العمل شرف ومتعة
العمل شرف ومتعة
د. محمّد أمين الضنّاويّ[1]
العمل من أهمّ مصادر الرزق التي ينعم بها الإنسان في الحياة، لأنّه بالعمل يضمن المرء استمراريّة العيش عيشة كريمة في الحياة، وبالعمل مع الكدّ والتعب يحصل الإنسان على لقمة عيشه بطريقة شريفة خالية من الشوائب، وبذلك يحظى بقيمة أكبر بين الناس في مجتمعه، ويُحترم ويُقدّر أكثر بكثير من الإنسان الخامل الذي لا يعمل، فقد قال النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) في ذلك: “إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ”[2].
إنّ العمل بحدّ ذاته هو عبارة عن الطاقة أو الجهد الحركي الإراديّ والواعي الذي يقوم به أيّ إنسان عاقل من أجل تحصيل، أو إنتاج شيء معيّن، مثل السلع والخدمات التي ينتج عنها إشباع لحاجة معيّنة مساعدة على تسهيل سبل العيش من دون الحاجة إلى سؤال عن المساعدة التي تكسر نفس السائل.
حثّ الإسلام المؤمنين على العمل بصدق وشرف وإتقان، فمن هنا نتبيّن أنّ موقف الإسلام من العمل والعمال موقف محفّزٌ رافض للكسل والخمول عند الإنسان، فدعاه إلى العمل بجهد لتحصيل الرزق، وذلك ليكون رزقه حلالاً فيتمتّع بطيّبات الحياة، ويعمل على إعمار الأرض وإصلاحها، وفي ذلك ضرب النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) أروع الأمثلة في العمل، فلم يستخف به، ولم يحتقر العاملين، بل رفع من شأنهم؛ لأنّ العمل في الإسلام أيضًا هو نتاج الجهد لأجل إشباع حاجات الإنسان الضروريّة، ويعدّه نوعًا من أنواع العبادة، وتحقيق لغاية وحكمة اللّه في الأرض، وهي السعي إلى بناء الحياة، وفق مشيئته، وقد ضمن الإسلام تحقيق هذه الحاجات وحثّ على إشباعها وجعلها أمرًا واجبًا أساسيًّا على الإنسان القيام به من أجل رفع مقامه، وصون كرامته، وحماية نفسه ومن يعيلهم من الفقر والعوز، من هنا من غير المقبول أن يتخاذل الإنسان عن العمل، وفي حال عجزه عن توفير حاجاته التي تسدّ رمقه وتكفيه ذلّ السؤال، تؤول مسؤوليّة إشباع هذه الحاجات إلى أفراد من أقربائه، من خلال النفقة، أو الصدقة، من الآباء والأبناء والقادرين على مدّ يد العون لغيرهم، فإذا تعذّر تحمّل مسؤوليّة هذه الكفالة، تصبح بعد ذلك من أوجب مَهمّات الدولة التي يقع على عاتقها تأمين حياة كريمة لأبناء شعبها، وإعطاء الأجر للعامل قبل أن يجفّ عرقه هو من أهمّ الواجبات التي تقع على عاتق الدولة وأصحاب العمل.
من هنا لا بدّ أيضًا من أن يكون العامل نزيهًا صادقًا، إذ من واجباته نحو عمله أن يقوم به على أكمل وجه، فكمّا أنّ للعامل حقوق لا بدّ من توفّرها، حتّى يُنجز أعماله بسرعة وكفاءة، هناك واجبات عليه أن يلتزم بها نحو العمل وصاحبه، ومن هذه الواجبات: القيام بأداء عمله بعناية وكفاءة. احترام أوقات العمل المتفّق عليها. تنفيذ تعليمات أصحاب العمل. عدم الإضرار بمصلحة صاحب العمل، والحفاظ على السرّ المهنيّ للعمل.
[1] – أستاذ جامعيّ سابق، وأحد رئيسَيْ تحرير مجلّة أوراق ثقافيّة، مجلّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، ومدير تحريرها، له العديد من المؤلَّفات.
[2] – رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4261، أخرجه في صحيحه.
