النّزاع على الغاز وتداعياته في منطقة الشّرق الأوسط
د. محمد إبراهيم قانصو([1])
الملخص
يهدف هذا البحث إلى توضيح أهمّيّة الغاز في منطقة الشّرق الأوسط، والنّزاعات حوله لاستمرار تدفقه إلى الدّول الصناعيّة الكبرى، وتوضيح القضايا الدّائرة حوله في الشّرق الأوسط، فضلًا عن تعامل الولايات المتحدة الأمريكيّة مع منطقة الشّرق الأوسط في ضوء حاجتها إلى غاز هذه المنطقة.
تناولت الإشكاليّة التّساؤل الرئيس “ما هي تداعيات النّزاع على الغاز في منطقة الشّرق الأوسط؟” وقد توصلت الدّراسة في هذا البحث إلى نتائج عدّة من أهمها: ارتباط أمن منطقة الشّرق الأوسط بأمن الولايات المتحدة الأميركيّة ومصالحها، وأنّ الدّول الصناعيّة الكبرى لن تستغني عن غاز الشّرق الأوسط، كما أنّ اكتشافات حقول الغاز في منطقة الشّرق الأوسط زاد من أهميتها ووتّر الأجواء بين الدّول للهيمنة عليها، بعدما أصبح الغاز سلعة مهمة في الحرب والسّلم والنّزاعات. وأصبح من محاور الصّراع الدّولي، لتحقيق المصالح للدّول الكبرى، والمكاسب التي تحققها ولو أدى ذلك إلى الحرب.
الكلمات المفاتيح: حقول الغاز، منطقة الشّرق الأوسط، الدّول الصناعيّة، التّداعيات، النزاع على الغاز.
Abstract
The aim of this research is to clarify the importance of gas in the Middle East, and the disputes over it for its continued flow to the major industrialized countries, and to clarify the issues surrounding it in the Middle East, as well as the United States of America’s dealings with the Middle East in light of its need for gas in this region.
The problem addressed the main question, “What are the repercussions of the conflict over gas in the Middle East? The study in this research reached several results, the most important ones are: The security of the Middle East is in the security and interests of the United States of America, and that the major industrialized countries will not dispense with Middle East gas. The discoveries of gas fields in the Middle East have increased their importance and strained the atmosphere between countries to dominate them, after gas became an important commodity in war, peace and conflict.
One of the axes of international conflict, is to achieve the interests of the major countries, and the gains they achieve, even if that leads to war.
Keywords: gas fields, Middle East, industrialized countries, repercussions, gas dispute.
المقدّمة
لا زال الغاز يُعدُّ من المصادر الحيوية للطاقة، وقد كان منذ اكتشافه حتى اليوم يشكّل سببًا من أسباب النزاعات في العالم، وقد سعت دول عديدة إلى تأمين احتياجاتها منه، إذ لا تزال محاولات السّيطرة على مصادر الطّاقة، من أبرز الدّوافع وأهمها لكثير من النّزاعات بين القوى الكبرى.
ولما كانت منطقة الشّرق الأوسط، بحكم موقعها، تتحكم بمجموعة من القنوات البحريّة والممرات المائيّة، الأمر الذي جعلها صلة وصل في مسارات نقل الغاز، ما أدخلها في حسابات الدّول الكبرى، وقد زاد من أهمّيّة هذه المنطقة أنّ منطقة الخليج العربيّ والدّول المطلة عليها، تعدُّ الجزيرة العالميّة للنفط في العالم، إذ أدى التنافس الدّولي والنّزاعات والتّوترات إلى جعلها منطقة تعاني من اضطرابات وتوترات بين الحين والآخر، وتنفجر فيها الحروب والنّزاعات المسلّحة، حتى تحولت إلى مسرح زاخر بالعلاقات الدّولية لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة، وكانت مخططات الصّراع الدّولي تحلم بتوقّعات الاجتياح السّوفياتي لأوروبا، وقد أشارت معظم التّقارير والدّراسات العلميّة المتخصّصة في هذا الشّأن إلى أنّ هناك تطلعات أميركيّة حول هذه المنطقة التي عدّتها أميركا تهديدًا لها، ومصدرًا من مصادر الموارد الأوليّة.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الغاز حتى اليوم، لا يزال يشكّل العصب الرئيس للطاقة، إذ كانت السّيطرة عليه ولا تزال تعني الضمانة لاستمرار الآلة الصناعيّة حتى الآن، وقد بات الغاز يمثل قطاعًا مهمًّا من قطاعات الاستثمار الرّأسماليّ، وغدا يشكّل محورًا للنّزاعات بين الشّركات والدّول، ووسائل النقل، فضلًا عن الصّراعات العسكريّة، والصّراعات السياسيّة، إذ تشير بعض “الوثائق السّرّيّة إلى أهمّيّة الغاز بالنسبة إلى الدّول الكبرى، وقد كشفت وثيقة سرّيّة بريطانية آنذاك عن تفكير الولايات المتحدة الجاد حينها في إرسال قواتٍ محمولة جوًّا للسّيطرة على حقول النّفط الرئيسة، في بعض دول الخليج خلال الحظر على صادرات النّفط الذي فرضته الدّول العربية”.
من جهة ثانية؛ فإنّ العامل الاقتصاديّ، جعل حرب النّفط من أركان التّخطيط الاستراتيجيّ العسكريّ، والاقتصاديّ، والسياسيّ في العالم، إذ تبيّن أنّ بعض الحروب في المنطقة هي حروب ذات أبعاد اقتصاديّة، تتعلق بالسّيطرة على منابع الطّاقة، والسّيادة على القرارات السياسيّة والاقتصاديّة في هذا العالم.
ومع انتهاء الحرب الباردة العام 1991 راحت الولايات المتحدة الأميركيّة، تمهّد الطّريق لنفسها بهدف أن تفرض هيمنتها على العالم تحت ذرائع عدّة، وكان موضوع الغاز هو من أكثر الموضوعات التي تقلقها، سيما وأنّ الحاجة إلى الغاز عالميًّا ترتفع يومًا بعد يوم، ما حتّم على الولايات المتحدة محاولة السّيطرة على منطقة الشّرق الأوسط، ولا سيما على مصادر النّفط فيها، وذلك لضمان استمرار تدفق هذا الغاز وبأسعار معقولة.
عمومًا فإنّ الولايات المتحدة الأميركيّة، تسعى إلى الحفاظ على قيادة العالم، فهي تعدُّ أنّ الغاز مصدر أساسيٌّ للحفاظ على هذا الموقع، كما أنّها تسعى للسّيطرة المطلقة على نفط منطقة الشّرق الأوسط، لضمان مصالحها الاقتصاديّة، والعسكريّة، والاستراتيجيّة، والاستقرار السياسيّ، وضمان أمن حلفائها، أضف إلى ذلك عوامل عديدة حرجة ساهمت في صنع السياسة الأميركيّة التي قد تطال تحالفات عدّة لها، ما ينعكس على إعادة صياغة السياسات الاستراتيجيّة، وفق ما بات يُعرف بجغرافيا الطّاقة. ويمكن القول إنّ النّزاعات ستستمر بين الدّول بغية استغلال الثّروات الطبيعيّة ومنها الغاز، الأمر الّذي قد يؤدي إلى اشتداد حدّة النّزاع في شرق البحر المتوسط، وتحويل دول المنطقة إلى لاعب دوليّ صاعد في لعبة الغاز، وقد بات يحظى في هذه المنطقة بأهمّيّة خاصّة، نظرًا إلى عوامل عدّة، ومن أهمها المنافع السياسيّة، والاقتصاديّة، والأمنيّة.
ما سنعالجه في هذا البحث، هو تعرف التداعيات النّاتجة عن النّزاعات على الغاز في منطقة الشّرق الأوسط.
أولًا: أسباب اختيار الموضوع
تعدُّ منطقة الشّرق الأوسط، محورًا أساسيًا للقوى الكبرى، كما أنها تُعدّ مركز نزاع لهذه القوى للحصول على ثرواتها الطبيعيّة ومنها النّفط، وهذا جعلها منطقة تحظى بالكثير من الاهتمام، ومجالًا للبحث والدّراسة، لما لذلك من تداعيات على منطقة الشّرق الأوسط، إذ تتضح أهمّيّة هذا البحث، من أهمّيّة ما لهذه الدّراسة من أثر وتأثير في المنطقة، ولا سيما أنّ النّزاعات على نقل الغاز فيها، تهدف إلى فرض الهيمنة عليها، بل على العالم كلّه. فضلًا عن ذلك هناك جملة من الأسباب كانت وراء اختيار هذا الموضوع ومنها.
- قلّة الدّراسات والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع، فهي وإن تناولته، لم تتناول تداعيات النّزاعات على الغاز في منطقة الشّرق الأوسط.
- حداثة الموضوع وَجِدَّتُهُ، والاهتمام في موضوع الغاز بشكل عام، والنّزاع على ترسيم الحدود البحريّة في لبنان.
- الرّغبة والميل في معالجة الموضوعات الحيويّة التي تتعلق بمنطقة الشّرق الأوسط. لا سيما في ظل التّطوّرات، والوضع الحاليّ المتعلق باستخراج الغاز والنّفط في لبنان. لما لذلك من تداعيات على لبنان وعلى المنطقة برمّتها. ولما لذلك من آثار في السياسة العامة لهذه المنطقة.
- محاولة تعرف اللاعبين الأساسيين في المنطقة في ما يتعلق بالغاز والطّاقة والأمن.
ثانيًا: أهمّيّة البحث
تكمن أهمّيّة هذا البحث في إنّ النّزاعات على الغاز في منطقة الشّرق الأوسط، هي عمليّة إثبات المكانة والدّور للدّول الكبرى المتنافسة عليه، ما يستدعي الهيمنة على الدّول المنتجة له في المنطقة. وقد يتحوّل هذا النّزاع من منافسة اقتصاديّة إلى تهديد باستخدام القوة، ما يجعل قضايا النّزاع ذات طابع معقّد ومتعدد الأطراف، كما وتظهر أهمّيّة هذا البحث في كون عمليّة توزيع الثّروات الطبيعيّة في الشّرق الأوسط، محكومة بالحيّز المكانيّ والجغرافيّ، وهذا الاستثمار مرهون باتفاق جماعيّ إقليميّ، وفاقًا لأسس التّرسيم المحكومة بقواعد القانون الدّوليّ، والاتفاقات الثنائيّة بين الدّول، إذ تزداد أهمّيّة الغاز ونقله، وتزداد النّزاعات عليه، وتتحوّل هذه النّزاعات إلى الهيمنة وتهديد بإسقاط حاكم وما شابه.
يترك هذا الأمر تداعيات على منطقة الشّرق الأوسط، وهنا تكمن أهمّيّة هذا البحث التي يمكن إجمالها بالنقاط الآتية:
– بيان أهمّيّة الموقع الجغرافيّ لمنطقة الشّرق الأوسط.
– بيان أهمّيّة الغاز في منطقة الشّرق الأوسط الذي أدى الحصول عليه إلى حروب واحتلالات متنوعة.
- التوصل إلى إعطاء الصورة الحقيقيّة عن واقع النّزاعات في الشّرق الأوسط، وبيان أهمّيّة نقل الغاز والطّاقة.
- يمتاز هذا البحث عن غيره من البحوث، بأنّه تعمّق في التّداعيات التي تنجم عن النّزاعات على الغاز في منطقة الشّرق الأوسط والتّعمق في التّمحيص عن أثر حرب الغاز.
- تعرف تأثير السياسات الأميركيّة تجاه المنطقة، والتركيز على الاستراتيجيّة الأميركيّة، التي تحتل مركز القرار في الشّرق الأوسط.
- بيان أهمّيّة استخراج الغاز ونقله، والتّحكم في أسعاره.
ثالثًا: إشكاليّة البحث
لقد برزت إشكاليات عديدة لها علاقة بدراسة سياسة الولايات المتحدة الأميركيّة تجاه منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما بعد الحرب الباردة، ومنها عمليّة نقل الغاز وتأثيره، إزاء ما تتعرض له المنطقة من تحديات، ونزاعات، وصراعات، ومنها النّزاع بين الكبار على الغاز، والتّنافس بين أميركا وروسيا على إمدادات أوروبا.
وهذا مؤشر على استمرار النّزاع على الغاز في المنطقة، لما له من تداعيات ومخاطر اشتباكات، لأنّ الاكتشافات الحديثة تهدّد بسلسلة من النّزاعات، تشهد توترًا بين دول حوض شرق المتوسط لا سيما بين لبنان، ودولة الاحتلال (إسرائيل) على استغلال الموارد الطبيعيّة الموجودة في البحر المتوسط. إذ تقوم الحكومة اللبنانيّة بالدّفاع عن حقّها في التنقيب عن الغاز، وهنا تثار إشكاليّة البحث التي تحاول الإجابة عن التّساؤل المركزيّ الأساسي.
- ما هي تداعيات النّزاع على الغاز في منطقة الشّرق الأوسط؟
تتفرّع من هذه الإشكاليّة تساؤلات فرعيّة عدّة منها:
- ما هي تداعيات اكتشاف العديد من حقول الغاز في منطقة الشّرق الأوسط؟
- ما أثر نقل الغاز الطبيعي على العلاقات الدّولية؟ وما مدى انعكاس ذلك على الإنتاج والتّحكم بالأسعار؟
- هل يسبب نقل الغاز نزاعات وحروب عسكرية، أو اقتصاديّة بين الدّول المصدِّرة للغاز والمستوردة له ودول الممر؟
- هل تتحول منطقة الشّرق الأوسط إلى لاعب دوليّ في لعبة النّزاع على الغاز؟
- هل هناك من منافع سياسيّة، وأمنيّة، واقتصاديّة يمكن أن يأتي بها اكتشاف الغاز للبنان؟
- ما هو مستقبل الصّراع بين لبنان و”إسرائيل” إذ يسود الاعتقاد أنّ هناك موارد طبيعيّة هائلة من الغاز والنّفط في البحر المتوسط؟
رابعًا: فرضيّات البحث
يُعدُّ النّفط والغاز المحرك الاقتصاديّ الأول لدول أوروبا، واليابان وكندا والولايات المتحدة الأميركيّة، والعصب الأساسي لها. ولذا تضاعف الطلب العالميّ على الغاز نظرًا إلى ااحتياجات النمو في البلدان الصناعيّة.
لذلك فإنّ القوى المؤثرة في العالم تحاول فرض هيمنتها لتحديد الأسعار، ووضع اليد على ممرات الطّاقة، وعلى شبكات أنابيب نقل الغاز عبر القارات. ما يعني أنّ منطقة الشّرق الأوسط باتت “مركز العالم” وما يعني أيضًا أنّ حروب الغاز هي حروب اقتصاديّة وصراع بقاء أمم. وهذا يؤدي إلى فرضيّات عدّة منها:
- إنّ السّيطرة على خطوط تدفق الغاز يشكّل ضمانة للولايات المتحدة الأميركيّة ولأمنها القوميّ.
- السعي المستمر للولايات المتحدة للسيطرة على منطقة الشّرق الأوسط، لضمان أمنها وتأمين احتياجاتها من الغاز.
- ازدياد أهمّيّة الدّول المنتجة للغاز، لا سيما تلك التي تمر فيها أنابيب الغاز.
- صعوبة تأمين الطّاقة البديلة، يزيد من أهمّيّة الطلب على الغاز. هذه الفرضيات الناتجة عن الإشكاليّة التي هي محور هذا البحث الذي سيحاول الإجابة عنها.
خامسًا: أهداف البحث
إنّ أهمّيّة هذا البحث تتجسّد في معالجة هذا الموضوع المهمّ والحساس، في محاولة بيان أهمّيّة الغاز وتوضيحها، وأهمّيّة اكتشاف آبار جديدة في مياه لبنان الإقليميّة. وبيان القضايا المهمّة، والأهداف الجيوسياسيّة في الشّرق الأوسط من خلال الإضاءة على ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركيّة وحاجاتها إلى الغاز تجاه المنطقة، إذ سيحاول هذا البحث الإجابة عن بعض التساؤلات الملحّة التي تطرحها الأزمات الحاليّة. ومنها الحرب في أوكرانيا، وتداعياتها لا سيما في منطقة الشّرق الأوسط. إذ إن روسيا تريد أنّ تؤكد حضورها في أيّ مشروع من مشاريع الغاز في شرق البحر المتوسط من خلال شركات التّنقيب عن الغاز. في حين أنّ أميركا تنظر إلى المنطقة من خلال ضمان تدفق الطّاقة، وحماية أمن “إسرائيل” وعليه فإنّ هذا البحث يحاول أن يحقق أهدافًا عدّة، منها:
- محاولة تعرّف أهمّيّة الغاز في منطقة الشّرق الأوسط وتداعيات النّزاع عليه.
- التّعرف والإضاءة على ما يمكن أن تتعرض له المنطقة من تهديدات وحروب.
- بيان أهمّيّة ترسيم الحدود البحرية في لبنان للاستفادة من حقّه في الغاز والنّفط.
- تعرّف النّزاعات التي تتعلق بخطوط الغاز، وأثرها في تحديد الأسعار وكمية الإنتاج.
- الإضاءة على وضع لبنان وموقعه، مع بَدء المفاوضات وكيفيّة تعامله مع ثروته من الغاز في مياهه الإقليميّة.
سادسًا: منهج البحث
إنّ موضوع البحث يتطلب تعرّف حِقبة الحرب الباردة، والرّجوع إلى ما شهدته منطقة الشّرق الأوسط، وما مرت به من مراحل تاريخيّة في سياقها الزّمانيّ المتواصل، كي نتعرف إلى الصورة الشّاملة بالأحداث التي وقعت في هذه المنطقة، فكان الاعتماد على المنهج التّاريخيّ الوصفيّ لتتبع جذور التّطوّر ومساراته التّاريخيّة، كما يُستخدم منهج تحليل المضمون، ويُستعان به من خلال تحليل علميّ، وموضوعيّ للوثائق والتصريحات والنصوص القانونية وغيرها من المصادر المتعدّدة التي تتعلق بالموضوع. فضلاً عن استخدام المنهج التحليلي لربط المعلومات بالنتائج للتوصل إلى مقاربة موضوعية حول النّزاع وتداعياته دوليًّا وإقليميًّا.
المبحث الأول: أثر الغاز في الحياة الاقتصاديّة
إنّ ما يمتاز به الغاز من خصوصيّة تتمثل في حماية البيئة من التّلوث، وتفوقه على النّفط في توليد الكهرباء. فضلًا عن إمكانيّة استخدامه وقودًا للسيارات، في قطاع النّقل المتعدد الوسائط.
وتزداد أهمّيّة الغاز الطبيعيّ عالميًّا بعدما بات مادة الطّاقة الرئيسة في القرن الحاديّ والعشرين، بديلًا عن النّفط كونه أقل ضررًا للبيئة. ولهذا فإنّ السّيطرة على المناطق الغنيّة به والتّحكم فيها (الخليج – إيران – شرق المتوسط – شمال أفريقيا) بات يعدُّ للقوى الكبرى نافذة أساسيّة للصّراع الدّوليّ، بعدما احتلّ الغاز المرتبة الأولى في مصادر الطّاقة، وإحدى أدوات النّزاع في العالم. إذ امتد هذا النّزاع ليشمل الدّول التي تعبرُها خطوط نقله. وبالاستناد إلى ذلك، سنتحدث عن دور الغاز من نواح عدّة:
أولًا: أهمّيّة الغاز من جهة الاستهلاك والاحتياط
لقد زادت أهمّيّة الغاز بازدياد الاستهلاك للطاقة، سواء في اقتناء السّيارات المعدة للنقل أم في الاستعمال المنزلي أم في غير ذلك من المجالات الصناعيّة وما شابه. ولما كانت مصادر الطّاقة العضوية في العالم غير متجددة، فقد ذهبت الدّول إلى الاحتياط من الغاز، وكان أكبر هذا الاحتياط في روسيا، لأسباب سياسية واقتصاديّة.
بقي الغاز حتى الحرب العالمية الثانية، منتجًا ثانويًّا للنفط، ولم يكن الاهتمام به مستقلًا عن النّفط، وبعد هذه الحرب حصل توسع كبير، وسريع في استهلاك الغاز خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركيّة. واشتدت الحاجة إليه في المناطق الصناعيّة وفي كبرى المدن. إذ تُعد الولايات المتحدة المهد الذي ولدت فيه صناعة الغاز الطبيعيّ. ومن ثَمَّ أخذت أوروبا وبعض الدّول باستخدامه في اقتصاديات الصّناعة. وفي ذلك إشارة قويّة بين استهلاك الغاز، وارتباطه برصيد الأجهزة التي تستخدم الغاز، وهذا ما أثر في السعر بشكل أساسيّ.
والملاحظ أنّ استهلاك الطّاقة قد ارتفع خلال السّنوات السابقة، إلا أنّ استهلاك الغاز الطبيعيّ كان أسرع نموًا. إذ إنّ الاحتياطات العالميّة للغاز، تتوزّع جغرافيًّا بخلاف نمط توزيع الاحتياطات العالميّة للنّفط. ويومًا بعد يوم ترتفع نسبة احتياطات الغاز الطبيعيّ. ولكن ارتفاع أسعار النّفط يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالميّ، ما جعل من الغاز حاجة ضروريّة كطاقة بديلة في منافسة النّفط.
ثانيًا: أهمّيّة الغاز في منافسة النّفط
منذ خمسينيّات القرن الماضي، نما قطاع الغاز بسرعة، لا سيما بعد ظهور التكنولوجيا الحديثة التي سهلت نقله وجرّه إلى أسواق الاستهلاك، سواء بنقله بالأنابيب أم بنقله بالحاويات، أم على متن بواخر، إذ أثبتت الوقائع، والتّجارب أن نقل الغاز المسيل بحرًا أسهل من النّفط. وبذلك أخذ الطلب على الغاز يرتفع تدريجيًّا، وفي ذلك إشارة إلى “أنّ الدّول التي تنتج الغاز أو قريبة من حقوله جغرافيًّا” ستتوقف عن استهلاك الفحم الحجريّ إلى درجة كبيرة، وتخفف من استهلاك النّفط مع العلم أنّ أسعار الغاز لها ارتباط وثيق بأسعار النّفط، إلا أن الواقع يدل على أنّ أسعار الغاز كانت أحيانًا أقلّ عما يناظرها من أسعار النّفط. وهذا الانخفاض يعود إلى عدم وجود سوق عالميّة تتحدّد فيها أسعار الغاز، وأنّ السّعر يحدّد في كلّ عمليّة تفاوض بين المصدِّر والمستورِد. وغالبًا ما يكون التفاوض لصالح المستورِد لأنّ لديه الكثير من أسباب القوة، والسيطرة سواء من حيث التمويل أم التّسويق أم التقنيات المستخدمة.
إنّ تحديد سعر الغاز عند المنبع، يخضع في معظم الأحيان إلى اعتبارات عدّة تتحكم في تحديد السّعر إلى المستهلك النهائيّ في أسواق الاستهلاك الرئيسة، وفي عمليّة التّفاوض تضغط شركات التّوزيع المشتركة للحصول على ميزة معينة من خلال وضع بعض الشّروط. وتزداد أهمّيّة الغاز بشكل متزايد لأنّه يوفر حماية للبيئة أكثر من النّفط، لا سيما بعد التّحسينات التّقنيّة، سواء من جهة الكفاءة في الاستخدام، أم لجهة توليد الكهرباء، أم لجهة خفض التّكاليف، وهذا أعطاه دفعة جديدة وقوية للتّجارة الدّولية، إذ تطور الاحتياطيّ والإنتاج، والاستهلاك للغاز الطبيعيّ بشكل ملحوظ بسبب تطوير الأنشطة في حقول الغاز، وخصوصًا في منطقة البحر المتوسط. (عبد المعطي، واقع وآفاق 2014، ص 129)
في ما يتعلق باستهلاك الغاز الطبيعيّ فقد ارتفع هذا الاستهلاك، وذلك يعود إلى تنامي الطلب المحليّ عليه لاستخدامه في محطات توليد الكهرباء، والمركبات ووسائل النّقل العام والاستخدامات المنزليّة (مرفت محمد عبد الوهاب، الطّاقة المتجددة 2017، ص 475). وقد حاول كبار المستهلكين من الغاز تنسيق الجهود في المجالات التّقنيّة، ورفع كفاءة الصّناعة عمومًا، في إنشاء مركز دوليّ لتبادل المعلومات التّقنيّة في مجال الغاز الطبيعيّ، لتوفير احتياجات الدّول الأعضاء في هذا المركز من المعلومات المتعلقة بتقنيات الغاز الطبيعيّ. وقد تركز الاهتمام في المقام الأول على المعلومات الخاصة بالغاز الطبيعيّ المسال (World Energy outlook 2004)
هذا لا يعني أن المستهلكين، يكتفون بالتّنسيق على المستوى التّقنيّ، إذ يمتد تنسيق الطّاقة على مستوى جماعيّ في إطار وكالة الطّاقة الدّولية، كما يقوم الاتحاد الأوروبيّ، بوضع سياسات تهدف إلى خفض أسعار الغاز. علمًا أنّ أسعاره تختلف من منطقة إلى أخرى، وجميعها تتجه نحو الارتفاع كلما ارتفع الطلب عليه، ومن المتوقع أن ترتفع حصة الغاز في الاستهلاك العالميّ للطاقة. (عبد الله، مستقبل النّفط العربي 2005).
لقد تضاعفت أهمّيّة الغاز الطبيعيّ، بعد أن أصبحت منطقة الخليج العربيّ، والدّول المطلة عليها الجزيرة العالميّة للنّفط والغاز في العالم، ما جعل المنطقة محط أنظار الدّول قائدة النّظام العالميّ، إذ إنّ نفط الشّرق الأوسط بات له دور اقتصاديّ مكمل للاقتصاد العالميّ، وأصبحت المنطقة ترتبط ارتباطًا عضويًّا بالاقتصاديات العالميّة، ولا يمكن الاستغناء عنها بأيّ شكل من الأشكال، حتى لو أدى ذلك إلى استخدام القوة وإشعال الحرب (عبد الرؤوف رهبان، التقييم الجغرافي لموارد النّفط في سورية 2009).
ثالثًا: التنافس على الغاز في منطقة الشّرق الأوسط
تُعد منطقة الشّرق الأوسط من المناطق المهمّة التي تتنافس عليها الدّول الكبرى في العالم، وذلك بسبب الموقع البالغ الأهمّيّة استراتيجيًّا في العالم، ونتيجة لذلك فقد شهدت نزاعات وتطورات وتوترات عديدة، وهذا ما جعلها تعاني من اضطرابات ونزاعات بين الحين والحين الآخر، كما جعلها مسرحًا للحروب والنّزاعات المسلّحة، إذ إنّ معظم دول المنطقة توليها اهتمامًا كبيرًا، ما حوّلها إلى مسرح زاخر بالعلاقات الدّولية بعد انتهاء الحرب الباردة، إذ كانت مخطّطات الصّراع الدّولي حافلة بتوقعات الاجتياح السوفياتيّ لأوروبا. إذ تشير معظم الدّراسات العلميّة المتخصّصة إلى أنّ العالم مقبل على نهضة حقيقيّة في صناعة الغاز. لأنّه بات يشكّل مصدرًا آمنًا من المصادر النّظيفة للطاقة. وسوف تحتل دول الشّرق الأوسط مصدر الصدارة في إنتاج الغاز الطبيعيّ المسيّل وتجارته في العالم، إذ تعدّ منطقة آسيا باسفيك السّوق الرئيسة، لصادرات الشّرق الأوسط من الغاز الطبيعي (المرجع السابق ص 34). في ظل احتدام المنافسة في سوق الغاز المسال، شهد قطاع الغاز في الشّرق الأوسط العديد من التّطوّرات، إذ إن المنافسة على الطّاقة تعد إحدى الغابات الرئيسة الكبرى التي تسعى إلى تأكيد نفوذها، وتأمين احتياجاتها من النّفط الخام والغاز، في ظل تسارع وتيرة الإنتاج وفي ظل اضطرابات ماليّة تصيب الاقتصاد العالميّ باهتزازات متتالية، وفي ظل السّباق على حجز مواقع متقدّمة في السّوق العالميّة. (Rt-Arabic، http://arabic.rt.com leusi mess.)
خلال السنوات الماضية اكتشفت في شرق البحر المتوسط، حقول غاز في لبنان جعلته يصبح لاعبًا مهمًّا جديدًا في معادلة خط الأنابيب الذي يربط شرق المتوسط بأوروبا. (المستقبل العربي 2017)
وتتلخص المنافسة على الغاز في شرق المتوسط بين تكتلين: الأول يضم “إسرائيل” مع الدّول العربيّة وقبرص واليونان، ويفرض سيطرته على ثلاثة حقول مركزيّة، والثانيّ والحديث نسبيًّا يضم تركيا مع ليبيا. ويبدو أنّ التكتل الأول يمضي بخطوات أسرع لقطع طريق التكتل الثانيّ.
تدير عمليات التّنقيب في شرق المتوسط شركات إيطاليّة، وفرنسيّة، وأميركيّة، وروسيّة، وهذا ما يضع دول هذه الشّركات داخل دائرة التّنافس الاقتصاديّ على الآبار المكتشفة، ويتميز الصّراع في شرق المتوسط بتداخل أبعاده، فإلى جانب الخلاف التركيّ مع اليونان وقبرص، هناك أربعة ملفات ساخنة أخرى. إذ إن للصراع العربي دورًا في تعطيل الاستفادة من غاز المتوسط ونفطه. كما أنّ النّزاع على الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل له تداعيات على المنطقة، إذ تدّعي إسرائيل أحقّيتها في التّنقيب في المياه بالقرب من صور اللبنانيّة، بينما اتّفق لبنان مع شركات نفطيّة عدّة: إيطاليّة وفرنسيّة وروسيّة للتنقيب في هذه المنطقة، وتحاول الولايات المتّحدة تأدية دور الوساطة في هذا النّزاع لصالح إسرائيل. ويمكن لتداخل صراع النّفوذ بين القوى الكبرى والإقليميّة، والتّجاذب حول الطّاقة أن يهددا باتّخاذ النّزاع أبعادًا أكثر خطورة في المستقبل القريب.
ينطبق هذا الأمر على سوريا والحرب عليها التي لها جوانب تتصل بالسّيطرة على موارد الطّاقة وطرقها، وقد يتطور الصّراع المتعدد الأطراف حول الطّاقة إلى مواجهة في حرب إقليميّة، وتندرج في هذا الإطار مسألة تحديد أو تعيين الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، إذ إن منطقة الشّرق الأوسط تحفل بعدد كبير من حقول الغاز، وبعضها يُعدُّ من أكبر الحقول في العالم، وهذا له تأثيره على العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة بين الدّول، ما أدخل المنطقة في حسابات الدّول الكبرى من أجل تأمين احتياجاتها من النّفط والغاز، وما زاد في أهمّيّة هذه المنطقة أنّ منطقة الخليج العربيّ والدّول المطلة عليها، تعد الجزيرة العالميّة للنّفط والغاز في العالم، إذ يشكل الغاز الطبيعيّ أحد مصادر الطّاقة المهمّة في العالم. إذ إنّ التّوقعات تشير إلى أنّ منطقة الشّرق الأوسط ستحتل مركز الصّدارة في إنتاج الغاز، وبتعرّف ذلك وفهمه يمكن تعرّف ما يجري من نزاعات وصراعات في هذه المنطقة لضمان تدفق الغاز إلى الدّول الصناعيّة. ولذا كان دور الولايات المتحدة بارزًا في المنطقة من خلال التّرابط بين تدفق الغاز إليها وبين أمنها القوميّ.
المبحث الثاني: النّزاع على الغاز في منطقة الشّرق الأوسط
لقد مهّدت الولايات المتحدة لنفسها طريق فرض الهيمنة على العالم باختلاق العديد من الذّرائع، للسيطرة على الشرق الأوسط، وذلك لاستمرار المحافظة على تدفق النّفط، وبأسعار معقولة، لأنّ المنطقة تحفل بعدد كبير من حقول الغاز، وكلما تزايد عدد اكتشافات حقول الغاز الطبيعيّ، تعاظمت هذه المنطقة وزاد النّزاع على غاز شرق المتوسطK وأثر على العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة بين الدّول. وعندما اكتُشِف الغاز بكميات كبيرة في شرق حوض البحر المتوسط تحّول الصّراع إلى مادة ملتهبة، وازدادت أسباب النّزاعات والخلافات على المصالح.
أولًا: النّزاعات على الغاز
تسعى الولايات المتحدة الأميركيّة إلى ضمان موارد الغاز بالأسعار التي تناسبها، لذا فهي تهدف في إعادة هيكلة الشّرق الأوسط إلى دمج بلدانه في النّظام الدّولي، تمهيدًا للقضاء على ما يهدد أمنها في المنطقة. بعد أحداث أيلول 2001 وما أعقب ذلك من أزمات ماليّة كبيرة أدت إلى ارتفاع في أسعار النّفط عالميًّا، راحت تبحث عن الغاز لتخفف من أعبائها الماليّة. ولذلك فإنّ ما يشهده العالم اليوم من نزاعات وأحداث يعود في معظمه إلى الهيمنة على مصادر الطّاقة ومنها الغاز. مع انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه العام 1991، ظهرت الولايات المتحدة الأميركيّة كقوة وحيدة ومهيمنة، وسعت إلى تعزيز وجودها في منطقة الشّرق الأوسط للسّيطرة على مصادر النّفط والغاز فيها، لأنّها تُعِدُّ أنّها بهذه السّيطرة تحافظ على موقعها القياديّ في العالم، لا سيما بعدما أصبح واضحًا أنّ موضوع الغاز أصبح من الموضوعات التي يهتم بها الجميع، نظرًا إلى ارتباطها بالقضايا الحياتيّة والمصيريّة للمجتمعات، وهذا لا يعني أنّ ذلك مرتبط بتخفيض أسعار النّفط أو الغاز، بل إنّ الأمر مرتبط بالمخزون الاحتياطيّ المقبل على النّفاذ بعد تزايد الطلب عليه.
ثانيًّا: أهمّيّة الغاز والنّزاع عليه
منذ اكتشاف الغاز وحتى الآن، لا يزال يُعد من أحد النّزاعات المهمّة في العالم. كونه لا يزال يشكّل العصب الرئيس للطاقة، وبعد ارتفاع أسعار النّفط في حرب تشرين 1973، حاولت الدّول الصناعيّة البحث عن بديل للنفط وبأسعار معقولة، مروّجة أنّ ذلك ممكن ومُتاح، ولكن مع الوقت اكتشف الجميع، أنّ الأمر لم يكن إلا خدعة إعلاميّة. (المصري، شفيق، 2013، ص 22).
يجعل هذا الأمر منطقة الشّرق الأوسط، معرضة للأزمات القابلة للاشتعال في أيّ لحظة، ولا سيما أن الرّقعة الممتدة بين شرق المتوسط، والخليج مرتبطة بالصّراع الإيرانيّ – الأميركي، الذي يختزل تناقضًا بين مشروعين لمستقبل المنطقة وهُويتين مختلفتين لها، وبذلك يصبح الصّراع والتّناقض بينهما هو المحرّك الأول للتفاعلات السياسيّة، وهذا ما يجعل شبح الحرب مخيّمًا على هذه المنطقة، بعد أن كان الصّراع العربيّ -الإسرائيلي ّمصدر توترها الوحيد ثم الرئيس لعقود عدّة. (سرود، نبيل، 2016، ص 4)
ثالثًا: أهمّيّة منطقة الشّرق الأوسط وأسباب الاعتماد على غازها
إنّ ازدياد حدة التنافس على الغاز، والتّسابق على حجز مقاعد للدّول المتنافسة أدخل منطقة الشّرق الأوسط في حسابات هذه الدّول لا سيما بعد نهاية مرحلة الحرب الباردة، وبروز أقطاب جدد على المسرح الدّوليّ. (نوفل، إيلاف، 2014، ص 30)، ولذلك فإنّ أطماع الدّول الكبرى جعلتها تعمل على استراتيجيّات تحاول من خلالها السيطرة، والهيمنة على المناطق الغنيّة بالغاز والنّفط مهمًّا كلف ذلك من ثمن، كما أنّها تحاول وضع اليد عليها خوفًا من استحواذ الآخرين، وهذا ما يفسّر التّنافس بين الشّركات الأميركيّة والرّوسيّة في منطقة الشّرق الأوسط. (خناوي محمد، النّفط وتأثيره في العلاقات الدّولية، 2010، ص 285).
لقد زاد من أهمّيّة هذه المنطقة الاكتشافات الجديدة للنفط، والغاز الأمر الّذي دفع بالدّول الاستعماريّة إلى تشديد قبضتها، ووضع خطط عديدة لإقامة تحالفات عسكريّة سياسيّة لعزل هذه المنطقة عن محيطها العربيّ، خصوصًا أنّ هناك تنبؤات بأنّ الغاز الطبيعيّ، سيحلّ في المرتبة الأولى لمصادر الطّاقة. (LI (Guoyo, 2001, p 67، وعلى الرّغم من حداثته، فهو في الطبيعة إمّا مصاحبًا للنفط أو مستقلًا عنه في مكانته الخاصة. ومهما يكن من أمر فإنّ النّزاع على الغاز في الشّرق الأوسط، ترك تداعيات على المنطقة ومنها ما كان يقوم على غزو العراق، وبعدها غزو سوريا وإسقاط الدّولة فيها أو تقسيمها، وهذا مشروع لم يكن مقتصرًا على سوريا فقط، بل كان يتعدى ذلك إلى تقسيم معظم دول المنطقة العربيّة، واستبدال أنظمتها بأنظمة تدور في الفلك الذي تدعمه أميركا وما سُمي بالربيع العربيّ، وتقسيم العالم العربيّ إلى دويلات متناحرة، وهذا يهدف إلى السّباق على الغاز، إلا أنّ روسيا أدركت الخطر وبدأت تحالفًا مع إيران وتقاربًا مع الصين.
وإيران منذ الغزو الأميركي لأفغانستان، طورت قدراتها الصاروخيّة، وعززت تحالفاتها الإقليميّة وخصوصًا مع سوريا ولبنان وعدة بلدان أخرى، إذ إنّ هدف الحرب في سوريا كان الغاز جزءًا منه، ما فرض على محور المقاومة أن تحمل مشروعًا سياسيًّا واضحًا في مواجهته المشروع الآخر.
الخاتمة
إنّ ما شهده العالم من نزاعات وتغيرات، انعكس على إعادة صياغات سياسيّة جديدة، وفق ما بات يعرف بجغرافيا الطّاقة، إذ إنّ الحرب القادمة إذا وقعت فإنّها ستكون حرب الغاز، لأنّ أميركا تحاول عقد تحالفات عديدة، وعلى محاور متعددة لتعويض الغاز الروسيّ والإيراني، في حين أنّ روسيا تحاول في الوقت ذاته أن تحافظ على بقائها موردًا أساسيًّا للغاز في أوروبا، وهذا لا يعني أنّ التّنافس الدّوليّ والإقليميّ، ينحصر في ثنائيّة أمريكا – روسيا إيران، بل قد يقع بين دول عدّة: كمصر والسّعودية، وقطر وتركيا، وإسرائيل وقبرص وغيرها، إذ ستستمر عمليّة التنافس، والنّزاعات بين دول المنطقة على استغلال الثّروات المقابلة لحدودها البحريّة، وهذا يؤدي إلى احتمالات تطور التوتر إلى صدامات في شرق المتوسط، فضلًا عن تحول المنطقة، ودولها إلى لاعب دوليّ ساعد في لعبة الغاز الذي يحظى بأهمّيّة خاصة نظرًا إلى عوامل عديدة، ومن أهمها المنافع السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، ومن المتوقع أنّ النّزاع على الغاز سيأتي بها إلى هذه المنطقة.
حينها ستغرق منطقة الشّرق الأوسط في آتون صراع محوره السّيطرة على استخراج الغاز وتصديره. إذ ثمة بلدان تسعى للفوز بحصّة من هذه الغاز ومنها: البلدان التي تملك آبار الغاز، الشّركات المستخرجة والبلدان التي تمثّلها، والشركات المستهلكة. وثمة تحالفات واسعة، ومفاوضات سريّة وعلنيّة على كلّ التّفاصيل التي ترسم استراتيجيات هذه الدّول والشّركات العملاقة. والتّرجمة العمليّة للنّزاعات في الشّرق الأوسط توسع دورها بين المحاور، لأنّ حجم الغاز في شرق البحر المتوسط كبير، ويضخّم الصّراع ليصبح بحجم مصالح الدّول السّاعية إلى نيل حصّة منها والسّيطرة عليها. أما بالنسبة إلى لبنان، فصحيح أنّه تأخر في التّعامل مع ثرواته، غير أنه يخوض أيضًا معركة ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، في مفاوضات غير مباشرة مع وفد إسرائيليّ بقيادة الأمم المتحدة، وحضور أميركا كمراقب وحكم. والصّراع صعب جدًا، لأنّه يدور حول حقل غاز ضخم في ظل أطماع إسرائيليّة شرسة وسط أزمة اقتصادّية، ونقديّة ومشاكل سياسيّة معقّدة، ومتشابكة مع أزمات المنطقة، وتموضع الأفرقاء السياسيين المحليين ضمن هذه الأزمات، فضلًا عن ذلك فعلى الدّولة اللبنانيّة أن تدرس مسألة انضمامها إلى أيّ منتدى غاز أو أيّ محور في هذه المنطقة، لأنّ تموضعها قد يعني وجودًا مباشرًا مع ممثليّ الكِيان الإسرائيليّ على الطاولة نفسها. (سلامة، ماهر، جريدة الأخبار، 2020)
بقي أن نشير إلى أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى دفع كلّ اللاعبين الإقليميين الجدد في سوق الطّاقة، أو معظمهم إلى العمل على قاعدة الشّراكة والتنافس، بطريقة تكون فيها إسرائيل – في الحدّ الأدنى – متقدمة بينهم، لضمان تنفيذ ما تخطط له أميركا من دفع القارة الأوروبيّة إلى تقليص اعتمادها على الغاز الروسيّ، مقابل اعتمادها أكثر من دون خشيّة من خلافات مستقبليّة من المورّدين، على الغاز المتوسطيّ.
فهل تستطيع الولايات المتحدة تحقيق هذا الأمر بأبعاده، وتجلياته في ما يحدث الآن في الأزمة الأوكرانيّة والحرب في أوكرانيا؟
المصادر والمراجع
الكتب باللّغة العربيّة
- خناوي محمد، النّفط وتأثيره في العلاقات الدّولية، دار النقاش للنشر والطباعة والتوزيع، بيروت.
- عبد الله، حسين، أسعار النّفط: التصحيح عبر آليات السوق 2005، مركز الدراسات السياسيّة والاستراتيجية الأهرام كراسات استراتيجية. القاهرة، 2005.
- نوفل، إيلاف، تنافس القوى الكبرى على الموارد الأولية في الشّرق الأوسط) مؤسسة الحوار المتمدن، العدد 4433. 2014
المجلّات والدّوريّات
- المصري، شفيق، الأمن النّفطي الهاجس الأكبر في المنطقة، مجلة الاقتصاد والأعمال، بيروت، عدد أيار.2013.
- المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية السنة الرابعة، العدد 466، كانون الأول.2017
- محمد عبد الوهاب، ميرفت، الطّاقة المتجددة وإمكانية تحديات الطّاقة التقليدية وتعزيز دور مصر كسوق جاذبة لتجارة الكربون، المجلة العلمية لقطاع كليات التجارة، جامعة الأزهر (فرع البنات، القاهرة، العدد 17).2017
- عبد المعطي، وائل، واقع وآفاق صناعة وتجارة الغاز الطبيعي في الدّول العربية، 2014، الجزء الأول المجلد الأربعون، العدد 150. 2014
- عبد الرؤوف رهبان، التقييم الجغرافي لموارد النّفط والغاز في سوريا، (دراسة في الجغرافيا الاقتصاديّة، 2009) مجلة جامعة دمشق العدد 25، 2009
- عبد الرحمن، زياد، علي الكورانيّ، رؤية جيوستراتيجيّة لمستقبل الصّراعات الإقليميّة في منطقة تزاحم الاستراتيجيّات.
- سرور، نبيل، (الصّراع على النّفط والغاز وأهمّيّة منطقة الشّرق الأوسط)، مجلة الدّفاع اللبنانيّة العدد 96 بيروت.2016
المصادر الأجنبية
-8World Energy Outlook, 2004 Washington, D.c. IEA-2004.
-9Rt-Arabic, http://arabic.rt.com leusi mess.
-10LI Guoyo.world Atlas of oil and Gas Basins, the centre for strategic and international studies, Washington, 2001,.
[1]– أستاذ محاضر في الجامعة الإسلاميّة، علوم سياسيّة وعلاقات دوليّة M-Kanso@hotmail.com–