوريّة للعلة. فكما أن ذاته مبدأ وجود الأشياء عنه، فكذلك شهود ذاته مبدأ شهود ذوات الأشياء. ويتوقف العلم بالممکنات علی ذات الواجب کما يتوقف عليه في ماهياتها وأجناسها وفصولها. مثلما لا يمكن معرفة الماهيات المركبة من دون فهم مقوماتها الجنسيّة والفصليّة، فلا يمكن معرفة وجود ما من دون فهم مبادئه الوجودية ومقوماته الفاعليّة. إنّ الوحدة وعينية الربط بعلة الوجود الممکن تجعل من المستحيل فهمه من دون إدراك تعلقه، وارتباطه بالوجود المستقل الذي هو فاعله وجاعله. إنّ تقوّم الممكنات بواجب الوجود تقوم خارجّي والعلم بها حضوريّ. فلا يُعلم الممکن إلا بالعلم الحضوريّ؛ لأنّه ليس “مقولة في جواب ما هو” والخارجيّة عين ذاته، ومقوّمه ليس من الأمور المفهوميّة بل الذّات الإلهيّة([8]).

«لا يتحقق تحصيل العلم بنحو من أنحاء الوجود إلا بالمشاهدة الحضوريّة، وإنما تتحقق المشاهدة الحضوريّة بمشاهدة العلة الفياضة، ولهذا يقال: لن يتحقق العلم بصاحب السبب إلا بالعلم بالسبب»([9]).

لا يمکن إدراك شيء إلا بمعرفة خالقه ومبدئه. ومن ثم لا يمكن معرفة الأشياء من دون معرفة الله؛ لأنه كما يقول الحكماء، لا يحصل العلم اليقيني بالأشياء إلا بالعلم بأسبابها وعللها. فلهذا السبب، لا يحصل العلم بأي شيء إلا بالعلم بعلة الشيء نفسه، أي العلم بالله وشهوده. ويرى ملا صدرا أنّ فهم مثل هذه المسألة وهي أن العلم بالممکن يتوقف علی العلم بواجب الوجود يتطلب ذهنًا رقيقًا صافيًّا ويتوقف علی تنقية الروح من العلائق الدّنيويّة التي تصدئ قلب الإنسان وتظلمه([10]).

3-1-2- العلم الخاص بوجود الممكنات

في العلم الحضوريّ الشّهوديّ بالممكنات، فإنّ الادعاء الأول هو إمکان شهود الأشياء بشهود الحق؛ أيّ إذا شاهد المرء الحق، فإنه يعرف الأشياء کلها شهوديًّا، والادعاء الثاني هو أنّه إذا لم يشاهد المرء الحق سبحانه، فإنه لا يعرف شيئًا على الإطلاق. ينتهي سلوك بعض السالکين باللقاء الإلهي وهم لا يكملون السّفر، ولکن البعض الآخر – وهم زبدة من السّالکين الواصلين الذين يدخلون هذا الوادي – لا ينتهي سلوکهم بلقاء الله، بل يبدأ سفرهم في هذه المرحلة من الحقّ إلى الخلق بالحقّ. ويتوج إنجاز هذه الصفوة من السّالکين الواصلين في سفرهم الرّوحاني بنقطتين؛ أولاً: يتنور السالك الواصل بالنّور الإلهي فيری كل شيء في مرآة الحق فيشاهد ما سوی الله بعلم الحق الشّهوديّ. في هذه المرحلة، يكون الحقّ مرآة له يرى فيها العالم كله. والثاني: يصبح السالك الواصل متحققًا بالوجود الحقانيّ؛ وفي الواقع يتبدل الوجود الخلقي إلی وجود الفيض الحقانيّ. فيصبح علم السالك بنظام الخلق العلم من العلة بالمعلول في عالم الشهود ولا المفهوم. إنه يری الخلق ممكن يتجاوز المتعالي من خلال المعرفة البديهية للمتسامي. إنّه يرى الخليقة، ولكن هذه المرة، عكس ما قبل وصاله إلى الحقّ، يرى الخلق من الحقّ وفي الحق. يبدأ العارف الكامل سيره في عالم الحقائق إذ يتنور بنور ربه. ومن ثَمَّ، في عالم الشهود في السلوك، يمكن إثبات قاعدة “العلم التام بالمعلولات لا يحصل إلا بالعلم بعللها”([11]).

3-2- العلم بوجود الواجب

للعلم بواجب الوجود، يمكن تقديم تقسيمات منها: العلم الاكتناهي والعلم غير الاكتناهي. کما يمكن أيضًا تقسيم العلم غير الاكتناهي إلى العلم الوجودي والعلم السلوكيّ. يستحيل العلم الاكتناهي بالله القدير. إنّ العلم محدود والذّات الإلهي غير محدود وهذا ما يمنع أن يکون العلم بالله علمًا اکتناهيًّا. فالاعتراف بالعجز عن العلم به يعني العلم بجهل الإنسان عن ذلك الوجود الأعلی. فإنّ الأنبياء والأولياء متحيرين في الذّات الإلهيّ، وقد قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك»([12]).

إنّ العلم غير الاکتناهي يعني العلم بالذّات الإلهي من وراء الحجاب والتّعين؛ إذ يمتنع إدراك الهُويّة الإلهية المطلقة من دون حجاب. فالعلم غير الاکتناهيّ علم حضوري بالعلة بقدر سعة المعلول الوجوديّة. العلم غير الاکتناهي الحضوريّ فهو إما وجودي وإما سلوكي. وهو لا يتوقف عند السلوك المعنوي. فمثل هذا العلم ممكن، بل محقق بالنسبة إلى الإنسان، سواء أكان سالکًا أو غير سالك. لذلك، يمكن العلم الحضوريّ بواجب الوجود بطريقتين:

أ) العلم الوجودي الفطري (من دون النظر إلى إدراك ما سوى الله)

إنّ العلم الوجودي بلله تعالى علم فطري، وكل إنسان يجد العلم الحضوريّ بواجب الوجود في جبلته وتکوينه، أو بعبارة أخری معرفة الله مجبولة في وجودهم ونفوسهم. فبما أن الإنسان يعرف الله بالعلم الشّهوديّ، لا يحتاج إلی الأدلة والبراهين في معرفة الله. فهذه المعرفة الفطرية الوجودية لله تمهد الطريق نحو توحيد الألوهية، وجوديًّا وفطريًّا والبحث عن وجود لانهائي للتوکل عليه. وهذا أمر فطري يختلف بين شخص وآخر بالتّشكيك. فبعض الناس، نظرًا لصفاء فطرتهم، من البداية يمتلکون علمًا مركبًا بالله تعالی، لكن البعض الآخر، بسبب دناءة فطرتهم، يمتلکون علمًا بسيطًا، وعندما يقعون في ورطة المصاعب ويستولی عليهم الخوف يظهر هذا العلم جليًّا، ويصبح علمهم البسيط بالله القدير علمًا مركبًا وإدراكًا واعيًا. فبما أن العلم بالله فطري، فمن المؤكد يستغني عن الإتيان بالأدلة والبراهين؛ ولو لم ترتفع الحاجة بالتنبيه([13]). وبعبارة أخری، معرفة الله تعالى فطرية غريزية للعقول([14]).

الإدراك الفطري للإنسان هو نفس العلم الشّهوديّ المباشر للإنسان بالحق سبحانه. فهذا العلم الشّهوديّ ناتج عن حقيقة تکوينية وجوديّة ونقص الإنسان وافتقاره إلى الله تعالى. والنّفس تشاهد الله بسبب فقره وربطه الموجود فيه. هذا هو السبب في أن جميع الناس يعترفون بألوهية الله تعالى وربوبيته([15]). هذا النّوع من الإقرار والاعتراف يتجاوز الاعتراف بوجود الله تعالى، وهذه الآية تدل على أنّ الاعتراف بالوجود يتركز على عقول الناس وغرائزهم ، ووجود عوائق مثل الحجب التکوينية والأخلاقية يعيق مشاهدة الجمال الإلهيّ([16]).

ب) الإدراك السّلوكيّ

الإدراك السّلوکيّ يحصل نتيجة سلوك الإنسان تجاه الله القدير وفي عالم الإدراك المركب. لا يتحقق العلم الشّهوديّ المركب للجميع على عكس العلم البسيط المجمل. والعلم المركب الشّهوديّ الذي يتحقق بالکشف والمشاهدة يختص بالأولياء والعرفاء ومع ذلك، قد تتحصل مرتبة ضعيفة منه للناس العاديين. يجد الصوفيون الحقّ بالعلم الشّهوديّ الحضوريّ، وبالطبع قد يقدمون نتائج مشاهداتهم بلغة العلوم المكتسبة. وينتبه العارف بمثل هذا الشّهود إلى أنّ الحقّ تبارك وتعالی مشهود قبل إدراك کل شيء، وبه سبحانه يُدرك کل شيء.

إن هذا العلم يختص بأولياء الله؛ إذ رُوي بطريق مرسل عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام): «مَا رَأيْتُ شَيْئًا إلاَّ وَرَأيْتُ اللهَ قبلَه.»([17]) إن المشاهدات العرفانيّة التي يشاهدها أهل الکشف والشّهود ليست كلها على المستوى نفسه ؛ بعضها يختص بالسّالکين الواصلين ومجموعة منها مكملة لهؤلاء بالأولياء الکاملين المكملين([18]). إن للکمل والكبار، على عكس العاديين والمتوسطين من النّاس، إدراك واسع وإحاطة قوية ورؤية جامعة بسبب ارتباطهم بعالم القدس، ما يسمح لهم بمشاهدة الحق سبحانه في جميع المشاهد والمظاهر الإلهيّة لا في بعضها. واعتماداً على هذا الإدراك الواسع والنّظرة الشّاملة، يعرف الأنبياء وأولياء الله الحقَ في كل مشهد ومجلی ولا ينكرونه في أي مشهد أو مجلی([19]).

4- معرفة الوجود من حيث مفهومه وخصائصه

كما أوضحنا، معرفة الوجود علی نوعين: المعرفة الحقيقة للوجود والمعرفة المفهوميّة للوجود. فقد شرحنا أن معرفة حقيقة الوجود تتحصل بالعلم الحضوريّ، وفي ما يلي سنوضح معنی العلم بمفهوم الوجود إن شاء الله.

4-1- المعرفة المفهوميّة وغير الماهُوية للوجود

كما اتضح، فإنّ حقيقة الوجود لا تحصل في الذّهن ولا يمكن نقلها إلى الذّهن. فلهذا ليس لها وجود ذهني؛ لكنها تدرك بوصفها حقيقة مفهومة. ومن ثم فإن المفهوم الذي يتبادر إلى الذّهن من الوجود هو مفهوم غير ماهوي؛ إذ يعدُّ المفهوم ماهويًّا عندما يمکن أن ينقل عين معناه وذاتياته من الخارج إلى الذّهن ويوجد ذاته وذاتياته بالوجود العينيّ والذّهني. إذا انتزع مفهوم من حقيقة ، على الرّغم من تبدلها الوجودي، لا تغير ذاتياتها، ويحافظ على وجوداتها الخارجيّة والذّهنية بالتّساوي، عندئذٍ يطلق عليه المفهوم الماهويّ. وفي المفاهيم الماهويّة تستند اختلاف الآثار الخارجيّة والذّهنية إلی وجودها. لذلك، يمكن أن نعدُّ الإدراك الماهويّ وانتزاع المفهوم الماهويّ نوعًا من الإدراك الاکتناهيّ. ويقول صدر المتألهين: «إنّ كلّ ما يرتسم بكنهه في الأذهان من الحقائق الخارجيّة يجب أن يكون ماهيته محفوظة مع تبدل نحو الوجود.»([20])

4-2- مفهوم الوجود هو الإدراك الأكثر وضوحًا

من أوّل الإدراكات وأوضحها مما لا يمکن تعريفه هو مفهوم الوجود. هذا المفهوم أول كل تصوّر وأعرف من کل متصوّر([21]). وبحسب ملا صدرا فإن الوجود المستقل عن التعريف، هو أظهر الأشياء، وأعمّها في التصور، وأعرفها لدی العقل([22]).

3-4- مفهوم الوجود، معرفة بالوجه وغير اکتناهية

يستلزم المفهوم غير الماهوي هو أنّ ما في الذّهن لم يکن عين الشيء من حيث الذّات وذاتياته؛ بل يکون حيثية ووجهًا لذلك الشيء الذي هو في الخارج. ومن ثمَّ، فإن ما في الذّهن من الوجود ليس الوجود ذاته، بل مرآة للوجود([23]).

ما يتحصل في الذّهن من الوجود هو بالحمل الأولي، وجود ولا بالحمل الشّائع؛ ومن ثمَّ فهو تحليل الوجود وفهمه وليس عين حقيقة الوجود.

من الخصائص الأخرى للعلم الحصوليّ بالوجود، الضعف في معيار العلم بحقيقة الوجود. لن يدرك الإنسان أبدًا حقيقة الوجود بالمفاهيم؛ بل بعد معرفة الوجود بالعلم الحضوريّ والشّهوديّ ينتزع المفاهيم منه. إنّ المفاهيم تؤدي إلی معرفة الوجود في حد ذاتها لأنها تحکيّ عن الوجود وتظهره، لكن المعيار الدّقيق لمعرفة حقيقة الوجود هو العلم الشّهوديّ؛ ومن ثم، بمثل هذا الميزان، يتضح ضعف الإدراك الحصوليّ المفهوميّ للوجود. فيکون ضعف هذه المعرفة في مواجهة قوة المعرفة الشّهوديّة لحقيقة الوجود إلی درجة يمكن أن نعدها جهلًا، ويمكن القول إنّ مثل هذه المعرفة لحقيقة الوجود تشبه عدم معرفة حقيقة الوجود([24]).

4-4- المعرفة المفهوميّة للوجود، مسبوقة بمرتبة من الشهود

معرفة حقيقة الوجود عن طريق المفهوم، وإن كانت معرفة ضعيفة، إلا أنها ليست مرتبطة بالحضور بل هي مسبوقة بمرتبة ضعيفة من الشهود. ينتزع كل إنسان مفاهيم متناسبة من إدراكاته الشّهوديّة. فالشوق والخوف والعطش والجوع هي من المفاهيم التي منشأ انتزاعها إدراكات شهوديّة. ومفهوم الوجود أول مفهوم منتزع من الإدراك الشّهوديّ في العلوم المكتسبة.

يمكن تبيين منشأ الانتزاع الشّهوديّ لمفهوم الوجود بطريقتين:

أ) الوجود المشاهد هو مستند انتزاع مفهوم الوجود. وأول وجود مشهود للإنسان بالإدراك الشّهوديّ هو وجوده الجزئيّ . ومن ثمَّ ينتزع مفهومًا جزئيًّا من ذلك الإدراك الجزئيّ الشّهوديّ. ثم ينتزع مفهومًا عامًا بالعمليات الذّهنيّة فيدرك المفهوم العام لـ “الوجود”.

ب) منشأ انتزاع مفهوم الوجود هو وجود مقيد مثل کيفيّة نفسانيّة کالخوف؛ فالإنسان بعد تجاوزه عن هذه الحالة يقارن بين حالتيه وقت خوف وعدمه فيستعد الذّهن من أن ينتزع من الحالة الأولى مفهوم “وجود الخوف” ومن الحالة الثانية مفهوم “عدم الخوف”، وبعد تجريدهما من قيود الإضافة والنّسبة يحصل على المفاهيم المطلقة کـ”الوجود” و”العدم”.

4-5- مفهوم الوجود؛ أمر لازم واعتباري وانتزاعي

المفهوم الذي يتبادر إلى الذّهن عن حقيقة الوجود هو خارج عن ذاته وذاتيات مصاديقه. ومن ثمَّ ، فإنّ عمومية مفهوم الوجود بالنسبة إلی الأشياء ليست مثل عمومية الجنس، ولكن عموميتها بالنسبة إلی الأشياء، مثل عمومية مفهوم الشيء بالنسبة إلی الأشياء؛ أي أنه أمر لازم واعتباري وانتزاعيّ([25]). فهو اعتباريّ لأنه يفقد فردًا خارجيًّا، وهذه مقارنة مع الماهيّات التي لها أفراد خارجية؛ وهو انتزاعيّ لأنه لم يتحقق قط في الخارج، فلا تعدُّ مصاديقه کأفراده. وکذلك، ما يشهد على عدم جنس المعنى العام للوجود بالنسبة إلی الموجودات العينيّة هو أنّه إذا كان معنى الوجود هو ماهيّة جنسيةّ لمصاديقه، فإنّ كل مصداق من مصاديقها، بما في ذلك واجب الوجود، سيفتقر إلى فصل مميز يميزه من غيره، وهذا يقتضي الترکيب في ذات واجب الوجود، وهذا الأمر محال، إلا أنّ الوجود بسيط واجبًا کان أو ممکنًا، ويفقد الأجزاء الماهويّة([26]).

4-6- المعرفة الماهوية بحقيقة الوجود

بالإضافة إلى العلم الحصولي المفهوميّ عن طريق مفهوم الوجود إلى حقيقة الوجود، يمكن أيضًا المعرفة الماهوية عن طريق الماهية إلى حقيقة الوجود. الماهيات التي تتحصل في الذّهن، کالصورة في المرآة التي تعرض الشيء أمام المرآة، تعرض الحقيقة وتحكي عن الموجودات بملاحظة محدوديتها: «إن الماهية بالعرض کوضع الشخص وظله وصورته في المرآة»([27]).

تحکي الماهية عن محدودية الموجود في الخارج، وبما أن الماهية موجودة في الخارج بحيثيّة الوجود التقييدية، وليس لها متن منفصل عن متن الوجود ومن ثَمَّ، فإنّ الماهية صادقة علی الموجود والوجود حاکية عن محدودية الموجود والوجود. وفي الواقع، فإنّ وجود أيّ شيء هو مثال على حمل ماهية ذلك الشيء عليه([28]).

5- الارتباط بين معرفة الوجود الواجب والممکن

كما ذكرنا مسبقًا، فإنّه يمكن إدراك الوجود الواجب والممكن من طريقتيّ الإدراك الحضوريّ والإدراك المفهوميّ. وبناء على ذلك يمكن أن نعدّ أربعة أنحاء للارتباط بين معرفة الواجب والممكن: 1- الارتباط بين العلم الحضوريّ بالواجب والعلم الحضوريّ بالممكن 2- الارتباط بين الإدراك المفهوميّ للواجب والإدراك المفهوميّ للممكن 3- الارتباط بين الإدراك الحضوريّ للواجب والإدراك المفهوميّ للممكن 4- الارتباط بين الإدراك المفهوميّ للواجب والإدراك الوجودي للممکن. وفي هذا القسم سندرس أنواع هذه الارتباطات.

القسم الأول هو الارتباط بين العلم الحضوريّ بالواجب والعلم الحضوريّ بالممكن. فبناء علی إمکان الفقر الذي هو من مؤشرات نظام الحكمة المتعاليّة، فإنما حقيقة وجود المعول مرتبطة بالعلة قائمة عليها، فهو مرتبط بواجب الوجود ذاتًا. هذا من جانب ومن جانب آخر، فإنّ العلم بالمعلول والمسبب لا يتحصل إلا بمعرفة السبب والعلة. وفي النتيجة، لا يتحقق العلم بالمعلول إلا بالمشاهدة والعلم الحضوريّ بالعلة أي الحق تبارك وتعالی. فشهود المعلول يساوي شهود العلة في مرتبة المعلول. وتتوقف معرفة کل شيء علی معرفة الله سبحانه، فليس لمعرفة الممکن الذي هو عين الربط معنی إلا بمعرفة الله الذي هو المربوط إليه. وإنما يتحصل العلم الحضوريّ بالمعلول الذي هو عين الربط بالعلم الحضوريّ بسببه وعلته. فالعلم الحضوريّ بالسبب والعلة هو السبب والعلة للعلم الحضوريّ بالمعلول. ومثل هذا العلم الشّهوديّ بالحقّ تعالی في مختلف المناظر والمرايا ناتج عن المعرفة الشّهوديّة الفطرية للإنسان بالله تعالی والجدير بالملاحظة في هذا الصدد أنه وفقًا لمختلف طرق الإدراك الفطري والسلوكي لواجب الوجود، کلما تشتدّ المعرفة الشّهوديّة الفطرية للإنسان بالله نتيجة سلوکه المعنوي كلما سيشتد علم الإنسان الحضوريّ بالممکنات. والطريف أن في طريق تعزيز المعرفة الفطرية بالله تعالی، تؤدي المعرفة المفهوميّة للممكنات أو واجب الوجود دورًا حاسمًا ومعدًّا. وفي الواقع، فإن تعزيز المعرفة المفهوميّة لواجب الوجود والممكنات عبر الحفاظ على نهج النظرة التوحيديّة للعالم يؤدي إلى تقوية المعرفة الفطرية والحضوريّة بالله تعالی وتمهيد الأرضية اللازمة للسلوك المعنوي، وتقوية هذا الإدراك ينتهي إلى تعزيز العلم الحضوريّ بالممكنات.

إذا تتحصل المعرفة الوجودية، تتحصل المعرفة بالواجب قبل معرفة الممكن، فمعرفة الممكن متوقفة علی معرفة الواجب؛ لكن المعرفة التي تتحصل بالواجب تکون علی حد المعلول ولا العلة. عندما نقول لا يتحقق معرفة الممکن إلا بمعرفة الواجب يظن البعض أنه يجب أن يدرك الواجب بجميع شؤونه وجوانبه، لذلك بسبب امتناع تحصيل مثل هذا الإدراك، فإنّهم ينكرون بشکل عام توقف إدراك الممکن علی إدراك الواجب. هذا وإذا تتلقی المعاليل فهماً في أنفسهم أو في شيء آخر، تشاهد النور الإلهي قبله، وفي الحقيقة معرفتهم هذه متوقفة علی معرفة الواجب. فالعلم بالواجب يتحصل من وراء الحجاب أو الحجب. وشهود الواجب يتحقق حسب الوعاء الوجودي للشاهد لا المشهود([29]). إذا بلغ الشاهد بشهود المشهود أي الواجب، قبل شهود ذاته وفهمه وشهود الأشياء الأخری، فهذا الشّهود في الحقيقة شهود محجب؛ والحجاب ليس إلا مخلوقية الخلق. ومن ثم، فيدرك الواجب قدر الفيض الوجودي الذي تلقاه ولا بقدر سعة الفائض الوجودية. ولهذا، بالإدراك الوجودي لذاته أو غيره يدرك الواجب، وإدراك الواجب يتوقف على ذلك إطلاقاً. لذلك فإن معرفة الذّات والعالم لا يمكن إلا بنور الحق، وكما أن الباصرة ترى النور الحسي أولاً فترى الأشياء به، فإن البصيرة تدرك نورانية الحق أولاً وعلی ضوءها، تدرك الأشياء.

القسم الثاني هو الارتباط بين الإدراك المفهوميّ للواجب والإدراك المفهوميّ للممكن. الإدراك المفهوميّ للواجب إدراك بالوجه، غير اکتناهي، مسبوق بمرتبة من الشهود، اعتباري وانتزاعي. فهو اعتباري لعدم وجود فرد خارجي، وانتزاعيّ لأنّه لم يتحقق في الخارج مطلقًا ولا تعدُّ مصاديقه کأفراده. وللإدراك المفهوميّ للممكن أيضاً نفس الخصائص. کما أن معرفة الممکنات، معرفة ماهوية أيضًا؛ بمعنى أنه تحکي عن محدوديّة الموجود في الخارج. ليست علاقة المعرفة المفهوميّة لوجود الممکنات بالمعرفة الوجوديّة للواجب علاقة لازم وملزوم. يؤكد ملا صدرا علی أن جميع العلوم تصبح قيمة ومعدّة لمعرفة الواجب إذا كانت في اتجاه التّقرب إلی الله تعالى. على سبيل المثال، لا تحتاج معرفة أيّ من هذه العلوم المشهورة کالفقه، وعلم المعانيّ والبيان، واللاهوت، واللغة، والنّحو، والصرف، والطب ، وعلم الفلك، والفلسفة، والهندسة، والحساب، والهيئة والطبيعة، إلی تهذيب الباطن وتجريد القلب من غشاوات الطبع والهوی. فإنّ هذه العلوم كلها کقشرة للحقيقة، وإذا لم نلتفت إلی باطنها، لن نحصل على حقيقة من الواقع([30]). يذهب صدر المتألهين إلی أنّ أيّ نوع من الإدراك المفهوميّ للممکنات، طبعًا بوصف أنّه يحکي عن الحقائق الخارجيّة، له تأثير مختلف ومتناسب على طريقة الإدراك. فمثلًا، تعليم العلوم والصناعات اللطيفة والرياضيات يؤدي إلى الدّقة في طبع الإنسان ودقة نظره في اكتشاف النعم الإلهية ومعرفة الواجب([31]). بالإضافة إلى التأثير غير المباشر للإدراك المفهوميّ للممكنات على معرفة الواجب وتنمية الرؤية المرهفة والجماليّة، فإنّ استخدام الإدراك المفهوميّ للممكنات مؤثر في براهين إثبات وجود الله أو معرفة صفاته. يبيّن ملا صدرا الاستدلالات علی إثبات وجود الواجب وصفاته مثل براهين الحركة والإمکان والوجوب باستخدام المفاهيم الوجودية للممكنات([32]). نتيجة لذلك، فإنّ المعرفة المفهوميّة للممکنات تعدّ الأرضيّة اللازمة لتحقق المعرفة المفهوميّة للواجب. يتوقف تحقق إيجاد علاقة بين معرفة مفهوم الممکنات ومعرفة مفهوم الواجب أيضًا على المعرفة المتمركزة علی الموضوع.

القسم الثالث الارتباط بين الإدراك الحضوريّ للواجب والإدراك المفهوميّ للممكن. الإدراك المفهوميّ لممكن الوجود إدراك مفهوميّ وماهويّ، واعتباريّ وانتزاعيّ ووجهيّ وغير اکتناهي؛ الإدراك الحضوريّ للواجب إدراك وجوديّ، وفطريّ، وجبليّ، ومتشكك في باطن كل إنسان ممتزج بالمعرفة الإلهية. نظرًا إلى هذه الخصائص، ليست علاقة الإدراك المفهوميّ للممكنات بالمعرفة الحضوريّة للواجب علاقة علة ومعلول؛ لكن الإدراك المفهوميّ للممكنات في حالة البصيرة القائمة على المعرفة للموضوع يمكن أن يؤدي إلى تنمية الإدراك الحضوريّ بالواجب كنتيجة للسلوك الباطني. ومن ناحية أخرى، يمكن طرح سؤال وهو تأثير الإدراك الحضوريّ للواجب على الإدراك المفهوميّ للممکن؟ فيجيب ملا صدرا عنه هکذا: في العلم بالماهية، يمكن أن تُعرف الماهية دون معرفة المقوّم والفاعل الوجودي، أيّ الواجب؛ لأنّ الماهية بما هو الماهية، ليست غير نفسها، ونسبتها إلی الربط بالجاعل وعدم الربط بالجاعل متساوية. وفي مثل هذه الحالات، إذا تظن أنك تدرك الممکن من دون إدراك الواجب، فاعلم أنّها معرفة ماهويّة للممکن وليست معرفة وجوديّة له؛ لأنّه إذا يتحصل الإدراك الوجودي، فمن المؤكد أن الإدراك بالواجب يتحقق قبل إدراك الممكن([33]).

القسم الرابع هو الارتباط بين الإدراك المفهوميّ للواجب والإدراك الوجودي للممکن. الوجه الأول في تأثير الإدراك الوجودي للممکن على الإدراك المفهوميّ للواجب. كما تقدم عند بيان خصائص الإدراك الوجودي الممکن؛ لا يتحقق العلم بالمعلول إلا بالمشاهدة والعلم الحضوريّ بالعلّة أيّ الحق تبارك وتعالی. فشهود المعلول يساوي شهود العلة في مرتبة المعلول. يعبر القرآن الكريم عمّن يحسب الممکنات مستقلة عن الواجب بـ«المختال» أي العاقل قوة والمتخيل فعلاً؛ فمثله مثل من ينظر في المرآة ويحسب الأشياء والحقائق التي يلاحظها مستقلة عن الخارج. ومثل هذا الشخص، طالما هو في هذا الخيال، على الرغم من أنه لا يرى في المرآة سوى صاحب الوجه، لکنه ينكر ما هو في الخارج، فلا يتنبه ولا يدرك حقيقة الأمر إلا عندما تنكسر المرآة([34]). وعلی ذلك، إنّ الإدراك الوجودي للممکن يسبق الإدراك الوجودي والمفهوميّ للواجب. وتنمية الإدراك الوجودي للممکن يعني نمو معرفة الله تعالى في مرتبة ذلك الوجود الممکن، مما قد يؤدي أيضًا إلى تنمية الإدراك المفهوميّ بالنسبة للواجب. وفي ما يتعلق بالجانب الثانيّ، أيّ تأثير الإدراك المفهوميّ للواجب على الإدراك الوجودي للممکن، يمكن أيضًا ذكر أنّه نظرًا إلی تقدّم الإدراك المفهوميّ للواجب على الإدراك الوجوديّ للممکن والتأثير الإعداديّ للإدراك المفهوميّ على إدراكه الوجودي، يؤثر الإدراك المفهوميّ للواجب على الإدراك الوجودي للممکن تأثيرًا إعداديًّا.

الإنسان في علمه بجميع الأشياء ينال إلی الإدراك والمشاهدة، ويدرك الأشياء عمومًا على ضوء معرفة الواجب، لكنه يغفل ويظن أنه يدرك المدرکات دون إدراك الواجب، ويتخيل أنه قادر على الإدراك دون إدراك الواجب في حين أن علم الإنسان في هذه الحالات علماً بسيطاً وليس مركباً فليس عالمًا بالعلم وتحكمه الغفلة([35]). وعليه، إذا أدرك الإنسان أن الإدراك الوجودي للواجب يسبق على الإدراك الوجودي للممکن قد ينتهي هذا الالتفات والإدراك أيضًا إلى زيادة الإدراك المفهوميّ للواجب.

بشكل عام، يمکن تبيين العلاقة بين أنواع الإدراك الوجودي والمفهوميّ للواجب والممكن في الشكل الآتي:

6- النتائج

يمكن إدراك الوجود بقسميه الواجب والممكن من طريقتي الإدراك الحضوريّ والإدراك المفهوميّ. العلم الحضوريّ بالممكنات مقصور على معرفة الإنسان بنفسه إلا لمن هو قادر علی أن يدرك الممكنات كلها بواسطة سلوکه الإلهي. کما يستطيع الإنسان أن يدرك الواجب بالعلم الحضوريّ التشکيکي ما يمکن تعزيزه بالسّلوك المعنوي.

الإدراك المفهوميّ للوجود إدراك مفهوميّ، وغير ماهويّ، وبديهيّ، ووجهيّ، وغير اکتناهيّ، ومسبوق بمرتبة من الشهود، ولازم، واعتباريّ وانتزاعيّ.

وبناء على ذلك يمكن أن نعدّ أربعة أنحاء للارتباط بين معرفة الواجب والممكن: 1- الارتباط بين العلم الحضوريّ بالواجب والعلم الحضوريّ بالممكن 2- الارتباط بين الإدراك المفهوميّ للواجب والإدراك المفهوميّ للممكن 3- الارتباط بين الإدراك الحضوريّ للواجب والإدراك المفهوميّ للممكن 4- الارتباط بين الإدراك المفهوميّ للواجب والإدراك الوجودي للممکن. وفقًا لنتائج البحث، فإن الإدراك المفهوميّ للممکن، إذا يهدف الموضوع إلی معرفة الله، يؤدي دوراً فعالاً في الإدراك المفهوميّ للواجب وله في الواقع دور إعدادي في هذا المجال. فالمعرفة المفهوميّة للواجب هو أيضًا علة معدّة الإدراك المفهوميّ للممکن بحيث قد يؤدي الإدراك المفهوميّ للواجب في بعض الحالات إلى الإدراك الوجودي للممكن. على سبيل المثال ، يمكن الإدراك المفهوميّ للواجب أن يمهد الطريق للعلم الحضوريّ للنفس بذاته كمخلوق الباري تعالی. أمّا بالنسبة إلی العلاقة بين الإدراك الوجودي للواجب والإدراك الوجودي للممکن، فإن إدراك الواجب يسبق إدراك الممکن، کما قد تنتهي تقوية الإدراك بالواجب عن طريق السلوك الفكريّ والعمليّ إلی تعزيز العلم الحضوريّ بالوجود الممکن. والمعرفة المفهوميّة للممکن علة معدّة للعلم الوجودي بالواجب. فعلی سبيل المثال، فإنّ معرفة الإنسان لنفسه كمخلوق الله تزيد من معرفة النفس بالباري تعالي.

المصادر

  • القرآن الکريم.
  • جوادي آملي، عبدالله، تفسير موضوعي، ج2، توحيد در قرآن، قم: اسراء 1383 هـ.ش.
  • ————، رحيق مختوم، قم: اسراء 1386 هـ.ش.
  • صدرالمتألهين، محمد، أسرار الآيات، طهران: مولی دون ‌تا.
  • ————، إيقاظ النائمين، تصحيح دکتر محسن مؤيدي، طهران: رابطة إيران للحکمة والفلسفة 1361 هـ.ش.
  • ————، الحکمة المتعاليّة في الأسفار العقلية الأربعة، قم: طليعة النور 1425ق.
  • ————، تعليقة بر إلهيات شفا، طهران: مرکز صدرا للحکمة 1382 هـ.ش (الف).
  • ————، الشواهد الربوبية، قم: مطبوعات ديني. 1382 هـ.ش (ب).
  • ————، تعليقه بر حکمة الإشراق، طهران: مرکز صدرا للحکمة 1392 هـ.ش.
  • ————، المشاعر، طهران: اميرکبير 1376 هـ.ش.
  • ————، شرح أصول کافي، طهران: معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية 1383.
  • ————-، سه رساله فلسفي، مقدمة وتصحيح وتعليق سيد جلال­الدين آشتياني، قم: بوستان کتاب 1378.
  • ————-، المظاهر الإلهية، طهران: مرکز صدرا للحکمة الإسلامية 1378 هـ.ش.
  • ————-، مجموعه رسائل فلسفی صدرالمتألهين، طهران: حکمت 1420 ق.
  • ————-، المبدأ والمعاد، طهران: رابطة إيران للحکمة والفلسفة 1354 هـ.ش.
  • ————-، مفاتيح الغيب، طهران: رابطة إيران للحکمة والفلسفة 1363 هـ.ش.
  • صدوق، محمد، التوحيد، ترجمه محمد علي سلطاني، قم: ارمغان طوبی 1384 هـ.ش.
  • طباطبايي، محمدحسين، الشيعة نص الحوار مع المستشرق کوربان، بيروت: موسسة أم القری للتحقيق والنشر 1402 ق.
  • مصباح يزدي، محمدتقی، شرح المجلد الأول للأسفار الأربعة (جزء اول)، قم: منشورات مؤسسة الإمام الخميني‌(ره) للدراسة والتعليم.
  • مطهري، مرتضی، مجموعة آثار، ج6، تهران: صدرا 1371 هـ.ش.
  • معلمي، حسن، حکمت صدرائي (شرح وتعليقة بر الشواهد الربوبية)، ج۱، قم: منشورات الحکمة الإسلامية ۱۳۹۳ هـ.ش.

 

الهوامش

[1]. طالب الدكتوراه في جامعة أصفهان

[2] . أستاذ مشارك في قسم الفلسفة الإسلامية بجامعة أصفهان (الکاتب المسؤول)                   Email m.bid@ltr.ui.ac.ir:

[3] . أستاذ مشارك في قسم الفلسفة الإسلامية بجامعة أصفهان

 

 

[1] . صدرالمتألهين، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج1، ص86.

[2] . معلمي، حکمت صدرائي (شرح وتعليقة بر الشواهد الربوبية)، ج 1 ، ص 57-58.

[3] . مصباح يزدي، شرح المجلد الأول للأسفار الأربعة، ج 1، ص 146-147.

[4] . صدرالمتألهين، المشاعر، ص 28 – 29.

[5] . صدرالمتألهين، تعليقه بر حکمة الإشراق: ج 2، ص 251 و369؛ نفسه، المشاعر، ص 106.

[6] . صدرالمتألهين، تعليقه بر حکمة الإشراق: ج2، ص250؛ نفس المصدر، ص369؛ المصدر نفسه، ص395؛ ونفسه، الشواهد الربوبية، ص6؛ المصدر نفسه، ص56؛ المصدر نفسه، ص114؛ نفسه، المشاعر، ص70؛ المصدر نفسه، ص106؛ نفسه، مجموعه رسائل فلسفی صدرالمتألهين، ص183.

[7] . صدرالمتألهين، 1981 ، المجلد 1، ص 87، المصدر نفسه، المجلد 2 ، ص 315.

[8] . صدرالمتألهين، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ص134؛ المصدر نفسه، 1378، ص213.

[9] . صدرالمتألهين، المشاعر، ص163؛ نفسه، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج2، ص297؛ ونفسه، مجموعه رسائل فلسفی صدرالمتألهين، ص183؛ ونفسه، تعليقات بر إلهيات شفا، ج2، ص895 – 806.

[10] . صدرالمتألهين، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج1، ص107.

[11] . صدرالمتألهين، إيقاظ النائمين، ص71.

[12] . قيصري، 1386، ج1، ص236.

[13] . صدرالمتألهين، المظاهر الإلهية، ص22؛ نفسه، المبدأ والمعاد، ص23-24.

[14] . صدرالمتألهين، مفاتيح الغيب، ص459 و243.

[15] . ينظر سورة الأعراف/ 172.

[16] . صدرالمتألهين، ص240-242؛ نفسه، المظاهر الإلهية، ج‏5، ص217.

[17] . صدرالمتألهين، شرح أصول کافي، ج3، ص432.

[18] . نفس المصدر، ص38.

[19] . نفس المصدر، ص45.

[20] . مطهري، مجموعة آثار، ص63؛ صدرالمتألهين، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ص76؛ نفسه، المشاعر، ص131.

[21] . صدرالمتألهين، المشاعر، ج1، ص6.

[22] . صدرالمتألهين، تعليقه بر حکمة الإشراق، ج2، ص395؛ ونفسه، شرح أصول کافي ، ج3، ص43.

[23] . صدر المتألهين، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ص 63؛ ونفسه، الشواهد الربوبية، المجلد 1، ص 73؛ ونفسه، التعليقة علی حکمة الإشراق، ج 2، ص 251 ؛ والمصدر نفسه، ص 244-245.

[24] . صدرالمتألهين، 1383، المجلد 3، ص 43.

[25] . صدر المتألهين، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج1 ص 63.

[26] . نفس المصدر، ص 63 و 76

[27] . صدرالمتألهين، الشواهد الربوبية، ج1، ص61؛ ونفسه، المشاعر، ص 53.

[28] . المصدر نفسه، ص 102

[29] . صدر المتألهين، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج1 ص 115.

[30] . جوادي آملي، رحيق مختوم، ص 80.

[31] . صدوق، التوحيد، المجلد 7 ، ص 172.

[32] . المصدر نفسه، ج 6، ص 14-26.

[33] . جوادي آملي، تفسیر موضوعي، ج5 ، ص 107؛ صدر المتألهين، المشاعر، ص 53.

[34] . صدر المتألهين، الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ص 108.

[35] . المصدر نفسه، ص 132 – 136.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website