أهمّ المؤثّرات الحضاريّة في شعر صلاح عبد الصبور
وأبرز محطّاتها فيه، ورأيه في الأدب والحضارة والتواصل الإنسانيّ
محمّد عقل
مقدّمة:
إنّ الإرث المعرفيّ للشعوب هو التركة الأساس من السابقين إلى اللاحقين. من هنا تربط العلوم سلسلة متراصّة، وإن كانت متعدّدة، كما تربط الزمن. وليس تاريخ المعرفة الإنسانيّة، بأوجهها العقليّة، والحدسيّة، والتجريبيّة إلّا تاريخ هذا التأمّل الإنسانيّ في ذاته([1]). على إنّ هذا التأمّل يرافقه في حياة الفنّان لذّة اكتشاف الحقيقة وألمه، لأنّ وعي الذات هو نقطة انطلاق نقدها الذي يمثّل خطوة في رحلة التقدّم([2])، وعلى الفنّان الأصيل في رحلته تلك، إنّ يستلهم روح التجديد مع إرث ما، أو تراث ما، لأنّ هذا التجديد يكون نابعًا من صميمه([3]). فمن هذا البناء ينطلق الفنّان، والشاعر أيضًا، في رحلة زمنيّة بالاتّجاه نحو الماضي لبلورة حاضره، والخروج منه بعبرة مستقبليّة.
إنّ حال الفنّان الإبداعيّة لا تكون إلّا بالتواصل بين التراث والحياة الجديدة([4]). ومن الواجب الالتفات إلى ذلك الإرث الأدبيّ الغنيّ المجذّر في أعماق الإنسان على مرّ العصور. فهل يموت الإبداع وتنتفي الأصالة في رحلة الفنّان عبر الوجود؟
يرى حسين مروّة أنّ النّظرة التقليديّة والسّلفيّة التي تطبع رؤية العقل لما يقابله في بحثه، نظرة تقتل سمة الإبداع في الإنسان، وتحوّله إلى مقلّد وتضيّق الأفق([5]) الرؤيويّ للكون، لأنّ الإنسان/ الفنّان يبحث عن الجذور كما تعبّر خالدة سعيد(1) من خلال استحضار الحالات النفسيّة العميقة(2) في الماضي المعرفيّ الحضاريّ على تعدّد صوره واتّجاهاته، وكلّ ذلك نابع من إحساس الفنّان، وإيمانه بروابط روحيّة، وفكريّة بين العرب والفرنجة على حدّ تعبير إلياس أبو شبكة، وهو إيمان إيجابيّ يتفاعل مع العالم(3). ويهدف هذا إلى التجديد، والتطوّر، وإغناء اتّجاهاتنا الثقافيّة، ومعطياتنا الحضاريّة(4)، والخروج منها بشخصيّة ثالثة وليدة هي غير الغربيّة، أو العربيّة، شخصيّة تجمع بين الاثنين، وتستخلص نتائج إنسانيّة جديدة، كما هي حال جبران مثلًا، لتكوّن “تعادليّة ثقافيّة”(5). هذه التعادليّة إذًا هي خلاصة مزج حضارتين، أو أكثر ينتج عنها حضارة جديدة تكون كالماء الذي يحيي. هكذا يحاول الريحانيّ مثلًا تصوير صداقته، وعلاقته بالتراث العربيّ(6). لكن هل استطاع الفنّان العربيّ، والشاعر أيضًا، بتجديده هذا الخروج من هذه الدوّامة؟ وماذا يقول عبد الصبور في هذا؟
1 – عبد الصبور والتراث:
يقول عبد الصبور: “ها أنا بعد ثلاثين من السنين أجدني مشتّت القلب بين عالمين”(7) فهل عانى عبد الصبور ما عاناه يوسف الخال في علاقته بالتراث العربيّ عمومًا واللغويّ خصوصًا؟
إنّ صلاح، كما الخال أيضًا، يعاني صراعًا مريرًا بين واقعين ثقافييّين متناقضين إلى حدّ كبير، ويراوح هذا الصراع بين القبول والرفض. وصلاح عندما يتذكّر، أو يتأمّل هذا الواقع المرير “تنهمر ذكريات الزمن المفقود أمام عينيه الكليلتين(8) مع العلم بأنّ إيمان صلاح عميق بأنّ الإنمياز الحقيقيّ في الفنّ والأدب المتحضرين هما تراث ممتدّ، يفيد لاحقه من ســــــــــــــــــابقه، ويقنع كلّ فنّان بإضافة جزء صغير إلى الخبرة الفنّيّة التي سبقته، وتظلّله كلّه روح المسؤوليّة عن البشر والكون(1)، لكي يظلّ الشاعر حامل البشارة عليه إنّ يبدّل لونًا من التنظيم النفســـيّ (يشبه تنظيم فنّ التصوير) والوجدانيّ يعنيه على الاستمرار ومواصلة العطاء(2) فيكون منتجًا في مستقبل أيّامه(3). ويقول عبد الصبور في علاقة الفنّان بفنّه: “إنّ النفس الإنسانيّة في إحساساتها المتعدّدة لم تكن لتدرك نفسها لولا الفنّ(4) “و” إنّ الشاعر يخلق حياة أخرى معادلة للحياة وأكثر منها صدقًا وجمالًا”(5). والتاريخ الأدبيّ مليء بالشواهد على هذا ولا سيّما الشعر الحديث.
2 – 1 عبد الصبور والفنّ:
إنّ البعد العمقيّ لحياة عبد الصبور تنطلق من الواقع الذي مرّ به. يقول، مثلًا، في معرض حديثه عن الشاعر والناقد ت. س. أليوت (وهو من المتأثّرين جدًّا به):” لم يكن اتّكاء أليوت على الماضي إلّا رغبة في عرض الحاضر بفقره الروحيّ عليه، لكي يكون دافعًا لأبناء الحاضر أن يتجاوزوا إملاقهم الروحيّ والفكريّ. (وهذا رأي أليوت حيث انطلق من بودلير).
أنّ العالم الحديث عالم خرب ومزيّف… لم يكن أليوت إذًا مجرّد متنبّئ، بل كان داعيًا واقعيًّا(6). وليست النظرة إلى الفنّ، كتابع من توابع الأنظمة الاجتماعيّة والدينيّة، نظرة جديدة، وكلمة “الفنّ الهادف” لم تولد مع الفلسفة الماركسيّة، فالتاريخ معرض شامل للصراع الاجتماعيّ والدينيّ. وتوجيه الفنّ يعود إلى أفلاطون من أجل خدمة قضيّة ما. وقد طالب هذا الفيلسوف اليونانيّ الشعراء بلون من الالتزام(7). فهذه الدعوة (أو هذا الهدف للفنّ والفنّانين) هي دعوة قديمة عمرها عمر الإنسان(8)، فالفنّان يولد مع الفنّ، ويعيش فيه ويتنفّس من خلاله. وكلّ فنّان إذًا لا يحسّ بانتمائه إلى التراث الإنسانيّ، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع تحقيق دوره كإنسان مسؤول في هذا الكون(9). ويقدّم عبد الصبور مستويات ثلاثة، أو طرقًا ثلاثًا من الاجتهاد تحاول إنّ تمدّ بصرها من إنسانيّة الإنسان لتساعده على تجاوزه ذاته كي يستطيع بعد ذلك إنّ يعطي حياته معنى هي الدين، والفلسفة، والفنّ(1). لكن، هل تستطيع هذه الطرق إنّ توصل الإنسان إلى الأسمى، وهي في الوقت نفسه تحمل في طيّاتها بذرة التناقض؟ بمعنى أنّ الدين، والفلسفة، والفنّ تتّفق جميعًا لا في الانطلاقة من حيث المبدأ، ولكنّها لا تنتهي إلى النتيجة عينها.
2 – 2 عبد الصبور والنقد:
لقد راوحت النظرة النقديّة العربيّة من معالجتها للتراث بين حدّين متناقضين، أوّلهما العودة إلى الماضي الذي كان زاهرًا، وثانيهما، وهو نقيض الأوّل، الاستخدام الاستسلاميّ، ومحاولة الضعيف تقليد القويّ وتبنّي مثله والتشبه به(2). ويحاول عبد الصبور تقديم رؤية نقديّة كما يقول، فهو يرى إنّ “قصور الرؤية… مرجعه الخلط بين جملة أشياء… الخلط بين التاريخ العربيّ والأدب العربيّ(3)، وهذا واقع صحيح إذ إنّ لكلّ منهما خصائصه وانميازاته وإن تداخلت السياسة والأدب.
وهذا من العوامل الإيجابيّة لأنّ لكلّ فرع من فروع الحضارة أثره في الفرع الآخر. أليست المعرفة سلسلة متواصلة ومتداخلة؟ صحيح إنّ أكثر المؤرّخين قسّم الأعصر الأدبيّة تبعًا لحدث سياسيّ، أو تاريخيّ، أو عسكريّ، وقد عدّ في الدولة العربيّة انعطافة مُهِمَّة، وهذا الأمر ليس بجديد. ويتابع عبد الصبور حديثه عن الخلط بين هذين الواقعين فيقول: “نصطنع أسلوبين في النظر إلى تراث الأدبيّ العربيّ:
أوّلًا: عدّ هذا إنتاجًا؛ وتلك الحضارة غاية من الغايات في الاستواء والكمال… فهذا التاريخ قد سدّدت خطاه بالتوجيه الإلهيّ… وهذه الحضارة قد دوّنت باللغة العربيّة (لغة الله وأهل الجنة). وانّ انعكاس هذه النظريّة في مجال الأدب هو الاعتزاز بالأدب العربيّ وحده من دون سواه. (وهذه النظرة لها سيّئات كثيرة وخصوصًا على صعيد الدين لأنّها منعته من التواصل بشكل، أو بآخر مع الآخرين على اختلاف توجهاتهم).
ثانيًا: محاكمة هذه الحضارة بمنطق العصر الحديث… ثمّ محاكمة أدبها بمنطق الأدب المعاصر([6]).
وهناك خلط آخر بين الثقافة المعاصرة، والسياسة المعاصرة، فعبد الصبور يستثني الأدباء أو الناحية السلبيّة من الواقع السياسيّ، فهو يقول: “ليس لشكسبير جريمة في احتلال إنكلترا لمصر عام 1882م (على الرغم من البعد الزمنيّ بينهما)، ولكن قد يكون لقراءاته هو وأمثاله دور في تبنيه الوعي المصريّ إلى ضرورة إجلاء الإنكليز”([7]).
فهل هذه كانت قاعدة ثابتة من العالم العربيّ؟ ألم يمثّل بعض الأدباء والجغرافيّين دورًا بارزًا في اللعبة الاستعماريّة في هذا العالم (كما فعل الفرنسيّون بقيادة نابليون بونابرت مثلًا في حملتهم على مصر عام 1798م)؟ ولكي نبلور استقلالنا علينا أنّ نفصل أو نوقف هذا الخلط المزدوج، وندرك أنّ الثقافة يجب إنّ تُعامل ككِيان مستقلّ([8]). ومن خلال هذا الفهم ينظر عبد الصبور إلى الموروث الأدبيّ العربيّ أوّل الأمر، كأدب للّغة التي يريد التعبير من خلالها… وأدب الأقوام الذين يريد إنّ يتحدّث إليهم، وذلك كأديب… للتعبير عن شهوته لإصلاح العالم([9]). هل يستطيع الفنّان الإصلاح حقًّا، حتّى ولو كان يملك كلّ شهوات العالم، ومهما كانت صادقة؟ وهذا يقودنا إلى الحديث عن عبد الصبور والشعر.
2 – 3 عبد الصبور والشعر:
لقد حاول عبد الصبور ذلك بإيعاز من شهوته الإصلاحيّة، فانقطع عن كتابة الشعر بين عامي 1964 و1965م بهدف قراءة التراث العربيّ بغالبيّته، فعلى الرحلة إنّ تبدأ من مكان ما. فكان لا بدّ من الرؤية الشاملة إذًا لهذا التراث والإقدام على قراءته قراءة صحيحة تاريخيّـــة مرتبة([10]).
وعندما انتهى من رحلة القراءة حاول تصنيف ما قرأه وفرزه يقول: “وحين انتهيت من القراءة وجدتني قد رفضت وقبلت وقرّبت ونحيّت”([11])… ويتابع التصنيف قائلًا: “وجدت أنّ تراث الجاهليّة عظيم في صدقه… وقد ذكّرني ببعض أشعار لوركا وجون كيتس في حويتها”([12]). ويقوّم عبد الصبور الشعر والشعراء فيقول: “لم تعط الدنيا أبا العلاء كثيرًا… وخيّبت سعيه في كثير من مقاصده، ولكنّه علا عليها، وعلى نفسه ليتحدّث عن الحالة البشريّة، وهذا هو سرّ عظمته. إنّ أبا العلاء عندي هو ثلاثة أرباع الشعر العربيّ، والربع الباقي يتقاسمه أبو نوّاس، وابن الروميّ والمتنبّي وغيرهم”([13])، ويتابع القول” “لم يكن دليلي إلى تخيّر تراثي الخاصّ هو قيمة هذا الشعر في لغته، أو تعبيره عن عصره، ولكن قيمته في أيّ لغة، وتعبيره عن الإنسان([14]) في انسجامه وتناقضاته. وهو يرى أنّ التراث ليس تركة جامدة، لكنّه حياة متجدّدة… وكلّ قصيدة لا تستطيع إنّ تمدّ عمرها إلى المستقبل لا تستحق إنّ تكون تراثًا ([15]). إنّ القصيدة عند عبد الصبور، هي عالم اللحظات المكثّفة([16])، وإنّ الشعراء الذين يستمدّون جذورهم من هذه التقاليد الموروثة يبدو الواحد منها وكأنّه تجسيد للآخرين([17]). ويؤكّد الشعر العربيّ الحديث على هذا، لأنّ أصالة القصيدة الحديثة تتحدّد من خلال الإفادة من التراث الحضاريّ العربيّ والغربيّ على السواء، وأنّ مدى تأثير التراث في روايات الشاعر يبعثه ذكرى ذلك إلى حيث تتمّ الصلة الوثيقة بين الماضي والحاضر([18])، فالماضي ليس عبئًا على الشعراء الحديثين، وإنّما هو مصدر رائـــع ومعين لا ينضب([19]).
2 – 4 عبد الصبور والثقافات الأخرى:
إنّ الكنه الإنسانيّ لا يكون إلّا في كلّ لا يتجزّأ، لأنّ الفكر إنتاج إنسانيّ في كلّ زمان ومكان. والإنسان حيث يوجد وحيث يفكر نتفاعل معه([20]) فهو الأمميّ الذي يحسّ، ويشعر مع غيره مهما كانت الظروف، وخصوصًا على الصعيد الثقافي. وهذا ما حدث للحضارة العربيّة عندما التقت أو تصادمت بالحضارات الغربيّة الوافدة كاليونانيّة، والفارسيّة، والهنديّة، والسريانيّة عن طريق التعريب (لا سيّما في العصر العباسيّ) التي أسماها العرب مع تلك الحقبة بـ “العلوم الدخيلة” وهذه الثقافات الوافدة قد غذّت أصالة الفنّان، وتفاعلت معه عندما هضمها، وحوّلها إلى عناصر أصيلة فيه، وعندئذٍ أسهم في تكوين جوهر “الأصالة”([21])، ثمّ بلور هذه الشخصيّة العربيّة الحديثة التي دعت إلى التّغيير من أجل عالم أفضل، وإلى تجاوز التراث، لا الوقوف عنده، لأنّ التجاوز ليس إلّا توظيف مجمل نتاجات الغرب (كتجارب ثقافيّة رافدة) في تجربة الفنّان الصادق لتأكيد خصوصيّته لا لنفيها، أي لتحويل هذه النتاجات إلى تراث خاصّ وعامّ في آن، من ضمن سياق زمنيّ متطوّر([22]). وتكمن أهمّيّة الثقافة الوافدة في التغيّرات التي تطرأ على المجتمعات، وتساعد على تحويل النظرة وتغييرها في الميادين كافّة بشكل عامّ([23]). والتحوّلات التي تحصل في مجتمع ما تنتقل، بحكم التأثير والتأثّر إلى المجتمع الآخر فيتأثر هذا الإنسان بهذه التحوّلات، والشاعر هو من أكثر الناس تأثّرًا بسبب حساسيّته المرهفة.
والتفاعل بين التجربة الشعريّة العربيّة، والتراث الغربيّ الشعريّ (أليوت وأديت ستول وغيرهم) قائم بحيث يستلهم الشاعر تلك التجارب ثمّ يخضعها لمقياس النفس، والواقع، والتراث، والعصر([24]). إنّ الشاعر في رؤيته الإنسانيّة، والوجوديّة يستمدّ شخصيّته في التراث الإنسانيّ الواحد المتواصل مرورًا بالأديان، ويفيد من منجزاتها في صناعة الشعر، وفي سواه من المعارف([25]). إنّ التحرّر من المصطلح القديم (في كلّ الموضوعات) قد مكّن الشعراء من استيعاب تراث ظلّ غريبًا عن شعرنا مدّة طويلة، وهو تراث الشعر الأوروبيّ. فالمحاولات القديمة المتأثّرة بهذا الشعر لم تكن كافية للتعبير عن مدى دخول هذا التراث في نفوس شعرائنا المحدثين على حدّ تعبير بدر الديب([26]). كما أنّ النغم الشعريّ قد يجذب تراثه، فإنّه قد يفرض أيضًا هذا التراث، ويقيّد الشاعر فيه([27]). (كما حدث مع أليوت وغيره)، والغاية من ذلك أنّنا نمهّد الطريق، ونشيد تراثنا([28]) فهل يكون الشرق وريث الغرب؟ وهل كان الأخذ عن الغرب سلبيًا أو إيجابيًّا؟
3 – بين الشرق والغرب
إذا كنّا نحن الشرقيّين ورثة الغرب فإنّ محمّد عودة مثلًا يرى أنّ مأساة العصر، ومأساة الغرب هي المادّيّة التي جرفته، وأنّ كلّ الاضطرابات التي تفتك بالمجتمع الأوروبيّ، وبالعالم المعاصر ليست بفعل الاستعباد، أو الاستغلال… لكنّه نتيجة لتدهور القيم ولطغيان المادّيّة على الروحانيّة([29])، ويقترح هذا الدارس حلاًّ هو التسامح، وإعادة شأن الحياة([30]). ولكن هل تكفي هذه الحلول رغبات الإنسان في عصرنا الحديث، وهو المتطلّب لكلّ أنواع المعرفة، وهو المفطور على الاكتشاف والفضول منذ فجر التكوين؟([31]).
3 – 1: عبد الصبور والحداثة الشعريّة:
لقد عرفت مرحلة الخمسينيّات من القرن العشرين تبلور أيديولوجيّات عدّة دفعة واحدة: كالقوميّة، والماركسيّة، والإقليميّة، بحيث شكّلت هذه منابع رؤيا لعدد كبير من شعراء الحداثة العربيّة([32]) ونقّادها، وقد أخذت هذه الأسماء (النقّاد ذووا الثقافة الإنكليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة…) على عاتقها إعادة قراءة وتفسير الإشكاليّة العربيّة الراهنة، وجعلتها قواعد وجود لأيّ شاعر، أو ناقد حديث: كالتصوّف، والأسطورة، وقلق الحضارة (أدونيس وأنسي الحاج…) … أي كلّ ما هو مفارق لتجربة المجتمعات العربيّة التاريخيّة والإنسانيّة([33]). فالهُويّة الحضاريّة لا تورّث، بل تصنع باستمرار، لأنّ إبداع الذات الجماعيّة هي التي تصنعها بالبناء الحضاريّ([34]). ويصبح المشروع قضيّة حياة أو موت حضاريّين([35]).
لقد وجدت الثقافة الأوروبيّة في بلادنا مهدًا دافئًا فرضته طبيعة الحياة الجديدة، وفرضته أيضًا عالميّة الثقافة (الثقافة الإنسانيّة المعاصرة) فجاءت الحداثة سابرة أغوار الذات التي أصبحت مركزًا (centre) للتفاعلات الكونيّة. وكانت ولادة القصيدة الحديثة (بعد مرورها في صراعات متعدّدة)، نابعة بتأثيرها من ذلك المنبع ليؤمّن معانقة الذات، ولتعكس التحوّلات الناشطة في عالم مقلق كالح ومحموم. فكان النمط الشعريّ الحديث خير معبّر عن التمزّق والانشطار الدراميّ في هذا العصر، ما حمّل القصيدة الحرّة أجواء دراميّة مشحونة بالتوتر، والقلق، والاضطراب، والضياع[36]. وقد أتاح هذا للشاعر فرصة لتحقيق الاتّصال بالروح الإنسانيّة الشاملة[37]، والسبب يعود إلى روح الانتقائيّة التي انماز بها الحداثيّون في تعاطيهم مع الإرث المعرفيّ.
يرى الناقد منيف موسى أنّ التراث بالنسبة إلى كلّ شاعر هو، في مدلوله الأعمق، انتقاء بين الإمكانات، والقيم التي يزخر بها. “وهذا يعني شيئًا واحدًا هو إنّ الإنسان لا يأخذ، لا يستطيع أنّ يأخذ، إلّا ما يوافق تجربته، وحياتــــــــــه، وفكره، لكلّ شاعر حقيقيّ إذًا تراث، ضمن التراث الواحد”[38]. وهو يرى أنّ الشعر لا يعرّف بشكل وزنيّ معيّن، إنّه يعرّف بكونه حركة تقوم جوهريًّا على الحرّيّة الأوّليّة فيما وراء الأشكال والقيود… غير أنّ حرّيّة التعبير هذه انعكاس لحرّيّة أعمق هي حريّة الرؤيا، وحرّيّة الثوّرة على كلّ ما يحدّ الروح والفكر، أو يقيّدهما[39]، هذه الحرّيّة هي التي تسمح للشاعر بأن يكون مجدّدًا لا مقلّدًا، وتظهر أصالة هذا الشاعر وجودته بنوع خاصّ في قرنه الموصوف بصفة غير شائعة الاستعمال كما يعبّر النويهيّ[40]. وبهذا يلفتنا الشاعر إلى حقائق، ومشابهات لم نكن نلتفت إليها في الحياة الواقعة[41]. فالثورة الشعريّة الحديثة والحرّيّة، إضافة إلى عوامل أخرى، بشارة لمستقبل شعرنا[42]. وهكذا نجد شعرنا الحديث قد بدأ يعود إلى السرّ الخالد فيقترب بذلك من روح الشعب وعدم الانعزال عن تأثيرها[43]. إنّها دعوة لتبنّي الواقعيّة التي تجعل من الإنسان محور المعرفة بعد إنّ استطاع الفنّان الحديث تحصيل ثقافة واسعة ولا سيّما بعد الحرب الكونيّة الثانية[44] (1939 – 1945) ولماذا هذه العودة من الفنّان أو الشاعر إلى الوراء؟ بمعنى آخر لماذا افتتن الشاعر بالماضي؟
يحاول ويستان أودن الإجابة عن هذه المعادلة بقوله: “هذا الافتنان بالفنّ ليس مرجعه طبيعة الفنّ نفسها، بل الأسلوب الذي يتّبعه الفنّان في العمل. فالفنّان سيّد نفسه في عصره هذا دون سواه، وله غغراءات لدى أكثر الناس[45]. هل يعني هذا أنّ فنّهم يحمل من الخلود ما يحمله الفنّان الموهوب؟ أليست الحياة كلّها مسرحًا للتجربة الاختباريّة، والأقوى هو الذي يبقى بارزًا حتى النهاية؟ وهل ينتهي الصراع ما دامت الحياة باقية؟
أصبحت الأصالة تعني القدرة على البحث عمّا يمكّن الفنّان من العثور على سمته الحقيقيّة لأيّ عمل. وعبء الاختيار والانتقاء يقع بكامله على كاهل كلّ شاعر، وهــــــو عبء ثقيل[46]، وعلى الرغم من ثقله فهو يراوح بين العامّ والخاصّ. فالعامّ “الخاصّ”… هو ذلك المجال الذي تسيطر عليه الحاجة إلى الحفاظ على مدى الحياة واستمرارها. أمّا العامّ “العامّ” فهو عالم الحرّيّة، والمجال الذي يستطيع فيه الكشف عن ذاته للآخرين. وقد تغيّر معنى هذين المصطلحين حديثًا، وأصبحت الحياة العامّة تعني الحياة اللاشخصيّة الضروريّة، أو المجال الذي يستطيع الفرد فيه تأدية وظيفته الاجتماعية، والتعبير بحرّيّة عن الذات لا يتمّ إلّا في مجال حياته “الخاصّة”[47]. ولهذا فإنّ بناء الحياة الجديدة على أسس متينة لا يكون على أيدي السلطة السياسيّة، أو حكّامها، بل تقوم هذه الحياة على أيدي العلماء، والمثقّفين. يقول أودن في هذا المجال: “إن الرجال الحقيقيّين الذين يؤدّون دورًا مهمًّا في عصرنا، هؤلاء الذين يغيّرون شكل العالم هم العلماء، وليسوا الساسة والحكّام. ولا يستطيع الشعر، مع الأسف، تمجيدهم لأنّهم يتعاملون مع الأشياء لا البشر، وهي أشياء لا تتكلّم[48].
إنّ الشاعر العظيم يمثّل دورًا مهمًّا على خشبة الحياة، وهو جسر من لحم ودم بين الناس يعبرون عليه من الكهوف، والمستنقعات إلى الأرض الجديدة على حـــــدّ تعبير إحسان عبّاس[49]، وخليل حاوي[50].
إنّ رحلة الشاعر في الذات لا تؤتي ثمّارها إلّا بعد أنّ يحدث تفاعل، وتجاوب كبيرين بينه وبين الحاضر. فالشاعر قد يجد في تجربة الآخرين ما يوافق تجربته، تأكيدًا لصوته، وتأكيدًا للتجربة، ولهذا فهو يضمّن شعره كلامًا للآخرين (كما فعل أليوت في رائعته “الأرض الخراب”) فيؤكّد من خلال هذا التضمين التفاعل بين أجزاء التاريخ الروحيّ، والفكريّ بحكم ثقافته الواسعة[51] التي يتحلّى بها. والتضمينات الشعريّة قضيّة معروفة في الشعر العربيّ القديم، وقد أسماه النقّاد العرب “السرقات الأدبيّة”. أمّا اليوم فإنّ غنى الشعر يقوم على هذه “السرقات” إذا جاز التعبير، بحيث إنّ هذه التجربة أصبحت تعبّر عن شموليّة التجربة وكونيّتها. ولا يكاد نتاج شاعر حديث يخلو من هذه التضمينات. فها هو ذا شاعرنا عبد الصبور يأخذ من وليم شكسبير عبارة “الملك لك” (theire is the ling dom) ]وهي عبارة استعارها أيضًا أليوت في قصيدته “الرجال الجوف” (the hallowmen)[. وهذا ينتج عن تشكيل الذوق الشعريّ وفق المفاهيم العصريّة[52] لأنّ أليوت هو من أكثر الشعراء الذين أثّروا في تجربتنا العربيّة الحديثة.
3 – 2 عبد الصبور والمجتمع:
إنّ عبد الصبور لا يفصل الحالة الشعريّة عن الحالة الاجتماعيّة لما بينهما من ترابط عضويّ، وتشابك يصل إلى حدّ التماهي، إنّه جزء لا يتجزّأ عن الأمّة. فهو ظاهرة اجتماعيّة تنطلق من المجتمع لتصبّ فيه، وهو جزء من تراثها في مرحلة اجتماعيّة معيّنة عبر التاريخ، وهو طاقة تعكس حال المجتمع في تحوّلاته المستمرّة، في حياته وحركيّته… والشعر العربيّ الذي رفده أليوت هو صورة لمجتمع آخر يعاني ظاهرة الانبعاث ويصبو إليها. لذلك صبّت رؤيا أليوت في مفهوم تحديث التراث العربيّ، لتشكّل واقعًا شعريًّا جديدًا. يحاول إنّ يرسم له صورة في سماء حياة جديدة[53] وإنسان جديد.
لقد أخذت قضيّة الحضارة عمومًا، والحضارة العربيّة خصوصًا تطرح ذاتها على الشاعر العربيّ من حيث موتها وانبعاثها[54]. فهذا خليل حاوي مثلًا يصوّر حالًا من العبث الوجوديّ في أرضه الشرقيّة الهرمة خصوصًا في ديوانه “نهر الرماد” (1957)[55] الطينيّ.
3 – 2: أ: الشاعر والأصالة:
إنّ الأدب الحديث، والشعر منه، يحتلّ مكانة بارزة في وقتنا الحاضر محلّيًّا وعالميًّا، وهو يأخذ طابعه وجوهره ومكانته، وهو يؤكّد هذا كلّما مرّت الأيّام، وكثر اتّصال هؤلاء المتأدّبين بالغرب[56]، الذين حاولوا أن ينشئوا أدبًا عربيًّا ذا أصالة[57]. ولم يكن الغرب يؤدّي الدور الإيجابيّ في بعض الأحيان. فمع التدخّل السياسيّ على الأدب، تعمّق الصراع مع هذه الهيمنة الأجنبيّة الاستعماريّة فاتّجه نحو التعقيد، إذ انقلب إلى صراع خفيّ بوجوه متعدّدة، وأقنعة متعدّدة، فهو يظهر في الواقع بقوى عربيّة، محميّات، أو محظيّات يزركشها الاستعمار العشيق للمال، والسلطان كالدمى، كما يعبّر أدونيس[58]. وقد يمثّل دور الفيلسوف فينطلق من العام إلى الخاصّ، من الظاهرة إلى منبعها… ويرى تاريخ ملايين البشر[59] بوساطة ذاكرته الجماعيّة التي تمتدّ إلى أقصى مجاهل المعرفة الحضاريّة.
3 – 2: ب: الشاعر والنهضة:
وإذا كانت الحضارة العربيّة قد اتّكأت منذ النهضة على الغرب وحضارته، فإنّ الأقطار الغربية قد تأثّرت ببعضها. فالشعر الإنكليزيّ المعاصر مردّه عمومًا إلى ينبوعين اثنين:
- الشعر الإنكليزيّ في القرن السابع عشر (الميتافيزيقيّ).
- الشعر الفرنسيّ في أواخر القرن التاسع عشر (الرمزيّ)[60] .
ولا يصدر دفاع عبد الصبور عن الأدب العربيّ الحديث عن خياليّة هذا الأدب، أو عيوبه، فهذا الأمر كما يصوّره قد عرفه الأدب العربيّ قبل عصر النهضة[61].
فما هي أهمّيّة عصر النهضة؟
يحاول عبد الصبور الإجابة عن هذا السؤال، فهو يعدّ إنّ عصر النهضة قد غيّر كثيرًا من المفاهيم التي كانت سائدة[62]. وهذا التغيير قد حدث بفعل الزلزال الثقافيّ الأوروبيّ الذي خضّ العقل، فامتدّ في العالم، حتّى وصل إلينا، إنّها حضارة العالم الحديث التي تحاول… إنّ تهتدي إلى فلسفة جديدة (جامعة) نستطيع إنّ نسمّيها “الإنسانيّة الجديدة” تمييزًا لها عن النزعة الإنسانيّة في القرن الثامن عشر[63]. ولم يكن عبد الصبور متفرّدًا في هذا المجال، فقد حاول معظم الحداثويّين بدءًا من النصف الثاني للقرن التاسع عشر بلورة نزعة إنسانيّة جديدة، أو نظريّة إنسانيّة جديدة يكون عمدتها “الإنسان الكونيّ” بكلّ تناقضاته. ولم يكتف الشاعر الحديث عند حدّ، فالحضارة الحديثة تريد إنّ توفّق بين الفرد والمجتمع، بين الدين، والعقل، والخيال (أدونيس وأنسي الحاج مثلًا) من خلال مخاض شاقّ وعسير… يخرج منها الإنسان بتجربة جديدة يضيفها إلى زاد تجاربه… ويسير بها نحو الإنسانيّة المنشودة[64]. والهدف من ذلك أن يمتلك الإنسان تلك الحضارة، في كلّ وقت امتلاكًا أكيدًا، وأن يعود إلى تأمّل جوهرها ساعة يشاء، وهذا هو شأن الأدب والفنّ[65] على أنّ الحضارة مشاع: “إذا جاز التعبير، وهذا “المشاع” مشترك فيه، وينتفع منه كلّ إنسان. فكيف إذا كان هذا المشاع تراثًا متّصلًا، جذوره في الماضي تمتدّ إلى الحاضر، وتطلّ على المستقبل. فالشاعر يوطّن نفسه على الإحساس “بعروة وثقى” تربط بينه وبين أترابه من الشعراء في أصقاع العالم، وفي كلّ مرحلة من تاريخه[66]، وهذه هي الذاكرة الجماعيّة” الدائمة البحث عن واقع مختلف، ورؤيا جديدة، وإن اختلفت النظرة في ما بين الشعراء، فإنّنا نرى مثلًا أنّ محمود درويش يميل إلى محاكمة الماضي[67] وأنّ سميح القاسم تتعرّض علاقته بالماضي للاهتزاز[68]، وتتعمّق عند الشاعر أدونيس الذي يطيل الوقوف عند حدود الزمان لمعالجة السلبيّات في داخلنا[69]. وما التنوّع الإبداعيّ في القصيدة الواحدة إلّا دلالة على عمق التجربة، ورمزيّتها الرؤيويّة الماورائيّة، من هنا نسبيّة الشعر وسمته وذاتيّته[70]، وثورته على اللغة[71] الجدار الأوّل على صعيد الشكل[72] على أنّ هذا الشاعر لم يستطع أنّ يتجرّد كلّيًّا من التراث[73]، لكنّ المجاوزة والإضافة هما سمة محاولة هذا الشاعر، أو ذاك[74]. فالشاعر منغرسّ في تراثه، ولكنّه في الوقت ذاته، منفصل عنه[75]. وما المختارات الشعريّة الحديثة سوى دفع للشاعر نحو الرفض، والقبول[76]. فهل من تشابه أو توازٍ بين “المختارات والمفاضلات”؟
نجد هنا عبد الصبور يقدّم رأيه في مفاضلة بين الشاعرين المتنبّي والمعرّيّ ويقول:
“بينما يهبطون (ويقصد النقاد القدماء) بالمتنبّي إلى مرتبة الحكمة، وذلك لأنّ رأيي هو إنّ الفلسفة والحكمة قد يكون بينهما من الشعر بقدر ما في جمال الورود وعشق الحبيب وصفاء الليل”[77]. ويتابع القول: “أمّا أنا فقد كنت… استرحت لصحبة أبي العلاء[78]… ولخدمته”[79] (لأنّ المعرّيّ كان أعمى) وقد رفض عبد الصبور صحبة المتنبّي لأنّه لا يحبّ العواصف[80]، وهو يرى أنّ حظّ العاصفة أن تبهر بهرة الإعجاب[81]، ويتابع: “لا! لا! لا! لا أستطيع أن أعيش حياتي مع العاصفة[82] لذلك فأنا أحبّ المعرّيّ وأعجب بالمتنبّي” [83]. وهو يرى: “أنّ الفنّ العظيم والفنّان العظيم لا يعيشان إلّا بعد موت الفنّان”[84]. والسبب برأي عبد الصبور هو: “أنّ الفنّان، في حياته، لم يسلم من المعاصرة وظلمها[85]. فهل سلم المتنبّي من ظلم المعاصرة هنا؟
إنّ ظلم المعاصرة بين القارئ والفنّان يعود إلى مصلحة، أو منافسة، أو عمل، ما يزيد عمّا يستحقّ من رصيد الإعجاب[86]. فما هو الرابط بين عبد الصبور والمتنبّي؟
وسـرعان ما يتدارك عبد الصبور الأمر حين يؤمن أنّ التاريخ (هو) الحكم العادل والمحايد[87]، لكنّه لم يترك الحكم للتاريخ حين رفض محبّة المتنبّي. ولم يتعال عن إطلاق حكمه بعدم الإعجاب بعواصف المتنبّي.
3 – 2: ج: الشاعر والبناء الشعريّ:
يحاول عبد الصبور تشكيل “مدينة العشق والحكمة” من خلال النماذج الأوروبيّة حيث يعقد معهم صفقة صداقة من أمثال: موليير، وتشخوف، وهمنغواي، ولروكا… وغيرهم ممّن شكّل، أو ساهم مع تكوين الفكر العربيّ قديمًا وحديثًا.
وهدفه من ذلك أن ترئس الثقافة المجتمع وهي تتحقّق إذا خرجت من أيدي التجار إلى أيدي المثقّفين[88] الذين يحاولون أن يضيفوا إلى وجداننا الفنّيّ رؤى، وأبعادًا متعدّدة[89] حيث يربط عبد الصبور بين التراث والمعاصرة بين المسرح والشعر الغنائيّ (كما فعل لورما مثلًا)[90]. فهؤلاء الأصدقاء هم “ملح الأرض”[91]، وإنّ مائدتهم متواضعة[92]. هكذا يصوّر عبد الصبور حاله المتعاطفة مع هؤلاء[93]، إضافة إلى أصدقاء آخرين من مختلف الاتّجاهات، والانتماءات[94] كان لهم أبـــــــــرز الأثر في بلورة شـخصيّة عبد الصبور الثقافيّة بشقّيها الشعريّ، والفلسـفيّ[95]، فحفظ معظم شعر المتنبّي كما يقول[96] حتّى إنّه اتّخذه بطلاً لإحدى مسرحيّاته التي لم تكتمل[97]. وللمعرّيّ نصيب وافر في تشكيل رؤيته للعالم[98]. وقد حاول النقّاد العرب إخراج المعرّيّ من دائرة الشعر لميله إلى الفكر[99]، كذلك كانت الحال مع المتنبّي، وأبي تمّام والبحتريّ[100]. وقد أثارت قضيّة العلاقة بين الفكر والشعر قضيّة أخرى هي قضيّة الذاتيّة والموضوعيّة[101] في المفاضلات، والمنتخبات الأدبيّة[102] العربيّة، والإنكليزيّة والفرنسيّة، فهو يصف مثلًا كتاب نعيمه في جبران بأنّه ” الدافئ واليقظ”[103]. وقد توكّأ عبد الصبور على المصدر الأدبيّ، فظهر هذا في شعره وخصوصًا تضمينه قصائده الشعر الكلاسيكيّ[104]، وذلك في بداية حياته الشعريّة[105]، وكان ذلك بالنسبة إليه امتلاك كنوز السّحرة، أو جنونًا لا يقاس به جنون، فالشعر سيّد الكلام[106].
ولم يبق عبد الصبور كلاسيكيًّا، فقد جدّد صوره[107]. فالصورة الجديدة، والتماسك الشــديد أيضًا، هما اللذان يولـدان القصيدة، والقصيدة تاليًا هـــي التي تولّدهما[108] بفعل تأثير المدارس الأدبيّة في زمن عبد الصبور[109] وخصوصًا مدرسة علم النفس[110]، والمدرسة الرمزيّة، وأسلوبها البرقيّ[111] بهدف إصلاح العالم[112]، بعد أن يطهّر الفنّان نفسه[113] والمتلقّين أيضًا بهدف الظفر بالنفس. فهل كان واقع عبد الصبور يقدّر شهوة شاعرنا في إصلاح الحياة والإنسان.
3 – 2: د: الشاعر والإصلاح:
لقد ركزّ تيّار الواقعيّة الذي استمدّ رؤاه من إحساس الشاعر بالسقوط، والانحطاط السياسيّ، والاجتماعيّ، وطموحه إلى التجاوز من خلال النضال الفرديّ والاتماعيّ. وتشكّل هذا التيّار على قاعدة تجربة المجتمعات المأسويّة مع الاستعمار، وقد رفدته روافد فكريّة عديدة منذ الثلاثينيّات أبرزهــــــــا الرافد القوميّ والماركسيّ[114] التي كان لها آفاق ثقافيّة أبعد وخصوصًا في الصيرورة[115] الشعريّة. ألم تكن المنابع الغربيّة هي الملهمة لشعرنا[116] ولفكرنا العربيّ؟
إنّ الحدث (Event) الشعريّ يمتدّ ليشمل الأحداث الوجدانيّة والفكريّة التي نواجهها، وكان للفنّون التشكيليّة نصيب كبير في القصيدة الحديثة[117] لأنّ قيمة الشعر هي في الصور المبثوثة داخل مشاعرنا[118] لعبّر الشاعر عن دور هذه الصور مع الإدراك والوعي[119]. وقد ظهر ذلك في قصائد عبد الصبور “رسالة إلى صديقة”[120] و”أبي”[121] و”بودلير”[122].
وقد ضمّن أليوت نفســـــــــه في قصيدته “الأرض الخراب” ( The waste Land) أيضًا [123] وفــــــــــــــــــي مجموعة عبد الصبـــــــــور “أقـول لــكــم” نجـــــد تأثّـره بأليوت[124]، وخصوصًا قصيدته “الشيء الحزين”[125].
4 – عبد الصبور والأرض الخراب:
لم يدخل أليوت إلى عالمنا العربيّ إلّا في عصرنا الحديث، فهو قد تجسّد في حياة الشعراء في كلّ ما كتب شعرًا ونقدًا. والأثر البارز الذي تركه هو قصيدة “الأرض الخراب” الطويلة (430 بيتًا) التي تصوّر نقمة أليوت على الحضارة الحديثة، وما سبّبته من تمزّق للنفس الإنسانيّة في علاقتها بنفسها وبالآخرين[126]. ومن هنا فإنّ تجربة الشاعر قد رفعت “موضوع المدينة” إلى واجهة الاهتمام، حيث وصل الحدّ إلى تبنّي أسلوب أليوت في تعبيره وفي تقنيّته. وقد يكون بين الشعراء الحديثين من تبنّى موضوعه (انظر هامش 1 من الصفحة السابقة) ومواقفه ومعتقداته، أو التقى به مصادفة[127].
وهذا ما حاول شاعرنا عبد الصبور في قصيدة “لحن”[128] جاءت الصور صدى مختلطًا للصور الأليوتيّة، وضعيفة في تأثّرها. وإذا كانت “الأرض الخراب” قد جاءت تعبيرًا عن واقع الشاعر النفسيّ، والطبيعيّ الخرب، والترابط العضويّ بين هذين الواقعين، فإنّ قصيدة عبد الصبور “لحن” جاءت صدى لثلاثة مصادر كما يرى محمّد شاهين، وهذه الصور هي: “صور سيّدة” و”أغنيّة العاشق بروفروك” و” الرجال الجوف”[129]. فقد كان عبد الصبور، كما غيره من الشعراء، على إدراك معقول بقدرة أليوت الفنّيّة[130].
كانت شخصيّة “بروفروك” الأليوتيّة تمثّل تجارب الأنبياء، ولكنّها من دون نبوّة[131]. فهل كان عبد الصبور كما بروفروك؟
إنّ هذه الشخصيّة الأليوتيّة المتكرّرة تحمل الشكّ في قدرتها على التعبير، والرعب في كشف هُويّتها في عالم لا يرحم، حيث تظلّ دراما العزلة مستمرّة ما استمرت الهوّة بين الفرد والعالم الذي ينكر على هذا الفرد حقّه في التعبير عن نفسه[132]. وقد تنبّه عبد الصبور إلى أهمّيّة هذا فقدّم لنا شخصيّة “لعازر” مع الموتى التي استخدمها أليوت[133] وكأنّنا “نعيش في الظلام” كما يعبّر أليوت في قصيدته “وصف سيّدة”. فكيف نبتسم في عالم لا يعرف الابتسامة؟
إذا كانت الحرب العالميّة الأولى (1914 – 1918) قد عجّلت في ظهور الرومنطقيّة، والرمزيّة في الشعر العربيّ، فإنّ الحرب الثانية ( 1939 – 1945) وما خلّفته من تفسّخ في أجزاء العالم، وقحط في المجتمع العربيّ حيث وجد المثقّف العربيّ نفسه إنسانًا مدمّرًا. وأمّا المرحلة التي أعقبت نكبة فلسطين (1948) فترعرع في أجوائها التحوّل العميق الذي طرأ على حركة الشعر منذ أواخر الأربعينيّات. والأوضح من ذلك كلّه أنّ الحياة بوجه عامّ – السياسيّة الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة – أخذت تتعقّد شيئًا فشيئًا[134]، وتنعكس في شعرائنا العرب الذين أحسّوا بدوافع من تلك التي دفعت أليوت إلى ثورته القويّة على مصطلح الشعر الرومنطيقيّ في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وحدت به إلى الابتكار[135]. فإلى أيّ حدّ يتقارب الواقعان العربيّ والغربيّ؟
لقد التهم شعراؤنا أليوت، وأنّ عبد الصبور يستثير تراثه كلّه[136]، محاولًا بذلك استخلاص عبرة من تجارب أليوت الشعريّة والنقديّة لاعتقاده بصلاحه في دنيا العرب، لإغناء إنتاجنا، وفكرنا، وتصحيح نظرتنا إلى التراث[137]. وهو يعنى عناية خاصّة بشرح نظريّة أليوت الشعريّة “المعادل الموضوعيّ”، لإنقاذ إنتاجنا الحديث من سطحيّته [138]. وعبد الصبور يأخذ من أليوت تشاؤمه، ورجعيّته، والموقف السلبيّ في قضايا المجتمع الكبيرة[139].
إنّ قصيدة “رحلة في الليل” صدى لتجربة عبد الصبور في الحبّ، والضياع، والذكريات، وهي صورة مصغّرة لقصيدة “الأرض الخراب”[140].
4 – 1: عبد الصبور واللغة العاديّة:
انتقل إلينا مفهوم الشعر الحرّ من خلال التعريبات. وقد كتب الشاعر الأميركيّ وولتويتمن[141] أولى قصائده “أوراق العشب” فانتقل بذلك لأوّل مرّة مفهوم الشعر الحرّ في أميركا، ثمّ انتقل إلى أوروبا، وفرنسا تحديدًا، فتلقّفها الفرنسيّون الرمزيّون[142] من أمثال بودلير، ومالارميه، ورامبو.
وقد كتب الشاعر الانكليزي وردزوورت مقدمة للطبعة الثانية من ديوانه “قصائد غنائية” (عام 1800) كرّس فيها الحركة الرومنطيقية في إنكلترا. وكان هذا الشاعر أول شاعر أوروبي أعلن صراحة إنّ لغة الشعر يجب إنّ تقترب من لغة الكلام العاديّ، وأن يتحرّر شكل القصيدة من قيود مؤثّرة في المضمون (الوزن والقافية)[143]. وكانت دعوة أليوت دُرْجَةً في هذا المجال لأنّه كان يعتقد أنّ اللغة تحيا، وتتجدّد في الشعر بفعل حيويّته النابضة وانعكاسها لتجارب العصر، وعلى الشعر أن يستمدّ إيقاعه من الكلام المحلّيّ لخلق المُناخ الشعريّ. وتبدو العبارة الشعريّة عند أليوت كأنّها حديث يوميّ عابر، ولكنّه ظاهرة لغويّة تخفي وراءها عمقًا لغويًّا آخر غير مكتوب، وغير منطوق، هي لغة أو بعبارة التصويريّين هي لغة خارج لغة حيث تحلّ الصورة محلّ الكلمة المجرّدة[144]، وكأنّها نحت لصورة ليست في بطن الشاعر…، بل نجد معالمها عند القارئ في تماسّه مع القصيدة من خلال الدهشة الشعريّة، أو الإثارة الشعريّة[145].
4 – 2: عبد الصبور والماوراء:
يرى لويس عوض أنّ عبد الصبور شاعر ميتافيزيقيّ. ويقول عبد الصبور: “الواقع أنّي اهتممت بفكرة الله قبل أن أعرف كلمة “الميتافيزيقيّ”، شأن معظم الأطفال حين يفاجأون بمشكلة الموت والحياة… إنّ فكرة الله لا يستطاع الإفلات[146] منها. فهل بقيت نظرته إلى الله ثابتة؟
لقد كثرت الاستشهادات التراثيّة الدينيّة، وكثر استعمالها في الشعر الحديث[147] من خلال الاطّلاع على الفكر الفلسفيّ الأوروبيّ في مختلف اتّجاهاته[148].
وقد وقع عبد الصبور في شباك أديبين عظيمين هما: جبران خليل جبران وفردريك نيتشه[149]، إضافة إلى الدارونيّة [150]، ويقول عبد الصبور أنه اطمأن أو حاول إنّ يطمئن إلى هذه التيارات التـــي دفعته إلى الطرف الآخر [151] ما جعلها لونًا من الموقف الفكريّ الموحّد والمتماسك [152].
4 – 3: عبد الصبور والسرياليّة:
إذا كان أليوت بالنسبة إلى العرب كما كان هوميروس [153] بالنسبى إلى اليونانيين، والرومانيين، والنهضة الأوروبيّة الحديثة، وإذا كان أليوت قد شكّل انعطافة عظيمة في بلورة شعرنا الحديث، فإننا نجد شاعرًا كبيرًا، من جهة أخرى، هو اندره بروتون، الأب الشرعي للحركة السريانيّة في أوروبا أولًا ثمّ في بيئتنا العربيّة. فهذه الحركة تركت لنا مفاتيح الحلم التي أعادتها من الغمر السحيق لذواتنا (انسي الحاج مثلًا) .وقد أدّى هذا التيّار في بعض الأحيان، إلى الغموض والتجريد بصوره وعبثه باللغة والرموز والأساطير والأقنعة، وإلى اشغال النفس بالرؤية الجديدة للتراث ليحلّ محله، إذا جاز التعبير، عالم المتصوفة السرّي [154] (أدونيس وأنسي الحاج وغيرهم … ). وقد كانت البلبلة في حياة عبد الصبور أشد بعثًا للبلبلة في أي معرفة وثيقة، فأصابه منها اليأس، والتوقّف عن كتابة الشعر[155]، فحاول كتابة القصّة القصيرة ظنًّا منه أنّ القصّة أوضح سبيلًا من الشعر[156]، ثمّ عاد من أوائل عام 1951 إلى كتابة الشعر مع محاولاته الإفلات من سيطرة القافية والوزن[157].
4 – 4: عبد الصبور والفكر الماركسيّ:
كان للمذاهب السياسيّة، والفلسفيّة أثر عظيم في كتابة المحدثين وخصوصًا الأعمال الفنّيّة منها. فقد هدفت “المادّيّة الجدليّة” إلى دراسة المجتمع الرأسماليّ[158] ونقده. وما الفنّ إلّا تابع اجتماعيّ يمتلك خصوصيّات إنسانيّة يتمتّع بها من خلال الربط القويّ بينه وبين الإنسان. ومن هنا فقد لاحظ ماركس العلاقة الجدليّة القويّة بين مأساة الإنسان ونظامه الاجتماعيّ الذي يولد فيه.
إنّ تعدّديّة الأساليب الفنّيّة قد خلق الإبداع الحضاريّ للشعوب لا سيّما التعبيرات الأدبيّة، فشخصيّات الأثر الفنّي تصبح أكثر وضوحًًا في واقعها وتاريخها (علم النفس والأدب مثلًا).
على أنّ الماركسيّة هي عالم كبير من عوالم الاقتصاد السياسيّ، وعلاقته بالإنسان والتاريخ، وهي ليست نظريّة شاملة، أو عقيدة تحكّميّة، أو ديانة جديدة[159].
وقد واجهت الإنسان مشكلة عظيمة التعقيد منذ بدائيّته حتّى اليوم. وهي مشكلة وجود “الشرّ” في الكون. فقد حاول المفكّرون حلّها عن طريق الاتّحاد بقوى أخرى[160] (وحدة الوجود). هل كان صلاح عبد الصبور، شعريًّا، على صلة بالمدرسة الأبيقوريّة[161]؟
نرى عبد الصبور، من خلال شعره، يتمتّع بمزايا المدرسة الأبيقوريّة، فالفضائل هي التي تقود إلى سعادة الإنسان في دنياه. فالابتعاد عن الألم وكلّ ما تضطرب له النفس هو ما يعطي الإنسان إنسانيّته في مجتمع فاضل يسود فيه العدل والحقّ، والحبّ، وأنّ الآلهة خلقت البشر، وتركتهم هائمين في الوجود.
4 – 5: عبد الصبور والوجوديّة:
إنّها الركيزة الأساس في شعر عبد الصبور، فقد تغلغلت في زوايا شعره وحياته ومسرحه “مأساة الحلّاج” و”ليلى والمجنون” مع المزج في بعض الأحيان بنمط صوفيّ كما في ديوانه “الإبحار في الذاكرة”، “أحلام الفارس القديم”، “أقول لكم” حيث يصوّر الشاعر الإنسان المعاصر في قلقه الوجوديّ. وقد بقي عبد الصبور حائرًا أمام ثالوث المصير المقدّس الذي بقي من دون جواب حتّى اليوم، وهي: ما جدوى الحياة؟ ما جدوى الحبّ؟ مــا جدوى الفنّ[162]؟
هل ظاهرة الحزن في شعر عبد الصبور كانت نتيجة لمواقفه من الوجود، أم بتأثير من الفلسفة الوجوديّة؟
إنّ الوجود البشريّ مجموعة من الكِيانات الفرديّة التي تؤلّف الوجود، وما الشخصيّة الروائيّة إلّا نمط من أنماط المجتمع، لأنّ ما يجمع البشر هو الوجود، ويرى عز الدين إسماعيل أنّ ظاهرة “الوجوديّة” تعود في سببها إلى طغيان المادّيّة في الحياة الروحيّة[163] فأصبح الموت نافيًا الحياة ووجودها، وحاكمًا ينشر لواءه في كلّ مكان، حتّى يصيّر كلّ مــــــا في الوجود إلى عدم. ويحاول الفنّان في رحلته الحياتيّة تخطّي الزمن، والعودة بعد إلى الوراء بحثًا عن خلاص إنسانيّ، مقدّمًا كلّ شيء من أجل يوم واحد في حضن البكارة[164]. وعلى الرغم من كلّ هذا يبقى الألم سيّد الوجود يذلّ من يشاء، ويميت من يشاء، والحرّيّة مكبّلة يأكلها القهر والتسيّب، والإنسان فيها حسّ لا حياة فيه كما “لعازر حاوي”، حيث تموت النظم الاجتماعيّة الحقيقيّة، ويصير الارتقاء حالًا من العبث القاتل ورحلة في اللاجدوى.
وقد أضاف “المسرح الوجوديّ” إلى ظاهرة الحزن الإنسانيّ ما يجعلها تشبه الاستسلام للعدم، أو عدم مقاومة المصير، والوقوف في وجه القدر لإحساس الفنّان بضعف قدرته على المواجهة ما يجعله هائمًا، راميًا نفسه في خضم اللامعنى، باحثًا عن موته في الموت.
4 – 6: عبد الصبور والأسطورة:
عندما نشر أليوت قصيدته الطويلة “الأرض الخراب” (1922) أظهر هذا الشاعر الناقد أهمّيّة الأسطورة في الشعر حين تختزن اللاوعي الجماعيّ، وتعود بنا إلى الينبوع الرمزيّ الأوّل، عالم البَدء والحياة.
ولقد كان هاجس أليوت الرئيس التوحّد التامّ بين الإنسان والمحيط وتفاعلهما[165]، ونقل القصيدة، أو التجربة من مستواها الشخصيّ إلى مستوى إنسانيّ جوهريّ[166]، بعيدًا عن الواقع المؤلم[167] فــــــــــــــــــــــــي إعادة خلق جديدة مـــــــــــــــــــــــن خلال شـخصيّات تاريخيّة، وشعبيّة ودينيّة[168]. كتقاليد القبائل[169]. إنّ شخصيّة تيرزياس (عرّاف ضرير هو رجل – أنثى) عند أليوت يعود إلى الحديث عن قصيدة عبد الصبور “القناع”[170] /الرمز/ البعد الثالث، وبرومثيوس (سارق النار)، وشمشون (جبار العهد القديم)، وسيزيف (مواجهة الآلهة)، والسندباد (الرحّالة المغامر)[171]، والمسيح (الفداء والحياة). وقد كانت أسطورة “الأرض الخراب” الباعث الأوّل لأسطورة شعرنا الحديث، فظهر تأثيرها في أكثر من قصيدة كما في “شنق زهران” حيث حاول الشاعر رسم صورة صادقة لتلك الشخصيّة الريفيّة الإنسانيّة، و”الملك لك” حيث يظهر حنين الشاعر إلى صحبته وإخوانه، و”الحزن” حيث الحياة التافهة، وروتينيّة العيش، وممارسة سخفه في وسط الحزن والوحدة والتفرّد.
4 – 7: عبد الصبور ونظام التوقّعيّة:
هذه الظاهرة من أهمّ الظواهر في الشعر العربيّ الحديث. فقد دخل هذا النظام[172] شعرنا مؤخرًا، وذلك بتأثير من الشعر الأوروبيّ لا سيّما شعر أليوت. وقد تأثّر عدد كبير من الشعراء به، فها هو عبد الصبور في قصيدته “رحلة في الليل” يقدّم لنا هذا النظام مستخدمًا له من خلال هذه القصيدة. ويظنّ، ولأوّل وهلة، إنّ هناك تنافرًا دفينًا بين المقاطع الواردة في القصيدة التي تستخدم هذا الأسلوب، لكنّ هذا التنافر، أو التناقض ليس، سوى شرط من الشروط الشكليّة للقصيدة، وأساس عمدتها. إلّا أنّ الدخول إلى أعماق القصيدة، وجوهرها يختلف عن هذا المعطى الشكليّ وطبيعته، فهو ليس تمزّقًا أو جرحًا، لأنّ القصيدة الحديثة وحدة لا تتجزّأ، ولا يمكنها أن تتكوّن إلّا في قلب ذوبان الأضداد، وما نجده في القصيدة ليسا عالمين غريبين[173]. هذه العوالم المتقطّعة شكلًا، والمتماسكة مضمونًا، تربطها ببعضها خيوط رفيعة قويّة تقوّي عروة النصّ وتدعم بناءه، لأنّ القصيدة، بطبيعتها، واحدة وغير قابلة للذوبان[174]، حيث تنقل لنا لحظات التجربة الإنسانيّة، وتضيء لنا معالمها المتجسّدة دائمًا في أي زمن، وكأنها خلق بشري أو نتيجة مجتمعيّة [175]. فالكلمة الشعريّة لا تنفصل عن الطبيعة البشريّة، فهذه الطبيعة تريد في كلّ لحظة أن تحقّق نفسها ككلّ، وكلّ ساعة من ساعاتها هي بناء لأبديّة مؤقتة[176]، لذلك فإنّ خلاص الشاعر هو الغرق في الزمن، والذوبان فيه، والشعر الحديث لم يحد عن هذا القانون[177]: قانون حرّيّة الإنسان في مجتمعه، وأرضه وواقعه ورؤاه.
4 – 8: عبد الصبور واللغة العامّيّة:
يقول عبد الصبور: “حين توقّفت عند الشاعر ت.س. أليوت في مطلع الشباب لم تستوقفني أفكاره أوّل الأمر بقدر ما استوقفتني جسارته اللغويّة. فقد كنا نحن – ناشئة الشعراء – نحرص على إنّ تكون لغتنا منتقاة، منضدة، تخلو من أيّ كلمة فيها شبهة العاميّة، أو الاستعمال الدارج”[178]. وقد هوجمت اللغة الشعريّة الحديثة في الأعوام الثلاثين الأخيرة في القرن العشرين[179]. كما فعل عمر فروخ فــــــــي نعيه لهذه اللغة[180]، التي هي، بحسـب رأيه مزيّفة وخارجة عن بحور الشعر الخليليّة[181].
والشاعر الحديث يبحث عن “المعادل الموضوعيّ” الذي تحدّث عنه أليوت[182]، ليفضّ بكارة الوجود بعد أن يمتطي عِنان اللغة لتوليده من جديد من روحه وواقعه بحيث يتحوّل هذا الوجود إلى آخر ليبقي الزمن تحت سيطرته بعد أن تتجلّى معاناة الإنسان في هذا النهر العابث الذي يجري باستمرار نحو الموت[183]. فالشعر، كقيمة جمالية، مرتبط ببناء الإنسان نفسه، بحركته، برؤياه بداخله، بماضيه، بمستقبل، باهتماماته المتواصلة، بملكاته الإنسانيّة [184].
إنّ تغيّر التجربة الإنسانيّة لا بدّ من أن يقترن، في الوقت نفسه، بتغيّر حتميّ في الأداء الشعريّ، ولا يمكن التعبير عن حساسيّة جيل من الأجيال باللغة الشائعة في جيل آخر… فليس في الفنّ، لا سيّما في الشعر، مذاهب اعتقاديّة[185]، فالشعر في اعتقاد عبد الصبور لا قاموس له… وقد تجاوز منطقة القاموس الشعريّ منذ أمد ليس بقريب[186]، فاللغات الغنيّة هي اللغات التي تجد فيها رمزًا لكلّ المدركات الحسّيّة، والوجدانيّة التي يواجهها الإنسان، لا رموز ميتة محنّطة في القواميس، لكنّ رموزًا حيّة جارية الاستعمال في الحياة اليوميّة[187]، التي هي أكثر صدقًا وأوضح لدلالة من سواه، وهذا وحده جدير بالاستعمال[188].
إنّ اللغة بالنسبة إلى الشاعر هي مرآة العالم[189]، وهي علاقة وثيقة بالأشياء (الدال والمدلول)، جدليّته مع الحياة واللاوعي[190] بحيث لا نستطيع بعدها الفصل بين اللغة، والحال الشعوريّة من جهة، وتجارب الإنسان من جهة ثانية[191]. فالشاعر يلتقط الكلمة الميتة في القاموس ليكسبها حياة، ودلالة جديدة في السياق الشعريّ[192]، فهو ليس سوى نتيجة للتفاعل بين ذات الأديب، وظاهرة جماعيّة هي ظاهرة اللغة التي يستعملها بطريقته الخاصّة، ليعبّر من خلالها عن موقف ما من الوجود[193]، حيث ينسف باستمرار المنطق والعقل[194]. إنّ الفنّان، في أواخر عمره، يستطيع دائمًا أن يعزّي نفسه عن الأخطاء التي ارتكبها بادّعائه أنّه ما من شيء آخر يمكن إنجازه في مجال الفنّ لولا الثورة التي حمل لواءها… لأنّه نداء ثوريّ في سبيل الحرّيّة[195]، وإنّ شعرنا جدير بأن يبلغ آفاقًا أسمى لو منحنا الجسارة اللغويّة، ذلك لأنّ الفكر الغنيّ لا بدّ له من لغة غنيّة تستوعبه [196]. ولهذا فإنّ خلود الشعر يتمّ عن طريق قدرته على الولادة من جديد، وبرؤيا جديدة، ودم جديد من جرّاء تعاقب الأجيال، وجدليّة الوجود والعدم الغامضة الفاجعة التي تفتك بالموجود مع وجوده.
والشاعر معكم، وأفكاره كأبراج المراقبة معكم، فليواظب على المراقبة حتّى المساء، وليثبت نظره على حظّ الإنسان[197] .
خلاصة البحث:
نستنتج من خلال هذا البحث مجموعة أفكار وآراء رئيسة عني بها عبد الصبور، وشكّلت ركيزة شعره، أهمّها:
- يحاول عبد الصبور استلهام التراث، وهضمه، وتأصيله عبر شخصيّته الشعريّة من خلال التفاعل بينه وبين هذا التراث في علاقة جدليّة يخرج منها الشاعر برؤيا جليّة، وشخصيّة ثابتة، ومختلفة في أن تكون أكثر إنسانيّة.
- لا مجال للأصالة إلّا من خلال التواصل المعرفيّ، والتلاقي الحضاريّ بين مختلف أنواع المعارف الإنسانيّة.
- محاولة عبد الصبور الفصل بين جملة قضايا متشابكة في ميادين متعدّدة من خلال إفادته من العلوم الأوروبيّة في خدمة الوعي والإصلاح الاجتماعيّين.
- التركيز على البعد الحداثيّ، ومركزه المهمّ من رسم إطار معرفيّ جديد، مع التركيز على أصالة الماضي والانطلاق منه إلى عالم التجديد والمعاصرة.
- التأكيد على إعادة الإنتاج المعرفيّ المبدع، واسترجاع الذات الممزّقة من غربتها.
- التركيز على مبدأ الحرّيّة في التفكير والتعبير.
- جعل الإنسان مركزًا وبؤرة للعمل الوجوديّ والكونيّ، والتغلغل قدر الإمكان في داخله لإبراز حاله وواقعه بعد التفاعل بين الشاعر والإنسان من جهة، والشاعر والواقع من جهة أخرى.
- التركيز على عامل ربط الشعر بالفكر.
- الإفادة من تجارب الآخرين، وخصوصًا الفكر الأليوتيّ الذي وصل إلى حدّ تبنّي أفكاره بكلّ تفاصيله، لإعتقادٍ منه بأنّ هذا الفكر يصلح في المجتمع العربيّ.
- دعوته إلى الخروج على التقليديّة ولا سيّما في اللغة.
- التركيز على الصورة الإنسانيّة للإنسان الحديث، والواقع الممزّق الذي يعيش فيه، وعدم قدرة هذا الإنسان على المواجهة والتغيير في هذا الواقع، فلجأ إلى الأسطورة في تفسير بطولاته وإمكانيّاته، التي تعيش متجلّية في مخيّلة الشاعر، إيمانًا منه بتغييرها الواقع المتأزّم الذي لا يعجبه. لذا بقيت هذه الرؤيا وكأنّها الهيوك الأوّل المركبة للوجود الأصليّ القابع في زمن مخفٍ، يحاول الشاعر من خلال رؤاه السندباديّة، القبض عليها، وتأصيلها، لأنّها تجسّد في عرفه، وكِيانه المهد الحقيقيّ للوجود، والمرتع الحقيقيّ للموجود.
المصادر والمراجع:
- عبد الصبور: حياتي في الشعر (الدوواين الشعريّة)، إلهيّئة المصريّة العامّة للكتاب، مصر- القاهرة، 1993.
- خليل أبو جهجهة، الحداثة الشعريّة بين الإبداع والتنظير والنقد، دار الفكر اللبنانيّ، لبنان – بيروت، 1995.
- حسين مروّة، دراسات نقديّة في ضوء المنهج الواقعيّ، دار ومكتبة المعارف، لبنان- بيروت، 1988.
- خالدة سعيد، البحث عن الجذور، دار مجلّة شعر، لبنان- بيروت، 1960.
- أمين الريحانيّ، أنتم الشعراء، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، لبنان- بيروت، طبعة العام 1986.
- صلاح عبد الصبور، على مشارف الخمسين، دار الشروق، مصر- القاهرة، 1998.
- فؤاد زكريا، الأفكار المستوردة، مجلّة الفكر العربيّ، عدد 7، 1996.
- محمّد أمين أبو الربّ، بلند الحيدريّ، مجلّة العربيّ، عدد 368 – سنة 1989.
- محمّد عودة، الوعي المفقود، القاهرة للثقافة العربيّة، مصر- القاهرة، 1975.
- يوسف الخال، دور رائد ومزدوج للبنان في الشعر، مجلّة فصول، عدد1، 1981.
- محمّد الأسعد، قراءة الأنا في ضمير الآخر، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، عدد 16 – سنة 1981.
- شاكر مصطفى، المستقبل والهُويّة الحضاريّة أو النظرة الثوريّة للتراث، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، عدد 12 – سنة 1981.
- محمّد النويهيّ، قضيّة الشعر الجديد، دار الفكر الحديث للطباعة والنشر، لبنان – بيروت، 1971.
- منيف موسى، في الشعر والنقد، دار الفكر العربيّ للطباعة والنشر، سوريا، 1987.
- عبد الواحد لؤلؤة، البحث عن معنى، وزارة الإعلام، العراق- بغداد، 1973.
- إبراهيم جبرا، الرحلة الثامنة، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، لبنان – بيروت، 1979.
- ويستان أودن، محنة الشاعر في أزمنة المدن، ترجمة وتحقيق سهيلة أسعد تيازيّ، دار الساقي، لبنان – بيروت، 1992.
- إحسان عبّاس، اتّجاهات الشعر العربيّ المعاصر، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنّون والآداب – الكويت، الطبعة الأولى، 1978.
- خليل حاوي، الديوان، دار العودة، 1972.
- عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، المكتبة الأكاديميّة، مصر- القاهرة، الطبعة الخامسة، 1994.
- دزييره سقال، الأرض الخراب والشعر العربيّ الحديث، منشورات ميريم، بيروت – لبنان، 1992.
- رشيد مبارك، ميثات عربيّة وشرقية في الشعر العربيّ الحديث، خاصّ رشيد مبارك، طبعة أولى، 1995.
- إبراهيم السامرائيّ، لغة الشعر بين جيلين، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، العراق- بغداد، 1996.
- أدونيس (على أحمد سعيد)، زمن الشعر، دار العودة – لبنان- بيروت، 1981.
- عبد المطّلب صالح، دراسات في أدب الواقعيّة الاشتراكيّة، دار الفارابيّ، لبنان – بيروت، 1974.
- صلاح عبد الصبور، مدينة العشق والحكمة، منشورات اقرأ، مصر- القاهرة، 1980.
- أوكتافيو بات، الشعر ونهاية القرن، ترجمة وتحقيق ممدوح عدوان، دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع، سوريا – دمشق، 1994.
- عبد السلام سلام، أثر التراث من الصورة الشعريّة، مجلّة القاهرة، عدد 166، 1995.
- محمّد عبده بدويّ، الشعر في وادي النيل، مجلّة العربيّ، عدد 375، 1990.
- محمّد أمين أبو الربّ، بلند الحيدريّ، مجلّة العربيّ، عدد 368، 1989.
- ياسين الأيوبيّ، الرمزيّة في شعر عبد الصبور، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، عدد 16، 1981.
- محمّد سليم سالم، فنّ الشعر لآرسطو، سلسلة تراث إنسانيّة، مجلّد 2، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، مصر، لا تاريخ.
- محمّد الأسعد، قراءة الأنا في ضمير الآخر، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، عدد 16، 1981.
- أسعد رزوق، الشعراء التموزيّون، دار الحمراء للطباعة والنشر، الكويت، 1990.
- محمّد النويهيّ، قضيّة الشعر الجديد، دار الفكر الحديث للطباعة والنشر، لبنان – بيروت، 1971.
- هنري آرفون، فيورباخ والتاريخ، تعريب وتقديم: أنور مغيث، مجلّة إبداع، عدد 1، 1988.
- عبده محمّد بدويّ، الشعر في وادي النيل، مجلّة العربيّ، عدد 375، 1990.
- سميحة غالب، مقتطفات من كتاب لم ينشر بعد، مجلّة القاهرة، عدد 166، 1996.
- أحمد كمال زكي، قضيّة الشعر الحديث، الفيصل، السنة الخامسة، عدد 59، جمادي الأولى 1402 هـ، 5 آذار 1982.
- خليل الموسى، في لغة الشعر الحديث، الموقف الأدبيّ، عدد 126، تشرين الأوّل 1981.
- خالدة السعيد، حركيّة الإبداع، دار العودة، لبنان – بيروت، 1982.
1 – عبد الصبور: حياتي في الشعر، ص 7.
3- خليل أبو جهجهة، الحداثة الشعريّشعريّة، ص 269.
5- حسين مروّة، دراسات نقديّة في ضوء المنهج الواقعيّ، ص 321.
1 – خالدة سعيد، البحث عن الجذور، ص 7.
2 – خليل أبو جهجهة، الحداثة الشعريّة، ص 270.
3 – المرجع نفسه، ص 274.
4 – خليل أبو جهجهة، الحداثة الشعريّة، ص 275.
5 – المرجع نفسه، ص 280.
6 – يقول أمين ريحانيّ في وصيّته للشعراء: ” أنا القاموس إلهك، أكرم سيبويه ونفطويه والكسائيّ وإخوانهم أجمعين”.
*أمين الريحانيّ، أنتم الشعراء، ص 10.
7 – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 57.
8 – المرجع نفسه، ص 57.
1 – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 79.
2 – المرجع نفسه، ص 58.
3 – المرجع نفسه، ص 59.
4 – المرجع نفسه، ص 66.
5 – المرجع نفسه، ص 66.
6 – صلاح عبد الصبور: على مشارف الخمسين، ص 83-84.
7 – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 111.
8 – المرجع نفسه، ص 112.
9 – المرجع نفسه، ص 145.
1 – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 126.
2 – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 126.
3 – المرجع نفسه، ص 195.
[6] – المرجع نفسه، ص 193-195.
[7] – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 196-197.
[8] – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 197.
[9] – المرجع نفسه، ص 198.
[10] – المرجع نفسه، ص 204.
[11] – المرجع نفسه، ص 204.
[12] – المرجع نفسه، ص 204 – 205.
[13] – المرجع نفسه، ص 207.
[14] – المرجع نفسه، ص 208.
[15] – المرجع نفسه، ص 208.
[16] – المرجع نفسه، ص 216.
[17] – المرجع نفسه، ص 105.
[18] – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 105.
[19] – المرجع نفسه، ص 105.
[20] – فؤاد زكريا، الأفكار المستوردة، مجلّة الفكر العربيّ، عدد 7، ص 238.
[21] – المرجع نفسه، ص 238.
[22] – المرجع نفسه، ص 237.
[23] – محمّد أمين أبو الربّ، بلند الحيدريّ، مجلّة العربيّ، عدد 368، سنة 1989، ص 100.
[24] – المرجع نفسه، ص 100.
[25] – يوسف الخال، دور رائد ومزدوج للبنان في الشعر، مجلّة فصول، عدد 1، ص 145.
[26] – جورج غانم، شعراء وآراء، ص 183.
[27] – المرجع نفسه، ص 183.
[28] – المرجع نفسه، ص 183.
[29] – محمّد عودة، الوعي المفقود، ص 15 – 16.
[30] – المرجع نفسه، ص 50.
[31] – تعود قصّة المعرفة إلى عهد آدم وحوّاء، انظر العهد القديم، تكوين 5:3.
[32] – محمّد الأسعد، قراءة الأنا في ضمير الآخر، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، عدد 16 – سنة 1981، ص 154.
[33] – المرجع نفسه، ص 155.
[34] – شاكر مصطفى، المستقبل والهُوية الحضاريّة أو النظرة الثورية للتراث، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، عدد 12- سنة 1981، ص 41.
[35] – المرجع نفسه، ص 155.
[36] – منيف موسى، في الشعر والنقد، ص 212.
[37] – محمّد النويهيّ، قضيّة الشعر الجديد، ص 127.
[38] – منيف موسى، في الشعر والنقد، ص 221.
[39] – المرجع نفسه، ص 221.
[40] – محمّد النويهيّ، قضيّة الشعر الجديد، ص 159.
[41] – المرجع نفسه، ص 159.
[42] – المرجع نفسه، ص 468.
[43] – المرجع نفسه، ص 468.
[44] – عبد الواحد لؤلؤة، البحث عن معنى، ص 59 وقارن إبراهيم جبرا، الرحلة الثامنة، ص 194.
[45] – ويستان اودن، محنة الشاعر في أزمنة المدن، ص 11.
[46] – المرجع نفسه، ص 25.
[47] – المرجع نفسه، ص 25 – 26.
[48] – المرجع نفسه، ص 28.
[49] – لقد عدّ إحسان عبّاس إنّ الشاعر بمنزلة الجسر في علاقته بواقع تراثه ويقول: “إنّ الجاذبيّة في التراث تكمن في تمثيله جسدًا ممتدًا بي الشاعر والناس”.
إحسان عبّاس، اتّجاهات الشعر العربيّ المعاصر، ص 150.
[50] – يقول خليل حاوي في قصيدته “الجسر”:
يعبرون الجسر في الصبح خفافًا
أضلعي امتدّت لهم جسرًا وطيد
من كهوف الشرق، من مستنقع الشرق
إلى الشرق الجديد
أضلعي امتدت لهم جسرًا وطيد
خليل حاوي، الديوان، ص 162.
[51] – عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، ص 311.
[52] – المرجع نفسه، ص 312.
[53] – دزيره سقال، الأرض الخراب والشعر العربيّ الحديث، ص 103.
[54] – رشيد مبارك، ميثات عربيّة وشرقية في الشعر العربيّ الحديث، ص 175.
[55] – خليل حاوي، الديوان، ص 35.
[56] – إبراهيم السامرائيّ، لغة الشعر بين جيلين، ص 146.
[57] – المرجع نفسه، ص 146.
[58] – أدونيس (عليّ أحمد سعيد)، زمن الشعر، ص 56.
[59] – عبد المطلب صالح، دراسات في أدب الواقعيّة الاشتراكيّة، ص 108.
[60] – عبد الواحد لؤلؤة، البحث عن معنى، ص 173.
[61] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 199.
[62] – يرى عبد الصبور أنّ العالم تغيّر كثيرًا منذ عصر النهضة، فانماز الشعر عن النثر 0وعرفت هذه القضيّة في تراثنا الأدبيّ الشعريّ منذ القدم، ولكنّها تبلورت في عصرنا الحديث حيث تمّ الفصل فيها)، وظهرت فنون محدّثة كالقصّة القصيرة، والرواية، ومرّت أوروبا بعصر التنوير (القرن الثامن عشر 9ط، والمرحلة الرومنطيقيّة (القرن التاسع عشر)، وعصر الاضطراب (القرن العشرين)، ونشأت ونمت حضارة جديدة (تكنولوجيّة) تختلف عن الحضارات القديمة كلّها، طابعًا وأسلوبًا ونظرًا للأمور.
صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 199 – 200.
[63] – المرجع نفسه، ص 200.
[64] – المرجع نفسه، ص 201.
[65] – المرجع نفسه، ص 201.
[66] – المرجع نفسه، ص 202 – 203.
[67] – إنّ رؤيا محمود درويش تعود إلى الماضي لمحاكمته بفعل الواقع المأسويّ للشعب الفلسطينيّ في صراعه مع الصهيونيّة من أجل الحفاظ على أرضه.
[68] – إنّ شاعرًا مثل سميح القاسم مثلًا تراوح رؤيته للواقع بين معتزّ وناع ورافض.
[69] – إنّ أدونيس من أكثر الشعراء الذين ذهبوا إلى أقصى حدود الرفض والتمرّد.
انظر مثللاً قصيدته “مرثيّة الأيّام الحاضرة”.
[70] – على الرغم من تمرّد الشاعر في مختلف الميادين، فإنّ تلك الصور التراثيّة كانت، ولا تزال، تتسلّل إلى أعماق الشاعر لتكون صدى لذلك الماضي… ليخلق منها الذاكرة الثانية التي تحمل هذه السّمة وهذه الذاتيّة.
[71] – إنّ الشاعر الحديث يقدّم صوره التراثيّة الحقيقيّة البارزة في شعره، وهي أيضًا القيمة الفنّيّة الواعية لعلاقته بتراثه. ويقول إحسان عبّاس: انطلاقًا من هنا تبرز قيمة الشاعر الحقيقيّة، أي إعادة التفسير للعلاقة بين الشاعر والتراث.
إحسان عبّاس، المرجع نفسه، ص 42.
[72] – إنّ ثورة الشعر على اللغة هي ثورة على العادة، إنّها دعوة إلى خلق عالم شعريّ مواز لهذا العالم من خلال علاقات تعبيريّة وتصويريّة جديدة.
المرجع نفسه، ص 137.
[73] – المرجع نفسه، ص 144.
[74] – المرجع نفسه، ص 144.
[75] – أدونيس، زمن الشعر، ص 250 – 251.
[76] – من خلال عمليّة الشاعر الانتقائيّة في تعامله مع التراث، فقد ظهر ما يعرف بـ “المختارات” وإن كانت هذه الفكرة قديمة في الأدب العربيّ (أبو تمّام وديوان الحماسة، وحماسة البحتريّ…)، وقد شكّلت هذه العمليّة في العصر الحديث موقفًا رؤيويًّا تعامل معه الشاعر على أساس ما يقبله (أدونيس مثلًا). ويرى إحسان عبّاس إنّ فكرة “المختارات” هي من هذا القبيل أي اختيار ما يناسب ذوق الشاعر من الأبيات، التي برأيه تكون صالحة للبقاء، وهذا الاختيار يكون من الشعر القديم.
إحسان عبّاس، المرجع نفسه، ص 145.
[77] – صلاح عبد الصبور، مدينة العشق والحكمة، ص 7-8.
[78] – المرجع نفسه، ص 8.
[79] – المرجع نفسه، ص 9.
[80] – المرجع نفسه، ص 9.
[81] – المرجع نفسه، ص 9
[82] – المرجع نفسه، ص 9
[83] – المرجع نفسه، ص 9.
[84] – المرجع نفسه، ص 10.
[85] – صلاح عبد الصبور، مدينة العشق والحكمة، ص 10.
[86] – المرجع نفسه، ص 10.
[87] – المرجع نفسه، ص 10.
[88] – المرجع نفسه، ص 84.
[89] – المرجع نفسه، ص 174 – 175.
[90] – المرجع نفسه، ص 174 – 175.
[91] – المرجع نفسه، ص 11.
[92] – المرجع نفسه، ص 12.
[93] – أوكتافيو بات، الشعر ونهاية القرن، ص 93.
[94] – لقد كان لعبد الصبور أصدقاء آخرون بحكم وظيفته في “إلهيّأة المصريّة العامّة للكتاب” من أمثال الصحافيّ والكاتب محمّد حسنين هيكل، والشاعر والموسيقي مرسي جميل عزيز، والأديبين توفيق الحكيم وعبّاس محمود العقّاد، والموسيقار عبد الحليم حافظ الذي لحّن لعبد الصبور قصيدة “لقاء” وهذه القصيدة غير موجودة في ديوان عبد الصبور، ولكنّي عثرت عليها من: مجيد طراد وربيع محمّد خليفة.
* عبد الحليم حافظ، حياته وفنّه: “المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس- لبنان، ط -1- 1993، ص 316.
[95] – بدر توفيق، مفتتحات التكوين، مجلّة القاهرة، عدد 166، 1996، ص 13 – 14.
[96] – المرجع نفسه، ص 12.
[97] – المرجع نفسه، ص 12.
[98] – المرجع نفسه، ص 12.
[99] – المرجع نفسه، ص 60 – 61.
[100] – المرجع نفسه، ص 61.
[101] – يقول عبد الصبور: “وقد جرؤ بعض النقّاد على استعمال كلمة “الذاتيّة” في معرض التهجّم والخصومة للأعمال الأدبيّة، وجعلوا الموضوعيّة هي المعادل الأكبر للجودة والصواب”.
* صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 62.
[102] – يذكر عبد الصبور أنّه اطّلع من بداية حياته الأولى على كتاب “المنتخب من أدب العرب”، وهو كتاب جمعته طائفة من الأدباء – على رأسهم طه حسين – يضمّ منتخبات من عيون الشعر ونثره، وقد تعرّف عبد الصبور من خلاله على امرئ القيس، والأعشى، وطَرَفة وصولًا إلى أحمد شوقي وحافظ إبراهيم.
* بدر توفيق، مفتتحات التكوين، مجلّة القاهرة، عدد 166، 1996، ص 12.
وإضافة إلى سياحة عبد الصبور العربيّة، فقد كان له سياحة غربية وذلك من خــــــــــلال كتاب “الذخيرة الذهبية” (the golden treasury) الذي يضم: كولردج، شيلي، شكسبير… وغيرهم، إضافة إلى الفرنسيّين وكل الكتابات الإبداعية على اختلافها.
*المرجع نفسه، ص 12.
[103] – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 68 – 69.
[104] – يقول مثلاً: “سئمت الحياة وعفت العمر وأنكرت مرّ القضاء والقدر”.
وهذا ما يذكّر بقول زهير بن أبي سلمى الذي يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمّانين حولاً لا أب لك يسأم
انظر قصيدة الصبور “حياتي وعود” حيث يستخدم تعابير شعريّة قديمة. أيضًا قصيدته “الوعد الأخير” يستخدم صورًا جاهليّة تتعلّق بالتأمّلات الليليّة (النجوم) ووصف الجسد كما عند امرئ القيس مثلاً.
[105] – كان هذا في بداية عبد الصبور الّشعريّة (خمسة عشر عامًا).
*صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 73.
[106] – المرجع نفسه، ص 74.
[107] – المرجع نفسه، ص 74.
[108] – في قصيدته: “أحلام الفارس القديم” يواجه عبد الصبور الحياة بالتمنّي، فهو يرغب بالحياة التي تطمح إليها روحه، ولهذا فهو يستخدم أسلوب التمنّي “يا ليتنا” “ألا ليتنا” لأنّ هذه الأمنيات ضاعت منه، وهي تبقى في حكم الرغبات والأمنيات، فالشكوى كبيرة وتكبر أكثر إذا لم تتحقّق.
[109] – عبد السلام سلام، أثر التراث من الصورة الّشعريّة، مجلّة القاهرة، عدد 166، ص 60.
[110] – كان لمختلف المدارس الأدبيّة المنتشرة في زمن عبد الصبور، من خلال تعريبها، أثر في شعره.
فالاتّجاه القوميّ قد حفر عميقًا في الأرض وزمن الرومانسيّة، إلى الرمزيّة، إلى الواقعيّة، واقترب بجانب منه إلى الطبيعة.
* محمّد عبده بدويّ، الشعر في وادي النيل، مجلّة العربيّ، عدد 375، 1990، ص 82 – 83.
[111] – كان لمدرسة علم النفس ومنهجها ركيزة في الشعر من حيث تأصيل دور الحلم كوسيلة للتعبير عن العوالم المكبوتة في النفس، بحيث يكون الحديث الخارجيّ مجرّد إشارات رمزيّة لتلك العوالم.
* محمّد أمين أبو الربّ، بلند الحيدريّ، مجلّة العربيّ، عدد 368، 1989، ص 99 – 100.
[112] – إنّ الرمز في القصيدة الحديثة قد اتّخذ منحنى بارزًا، فقد هيّأ المتلقّي للدخول، بوساطة هذا الرمز المفتاح، إلى عمق عالم القصيدة اللامحدود، حيث يخترق القشرة الخارجيّة إلى نواة العالم الإنسانيّ الذي يطمح الشاعر في الوصول إليه من أجل الخلاص، وهذا الاستخدام ينتقل إلينا كبرق سحابة لم تمطر بعد تجنّب الشاعر التفصيلات في قصيدته للمشاركة الفعّالة بين المرسل (الشاعر)، والمرسل إليه (السامع والقارئ)، حينها تكون القصيدة (المرسلة) بمنزلة المفاجأة الصادقة لأسلوبه البرقيّ.
*محمّد أمين أبو الربّ، المرجع نفسه، ص 99.
[113] – يرى ياسين الأيوبيّ في مقالته “الرمزيّة في شعر عبد الصبور” إنّ “شاعرنا ملتزم بقضايا الإنسان المعاصر بعامّة، في الحرّيّة، والعدالة، والخلاص من زيف الشعارات والمشاعر سواء أعبّر بالقصيدة “الغنائيّة” التي تصف الليل، والحزن، والحب، والكبرياء… أم بالقصيدة “الرمزيّة” التي تتقمّص شخصيّات من التاريخ العربيّ، والغربيّ على السواء لتكون أصدق تعبيرًا، أسلم موضوعيّة وحرّيّة في قول ما ينبغي قوله… أم بالمسرحيّة التي تمثّل عالمًا آخر يبنيه الشاعر وفقًا لأحلامه… أم النقد المباشر، والتحليل الأدبيّ… والهدف من كلّ ذلك واحد لا يتغيّر وهو إصلاح العالم”.
* ياسين الأيوبيّ، الرمزيّة في شعر عبد الصبور، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، عدد 16، 1981، ص 168.
[114] – نظريّة التطهير، أو الكاترسيس (catharcisse) تعود في تاريخها إلى آرسطو القرن الثالث قبل الميلاد الذي يقول: “إنّ التراجيديا تطهر نفوسنا من الأحاسيس المضطربة، والمشوّشة التي تحدثها الحياة اليوميّة، وذلك بإثارة عاطفتي الخوف، والعطف من مصير البطل المأسويّ الذي يتحوّل إلى الهاوية على الرغم من إرادته الإنسانيّة – الضعيفة، مع ذلك فهو يصرّ على تحدّي قدره إلى أن يلقى حتفه بطريقة أو بأخرى. وهذا الإحساس بالعطف والخوف من شأنه أن يخلّصنا من العواطف المشوّشة، والتافهة، وهذا ناتج عن إحساسنا بإمكانيّة الوقوف مكان البطل التراجيديّ ذات يوم، لأنّنا لا نملك الضمانات التي تؤكّد استحالة الوقوع في المأزق المصيريّ ذاته والذي لا عودة منه”.
* محمّد سليم سالم، فنّ الشعر لآرسطو، سلسلة تراث إنسانيّة، مجلّد 2، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، مصر، لا تاريخ، ص 314 – 315.
[115] – من أبرز شعراء الواقعيّة: بدر شاكر السيّاب، عبد الوهاب البياتيّ، كاظم جواد، سليمان العيسو، يوسف الخطيب… ومن أبرز الكتاب: محمود أمين العالم، سلامة موسى، عمر فاخوريّ، رئيف خوري.
* محمّد الأسعد، قراءة الأنا في ضمير الآخر، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، عدد 16، 1981، ص 154.
[116] – يحاول محمّد الأسعد في مقالته (عن عبد الصبور) إنّ يبيّن تأثير محمود أمين العالم في صلاح عبد الصبور ولا سيّما في المسرح الشعريّ، إضافة إلى منهجيّة أخرى هي منهجيّة لويس عوض التغريبيّة. فقد لاحظ الأوّل أنّ أشعار عبد الصبور وقضاياه في الستينيّات لا تمتّ بصلة إلى مدلولات محدّدة من الوضعيّة التاريخيّة الثقافيّة لمصر، ورأى في هذه الظاهرة انفصالاً يعانيه الشاعر لا مبرّر له. وقد لاحظ في ما يختص بتغريبيّة عوض إنّ ثمّة مستندات فكريّة تبدّد تجربة عبد الصبور الشعريّة، وتمنحها مرجعًا دلاليًّا. وهذه المستندات كامنة في آفاق ثقافيّة أوروبيّة المنشأ.
* محمّد الأسعد، المرجع نفسه، ص 155.
[117] – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 60.
[118] – لقد أفاد بلند الحيدريّ في توظيف الأبعاد الكامنة في الفنّ التشكيليّ، وإمكانيّة توظيفها في قصيدته كما ظهر ذلك في ديوانه الثاني “أغاني المدينة الميتة” (1951). وقد كان هذا الشاعر يؤمن بأنّ الموهبة وحدها لا تكفي لخلق تميّز القصيدة.
* محمّد أمين أبو الربّ، المرجع نفسه، ص 99.
[119] – واستطاع أليوت في قصيدته “أغنيّة حبّ إلى ج بروفروك” (The Love Song To J. Proofrock) أن يبلور الفكر والشعور في صور حسّيّة، أي التحليل الفلسفيّ في الإطار الشعريّ، وقد أهدى أليوت هذه القصيدة إلى أحد الشباب الذي تعرّف إليه من فرنسا، وهوجان فردينال الطبيب، والشاعر الذي قتل، وهو يداوي الجرحى على إحدى جبهات القتال في أثناء الحرب الأولى (1914 – 1918).
*عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، ص 230.
– عزّ الدين إسماعيل، المرجع نفسه، ص 164 – 165.
[120] – صلاح عبد الصبور، الديوان، ص 78.
[121] – المرجع نفسه، ص 23.
[122] – يأخذ عبد الصبور من بودلير بعض أبياته ممثّلاً بها صوت الإنسان المعاصر عمومًا، وموقفه الدراميّ في الحياة.
*انظر: المرجع نفسه، ص 231.
[123] – عزّ الدين إسماعيل، المرجع نفسه، ص 315.
والعبارة هي: Hypocrite lecteur, non semblable, mon frère.
“أيّها القارئ الخبيث، يا مثيلي، يا أخي”
وهي من قصيدة: “أيّها القارئ” (au lecteur) من ديوان بودلير “أزاهير الشرّ”
(les fleurs du mal).
[124] – Brian Wilkie, James Hurt, literature of the western world,V:II,P:158
[125] – يقول صلاح عبد الصبور في قصيدته “الشيء الحزين”:
“لعلّه الندم
فأنت
فأنت لو دفنت جثة بأرض
لأورقت جذورها وأينعت ثمّار
ثقيلة الدم”
*صلاح عبد الصبور، الديوان، ص 109.
وهذه الأبيات أصداء واضحة في الأبيات الأخيرة من المقطع الأوّل من “الأرض الخراب” يقول أليوت:
” لعلّه الأسى
الليل حيثمّا ارتمى على شوارع المدينة
وأغرق الشطآن بالسكينة”.
*عبد الواحد لؤلؤة، البحث عن معنى، ص 221. وقارن النصّ الأصليّ لأليون “الأرض الخراب” يقول:
” There, I saw one I knew, and stopped hm, crying: Stetson
You who were with me in the ships at maylae
That corpse you planted last year in your garden
Has it begun to spout? Will it bloom this year”
انظر هذه القصيدة كاملة في:
(Brian Willkie, James Hurt, Literature of the western world, V:II,P:187.
[126] – إنّ علاقة الشاعر بالمدينة تم بتأثير غربي، وًاخصوصًا الشعر الأليوتيّ.
وقد مثّلت المدينة في مفهوم الشاعر الحضارة المدنيّة، وما فيها من تعقيد، فانبرى الشعراء يقابلون بينها وبين الريف والقرية، وهذا ما انماز به الشعر المهجريّ، والحديث أيضًا. وقد استمرّت هذه النظرة إلى أن تطوّرت، بحيث أصبحت تجربة المدينة خالصة لذاتها، ومستقلّة عن ذاك الحنين القديم. وهذا التحوّل ناتج عن إدراك الشعراء أنّ المدينة تمثّل الوجه الحضاريّ للأمّة، وخصوصًا الوجه السياسيّ كما عند حاوي، والسيّاب (جيكور) الذي نظر إلى المدينة من خلال مرضه.
*عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، ص 326.
[127] – أسعد رزوق، الشعراء التموزيّون، ص 16.
[128] يقول محمّد شاهين: ” إنّ استلهام عبد الصبور لصور أليوت جاءت مغايرة لما صوّره شاعر أوروبا، فالصورة جاءت مبتورة لأنّها لا تقدّم شيئًا، ولا شيء آخر يقدّمها، علاوة على أنّها منثورة ومسرودة.
* محمّد شاهين، أليوت وأثره على عبد الصبور والسيّاب، ص 16 – 17 – 18.
وهذا الاستلهام يتجلّى بالذاتيّة عند عبد الصبور، وبالموضوعيّة عند أليوت.
* المرجع نفسه، ص 20.
وهذا ما جعل قصيدة “لحن” ضعيفة في تأثيرها بصوت أليوت.
* المرجع نفسه، ص 20.
وقد عقد شاهين مقارنة بين صور عبد الصبور وصور أليوت، فوجد أنّ عبد الصبور يطغى في شعره صور السرد والنثر.
* المرجع نفسه، ص 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18.
[129] – المرجع نفسه، ص 13.
[130] – المرجع نفسه، ص 40.
[131] – أسعد رزوق، الشعراء التموزيّون، ص 40.
[132] – المرجع نفسه، ص 44.
[133] – انظر القصّة في: المرجع نفسه، ص 44.
[134] – منيف موسى، في الشعر والنقد، ص 50.
[135] – محمّد النويهيّ، قضيّة الشعر الجديد، ص 127.
[136] – المرجع نفسه، ص 127.
[137] – المرجع نفسه، ص 367.
[138] – المرجع نفسه، ص 367.
[139] – يقول عبد الصبور: “لا شكّ في إنّ هذا الموقف موقف متخلّف حين يتّخذه أحد أئمة الكتابة في القرن العشرين”.
[140] – عبد الواحد لؤلؤة، البحث عن معنى، ص 223.
[141] – Brican Wilkie, James Hurt, Literature of the western world, V:II,P:1035.
[142] – عندما أصدرت نازك الملائكة ديوانها الثاني “شظايا ورماد” كتبت له مقدّمة تشرح فيها هذا الأسلوب الجديد في ترتيب الأوزان والقوافي، وقد أطلقت عليه اسم “الشعر الحرّ” وثار كثير من النقّاد على هذا القالب الجديد. وقد تطرّف بعضهم، وعلى رأسهم العقّاد، فأطلقوا على هذا النوع اسم “الشعر السايب”. وراح العقاد (المستشار في لجان أدبيّة متعدّدة) يحيل شعر هذا النوع إلى لجان النشر، وبلغ به الحماس أن هدّد بالاستقالة من رئاسة لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للفنّون والأدب إذا سمح للشعراء: السيّاب من مصر، وأحمد عبد المعطي حجازيّ، وعبد الصبور بالسفر إلى دمشق للاشتراك في مهرجان الشعر.
*عبد الواحد لؤلؤة، البحث عن معنى، ص 137.
إنّ هجوم العقّاد على الشعر الجديد قد صدر عن وهم كبير وقع فيه، إذا ظنّ أنّ تحرّر هذا الشعر من بعض قيود الشكل القديم معناه أن يسترسل في الفوضى التامّة، ويسعى إلى إهدار جميع القيود إلى حدّ التحرّر التامّ من الوزن.
* محمّد النويهيّ، قضيّة الشعر الجديد، ص 359.
[143] – [143]Brican Wilkie, James Hurt, Literature of the western world, U.S,A. V:II,P:575
[144] – عبد الواحد لؤلؤة، البحث عن معنى، ص 130.
[145] – محمّد شاهين، المرجع نفسه، ص 9.
[146] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 146.
أيضًا: عبد السلام سلام، أثر التراث في الصورة الشعريّة، مجلّة القاهرة، عدد 166، ص 58.
[147] – في قصيدة عبد الصبور “رسالة الصديقة” يستلهم الشاعر الآية القرآنيّة “يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (البقرة 2: 20)، لكي يعطي تعبيره الصورة الأوضح لما حدث معه عندما زاره الشيخ الصوفيّ ابن عربيّ من المنام، حيث يقدّم وصفًا لهذا الشيخ. وهذا الوصف بداية الحالة الكبرى التي يقصدها، وهي حالة الشيخ، أو صورته. وفي قصيدته “أغنيّة الليل” يأتي الشاعر بآية أخرى وهي: “فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ” (الرحمن 55: 66)، ليصف عيني حبيبته الحزينتين اللتين تشبهان المصابيح الحزينة، وفي قصيدته “أغنيّة إلى الله” يستلهم من المقطع الثالث الآية “وَتَرَى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ” (إبراهيم 14: 49)، لتصوير حياته المليئة بالحزن الذي لا ينتهي. وفي قصيدته “أغلى من العيون” يستلهم الآيتين: “إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى”، “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى” (طه 20: 10، 11) ليشبه حاله بحال موسى الذي خرج بشعبه من الصحراء من أجل رسالته. وفي قصيدة أخرى “أغنيّة حبّ” يلمح صورًا من صور سليمان التي تعدّ من أكثر الأناشيد حديثًا عن الحبّ والجنس. إضافة إلى شعراء آخرين مثل: نازك الملائكة، محمود درويش، أدونيس، أنسي الحاج، إلياس لحود، محمّد عليّ شمس الدين، وغيرهم على امتداد العالم العربيّ.
[148] – يتّجه الفكر الأوروبيّ الحديث من ثلاثة اتّجاهات:
1- فلسفة التنوير التي تنظر إلى الدين على أنّه نسيم من الخرافات. وهذه النظرة اعتمدت على العقل كما نرى عند فولتير مع نقده لحكايا الكتاب المقدّس. وقد انتشرت بين الماديّين الفرنسيّين في القرن الثامن عشر، وأصبحت تعرف بالإلحاد المعاصر.
2- يرى هذا الاتّجاه أنّ الدين يستخدم من قبل الطبقة السائدة لفرض هيمنتها على الطبقات الأخرى. ونرى أصول هذا الاتّجاه عند مكيا فللي، وفولتير. وقد وجد له ازدهارًا في الرومنطيقيّة الألمانيّة لا سيّما عند غوته، هيغل، بارو، وجس الذين دعوا إلى التحرّر من الدين.
3- نجد هذا الاتّجاه في فكر فيورباخ ذي النزعة الراديكاليّة وذلك في نقده للدّين. الذي يعدّه اغترابًا للإنسان عن ذاته، وسلبًا لصفاته، ومنها لماهيّة مصطنعة هي الله. ويطلب هذا المفكّر من الإنسان إنّ يلقي الدين جانبًا باعتباره نظامًا معرفيًّا تجاوزه التاريخ، ويقول بوضع الإنسان محلّ الله.
* انظر: هنري آرفون، فيورباخ والتاريخ، تعريب وتقديم: أنور مغيث، مجلّة إبداع، عدد 1، 1988، ص 549.
[149] – يقول عبد الصبور: “دخلت في سن الخامسة عشر إلى عالم غريب مفزع، وهو عالم نيتشه. أي دوار يخلخل الروح عرفته بعد قراءة هذا الكتاب (يقصد: هكذا تكلّم زرادشت)، وفلاسفة قليلون من بين البشر يستطيعون أن يؤثّروا في الوجدان البشريّ كما يؤثّر نيتشه. هؤلاء فلاسفة الروح الذين تصطبغ فلسفتهم بالشعر… إنّ نيتشه ظلّ أسير نفسي”.
* صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 69.
*وراجع وائل غالي، الشاعر المفكّر، مجلّة القاهرة، عدد 166، ص 40 – 41.
[150] – نسبة إلى تشارلز دارون صاحب كتاب: “أصل الأنواع”، وهذا من الكتب المُهِمَّة التي أثّرت في الفكر العربيّ الحديث من أمثال: فرح أنطوان، وشبلي الشميّل…
[151] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 149.
[152] – المرجع نفسه، ص 50.
[153] – تضاربت الآراء حول ولادة هوميروس شاعر الملحمة العظيم “الإلياذة” لكن الثابت هو رأي هيرودوت (القرن الرابع قبل الميلاد) الذي يقول: إنّ ولادة هوميروس في القرن التاسع قبل الميلاد من أبوين مغمورين في إحدى المدن الأيونيّة بآسيا الصغرى.
* محمّد صقر خفاجة، الإلياذة، تراث الإنسانيّة، مجلد – 1 -، ص 321.
[154] – عبده محمّد بدويّ، الشعر في وادي النيل، مجلّة العربيّ، عدد 375، 1990، ص 38.
[155] – يقول عبد الصبور عن السرياليّة: “فتنتني السرياليّة في ذلك الوقت (السبعينيّات) كثيرًا بعالمها الغامض… إنّك تكتب عن وعيك الباطن، ثمّ تدوّن ما تشاء على طريقة الكتابة الآليّة (Ecriture auomatique)، وقد كتبت بضع مقطوعات سرياليّة ثمّ أصابني اليأس من هذه اللعبة فكففت عن الشعر”.
* صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 92.
[156] – المرجع نفسه، ص 92 – 93.
[157] – المرجع نفسه، ص 93.
[158] – إنّ المادّيّة الجدليّة كان لها النصيب الوافر من أنّها فلسفة اقتصاديّة تستهدف “نقد المجتمع الرأسماليّ”.
ومبدعا هذه النظريّة هما كارل ماركس، وفردريك انجلر اللذان وضعا قواعد للنقد في كتاباتهما المختلفة الاتّجاهات.
* قارن: المرجع نفسه، ص 99.
[159] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 109.
[160] – رأى بعض المفكريّن موقفًا في قضيّة الشرّ في العالم، فمنهم من يراه في الطبيعة (عواصف، بروق، …) فاتّحدوا بها كالبدائيّين، والرومنطقيّين. أمّا الذين رأوا أنّ الشرّ نابع من البشر فقد اتّحدوا بالإنسانيّة، وقد برّروا أخطاء البشر بأنّها نوع من الحركة الداخليّة للجسم. ورأى آخرون أنّ الشرّ مقدور من الغيب فاتّحدوا بالقضاء والقدر. من هنا نشأت بعض مذاهب الوجود كما عند المهجريّين.
*المرجع نفسه، ص 161.
[161] – المدرسة الأبيقوريّة: نسبة إلى أبيقوس (341 – 370 ق.م) الذي أسّسها. من أهمّ مبادئ هذه المدرسة:
– سعادة الإنسان في اللذّة والابتعاد عن الألم وما تضطرب له النفس.
– إنّ الجسم والنفس مكونان من ذرّات (Atoms)، والجسم شرط النفس، فقد ولدا معًا ويفنيان معًا.
– إنّ الإحساس ينعدم بعد انفصال الجسم عن الروح.
– عدم تدخّل الآلهة في الحياة الخاصّة للإنسان، لأنّهم يعيشون في أماكن بعيدة، ولهذا فلا داعي للخوف من الآلهة ومن الموت.
* أحمد عبد الحليم أبو زيد، عن الصداقة لشيشرون، تراث الإنسانيّة، مجلّد – 3 -، ص 944.
[162] – وائل غالي، الشاعر المفكّر، مجلّة القاهرة، عدد 166، ص 4، قارن: صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 95.
[163] – بسبب هذا الطغيان قامت في أوروبا حركة الإصلاح الكنسيّ البروتستانتيّ عام 1517 على يد مارتن لوثر ضدّ اقطاع رجال الأكليروس بعد أن طغت الطقوس الشكليّة على النصّ الدينيّ لجهة التفسير، والنظم الاجتماعيّة. وقد أدّى دخول العنصر الفلسفيّ في تفسير هذا النصّ إلى الإساءة بشكل عامّ. وكأنّ المعرفة هي مصدر الحزن.
* أنظر: عز الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، ص 355.
[164] – عز الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، ص 355.
[165] – إنّ اللغة العادة عندما تندرج في سياق القصيدة تتصفّى رمزًا ولغة لأرضيّة تكمن في أغوار الكلمة المألوفة، فتعطينا بديلًا موضوعيًّا عن التأمّل الإنسانيّ في كلّ زمان ومكان.
* دزيره سقال، الأرض الخراب والشعر العربيّ الحديث، ص 23 – 24.
[166] – عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 183.
[167] – مختار عليّ أبو غالي: المدينة في الشعر العربيّ المعاصر، ص 347.
[168] – لقد استخدم الشاعر التراث الأسطوريّ باتّجاهاته المتعدّدة، ونرى رمز السندباد “ألف ليلة وليلة”، ورمز الطفل “الأساطير الإغريقيّة” ليرمز به إلى “كيوبيد” إله الحبّ: فكتب حوله قصائد عدّة مثل “الإله الصغير”، “العائد”، “طفل”. ورمز الطفل في هذه القصيدة غير محدّد المعنى لأنّه ينفلت من بعده القاموسيّ ليتحوّل إلى مساحات أخرى تختلف في اتجاهاتها ودلالاتها، يأخذك إلى حدود جديدة حيث تكتشف عالمًا آخر جديدًا. إنّه فضاء منفتح، أفق من دون حدود، من دون سقف، لأنّ تحديد الرمز يعني قتله كما في قصيدته “البحث عن وردة الصقيع”، والمرأة في قصيدة “أغنيّة في فيينا”، و”الثأر”، و”الوجه الكئيب” فهذه الرموز هي رموز مراوغة وغير محدّدة، فهو في تحوّل مستمرّ من ضمن جدليّة ديناميكيّة لا تعرف الاستقرار… وهدف الشاعر تحريك فكر القارئ ووجدانه (جدليّة العلاقة بين المرسل والمرسل إليه)، ويثير في ذهنه هواء الأسطورة ملتحمة بالتجربة الحديثة متعانقة معها. لذلك فإنّ الشاعر حينما يعود إلى فجر الإنسانيّة ليوقظه فإنّه يستقطب حواس المتلقّي الذي يستثيره لمس جذوره، كذلك فإنّ استخدام هذه الرموز ينقذ القصيدة من السقوط في فخاخ النثريّة، والتقريريّة، وذلك حين يصبح لها أكثر من بعد تدرك من خلاله.
* سميحة غالب، مقتطفات من كتاب لم ينشر بعد، مجلّة القاهرة، عدد 166، 1996، ص 61.
[169] – إنّ علماء الأقوام يفيدون أنّه حتّى إلى ما قبل بضع سنين كان الرجال والنساء في أدغال أميركا الاستوائيّة يتجمعون مع حلول الظلام حول نار المخيم ليستمعوا، بتأثير شديد، إلى قصص آلهة القبيلة وأسلافها. ومن خلال الأساطير التي هي قوام تلك الحكايات، كان كلّ شخص في الجماعة يحسّب أنّه جزء من مجموع، هو في الوقت نفسه، طبيعيّ وفوق طبيعيّ. لأنّ الأسلاف الموتى كانوا أيضًا جزءًا من القبيلة. وكان استظهار قصائد تحكي عن أصل العالم، والأقوام على ضوء النار، يجعل العلاقة بين الطرفين تحيا، وتصبح بالمعنى الدقيق للكلمة حقيقة. وكانت القبيلة لساعة، أو ساعتين تتحوّل إلى جماعة شعريّة تحتوي على الأحياء والأموات.
* اوكتافيو باث، الشعر ونهاية القرن، ص 68.
[170] – إنّ قصيدة عبد الصبور “القناع” بهدفها هي قناع يظهر بعد اختراعه الواقع الآخر الذي يصوّره الشاعر، فانحراف هذه الشخصيّة في القصيدة ودرجة فنّيّتها هي التي تكشف لنا بعض الأضواء على ما يختلج في نفس الشاعر من ميول، وأحاسيس يتمنّى تحقيقها في واقع أسمى، وأفضل.
[171] – إنّ لكلّ شاعر القدرة على الفهم الخاصّ للمادّة التاريخيّة، أو الأسطوريّة، بل فهمه الخاصّ لتاريخ الإنسان الأسطوريّ والواقعيّ على حدّ سواء.
* عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 184.
[172] – هي مجموعة المشاهد في القصيدة الواحدة المنفصل بعضها عن بعض، يكاد كلّ مشهد فيها أنّ يقوم بذاته، لكن لا نلبث أنّ ندرك أنّ شيئًا ما يصادف في كلّ مشهد وكأنّه قناع يتغيّر في كلّ مقطع.
* عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، ص 166.
[173] – أوكتافيو باث، في الشعر والشعراء، شعر عدد 28، خريف 1963، ص 85.
[174] – المرجع نفسه، ص 81.
[175] – المرجع نفسه، ص 84.
[176] – المرجع نفسه، ص 86.
[177] – المرجع نفسه، ص 87.
[178] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 165.
[179] – أحمد كمال زكي، قضيّة الشعر الحديث، الفيصل، السنة الخامسة، عدد 59، جمادي الأولى 1402 هـ، 5 آذار 1982، ص 21.
[180] – المرجع نفسه، ص 21، وقارن: أحمد سليمان الأحمد، هذا الشعر الحديث، ص 205 وما بعدها، وًخصوصًا هامش رقم 104، ص 221.
فالباحث أحمد سليمان الأحمد مثلًا يأخذ على البياتيّ كثرته في استخدام الأسماء التراثيّة على اختلاف عصورها، من أدباء ومدن، فالبياتيّ يقفز بين هذه الأسماء، ويحاول أن يجد رابطة تفتعلها الرمزيّة، والقارئ حائر، في الجري وراء كلّ هذا.
ونرى أحمد كمال زكي في مقالته قد أوجز ما كتبه عن فرّوخ، وأحمد سليمان الأحمد.
[181] – رأى فرّوخ أنّ قصيدة النثر هي كارثة بحقّ ما ورثناه عن الأقدمين.
– أحمد سليمان الأحمد، هذا الشعر الحديث، ص 169، هامش رقم 79، أيضًا ص 196، وهو يسمّي أصحاب الشعر الحديث وخصوصًا مجلّة “شعر” و”مواقف” بأنصار الشعوبيّة، ونتاح الحرّ بنتاج الخوارج.
* أحمد سليمان الأحمد، المرجع نفسه، ص 21.
[182] – لقد هزّ أليوت بهذا العمل أفكار الرومانسيّين، والانطباعيّين القائلين “إنّ الشعر فيض تلقائيّ لإحساس داخليّ” أو هو هروب من شخصيّة قائله على مواقف يبتكرها، وأشياء يضعها إزاء ما هو موجود حقيقة، وكأنّها تناظره في كونها تخبرنا – مثله – توافقه مع الحياة. وهذا ما عرف بـ”الصدق الفنّيّ” الذي ينبع من منطق القصيدة،، أو من موضوعيّتها بكلّ تفصيلاتها، أبعادها كالشعر الدينيّ مثلًا.
* أحمد كمال زكي، قضيّة اللغة في الشعر، ص 19.
[183] – كان الشاعر الجاهليّ في وقوفه على الطلل يحاول عرقلة الزمن، وإرجاعه من خلال ذكرياته التي يستعيدها عند رؤيته تلك الأطلال. فالأشياء باتت كالأشخاص تركض وتتكلّم، وهذا خاصّة من خصائص الشعر الحديث، ولا يكاد ديوان شعر في هذا الشعر يخلو من هذه الخاصيّة.
* عبد الحميد جيّدة، ويبقى الشعر، الفيصل، السنة الثالثة، عدد 35، جمادي الأولى 1400 هـ، مارس – أبريل، 1980، ص 29.
[184] – المرجع نفسه، ص 29.
[185] – منح خوري، الشعر بين نقّاد ثلاثة، ص 104.
ويمكن القول إنّ لغة الشعر في هذه الأيّام – ولغة الفكر والأدب بوجه عامّ – وصلت بفضل مثقفيها المخلصين إلى درجة عالية من الانمياز، ولعلّها ترجع، إذا وضعت إحدى كفّتي ميزان، مقابلًا للغة التي ألّف بها عبد الحميد الكاتب، وابن المقفع، والجاحظ، وأبو حيّان التوحيديّ، والمعرّيّ على الأقلّ في أنّها لم تعد تعطي للعقل المقلّد سلطانه المطلق.
* أحمد كمال زكي، قضيّة اللغة في الشعر، ص 20.
[186] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 168.
[187] – المرجع نفسه، ص 176.
[188] – خليل الموسى، في لغة الشعر الحديث، الموقف الأدبيّ، عدد 126، تشرين الأوّل 1981، ص 8. وقارن سارتر، ما هو الأدب، تعريب: محمّد هلال، دار العودة، بيروت، 1984، ص 8.
[189] – لقد عمل السرياليّون على الانغماس في اللاوعي لإبقائه مفتوحًا على مصراعيه في مغامرة ضدّ العقل وكلاسيكيّته لانتهاك حجاب الواقع، والوصول إلى نقطة التلاقي بين المتناقضات لتوحيدها.
*خليل الموسى، في لغة الشعر الحديث، ص 13.
[190] – المرجع نفسه، ص 16.
[191] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 176-177.
[192] – عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر، ص 382.
[193] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 176.
[194] – خالدة السعيد، حركيّة الإبداع، ص 92.
[195] – منح خوري، الشعر بين نقّاد ثلاثة، ص 20.
[196] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 178.
[197] – صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ص 179.