foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

أخلاقيات التّبليغ الدّينيّ

0

أخلاقيات التّبليغ الدّينيّ

منظومة الملا صدرا الأخلاقيّة في التّبليغ الدّينيّ

نفيسة أهل سرمدي([1])/ جنان إيزدي([2])

الملخص

يشير الملا صدرا في مؤلفاته إلى منظومة أخلاقيّة يذکر فيها ضروريات التّبليغ الدّينيّ وضوابطه، وسرد حکاية صاحب آل يس في تفسيره يتيح له فرصة مؤاتية بهذا الصدد. فيذهب إلی أن التّبليغ الدّينيّ يتضمن أخلاقيات من أرکانه: المعرفة الدّينيّة الصحيحة المبنية علی العقلانية والمتمحورة حول الحقيقة. والسطحية، والانحياز، واستبدال الفرع مکان الأصل، وتصغير الأصول أو تكبيرها من الأضرار الشائعة في مجال معرفة الدين. هذا والغرض من التّبليغ بلوغ الإنسان إلى عالم الكرامة والجمال.

تشير الخصائص المذكورة أعلاه إلى متطلبات أكثر تفصيلًا في الأخلاق التّواصليّة للتّبليغ کالرّحمة والشّفقة، وتجنب أنواع العنف والعداء. والتّبليغ في المنهج الصدرائي يتضمن مبادئ وجوديّة وجماليّة. والفيلسوف يهدف إلی أن يصل ويوصل الآخرين إلى الحقيقة والكمال والجمال؛ ويمكن القول إن شغله الشاغل هو بلوغ الإنسان إلى الحقيقة.

الکلمات المفتاحية: الملا صدرا، أخلاقيات التّبليغ الدّينيّ، الجمال، العقل.

Abstract

Sadra discusses the oughts and ought-nots of proselytism in his works. The story of the believer of “Al-e Yasin” offers a good occasion for his to turn on this issue. Proselytism as a phenomenon is of its own ethics. Correct knowledge of religion, rationally-grounded-ness and truth-centered-ness are among the pillars of proselytism. Among the current damages in religion studies, one can refer to puritanism, one-sided vision, confusing the insignificant secondary affairs with the fundamental issues, underestimation and overestimation. The ultimate goal of proselytism is leading human beings to the world of dignity and beauty. The aforementioned features bespeak of more detailed maxims in communicative ethics of proselytism that consist of compassion and mercy, avoiding all types of violence and animosity. Proselytism in Sadra’s view is of ontological and aesthetic foundations. Philosopher aims to lead himself and other humans to truth, perfection and beauty. Therefore, one can say that leading humans to truth is the central concern of a philosopher.

Key Words: Sadra, Ethics of Proselytism, Beauty, Reason.

التمهيد

التّبليغ من “ب ل غ” ولغة بمعنی الإيصال. وکل من يريد إبلاغ کلام مؤثر على الآخرين يجب أن ينتبه إلى نقاط ما قد يؤدي إهمالها إلى أن ينقلب التّبليغ إلی ضده. هذا وأن أخلاقيات التّبليغ تشمل خطوات واستراتيجيّات يجب على المبلغ اتباعها لتحقيق عملية التّبليغ صحيحة مؤثرة. كان الدين وما يزال عرضة لتبليغ السّوء، إلا أنّه يکون أضرّ من ذلك. يُقصد بتبليغ السوء معارضة الدّين، وبسوء التّبليغ الضعف في تبليغ الدين وتحريفه والدّعم السيىء منه؛ وبعبارة أخری، تبليغ السوء يعني التّبليغ عن الفساد والمنکر، وسوء التّبليغ يعني التّبليغ السيئ عن الدين والخلاصة أن سوء التّبليغ أسوأ من تبليغ السوء([1]).

يجب أن تُشخّص مشاکل التّبليغ الدّينيّ، کغيره من الظواهر الاجتماعيّة، وتحديد مواطن الضعف والخلل فيه، وتسليط الضوء على نقاط قوته وضعفه حتى نتمكن من تقديم حلول لمعالجتها وإصلاحها. ندرس في هذا المقال أعمال الملاصدرا للکشف عن منظومته الأخلاقيّة للتبليغ الدّينيّ؛ إذ إنّه يتحدث عنها في أعمال ومناسبات مختلفة. فإنّه مثلاً في المجلد السّابع من تفسيره للقرآن الکريم وبمناسبة الحديث عن صاحب آل ياسين يتطرق إلی هذا الموضوع، ويتذکر العديد من النقاط المهمّة في هذا المجال.

فلا يسكت صاحب آل يس عندما ينکر، ويکذب قومه دعوة الأنبياء ويسارع إليهم للإرشاد فيظهر بذلك في زي مبلغ للدين. يروي الملاصدرا حکايته ذيل تفسيره لآيات سورة يس([2]). بعد سرد قصته، يكشف أسرارًا خفيّة في عمله، ويضع متطلبات التّبليغ الدّينيّ ويدوّن ضوابطه. إنّه يتحدث أيضًا عن الحقوق والواجبات المتبادلة بين العالم والمتعلم في المجلد الثاني من شرحه لأصول الكافي، وبالطبع ينص على أن هذه الحقوق توجد لكل معلم ومتعلم([3]). وبما أنّ المبلغ يسعى أيضًا إلى تعليم الدين، فيمكن القول إنّ الأخلاق التي يلزمها الملاصدرا في عملية التّعليم، قابلة للتطبيق في التّبليغ أيضًا.

  • التّبليغ الدّينيّ؛ الماهية والخصائص

يمکننا التعرف علی منظومة الملا صدرا الأخلاقيّة في التّبليغ الدّينيّ، استنادًا إلی ما قد ذکره في مؤلفاته، إذ يشير إلی أضرار التّبليغ ضمن بيان أصوله ومبادئه، إذ إنّ من ضروريات التّبليغ الدّينيّ من وجهة نظره ما يلي:

1-1-المعرفة الصحيحة لمحتوی التّبليغ

إن أول وأكثر أرکان التّبليغ أهمّيّة، هو أن يعرف المبلغ الدّين معرفة کاملة صحيحة، وإلّا فإنّ ما يقدّمه لن يکون دينًا بل صورة غير مکتملة من الدين، وهنا يظهر ضرورة المعرفة الدّينيّة الصحيحة والتعرف علی آفاته وأضراره. يتطرق الملا صدرا في أعماله إلی معرفة أماکن الضّعف والقوّة في الفهم الدّينيّ. ومن القضايا التي تذمّها الروايات علی نطاق واسع وتقبّحها الأحاديث، وتنهی عنها هو البدعة في الدّين ما يضعف الأساس الراسخ للدين([4]) فيعدُّ ملا صدرا أهل البدعة أسوأ النّاس، وأكثرهم ضررًا بالأمة الإسلاميّة من الكفار الفجرة([5]). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ البدعة لا تعني نقصًا أو زيادة في الدين فحسب، بل أي انحراف عما حددته الشّريعة في التّعريف بالدين، يعدُّ بدوره بدعة في الدّين. وهذا الخطأ في التعريف بالدّين له أشكال مختلفة منها:

  • التمسك بالظاهر

إن السّطحيّة والتّمسك بظواهر الأمور هو من أكبر الآفات التي تصيب المعرفة الدّينيّة. يولي الملا صدرا اهتمامًا كبيرًا لهذا الأمر في أعماله ويحذر الأمة من أضرار أهل الظواهر([6]). ويُعدُّ الأئمة المعصومين عليهم السلام شهداء عقيدة أهل الظواهر من المسلمين([7])، فأصحاب الظاهر يقصرون الدّين على ظاهره ويقدمون صورة جافة جامدة منه. هذا وأن الملا صدرا يقول بأن لكل شيء ظواهر وبواطن([8]) والدّين کذلك لا يستثني من هذه القاعدة. كما أنّه يعدُّ باحثي العلوم القرآنيّة عرضة لهذه الظاهرة أيّ السّطحية، وعندما يقوم بتصنيفهم في بداية تفسيره لسورة الفاتحة يحذرهم من أخطار السّطحيّة([9]).

ويری أن الذين قد صرفوا أعمارهم في تحصيل الألفاظ، والمباني وغرقت عقولهم في إدراك البيان والمعاني فهم أهل العبارة والكتابة، وأمّا أهل القرآن والكلام، وهم أهل اللّه خاصّة بالمحبة الإلهية والجذبة الربانية والقرابة النبوية ـ فقد يسّر اللّه لهم السّبيل([10]).

1-1- 2- الرؤية الأحاديّة

إنّ النظرة الأحادية إلی الدين هي من الآفات المهمّة في المعرفة الدّينيّة. فتلخيص الدين في جانب ما أو النظر إليه من بعد واحد، وعدّه الدّين كلّه يلحق أضرارًا فادحة بالدّين ما لا يمكن إصلاحها. ومغالطة الکنه والوجه في المنطق هي من هذا المنطلق. فالخطأ الرئيس في هذه المغالطة، هو أن صفة الشيء التي هي وجه من وجوهه، تعدُّ بدلًا من کنه الشّيء وذاته. بعبارة أخری؛ يتلخّص کنه الشيء في وجه من أوجهه([11]). والدّين قائم علی ثلاثة أركان: العقائد والأخلاق والأحکام. والأحكام ثلث الدّين؛ لذلك، لا يمكن عدُّ الدّين مساويًا لثلثه. في حين أن هناك العديد من السلوكيات والقيم، والقيم المضادة في المجتمع وحياة النّاس تشير إلى التّوهم المذکور؛ لذلك، فإنّ حصر الدّين في الفقه والأحكام وتجاهل جوانبه الأخرى المهمّة، کالأخلاق والعقائد يمثل صورة غير واقعية للدّين. والأسوأ من هذا، أن نعدُّ هذه الصّورة النّاقصة معيارًا للحكم وتقييم الناس، فنحسبهم متدينين أو غير متدينين حسب درجة التزامهم بهذا الجانب الواحد من الدين. وما تجدر الإشارة إليه هنا؛ أن الفقه لغة يعني الفهم مطلقًا، سواء أكان في الأمور الدّينيّة أو الدّنيويّة. وعلى الرّغم من أنّه في العرف السّابق كان الفقه يعرف بمعرفة حقائق الدين ومعارف الإيمان، لكن للفقه اليوم معنى خاص ولا يشير إلا إلى معرفة فروع الدّين نحو أحکام العبادات والمعاملات والحدود وغيرها/ فأن يکون الرجل عالمًا بمثل هذه الأحکام الفرعية يعدُّونه فقيهًا، حتی إذا لم يكن على علم بمعارف المبدأ والمعاد([12]).

1-1-3- استبدال الفرع مکان الأصل

الدّين مجموعة منتظمة من الأرکان والمكونات التي اتخذت مجتمعة اسم الدّين. ولهذا شبه الإسلام في الحديث بالبناية أو المبنى([13])؛ لأن المبنی يتضمن الأعمدة والجدران وما إلى ذلك، فله أصل وفرع.

في مجال الدّراسات الدّينيّة، کان هناك مصطلحان قديمان: أصول الدّين وفروعه، وهذه التّعابير واضحة وغنيّة عن التّعريف، وأصول الدّين بإجماع جميع الفرق والمذاهب الإسلاميّ هي: التّوحيد والمعاد والنّبوة. فتشمل أصول الدّين البنی التّحتيّة والمعتقدات الأساسيّة النّظرية، التي تعدّ الأصل والأساس لفروع الدّين. والملاحظ هنا أن کلمتي الأصل والفرع لا تعنيان المهم، وغير المهم بل المقصود منهما البنية التحتية والبنية الفوقيّة. هذا واستبدال الأصل مکان الفرع والعکس فهو بدعة، وإن ما يُقدّم على أنّه دين ليس دينًا حقيقيًا بل شبه دين. ويصرح الملا صدرا قائلًا: «الإسلام إنّما يقوم بالعقائد الثابتة الحقة([14])».  والأحکام وما يتعلق بسلوك المکلف تکون في مرتبة أدنی من العقائد([15]). وإهمال هذه المسألة واستبدال الأصل مکان الفرع وبالعکس يقلب وجه الدين رأسًا على عقب. وربما بهذا السّبب قد جاء في الحديث: أحيانًا «لبس الإسلام لبس الفرو مقلوبًا([16])». واللافت أن هذا الفرو المقلوب لا جمال له ولا وظيفة.

1-1-4- التّكبير والتّصغير

عندما تعرض مكونات ظاهرة ما، أصغر أو أكبر من حجمها الحقيقي، تظهر صورة كاريكاتوريّة لذلك الواقع، وقد يحدث الشيء نفسه بسهولة في قضايا الدّين؛ فإذا تعرض مكونات الدّين الرئيسة، أيّ أصول الدين أصغر من حدودها الحقيقيّة، وفروعه أكبر مما تعبّر عنها وتظهرها الشّريعة؛ سيكون لدينا بدل الدين، صورة كاريكاتوريّة منه. وبديهي أنّ الكاريكاتير ليس مضحكًا فحسب بل ما يقوله ويعبر عنه غير صحيح. وهكذا لا يعدل الدّين عن غرضه الأساسي، وهو الهدي والإرشاد بل يصبح مدعاة للسّخريّة والاستهزاء. يری ملا صدرا أنّ معرفة الله التي تضمن السّعادة الحقيقيّة هي أفضل العلوم([17]). فيجعل العلوم العقدية في أعلی مراتب العلوم الدّينيّة، والعلوم العملية تاليها قائلًا: «أفضل المعارف العلوم النّظريّة الإلهية وهي أجل شأنًا، وأعظم من العلوم العملية ويقال لها علوم المعاملة([18])». يحذر الملا صدرا في كثير من مؤلفاته من أن يهتم العلماء بالفقه أكثر من اللازم، ويشير أيضًا إلى القضايا الثانوية غير الضرورية التي وردت في علم الکلام([19]). فيسمي السّمنة الحاصلة في هذه العلوم «الورم»([20]).

فبناء علی ذلك قد يحدث تکبير أو تصغير لما وضعه الشّارع المقدس، فاشتغل العلماء بتفاصيل الفقه، والکلام ما قد لا تدعو الحاجة إليها عن معرفة الله ومعرفة النّفس والقيامة، وهذه آفة طرأت علی الدّين والمعارف الدّينيّة فقد استسمن الفقه المصطلح واستصغر الأخلاق والعقائد. لذلك يجب أن يكون المبلغ نفسه عالم الدّين في المرحلة الأولی. والملا صدرا في تفسيره للکريمة «إنما يخشی الله من عباده العلماء» يصف العلم الحقيقي ويميزه بلوازمه عن المعرفة غير الحقيقيّة فيعتبر محبة الله والشوق إليه من لوازم العلم الحقيقي([21]) بناء علی ذلك، إنما العلم الحقيقي أي العلم بحقيقة الأشياء الذي کان النّبي (ص) يطلبه ويسأله من الله هو العلم الذي يبلغ الإنسان إلی معرفة الجمال. لذلك يجب ألا يکتفي المبلغ بعلم الأفعال والأحکام وما يسمى بالفقه اليوم، وأن يصل إلى عالم الجمال بدراسة الحكمة.

1-2- التّبليغ القائم علی العقل

يعدّ الملا صدرا  العقل حجة الله علی عباده([22]). وإن من سمات التّبليغ المهمّة، أن يقوم على العقلانيّة التي تحكم في جميع مراحله. وفي تفسيره لآية «کيف يحيي الأرض بعد موتها» يقول إن الله سبحانه يحيي نفس الإنسان بمقام العقل. وهذا ما تؤيده الأحاديث والروايات إذ يشبه أمير المؤمنين علي عليه السّلام فقدان العقل بالموت ويقول: «فقد العقل فقد الحيوة ولا يقاس إلا بالأموات([23])». فبما أن غياب العقل يساوي موت الإنسان، وأنّ إحياء الإنسان بإحياء العقل والعقلانيّة، فعلی المبلّغ الذي يقصد إحياء نفوس الناس أن تقوم دعوته إلی الدين علی العقل. وبديهي أن المراد بالعقل هنا ليس ذاك العقل المستدلّ وحده؛ لكن العقل ينطلق من الاستدلال ويرافق الإنسان إلی أن يرتقي إلى مرتبة العقل الشهودي، أو إلی اتحاد العقل والعاقل والمعقول بالذات علی قول الملا صدرا([24]). لذلك، بما أن الله تبارك وتعالی يحيي العباد بالعقل، فعلی المبلّغ الذي يهتم بتعليم البشر وکمالهم، أن يدعو النّاس إلى عالم التّعقل، والعقلانيّة حسب أحواله ومقتضياته. ومن الواضح جدًا أنّه لا سبيل للإنسان إلی الرّقي والکمال إلّا عن طريق العقل والتفكير. وتعدُّ الأحاديث العقل حجة باطنة والرسل حجة ظاهرة([25]) فيستند الملا صدرا إلی مثل هذه الأحاديث ويقول: إن النبي يوقظ العقل ولولا العقل لباء الهدى ولا فائدة من بعثة الأنبياء”([26]).

لذلك، إذا لم يكن الإنسان أهل العقل، فلن تنفعه نبوءة النبي؛ لأن حجيّة الشّريعة والنّبوة لا تحصل عليها إلا بالعقل، فأحسن الناس عقلًا أحسنهم إجابة لدعوة الأنبياء([27]). وهكذا، بما أنّ أساس الدين للبشر يبنی علی العقل، فإن أنكر الإنسان العقل حتی يفسح المجال للشّرع؛ يفقد العقل والدين معًا، فيعرض دنياه وآخرته للخطر: «ومن هدم بناء عقله فقد أفسد علی نفسه دينه ودنياه؛ لأنّ بنائهما علی العقل. فمن لا عقل له لا دين له ولا دنيا([28])». لذلك، فإنّ العقل هو الحاكم الذي لا ولن يعزل. وإنّما المضرّ هو الاكتفاء بالعقل وإنكار ماوراء العقل([29]). في الرؤية الصدرائيّة للعقل جانبان نظري وعملي، وکمال العقل النّظري هو إدراك المعقولات، والإحاطة بالکليات وكمال العقل العملي تخليه عن النقائص والرذائل([30]). وللعقل النظري نفسه مراتب مختلفة من العقل الهيولاني إلى العقل المستفاد، إذ لا يهمّ العلم بالکليات في تلك المرحلة بل النّفس تتصل بعالم العقول وتشاهد حقائق الأشياء([31])، والاتحاد بالعقل وعقلانيّة النّفس يؤخذ في الحسبان في هذه المرحلة([32]).

1-3 – البحث عن الحقيقة كهدف للتبليغ

لا يتجلى حب الغلبة وإفحام الخصم في التّبليغ، والمناظرة فحسب بل يظهر حتى في المحادثات اليوميّة البسيطة، وهو بالطبع أمر مذموم. ما يجب أن يكون الهدف والمبدأ هو الوصول إلى الحقيقة. وطلب الحقيقة يکون المحور والأساس لا حب الغلبة والإفحام([33]). يستشهد الملا صدرا أيضًا بحديث من الرسول الأعظم (ص) يدعو الناس إلی الالتزام بالحق وأن يجعلوا الحق ميزانًا لسلوكهم وتفاعلهم مع البعض إذ يقول: «ولا تعاملنّ أحدًا من خلق الله عزوجل إلا بالحقّ([34])». إن استخدام کلمة “الخلق” في هذا الحديث، يدلّ علی أنه يجب علينا أن نعامل الناس أجمعين علی أساس الحق، وبصرف النّظر عن دينهم أو عقيدتهم أو جنسيتهم. وقد جاء في عبارة أخرى في هذا الحديث: «أقبل الحقّ ممّن أتاك به من صغير أو کبير وإن کان بغيضًا بعيدًا وأردد الباطل على من جاءك به من صغير أو کبير وإن کان حبيباً قريبًا([35])». التّبليغ المتمحور علی الحقيقة يزيل الجمود والتحيز، ومن هو معياره الحقيقة يعرف جيدًا أن الحقيقة ليست مقصورة على جماعة معينة وأن لكل فرد حظ منها([36]) وأنّ مثل هذا الشخص لا يُعِدُّ نفسه هو الوحيد الواصل إلى الحقيقة، ونتيجة لذلك، فإنّ التّبليغ سيكون في مأمن من أيّ عصبيّة أو جمود فكري. فأيّ هدف في التّبليغ ما، سوی طلب الحقيقة من الشّهرة والجاه والمال والغلبة وغيرها، يکون غير صحيح ويعدّ من آفات التّبليغ. التّحدث لجلب خواطر النّاس من الآفات المهمّة، التي يصرّح بها الملا صدرا ويقول: إن الوعّاظ والخطباء يجب أن يعلموا أن إعجاب الناس وترحيبهم لا ينبغي أن يكون معيارًا لهم؛ لأن: «من اشتهی الکلام في مجمع الناس والعوام کالوعاظ والمذکرين، فإنّه دائمًا يجد في تکلمه ووعظه وتأثّر قلوب أهل المجلس به حلاوة، ولذة لا يوازيها لذة فإذا غلب ذلك علی قلبه مال طبعه إلی کل کلام مزخرف يروج عند العوام، وإن کان باطلًا في نفسه ونفر عن کلّ کلام يستثقله العوام، وإن کان حکمة فيصير مصروف الهمّة بالکلّية إلی ما يحرك قلوب النّاس والمستمعين ليعظم منزلته عندهم وفي قلوبهم([37])».

1- 4- الكرامة والجمال غاية التّبليغ

المهم أن غاية التعليم هو إيصال الناس إلى وادي الكرامة والجمال. والمعلم يمثل دور مساعد النّفس البشريّة في سيره نحو الکمال وبلوغه إلی عالم الكرامة والجمال. يری الملا صدرا أنّ الله هو مبدأ الوجود والجمال والكمال المحض([38])، وأن غاية حياة الإنسان هي الوصول إلى مبدأ الجمال هذا.

حقيقة أنّ غاية التّبليغ هي القرب إلى الله الذي هو مبدأ الجمال ومصدره، تؤثر أثرًا بالغًا على محتوى التّبليغ أيضًا؛ وبعبارة أخری، تمتلك غاية التّبليغ ومحتواه تفاعلات ثنائيّة مع بعضهما البعض.

أن تكون الكرامة والجمال غاية التّبليغ نقطة مهمة جدًا إذ تصنع صورة التّبليغ. فإنّ التّبليغ الذي يهدف إلی الحقيقة ويجعل الكرامة والجمال غايته ستكون ميزاته الأخرى واضحة أيضًا. وفي مثل هذه الحالة، سوف يستبدل العنف والكراهيّة، والانتقام والاستياء باللطف والتّسامح والعفو والصفح. وعندما يكون الجمال والكرامة غاية، لا يمكن أن يسلك هذا الطّريق إلا بالأخلاق الحسنة الكريمة. لذلك لا يجوز إطلاق التّصرفات السّيئة التي تخدش كرامة المعلم والمتعلم. ويصرح الملا صدرا أنّه حتى لو عامل الناس المبلّغ بالبغض، والعداوة فإنّ التّسامح واحتمال عدائهم في هذا المجال لا يضرّ به فحسب، بل يجعله أيضًا رائدًا في بلوغ عالم الجمال([39]). فبناء علی ما جاء ذکره، يبدو أنّه يجب بيان خصائص التّبليغ والمبلّغ من وجهة نظر الملا صدرا بمزيد من التفاصيل:

2- متطلبات أخلاقيّات التّواصل في عملية التّبليغ

التّبليغ علاقة تتشكل بين المبلّغ والمتعلم على منصة المحتوی. ونظرًا لما ذُکر آنفًا عن ماهية التّبليغ وخصائصه في النّظام الصدرائي، فإنّ هذه العلاقة تقوم على أخلاق ومبادئ تحول دون أن يعدل التّبليغ عن مساره وهدفه. منها ما يلي:

2- 1- الشفقة والرحمة

يجب أن يقوم التّبليغ على أساس الشفقة والرّحمة. فهذه سمة مهمة لأخلاقيّات التّبليغ. وهو أول ما يذكره الملا صدرا في نهاية قصة مؤمن آل يس کصفة ضرورية للمبلغ فعليه أن يعامل المتعلمين معاملة أبنائه: «الأول الشفقة عليهم وأن يجري بهم مجری بنيه([40])». فتشبيه هذه العلاقة بعلاقة البنوة يشير إلى ذروة العطوفة والمحبة فيها. يقول الملا صدرا أنّ المحبة والرّحمة علی المتعلمين في أعلی درجاتها تعدّ من ضروريات أخلاق التّبليغ([41])، ويشير إلی لزوم استخدامها حتى عند التّعامل مع الجهال والمعارضين([42]). إلی أنّه يلزم اللطف والإحسان حتى مع أهل البغي والعناد([43]).

وطبعًا هذا ليس بعجيب؛ لأنّ القرآن أيضًا يتحدث عن مساعدة الأعداء لتأليف قلوبهم؛ هؤلاء الذين عرفوا في الثقافة القرآنية بـ “مؤلفة قلوبهم” (التوبة/ 60). إن فقدان المحبة والرّحمة والإحسان في التّبليغ من الأضرار الجسيمة التي طرأت علی الدين، وتسمية الرسول الأکرم صلى الله عليه وآله وسلم بأبي الأمة بوصفه أول مبلغ للإسلام خير دليل على ضرورة هذه الشفقة والرّحمة في مجال التّبليغ([44]).

2-2- مراعاة قدر فهم المتعلم

ومن النقاط المهمّة في التّبليغ الدّينيّ، الاقتداء بسيرة سيد المعلمين عليه وآله السلام، هو الاقتصار علی قدر فهم المتعلمين والکلام علی قدر عقولهم. ولتحقيق هذا الغرض، من الضروري أولاً أن يكون لديك معرفة كافية بالجمهور، وهذا يؤدي إلی تقرير محتوى الخطاب بطريقة مفهومة للجمهور خالية من الغموض والتعقيد:«أن يقتصر المتعلم على قدر فهمه، فلا يلقى إليه ما لا يبلغ عقله إياه فينفره أو يخبط عليه عقله، اقتداء بسيد المعلمين عليه وآله السلام، وقد قال: نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم([45]).» تصرح عبارة الملا صدرا علی أن عدم مراعاة قدر فهم الجمهور يسبب له النّفور الانزجار. وهنا ينقلب التّبليغ علی رأسه  فيؤدي إلی التّنفير بدل التّرغيب، فکم من أناس انحرفوا تمامًا عن طريق الدّين، ونفروا عن كل ما يقدّم باسم الدين نتيجة التّبليغ السيِّىء. لهذا السّبب يحذر الملا صدرا من أن يشرح للعامة غوامض الدّين وحقائقه الباطنيّة([46])، وينصح العامة أن لا يسألوا عما لا يناسبهم، ويذمّ أي سؤال يتجاوز فهم الشّخص وعقله قائلًا: «وکل من سأل عن علم غامض لم يبلغ فهمه تلك الدرجة، فهو مذموم فإنّه بالإضافة إليه عامي([47])». وهكذا تقدم الملا صدرا معنى آخر لکلمة «عوام»، قد تكون صفة نسبية فيعدُّ الشخص عاميًّا بالنسبة إلی القضايا التي تتجاوز مستوى فهمه وإدراکه.  وهنا يستشهد الملا صدرا الأحاديث والآيات، التي تمنع الإنسان من السؤال عما لا يعنيه([48]). وهذا يدل على الأضرار والآفات التي تنتج عن تبيين ما لا يبلغه عقل المتعلم إياه. وفي موضع آخر في شرح أصول الكافي، يوجه الملا صدرا المعلم إلى مراعاة شرطين هما: الاقتصار علی فهم المتعلم وانتفاعه حيث يقول: «بل ينبغي أن يقتصر بالمتعلّم علی قدر فهمه وعلی قدر ما ينتفع به إذا فهمه([49])». ثم يذکر أن عدم الالتزام بهذين ينفر المتعلم أو يخبط عليه عقله([50]). ومن المثير للاهتمام أن الملا صدرا لا يكتفي هنا بفهم المتعلم، بل يلاحظ نفعه أيضًا، ويرى أنه ينبغي للمعلم أن يفشي للمتعلم ما يفهمه ويفيده. وكما يمنع من إعطاء غير المستحق؛ يعدُّ أيضًا منع المستحق ظلمًا ويقول: «وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق، وما أحسن ما قيل:

فمن منح الجهال علمًا أضاعه                         ومن منع المستوجبين فقد ظلم([51])

والمصطلحان التفويت والتأخير معًا، يعدان من أضرار هذا المجال التفويت يعني إعطاء المعرفة لمن لا يستحقها، إذ يفوتها والتأخير يعني عدم إعطاء المعرفة لمن يستحقها.

والملا صدرا يذمّ الاثنين، ولكن يعدّ التفويت أسوأ ويقول: «بل الظلم في الثاني أقلّ منه في الأول؛ لأنه ممّا يتدارك دون الأول وذلك لأن الأول تفويت والثاني تأخير، والتأخير يتدارك دون التفويت([52])» .

2-3- الصبر والمداراة

بعد اختيار مضمون التّبليغ مبنيًّا على مرتبة المخاطب ومكانته، حان الوقت لاختيار الأسلوب الأکثر ملائمة للتعبير عنه. يؤكد الملا صدرا علی أنه يجب أن يکون أسلوب المبلغ يجب أن يكون بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح([53]). فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص على الإصرار([54]). وميزة أخرى مهمة في أخلاقيّات التّبليغ الدّينيّ أنها يجب أن يکون خاليًّا من العنف اللفظي والسّلوك العدواني وقائمًا على الصبر والمداراة؛ «وفيه تنبيهات عظيمة… من وجوب کظم الغيظ والصبر… والعطوفة علی الجاهلين والنّصيحة لأهل البغي والعناد… والتلطّف في نجاة خصمائه والنسيان عن ظلم الأعادي وطلب انتقامهم والصفح عن زلّاتهم([55])». وبديهي أن الأمر بالعفو والصفح هو أعلی مرتبة من الأمر بترك العنف. فيذهب ملا صدرا إلی أنّ مبلغ الدين يجب أن لا يكون فظًا غليظ القلب فحسب ، بل متسامحًا وحتی أکثر من ذلك ممن يبادر بالعفو والصفح. والصفح الإعراض عن المذنب وترك العقاب واللوم عليه بالتّرحاب([56]). يستشهد بقصة منصور الحلاج إذ يدعو الله أن يرحم علی من سعی في قتله([57]). لذلك فإنّ استخدام العنف اللفظي أو العملي في عملية التّبليغ يؤدي إلی أضرار جسيمة في هذا المجال.

2- 4- موافقة العمل العلم

من النّقاط الأساسية في أخلاقيات التّبليغ «أن يکون المعلّم عاملًا بعلمه فلا يکذّب قوله فعله([58])»؛ لأن العمل أبلغ من الكلام وهذا مما يصرح عليه الملا صدرا قائلًا: «لأنّ العلم يدرك بالبصائر والعمل بالأبصار وأرباب البصائر أکثر([59])». إن الواعظ غير المتعظ الذي ينهی عن المنکر ويأتي بمثله لا ينتفع بوعظه فحسب بل سخر الناس به واتهموه وزاد حرصهم عليه([60]). لذلك فإن مخالفة العمل العلم تعدّ من أهم آفات التّبليغ الدّينيّ «فإذا خالف العمل العلم منع الرّشد([61])». إذن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو لا يلتزم بما يقوله لن يرى نتيجة إلا السّخرية والعناد، ولعل هذا هو السّبب في أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السّلام في نهج البلاغة يلعن مثل هؤلاء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؛ لأنما عملهم هذا لا يسبب إلا إبعاد الناس عن الدين والاستهزاء به واستخفافه، فهو عليه السلام يقول: «لعن الله الآمرين بالمعروف التارکين له والناهين عن المنکر العاملين به([62])».

2- 5- التسوية بين نفسه وبين الآخرين

التسوية بين نفس المبلّغ وبين الآخرين ميزة أخری، يؤکده الملا صدرا في منظومته الأخلاقيّة للتّبليغ الدّينيّ إذ يقول: «والتّسوية بين نفسه وبينهم في ما اختار لنفسه… والمساهمة معهم، إذ لم يرد لهم إلا ما أراد لروحه([63])». هذا وقد يمکن أن نعد هذا الأمر من الأمور المهمّة في أخلاقيات التّبليغ الدّينيّ الذي يتضمن الباقي. هنا يشير الملا صدرا إلی قاعدة أخلاقيّة تسمی القاعدة الذّهبيّة في الأخلاق، إذ تقول: لا ترد للآخرين ما لا تريد لنفسك([64]). هذا ويمكن التعبير عن القاعدة الذّهبيّة بقاعدة التّسوية أو قاعدة الانصاف، التي تعني الشّعور بالاتحاد مع الآخرين والعدالة. فالقاعدة الذّهبيّة ترشدنا إلی أنّ الأسلوب الأمثل في التّعامل مع الآخرين إنما يتحقق بالصيغة «أنا، من يماثلني في الخلق» لا «أنا،غيري» وهذا يعني أن الآخرين هم من أبناء نوعي وليسوا غرباء بالنسبة إليّ([65]).

3- التّبليغ بمعناه الأعم ومبادئه الوجوديّة والجماليّة

کما ذکرنا آنفًا، أن غاية التّبليغ من المنظور الصدرائي هو إيصال الإنسان إلی عالم الجمال، وهنا يجب أن نضيف أن كل فعل يتحقق في الکون من النّاحية الوجوديّة هو تبليغ للجمال! وهذا يعني أن كل فعل في الخلق هو في الحقيقة محاولة لإيصال الخلقة إلی الجمال والكمال، وهذه نقطة طريفة لافتة للنّظر لأنما غاية الرب من خلق الکون هو إيصال المخلوقات إلی ذروة البهجة والجمال الملازم للکمال فـ«إنما الغاية في فعله لما سواه… هو إيصال کلّ واحد إلی کماله وإرواء کل واحد من مشرب جماله([66])». هذا من جانب ومن جانب آخر کما ذکرنا سابقًا، أنّ غاية التّبليغ إيصال المخاطب إلی الجمال لذلك يمكن القول إنّ الله تبارك وتعالی يبلّغ في کل فعل وبخلق کل شيء، وهذا يدلّ دلالة تامة علی أن للتبليغ في الوجود معنى أوسع من معناه المعتاد. يجب أن نضيف أن أساس الدّين هو معرفة الله، ويری الملا صدرا أنّ لله عزّ وجلّ جوانب جماليّة وإن الله الذي يعرف به في الحكمة المتعالية هو مبدأ الجلال والجمال([67]). فإنّ المبلّغ يدخل عالم الجمال السّرور بمعرفة الله، ولهذا يستطيع أن يرشد الناس إليهما. يذهب الملا صدرا إلی أنّ هدف التّعليم والتّبليغ هو الوصول إلى عالم الجمال والمحبة، فيقوم أسلوب تبليغه علی المباني الجماليّة وبعيدًا کل البعد من الأساليب الجافة السّائدة للتبليغ. أضف إلى ذلك، أنّ هذا الأمر يؤثر علی مضمون التّبليغ إذ إنّ الله الذي هو مبدأ الجمال ومصدره هو إله الحب الذي يستحق المحبة؛ فيختلف مضمون التّبليغ تمامًا إذا کان الله الذي نصفه ونعبر عنه هو إله الحب والجمال، أو إله الخوف والرّعب الذي يکون علی أتم الاستعداد لمعاقبة العباد.

فالدين الذي يدعی إليه في الحالة الأولى هو دين الحبّ، والجمال وفي الحالة الثانيّة دين الرّعب والخوف؛ لذلك فإنّ الاهتمام بالمباديء الجمالية يؤثر تأثيرًا تامًّا على محتوى التّبليغ وأسلوبه. في التّبليغ الحقيقي المبلغ المتصل بعالم الجمال يرشد السالکين في الطريق نحو الجما، فبما أنّ مثل هذا التوجيه مبني على الجمال فلا يمكن الاستعانة بما يخالف الجمال.

4- التّبليغ؛ دعوة للنشاط والحركة

يقول الملاصدرا أن الإيمان لا يقتصر على الألفاظ أو المفاهيم التي يقبلها وينطق بها المؤمن، لكن الإيمان الحقيقي هو نوع من التّعين. فإنّه يعدُّ الإيمان صيرورة الرّوح وتطورها، فهو معرفة الله والعالم الإلهي والعمل بهذه المعرفة، إذ يقول: «الإيمان صيرورة النفس بحيث يعرف الله وملائکته وکتبه ورسله واليوم الآخر، ويعمل بمقتضاه ويسلك بموداه وينهی النفس عما يهواه([68])». إن الإيمان يتضمن الإدراك والعمل والسّلوك الإنساني. إنّ لفظة “السلوك” المستخدمة في تعريف الإيمان يدلّ دلالة واضحة علی الديناميكيّة والحركة في الإيمان. لذا فإنّ الإيمان هو مقولة ديناميكيّة تحثّنا إلی الحرکة نحو الخير. فيجب أن تكون أيضًا دعوة المبلغ إلى الإيمان حيّة وذات حيوية ومحييّة؛ لأنّ الدّعوة هي أن تخطو على الطريق. ويجب تقديم هذه الدعوة بحيث تجلب الدّيناميكيّة والحياة للمخاطب. وفي رأي الملاصدرا، بما أن الله سبحانه هو الوجود المطلق ومطلق الوجود، فكل جهد لبلوغ الإنسان وإيصاله إلى مبدأ الجمال جميل ويستحق الثناء([69])، وإنّه يعدُّ المبلغ الحقيقي ذا شأن كرامة عالية.

وللتبليغ من وجهة نظر الملاصدرا أسس جماليّة، والإيمان الذي يدعو إليها أيضًا يشمل الإدراك والسّلوك والحركة وصيرورة النّفس، وهذه هي التي تحدد ضروريات التّبليغ والمبلّغ.

5- الدّعوة إلى الحقيقة؛ الشغل الشّاغل للفيلسوف

يهدف الدين إلی تربية الإنسان، وإطلاق کلمة الرّب علی الله عزّ وجلّ يشير إلى شأنه في الرّبوبيّة. هذا والمبلغ أيضًا يهدف إلی تربية المتدينين. ومن اللافت أنّ الملاصدرا، يعرّف التعليم أنه إكمال تدريجي للشيء والله مربي البشر قائلًا: «التّربية تکميل الشيء تدريجًا والله سبحانه يربي النفوس الإنسانيّة([70])».

ومن ناحية أخرى، يعدُّ حقيقة الفلسفة وجوهرها التّربية أو استكمال النفس ويقول: «اعلم أنّ الفلسفة استکمال النّفس الإنسانيّة([71])». وکذلك في عبارات مماثلة، يصرّح علی أنّ الحكمة استکمال النّفس عن طريق الحكمة النّظريّة والعمليّة وعلی قدر القوة البشريّة([72]). من مجموع هذه العبارات، يتضح لنا أن الحكمة والفلسفة تهدفان إلى تربية النفوس، وبعبارة أدق أن الهدف والغاية في الفلسفة هو استکمال النفوس البشريّة وتطورها، ولا يستطيع أن يدعي الفلسفة إلا من ينطلق طريق الاستکمال وتربية النفس. فيری الملاصدرا المربي هو مكمل النّفس([73]). وهكذا فإنّ الفيلسوف، بوصفه مبلغ، يهدف إلى تربية نفوس الناس. ولا يخفى على أحد أنّ شغل الفيلسوف الشاغل هو فهم الحقيقة، وأنّ البعض يعرّفون التفلسف بطلب الحقيقة، فلطالما كان للفلسفة والفلاسفة علاقة وثيقة بالحقيقة،  لكن النقطة المهمّة هي أنّ عمل الفيلسوف لا ينتهي بفهم الحقيقة، بل تفهيم هذه الحقيقة للمجتمع يکون من مهامه الأخری. وهنا يظهر شأن التّبليغ للفيلسوف مرة أخرى، وطبعًا بالنّظر إلى ما ذکر، فإنّما المقصد من هذا التّبليغ هو الحقيقة والجمال. يصرح الملاصدرا في تفسيره للقرآن علی أنّه لا يريد الحقيقة لنفسه فقط ولكن لمجتمعه أيضًا، فهو يعدُّ أن أسوأ الناس هم الذين يريدون الفهم والمعرفة لأنفسهم فحسب. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا يفکر بمعاصريه فقط بل يهتم بالأجيال القادمة، ويذکر دليل مشارکتهم في علومه ومعارفه قائلًا: «وإنما أثبت لك هذه المعاني… لأمرين: أحدهما ما ورد: إن شرّ الناس من أکل وحده؛ والآخر رجائي بظهور من يعرف قدر هذه المعارف من أولادي الروحانيين([74])». وإن سبب کتابة أفکاره وتسجيله لمعارفه، هو أنه لا يريد أن يقصر هذه الحقائق على نفسه بل يريد إظهارها للآخرين، وبالطبع فإنّه في هذا الأمر يخاطب البشريّة جمعاء في جميع العصور والأدوار؛ لأن الحقيقة لا تعرف الزّمان ولا المكان ولا العرق ولا الجنسيّة. فالحقيقة ليست ملكية شخصية لشخص ما، بل الجميع يستحق فهمها([75]). وهكذا يسعى الفيلسوف بوصفه المبلغ إلى تربية نفسه ومجتمعه نحو الصلاح والكمال لكنه ينجز هذه المهمة بطريقتين: الأولى هي تعليمهم طريقة فهم الحقيقة، والأخرى هي مشارکة الناس في ما اصطاد من درر الحقيقة.

النتائج

  • في تفسير سورة يس، وبمناسبة قصة صاحب آل يس الذي يتجه نحو قومه للتبليغ وإرشادهم، يتحدث الملا صدرا عن ضروريات التّبليغ الدّينيّ ومتطلباته. ومن هذه التّعابير، بالإضافة إلی ما ذکرها في مؤلفاته الأخرى، يمكن تحقيق منظومة أخلاقيّة للتبليغ الدّينيّ من وجهة نظره.
  • النّقطة الأساسيّة في التّبليغ الدّينيّ هي المعرفة الدّينيّة الصحيحة. ومن الآفات المهمّة التي طرأت علی الدّين في هذا المجال هي: السّطحيّة والتّمسك بالظواهر، والنّظرة الأحاديّة، واستبدال الفرع مکان الأصل، والتكبير والتصغير و…
  • لا يجب أن يتسم التّبليغ الدّينيّ بخصائص، ما قد يؤدي فقدان أيّ منها إلی أن يصيب التّبليغ أضرار جسيمة تحوله عن اتجاهه الرئيسي. مجموع هذه الميزات تشکل أخلاقيات التّبليغ الدّينيّ.
  • يجب أن يقوم التّبليغ على أساس الرّحمة والعطف وبعيدًا من أيّ نوع من العنف. ومن المبادئ الأخرى لهذه المهمة العفو والتّسامح وتجنب الكراهية والعداوة. والعقلانيّة والحقيقة والكرامة تعدّ من الأرکان الأخرى لأخلاق التّبليغ الدّينيّ. إنّما الجمال غايظ التّبليغ ورسالة المبلغ إيصال الإنسان إلی وادي الجمال الحقيقي. وموافقة العمل العلم تعدّ من الضرورات الحتميّة في هذا المجال.
  • فإنّ للتّبليغ في المنظور الصدرائي أسس وجودية وجماليّة، وهذا يعني أن التّبليغ بمعناه العام هو عمل الله، وهدفه في كل فعل هو إيصال المخلوقات إلى الجمال.
  • والإيمان بوصفه النّواة الرئيسة للتبليغ يعدُّ أمرًا ديناميكيًّا، والدّعوة للإيمان بالله يجب تتحلی بهذه الحيوية والحركة.
  • والفيلسوف بوصفه مبلغ يهدف إلی تربية النّفوس الإنسانيّة وإيصالهم إلى الحقيقة والجمال. فإنّه لا يفکر بمعاصريه فقط بل يهتم بالأجيال القادمة في كل العصور والقرون ، ويتحقق هذا المهم من خلال تعلم طريقة فهم الحقيقة ومشاركة ما وجده من الحقيقة.

الهوامش

[1]. أستاذة مساعدة في قسم الفلسفة والکلام الإسلامي بجامعة أصفهان، إيران.E-mail: n.ahlsarmadi@ltr.ui.ac.ir

.[2] أستاذة مساعدة في قسم الفلسفة والکلام الإسلامي بجامعة أصفهان، إيران.  J.izadi@ltr.ui.ac.ir: E-mail

[1] . اسفندياري، محمد، آسيب شناسي ديني، طهران، کوير. 1396: 189.

[2] . صدرالمتألهين، تفسير القرآن الکريم ،ج7، تصحيح: صدر الدين طاهري،  طهران، مؤسسة حکمة صدرا. 1389 و 85-105

[3] . نفس المصدر، 1385: 200-207

[4] . نفس المصدر:458

[5] . المصدر نفسه:465

[6] . صدرالمتألهين، 1381: 108 ، 113

[7] . المصدر نفسه: 113

[8] . صدرالمتألهين، 1385: 160

[9] . صدرالمتألهين، محمد بن ابراهيم، تفسير القرآن الکريم، ج1، تصحيح: خواجوي، طهران، مؤسسة حکمة صدرا. 1389الف: 37-40

[10] . المصدر نفسه: 38

[11] . خندان، علی أصغر، مغالطات، قم، بوستان کتاب. 1388: 69

[12] . صدرالمتألهين، 1385: 181 وأيضًا ينظر: الملا صدرا ، 1381 ب: 73-74 و 1389 أ: ص 405

[13] . کليني، محمد بن يعقوب، الکافي، تصحيح: علی أکبر غفاري، طهران، دارالکتب الإسلامية. 1407، ي 2: 18

[14] . صدرالمتألهين، 1385 : 458

[15] . صدرالمتألهين، کسر أصنام الجاهلية، تصحيح: محسن جهانکيري، طهران، مؤسسة حکمة صدرا. 1381 الف: 72 و 73

[16] . تميمي آمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحکم ودرر الکلم، تصحيح: مهدي رجائي، قم، دار الکتب الإسلامی1410 :421

[17] . صدرالمتألهين، 1381 الف: ص 75

[18] . نفس المصدر : 72 و 73

[19] . ينظر: صدرالمتألهين، 1381 ب: 77-79، ص 111 صدرالمتألهين، 1381 أ: 186 وصدرالمتألهين، 1389 ب: 1112

[20] . صدرالمتألهين، 1385 : 527

[21] . المصدر نفسه، 1385: 179

[22] . صدرالمتألهين، 1389 ه : 176

[23] . کليني، 1407، ج1: 27

[24] . صدرالمتألهين، 1389: 295 ، 296

[25] . صدرالمتألهين، شرح الأ صول الکافي،ج1، ت: رضا أستادي، طهران، مؤسسة حکمة صدرا. 1384: 276

[26] . صدرالمتألهين، 1389 و 75 و 76

[27] . صدرالمتألهين، 1384: 274

[28] . نفس المصدر : 281

[29] . صدرالمتألهين، 1389 هـ: 176

[30] . ملا صدرالمتألهين، 1384: 208

[31] . صدرالمتألهين، 1382: 242-249

[32] . المصدر نفسه: 290

[33] . صدرالمتألهين، 1385 : ٥٢٤ و ٥٢٥

[34] . المصدر نفسه : 398

[35] . المصدر نفسه: 397

[36] . صدرالمتألهين ، ١٣٨٣: ١٥

[37] . صدرالمتألهين، 1384 : 280

[38] . صدرالمتألهين ، 1391: 50 و 51

[39] . صدرالمتألهين ، 1389 د : 103 و 104

[40] . صدرالمتألهين، 1385  : 201

[41] . صدرالمتألهين، 1389 و: 94

[42] . المصدر نفسه: 102

[43] . نفس المصدر

[44] . ابن بابويه ، 1378، ج2: 85

[45] . صدرالمتألهين، 1385 : 202

[46] . المصدر نفسه: 527

[47] . نفس المصدر: 526

 

[48] . نفس المصدر

[49] . المصدر نفسه: 281

[50] . المصدر نفسه

[51] . المصدر نفسه: 282

[52] . نفس المصدر

[53] . المصدر نفسه: 203

[54] . نفس المصدر

[55] . صدر المتألهين، 1389: 102.

[56] . ابن بابويه ، 1376: 73

[57] . صدر المتألهين 1389: 103.

[58] . صدرالمتألهين، 1385: 203.

[59] . المصدر نفسه.

[60] . المصدر نفسه

[61] . المصدر نفسه

[62] . الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، صحّحه: صبحي صالح، هجرة، قم، 1414هـ.خ 129

[63] . صدرالمتألهين، 1389 و : 94

[64] . ينظر: کنسلر، هري، درامدی بر فلسفه اخلاق معاصر، ترجمه: مهدی اخوان، طهران، منشورات علمی فرهنگی. 1391 ص84

[65] . اسفندياري ، 1398: 69

[66] . صدرالمتألهين، 1390 : 336

[67] . صدرالمتألهين، 1384: 76

[68] . صدرالمتألهين، 1389 و  : 28

[69] . صدرالمتألهين، 1389 ت: 258

[70] . صدرالمتألهين، 1389 و :101

[71] . الملا صدرا ، 1383 : 23

[72] . صدرالمتألهين، 1384: 266

[73] . صدرالمتألهين، 1389و: 103

[74] . صدرالمتألهين، 1389 ج : 547

[75] . صدرالمتألهين، 1383: 15

المصادر

1- القرآن الکريم

2- ابن بابويه، محمد بن علی، عيون أخبار الرضا،ج2، تصحيح: مهدي لاجوردي، طهران، منشورات جهان 1378.

3 ــــــــــــ الأمالي، طهران، منشورات کتابجي 1376.

4- اسفندياري، محمد، آسيب شناسي ديني، طهران، کوير 1396.

5 ــــــــ همه ما برادريم، طهران، منشورات نگاه معاصر 1398.

6- تميمي آمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحکم ودرر الکلم، تصحيح: مهدي رجائي، قم، دار الکتب الإسلامی 1410.

7- خندان، علی أصغر، مغالطات، قم، بوستان کتاب 1388.

8- الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، صحّحه: صبحي صالح، هجرة، قم، 1414هـ.

9- صدر المتألهين، محمد بن ابراهيم، تفسير القرآن الکريم،ج1، تصحيح: خواجوي، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1389.

10- ــــــــــــــــ، تفسير القرآن الکريم، ج4، تصحيح: بيدارفر، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1389.

11- ــــــــــــــــ، تفسير القرآن الکريم،ج5، تصحيح: محمد خواجوي طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1389.

12- ــــــــــــــــ، تفسير القرآن الکريم،ج6، تصحيح: محسن پيشوائي، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1389.

13- ــــــــــــــــ، تفسير القرآن الکريم،ج7، تصحيح: صدر الدين طاهري، طهران، مؤسسة حکمة صدرا. 1389

14- ــــــــــــــــ، تفسير القرآن الکريم،ج8، تصحيح: صدر الدين طاهري، طهران، مؤسسة حکمة صدرا. 1389

15- ــــــــــــــــ، مجموعة رسائل فلسفية، ج4، تصحيح: أصغر دادبه، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1391.

16- ـــــــــــــــــ، مجموعة رسائل فلسفية، ج3، تصحيح: أحمد شفيعيها، طهران، مؤسسة حکمة صدرا. 1390

17- ـــــــــــــــــ، کسر أصنام الجاهلية، تصحيح: محسن جهانکيري، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1381.

18- ـــــــــــــــــ، شرح الأ صول الکافي،ج1، تصحيح: رضا أستادي، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1384.

19- ــــــــــــــــــ، شرح الأصول الکافي، ج2، تصحيح: مهدي رجائي، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1385.

20- ــــــــــــــــــ، رسالة سه أصل، تصحيح: سيد حسين نصر، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1381 .

21- ــــــــــــــــــ، الشّواهد الرّبوبيّة في المناهج السّلوکيّة، تصحيح: مصطفی محقق داماد، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1382 .

22- ــــــــــــــــــ، الحکمة المتعالية في الأسفار الأربعة، ج1، تصحيح: غلامرضا أعواني، طهران، مؤسسة حکمة صدرا 1383.

23- کليني، محمد بن يعقوب، الکافي، تصحيح: علی أکبر غفاري، طهران، دار الکتب الإسلاميّة. 1407.

24- کنسلر، هري، درامدی بر فلسفه اخلاق معاصر، ترجمه: مهدی اخوان، طهران، منشورات علمی فرهنگی 1391.

25- موسوي بجنوردي، کاظم، دائرة المعارف بزرگ اسلامی، ج16، طهران، مرکز دائرة المعارف بزرگ اسلامی 1387.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website