foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

قلعــــــــة دوبْيه: تاريخ مكتوب بالحجر

0

 

 

قلعــــــــة دوبْيه: تاريخ مكتوب بالحجر

د. علي إ. زين الدين ([1])

قلعة دوبْيه 1936 / pinterest.com

الملخص

دراسة بحثيّة ميدانيّة توثيقيّة مقارنة، تهدف إلى تسليط الضوء على أحد الصروح الأثريّة والتّاريخيّة التي أدّت دورًا مهمًّا في سياق الأحداث التي شهدتها منطقة بلاد بشارة (جبل عامل) من خلال موقعها الجغرافي، وقربها من الحدود اللبنانيّة – الفلسطينيّة، لكنها لم تنل حظًا من الاهتمام والرّعاية من الجهات الرّسمية المعنيّة، ليس فقط من خلال الصيانة والتّرميم، بل كذلك من خلال الإعلان عن هذا الآثر وما يعنيه بالنسبة إلى المنطقة وتاريخها من جهة، ومن خلال دراسة الأساليب المعماريّة والهندسيّة التي تبرزها القلعة كنموذج للعمارة الدفاعية من جهة أخرى.

بناء عليه، فإنّ القلعة عرضة لعوامل مؤثرة بشكل سلبيّ منها البشريّ ومنها الطبيعي، وهذا من شأنه أن يغير مع مرور الزّمن من وضعيتها المعارية والهندسيّة، فقد شهدت – وتشهد – بشكل مستمر انهيارًا في بعض أجزائها كالجدران والعقود والأسقف المقبية وغيرها من العناصر المعمارية، لذلك أردنا من هذه الدّراسة أن نحفظ لهذا الصّرح “حقّه” بأن تعرف الأجيال القادمة أهمّيته المعماريّة، كما التّاريخيّة على السواء. خاصة وأن القلعة كانت جزءًا لا يتجزأ من النّظام الدّفاعي والرّقابي القائم في المنطقة، وذلك من خلال مقارنة العناصر المعماريةّ، التي تميزت بها مع المعناصر المعمارية للقلاع القريبة والبعيدة والتي بيّنت تطابقها في أكثر من عنصر معماري.

Abstract

Doubiyé castle: History written by stone

A comparative documentary field research study, which aims to shed light on one of the archaeological and historical monuments that played an important role in the context of the events that took place in the Bishara region (Jabal Amel) through its geographical location and its proximity to the Lebanese-Palestinian borders, but it did not receive much attention and care by the concerned official authorities, not only through maintenance and restoration, but also by announcing this monument and what it means for the region and its history on the one hand, and by studying the architectural and engineering methods that the castle highlights as a model for defensive architecture on the other hand.

Accordingly, the castle is subject to negatively affecting factors, including human and natural, and this will change with the passage of time its architectural and engineering conditions. It has witnessed – and is witnessing – a continuous collapse in some of its parts, such as walls, arches, vaulted ceilings, and other architectural elements.  The study is to preserve this edifice’s “right” that future generations know its architectural as well as historical importance. Especially since the castle was an integral part of the existing defensive and control system once upon a time, by comparing the architectural elements that characterized it with the architectural elements of the nearby and far castles, which showed their congruence in more than one architectural element.

تعريف

يمكن عدُّها من القلاع المبنيّة المهمّة في جنوب لبنان، ومن أجمل الأوابد الأثريّة التي يمكن زيارتها لجهة الموقع والتّاريخ المتصل في المنطقة (جبل عامل) والأكثر أهمّيّة بعض الأشكال المعماريّة، التي ما تزال قائمة بوضعيّة ممتازة بما فيها من آبار (خزانات مياه) وأجران وأسقف مقبيّة وأدراج ودياميس رائعة جدًّا، ودقيقة في هندستها وتنفيذيها، وذلك بالنّظر إلى التّاريخ الطويل في مقاومة عوامل التّخريب الطبيعيّة والبشريّة.

كما كانت المقر والمستقر لمعظم من أثّر في تاريخ المنطقة الممتدة من حدود فلسطين الشّمالية – الغربيّة حتى صيدا، سواء أفراد أو جماعات محليّة أو أجنبية، فقد شكّل وجود القلعة في منطقة جغرافيّة استراتيجيّة حاجة، بل ضرورة للسيطرة عليها من قبل الأطراف كافة التي تركت بصمات تاريخيّة وثقافيّة في المنطقة، فكانت ضرورة اقتصاديّة بحكم سيطرتها على معبر لازم للقوافل التّجاريّة بين الشّمال والجنوب، تمامًا كما أدّت دورًا عسكريًّا كنقطة مراقبة حربيّة ومقرًّا للقيادة الميدانيّة للزعماء والقادة العسكريين على السواء.

 

التّسمية

تعرف القلعة اليوم باسم قلعة “دوبْيه” Doubiyé تابعة عقاريًّا لبلدة شقرا، قضاء بنت جبيل (هناك نزاع عقاريّ بين بلدية شقرا، ودوبْيه قضاء بنت جبيل، وبلدية ميس الجبل قضاء مرجعيون على ملكيّة المكان)، يتضح من نطق الاسم أنّه غربي وليس شرقيًّا أيّ ليس عربيًّا ولا تركيّ ولا فينيقيّ ولا كنعانيّ – على ما يبدو – أسوة بباقي المسميات التي أطلقت على المواقع المحيطة وهي كثيرة نذكر منها جبل كنعان، جبل العبّاد، جبل بنيامين (مقام بنيامين) في محيبيب القريبة، جبل يثرون (اليوم عيثرون القريبة)، عين آثا (اليوم عيناثا القريبة)، وادي بنات يعقوب، خربة شعيب (بليدا القريبة)، بئر شعيب أيضًا بليدا.

إذًا فأسماء الأمكنة التي سبق ذكرها تنتمي تاريخيًّا إلى أحداث مرتبطة بحضارة، وثقافة وتاريخ المنطقة البعيد وهو متجذّر في التاريخ النقلي للذّاكرة الشّعبية، أمّا “دوبْيه” فلا يمتّ لكل ذلك بصلة، بمعنى آخر، فإنّ كل المسميات للأمكنة التي سبقت الإشارة إليها من المرجح أنّها ترتبط بأحداث جرت خارج القصص الشّعبية، خاصة تلك المذكورة في بعض المراجع التي يستند إليها الكثير من علماء الآثار كالعهد القديم مثلًا _وهنا لا نؤكد أو ننفي بل استشهاد على ورود ذكر تلك الأمكنة في المرجع المذكور_ الحافل بروايات لأحداث ترقى إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، غير بعيدة جغرافيًّا وتاريخيًّا من المنطقة التي شُيدت فيها القلعة.

المرجّح الأكيد أنّ الإسم أطلق على الموقع بعد الحملات الصّليبيّة في القرن الحادي عشر، أو بعد الحرب العالميّة الأولى إبان الوجود الفرنسي في لبنان _كلاهما أوروبي_ بعد سقوط الدّولة العثمانية، نذكر أيضًا على سبيل المثال بعضًا من المواقع التي غيّر أسماءها الصليبيون أو الفرنسيون (إبان الإنتداب) تبعًا لما وجداه مناسبًا، أو نسبة للأشخاص الذين أطلقوا تلك الأسماء _أو أُطلقت_ على تلك الأماكن تيمنًا بهم، مثلًا:

  • قلعة دوبْيهDoubyé / هي نفسها قلعة شقرا أو قلعة ميس.
  • قلعة تورون Toron/ هي نفسها قلعة تبنين.
  • قلعة الشّقيفBeaufort / هي نسها قلعة شقيف أرنون.
  • خربة مشعرون أو “وادي النّحارير” وهي بلدة طلوسة اليوم، التي تبعد من دوبْيه بضعة كيلومترات، المعروف أنّ المنطقة الجغرافيّة التي تقع فيها بلدة طلوسة اليوم، كانت تُعرف قبل تلك الحقبة بوادي النّحارير – أو الشّحارير – لتعرف في المرحلة اللاحقة بـ طلوسة، وبحسب المعطيات التّاريخيّة فقد أقام فيها الجيش الفرنسي ثكنة عسكريّة كبيرة، وأطلق عليها تولوز Toulouse تيمنًا بمدينة تولوز الفرنسية، ليحرّف الإسم في ما بعد باللهجة المحليّة إلى طلوسة Tallousa.
  • كيفا قضاء صور، وتبعد من دوبْيه 20 كلم، فلا معنى أن يطلق اسم مارون (بلدة في قضاء بنت جبيل) على جبل أو قلعة في ديركيفا وتبعد منها تلك المسافة، الأصح هو جبل “ميرون” وقلعة ميرون Meron كما يطلق عليها البعض حاليًّا، وهي أيضًا من المسمّيات العالقة في الذّاكرة التّاريخيّة المتداولة عبر الأجيال، الأمر ينسحب – على الأرجح – على قلعة ميس في بلدة أنصار في قضاء النبطيّة، في ما بلدة ميس في قضاء مرجعيون.

 

خلاصة القول إن تغيير أسماء المعالم المهمة، لم يقتصر على قلعة دوبْيه والأصح قلعة شقرا، بل تعداه ليطال معالم أخرى كان لها دور أساسي في تاريخ المنطقة، لكنها تأثرت بالثّقافة المسيطرة، وما ذكرناه كان على سبيل المثال لا الحصر لأنّنا لسنا في صدد البحث في أسماء الأماكن، ولو فعلنا لكانت لائحة طويلة.

بناء على ما تقدم نستدل أن دوبْيه، هي واحدة من تلك المفردات التي أطلقت على المكان خلال الوجود الصليبيّ، أو الإنتداب الفرنسي نسبة إلى أحد قادة الجيوش أو أحد الزّعماء السياسيين والمرجّح الصليبيين خصوصًا، إذا ما علمنا أن جودفروي دو بويون Godefroi de Bouillon كان على رأس إحدى الحملات في القرن الحادي عشر، وهذا هو الأقرب بناء على التّحليل الذي سقناه آنفًا.

الموقع

فوق تلة صخرية تتربع القلعة على ارتفاع  500م، المعروف أنّ التلة ليست الأعلى في المنطقة ولكنها الأفضل، والأنسب لجهة الإشراف على مفترق طرق في وادي السّلوقي ووادي نحلة ووادي الحجير، وهي الطرق الحاكمة لمرور القوافل والجحافل معًا سواء تلك القادمة من السّاحل باتجاه فلسطين، ومصر أو القادمة من الشّمال عبر سهل عكار فسهل البقاع مرورًا بسهل الخيام، ومن ثمَّ في بطون الأودية بحسب ما فرضته الجيومورفولوجيا.

لماذا قلنا إنها الطريق الحاكمة؟ لأنّ من يريد العبور من مصر إلى فلسطين فسوريا مرورًا بآسيا الصغرى وصولًا إلى بلاد ما بين النّهرين والجزيرة العربية، لا بدَّ أن يمر في تلك المسارب والممرات، فالإنسان منذ فجر الإنسانيّة حين عبر من أفريقيا منذ ما يزيد على مليون وخمسماية ألف عام، عبر الطريق نفسها من سيناء إلى وادي الليطاني فوادي نهر العاصي متابعًا باتجاه الشّمال، والقصة المحررة في العهد القديم، وتتحدث عن قافلة الاسماعيليين التي انتشلت يوسف من البئر (غير البعيد من مكان القلعة) إلاّ تأكيدًا على مرور القوافل التّجاريّة من الجزيرة العربية باتجاه بلاد الشّام ومصر، فالقافلة المذكورة كانت تحمل “كثيراء وبلسانا ولاذنا” وهي السّلع المنتجة في الجزيرة العربيّة في القرن السّابع قبل الميلاد، وتاجر بها أهل الجزيرة العربيّة مع الشعوب المحيطة، ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا طَعَامًا. فَرَفَعُوا عُيُونَهُمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا قَافِلَةُ إِسْمَاعِيلِيِّينَ مُقْبِلَةٌ مِنْ جِلْعَادَ، وَجِمَالُهُمْ حَامِلَةٌ كَثِيرَاءَ وَبَلَسَانًا وَلاَذَنًا، ذَاهِبِينَ لِيَنْزِلُوا بِهَا إِلَى مِصْرَ.” (تك. 25:37). وهذا ليس غريبًا، فطرق القوافل كانت دائمًا مراقبة بواسطة قلاع وحصون تتمركز فيها الحاميات للتّدخل حين الحاجة، الطريق إلى السّاحل كانت مراقبة في ما يلي قلعة دوبْيه من خلال قلعة تبنين وفي السّهل القريب ما تزال آثار ما يعرف بـ الخان (سهل الخان) ماثلة للعيان حتى اليومن وهو مكان استراحة القوافل والتّجار، ومن ثمَّ قلعة دير كيفا (قلعة ميرون)، تليها قلعة ميس في بلدة أنصار وغيرها وصولًا إلى الخط الساحلي. نجد باتجاه الشّمال قلعة الشقيف في قضاء مرجعيون، وقلعة راشيا في البقاع الغربي فبعلبك في متابعة باتجاه الشمال، وإلى الجنوب من قلعة دوبْيه تطالعنا قلعة هونين على الطريق باتجاه فلسطين وهكذا، ومن المفيد هنا أن نذكر أنّه على بعد كيلومترات عدة من الحدود اللبنانيّة – الفلسطينية يقع جبل يطلق عليه جبل ميرون Meron في فلسطين المحتلة ربما يرتبط بتسمية قلعة “مارون” في دير كيفا قضاء صور. لذلك نجد أنّ الأسوار التي أحاطت بقلعة دوبْيه، تركزت في الجهة الشّمالية – الغربيّة وهي الجهة المشرفة على الأوديّة، وطرقاتها في ما الجهة الجنوبيّة – الشّرقيّة لم تكن محميّة بالدرجة نفسها بل كانت تشكل الإمداد اللوجستيّ، والغذائي للقلعة ففيها نجد الآبار كمصدر مياه لأهل القلعة، والأجران لسقاية الخيول والدّواب والصناعات الغذائيّة (دلت عليها حجارة البازلت المستعملة في المطاحن والجواريش) وفي الجهة المذكورة هناك ما يعرف بمرج السّت أيّ مكان للراحة، والاستجمام وهو الجهة الخلفيّة للقلعة (أيّ الحديقة الخلفية لسكان القلعة)، أمّا الأسوار وما يعرف بالزنار (وهو خندق يلتف حول أسوار القلعة) فهو في الجهة المشار إليها أو الجهة الأماميّة للقلعة.

التاريخ

 

جزء من داخل  القلعة

على مرّ العصور والحضارات التي تعاقبت على تلك المنطقة شكلت تلك الطرق معابر حاكمة وإلزاميّة للقوافل التّجارية بين القبائل الكنعانيّة الزراعيّة والمحيط، فالمعروف أن الفينيقيين الذين أسسوا المدن السّاحليّة التي شغلت العالم القديم بمهاراتها في الفنون البحريّة، والإبحار وحنكتهم التّجارية أيّ صور Tyr وصيدا Sidon وجبيل Byblos، هم أنفسهم جزء من القبائل الكنعانيّة، التي كانت تسكن المناطق الدّاخليّة وهربت باتجاه السّاحل نتيجة الجور الذي كابدوه مع المصريين، الذين فرضوا الحماية على الممالك الكنعانيّة الصغيرة مقابل إتاوات، فهذه القبائل هي نفسها التي أُطلق عليها تسمية فينيقيين بدل كنعانيين بعد غزوات شعوب البحر للمنطقة، واختلاطهم بالكنعانيين بداية عصر الحديد (1200 ق. م.)، بادلت القبائل الكنعانيّة منتوجاتها مع الشّمال السوري وجنوبًا مع مصر، وما ذكره العهد القديم أن قافلة إسماعيليين هي من أخرج يوسف من البئر (تك 25:37) _سبقت الإشارة إليه_ إلا دلالة على أنّ تلك الطريق كانت ممرًا للقوافل من الجزيرة العربيّة (نسبة للبضائع التي كانت تحملها قافلة الإسماعيليين) باتجاه بلاد كنعان ومصر، ومن ثمَّ الممالك الفينيقيّة التّجاريّة اللاحقة، التي بادلت سلعها مع الشّمال والجنوب، أيضًا من تلك الممرات عبرت القوافل التّجاريّة، ومنها كذلك عبرت الجيوش المصريّة والآشوريّة والبابليّة والفارسيّة، واليونانيّة والرومانيّة والبيزنطيّة والصليبيّة والإسلاميّة.

باختصار، يمكن القول إن قلعة دوبْيه كانت تتحكم بالمسارات من صفد في فلسطين باتجاه الشمال، وبالتالي الطريق التي تربط صور بدمشق، علمًا أنّ الرّحالة الأندلسي إبن جبير زار المنطقة في القرن الثاني عشر، وتوقف في بلدة ميس القريبة، لكنه لم يشر إلى القلعة، ربما لأنّه تجنب المرور من هناك أو ربما لم يشاهد القلعة، أو ربما _وهذا الأرجح_ أنّ القلعة لم تكن في ذلك الوقت ذات البنيان العالي، والأبراج والأسوار كما هي عليه اليوم، لذلك لم تلفت نظر الرحالة المذكور ولم يجد أنه من المفيد التعرض لوصفها أو الحديث عنها، وهنا من الجيد الإشارة إلى أن قلعة Doubyé (قلعة شقرا) وقلعة Meron (قلعة دير كيفا) وقلعة هونين (من القرى السبع المحتلة)، في ذلك الوقت بداية القرن الثاني عشر، لم تكن لها ذات الأهمية الإستقلاليّة التي بلغتها في المراحل اللاحقة بل كانت حصونًا أو نقاط مراقبة تابعة لـ قلعةToron  (قلعة تبنين)، لذلك نجد أن بعض المصادر التاريخيّة، لم تتعرض إلى تلك الحصون بالذكر بذات الأهمية التي تتحدث فيها عن قلعة تبنين.

الأصـــل

ترميـــم

لا شكّ أن القلعة لم تنشأ صليبيّة بل رممها الصليبيون في القرن الثاني عشر، وواقع الحال أن المكان كان مأهولًا منذ عصر البرونز القديم أي حوالى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد (3000 ق. م.) يستدل على ذلك من خلال كِسر الفخار التي يمكن تأريخها للحقبة المذكورة، كما يمكن ملاحظة كِسر الخزف الإسلامي في الموقع أيضًا، وهذا يؤكد أنّ كل من سيطر على المنطقة استفاد من القلعة كحامية عسكريّة لمصالحه، وما يدل على قدم القلعة أيضًا آثار القبور المحفورة في الصّخر في أمكنة غير بعيدة، فضلًا عن قبور ما تزال مقفلة لغاية اليوم، ولم يُعبّث بها ربما لأنّها وبسبب عوامل الزّمن باتت تشبه طبيعة الصّخور الموجودة في الموقع. على ما يبدو أنّ القلعة خضعت لعمليات التّرميم، والتأهيل على مرّ التاريخ ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التّمايز في بناء الجدار الواحد لجهة التّقنيات المستخدمة وأحجام الحجارة، يذكر أن آل علي الصغير الذين حكموا بلاد بشارة (جبل عامل) ما يزيد على 500 عام عمدوا إلى ترميم القلاع، والحصون ومن ضمن ما رمموه قلعة شقرا “دوبْيه” وقلعة تبنين “تورون” المجاورة، الجدير ذكره أن أعنف أعمال التّدمير والتخّريب التي لحقت بالقلعة، هي ما أقدم عليه العدو الإسرائيلي خلال عملياته العسكرية المتكررة على المنطقة.

تخبرنا النصوص التّاريخيّة أن القلعة كانت في معظم الأوقات ملجأً للهاربين من جور السلاطين، فقد جعل منها آل علي الصغير منذ القرن الثالث عشر واحدًا من الحصون، التي أداروا منها شؤون بلاد بشارة، وإليها فرّ الأمير يونس المعني بولديه هربًا من والي صيدا في القرن السابع عشر، وبقيت كذلك حتى أقام فيها “شيخ المتاولة كما يطلق عليه المؤرخون” ناصيف النصّار خلال ثورته ضد حكم الجزار في القرن الثامن عشر، شأنها في ذلك شأن قلعة تبنين. من المفيد هنا أن نورد ما ذكره المؤرخ الكنديWinter  Stefan الذي كتب الكثير حول العصر العثماني في بلاد الشام خصوصًا في كتابه “الشّيعة في لبنان تحت الحكم العثماني”، أنّه بعد السّيطرة العثمانيّة ومن باب استمالة السكان المحليين، منحوا ما يشبه الامتياز لآل صعب وهم شيعة، فاتخذوا أماكن إقامة في القلاع الموجودة في منطقة جبل عامل كقلعة شقيف أرنون وغيرها، ولا شك أنّ قلعة دوبيه التي لا تبعد كثيرًا من قلعة الشّقيف كانت واحدة من تلك الأمكنة التي سيطر عليها آل صعب، وأقاموا فيها إلى أن بدأت الصدامات والنّزاعات بين الزعامات الشّيعيّة من جهة والعثمانيين والجزار والي عكا من جهة ثانية.

نهاية القرن الثامن عشر، إثر الهجمات التي شنتها جيوش الجزار والي عكا على بلاد بشارة (جبل عامل) قام بتدمير التحصينات التي أقاموا فيها – ومن ضمنها قلعة دوبْيه كما قلعة أرنون الشقيف وقلعة تبنين – أو على الأقل عمد إلى تدمير الأجزاء العليا منها، وما ألحق الضرر الكبير في البناء كان الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة في العام 1837، لتتحول القلعة من حصن منيع إلى ملاذ للهوام والحيوانات الشّاردة، والأخطر أيدي النّاهبين والباحثين عن “الكنوز” وعابثين بهذا المَعلم التّاريخي والإرث الحضاري إلى يومنا هذا.

العمارة

على ما يبدو أنّ بناء القلعة جرى على مراحل عدة خاضعة للتقنيات، والأساليب المعماريّة لمن سيطر عليها على مرّ الزّمن هذا من جهة وللحاجات العمليّة من جهة أخرى، لكن البارز وجود مرحلتين أساسيتين إذا ما أخذنا بالحسبان الأحداث التّاريخيّة الكبرى التي أثّرت في الحاجة الكبيرة للاستفادة من موقع القلعة.

المرحلة الأساسية الأولى ترجع للقرن الثاني عشر، خلال الحروب والحملات الصّليبيّة  المتعددة، التي شهدتها بلاد الشام كافة، إذ دُعِّمت بالأبراج العالية، كما يبدو جليًّا من خلال المشاهدة بالعين المجردة، الاختلاف في تقنيات البناء وحجم الحجر خاصة في الأجزاء العليا من البناء، فضلًا عن وجود آثار معمارية خارج أسوار القلعة ربما تكون مخصصة لغرض الإنتاج الغذائي وتربية الحيوانات المستخدمة للهدف نفسه، جرت إضافتها لتلبية حاجات الأعداد المتزايدة للمقيمين. لم يقتصر التّحديث في البناء على الناحية العسكرية فقط، فمن الملاحظ أن العديد من الغرف خاصة غرف المعيشة، زُوِّدت بمواقد وهذا الأمر نادر في العمارة المماثلة المعروفة في المنطقة، هذا التحديث ربما حصل خلال المرحلة العثمانيّة، مع الالتفات أيضًا إلى الكثير من الكِسر الفخاريّة المملوكيّة، التي تنتشر في الموقع ما يعني أنّ المكان خضع لسيطرة المماليك لحقبات طويلة.

الأصل
ترميم

أمّا المرحلة الأساسيّة الثانية وهي الأكثر وضوحًا، والتي أحدثت تغييرًا أساسيًّا في الشكل العام للقلعة بعد الأخذ بالحسبان الأحداث الجسيمة التي عمَّت المنطقة في تلك الحِقبة، فيمكن إرجاعها إلى القرن السابع عشر بعد الاضطرابات التي أدت إلى صدامات كثيرة بين أعيان الشيعة والسلطات العثمانيّة، فكانت القلعة كباقي القلاع المحيطة مقرًا ومنطلقًا لمناوئي الحكم العثماني.

القلعة – الحصن تنقسم من الداخل إلى قسمين، الأول: يمثل المنطقة المخصصة للسكن وتضم المطبخ والمخازن يليها المنطقة التي تتوزع فيها خزانات المياه المحفورة في الصّخر بشكل دائريّ، ومليسة بطبقة كلسيّة كافية لحفظ المياه من التّسرب من خلال الصّخور الجيرية، القسم الآخر: منطقة مخصصة لحامية القلعة أيّ القسم العسكري الذي لحظت العمارة حاجاته المعمارية من خلال بناء الخندق الخارجي، والأسوار العالية بطريقة لا يمكن تسلقها من الخارج والأبراج والفتحات المخصصة للدّفاع في جدران الأسوار، والأبراج وحتى في جدران قاعات الإقامة والخدمة لترمى منها الوسائل الدّفاعيّة.

الظاهر من القلعة اليوم طبقتين اثنتين فوق الأرض عدا الدياميس، وهي ممرات ضيقة تربط بين مختلف أقسام القلعة، وغرف ربما استخدمت لأغراض التخزبن، علمًا أنّه لم تجرّ في المكان أعمال تنقيب أثريّة يعتدّ بها لغاية تاريخه، وكل ما يقال عن القلعة هو من باب التّحليل التاريخيّ، وما ذكرته الرّوايات والنصوص التّاريخيّة والذاكرة الحيّة، إذ لم تجر أيّة أعمال تنقيب أثرية فيها منذ نهاية القرن التاسع عشر، عندما أجرى عالما الآثار البريطانيان Conder and Kitchener مسوحات أثرية للمنطقة الواقعة شمال – غرب فلسطين، أجرت البعثة مسوحات طوبوغرافية ومعماريّة، وحفريات هادفة لفهم التّسلسل الزمنيّ والجوانب الدّفاعيّة والسكنيّة للإنشاءات بشكل أفضل. وبعد زمن طويل قامت بعثة أثريّة فرنسيّة بدراسة للموقع في العام 2012 من خلال المعهد الفرنسي للشرق الأدنى Institut français du Proche-Orient.

على ما يبدو، أنّ الشّكل العام للقلعة لم يتغير بشكل جذري منذ زيارة العالمين البريطانيين لها، ما يسهل  دراستها اليوم هذا من جهة، كما يمكن مقارنة تفاصيلها المعمارية مع القلاع الأخرى القريبة، كقلعة شقيف أرنون وقلعة تبنين وحتى القلاع البعيدة نسبيًّا كقلعة دمشق يعطينا معلومات قريبة إلى حد كبير من جهة أخرى. طول القلعة كما يظهر حاليًّا 125م وعرضها وسطيًّا 80م بشكل هندسي عريض من الأمام، ويستدق من الخلف فيأخذ شكل القدم وربما _أقول ربما_ من هذا الشّكل أطلق الاسم على القلعة أيّ شكل القدم pied بالفرنسيّة!.

تضم القلعة العديد من الحجرات والقاعات يفوق عددها الثلاثين، وجدرانها ترتفع في بعض الجهات لأكثر من عشرة أمتار لغاية اليوم، ما ساعد على بقائها أنها مبنيّة بكتل حجرية ضخمة متراصة شُبِّكت مع بعضها البعض، ما جعل انهيارها بفعل عوامل الطبيعة أمرًا صعبًا لكنها لم تستطع الصمود كثيرًا أمام آلة الحرب الإسرائيليّة، كما أنّ العقود في الطبقتين الأولى والثانية ما تزال على حالها كأنّها بنيت البارحة كذلك الأمر بالنسبة إلى الأدراج، إذ ما تزال بحالة جيدة جدًا تخال أنك تستطيع تتبع آثار أقدام من مشى عليها منذ مئات السنين.

أحد الأدراج المؤدية إلى ساحة القلعة

يمكن للزائر أن يلاحظ الجودة والإتقان في تبليط الأرضيات من خلال بضع بلاطات ما تزال في مكانها خاصة عند المدخل بعضها تبلغ مساحة مسطحها 0.50م2، في وسط الجهة الشّمالية ساحة واسعة، يمكن من خلالها الولوج إلى مختلف الأقسام، تحيط بالقلعة الأبراج العالية ذات الشّكل المربع ما عدا برج في الجهة الشّمالية، بشكل نصف دائريّ يشبه إلى حدّ كبير أحد الأبراج في قلعة دير كيفا في الجهة نفسها، وله الخصائص المعمارية ذاتها لجهة تقنية البناء والارتفاع، تتوزع في جدرانها الفتحات المخصصة لرمي السّهام (فتحات للرمي) archères في مسافات منتظمة تجعل التّواصل بين المدافعين متيسرًا (لا تتجاوز المسافة 1.5م)، هذه الفتحات فراغات في الجدار يبلغ ارتفاعها 1م وعرضها حوالى 0.15م، تشكل مع الجدار زاوية 45° عادة موجودة في الجدار داخل قوس يتسع لشخص واحد في وضعيّة الجلوس، اللافت أنّ شكل وحجم فتحات الرّمي في قلعة دوبْيه تشبه إلى حد كبير فتحات الرمي في قلعة دمشق بل نسخة عنها لجهة التقنية والحجم، كما يمكن مشاهدة الأسقف المقبيّة بالحجارة بطريقة بديعة تمامًا، كما هو الحال في قلعة دمشق وقلعة دير كيفا، منها ما يزال بحال جيدة والكثير طاله التّهديم والتّخريب والإهمال.

تتركز الغرف والمنشآت الخاصة بالسّكن في الجزء الخلفي (الجهة الجنوبيّة)، وهي القريبة من منطقة الأمداد اللوجستي والغذائيّ، وخزانات المياه المحفورة في الصخر مليسة بطريقة تمنع تسرب المياه بوصف أنّ الصّخور هناك جيرية وما يزال بالإمكان معاينة التلييس شديد الالتصاق بالصّخر لغاية اليوم، أكبر تلك الخزانات موجود داخل القلعة وقريب من القسم المخصص للمطبخ، تكمن أهمية هذا الخزان أن جزءًا منه محفور في الصّخر، في ما الجزء الآخر مبني بالحجارة المنحوتة بشكل جيد ومليسة بطريقة تمنع تسرب المياه.

مدخل القلعة

وهذه الناحية تتألف من ثلاث غرف واسعة مطبخ وملحقاته وقاعة الطعام يعلوها قاعة كبيرة في الطابق الثّاني تتوزع جدرانها فتحات الرّمي

مخطط القلعة ويبدو مخطط الخندق

الدّفاعيّة عددها تسع على امتداد جدران القاعة.

 

القلعة محميّة بخط دفاعيّ أول خندق محفور في الصّخر بعرض يتراوح بين 7-8م دُّعِّم ببناء حجري من كتل ضخمة يبلغ متوسط ارتفاعها 0.50م، في بعض جوانبه التي تفتقد وجود الصّخر فيها، ولكن من غير الممكن في الوقت الحالي معرفة العمق الذي يبلغه بسبب امتلائه بالردم، يلي ذلك خط الدّفاع الثاني المتمثل بسور القلعة ويمتد من الجهة الجنوبيّة – الغربيّة إلى الجهة الشّمالية – الغربيّة، في وسط تلك المسافة يقع المدخل الرئيس المهيب بجمال العمارة والأرضية المبلطة، يتقدم المدخل لجهة الشّرق أكبر الأبراج المربعة الموزعة على جوانب القلعة، تضم الجدران المحيطة بالمدخل، ويبلغ عرضها 1م على الأقل فراغات مربعة الشّكل طول ضلعها 0.30م، تقع في الوسط من جانبي المدّخل من الداخل، وهي على الأرجح ليوضع فيها عارض خشبي يكون القفل من الداخل حين يغلق باب القلعة، إحدى تلك الفتحات عميقة في الجدار، إذ يسحب إلى داخلها العارض الخشبي حين فتح باب المدخل، أمّا حين الإغلاق يسحب العارض الخشبي من الجدار، ليدخل طرفه في الفتحة المقابلة تمامًا في الجدار المقابل إذ يستحيل فتح الباب إلّا بعد سحب العارض أو تحطيمه، وهذا الأمر يحتاج إلى قوة كبيرة جدًا لفعل ذلك، وبحسب تكوين المدخل يتضح أن الباب الخارجي كان يفتح إلى الدّاخل لجهة الشّمال من المدخل ويُتَحكم بهذه العمليّة من خلال الحراس الموجودين في الغرفة الملحقة بالبرج الذي يتخلله ثلاث من الفتحات العديدة، لرمي السّهام والوسائل الدّفاعيّة الأخرى التي تحمي الجهتين إلى اليمين وإلى اليسار من المدخل، والعبور من المدخل إلى السّاحة وسط القلعة من خلال درج يليه ممر ضيق.

أقيمت غرفة مجاورة تمامًا للمدخل مهمتها مراقبة الزائرين، والدفاع عنه تحتوي في جدرانها على فتحات للرمي، على ما يبدو أن الدّخول إليها كان من خلال باب صغير في الجهة الشّمالية كان أشار إليه Conder, C. & Kitchener, H. خلال عملهما في الموقع.

البرج الآخر يقع في الجهة الشمالية – الغربية من السور، نصل إليه من خلال السّاحة الوسطية للقلعة عبر ممرٍّ ضيق، ويؤدي إلى برج آخر مزود بثلاث فتحات للرّمي في كلّ جهة من جهاته الثلاث.

وإلى الشّمال من البناء يمكن ملاحظة ثلاث قاعات متوازية مع بعضها، على الأرجح مخصصة للجنود، وهذه القاعات الثلاث (الغرف) شكلت معًا أساسًا أو دعامة لقاعة كبيرة على امتداد مساحة الغرف السّفلى الثلاث التي سبق ذكرها، أُلحق بهذه القاعة بناء برج، نمرُّ من القاعات السّفلى إلى القاعة العلوية الكبيرة من خلال هذا البرج، الذي يحتوي في جوانبه ثلاث فتحات للرمي في كل جهة، وفي أقصى الجزء الشّمالي من القاعة العليا أقيمت المراحيض.

من المهم الإشارة هنا في ما يتعلق بفتحات الرمي، وكثرة عددها في بعض الأمكنة خاصة تلك المخصصة للخدمات، فقد كانت لها أغراض أخرى غير الأغراض العسكريّة، فكما هو واضح تفتقد القلعة إلى وجود النّوافذ، وهناك مشكلة على مستوى التّهوئة والإنارة، التي كانت تمدها بها السّاحة الوسطيّة الكبيرة، ولكنها غير كافية لتأدية هذا الغرض في بناء كبير مع الأخذ في الحسبان الممرات الضيقة، لذلك أدّت تلك الفتحات دورًا كبيرًا في إيصال الضوء والهواء إلى الداخل، إضافة إلى دورها في المراقبة والاشتباك مع العدو.

الجهة الشّماليّة – الشّرقيّة أيضًا أقيم فيها برج مربع الشّكل، يحتوي في كلّ جهة على أربع فتحات للرمي من الجهة الشّمالية، واثنتان في الجهة الجنوبيّة (تنبت اليوم في زاويته الشّمالية شجرة تين تهدد بسقوطه مع مرور الزّمن).

في الجهة الجنوبيّة – الشّرقيّة أيضًا، أُقيم برج مربع الشّكل يتوسط الزاوية الجنوبيّة – الغربيّة من القلعة، يتكون من طبقتين دفاعيتين على الأقل تحتوي إحداها على فتحات الرمي، شأنه في ذلك شأن الأبراج الأخرى التي ذكرناها.

أمّا البرج الرئيس في القلعة فهو في الجهة الجنوبيّة _بوصفها في المكان الأعلى من القلعة_ هذا أولًا، وثانيًّا لأنّ تلك الجهة تقابل المكان الأسهل لمهاجمة القلعة كونه أقل انحدارًا، وفي هذه الحال ستكون نقطة الاشتباك الأولى مع المهاجمين، وهو المولّج كذلك بتوجيه الحامية في الجزء الشّمالي لأنّ الأبراج هناك محجوبة عن هذه الجهة، المدخل لهذا البرج في الجدار الشّمالي مع زوجين من فتحات الرمي، أمّا الجداران المحاذيان للمدخل من اليمين ومن اليسار ففي كل منهما فتحة واحدة للرمي، ويلاحظ قرب المدخل مباشرة درج ما يزال بحال جيدة يؤدي إلى قاعة أخرى، لا يمكن تتبع معالمها حاليًّا بفعل الدّمار الكبير الذي لحق بها، وكل ما يمكن وصفه أنها تحتوي العديد من فتحات الرّمي في جدرانها. أمّا الأجزاء الأخرى في القسم الجنوبي – الشّرقي لا يمكن تتبع التّفاصيل المعماريّة لمعظمها بفعل الدّمار الكبير الذي تعرضت له.

الجدير ذكره أنّ أبراج القلاع ذات الشّكل المربع السّمة الغالبة في العمارة الدّفاعيّة الأيوبيّة والمملوكيّة في القرن الثاني عشر، كـقلعة دمشق مثلًا، وإذا ما نظرنا إلى المخطط العام لقلعة دوبْيه نجده مشابه تمامًا لقلعة دمشق لجهة الأبراج المربعة، وهذا النّوع من العمارة يتطلب جهدًا، ووقتًا أقل لكنّه ليس بمتانة الأبراج الدّائريّة، أو النّصف دائريّة التي تجعل من الجدران جميعها كتلة واحدة.

أمّا الأبراج ذات الشّكل الدّائري، أو نصف دائري فهي السّمة الغالبة في العمارة الدّفاعيّة الصليبيّة، وهذا ما نجده في قلعة دير كيفا حيث الأبراج جميعها لها شكل دائري ونصف دائري، وفي قلعة تبنين التي جمعت شكلين من الأبراج المربع والدّائري كقلعة دوبْيه.

لم تكن القلعة مخصصة لإقامة الجنود فقط، بل كانت تضم عائلات القادة والزعماء الذين أقاموا فيها، وخير دليل مرج السّت الذي سبق ذكره، لذك خصص في بناء القلعة أمكنة تابعة للخدم والعاملين، وهي قسمان: الأول هو للإقامة، والثاني: لأعمال الطبخ وهو ما دلت عليه آثار الموقد الكبير، حيث القسم العلوي منه مهدم في ما جزء من القسم السفلي ما يزال محفوظًا بما فيه المدخنة، يمكن الوصول إلى هذا القسم من خلال الفناء الدّاخلي، حتى أنّ هذا القسم زودت جدرانه بفتحات للرّمي في الجدار الغربي.

بالعودة إلى السور فإنّ الجزء الأسفل منه محفور في الصخور الجيريّة، بعمق لا يمكن تحديده حاليًا والجزء الأعلى مبنى بكتل حجريّة ضخمة، يمكن تخمين عمق أساسات السّور في الأرض بالاستناد إلى عرضه، ما يشير أنّ الحفر في الصّخر عميق بما يكفي لتحمّل الوزن الكبير للحجارة المقصّبة والرّدميات التي تخللتها، وبحسب حجارة السّور المهدمة وما تزال في مكانها يمكن تقدير أنّ ارتفاعه، لم يتعد بضعة أمتار مع الأخذ بالحسبان مستوى الفتحات المخصصة لرمي السّهام.

في الحديث عن القسم السّفلي من القلعة لا بدَّ أن نشير إلى جملة من العقبات، التي تمنع تتبع الأساليب المعماريّة بتفاصيلها الدّقيقة نذكر منها:

  • الأجزاء العليا المنهارة من البناء سواء أكانت أسقف أو الأجزاء العليا من الجدران، هي في الغالب من كتل حجرية كبيرة فضلًا عن الأتربة، باتت تشكل عائقًا أمام العمل في القسم السّفلي، ولا بدّ من رفعها بطرق علميّة “في حال تقرر في يوم ما إعادتها إلى مكانها الأصلي”.
  • منافذ القسم السّفلي هي صغيرة بشكل عام، وإن المرور من خلالها في ظل الوضع الذي ذكر سابقًا دونه عقبات ومخاطر جمة.
  • لا شك أن تلك الأماكن باتت ومع مرور الزّمن الطويل، أوكارًا وجحورًا للهوام والزّواحف أقلها الأفاعي التي تكثر في المنطقة.
  • يمكن وبكل سهولة مشاهدة الأشجار الكبيرة النابتة في المكان، وباتت تشكل بفروعها وجذورها معًا عائقًا أمام العمل في هذا القسم من البناء.
  • شكلت تلك المساحات المخفيّة تحت الأرض، مكانًا مثاليًّا للاستخدام لأغراض عسكريّة طيلة مراحل زمنية طويلة، ومن غير المعلوم الأخطار على هذا الصعيد التي ربما تكون ما تزال فيها.

ولكن، وعلى الرّغم من ذلك حاولنا([2]) من خلال ما تيسر من عمل ومن خلال أعمال البعثات التي عملت هناك _على قلتها_ معاينة بعض التّفاصيل المعماريّة، كالقاعة المستطيلة والواسعة في الجزء الجنوبي، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل في الجدار الغربي، سقف هذه القاعة مبني بشكل قبو، وتحتوي في جدرانها أيضًا على فتحات للرّمي، كما يمكن ملاحظة بناء هو على الأرجح مرحاض في الزاوية الشّماليّة – الشّرقيّة من القاعة، ولا يوجد أيّ دليل يشير إلى أنّ تلك القاعة كانت تحتوي على ممرّ إلى القسم الأعلى.

الخلاصة

إن أخطر ما يهدد هذا الأثر المرتبط ب الأحداث التّاريخيّة المهمّة، والسياسيّة الكبرى في المنطقة ليس فقط الاعتداءات الإسرائيليّة، ولا عوامل الزّمن ولا تخريب اللصوص فحسب، إنّما الإهمال غير المقتصر على الصّيانة، والحمايّة على أهميتهما الكبيرة بل أيضًا في الإعلان والإعلام والنشر، وتنظيم زيارات للمدارس والجامعات والجهات المعنيّة بالسّياحة للتعريف بالقلعة كأثر سياحيّ وكإرث حضاري ثقافي، وربما كان للأحداث الدّائرة في المنطقة وما تزال السّبب المباشر في عدم إعطاء الموقع العناية والاهتمام اللازمين.

تحتاج القلعة اليوم إلى أعمال التّنظيف من الأعشاب، وإزالة النباتات التي تحولت إلى أشجار كبيرة في الجدران ما يهددها بالانهيار، وأيضًا مطلوب أعمال تدعيم في بعض الأماكن، فخلال الشّتاء المنصرم 2021-2022 إنهار جانب من القناطر المهمّة في وسط القلعة، وتحديد مسالك آمنة داخلها، كما من الضّروري جدًا إقامة سياج يحيط بالقلعة، ومنشآتها لمنع التّخريب والعبث، والالتفات إلى أهمّية إجراء أعمال التّنقيب في الجهة الجنوبيّة حيث آثار أبنية كانت قائمة لا يظهر منها للعيان سوى أساساتها، لأنّه من المتوقع العثور على ما يفيد في معرفة تفاصيل عن تاريخ القلعة وما مرّ عليها، حيث من المرجح أن تكون تلك الأساسات تابعة للمكان المخصص للخيول وباقي الدّواب أي اسطبلات وزرائب، أو مراكز لإنتاج الغذاء.

مراجع البحث

  • الأمين، ح. (1989). مستدركات أعيان الشيعة، ج. 3، دار التعارف، بيروت.
  • السواح، ف. (1995). آرام دمشق وإسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي، دمشق.
  • محيسن، س. (1989). بلاد الشام، عصور ما قبل التاريخ، الأبجدية للنشر، دمشق.
  • R. Conder and H.H. Kitchener, (1880). The Survey of Western Palestine. Map from Surveys Conducted by 1872-1877, Palestine Exploration Fund, London.

-5 Dussaud, R. (1927). Tobographie Historique de la Syrie antique et médiévale, Paris.

-6 Piana, M. and Curver, H. (2004). “The castle of Toron, Qal’at Tibnin in south Lebanon. Preliminary result of the 2002-2003 campaigns“, BAAL, vol. 8.

-7 Winter, S. (2010). The Shiites of Lebanon under Ottoman Rule, 1516-1788. Cambridge University Press.

-8 Yovitchich, C. (2015). Qal’at Doubiyé, une fortresse-garnison de l`arrière pays de Tyr, BAAL, vol. 15.

 

 

 

[1] – أستاذ مساعد، في الجامعة اللبنانيّة، قسم الفنون والآثار، الفرع الخامس-Dr.zeineddine@hotmail.com

[2]– من المفيد التّنويه إلى أن المصادر المهمّة لهذا البحث كان العمل الميداني لأسابيع عدة في الموقع بالاعتماد على الإمكانات الذّاتيّة والمجهود الشّخصي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website