foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

صناعة المعجم اللغويّ (دراسةً وتأليفًا)

0

صناعة المعجم اللغويّ (دراسةً وتأليفًا)

The Linguistic Dictionary Industry: Study and Authorship

Jihan Rafik Kassem جيهان رفيق قاسم[1]

2- الملخّص

“المعجم” سِجِلُّ حضارةٍ عُظمى وتُراثٍ قَيِّم، لأنّه يحوي بين دفَّتَيه ميراث “الكلمة” جِذرًا واشتقاقًا ودلالةً وكلّ ما يتعلّقُ بها فعلًا كانت أو اسمًا. وهو كالمصنع الذي يجمع ما تفرَّقَ من الكلمات ليصوغها في أجمل حُلّة، ثمَّ يصقلها لتكون جوهرةً ثمينةً بين يدَي القارئ والباحث والمتخصِّص، ومادّةً قيّمةً تترجِم الحضارة والتراث. وفي هذا البحث “صناعة المعاجم دراسةً وتأليفًا، سنعرضُ عدَّة أبوابٍ لأربع دراساتٍ متنوِّعةٍ تتعلَّق بصناعة المعاجم، ثمّ يليها بالتدريج تعريف المعاجم، وصناعتها، بِنَظَر المتخصِّصين والدارسِين، واللغويّين، ومن وجهة ِنَظَر الغربيّين. و”أنواع المعاجم”، ثمَّ الخاتمة وتختصر أهمّيّة الصناعة، تحديدًا “صناعة الكلمة” وبالتالي “صناعة المعاجم”. تلك الصناعة التي تفوقُ صناعة الذهب، بل الألماس في قيمتها وجَودتِها.

الكلمات المفاتيح: علم المعاجم(1) – صناعة المعاجم – المعجم التاريخي للغة العربيّة

Abstract

The “lexicon” is a record of a great civilization and a valuable heritage as it encompasses, between its pages, the legacy of the word, ranging from its root, derivation, meaning, and everything related to it, be it a verb or a name. Dictionaries are like factories, made to collect dispersed words and formulate them in the most fascinating way, refining them into not only precious gems in the hands of the reader, researcher, and specialist but also into valuable materials that reflect both civilization and heritage. In this research The Dictionary Industry and Its Development. The Manufacture of Dictionaries in the Eyes of Specialists”: scholars, linguists, and Westerners, respectively. And the Types of Dictionaries. Then the Dictionary Industry. The importance of this industry, namely the “word industry” and thus the “dictionary industry,” which exceeds the gold and even diamond industries in value and quality.

Keywords: Lexicolog – Lexicography – The historical dictionary of the Arabic language.

3- المقدّمة

عرف العرب منذ القِدم علم المعاجم وإن لم يكن بالمصطلح المتعارف عليه حديثًا. ولكن كان جلّ اهتمامهم بعيدًا كلّ البعد عن علم المعاجم وصناعة المعاجم كدراسةٍ محضة، ويعود سبب ذلك إلى انكباب علمائهم على الغوص في علوم القرآن الكريم تجويدًا وتفسيرًا وفي الحديث الشريف ضبطًا للسند والمتن بكلّ دقةٍ وموضوعيّة. أمّا ما يشهده عصرنا الحاليّ هو صورةٌ غير مسبوقة عمّا يسمّى بثورة “علم المعاجم” و”صناعة المعاجم” فقد تغيّرت وجهة اهتمامات العلماء إلى قبلة هذا العلم وتلك الصناعة. فظهرت أبحاثٌ عديدة ودراساتٌ متنوّعة ومؤلفاتٌ لا تعدّ ولا تحصى، كلّها تتناول موضوع المعاجم تعريفًا وعلمًا وصناعةً وأنواعًا… فصار كما يقال: “علم نضج حتّى كاد يحترق”.

  4- تحديد الموضوع

صناعة المعجم اللغويّ دراسةً وتأليفًا: سنتناول في بحثنا تعريف المعاجم عامّةً ثمّ تحديدًا تعريف صناعة المعاجم، بعدها أهداف صناعة المعاجم، يليها صناعة المعاجم عبر التاريخ، بعدها موضوع وظائف المعجم، ثمّ معايير صناعة المعجم، يليها صناعة المعاجم بنظر المتخصّصين (الدارسين – اللغويين – الغربيين)، ونختم بأنواع المعاجم التي أردفنا بعدها تفصيلًا حول المعجم التاريخيّ للغة العربيّة.

5- ضرورة البحث

    هذا البحث يلقي الضوء على عدّة دراساتٍ محورُها صناعة المعاجم لبلورة فكرةٍ توضيحيّةٍ عن المواضيع التي تطرّق إليها المهتمون بها. وقد اخترنا من هؤلاء الدكاترة الأفاضل: د. أحمد عزوز، د. عبد الرحيم بن داود، د. الجيلالي بو عافية، د. عبد القادر بو شيبه، د. أمحمد المستغانمي. ولكي نثري ثقافتنا ونتبحّر في دراساتهم القيّمة حول صناعة المعاجم والتي ألقي بعضها كمحاضراتٍ في الجامعة، وكبحثٍ في مرحلة الدكتوراه، وكلقاءات على هامش ورش عملٍ أو في برامج تلفزيونيّة.

6- هدف البحث

   يهدف هذا البحث إلى شفاء غليل محبّي اللغة العربيّة وخاصةً المعاجم وللباحثين عن مفردات اللغة العربيّة ومعانيها ودلالاتها في الماضي والتطورات الناجمة مع مرور التاريخ وصولاً للعصر الحاليّ والرؤية الاستشرافيّة لمستقبل المعاجم من خلال عرض تطوّر المعاجم ودراستها عبر العصور.

7- أسئلة البحث

  • كيف عرّف بعض الباحثين “المعاجم” و”صناعة المعاجم”؟
  • ما هي أهداف صناعة المعاجم؟
  • كيف نشأت المعاجم؟ وكيف تطوّرت عبر التاريخ؟
  • ما هي وظائف المعاجم السبعة؟
  • ما هي معايير صناعة المعاجم؟ ما هي الإجراءات والعمليات التي تتمثل في معيار الهدف؟
  • كيف نظر الدارسون واللغويون والغربيون إلى صناعة المعاجم؟
  • ما هي أنواع المعاجم السبعة؟ ومتى نشأ المعجم التاريخي للغة العربيّة؟ وما هو دوره؟ وما هي أهميته؟ وما الفرق بينه وبين المعاجم الأجنبيّة؟ وما هو منهجه في العمل؟ وما هي مراجعه؟

8- خلفيّة البحث

اعتمدنا في بحثنا هذا على أربع دراساتٍ مهمّةٍ جاءت على التوالي:

  • د. أحمد عزوز ودراسته “صناعة المعاجم العربيّة وآفاق تطوّرها”.
  • د. عبد الرحيم بن داود ودراسته “الصناعة المعجميّة في الدرس اللسانيّ الحديث”.
  • د. الجيلالي بو عافية ودراسته “علم صناعة المعاجم مفهومه وقضاياه”.
  • د. عبد القادر بو شيبه ودراسته “محاضرات في علم المفردات وصناعة المعاجم”.

وورش عملٍ ومقابلاتٍ ولقاءات تلفزيونيّة أجريت مع د. أمحمد المستغانمي حول “المعجم التاريخي للغة العربيّة”.

هذه الدّراسات والمقابلات تناولت بمجملها موضوع صناعة المعجم اللغوي بكلّ أبعاده، فجمعنا منها تعريفاتٍ متعدّدة لصناعة المعاجم، وضَمَمْناها في بوتقةٍ واحدةٍ. وكذلك فعلنا في أهداف صناعة المعاجم وتطوّرها عبر التاريخ ووظائفها ومعايير صناعتها ونظرة المتخصّصين إليها وأنواعها. فأفردناها أبوابًا وختمناها برؤيةٍ شخصيّةٍ تلخّص هذه الدّراسات حول صناعة المعاجم.

9- منهج البحث

منهج البحث هو منهجٌ تجميعيٌّ انتقائيٌّ بحتٌ لأنّ الدراسات التي بين أيدينا هي دراساتٌ قائمةٌ على حقائق علميّةٍ مأخوذة من لغوّيين متخصّصين ومن صنّاع معاجم عرقين في التاريخ أمثال “الخليل بن أحمد الفراهيديّ”. لذا اقتصرت وظيفتنا على جمع المعلومات المرتبطة بكلّ بابٍ من أبواب بحثنا على حِدة، ولم نبدِ مقارنةً ولا رأيًا شخصيًّا حول أفضليّة دراسةٍ على أخرى، بل ختمنا كلّ بابٍ بتلخيصٍ أسميناه تلخيصًا شخصيًّا اتّسم بالموضوعيّة والحياديّة المحضة.

صناعة المعجم اللّغويّ: دراسةً وتأليفًا

قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (سورة لقمان الآية: 27). وقال أيضًا: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ (سورة الكهف الآية: 109). وقال أيضًا: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ (سورة آل عمران الآية: 45). ذُكِرَت لفظة “كلمة” في القرآن ثمانيَ وعشرين مرّة، ولفظة “كلمات” أربعَ عشرةَ مرّة. و”الكلمة” أصل بُنية المعاجم، وهي أساس وجودها، والمعاجم لم تكن لتولَد إلّا مِن رَحِم الكلمة. ولكي تُضْبَطَ الكلمةُ ويُجمَع مخزونُها الثريُّ وتُعرَف دلالاتُها في شتّى وجوهها، صُنِعَت المعاجم، فكانت هي المؤَلَّفَ والديوانَ الذي يضمّ بين دفَّتَيه ميراث “الكلمة” و”الكلمات”.

وقد قال الدكتور عبد الرحيم بن داود في مقدّمة دراسته “الصناعة المعجميّة في الدرس اللسانيّ الحديث” (جامعة القاضي عياض مراكش المغرب): لا يستطيع إنسان ما، مهما بلغت درجة علم وثقافته أن يحيط باللغة، فاللغة محيط واسع أوتي كل ّإنسان منا حظّه ونصيبه منها، هذا النصيب يكبر ويصغر على قدر علم الإنسان وثقافته، وكثيرًا ما تقابلنا كلمات لا نعرف معناها على وجه التحديد، وأحيانا تصادفنا كلمات نجهل اشتقاقها الصحيح، وأحيانا أخرى تتشابه علينا بعض الألفاظ فلا نكاد نميز ضبطها أو دلالة كلّ منها. ممّا يحتّم علينا التأكد من معناها وسلامة اشتقاقها وصحّة ضبطها، ولعل خير وسيلة إلى ذلك هي الرجوع إلى أحد المعاجم اللغويّة. هذه المعاجم التي باتت مطلبا حضاريًّا يتجاوز تحقيقها الوفاء بالجانب اللغويّ إلى وفاء بمتطلبات كثيرة تحتاج إليها علوم متعددة تشمل مناحي الحياة الدينيّة الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة… في سبيل فهم دلالات الكلمات في سياقاتها المتعدّدة.

       وقال الأستاذ الجيلالي بو عافية في تمهيدِ دراستهِ “علم صناعة المعاجم مفهومه وقضاياه” (بحث في مرحلة الدكتوراه/ مخبر المعالجة للّغة العربيّة بجامعة تلمسان): تعدّ المعجميّة أحد أهم روافد اللسانيّات الحديثة وهي على حداثتها كنظريّة أو مقاربة، كانت محل اهتمام علماء اللغة في مختلف الحضارات، وكانت الحضارة العربية أكثر هذه الحضارات إسهامًا في الصناعة المعجميّة لما أنتجته من معاجم عبر العصور، وكانت المعاجم سنام وثمار الدرس اللغويّ العربيّ لأنّ المعجم هو نظريّة متكاملة. فلم ينجز الخليل معجمه إلّا بعد أن استكمل جوانب اللغة المختلفة دراسة وتعمقًا، فقد كان الخليل نحويًّا وصرفيًّا ولغويًّا ودلاليًّا وعالم أصوات، ثمّ قدّم لنا زبدة وخلاصة علمه في إنتاج معجم عظيم هو معجم العين المشهور، وقد كان نتيجة تأمل وتعمّق كبير في المسألة اللغويّة. والمعجميّة هي الآن في العصر الحديث مشغل جوهري من مشاغل مؤسّسات علميّة وتربويّة رائدة وأساسيّة وهي محلّ اهتمام الباحثين، شغلهم الشاغل هو تحقيق نظريّة معجميّة متكاملة. إلّا أنّ هذا الهدف يعتوره كثير من المشاقّ والمصاعب، لأنّ المعجميّة هي من أعسر المسائل اللغويّة دراسةً، فهي تستعصي على الخضوع لنظام يعمل على قوانين وقواعد مطرّدة سعت نظريات مختلفة إلى إقرارها، وهذا يعود في نظرنا إلى أن المعجميّة نظريّة وصناعة، هي في تآزر وارتباط شديد مع العلوم المجاورة لها، وأنّها بحاجة إلى التخلّص شيئًا فشيئًا منها لتحقّق استقلاليّتها ووضوحها. ويكاد يتفق علماء المعجميّة على أنّ هذه الأخيرة هي ذات رافدين أساسيّين هما؛ علم المعاجمLexicology، وعلم صناعة المعاجمLexicography. وفي هذا البحث “صناعة المعاجم دراسةً وتأليفًا” سنحاول توضيح بعض المسائل التي تتعلّق بعلم “صناعة المعجم”، من خلال أربع دراساتٍ فَصَّلَتْ في تعريف المعاجم وتعريف صناعة المعاجم، وفي أهداف صناعة المعاجم وتطوُّرها عبر التاريخ، وفي وظائفها ومعايير صناعتها، وكيف هي بنظر الدارسين واللغويّين والغربيّين. وفي أنواع المعاجم اللغويّة، منها المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة، الذي لم ينتهِ تأليفهُ حتّى تاريخ إنشاء هذا البحث.

أوّلًا: تعريف المعاجم

       لقد عرَّف الدكتور عبد الرحيم بن داود في كتابه “الصناعة المعجميّة في الدرس اللسانيّ الحديث” (جامعة القاضي عياض مراكش المغرب) بما يلي: تفيد مادّة عجم في اللغة معنى الإبهام والغموض، ففي لسان العرب: “الأعجم الذي لا يفصح ولا يبين كلامه” وفيه “رجل أعجميّ وأعجم: إذا كان في لسانه عجمة، وفيه سميت البهيمة عجماء لأنّها لا تتكلّم”(2)، وأعجمت الكتاب ذهبت به إلى العجمة، وقالوا حروف المعجم، فأضافوا الحروف إلى المعجم(3). وفي حديث ابن مسعود: “ما كنّا نتعاجم أن ملَكًا ينطق على لسان عمر” أي ما كنّا نكنّي ونوَرّي. وكلّ من لم يفصح بشيء فقد أعجمه واستعجم عليه الكلام: “استبهم”(4) وسمّى العرب بلاد فارس بلاد العجم لأنّ لغتها لم تكن واضحة ولا مفهومة عندهم. ويقول ابن فارس: “العين والجيم والميم ثلاثة أصول: أحدها يدلّ على سكوت وصمت، والآخر على صلابة وشدّة، والآخر على عضّ ومذاقة. فالأول: الرجل الذي لا يفصح، وهو أعجم، والمرأة عجماء بيّنة العجمة. قال أبو النجم: أعجم في آذانها فصيحًا. ويقال عجم الرجل: إذا صار أعجم مثل سَمُرَ وأَدُمَ، ويقال للصبي ما دام لا يتكلم ولا يفصح: صبيّ أعجم، ويقال: صلاة النهار عجماء، إنمّا أراد أنّه لا يجهر فيها بالقراءة، وقولهم: العجم الذين ليسوا من العرب، فهذا من القياس كأنّهم لما لم يفهموا عنهم سمّوهم عجمًا، ويقال لهم عجم، قال:

ديار مية إذ هي تساعفنا        ولا يرى مثلها عجم ولا عرب(5)

وهكذا نجد أنّ استعمال العرب لهذه المادّة وما تصرف من ألفاظها إنّما هو للدّلالة على الإبهام والخفاء. فإذا أدخلنا الهمزة على الفعل “عجم” ليصير “أعجم” اكتسب الفعل معنى جديدًا من معنى الهمزة (أو الصيغة) الذي يفيد هنا السلب والنفي والإزالة، ففي اللغة أشكيت فلانا: إذا أزلت شكايته. ومنها قسط وأقسط، حيث تفيد الأولى ظلم والثانية عدل أو (أزال الظلم). ولهذا ذمّ الله عزّ وجلّ القاسطين في قوله: ﴿وأَمَّا القاسِطُونَ فَكَانُوا لِجهَنَّمَ حَطَبًا﴾(6)، ومدح المقسطين في قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾(7). وعلى هذا يصير معنى أعجم أزال العجمة أو الغموض أو الإبهام، ومن هنا أطلق على نقط الحروف لفظ “الإعجام” لأنّه يزيل ما يكتنفها مِن الغموض(8). وقد وضّح ذلك ابن جنّيّ حين قال: “ثمّ إنّهم قالوا: أعجمت الكتاب: إذا بينته وأوضحته، فهو، إذًا، لسلب معنى الاستبهام لا لإثباته(9). ومن هنا أيضًا جاء لفظ “المعجم” بمعنى الكتاب الذي يجمع كلمات لغة ما، ويشرحها ويوضح معناها ويرتبها بشكل معين. وتكون تسمية هذا النوع من الكتب معجمًا إمّا لأنّه مرتب على حروف المعجم (الحروف الهجائي)، وإمّا لأنّه قد أزيل أيّ إبهام أو غموض منه، فهو معجم بمعنى مُزال ما فيه من غموض وإبهام(10). وبذلك أمكننا القول بأنّ مصطلح معجم يطلق على الكتاب المرجعيّ الذي يضمّ كلمات اللغة ويثبت إهجاءها ونطقها ودلالتها واستخدامها ومرادفاتها واشتقاقها أو أحد هذه الجوانب على الأقلّ. ويذهب الحناش إلى أنّ مفهوم مصطلح “المعجم” lexique يختلف عن مفهوم مصطلح “قاموس dictionnaire”، إذ إنّ هذا الأخير عبارة عن تجميع للكلمات مع ذكر مقابل لها بنوع من الميكانيكيّة. في حين أنّ المعجم يهتمّ بمجموعة من الوحدات التي تكوّن لغة ما(11)، داخل مقاطعة لسانيّة محدّدة، فتهتمّ باختصاصات الأفراد المختلفة في المجتمع، كما أنها قد تهتمّ بمعجم كاتبٍ ما. وبذلك يكون القاموس dictionnaire  امتدادًا للمعجم lexique وليس بمستقلّ عنه، فالقاموس هو رصيد معرفيّ جزئيّ مستخرج من المعجم الذي هو الرصيد اللسانيّ العامّ الذي تكوّن الوحدات فيه الوحدات اللغويّة الأساسيّة في لغة جماعة لغويّة ما. ثمّ إنّ المداخل المعجميّة التي يشتمل عليها القاموس هي وحدات معجميّة قد أخذت من المعجم، فهي تنتقل من رصيد كلّي إلى رصيد جزئيّ، لكنّ انتقالها لا يُغير من هويّاتها اللغويّة، “فهي تنتقل إلى القاموس بمكوّناتها وخصائصها التي لها في المعجم. ومكوّناتها في كليهما ثلاثة هي:

* المكوّن الصوتيّ./ * المكوّن الصرفيّ./ * المكوّن الدلاليّ”.(12)

وخصائصها في كليهما أربع:

  1. التأليف الصوتيّ: (la forme phonologique)إذ لا بدّ لكلّ وحدة معجميّة – إذا كانت بسيطة أي مفردة – من تأليف صوتيّ تستقلّ به عن غيرها من الوحدات إلّا في حالة الاشتراك اللفظيّ.
  2. البنية الصرفيّة: structure morphologique)) إذ لا بدّ لكلّ مفردة من بنية صرفيّة ذات تكوُّن صرفيّ وصيغة صرفيّة تُقاس عليها la forme morphologique)) وتنتمي إليها انتماءً جدوليًا.
  3. المغزى المعجميّ: la signification lexicale)) أي الدلالة في معناها اللغويّ العام.
  4. الانتماء المقوليّ: (appurtenance categorielle) إذ لا بدّ أيضًا لكلّ مفردة من أن تنتمي إلى إحدى المقولات المعجميّة: فتكون إمّا اسمًا وإمّا فعلًا وإمّا صفة وإمّا ظرفًا وإمّا أداةً.

     ويُضيف الدكتور عبد الرحيم داود في تعريف المعجم (من كتابه “الصناعة المعجميّة في الدرس اللسانيّ الحديث” جامعة القاضي عياض مراكش المغرب): قائلًا إنّه كتابٌ يحمل في جوفه اللغة بأسرها صرفها ونحوها ودلالتها وقدرًا لا يستهان به من برجمياتها التي تربط منظومة اللغة بخارجها، ومن أمثلة هذه البرجميّات ارتباط الأداء اللغويّ بالمقام الذي يجري فيه الحدث اللغويّ، وليس هناك أدلّ على ذلك من المقولة الشائعة: لكلّ مقام مقال”(13). وتبقى من أبرز ملامح الثورة المعجميّة هذه:

– الانتقال من مستوى الحرفة إلى الضبط العلميّ، حيث شهدت الساحة العربيّة منذ منتصف السبعينيات الانتقال من صناعة المعاجم إلى علم المعاجم الذي يسعى (باعتباره علمًا) مثل نظيره النحويّ إلى تفسير الظواهر المعجميّة والكشف عن آليات التوليد المعجميّ والتحوّلات المعجميّة المتمثلة في الاستعارة ومظاهر الإزاحة الدلاليّة الأخرى. ويقصد بهذا التوسيع أو التضييق في معاني الكلمات مواكبة لتطوّر استخدامات اللغة في مختلف المجالات المعرفيّة.

–  بزوغ ما يعرف بالمعجم الذهنيّ كنظير للنموذج الذهنيّ النحويّ الذي وضعه “شومسكي” على صعيد النّحو. ويسعى هذا المعجم الذهنيّ إلى تفهم العمليّات الذهنيّة المعجميّة، خصوصًا فيما يتعلّق بكيفية إجلاء اللبس في معاني الكلمات، وفقًا لسياقها، كذلك انتقاء الكلمات المناسبة للتعبير عن معنى محدّد بعينه.(14)

– انتشار وظهور المعجم الحاسوبيّ المعتمد بالأساس على ما تتيحه تقنيات الحوسبة من وسائل عرض المعلومات اللازمة وتقديمها. كالصوت، والتحليل الصرفيّ، والتحليل النحويّ، والخطوط الجميلة، والألوان الجذابة، والصور الحقيقيّة غير المرسومة… ويحرص هذا المعجم على تقديم خدمة سريعة للمتعلّم والباحث بنقرة واحدة، لكونه مزودًا ببرمجيات مساندة تتألف من محلّل صرفيّ، ومحلّل نحويّ، ومدقّق إملائيّ، وتدريبات إعراب يختلف تمام الاختلاف عن المعجم الورقيّ الذي تبقى مادّته محدودة مهما كبر حجمه، وتتمثّل هذه المحدوديّة في انتقاء عدد محدّد من المداخل ومشتقاتها وما يرتبط بها من موادّ أخرى، وغالبًا ما يكون الحجم عاملًا مهمًّا في تصميم المعجم الورقيّ وبنائه، لذلك فإنّه يعتمد على المختصرات والإشارات المرجعيّة بكثرة، اختصارًا للمساحة الورقيّة، فنجده يحرص على أن يوفّر للمتعلّم الموادّ المطلوبة بأقصر الطرق وأيسرها، لذلك فهو يحاول تقريب المفاهيم بجميع السبل اللغويّة والتوضيحيّة المتيسّرة، كالرسوم التوضيحيّة والمتضادات والمترادفات.(15)        وكان من نتائج هذه الثورة أن اعتبر علماء اللغة “المعجم” فرعًا من فروع علم اللغة التطبيقيّ، وقد بيّنHartman  هذه الصلة قائلًا: “إذا أمكن تفسير علم اللغة التطبيقيّ على أنّه يقدّم حلولًا وأطرًا لمشكلات اللغة فذلك ينطبق على المعجميّة، ويصبح المعجميّ واحدًا من علماء اللغة التطبيقيّ”(16). ولأنّ علم اللغة التطبيقيّ أسبق في الوجود من علم اللغة النظريّ، فقد اعتبر اللغويّون صناعة المعجم أسبق في الوجود من وضع نظريّة له، وعدّوها المحركة لتفكير العلماء في وضع مواصفات قياسيّة له٠‏ وقد عرَّفَ الدكتور أحمد عزوز في دراسته “صناعة المعاجم العربيّة وآفاق تطوّرها” المعاجم بقوله: أطلق على المعجم هذا المصطلح، لأنّه كتاب يجمع أكبر عدد من ألفاظ اللغة، ويرتّبها على نمط معين، ويثبت هجاءها والنطق ويشرحها شرحًا يزيل إبهامها،‏ ويضيف إليها ما يناسبها من المعلومات التي تفيد الباحث، وتعين الدارس على الوصول إلى مراده(17)،‏ مثل مرادفاتها‎،‏ واستعمالاته واشتقاقاتها ‎‏وغيرها.

ولم تعرف كلمة المعجم على حقيقتها العلميّة على نحو ما هي عليه، وإنّما أخذت في التجديد والتجدّد حتى أصبحت تحمل الدلالة التي تتداولها الأقلام الآن. والخلاف في تاريخ نشأة المعجم بوصفه مصطلحًا، لا يستدعي القول إنّه نشأ في القرن الثالث الهجريّ، لأّنهم ربما نظروا في ذلك إلى أنّ بعض الكتب التي ألفت على حروف الهجاء، وصفت بأنّها سارت في ذلك على حروف المعجم. فقد نسب ابن النديم «كتاب معاني العَروض على حروف المعجم» إلى محمد العروضي، ونسب ياقوت الحموي كتاب الأغاني على حروف المعجم لحبيش بن موسى الضبي، ويقال إنّ هذه التسميات إذا كانت تعود إلى المؤلفين أنفسهم، فإنّ نشأة المصطلح تكون في القرن الثالث، أمّا إذا كانت هذه التسميات تعود إلى من كتب عنهم، فإنّ نشأة هذا المصطلح تكون في القرن الرابع»(18). ويرى حسين نصار أنّ معرفة وقت إطلاق هذه الكلمة: «أمر لا يستطاع، لضياع كثير من كتبنا وآثارنا، وعثرنا عليها أوّل مرّة عند أبي القاسم عبداالله بن محمد البغوي مؤلّف المعجمين الصغير والكبير، وقد ولد عام ٢١٤ه، ثمّ أطلقت في القرن الرابع على كثير من الكتب، وأشهرها المعجم الكبير والصغير والأوسط في قراءة القرآن وأسمائه لأبي بكر محمد بن الحسن النقاش الموصلي (٣٥١ه)، ومعجم الشيوخ لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق البغدادي (٣٥١ه)، والمعجم الكبير والأوسط والصغير لأبي القاسم النيراني (ت ٣٦٠ه)، ومعجم الشيوخ لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (ت ٣٧١ه)، ومعجمًا الشيوخ لعمر بن عثمان البغدادي المعروف بابن شاهين (ت ٣٨٥ ه)، ومعجم الصحابة لأحمد بن علي الهمذاني المعروف بابن لال (ت ٣٩٨ه)(19). ولكن ما يلفت الانتباه هو أنّ علماء الحديث ورجاله سبقوا اللغويّين في توظيف مصطلح المعجم، إذ أطلقوه على الكتب المرتبة هجائيًّا وتجمع أسماء الصحابة ورواة الحديث. وأوّل ما عرف كان في القرن الثالث الهجري، وأول كتاب أطلق عليه اسم المعجم هو: معجم الصحابة لأبي يعلى التميمي الموصلي، الذي ولد سنة ٢١٠ه، وتوفّي سنة (٣٠٧ ه)(20). بل يُقال إنّ البخاري من أوائل الذين أطلقوا لفظ معجم وصفًا لأحد كتبه المرتبة على حروف المعجم، ثمّ جاء أبو عبيدة فتعرّض للألفاظ القرآنيّة بالتفسير اللغويّ، ويساوي المجاز عنده طريقة الجواز إلى فهم اللفظة القرآنيّة، فيقول: «لم يحتج السلف والذين أدركوا وحيه إلى النبيّ إلى أن يسألوا عن معانيه، لأنّهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعملهم عن المسألة عن معانيها، وعمّا فيه ممّا في كلام العرب من الوجوه والتلخيص، وفي القرآن مثل ما في الكلام العربيّ من وجوه الإعراب ومن الغريب ومن المعاني»(21). ومن الكتب التي حملت عناوينها مصطلح المعجم ما يأتي:

  • معجم الصحابة لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى (٢١٠ه- ٣٠٧ه).
  • ومعجم الصحابة ومعجم الحديث لأبي القاسم البغوي (٢١٤ه- ٣١٧ه).
  • ومعجم الصحابة لأبي قانع (ت ٣٥١ه).
  • ومعجم الأسامي لأبي بكر الإسماعيلي (٢٧٧ه- ٣٧١ه).
  • ومعجم ابن جميع (٣٠٥ه- ٤٠٢‏ ه)(22).

وطرأ تحوّل دلاليّ على كلمة المعجم، إذ انتقل المفهوم من كتب الحديث والصحابة المرتّبة على حروف المعجم إلى كتاب الكلمات المرتّبة وفقها، وبهذا المعنى ألّف ابن فارس (ت ٣٩٥ه) معجم مقاييس اللغة، والعسكري (ت ٣٩٥ه) المعجم في نقيّة الأشياء، وألّف البكري (ت ٤٨٧ه) معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، وكذلك ألّف ياقوت الحموي (ت ٤٢٦ه) معجم البلدان، وهما كتابان مرجعيّان للأسماء الجغرافيّة، مرتّب كلّ واحد منهما على حروف المعجم، وقبلهما ظهر معجم الشعراء للمرزباني (ت ٣٨٤ه)(23). وما تجدر الإشارة إليه هو أنّ الحركة العلميّة للتأليف المعجميّ تعتبر الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٨٠ه) رائدها، وعلى يده اكتمل منهجها الصحيح، إذ جمع الألفاظ ورتّبها ترتيبًا غير مسبوق، وشرح معانيها، فكان عمله نقطة الانطلاق والنواة الأساسيّة لما ألّفه العلماء بعده، فأضافوا إليها، ونوّعوا فيها، وخالفوه في قليل أو كثير ممّا ذهب إليه (24)، فكان نتيجة هذا التطوّر والتأليف نشوء مدارس معجميّة مختلفة هي:

–  مدرسة التقليبات أو ترتيب الألفاظ بحسب مخارج الأصوات.

–  ومدرسة أواخر الأصول أو بجعل آخر الكلمة بابًا وأوله فصلاً.

–  ومدرسة أوائل الأصول أي بجعل أول الحرف بابًا وآخره فصلاً.

–  ومدرسة الترتيب بحسب الموضوعات أو المعاني وهي المدرسة التي تميّز بها التراث اللغويّ العربيّ في ذلك الزمان.

تلخيصٌ شخصيّ لباب “تعريف المعاجم”

يستقيم لي أن تكون لفظة المعجم تعني الكتاب الذي يجمع كلمات لغة ما ويشرحها ويوضح معناها. ويرتبها بشكل معيّن، وليس من الأعجميّة غير العربيّة. ويثبت هجاءها والنطق بها. ويضيف إليها ما يناسبها من المعلومات التي تفيد الباحث وتعين الدارس على الوصول إلى مراده.    وإنّ اختلف في أوّل من أطلق لفظة “المعجم” وصفًا على كتابه فالواضح بأنّ الخليل بن أحمد الفراهيدي هو رائد هذه اللفظة، لأنّ الحركة العلميّة للتأليف المعجميّ رأت بأنّه هو أوّل من جمع الألفاظ ورتّبها ترتيبًا غير مسبوق وشرح معانيها. فكان علمه بالنسبة إليها نقطة الانطلاق والنواة الأساسيّة لما ألّفه العلماء بعده.

ثانيًا: تعريف صناعة المعاجم

       لقد عرَّف الأستاذ الجيلالي بو عافية في دراسته “علم صناعة المعاجم مفهومه وقضاياه” (بحث في مرحلة الدكتوراه/ مخبر المعالجة للّغة العربيّة بجامعة تلمسان) صناعة المعاجم بما يلي: يطلق المعجمي محمد رشاد الحمزاوي على “صناعة المعجم” اسم “المعجميّة” بفتح الميم، ويعرفها بأنّها مقاربة تسعى من خلال رؤى نظريّة وتطبيقيّه إلى أن تتصوّر بنية المعجم والتطبيق لها(25).‏ ثمّ يعرّفها في مكان آخر بقوله: المعجميّة نعني بها صناعة المعجم من حيث مادّته وجمع محتواه ووضع مداخله وترتيبها وضبط نصوصه ومحتوياته وتوضيح وظيفته العلميّة والتطبيقيّة، أداة ووسيلة يستعان بها في الميادين التربويّة والتلقينيّة والثقافيّة والحضاريّة، الاقتصاديّة والاجتماعيّة(26). أمّا حلمي خليل فيطلق عليه “فنّ صناعة المعجم” أو “علم المعاجم التطبيقيّ”، ويرى بأنّه يقوم بعدّة عمليات تمهيدًا لإخراج المعجم ونشره(27).

ويعرّفه علي القاسمي بقوله: “أمّا الصناعة المعجميّة فتشتمل على خطوات أساسيّة خمس هي: جمع المعلومات والحقائق واختيار المداخل وترتيبها طبقًا لنظام معين، وكتابة الموادّ، ثمّ نشر الناتج النهائيّ، وهذا النتاج النهائيّ هو المعجم أو القاموس”(28).       أمّا محند الركيك فيقول: “نعتقد أن المصطلح الأقرب إلى Lexicographe هو قاموسيّة، وهي أكثر دلالة ووضوحًا من المصطلحات الأخرى، ويرى بأنّه بخلاف علم المعاجم الذي يهتمّ بالجانب النظريّ المتعلّق بقضايا المعجم، تنصرف القاموسيّة Lexicography إلى دراسة المجال التطبيقيّ للمعجم، فالقاموسيّة هي بمثابة تقنية وصناعة تسعى إلى إعداد القواميس. ويرى بأنّ القاموسيّة هي ذات مستويين نظريّ وتطبيقيّ، فالنظريّ يراد به الأسس والقضايا النظريّة المعجميّة التي يقدّمها عالم المعاجم للقاموسيّ، التي ينطلق منها هذا الأخير كإطار نظريّ يستند إليه في مجال الإعداد القاموسيّ والتطبيقيّ، المقصود به الصناعة أو التقنيّة التي ينهجها القاموسيّ لإعداد القواميس(29). من التعريفات السابقة لما يتعلّق بـ”صناعة المعجم”، يتّضح لنا أنّ الباحثين يكادون يتفقون على مضمونه، وهم متساوون بشكل تقريبيّ في تحديد معالمه وحدوده وموضوعه، إذ يتفقون على ما يتعلّق بتلك الأدوات، والإجراءات المؤدية إلى إنتاج المعاجم ولكن الباحثين السابقين يختلفون في تحديد المصطلح الذي يسمّى به هذا العلم أو الفنّ أو المقاربة، فقد مرّت بنا عدّة مصطلحات لهذا العلم منها: “صناعة المعجم”، “معجميّة  بفتح الميم، “قاموسيّة”(30). وهم يختلفون كذلك في عدّها علمًا أو فنًّا أو مقاربةً. وقد ربط الدكتور أحمد عزوز في دراسته “صناعة المعاجم العربيّة وآفاق تطوّرها”، الصناعة المعجميّة بعِلم المفردات، حين قال: هناك علاقة وطيدة بين المعجم والمفردات والدلالة، وما نسميه مفردات هو مجموع كلمات لغة معيّنة لها قيم دلاليّة حقيقيّة (ذاتيّة) وأخرى إيحائيّة (مجازيّة) تستنبط من السياق والاستعمال. ويطلق على العلم الذي يدرس المفردات من حيث تراكيبها وبنية دلالتها في اللغة الفرنسيّة ((LEXICOLOGIE وهي كلمة إغريقيّة مشتقّة من(LEXICON)  أي ليكسيك أو وحدة تعبيريّة أو مفردة، ومن ((LOGIE  بمعنى علم، وقد أصبحت متداولة ابتداءً من سنة ١٧٦٥م. وهو فرع من اللسانيات يدرس وحدات الدلالة (المونيماتMONEMES) واحتمالاتها الوظيفيّة في علاقاتها – في أغلب الأحيان –  بالمجتمع(31). فهو العلم الذي يدرس مفردات اللغة أو معجمها وهو يرسي – أيضًا – المبادئ النظريّة التي على أساسها توضع المعاجم والأدوات الأساسيّة لإثبات مفردات اللغة ومعرفتها(32). ويندرج فيه علم الدلالة ((SEMANTIQUE الـذي يخـتصّ ببحـث معـاني الكلمات، كما يرتبط بمستوى المفـردات فـرع آخـر يطلـق عليـه الاشـتقاق ((ETYMOLOGIE أو علم أصول المفردات، وهو علم يتتبّع الكلمات عبر العصور، ويلاحظ التبدّلات التي تطرأ على الألفاظ ومعانيها وطرق استعمالها. وقد عرفه “فندريس” بقوله: “العلم الذي موضوعه دراسة المفردات يسمّى الاشتقاق ((ETYMOLOGIE، وتنحصر مهمته في أخذ ألفاظ المعجم كلمة كلمة، وتزويد كلّ واحدة منها بما يشبه أن يكون بطاقة شخصيّة، يذكر فيها من أين جاءت؟ ومتى؟ وكيف صيغت؟ والتقلّبات التي مرّت بها، فهو، إذن، علم تاريخيّ يحدّد صيغة كلّ كلمة في أقدم عصر تسمح المعلومات التاريخيّة بالوصول إليه، ويدرس الطريق الذي مرّت به الكلمة مع التغيّرات التي أصابتها من جهة المعنى أو من جهة الاستعمال”(33).

ويــرتبط هــذا العلــم الخــاصّ ببحــث المفــردات باللكــسيكوغرافيا ((LEXICOGRAPHIE الذي له مقابلات كثيرة في العربيّة منها: مـتن اللغـة، المعاجميّة، المعجميّة، فن تأليف المعاجم، علم المعاجم، الصناعة المعاجميّة، الـصناعة المعجميّة، صناعة المعاجم، علم صناعة المعاجم.  وهو فنّ عمل المعاجم اللغويّة، ويستمدّ وجوده من علم دراسة تاريخ الكلمات، وعلم الدلالة، ويهتمّ ببيان كيفيّة النطق بالكلمة، ومكان النبر فيها، وطريقة هجائها، وكيفية استعمالها في لغة العصر الحديث(34)، وبذلك فإنّ علم صناعة المعاجم هو فرع من علم دراسة المفردات(35). فالمعجم هو مجموع كلمات اللغة الموضوعة تحت تصرّف المتكلّمين، والمفردات هي مجموع الكلمات المستعملة والموظفّة من متكلّم معيّن في ظروف معيّنة، فالمعجم هو حقيقة اللغة التي لا يمكن أن نصل إليها إلاّ بمعرفة المفردات الخاصّة التي تعد واقع الخطاب(36). والمعجم يتجاوز المفردات، ولكن لا يدرك إلاّ بها، والمفردات تفترض وجود المعجم الذي هي نموذجه، «ولذلك يعتبر المعجم العنصر الأكثر تغيّرًا في اللغة، وهو المجال الذي تحدّد فيه بقوّة الظروف الخارجيّة الاجتماعيّة لحياة اللغة، أو التطوّر الحضاريّ الذي تكوّن هذه اللغة أداته المظهرة له«(37). وقد ظلّت المعجميّة أو علم صناعة المعاجم ردحًا من الزمن تُدرَّس ضمن أحد فروع اللغة، علم الدلالة أو المفرداتيّة (علم المفردات) أو فقه اللغة، إلى أن أحسّ المعجميّون بهذه الفجوة التي تفصل بين نظريات علم اللغة والتطبيقات المعجميّة، وأنّ المعجميّة قد أعطت لفروع علم اللغة أكثر ممّا أخذت منها، فحتّى الستينيات من هذا القرن ظلّ بعض المعجميّين يزعمون أنّها فنّ وصناعة وليست علمًا، بسبب افتقارها إلى الموضوعيّة والشمول”(38). وإذا كانت المفردات تعبّر عن المجتمع ومكوّناته، وثقافته، وحضارته، وتصوّره، فهي لا تسقط من السماء – كما يقال – بل لها ساعة ظهورها، وتاريخ ميلادها أو تأويل تاريخها. أمّا المعجم فهو العالم – بفتح اللام – بترتيب أبجديّ، وهو كتاب ممتاز يحوي كتبًا أخرى ينبغي فقط أن نستخرجها، وبواسطته يمكن رؤية العالم(39). ويخضع إنتاج المعاجم لضرورات تبليغيّة وإعلاميّة بالغة الأهميّة. فغرضها في المقام الأوّل هو سدّ الفراغ الموجود بين أفراد الجماعة اللغويّة في المجالات المعرفيّة، مهما كان نوعها: لسانيّة، تربويّة، علميّة، دينيّة، ممّا يكوّن جانبًا حضاريًّا وثيق الصلة بالتطوّرات الحاصلة في أيّ مجتمع(40). ويرى «جورج ماطوري» أنّه يمكن تحليل المجتمع انطلاقًا من مفردات لغته، ممّا أدّى به إلى تعريف المعجميّة قائلاً: «إنّها علم مجتمعيّ (أو علم دراسة المجتمع) يستعمل الأدوات اللسانيّة التي هي الكلمات»(41).

وهذه الدراسة تساعد الباحث على معرفة عقليّات الشعوب، وذلك بتناول لغتها تناولاً تحليليّا، وهذا بالاستعانة بقوانين علم الدلالة وأسسه ومبادئه، وما يفتحه من آفاق المقارنة بين اللغة التي يتكلّمها الفرد واللغات الأخرى. ويلاحظ في هذا المجال الصلة القويّة بين كثير من مفردات اللغة العربيّة وطريقة العرب في تفكيرهم وعلاقاتهم ونظرتهم إلى الأشياء والأمور والحياة، ذلك أن تسميتهم شيئًا ما باسم بعينه، وفي إطلاق لفظ دون سواه، واختيار صفة من صفاته ما يدلّ على اتجاههم في التفكير وفهمهم للأمور ونظرتهم إليها. فنجدهم أطلقوا مثلاً لفظ «العامل» على الوالي والحاكم، ممّا يدلّ على أنّهم فهموا الولاية بعد مجيء الإسلام على أنّها عمل من الأعمال يؤديه الإنسان في حياته، ولفظ «عقل» في العربيّة مأخوذ من الربط والتقييد والإمساك(42)، ويدلّ على أنّ معناه عند العرب يشتمل على المفهوم الخُلُقيّ إضافةً إلى العنصر الفكريّ، فهو الزاجر للمنكر والشرّ، ولا يكون اللفظ الفرنسيّ (اللاتينيّ) ((RAISON على ذلك المعنى إذ في دلالته العدّ والإحصاء(43). ويتعلّق فهم النصوص المختلفة ببحث دلالات مفرداتها للوصول إلى مضامينها ومقصديّتها، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ بالتعمّق والتدقيق فيها. ففي ميدان السياسة والقانون والمعاهدات الدوليّة والاتفاقات التجاريّة والاقتصاديّة مجالات كثيرة للاختلاف على دلالات الألفاظ فقد يؤدّي التعريف أو التنكير إلى الاختلاف بين الطرفين، وتوظيف كلمة بدل ما يقابلها في المعنى أو ما يقاربها إلى تأجيل الصراع المحتدم بين شعبين، وما ذلك إلاّ لأهميّة المفردة في التعبير وأداء المعنى، ممّا يؤدّي – أيضًا – إلى الاهتمام بمستوى المفردات وبالصناعة المعجميّة. وتتمّ الصناعة المعجميّة بالمفردات جمعًا وشرحًا وتحليلاً، وتسعى إلى تصنيف وبيان الفئة أو الفصائل التي تنسب إليها كلّ كلمة، أهي من الأفعال أم الأسماء، أم الصفات أم المصادر، ثمّ تحدّد معناها العام، وما يمكن أن تحمله من الدلالات الفرعيّة في الاستعمالات المختلفة مع ذكر الشواهد وضرب الأمثلة. ويهتمّ المعجم اللّغوي بتفسير «معنى» كلمات اللّغة، ففيه عنصران أساسيّان: أوّلهما الكلمة، وثانيهما المعنى(44). والمعجم لا يستغني عن النّحو، فهو يعرض الصيغ في صورة نحويّة – عادة – الاسم مع أداء التعريف في العربية مثلاً، والفعل مع حرف المضارعة «بل إنّ كثيرا من اللغويّين يوصون أن تكون للمعجم مقدمة موجزة في نحو اللغة التي يعرضها، حتّى يساعد القارئ على الاستفادة من المعجم»(45). وقد لمسنا ذلك في معاجم مثل LAROUSSE و LE PETIT ROBERTوتقوم الصناعة المعجميّة على مبدأين أساسيّين هما:

١- الجانب النظريّ: أو مجموعة الأسس النظريّة التي تحكم العمل المعجميّ والمنهج وطريقة الإعداد والحديث عن نظريّاته ومدارسه.

٢-  الجانب التطبيقيّ الإجرائيّ: أو عمليّة تأليف المعجم وصناعته وفق الأسس السابقة.

        أمّا الدكتور عبد الرحيم بن داود في كتابه “الصناعة المعجميّة في الدرس اللسانيّ الحديث” (جامعة القاضي عياض مراكش المغرب) فقد عرَّف صناعة المعجم، بقوله: تحدّد موسوعة اللغة وعلم اللغة مفهوم lexiographie  (صناعة المعاجم) بأنّه “فنّ عمليّ وليس علمًا، وتعرّفه بأنّه فنّ كتابة المعاجم”(46) وتفرّق بينه وبين lexicologie (علم المعاجم) بأنّ هذا الأخير يتعلّق بدراسة المفردات من حيث اشتقاقها ودلالاتها. وتوسّع الموسوعة العالميّة لعلم اللغة مفهوم lexiographie ‏ ليشمل عمليّة التخطيط والتأليف للأعمال المرجعيّة المرتبة على المداخل كالمعاجم (dictionnaire)‏ والمكانز (Thesauruses) والمسارد (Glossaries) والفهارس، Concordances)) وإرشادات الاستعمال التي تعطي معلومات عن مفردات لغة ما أو مجموعة من اللغات(47). ويذهب BO Svensen‏ إلى أن ال lexiographie أو الصناعة المعجميّة، هي أولًا التأليف عن المعاجم وليسا لتأليف فيها، وثانيًا هي الحديث عن النظريّات والمناهج التي تعدّ الأساس لهذا النشاط(48). والصناعة المعجميّة تعني تدوين المفردات وحفظها، ويقول عماد حاتم: “أمّا فنّ تدوين المفردات وحفظها فيتولاه علم يسمّى بـ”علم وضع المعاجم” (lexiographie) من lexis كلمة وgrapho‏ أكتب، أدون”(49). وهذا العلم هو التطبيق العمليّ لعلم المفردات، وهو هام جدًا سواء بالنسبة لتعلّم اللغات الأجنبيّة وقراءتها أو للتعرّف على اللغة الأمّ في حاضرها وماضيها. وإن كانت الصناعة المعجميّة تعتمد على علم المفردات/ علم المعاجم (lexicologie)، “إلّا أنّهما ليسا شيئًا واحدًا فعلم المفردات يشير إلى دراسة المفردات ومعانيها في لغة واحدة أو عدد من اللغات، ويهتمّ من حيث الأساس، باشتقاق الألفاظ وأبنيتها ودلالتها المعنويّة والإعرابيّة والتعابير الاصطلاحيّة والمترادفات وتعدّد المعاني، في حين أنّ الصناعة المعجميّة تشتمل على خطوات هي: جمع المعلومات والحقائق واختيار المداخل طبقًا لنظام معيّن وكتابة الموادّ ثمّ نشر النتاج النهائي، وهذا النتاج هو المعجم أو القاموس باعتباره  كتابًا يحتوي على كلمات منتقاة ترتّب عادة ترتيبًا هجائيًا مع شرح لمعانيها ومعلومات أخرى ذات علاقة بها. سواء أعطيت تلك الشروح والمعلومات باللغة ذاتها أو بلغة أخرى”(50). وقد بدأت الصناعة المعجميّة منذ عهد سحيق على يد الهنود واليونانيّين والمصريّين القدماء والصينيّين. أمّا الهنود فقد بدأت لديهم الأعمال المعجميّة في شكل قوائم تضمّ الألفاظ الصعبة الموجودة في نصوصهم المقدسة، ويبقى أقدم ما وصلنا منهم معجم ظهر قبل القرن السادس الميلادي لمؤلف بوذي اسمه “أماراسنها’ وكان اسم معجمه هذا ‎(Amara Kosa)(51).‏

تلخيصٌ شخصيّ لباب “تعريف صناعة المعاجم”

يمكن أن نستخلص ممّا سبق أنّ صناعة المعجم تقوم على جانبين اثنين، الأول نظريّ وهو مجموعة الأسس التي تحكم العمل المعجميّ والمنهج وطريقة الإعداد، والحديث عن نظرياته ومدارسه. والثاني تطبيقيّ إجرائيّ وهو تأليف المعجم وصناعته وفق الأسس السابقة. ويساعد الباحث على معرفة عقليّة الشعوب، ويبين الصلة بين مفردات اللغة وبين طريقة العرب في تفكيرهم وعلاقاتهم ونظرتهم إلى الأشياء والأمور والحياة.

ثالثًا: غايات وأهداف الصناعة المعجميّة

       يُبرزُ الدكتور عبد الرحيم بن داود في كتابه “الصناعة المعجميّة في الدرس اللسانيّ الحديث” (جامعة القاضي عياض مراكش المغرب): غايات وأهداف الصناعة المعجميّة كما يلي: من المعلوم أن الغاية الكبرى بصفة عامّة التي قامت على إثرها الصناعة المعجميّة هي الغاية التعليميّة، وإن تفاوتت بعض المعاجم في مجال اهتمامها وأهدافها. إذ يختلف الدافع الأساسيّ لظهور هذه الصناعة (المعجميّة) من مدنيّة لأخرى، فكلّ مدنيّة تشجع نوع المعجمات الذي يتلاءم وحاجاتها التي تنفرد بها دون غيرها، “لقد وجدت أقدم المعجمات المعروفة في وادي الرافدين لأسباب عمليّة، فقد واجه الأشوريّون الذين قدموا بابل قبل حوالي ثلاثة آلاف عام صعوبة في فهم الرموز السومريّة، ورأى التلاميذ الأشوريّون أن من المفيد إعداد لوائح تحتوي على الكلمات السومريّة وما يقابلها بالأشوريّة”(52).‏ وانبعثت الصناعة المعجميّة العربيّة لأسباب دينيّة فقعدت في بادئ الأمر لشرح غريب القرآن والحديث الشريف، اعتبارهما يمثلان دستور الأمّة الإسلاميّة جمعاء، ولا سبيل لتطبيق بين مكونات هذه الأمّة دون فهم مراميه اللغويّة ودلالته العميقة. وفي إنجلترا انبعثت القوائم اللغويّة المزدوجة اللغة لسدّ حاجيات تربويّة، “فقد أعدّ المعلمون تلك القوائم بالكلمات اللاتينيّة”(53). لتصبح معها جلّ المعاجم الثنائيّة تقصد بالأساس إلى إعانة متعلّمي اللغات الأجنبيّة على فهم مفردات اللغة التي يتعلمونها وتبيّن سلوكها النحويّ والصرفيّ واستعمالاتها السياقيّة والاصطلاحيّة المختلفة، بما ينتهي إلى تمكن المتعلّم من فهم قدر غير بسيط من المفردات والمعلومات والقواعد يعينه على التواصل باللغة الأجنبيّة، وقد تجاوزت المعاجم الثنائيّة هذا الهدف إلى غايات الترجمة التطبيقيّة، ثمّ تطبيقات الترجمة الآليّة(54). “وكان الاتجاه إلى وضع أمثال هذه المعاجم سائدًا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إذ انتشرت المعاجم الكاتولوجية أو كاتالوجات اللغات، إذ تقدم الكلمة إلى القارئ مرفقة بعدد كبير من الترجمات إلى معظم اللغات المعروفة في ذلك الوقت، لكن وضع أمثال هذه القواميس أصبح نادرًا اليوم”(55).‏ وفي أمريكا شجع الحماس القوميّ على ظهور الصناعة المعجميّة الأمريكيّة، فقد اندفع نوح ويبستر ‏Noah Webster ‏ إلى تأليف قواميسه بسبب استيائه من الجهل الذي كانت تعانيه المعجمات البريطانيّة حول المؤسّسات الأمريكيّة، وقد أثار ظهور قاموسه الدوليّ الثالث سنة 1961م عاصفة من النقد والتعليق، اشترك فيها عدد كبير من اللغويّين والمعجميّين والمربّين والصحفيين، وانقسم هؤلاء بين مؤيّد للاتجاه الوصفيّ الذي تبناه ذلك المعجم ومعارض له(56). وإذا كانت المعاجم الثنائيّة تهدف لسدّ حاجيات تربويّة، فإنّ المعاجم الأحاديّة تقصد إلى تنميّة ثروة المتعلّم اللفظيّة وتعريفه بمفردات لغته ولاسيّما ما كان قديمًا منها، ليتمكن من التعامل مع نصوص لغته كلّها في امتدادها الزمنيّ المتعاقب. أمّا العرب فكان دافع اللغويين الأساسيّ من وراء وضعهم لهذه المعاجم هو الحفاظ على اللغة العربيّة من الضياع وخدمة النصّ الدينيّ، يقول ابن خلدون: “ثمّ استمرّ الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم حتّى وصل الفساد إلى موضوعات الألفاظ، فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم مَيْلًا مع هجنة المستعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربيّة. فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغويّة بالكتاب والتدوين خشية الاندثار، وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث. فشمّر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملوا فيه الدواوين وكان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهدي ألّف فيها كتاب العين فحصر فيه مركبات حروف المعجم كلّها من الثنائيّ والثلاثيّ والرباعيّ والخماسيّ، وهو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربيّ”(57). وبذلك استطاعوا وضع هذه الحصيلة الهائلة في عدد كبير من المعاجم ‎اللفظيّة،‏ فنشطت معهم حركة التأليف والصناعة المعجميّة ونمت على أيديهم، ومنهم استفاد العبرانيّون الذين لم تزدهر عندهم الدراسة المعجميّة إلّا بعد الإسلام، “ولم تظهر معاجم عبريّة بالمعنى الدقيق إلّا منذ القرن العاشر الميلاديّ على يد سعديا بن يوسف الفيومي (820 – 942م) صاحب أول معجم في تاريخ اللغة العبريّة”(58).

تلخيصٌ شخصيّ لباب “غايات وأهداف صناعة المعاجم”

تهدف صناعة المعجم إلى إعانة متعلّمي اللغات لفهم مفردات اللغة التي يتعلّمونها وتبيّن سلوكها النحوي والصرفي واستعمالاتها السياقيّة والاصطلاحيّة، فتنمّي بذلك ثروة المتعلّم اللفظيّة، لتمكّن من التعامل مع نصوص لغته كلّها بامتدادها الزمنيّ المتعاقب. كما تهدف إلى الحفاظ على اللغة العربيّة من الضياع.

رابعًا: صناعة المعاجم وتطوُّرها عبر التاريخ

       يقول الدكتور عبد الرحيم بن داود في كتابه “الصناعة المعجميّة في الدرس اللسانيّ الحديث” (جامعة القاضي عياض مراكش المغرب): حول تاريخ صناعة المعاجم وتطوُّرها: لم يبخل اللغويّون في تأليف المعاجم وبذل الجهد في سبيل جمع ألفاظ اللغات وترتيبها وبيان معانيها وذكر مشتقّاتها.  فكان أن قامت حركة التأليف عند اللغويّين العرب على أساس المادّة التي جمعوها في البادية في القرن الثاني الهجري. لقد خرج عدد كبير من اللغويّين من البادية، وأخذ كلّ منهم بجمع اللغة من أبناء القبائل العربيّة، وبذلك تمّ إنجاز أول عمل لغويّ ميدانيّ في الجزيرة العربيّة. ولاحظ كثير من البدو اهتمام اللغويّين بتلقي اللغة عنهم، فهاجروا إلى جنوب العراق حيث ازدهرت علوم اللغة في البصرة والكوفة، وأخذوا يبيعون المادّة اللغويّة التي عندهم لكلّ من ينشدها من اللغويّين، ولم تكن عمليّة جمع اللغة محاولة لتسجيل كلّ الألفاظ التي عرفتها القبائل العربية، بل كان اللغويّون يصدرون في اختيارهم للقبائل واختيارهم للرواة عن مبدأ أساسيّ، وهو تسجيل اللغة الفصحى والابتعاد عن الصيغ والألفاظ غير الفصحى”(59). وانصب اهتمام اللغويّين في جمع هذه المادّة اللغويّة على قبائل قيس وتميم وأسد وهذيل وبعض بطون قبيلة كنانة وبعض بطون طيء. حتّى بداية الستينيّات بقيت صناعة المعاجم تتّصف بالطابع التجريبيّ الذي لا يعتمد على منهجيّة علميّة حقيقيّة، وإنّما على الخبرة العلميّة التي اكتسبها واضعوا المعاجم في القرون الماضيّة. ومع تطور اللسانيّات الحديثة عمومًا وعلم المفردات خصوصًا، بدأت تظهر في المعاجم اللغويًة سواء الأحاديًة اللغة أو الثنائيًة اللغة آثار هذا التطور نحو إرساء أسس علميًة موضوعيًة تستند إلى نتائج البحوث التي أقيمت في مختلف ميادين الدرس اللسانيّ الحديث. أمّا اليونانيّون فقد أنتجوا عددًا من معاجم اللغة اليونانيّة،‏ وقد ظهر كثير منها في مدينة الإسكندريّة، ويعتبر العلماء القرون الأولى بعد الميلاد هي العصر الذهبيّ للمعاجم اليونانيّة. وأمّا الصينيّون فيقول عنهم فيشر: “إذا استثنينا الصين، فلا يوجد شعب آخر يحقّ له الفخار بوفرة كتب علوم لغته وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها بحسب أصول وقواعد غير العرب”(60). وكما يصدق هذا على الدراسات الصوتيّة، يصدق على صناعة المعاجم التي يرجع أقدم ما عرف منها عنهم إلى الفترة ما بين 200 قبل الميلاد وميلاد المسيح، وتنوعت معاجمهم فشملت ما يمكن أن يسمى، معاجم الموضوعات ومعاجم للألفاظ مرتّبة ترتيبًا صوتيًّا. وفي العصر الوسيط نمت الصناعة المعجميّة على أيدي العرب، ومنهم استفاد العبرانيّون، إذ لم تزدهر الدراسة اللغويّة العبريّة إلّا بعد الإسلام ولم تظهر معاجم عبريّة بالمعنى الدقيق إلّا منذ القرن العاشر الميلادي على يد سعديا بن يوسف الفيومي صاحب أول معجم في تاريخ اللغة العبريّة(61). وقد ظلت الصناعة المعجميّة في بداياتها، بل وحتّى بداية الستينيات تتصف بطابعها التجريبيّ الذي لا يعتمد على منهجيّة علميّة حقيقيّة، وإنّما يعتمد فقط على الخبرة العلميّة التي اكتسبها واضعوا المعاجم في القرون الماضيّة. إلّا أنّ التطوّر الكبير الذي شهده حقل الدراسات اللسانيّة ساهم في تطوّر الصناعة المعجميّة، فأخذت القواميس والمعاجم اللغويّة تتجه نحو إرساء أسس علميّة موضوعية تستند إلى نتائج البحوث التي أقيمت في مختلف ميادين علم اللسان الحديث.

لكن وعلى الرغم من التطور الذي شهدته الصناعة المعجميّة، نجد التركيبّيين الأمريكيّين قد أهملوها مع مطلع القرن العشرين، واهتمّوا بفروع أخرى كالفونولوجيا والنحو. وظلّ كثيرون ينظرون إلى المعجم على أنّه ملحق بالنحو أو قائمة من الاستثناءات الأساسيّة، حتّى ظهرت نظريّة الحقول الدلاليّة فردّت العمل المعجميّ إلى علم اللغة، باعتبار أنّ النظريّة تعطي مفردات اللغة شكلًا تركيبيًّا يستمدّ كلّ عناصره من مركزه داخل النظام العامّ، وتضع المفردات بشكل تجمعيّ تركيبيّ ينفي عنها التسيّب المزعوم(63). وهكذا أخذ إهمال هؤلاء اللغويّين للصناعة المعجميّة في الزوال رويدًا رويدًا. فخلال السنوات العشرة الماضية ارتفعت الأصوات مطالبة بدمج علم الدلالة في النظريّة اللغويّة، وهذا ما أعطى الصناعة المعجميّة زخمًا جديدًا وقرّبها من مركز الثقل. وبرز هذا الاهتمام في سلسلة من الأحداث حيث كانت الفترة ما بين 1960 و1972 هي فترة لقيت فيها صناعة المعاجم اهتمامًا من قبل الأوساط اللغويّة والمؤسسات التربويّة خصوصًا الأجنبيّة منها(64).

        أمّا الدكتور أحمد عزوز من دراسته “صناعة المعاجم العربية وآفاق تطوّرها” فيقول شارحًا صناعة المعاجم وتطوّرها على مرّ التاريخ: عرفت الأمم المختلفة منذ أقدم العصور فن التأليف المعجميّ، فألّفت فيه ليكون خزائن تحيط بمادّة لغته.  ويروي لنا تاريخ الشعوب أنّ الآشوريين قد عنوا بتخليص لغتهم من شوائب اللغات الأخرى، وهو عمل يشير إلى أنّ الفكرة المعجميّة قد تحقّقت عندهم بصورة من الصور، وفي شكل من الأشكال(65). ولعلّ أوّل اهتمام بالفكر المعجميّ كان قد ظهر في بابل (باب االله) مع العرب العماليق في ١٨٠٠ ق.م، إذ وجدت منذ أقدم العصور بوادي الرافدين معاجم بابليّة ثنائيّة، مكتوبة في قوالب طينيّة تشرح الإشارات، بمكتبة” آشور” في “نينوى” وهي تعود إلى سنة ٦٦٨- ٦٢٥ ق.م.(66). كما ظهرت التآليف المعجمية عند الهنود في اللغة السنسكريتيّة، وكانت في شكل قوائم ضمّت الألفاظ الصعبة الموجودة في نصوصهم المقدّسة ((TEXTES-VEDA ثمّ تطوّر هذا النظام، فألحق بكلّ لفظ في القائمة شرح لمعناه، وأقدم ما وصلنا هو معجم (أماراكوزا (AMARAKOSA لصاحبه أيمارسنها الذي ظهر في القرن السادس الميلادي. ومن الانتقادات الموجّهة إليه وإلى غيره من المعاجم الهنديّة أنّه كُتب في شكل منظومة ليسهّل حفظه، وأنّه لم يتبع أيّ ترتيب ييسّر اللجوء إليه. وكان من عيوب المعاجم الهنديّة – أيضًا – إلى غاية القرن العاشر الميلادي فقدانها لعنصرين أساسيين في التأليف المعجميّ وهما: الشمول والترتيب(67). وكان الصينيّون من أسبق الأمم إلى وضع المعاجم اللغويّة، ففي القرن الحادي عشر قبل الميلاد، ألّف باوتشي معجمًا ضمّ ٤٠٠٠٠ كلمة، كما وضعوا قوائم للألفاظ الدينيّة مثل معجم شوفان SHAW– WAN شوو – أوان لصاحبه هوشن في سنة ١٥٠ ق.م، وفي سنة ٥٣٠ بعد الميلاد ألّف كويي وانج  KU – YE WANGمعجمًا آخر عنوانه يو – بيين KU  PIEN(68). وعرفت الأمّة اليونانيّة هذا اللون من التأليف، وهي أمّة تميّزت – في حقبة ازدهارها – بالتفوّق العلميّ والنضج الفكريّ، فأنتجت عددًا من المعاجم، ظهر كثير منها في مدينة الإسكندريّة، ويعدّ العلماء القرون الأولى بعد الميلاد العصر الذهبيّ للمعاجم اليونانيّة(69). وهي قوائم معجميّة ظهرت في القرن الخامس الميلادي فكان منها:

أ- معجم بوليكس بوليس الذي رتّبه حسب الموضوعات أو المعاني، وهو يشبه إلى حد في نظامه المخصص لابن سيده (ت ٤٥٨ه).

ب- معجم فاليريوس فيلكس الذي أُلّف في عهد الإمبراطور أغسطس، وعنوانه معاني الألفاظ ولا يزال موجزه باقيًا إلى اليوم(70).

ج- معجم الغريب لـهيلاديوس الذي ظهر في القرن الرابع الميلادي.

وقد وضع أبولونيوس السكندري الغراماطيقي معجمًا لألفاظ هوميروس زمن أغسطس، فظهر معجم اللغة اليونانيّة كاملاً في ١٧٧ ق.م، ألّفه يوليوس بولكس، وقريبًا من ٢٧ ق.م ظهر أقدم معجم لاتينيّ، ألّفه “وارو” المتوفّى سنة ٢٧ ق.م. وأسهمت الأمّة الرومانيّة في التأليف المعجميّ فكان من نماذجها:

– معجم الألفاظ الذي ألّفه هزيشيوش السكندري في القرن الرابع الميلادي، وهو معجم خاصّ باللهجات والتعبيرات، وألّف أمونيوس السكندري معجمًا لمعاني المشترك اللفظيّ(72).

– وعرفت الأمّة العربيّة أنواعًا من معاجم الألفاظ والموضوعات، يمكن اعتبارها متطوّرة بحسب الزمان الذي أُلّفت فيه، حتّى أصبحت بعد مرحلة من تاريخ التأليف المعجميّ فنًا من فنون اللغة الكبرى، وضع فيه العرب نظريّات كبيرة واستنبطوا لها عدّة تطبيقات، حتّى فأصبحت بذلك علمًا مستقلاً بذاته(73)، وكان عبد لله بن عباس (ت٦٨ه – ٦٨٤م) من أوائل من بذر نواة المعجم العربيّ في غريب القرآن(74).

ولا غرابة في قول فيشر: «إذا استثنينا الصين، لا يوجد شعب آخر يحق له الفخر بوفرة كتب علوم لغته، وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها بحسب أصولٍ وقواعد غير العرب”(75). وقد انبهر اللغويّون الغربيّون بهذا التفوّق، وشهدوا للعرب بالسبق والتميّز حيث قال هاي وود:” إنّ العرب في مجال المعجم يحتلّون مكان المركز، سواء في الزمان أو المكان، وفي العالم القديم أو الحديث، وفي الشرق والغرب”(76). وشهدت المعاجم لدى الأمم الغربيّة في العصر الحديث – بعدما أفادت من تجارب الشعوب التي سبقتها – تطوّرًا ملحوظًا، وغدت منهلاً يستقي منه الدّارس معارفه وشروحه، وظهر منها عدد ضخم، وأنواع كثيرة يكاد يفوق ما أنتجته الأمم سواء في عصورها القديمة أو ما تنتجه في العصر الحديث. ومهما يكن من أمر، فإنّه يمكن القول إنّ هذه المحاولات الأولى في الصناعة المعجميّة، سواء عند العرب أو عند غيرهم من الشعوب والأمم، كانت قوائم من الألفاظ لا تكاد ترقى إلى المعجم الحقيقيّ والشامل بالمفهوم العلميّ. لذا يمكن القول إنّ تاريخ ظهور المعجميّة بوصفه حقلاً خاصًّا له أسسه النظريّة وإجراءاته التطبيقيّة، يبدأ مع معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيـدي (ت ١٧٥ه- ٧٩١م)، فهو بحق المبدع لهذا العلم، سواء على مستوى جمع الرصيد المفرداتي، أم ترتيب المداخل أم مناهج التعريف، ووسائله التوضيحيّة من استعمالات وشواهد وأمثلة(77).

تلخيصٌ شخصيّ لباب “صناعة المعاجم وتطوُّرها عبر التاريخ”

لقد مرّت صناعة المعجم بمراحل متعددة، منذ عهد العماليق ١٨٠٠ ق.م في بابل، مرورًا بالهند والصين والاسكندريّة واليونان. ثمّ بعصر الستينات حين كانت صناعة المعاجم تتصف بطابع تجريبيّ لا يعتمد على منهجيّة علميّة حقيقيّة، ثمّ بالسبعينات حيث نوقشت مشكلات صناعة المعاجم واقترحت بعض الحلول لها مبنيّة على أسس البحث العلميّ.

خامسًا: وظائف المعجم اللغويّ

       يقول الدكتور عبد القادر بو شيبة (أستاذ علوم اللغة) في المحاضرة العاشرة مِن “محاضرات في علم المفردات وصناعة المعاجم”: من الوظائف المهمّة التي يؤدّيها المعجم ما يلي:

أولًا – شرح المعنى: ويكون بطرق أساسيّة وطرق مساعدة، فالأساسيّة تتمثل في: الشرح بالتعريف، وبتحديد المكونات الدلاليّة، وبذكر سياقات الكلمة والشرح بذكر المرادف أو المضادّ. أمّا الطرق المساعدة للشرح فتتمثل في: استخدام الأمثلة التوضيحيّة، والتعريف الاشتماليّ والتعريف الظاهريّ واستخدام الصور والرسوم.

ثانيًا – بيان النطق: من الوظائف التي يؤدّيها المعجم كذلك بيان صور نطق الكلمة، وذكر الصحيح منها وغير الصحيح، وقد استخدمت المعاجم العربية طرقا مختلفة لأجل تحقيق هذه الوظيفة، منها: الضبط بالكلمات والضبط بالوزن أو المثال، والضبط بالنصّ. والمعاجم العربية المعاصرة تعتمد على هذه الوسائل بالإضافة إلى الضبط بالشكل.

ثالثًا – بيان الهجاء: تختلف اللغات في ضبط قوانين هجائها وقواعد إملائها، فلغات مثل الفرنسيّة والإنكليزيّة يختلف أحيانًا رسمها عن نطقها، لذا يحتاج الكاتب إلى مراجعة معاجم هذه اللغات للتأكد من رسمها وإملائها، مثل كلمة ‏”Sign” علامة زيد فيها «g» «bought» باع، زيد فيها «gh» وغيرها كثير. أمّا العربيّة، فيغلب في كتابتها مطابقة هجائها ورسمها لنطقها، إلّا في بعض الحالات المحدّدة. فالمعجم يقدّم للقارئ والمستعمل عمومًا صورة الكلمات كما هي مستعملة في اللغة.

رابعًا – التأصيل الاشتقاقيّ: هو بيان أصل الكلمة لغويًّا، وصوتيًّا ودلاليًّا، ويدخل تحت هذا:

1- بيان ما إذا كانت الكلمة أصيلة أو مقترضة من لغة أجنبيّة./ 2- بيان مقابلاتها في العائلة اللغويّة مع ذكر معانيها./ 3- بيان المعنى العام للجِذر. وهذه الوظيفة مهمّة جدًا في المعاجم التأصيليّة والتاريخيّة التي ترصد أصل الكلمات وتغيّر أصواتها ومعانيها.

خامسًا – بيان المعلومات الصرفيّة والنحويّة: تحرص المعاجم على إعطاء المعلومات النحويّة والصرفيّة المتعلقة ببعض المداخل بالقدر الذي يهمّ مستعمل المعجم، وهذه المعلومات تتمثل في:

‎    1-‏ بيان معاني الصيغ الصرفيّة./ 2- في العربيّة، ذكر تصريف الفعل الثلاثيّ المجرد مع ما يطرأ عليه من تغير في الماضي والمضارع./ 3- ذكر جنس الذي يشير إليه اللفظ، مثل رأس “مذكر”، و”سبيل” تذكر ويؤنث./ 4- ذكر صيغ جمع التكسير./ 5- بيان نوع الفعل من حيث التعدّي واللزوم، والنصّ على حرف الجر الذي يلي الفعل.

سادسًا – بيان معلومات الاستعمال: وهي وظيفة مهمّة لأنّها تبين مستويات استعمال اللفظ، ويكون ذلك بتقديم المعلومات التالية: 1-‏ القدم والحداثة: كقولهم: مهجور، حديث، مستحدث./ 2- درجة الشيوع: كقولهم: نادر، جار في الاستخدام./ 3- تقييد الاستخدام: كقولهم: محظور، مبتذل، مقبول./ 4- إقليم الاستخدام: شاميّة، عراقيّة، حجازيّة …

سابعًا – تقديم معلومات موسوعيّة: لا يكاد يخلو معجم قديم أو حديث من بعض المعلومات الموسوعيّة التي لا تتعلّق بالألفاظ بل بالأشياء في العالم الخارجيّ، ومن هذه المعلومات، معلومات عن: 1- بعض الأعلام والأماكن والحيوانات والنباتات./ 2- بعض الأحداث التاريخيّة والظواهر الجغرافيّة والكونيّة./ 3- بعض المصطلحات الدينيّة.

 تلخيصٌ شخصيّ لباب “وظائف المعجم”

وظائف المعجم تبدأ بشرح المعنى، ثمّ بيان النطق بالكلمة أي كيف تهجئها؟ وكيف تلفظ من خلال رسمها؟ ثمّ بيان أصل الكلمة لغويّاً وصوتيّاً ودلاليّاً، حيث ترصد أصلها وتغيّر أصواتها ومعانيها.

سادسًا: معايير صناعة المعجم

       يقول الدكتور عبد القادر بو شيبة (أستاذ علوم اللغة) في المحاضرة الحاديةَ عشرةَ مِن “محاضرات في علم المفردات وصناعة المعاجم” ذاكرًا معايير صناعة المعجم كما يلي: إنّ المعاصرين من علماء اللغة والمعاجم يختلفون في تصنيف المعاجم وأنواعها، وهذا بالنظر إلى بعض العناصر والأهداف التي يسعى المعجميّ إلى تحقيقها، أو غير ذلك من المعايير. ومن هذه المعايير ما يلي:

أ- معيار المادّة المعجميّة: إنّ المعاجم تختلف إلى الحد الذي يظهر فيه بعض المعاجم على المستوى النظري لا وجود لها في فنّ صناعة المعاجم، أو على الأقل نادرة الوجود مثل المعجم المعياريّ، وهو نوع من المعاجم يقرّر القواعد ويحدّد الصواب والخطأ في الاستعمال ويقابله المعجم الوصفيّ الذي يثبت المادّة اللغويّة كما تستعمل فعلاً.

ب- معيار المدخل: وإذا أحذنا بمعيار المدخل أو المداخل من حيث كثافتها أي كمُّ مفردات اللغة التي أدرجت في المعجم أو كمُّ المعاني التي أدرجت تحت هذا المداخل، أو اللغات التي استعملها المعجم، وخاصّة في المعاجم متعدّدة اللغة، أو الفترات الزمنيّة التي يغطيها المعجم في المعاجم التاريخيّة والوصفيّة، فسنجد أنّنا أحيانًا نستخدم مثل تلك المعايير لوضع صورة لمعجم مثاليّ قد لا يتحقق من وجهة نظر فنّ صناعة المعجم.

ج- معيار الهدف: إنّ معيار الهدف أو الأهداف التي يسعى المعجم إلى تحقيقها من وضع المعجم تأتي في مقدّمة المعايير الواضحة التي يمكن على أساسها تصنيف المعاجم، ذلك لأنّ هذا المعيار يستطيع أن يساعد واضع المعجم على اتخاذ القرارات المناسبة الصحيحة في اختيار المادّة المعجميّة والمداخل والترتيب وطرق الشرح والتعريف. وحتّى من وجهة النظر التجاريّة فإنّ ناشر المعجم يتخذ قراراته في تصميم المعجم بناء على نوع المستفيدين من المعجم، فيسعى إلى تلبية احتياجاتهم في هذا الخصوص.

ويعدّ معيار الهدف من المعايير التي استقرت وأجمع عليها علماء اللغة والمعاجم، حيث يقول المعجمي ّ”ريد “في مقال نشره في العدد العاشر من سلسلة اتجاهات معاصرة في علم اللغة: «يجب على المعجميّ أن يوجّه عمله لأهداف خاصّة على ضوء مجموعة القرّاء الذين يفكّر في خدمتهم».

       أمّا الأستاذ الجيلالي بو عافية في دراسته “علم صناعة المعاجم مفهومه وقضاياه” (بحث في مرحلة الدكتوراه/ مخبر المعالجة للّغة العربيّة بجامعة تلمسان) فيقول عن معايير صناعة المعجم، ما يلي:

رأينا أنّ “صناعة المعجم” يقوم بعدة عمليات تمهيدًا لإخراج المعجم ونشره، فهو ذو هدف أساسيّ يتمثل في الحصول على كلّ المعطيات والمعلومات التي يقدّمها “علم المعاجم”Lexicologie  من أجل استغلالها والاستفادة منها لإنجاز المعجم المرادّ، حسب الهدف المسطّر من هذا المعجم لأنّنا كما سنرى المعاجم تختلف وتتنوع، وهي تصنف بحسب معايير مختلفة من أهمّها:

“معيار الهدف” أي الهدف من هذا المعجم، وعليه فإنّ هذه الإجراءات والعمليّات تتمثّل في:(78)

1- جمع المفردات أو الكلمات أو الوحدات المعجميّة من حيث المعلومات والحقائق المتصلة بها./ 2- اختيار المداخل./ 3- ترتيب المداخل وفق نظام معيّن./ 4- كتابة الشروح أو التعريفات وترتيب المشتقّات تحت كلّ مدخل./ 5- نشر الناتج في صورة معجم أو قاموس.

*التفصيل في معايير الهدف

       يذكر الدكتور عبد القادر بو شيبة (أستاذ علوم اللغة) في المحاضرة الحادية عشرة مِن “محاضرات في علم المفردات وصناعة المعاجم” عن معايير الهدف ما يلي: يمكننا أن نجمل مكوّنات المعجم في أربعة عناصر أساسيّة تتمثّل في: 1-‏ مادّة المعجم./ 2- المداخل./ 3- الترتيب./ 4- الشرح أو التعريف.

وفيما يلي شرح موجز هذه العناصر:

‎1-‏ مادّة المعجم: ونقصد بمادّة المعجم الكلمات أو الوحدات المعجميّة التي يجمعها المعجميّ، ثمّ يرتّبها ويشرح معناها، يضاف إلى ذلك طريقة النطق والمشتقّات. وهذه المادّة تختلف من معجم لآخر، تبعًا للهدف الذي يسعى إليه واضع المعجم، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، أو الذين يستعملون المعجم، أو الوظيفة التي يرى أن المعجم ينبغي أن يحقّقها، ومن هنا اختلفت المعاجم وتعدّدت تبعًا لما يسعى إليه المعجميّ من وضع معجمه، فهناك المعاجم الأحاديّة اللغة، والثنائيّة اللغة والتاريخيّة والوصفيّة، كما سنرى فيما بعد. وكما أنّ المادّة المعجميّة تختلف من حيث طبيعتها فهي تختلف كذلك من حيث الكمّ، فالمعجم الذي يوجه إلى طلاب المدارس غير المعجم الذي يوجه لطلاب الجامعات مثلًا. ومعنى هذا أنّ مادّة المعجم تضيق وتتّسع، فتكون مادّة لغويّة خاصّة أو عامّة، وكلّ ذلك تبعًا لما يضعه واضع المعجم في حسبانه في الهدف من تأليف معجمه. وكلّ ذلك يعني أنّ مادّة المعجم عنصر غير ثابت، بل يختلف باختلاف الغرض منها ومن يستعملها.

2- المداخل: تتمثّل في الوحدات التي ستوضح تحتها بقيّة الوحدات المعجميّة الأخرى، أو هي المادّة المعجميّة التي تتألّف، عادة في المعاجم اللغويّة، من الكلمات المشتقّة وغير المشتقّة. وغالبًا ما يتكوّن هذا المدخل في مثل هذا النوع من المعاجم من الجذر (‏Root) الذي يمثّل البنية الأساسيّة للكلمات والمشتقّات، فمثلًا مداخل كلمات مثل: المعجم، الإعجام، المتعجم، الجِذر (عجم)، وهكذا في بقيّة المداخل. أمّا في المعاجم غير اللغويّة، مثل الموسوعات ودوائر المعارف أو غيرها فقد تختلف المداخل، إذ تنطوي المادّة الموسوعيّة تحت مداخل خاصّة بأسماء الموضوعات لمصطلحاتها الشائعة دون النظر إلى الجذر. ويتكوّن المدخل في اللغة العربيّة واللغات الساميّة غالبًا من حروف ثلاثة صامتة تمثل الجِذر، أمّا في غير العربيّة مثل اللغات الهنديّة أوروبيّة، فقد يتكوّن من الصوامت والصوائت، وعادة ما يرمز الجِذر إلى المعنى المعجميّ للكلمة.

3- الترتيب: ويقصد به ترتيب المداخل، وكذلك ترتيب المشتقّات، وله مظهران: مظهر خارجيّ، ومظهر داخليّ:

أ- الترتيب الخارجيّ: هو إجرائيّ يتعلّق بالمدخل ولا يسلم من التعقيد فهو ناشئ عن مبادرات لها أسبابها العلميّة والتربويّة والجماليّة. والمعاجم العربيّة تعدّد ترتيبها، فنظّم “الخليل” مداخل كتاب “العين” اعتمادًا على مخارج الأصوات من الحلق إلى الشفتين وعلى عمليّة التقاليب. و”الجوهري” بترتيب المداخل حسب الحرف الأخير من الوحدة المعجميّة، وقد دعاه إلى ذلك جانبان، أحدهما فنيّ يتمثّل في التيسير على الشعراء أمر قافيتهم، والثاني علميّ يتعلّق بخصائص الصرف العربيّ، حيث إنّ الحرف الأخير من الوحدة المعجميّة الأساسيّة الدنيا المجرّدة، كثيرًا ما يظلّ ثابتًا مستقرًا، وذلك في الأسماء والصفات التي تتغيّر حركة فائها وعينها، مقارنة بثبات حركة لامها. ولقد استعيض عنه بالنظام الألفبائيّ في المعاجم التي كانت تعتمده أساسًا، مثل لسان العرب المحيط، والصحاح في اللغة والعلوم. ثمّ انتقل الترتيب إلى النظام الألفبائيّ حسب أوائل الأصول في العربيّة بدءًا بمعجم أساس البلاغة للزمخشري، وصولًا إلى المعاجم العربيًة الحديثة. والنظام الألفبائيّ سائد في كلّ المعاجم المعاصرة، ولكنّه لا يعبر عن العلاقات المعجميّة وحقولها الدلاليّة المباشرة في المعاجم الأوروبيّة، مع التأكيد على أهميّة هذه العلاقات في استجلاء المعنى، ومن ذلك لفظة: Association, Dissociation, Society،‏ فهي مرتّبة في الحرف (A) و(D)‏ وS))، وهي مترابطة في المعنى وينطلق من Society، ولكن الحال أهون في المعجم العربي، فمنذ القديم تفطّن العلماء أصحاب المعاجم إلى ضرورة حشد الكلمات تحت جِذر واحد الذي يجمعها في معنى واحد.

ب- الترتيب الداخليّ: يمثّل الترتيب الداخليّ مظهرًا نظريًا وتطبيقيًا وعلميًا وتربويًا يستحق الاهتمام، فهو ينقسم إلى قسمين:

– الترتيب بالاشتراك: ويعني تخصيص مدخل واحد مشترك للتعبير عن معان عدة، من ذلك أنّ مدخل “سيارة” يستعمل في مدخل واحد للدلالة على مدلولات ثلاثة على الأقلّ منها: القافلة والمشاة من الجيش والعربة العصريّة. وأغلب المعاجم العربيّة القديمة والحديثة مبنيّة على هذا النوع من الترتيب لسببين: أحدهما نابع من قانون الاقتصاد في اللغة التي تعبر عن مدلولات لا تحصى بأشكال محدودة مشتركة، وأمّا السبب الآخر، فهو يقرّ أن الوحدة المعجميّة وحدة لغويّة لها أصل دلاليّ ثابت لا يتغير، وله مدلولات ثانويّة متّصلة بالأصل تستخلص من الاستعمال أو السياق، وعلى هذا الأساس يعتمد مدخل “سيارة” واحدًا للتعبير عن المعان الثلاثة المذكورة أعلاه.

– الترتيب بالتجنيس: فهو يخصّص مداخل متعدّدة كلّما تعدّدت معاني الوحدات المعجميّة، فمدخل “سيارة” يتطلب مداخل ثلاثة: سيارة (1) وسيارة (2) وسيارة (3) باعتبار أن الوحدة المعجميّة وحدة مستعملة بحسب سياقها، وبالتالي فإنّ الاشتراك بحسب ما يولد منها السياق من مدلولات، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى ثراء اللغة ونموّها وتنوعها. على أنّ الدارسين لعلم المعاجم وصناعته يشيرون إلى أهمية ترتيب المعلومات وترتيب المعاني والشروحات في النصّ المعجميّ، ويتّفقون على أنّ هذا الترتيب لابدّ أن يخضع لنظام عامّ من المعجم اللغويّ بأكمله، حيث ترتّب الأفعال والأشياء والصفات وبقيّة المشتقّات الفعليّة أو الاسميّة مثلًا، طبقًا لقاعدة تقول: إنّ المعاني أو الدلالات الحسيّة تأتي قبل المعاني أو الدلالات المجرّدة، وأنّ الكلمات ذات المعنى الحقيقي تأتي قبل الكلمات المجازيّة، وهكذا. ومعنى ذلك أنّ الأفعال تأتي قبل الأسماء والصفات بعد الأسماء، وفي جميع الأحوال لا بدّ أن يخضع الترتيب الداخلي ّتحت المدخل الواحد لنظام ثابت ممّا يسهل على مستعمل المعجم أن يعثر على ما يريد بسهولة ويسر.

‎4-‏ الشرح أو التعريف: والمقصود به شرح المعنى، أو بيان دلالة الكلمة أيًّا كان نوعها، ويتّفق علماء اللغة والمعاجم قديمًا وحديثًا على أن يكون هذا الشرح أو التعريف بالمعنى واضحًا لا لبس فيه ولا غموض. ويستخدم علماء المعاجم العربيّة مصطلح “الإبهام” للدلالة على غموض الشرح، سواء كان هذا الغموض في عبارة الشرح نفسه، أو نتيجة لاستخدام المعجميّ لألفاظ هي في نفسها تحتاج إلى شرح، وهو ما يطلق عليه علماء المعاجم المعاصرون مصطلح “الدور”. ويقع ذلك غالبًا عندما يشرح المعجمي كلمةً ما، بمرادف لها قد يكون معروفًا أو غير معروف، أو أنّ الفروق الدلاليّة بين المترادفات غير واضحة لمن يستعمل المعجم، بمعنى أنّه إذا كان تعريف الكلمة (س) يتضمن الكلمة (ص) فلا يجوز أن تشمل تعريف (ص) على (س). ويمكن تجنب “الدور” إذا عرفنا الكلمة الأصليّة أو الأساسيّة تعريفًا أوليًّا لا يشتمل على المعاني المترادفة أو المجازيّة، مثال ذلك كلمة “الراوية” لها معنيان، أحدهما: وهو الأصلي بمعنى الناقة التي تحمل الماء في القافلة، والثاني هو المعنى المجازيّ، ويدلّ على الرجل الذي يروي الشعر أو القصص، ومنه جاء راوي اللغة أو رواية اللغة عن علماء العربيّة القدماء.

وعلى الرغم من أنّ علماء المعاجم واللغة يرون أنّ شرح المعنى المعجميّ من أشقّ المهام التي تلقى على عاتق واضع المعجم، إلّا أّنهم وضعوا شروطًا عامّة ينبغي على واضع المعجم أن يلتزم بها إذا أراد أن يكون شرحه أو تعريفه للمعنى واضحًا لا إبهام فيه، وتتمثّل هذه الشروط فيما يلي:

‎1- ‏إحكام ضبط نطق الكلمة./ ‏2- ذكر الشائع المشهور من المعاني دون المهجور غير المعروف./ 3- ترتيب المعاني الأصليّة قبل المعان المجازيّة./ ‎4-‏ عدم استخدام كلمات لم يسبق شرحها في المعجم./ ‏5- عدم استخدام التعريف والشرح الدوري بالمرادف.

وبناءً على معيار الهدف يمكن تصنيف المعاجم إلى سبعة أنواع متقابلة هي:

‎1-‏ معجم للناطقين بلغة المدخل مقابل للناطقين بلغة الشرح والتعريف./ 2- معجم للصحفيّ مقابل لمعجم للهجة العاميّة./ ‏3- معاجم لاستعمال الناس مقابل معاجم للترجمة الآليّة./ ‏4- معاجم لاستخدام لغة أجنبيّة مقابل معاجم لفهم هذه اللغة./ ‏5- معاجم تاريخيّة مقابل معاجم وصفيّة./ ‏6- معاجم لغويّة مقابل معاجم متخصّصة.

‏       ونلاحظ من هذا التصنيف أنّ الأنواع الأربعة الأولى تتّصل بالمعاجم الثنائيّة اللغة في حين أنّ الأنواع الثلاثة الأخيرة تتّصل بالمعاجم الأحاديّة أو الثنائيّة اللغة على حد السواء. ويستطيع المعجم الثنائيّ اللغة أن يجمع بين عدد من هذه المعاجم طبقًا للأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، فمثلًا يستطيع معجم ثنائيّ اللغة (إنجليزي/ عربي) أن يصمّم لمساعدة مستعمل للمعجم على التحدث بإحدى المعاني العربيّة المعاصرة، ونلاحظ أن هذا المعيار قد سمح بظهور نوع من المعاجم لم يكن معروفًا من قبل في تاريخ صناعة المعجم هو معاجم لاستخدام اللغة الأجنبيّة والتعبير بها مقابل معاجم للاستيعاب والفهم. وكذلك معاجم للترجمة الآليّة، وهذا نظرًا للتطورات التي يشهدها مطلع القرن الحالي في وسائل الإعلام والاتصال والعلاقات الدوليّة، فقد أدّت إلى ظهور اتجاه جديد في تعليم اللغات الأجنبيّة يؤكد على استخدام هذه اللغات في الاتصال والتعبير والتفاهم، ومن ثمّ شهد حقل تعليم اللغة الأجنبيّة أساليب وطرقًا جديدة، وكلّ هذه الوسائل بلورت معاجم ثنائيّة اللغة مواكبة لهذا الاتجاه الجديد.

تلخيصٌ شخصيّ لباب “معايير صناعة المعجم”

نلخّص معايير صناعة المعجم بثلاثة معايير أساسيّة وهي: “معيار المادّة المعجميّة” الذي يقرّر قواعد ويحدّد الصواب والخطأ في الاستعمال. و”معيار المدخل” وهو عدد مفردات اللغة التي أدرجت في المعجم وعدد المعاني التي أدرجت تحت المدخل. وأخيرًا “معيار الهدف” الذي يتمثّل في جمع المفردات أو الكلمات من حيث المعلومات والحقائق المتصلّة بها، ثمّ اختيار المدخل، بعدها ترتيب المداخل وفق نظام معين، ثمّ كتابة الشروح التعريفات وترتيب المشتقّات تحت كلّ مدخل. ثمّ نشر الناتج في صورة معجم.

سابعًا: صناعة المعجم بنظر المتخصّصين

       1- صناعة المعجم العربيّ بِنظر الدارسين

       يقول الدكتور أحمد عزوز في دراسته “صناعة المعاجم العربيّة وآفاق تطوّرها” عن نظرة الدارسين إلى المعجم العربيّ: إنّ مقدّمات المعجميين العرب القدامى تبيّن أنّهم أرادوا أن يضعوا للناس عملاً في هذا الحقل أو ذاك كي ييسّروا لهم الطريق، ويبصّروهم بالأصول من أقصر سبيل، وهذه الروح الأصيلة هي السرّ وراء خلود تراثهم وبقائه حيًّا إلى اليوم، تفيد منه الأجيال المتعاقبة والأمم المختلفة. هذا بنظر د. أحمد طاهر حسنين. ويمكن أن نلاحظ أنّ المعجميّة العربيّة قد أتت بنظريات طريفة لم يكتب لها الحظّ أن تُعرف، فلم تشملها الدراسات اللغويّة العالميّة التي تهتمّ بالمعجم وقضاياه، ولعلّ ذلك عائد إلى جهل الدارسين بمساهمة المعجميّين العرب في تطوير المعجم” وذلك بنظر د. محمد رشاد الحمزاوي. ومن الأدلّة على ذلك أنّ جورج ماطوري في كتابه «تاريخ المعاجم الفرنسيّة «عندما استعرض مساهمة الثقافات والحضارات المختلفة في وضع المعجم، لم يتحدث عن التأليف المعجمي العربيّ على أهميته، وليس هذا فحسب بل حتّى في الدراسات اللغويّة لا يقرّون بذلك لأنّهم متأثرون بالثقافة اليونانيّة والرومانيّة، وما عداهما لا ينظرون إليه بعين الرضا وكذا التأثّر بغيرهما إن كان موجودًا. ولكن المعاجم العربيّة القديمة على عظمة الخدمة التي أدّتها وما تزال تؤدّيها للغة العربيّة وثقافتها، ظلّت قاصرة عن مسايرة النهضة العلميّة والفكريّة التي تشهدها البلاد العربيّة، ومتابعة تطوّر العلوم والمعارف، ما يزداد معه الشعور كلّ يوم بالحاجة الماسّة إلى معجم حديث يضاهي المعاجم المعروفة في اللغات الأجنبيّة، فيتّسع لمصطلحات الفنون والتقنيات وألفاظ الحضارة التي شهدتها البشريّة في القرن الماضي وستشهد تطوّرات مذهلة في المستقبل. على أنّ هذا الشعور مشروط بوجوب إغناء المعجم العربيّ بما جاء في التراث اللغوي القديم، استناداً إلى الخصائص العربيّة ومرونتها، إلى حدّ يمكنه من استيعاب كلّ جديد تدعو إليه ضرورة أو يتطلّبه فنّ أو علم. ولا ضير بالعربيّة من أن يحوي معجمها أيّ لفظ مولّد أو معرّب أو دخيل، إذا خضع اشتقاقه ونظامه الصوتيّ والبنائيّ للقواعد الأساسيّة التي وضعها علماء اللغة العرب، واجتهادات لها مع اللغويّة العربيّة الحديثة؛ فقد كان ذلك نهج القدماء حيث حوت معاجمهم كثيرًا من مصطلحات عصرهم، فمنها ما هو أصيل، ومنها ما هو من صميم اجتهاد اللغويّين والعلماء وفق أسس علميّة رائدة. إنّ اللغة العربيّة – اليوم – لها حاجة إلى صناعة معاجم جديدة، تنطلق من التراث مع إضافة الجديد والحديث، مراعية فيها الإحكام والإتقان والتنظيم والتبويب والتيسير، ممّا يسهل على الباحث أو القارئ إيجاد ما يبحث عنه دون تكلّف أو عناء، خاصة إذا علمنا أنّ معظم اللغات دخلت عصر المعاجم الحديثة، فأصبحت تفي بمواصفات معيّنة وتسد احتياجات مستهلكي الثقافة والعلوم. ولها حاجة – أيضًا – إلى مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٥ه)، والخوارزمي الكاتب (ت ٣٢٧ه)، وابن سيده (ت ٤٥٨ه) وابن منظور (ت ٧١١ه) ليجمع شتات مفردات لغتها قديمها وحديثها ومعرّبها ومولّدها، لصناعة معجم متطوّر يعتزّ به العربيّ أمام ما تبذله أجيال الأمم الأخرى، ويتعاون على إنجازه اللغويّون والفلاسفة والمؤرّخون والأطباء والمهندسون والفقهاء وغيرهم.  فالمعجم وعاء لحضارة الأمّة وتفكيرها وعقليتها وطموحاتها، وتستعمل في إعداده الأجهزة الحديثة والتقنيات المتطوّرة، لبناء قواعد للبيانات والاستفادة منها للحصول على المادّة اللغوية وتحليلها وترتيبها وغير ذلك، “فالمعجميّة العربيّة كغيرها من الفنون اللغويّة تستدعي إعادة النظر في شأنها، لنؤرّخ لها ولنضبط خصائصها ومقاصدها القديمة والحديثة”. ويمكن أن يخضع منهج تأليف معجم لسانيّ عصريّ للعناصر الآتية:

1- يتضمن المعجم الوحدات المعجميّة أو عدد الكلمات الذي يكون بحسب مستعملي المعجم المتنوّعين، فهم لا يحتاجون إلى معجم متشابه ومتجانس لأنّه وسيلة تتلاءم مع المستهلكين، فالقضية ليست قضية كثرة المفردات أو قلّتها بل تتعلّق بالمعجم الذي يحتاج إليه المستعمل.

2- اختيار الكلمات التي يتضمّنها المعجم مع إعطاء الأهمّية لها: أ- الكلمات العاديّة./ ب- الكلمات العلميّة والتقنيّة./ ج- الكلمات الإقليميّة والأجنبيّة./ د- الكلمات الشعبيّة والملحونة، وهذا لمعرفة أصولها العربيّة وإعطاء دلالتها، أو ما يمكن أن يطلق عليه المستويات المتعدّدة للاستعمال – التعريف وترتيب المعاني.

3- الاستشهاد بشواهد لها وظيفة تواصليّة./ 4- أصول الكلمات وتاريخها وهذا بالاستعانة بالإيتيمولوجيا.  5- رسم الكلمات وإملائها مع توضيح النطق بها./ 6- الملاحظات النحويّة ويستحسن كونها تمهيد للمعجم.

       2- صناعة المعاجم بنظر اللغويّين

يقول الأستاذ الجيلالي بو عافية في دراسته “علم صناعة المعاجم مفهومه وقضاياه” (بحث في مرحلة الدكتوراه/ مخبر المعالجة للّغة العربيّة بجامعة تلمسان) حول صناعة المعاجم بنظر اللغويّين: رغم تعدّد وتنوّع المدارس اللغويّة ونظريّاتها التي ظهرت في العصر الحديث إلّا أنّه يلاحظ أنّها لم تؤثر في الحركة المعجميّة إلّا في نطاق محدود، ويعود ذلك إلى عدّة أسباب وعوامل منها:

اختلاف كلّ من المعجميّين واللغويّين تجاه مجال الآخر، فمن جهة المعجميّين يلاحظ أنّه على الرغم من إفادة المعجم من بعض إنجازات علم اللغة، إلّا أنّ المعجمين لا يقتنعون بمكانة النظريّة اللغويّة في مجالهم، فيعدّون دراسة المعجم من أعوص الدراسات التي تواجهها اللسانيات التي لم توفق تمامًا في وضع أسس نظريّة ومنهجيّة توفّر له أسباب الانتساب إليها وإلى مقارباتها ونظرياتها.  فيزعم المعجميّون أنّ الصناعة المعجميّة ليست علمًا بل هي فنّ لا يمكن أن يتقيّد بالطرائق الموضوعيّة التي يتبعها علم اللغة الحديث، فيعدون المعجم مجرّد حرفة ومهارة لا تنتسب إلّا قليلًا إلى اللسانيات، على ما في مادّة المعجم من جدل لغويّ ومقاربات لسانيّة. أمّا عن أسباب هذه الفجوة التي خلقها المعجميّون تجاه النظريات اللغويّة، فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:

لم يُعْنَ مؤلفو المعجمات قديمًا بالنظريّات بقدر ما عنوا بالتطبيقات، أمّا في العصر الحديث فقد بقيت الحركة المعجميّة يقودها الاقتناع والتقليد، وكانت في أغلب الأحيان مشروعات تجاريّة أكثر منها منجزات تربويّة وأكاديميّة، وتتوق أفضل المعاجم التجاريّة إلى تلبية رغبات القراء التقليديّة، ولم يبذل المعجميّون التجاريّون جهودًا مخلصة للإلمام بالنظريّات اللغويّة، وتطبيقها في معجماتهم لأن ذلك يكلّف ثمنًا باهظًا، ويستغرق وقتًا طويلًا، إضافة إلى أنّهم قد يجازفون بجهودهم نظرًا للتناقض بين طرائق البحث اللغويّ وطلبات القرّاء التقليديّة. ويشعر المعجميّون بوجود هوّة عميقة تفصل بين النظريّات اللغويّة التي تتصل بدراسة المعنى، والتي ظهرت حديثًا والتطبيقات المعجميّة التي ما زالت حتّى الآن تعتمد تقاليد قديمة العهد، وذلك على الرغم من إدراكهم أهميّة الإطلاع على هذه النظريّات الحديثة في علم الدلالة لمعرفة طبيعة الدلالة اللغويّة ووجهاتها المختلفة إلّا أّنهم في الوقت نفسه يتردّدون كثيرًا في الاعتماد على الأسس غير المؤكدّة للدراسات الحديثة التي تدور حول المعنى، لأنّ هذه الدراسات أوسع بكثير من الحدود التي يعمل فيها صنّاع المعاجم. أمّا من جهة اللغويّين وموقفهم من صناعة المعاجم، فقد أُهمل المعجم في دراسات بعضهم نتيجة موقف بعض النظريّات اللغويّة منها، فالمدرسة البنيويّة التي بدأها “سوسير” كان اهتمامها الكبير بالصوتيّات ما أدّى إلى إغفال المعجم، أمّا المدرسة “البلومفيلديّة” التي هيمنت على المسرح اللغويّ في الولايات المتحدة الأمريكيّة في منتصف القرن العشرين، فكانت تنظر إلى المعجم على أنّه ملحق بالنحو والصوتيّات، وأنّه قائمة من الاستثناءات الأساسيّة، فاستهانت بقضايا المعجم لأنّها وضعت على بساط البحث قضيّة المعنى التي هي قضيّة عويصة، فالمعنى بحسب رأي البنيويّة من خصائص علم النفس والسلوك أو العلوم الوضعيّة، ولما كانت هذه المدرسة تدعو إلى الوصفيّة وحسب، فإنّها كانت ترى أنّ مسألة المعاني والمقابلات الدلاليّة ليست من مشمولاتها ولا من اهتمام اللسانيّات. وهكذا مال البنيويّون الأمريكيّون المتأثرون بــــ”بلومفيلد” إلى تجاهل دراسة المعجم لأنّه في نظرهم يعالج مفردات توصف بأنّها غير تركيبيّة، أو يبدو التسيّب في تركيبتها على الأقلّ. وكذلك الحال عند التوزيعيين الذين عدُّوا “الوضع” هو الذي يحدّد المعنى ويعرّفه. ومن هنا يبدو لنا أن علم الدلالة مرفوض من حيث كونه أداة توصيليّة لمعرفة بنية اللغة أولًا، وطريقة تحليلها ثانيًا، فيتبيّن أنّ المعاني ليست المرفوضة هنا، أو المنكرة، بل إمكانيّة بناء التعليل على أساس معنويّ وحسب، لأنّ المعنى لا يتسرب في عمليّة التحليل ولا يتدخل إلّا بوصفها تقنيّة نتعرّف بها على البيانات المثاليّة، إلّا أن “فيرث” البريطانيّ اهتم بالمعاجم، وهو معاصر لــ”بلومفيلد”، دعا إلى المعنى بشكلٍ قَلَبَ الدراسة اللغويّة، وعَدَّها نشاطًا ذا معنى. وهكذا منذ أواخر الخمسينات ظهرت بعض الكتب الأمريكيّة التي تعطي حيزًا بسيطًا للدلالة، مثل محاولات “هيل” و “غلييسون” و”هال”، وعلى الرغم من أن “فيرث” كان واحدًا من هؤلاء اللغويّين الذين ربطوا بين التحليل النحويّ، والمعنى، إلّا أنّ هيمنة المدرسة الشكليّة الأمريكيّة كانت تحُول دون ظهور عمق التحليل النحويّ وواقعيّته من حيث ارتباطه بالمعنى سواء عند “فيرث” أو عند غيره. ثمّ جاءت المدرسة التوليديّة التي تزعَّمَها “تشومسكي” فاهتمّت أولًا بالنحو وقضاياه، ثمّ خصّصت عنايتها بقضية التعريف بالمعجم، مستفيدة بذلك من بعض أسس المنهج التحليليّ، فركّزته على ثلاثة عناصر: الصوتيّات، والنحو، والدلالة. فرأت أنّ دراسة هذه البنية تحتاج إلى فهم العلاقات من داخلها، لا من حيث هي وظائف وأشكال على المستوى التركيبيّ، بل عدَّها علاقات تصوريّة وإدراكيّة، يؤدّي العقل الإنسانيّ دورًا واضحًا فيها، من حيث تقدير محذوفات لا تظهر على البنية السطحيّة. كما أنّ نظريّة الحقول الدلاليّة هي أكثر نظريّة اهتمت بالمعجم، فقد ردّت العمل المعجميّ إلى مجال علم اللغة، لأنهّا أعطت مفردات اللغة شكلًا تركيبيًا يستمدّ كلّ عنصر فيه قيمته من مركزه داخل النظام العامّ، ووضعت المفردات في شكل تجمعيّ تركيبيّ ينفي عنها السبب المزعوم. وهناك أسباب أخرى أدّت إلى حدوث هذه الفجوة بين النظريات اللغويّة والصناعة المعجميّة تتعلّق بالحركة اللغويّة نفسها، إذ يواجه المعجميّ صعوبات إذا أراد التقيّد بالمبادئ اللغويّة، منها التغيّر السريع في المسرح اللغويّ، حيث كانت تظهر في الحقبة نفسها مدارس لغويّة عدّة. كما أنّ بعض هذه المدارس كانت تتعرّض للتعديل والتطوّر، وقد يستغرق المعجم سنوات عديدة ثمّ ينتهي ليكتشف في النهاية أنّ هذه النظريّة التي طبّقها أصبحت قديمة ومهملة قبل أن ينشر معجمه، بجانب اختلاف اللغويّين فيما بينهم في المدرسة الفكريّة الواحدة على كيفيّة معالجة المشكلة الواحدة.

        أمّا الدكتور عبد الرحيم بن داود في كتابه “الصناعة المعجميّة في الدرس اللسانيّ الحديث” (جامعة القاضي عياض مراكش المغرب): فيقول حول نظرة اللغويّين لصناعة المعاجم: وكلّ هذا دليل على أنّ الصناعة المعجميّة تحظى اليوم باهتمام اللغويّين الذين سيكون تأثيرهم عليها ملموسًا في المستقبل القريب. وتمرّ الصناعة المعجميّة بمراحل متعدّدة، وهي مراحل متدرّجة ومترتّبة، وتتمثّل فيما يلي:

  • ‎‏المرحلة الأولى: وهي مرحلة الإعداد، وتشمل تحديد الأهداف المقصودة من وراء بناء معجم ما، وتحديد الفئة المستهدفة وتحديد المدوّنة.
  • المرحلة الثانية: وهي مرحلة البحث، وتشمل جمع المدوّنة والمادّة، وتحديد البرامج المساندة، وتنفيذ التصورات المتعدّدة التي تأسّس المعجم عليها.
  • المرحلة الثالثة: وهي مرحلة التطبيق، وتشمل تشغيل البرامج اللغويّة المساندة، وتصميم آليّة عملها، والتطبيق الفعليّ لبناء المعجم”.
  • ‏المرحلة الرابعة: وهي مرحلة التقييم، وذلك بتطبيق آليّة عمل المعجم، وتقديمه للقارئ المستهدف.

وعلى هَدْيِ هذه المعطيات، تكون الصناعة المعجميّة فنّ وحرفة، تهتمّ بكلّ ما يتصل بها من مهارات لغويّة. وهي مهمّة شاقّة، فبالإضافة إلى المعرفة الدقيقة بمعنى الكلمة واستعمالاتها وخصائصها القواعديّة واللفظيّة لابدّ من إتقان طريقة وضع المعجم وتصنيفه ومعرفة انتقاء الكلمات وتشطيير معانيها المراد إعطاؤها واستعمالاتها المتعدّدة وتقديم الأمثلة الإيضاحيّة على ذلك ثمّ ترجمة ذلك كله إلى اللغة المطلوبة.

  3- صناعة المعاجم بنظر الغربيّين

       يقول الأستاذ الجيلالي بو عافية في دراسته “علم صناعة المعاجم مفهومه وقضاياه” (بحث في مرحلة الدكتوراه/ مخبر المعالجة للّغة العربيّة بجامعة تلمسان) عن نظرة الغربيّين إلى صناعة المعاجم: لقد ازداد اهتمام الغربيّين بالصناعة المعجميّة في العقود الأخيرة بشكل كبير، فخلال الأعوام العشرة الماضيّة، ارتفعت الأصوات لتطالب بإدماج علم الدلالة في النظريّة اللغويّة، وهذا ما أعطى الصناعة المعجميّة دفعًا جديدًا، ويمكن تلخيص الاهتمام بالصناعة المعجميّة من خلال المحطّات التالية:

– ففي عام 1960م، عقدت جماعة من اللغويّين والمعجميّين مؤتمرًا لهم في جامعة “إنديانا” لمناقشة المشكلات المختلفة المتعلقة بالصناعة المعجميّة، وقد جُمعت أبحاثهم التي ألقوها في المؤتمر ونشرت في كتاب استقبله المعجميّون باهتمام كبير.

– أثار ظهور قاموس “ويبستر” الدوليّ الثالث لسنة 1961 عاصفة من النقد والتعليق اشترك فيها عدد كبير من اللغويّين والمعجميّين والمربّين والصحفيّين، وانقسم هؤلاء بين مؤيد للاتجاه الوصفيّ الذي تبناه ذلك المعجم ومعارض له، ويشتمل الكتاب الذي ألفه “سلدو أبي” بعنوان “المعجمات وذلك المعجم” على اثنين وستين مقالة نقديّة ظهرت حول المعجم المذكور في الفترة الواقعة بين سنتي 1961 و1962.

–  في عام 1963 نشر “كاتس” و”فودور” نظريّتهما في علم الدلالة، وطالبا بأن تؤلّف المعجمات على هَدْيِ مبادئ نظريّتهما. وقد أثرت نظريّتهما هذه في تفكير عدد من علماء اللغة المبرزين بمن فيهم “تشومسكي” زعيم المدرسة التوليديّة التحويليّة. وقد أثار الجدل الذي دار بين “كاتس” و”فودور” من جهة ومناوئيهما من جهة أخرى، بظهور نظريّات جديدة في علم الدلالة مثل نظريّة “فاين رايش” التي تضمنتها مقالته “استطلاعات في نظريّة المعنى” وفي أثناء ذلك توالت الاقتراحات الخاصّة بطرائق البحث المعجميّة الحديثة التي أطلقها علماء اللغة مشهورون من أمثال “جارلس فلمور” و”جيمس مكولي”.

– لقد لقيت الصناعة المعجميّة رواجًا واهتمامًا ليس من لدن اللغويّين فحسب، بل من المؤسسات التربويّة أيضا، ففي سنة 1966 قام أحد مدرسي اللغة الانجليزيّة بالإشراف على مشروع سماه معجميّون في أسبوع تعلّم فيه طالب السنة الثانيّة الإعداديّة المهارات المعقّدة الخاصّة بصناعة المعجمات، وذلك عن طريق تصنيفهم معجم المفردات العاميّة. وقد توقَّفَ الدكتور الجيلالي عند هذا التاريخ، ليُكمل الدكتور عبد القادر بو شيبة (أستاذ علوم اللغة) في المحاضرة الرابعةَ عشرةَ مِن “محاضرات في علم المفردات وصناعة المعاجم” مُفصِّلًا في نظرة الغربيّين إلى صناعة المعاجم:

– وفي سنة 1968، دعا “جيمس سلد” إلى تشكيل اللجنة المعجميّة في الجمعية اللغويّة الحديثة، وتتطلع هذه اللجنة الآن بإمكانيّة تحقيق اقتراح “سلد” الداعي إلى تأسيس مركزين معجميّن أحدهما في إنجلترا والآخر في الولايات المتحدة الأمريكيّة للقيام بإنتاج معجمات قائمة على أسس لغويّة.

– وبحلول عام 1969 أصبح للصناعة المعجميّة خطوة عند اللغويّين لدرجة أن رئيس الجمعيّة اللغويّة الأمريكيّة آنذاك “أرجبلود.أ. هل”، وقف خطاب الرئاسة على بحث بعض مشكلات الصناعة المعجميّة محاولًا الخروج بحلول منهجيّة ثابتة.

– وفي سنة 1970، عقدت اللجنة المعجميّة التابعة للجمعيّة اللغويّة الحديثة والجمعيّة اللغويّة الأمريكيّة مؤتمرًا حول الصناعة المعجميّة في ولاية “أوهايو” نوقشت فيه مشكلات هذه الصناعة واقترحت لها حلولا مبنيّة على أسس البحث العلميّ.

– عقد في “نيويورك” سنة 1972 مؤتمرًا دوليًّا حول صناعة المعجمات الإنجليزيّة تبنته أكاديميّة العلوم النيويوركيّة، والجمعيّة اللغويّة الحديثة، ومركز العلوم التطبيقيّة، وحضره أشهر علماء اللغة في البلدان الناطقة بالإنجليزيّة، مثل “بولنجر”، و”كليسن”، و”هالداي”، و”هوكن”، و”هل”، و”جولز”، و”كوارت”، و”ماكنتوش”، و”بايك” و”سلد” وآخرين.

إنّ كلّ هذه المحطات والإنجازات والتطوّرات للصناعة المعجميّة، لدليل على أنّ الصناعة المعجميّة بدأت تلقى القبول والاهتمام زمنًا بعد زمن، وهي بحاجة إلى تطبيق نتائج علم اللغة وعلم الدلالة، لتكون المعاجم أكثر فائدة وأكثر إيضاحًا للمعاني.

تلخيصٌ شخصيّ لباب “صناعة المعاجم بنظر المتخصّصين (الدارسين – اللغويّين – الغربيّين)

صناعة المعاجم العربيّة القديمة بنظر الدارسين ظلّت قاصرة عن مسايرة النهضة العلميّة والفكريّة التي تشهدها الدول العربيّة، ما يزيد شعور الحاجّة الماسّة إلى معجمٍ عربيّ حديث يضاهي المعاجم الأجنبيّة. وهي بنظر اللغويّين ما زالت مجرّد فنّ ومهارة وليست علمًا بحدّ ذاته. فهناك هوّة عميقة تفصل بين النظريّات اللغويّة والتطبيقات المعجميّة التي ما زالت حتّى الآن تعتمد تقاليد قديمة العهد. وهي بنظر الغربيّين مادّة تصلح للاهتمام بها. لذلك رأينا عددًا من المتخصّصين يطالبون بدمج علم الدلالة بالنظريّة اللغويّة، فشهدت صناعة المعاجم تناميًا من خلال محطّات علميّة ومعرفيّة بلورت اعتناءً شديدًا بالمعاجم.

ثامنًا: أنواع المعاجم

       يذكر الدكتور عبد القادر بو شيبة (أستاذ علوم اللغة) في المحاضرة الثانيةَ عشرةَ مِن “محاضرات في علم المفردات وصناعة المعاجم، حول أنواع المعاجم” ما يلي: إنّ التآليف المعجميّة ضاربة في القدم وعريقة عراقة المجتمعات والحضارات، وقد تطوّرت تبعًا للتطوّرات الحضاريّة والعلميّة والفكريّة واللغويّة. وفي الوقت المعاصر يُعرف التصنيف المعجميّ تنوُّعًا وتطوُّرًا يواكب تنوّع وتطوّر مناهج الحركة المعجميّة، حيث ظهرت أشكال جديدة من المعجمات في العصر الحديث. ومن أهمّ هذه الأشكال:

1- المعجم الأحادي اللغة: وهو أشهر المعاجم وأكثرها، وهو المعجم الذي يستخدم لغة واحدة، أي تكون الكلمات المرتبّة من اللغة نفسها المستخدمة في الشرح أو التعريف، عربي عربي، أو إنجليزي إنجليزي، وتندرج المعاجم العربيّة القديمة تحت هذا النوع من المعاجم.

2- المعجم الثنائيّ اللغة: وهو المعجم الذي يستخدم في الشرح أو التعريف لغة غير لغة المداخل أو المفردات، إنجليزي عربي أو العكس، مثل معجم المورد لمنير البعلبكي، أو غيره.

3- المعاجم الوصفية: شاع في الربع الثاني من القرن العشرين المنهج الوصفي لمقابلة المنهجين السائدين: المنهج التاريخيّ والمنهج المعياريّ، حيث دعت الوصفيّة إلى دراسة اللغة كما هي: لا كما يجب أن تكون كما في المعياريّة، وفي بيئة مكانيّة معيّنة، وفي حقبة زمنيّة محدّدة لا على مرّ العصور كما في المنهج التاريخيّ. وظهرت على إثر هذا المنهج المعجمات الوصفيّة التي تصف اللغة كما هي دون إخضاعها لمعايير، ودون إصدار أحكام عليها. ولم يلتزم المنهج الوصفيّ أصولًا ثابتة، بل تفرع إلى طرائق بعضها اتسع في ميدان الدرس، وبعضها ضيّق ميدانه حتّى صار بعضهم يكتفي بدراسة الاستعمال اللغويّ عند شخص معيّن في زمان ومكان معيّنين. وظهرت على إثر الوصفيّة، معجمات الفترات، أو معجمات المراحل التي تصف الرصيد اللغويّ للغةٍ ما في مرحلة معينة، فهذا يشمل معجمات الفترة الواحدة التي قد يجرّدها البحث من تاريخ أيّ لغة، مدّعيًا أنّها تمثّل وحدة واحدة لا تَبايُنَ في سماتها، ولا في تغيّر خصائصها. وقد تكون هذه المرحلة قديمة تغطي عصرًا من العصور السابقة، كما قد تكون هذه المرحلة حديثة فيسمى المعجم حينها معاصرًا. كما خرجت من الوصفيّة معجمات تقتصر على دراسة اللغة عند أدب أو شاعر ما من ذلك معجم لغة دواوين “شعراء المعلقات العشر”. والملاحظ أنه لم ينجز في العربيّة الفصيحة معجم تناول فترة زمنيّة محدّدة سواء أكانت الفترة قديمة أو حديثة. وقد حازت اللهجات بالحظّ الأوفر من عناية الوصفيّين، فظهر في بلدان عربيّة أعمال معجميّة تعنى بالعاميّات في بلدانها، فمثلًا في لبنان ظهر عملان منهجهما الوصفيّ، ويندرج هذان العملان تحت موضوع واحد هو وصف اللهجة اللبنانيّة في قطاع جغرافيّ معيّن، فقد قام الشيخ “أحمد رضا” بتصنيف الألفاظ العامية للهجة لجبل عامل والساحل، وما يليه من سفوح لبنان، في كتابه “قاموس ردّ العامي إلى الفصيح” عام 1952 وصنف “أنيس فريحة” ألفاظ قرية رأس المتن في كتابه “معجم الألفاظ العامية” عام 1947 بالإضافة إلى معاجم أخرى في اللهجات العربيّة المتعدّدة. وقد قام المستشرق الألماني “هانيز فير” الذي كان مهتمًّا بتطوّر اللغة العربيّة في العصر الحديث، فألّف في أعقاب الحرب العالميّة الثانيّة معجمًا للمفردات العربيّة المستخدمة في الكتابات الحديثة، وبعد سنوات قليلة اشترك مع المستشرق الأمريكيّ “متليون كون” في ترجمته إلى اللغة الإنحليزيّة بعد أن نقّحاه وتوسَّعا في مادّته اللغويّة. ونُشِر هذا المعجم عام 1961 ثمّ أعيد طبعه عام 1966 تحت اسم معجم اللغة العربيّة المكتوبة في العصر الحديث. وقد جمعت مادّة هذا المعجم على مراحل متعدّدة من الصحف والدوريّات المصريّة والإذاعة في الفترة من 1948-1940 كما اعتمد أيضا على كتابات بعض الأدباء والكتاب أمثال طه حسين، محمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، ومحمود تيمور.

4- المعجم الموسوعيّ: وهو نوع من المعاجم لا يقف عند حدود شرح المفردات ومعانيها، وإنّما يتجاوز ذلك إلى معلومات أخرى غير لغويّة مثل ذكر أسماء بعض العلماء والأدباء والمفكرين والفلاسفة وتواريخ ميلادهم ووفاتهم وبعض أعمالهم، كما يشير إلى أسماء المواضع والبلدان، وكذا بعض الآراء والنظريّات العلميّة والأدبيّة، وغير ذلك. ويمكن أن نصنّف معجم “المنجد” الذي أصدره الأب لويس المعلوف اليسوعي عام 1908 لأوّل مرة تحت هذا النوع من المعاجم، وكان منهجه في فصل المادّة اللغويّة عن المادّة الموسوعيّة في مجلد واحد.

ويفرق علماء اللغة والمعاجم بين المعجم اللغويّ والمعجم الموسوعيّ بناءً على كمّ المعلومات غير اللغويّة في كلّ منهما. ويذكر “وليم ويتني” صاحب “معجم القرن” الذي يعد أوّل معجم موسوعيّ في الولايات المتحدة الأمريكيّة من نوعه في اللغة الإنجليزيّة، حيث يذكر ثلاث خصائص تمتاز بها المعلومات الموسوعيّة، تتمثّل فيما يلي:

1- اشتمالها على أسماء الأعلام من الأشخاص ومواضع وأعمال أدبيّة.

2- احتواؤها على فروع المعرفة المختلفة.

3- معالجتها للحقائق معالجة شاملة.

5- المعجم الموضوعيّ: هو نوع من المعاجم يختلف ترتيبه للمفردات نوعًا وكمًّا، إذ يرتّب المفردات وفق الموضوع أو المعاني التي تتصل به، أي أنّه يلتزم بوضع المفردات المتصلة بموضوع واحد في مكان واحد، مثل الألفاظ الخاصّة بأعضاء جسم الإنسان أو القرابة أو الألوان أو الطعام أو الشراب الخ.

ويطلق على هذه المعاجم كذلك المعاجم المتخصّصة ويمكن عدُّها تطوُّرًا لمعجمات المعاني أو معجمات الموضوعات التي هي من أقدم أشكال المعجمات التي عرفت قديمًا، إلّا أنّها شاعت وتطوّرت في العصر الحديث ولا سيّما بعد انتشار دراسات علم اللغة الاجتماعيّة التي ركزت على تصنيف اللغات وفق فئات متنوّعة من اجتماعيّة وعلميّة ومهنيّة وعمريّة وغيرها. فأصدرت المعجمات المتخصّصة بمختلف فروعها منذ الربع الثاني من القرن العشرين عندما أصدر محمد شرف معجمًا في أسماء النبات عام 1926 كما أصدر في العام ذاته معجمًا في العلوم الطبّيّة والطبيعيّة، وأخرج أمين معلوف “معجم الحيوان” عام 1932 ثمّ أصدر مصطفى الشهابي “معجم الألفاظ الزراعيّة” عام 1943 وهكذا توالت معاجم المصطلحات في مجالات متعددة واختصاصات متنوعة نذكر منها في مجال الأدب واللغة “المعجم الأدبيّ” لجبور عبد النور (1979) و”معجم المصطلحات الأدبيّة” لإبراهيم فتحي (1986) وغيرها. وقد عرفت اللغة العربيّة بوادر هذا النوع من المعاجم منذ بداية حركة جمع اللغة، وذلك في صورة رسائل معجميّة صغيرة لا تتعامل إلّا مع المفردات المتصلة بموضوع واحد، مثل “رسالة في البئر” أو خلق الإنسان أو “الإبل” أو “المطر” الخ، ولعلّ أكبر معجم يمثل هذا النوع من المعاجم في اللغة العربيّة، هو معجم “المخصص”‏ لابن سيدة (ت 458ه) كما نجد نموذجًا صغيرًا لهذا النوع من المعاجم في كتاب فقه اللغة وسرّ العربيّة للثعالبي (ت ‎429ه). ويدرس علم اللغة المعاصر الأسس النظريّة والتحليليّة لهذا النوع من المفردات التي تتصل بموضوع واحد وفق النظريّة العلميّة التي تعرف باسم “نظريّة الحقول الدلاليّة”.

6- المعجم التأصيليّ الاشتقاقيّ: ظهرت هذه المعجمات على إثر شيوع الدراسات المقارنة في حقل الأبحاث التاريخيّة وقد ظهرت نواة الدراسات اللغويّة المقارنة في مؤلفات “كانينوس” خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الذي أذاع في أوروبا فكرة القرابة بين اللغات الساميّة، تلك القرابة التي اعترف بها العرب واليهود على السواء في العصر الوسيط، ثمّ شاع هذا النوع من المعاجم أكثر على إثر اكتشاف اللغة السنسكريتيّة عام 1786 فكان من نتائج هذه المقارنات علم اللغة المقارن، والتي تركّز على دراسة أصول الكلمات ومعناها في اللغات التي تنتمي إلى أسرة لغويّة واحدة، وتاريخها، مع بيان اللغة أو الأسرة المصدر، وشكل الكلمات عندما دخلت إلى اللغة الجديدة، مع بيان ما لحقها من تطور صوتيّ ودلاليّ، وإيضاح مشتقاتها لمعرفة ما يمكن أن يشتقّ منها، ومعاني هذه الصيغ، وبيان العلاقات الاشتقاقيّة بين اللغات التي تنتمي إلى أسرة واحدة. ويعدّ معجم “بيلي” أقدم معجم تأصيليّ اشتقاقيّ في اللغة الإنحليزيّة، حيث ظهر عام ‎،1721‏ ثم قدم “جون جيمسون” معجمًا تأصيليًا اشتقاقيًا مرتّبًا تاريخيًّا عام 1808م وهو معجم إيتمولوجيّ (تأصيليّ) للغة الأسكوتلنديّة. أمّا المعاجم العربيّة فإنّ العرب القدماء لم يفردوا كتبًا للبحث في هذا الموضوع، إلّا أنّهم تعرّضوا إلى ما دخل العربيّة من اللغات الأعجميّة في ثنايا بعض الكتيبات أو الرسائل، ثمّ جاء “الجواليقي” في القرن السادس الهجريّ، فأفرد لهذا الغرض كتابًا بتمامه سمّاه” المعرّب من الكلام الأعجميّ”، ثمّ تتالت المؤلفات في هذا الموضوع، من ذلك “شفاء الغليل” للخفاجي.

7- المعجم التاريخيّ: وهو معجم لا يتقيّد بفترة زمنيّة معيّنة، أو مكان محدّد مثل المعجم الوصفيّ، وإنّما ينظر إلى المراحل المختلفة التي مرّت بها حياة اللغة نظرة شاملة، وخاصّة من ناحية الاستعمال بحيث ينتهي إلى ترتيب التطور في استعمال المفردات من حيث المعنى والمبنى منذ أقدم العصور حتّى العصر الذي يتمّ فيه عمل المعجم. وتمثّل الشواهد على الاستعمال، مرتّبة مقابل كلّ استعمال، حجر الزاوية في مثل هذا المعجم، بحيث يجد الباحث فيه جميع معاني ومباني الكلمات أو المفردات التي تنتمي أو كانت تنتمي للغةٍ ما في جميع مراحل حياتها.

ومعنى هذا أنّ المعجم التاريخيّ يقوم بسرد تاريخ الكلمات أو الوحدات اللغويّة في إطار حياة اللغة، كما يوضح ميلاد المفردات والمعاني الجديدة واختفاء بعض المفردات من الاستعمال وزمان كلّ منها، كما يقارن بين المفردات من حيث أصلها داخل عائلة لغويّة واحدة مثل مقارنة اللغة العربيّة بلغات العائلة الساميّة مثل الآراميّة والسريانيّة والعبريّة وغيرها من لغات هذه العائلة، أو مقارنة اللغات الأوروبيّة الحديثة بلغات العائلة الهنديّة الأوروبيّة وذلك من خلال حياة اللغة أو فترة زمنيّة معيّنة من مراحل حياتها. ويمثّل المعجم التاريخيّ الجانب التطبيقيّ لعلم اللغة التاريخيّ الذي ظهر نتيجة إيمان اللغويّين بأنّ اللغة كالكائنات الحيّة التي تولد، وتنمو وتشبّ، وتهرم ثمّ تموت، ورأوا انطلاقًا من هذه الرؤية الطبيعيّة التطوريّة ضرورة وضع معجم تاريخيّ يساير كلّ لفظ من مولده إلى موته. ويعدّ معجم “أكسفورد التاريخي” للغة الإنجليزيّة أفضل المعجم التاريخيّة، فقد استغرق تأليفه سبعين عامًا قبل أن يتمّ في عام (1928) وهو يسجّل الكلمات كلّها، منذ القرن السابع عشر حتّى القرن العشرين مع أشكال خطوطها وتطوّرها وتاريخ إيتمولوجيّتها، كما ظهرت معاجم تاريخيّة أخرى في لغات أخرى كالفرنسيّة والهولنديّة والدانمركيّة والسويديّة والألمانيّة. وقد شهد المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة ثمّة محاولات بذلك في هذا المجال، حيث ينسب إلى المستشرق “فيشر” محاولة وضع أول معجم عربيّ تاريخيّ إلّا أنّ المنيّة وافته قبل أن يكمل مشروعه، كما أنّ قيام الحرب العالميّة الثانيّة أضاعت جهوده، ولم تبق منها إلّا جذاذات غير مستوفاة، فنقلت المواد إلى مجمع فؤاد الأول للّغة العربيّة كي يستعين بها في تصنيف المعجم التاريخيّ الذي يتهيّأ لوضعه. وقد حاول مجمع اللغة العربيّة في القاهرة تبنّي مشروع “فيشر” ووضعه في معجم شامل يستوعب اللغة في مختلف العصور، إلّا أن هذا المعجم لم يرَ النور بعد، وقد اكتفى المجمع بإصدار “المعجم الكبير” وهذا نظرًا لأنّ المعجم التاريخيّ يحتاج إلى أعمال تمهيديّة لم يؤخذ بها بعد. ولكنّ المحاولة، عادت وأبصرت النور، في القرن الحادي والعشرين. ونلخّص المعلومات القيّمة حول “المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة” من خلال مقابلات جرت مع الدكتور “أمحمّد المستغانمي” مدير مجمع اللغة العربيّة في الشارقة، في عدّة برامج ثقافيّة وعلى هوامش ورشِ عملٍ له قام بها في عدّة مناسبات بما يلي(78):

1- تعريف المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة

المعجم التاريخيّ للعربيّة هو المشروع الأكبر في الصناعة المعجميّة للأمّة . وهو مشروعٌ ضخمٌ جدًّا لأنّ لغتنا العربيّة هي أضخم لغةٍ في العالم. هو سِجِلّ العرب الأكبر، وهو ديوان العرب، كما أنّه خزّان عبارات اللغة العربيّة. وهو توثيقٌ وتأريخٌ للّفظة عبر العصور. وختامًا هو أكبرُ مشروعٍ معرفيٍّ ثقافيّ لغويّ حضاريّ يخدم اللغة العربيّة ويرتبط باللغة العربيّة تاريخًا وحاضرًا ومستقبلًا، وذلك لأنّ اللغة العربيّة تحتلّ مكانةً مرموقةً بين اللغات العالميّة، لِما لها من تقنيّاتٍ وخصائصِ توليدِ المفردات واشتقاق المعاني والألفاظ، بالإضافة إلى مرونتها وتنوُّع أوزانها وصِيَغِها وقدرتها على التطوُّر ومواكبة مستجدّات العلوم الحديثة.

2- دَور المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة

للمعجم التاريخيّ دورٌ في بَلْوَرَة علم المصطلحات في شتّى الفنون والعلوم. وهو مرجعٌ لعُشّاق اللغة العربيّة والراغبين في التعمُّق في فنونها وتراثها وجذورها التراثيّة الغنيّة، من باحثين أو طلّاب أو متخصّصين أو كُتّاب. فكلُّ مَن يحبُّ اللغة العربيّة سيجد فيه ضالَّتَه. وهو يُفيد الباحثين، خصوصًا، في معرفة الكلمات والعبارات التي كانت رائجةً في كلام العرب اليوميّ وفي إبداعاتهم الأدبيّة مِن شِعرٍ ونَثرٍ في مختلِف حقول التأليف، لأنَّ هذا المعجم يعطي الألفاظ العربيّة معناها في السياق، فقد تكون الكلمة قِيلَت في خطبة أو قصيدة شعريّة أو آية قرآنيّة من سورة معيّنة، فالمعجم يبيِّن دلالتها في السياق. وهو يبحثُ أخيرًا يبحثُ عن التطوُّر في الألفاظ ويُسَمّى “التطوّر الدلاليّ” للّفظة العربيّة.

3- أهمّيّة المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة (أهدافه)

المعجم التاريخيّ ضرورةٌ حضاريّةٌ لخدمة لغة الأمّة وذاكرتها، فهو يؤرّخ للّغة العربيّة، ويعود بالإنسان العربيّ إلى ذاكرته وإلى هويّته، فأنت تقرأ لغةً مؤرَّخَةً في سياق.. وهو ضروريّة لغويّة لأنّه يرصُد تاريخ الكلمات العربيّة ويتتبّع ألفاظ العربيّة المستعمَلة منذُ ميلادها ونشْأتها الأولى استعمالاتها القديمة وتطوُّر دلالاتها وما طرأَ عليها في جميع العصور إلى الوقت الحاضر. وهو ضرورةٌ تاريخيّة لأنّه يؤرِّخ لأحداث الأمّة العربيّة في مختلِف عصورها، منذ عصر النقوش القديمة على جدران الكهوف والجبال والمغارات، مرورًا بالعصر الجاهليّ حتّى عصر التدوين وكتابة العلوم وتوثيق الفنون والآداب والمعارف التي أثْرَتْ لغة الضاد ومفرداتها. وهو سِجِلٌّ يحفظُ أيّام العرب وتاريخَهم، فمَن لا تاريخَ له لا مستقبلَ له. بالمختصر، هو يقدّم خدمةً كبرى للمختصّ والقارئ والمثقّف وللقارئ الذي يرى كيف تطوّرت اللفظة العربيّة عبر العصور.

4- نشأة المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة

الحضارة تُبنى على ما وصل إليه الآخرون. المعاجم الأجنبيّة أرَّخت للكلمة قبل العرب، لذلك، فقد تأثَّر المعجم التاريخيّ بالمعاجم الأجنبيّة (أكسفورد – المعجم الفرنسيّ – المعجم الألمانيّ) من حيثُ فكرةُ التأريخ للكلمة: في أيّ عصرٍ قبلت؟ ومَن قائلها؟ وكان “أوغيست فيشر” المؤرّخ الألمانيّ المستعرب يدرك أسرار اللغة العربيّة بجمالاتها واتّساعها، فكان شَغوفًا بالألفاظ العربيّة واشتقاقات الفعل ودلالات الأسماء. فجاء إلى القاهرة، محمَّلًا بالتجربة الألمانيّة، فوضع المجمَع تحت يديه مجموعةً من الباحثين، ولكنّ العدد كان قليلًا جدًّا، فاللغة متطاولة، عميقة الجذور، واسعة الأطراف، كثيرة الألفاظ، ثريّةٌ في موادّها، عظيمة، تراثها ثريٌّ جدًّا. كان “أوغست” أمّةً بما أوتِيَ من عزمٍ وقوّة وإرادة قويّة، فقد جمع مئات الكتب يدويًّا وعلى الورق. لكنّ الحرب العالميّة حالت دون التكملة. ثمَّ جاءت مبادرة الأمير صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسميّ عام 2007م، الذي كان له اليد الطُولى بالتمويل للمعجم التاريخيّ، فكانت الانطلاقة.. حين وجد حاجة العالم العربيّ إلى هكذا معجم يؤرّخ للكلمة العربيّة الأصيلة.

5- الفرق بين المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة والمعاجم التاريخيّة الأجنبيّة

هناك فرقٌ بين المعاجم الأجنبيّة وبين المعجم التاريخيّ:

1- في عدد الشواهد، فالمعاجم الأجنبيّة كانت تأتي بخمسة أو ستّة شواهد للعصر الواحد، بينما المعجم التاريخيّ يأتي بِشاهدٍ واحد فقط، وذلك لأنّ زمن اللغة الإنكليزيّة مثلًا هو ثمانية قرون على أبعد تقدير. فلو أخذ المعجم التاريخيّ بكلّ الشواهد لكان عدد المجلّدات يفوق الألف مجلّد. لقد استفاد المعجم التاريخيّ بطريقة تأريخ المعاجم الأجنبيّة وبطريقة ترتيبها، وقد أخذ بعين الاعتبار اللغة المنحدرة من اللغات الأخرى، فاللغة الأجنبيّة منحدرةٌ من اللاتينيّة، بينما العربيّة فهي منحدرةٌ من الساميّات وهي معروفةٌ بالاشتقاق وبالإعراب وبالجذور وكيف تتفرّع عنها المشتقّات، بمعنى أنّه أخذ بعين الاعتبار خصائص اللغة العربيّة التي تتفرَّد بها عن سائر اللغات.

2- ركَّزَت المعاجم الأجنبيّة على أبعاد الكلمة دلاليًّا وصرفيًّا واشتقاقًا وعلميًّا. بينما شرح المعجم التاريخيّ المادّة اللغويّة فقط، فهو يُعنى بتاريخ المعنى، كيف استُعمل؟ وكيف تطوَّرت دلالتُه في كلّ عصر. كما يُعنى بالناحية الصرفيّة بمعنى أنّه يضبط عين الفعل، والعين هي الصرف العربيّ، النحو يُعنى بأواخر الكَلِم، بينما الصرف يُعنى بعين الكلمة. ولكنّه لا يُعنى أبدًا بالناحية الأسلوبيّة ولا بالأديب ولا بجماليّة القول الأدبيّ شِعرًا ونثرًا، بل بأقدم شاهِدٍ في العصر، لذلك لا يهتمّ بشهرة الشاعر أو الخطيب بقدر ما يأخذ بأقدم شاهد شِعريّ أو خطبة. فهو يرصُد الأسبق فالأسبق، ويرصد الكلمةَ أوّل استعمالها.

6- منهج المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة

العرب منذ الزمن القديم تفوّقوا في عِلم المعجميّات وكانوا السبّاقين في صناعة المعاجم، حيث أصدر الخليل بن أحمد الفراهيديّ “معجم العين” قديمًا (توفّي سنة 171ه) فكان أوَّل مَن صنع معجمًا. ثمّ جاءت معاجم اللغة العربيّة تترا “مقاييس اللغة” “القاموس المحيط” “تاج العروس” “لسان العرب”. لكن تلك المعاجم كانت عامّة، بمعنى أنّها تشرح المفردات وتعطي بعض الأمثلة، وليس لها منهجٌ موحَّد. فقد يبدأ ابن منظور بفعلٍ أو باسمٍ أو بمصدر، ثمّ يقول: قالت العرب… فلا يجد الإنسان ضالّته من حيث المنهج الذي لم يكن واضحًا بالنسبة إلى المعجميّين الكبار، وإن كانوا حريصين على الدقّة من حيث سلامة الألفاظ ومن حيث الضبط اللغويّ، فمن أراد أن يشرح لفظًا يعود إلى تلك المعاجم. لكنّ المعجم التاريخيّ يؤرّخ لألفاظ اللغة العربيّة ويسعى إلى حصرها من جديد. فهو يُعيد جَمْعَ اللغة جَمْعًا ثانيًا، مع الشواهد والتوثيق العلميّ، منذ البدايات الأولى قبل الجاهليّة وصولًا إلى العصر الحديث: مَن استعملَ هذا اللفظ؟ وفي أيِّ سياقٍ وَرَدَ؟ بل هو يقارنُ بين هذا اللفظ وإخوته في اللغات الساميّة والنظائر. هو يبحثُ في النقوش العربيّة القديمة كيف وردت اللفظة في رحلتها المبكرة بين العربيّة الجنوبيّة والعربيّة الشِماليّة؟ هل هذا اللفظ موجودٌ في العِبريّة؟ هل هو موجودٌ في الآراميّة؟ في الحبشيّة؟ في الجعزيّة؟ في السريانيّة؟ ويأتي بذلك اللفظ في تلك النظائر من حيث علاقته باللغات الساميّة مقارنةً مع اللغات الأكّاديّة وفي البوغاريتيّة وفي الآراميّة وفي السريانيّة: كيف يُنطَق؟ كيف يُكتَب؟ ثمّ يمرّ على الشِعر الجاهليّ ويؤرّخ للّفظ، كيف ورد عند الجاهليّين؟ ثمّ يأتي إلى عصر الإسلام مع نزول القرآن الكريم: هل استُعمِل هذا اللفظ في القرآن الكريم؟ بأيّ معنى؟ وبأيّ سياق؟ وفي أيّ صورة؟ ثمَّ الحديث النبويّ الشريف، ثمّ الأمويّ ثمّ العبّاسيّ، فالدول والإمارات، إلى أن يصل إلى العصر الحديث، فيذكر معنى اللفظ ويؤرّخ له نثرًا أو شِعرًا، بمعنى أنّه يبحث عن معنى اللفظ في العربيّة ويناقشه كيف ورد، ثمَّ يُورِدُهُ في مداخل، ثمّ المعنى الثاني ثمّ الثالث، وهكذا.. ويأخذ كلَّ معنى فيبحث عن الذي أوردَه (مَن هو قائل اللفظ؟) ويذكر سنة وفاته ليؤكّد على العصر الذي كان فيه. بالمختصَر، إنّه يبحث عن كلّ ما يتعلّق بمعنى الاسم أو الفعل، ثمّ يبحث عنه في كلّ مجالات اللغة العربيّة: في القرآن – الحديث – الخُطَب – الشِعر.. ثمَّ يأخذ أقدم شاهد ويؤرّخ به. كما يأخذ تحوُّل اللفظة دلاليًّا (سيّارة كانت جمع الناس صارت مركبة آليّة.. السابقون هم المقرّبون، أصحاب السوابق هم المجرمون…) ويذكر معناها ومَن قائلها وفي أيّ عصر قيلت وكيف وردت في السياق؟ يأتي الباحثُ بالجَذر الواحد، ثمَّ:

1- يستخرج منه الأفعال والأسماء كمداخل، مثلًا المشتقّات اسم فاعل اسم مفعول صيغة مبالغة فَعول فعّال…

2- يرتّب الأفعال من المجرّد إلى المزيد.

3- ينظر في الكلمة: هل تمحَّضَت للاسميّة وليست أسماء مشتقّة: ضابط أصلها اسم فاعل، لكن صارت رتبة عسكريّة. معلِّم اسم فاعل لكن صارت مهنةً للدراسة.

4- ينتقل تدريجيًّا من الحقيقة إلى المجاز.

5- يأخذ الأفعال قبل الأسماء.

    7- مراجع المعجم للّغة العربيّة

تتكوَّن المدوَّنة التاريخيّة من 20 ألف كتاب. وهي مصادر انتقائيّةٌ زمانيًّا. فجاءت المراجع بأنواعها على الشكل التالي:

1- الشِعر، فمعظم الدواوين التي أُخِذَت مِن كلّ عصر، كانت شِعريّة.

2- أمّهات الخطابة والرسائل.

3- القرآن الكريم بجميع قراءاتهِ.

4- أمّهات الحديث النبويّ الشريف: البخاريّ – مسلم – أبو داوود – النَّسائيّ – الترمذيّ – ابن ماجة.

5- علوم التشريع: تفسير – فقه – سيرة…

6- العلوم الطبيعيّة القديمة.

7- الفلسفة: الإغريقيّة…

8- التاريخ.

9- الرحلات: (انتقاء جغرافيّ): وهي موزّعة جغرافيًّا: كتب مصر – العراق – المغرب العربيّ – الشنقيط – الجزيرة العربيّة…

تلخيصٌ شخصيّ لباب “أنواع المعجم”

من أهم المعاجم التي عرفها العصر الحديث “المعجم الأحادي اللغة” “عربي عربي” “إنجليزي إنجليزي” والمعجم الثنائيّ اللغة “عربي إنجليزي” “فرنسي عربي” والمعجم الوصفيّ يأخذ بعين الاعتبار بيئة مكانيّة معيّنة وحقب زمنيّة محدّدة. يليه المعجم الموسوعيّ الذي يذكر أسماء بعض العلماء والأدباء والمفكرين والفلاسفة وتواريخ ميلادهم ووفاتهم وبعض أعمالهم. والمعجم الموضوعيّ الذي يرتّب المفردات وفق موضوع أو المعاني التي تتصل به مثل موضوع أعضاء الجسم. والمعجم التأصيليّ الاشتقاقيّ، وهو يذكر معنى الكلمة في اللغات التي تنتمي إليها مع بيان ما لحقها من تطوّر صوتيّ ودلاليّ وإيضاحيّ.

وأخيرا المعجم التاريخي الذي يدرس تاريخ الكلمات ويوضح ميلاد المفردات والمعاني الجديدة، واختفاء بعض المفردات من الاستعمال، وزمان كلّ منها. وكان المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة آخر إنتاجٍ معاصرٍ غير مسبوق في التأريخ للكلمة بكلّ أبعادها.

الإتقان صناعة المعاجم  

       يقول الدكتور أحمد عزوز في دراسته صناعة المعاجم العربيّة وآفاق تطوّرها، خاتمًا دراسته حول صناعة المعاجم قائلًا: مع بداية السبعينيات من القرن الماضي، وجدت المعجميّة العربيّة اهتمامًا كبيرًا من لدن المجامع اللغويّة، والهيئات العلميّة والتربويّة والمؤسسات الاقتصاديّة ووسائل الإعلام والمؤسسات الإشهاريّة وغيرها، وبات استثمارها واضحًا في كثير من المجالات كالمعلوماتيّة والمصطلحيّة، والمعاجم العاديّة والتقنيّة بأنواعها، وبذلك اكتسبت المعجميّة شرعيّة العلم المستقل. على أنّه لا تزال تصبو إلى تحديد موقعها وضبط مصطلحاتها، وبخاصّة بعدما أصبحت ملتقى لحقول دراسيّة لسانيّة وغير لسانيّة تتمركز كلّها حول العمليّة الإيصاليّة. وفي الأخير نصل إلى تلك الآفاق والطموحات عندما نضع المعجم في مستوى الصناعة «ذلك العمل الذي يشعر القائم به رغبة في إجادته وإتقانه، فيتصوّره ويصمّمه ثمّ يوفّيه حقّه من الإعداد والدراسة ويعرف الغاية منه، فيسلك إليها أوضح نهج وأقوم سبيل، ثمّ يقرن بالفنّ المتطوّر مع الزمن، المصقول بالمران، المهذّب بالاتّقاء، حقيقةً واقعة في أجمل صورها وأسمى معانيها، وحينئذ يكون هذا العمل الجيّد صناعة كما يدلّ عليها جوهر اللفظ في متن اللغة العربيّة(79).

وكفى الصناعة بهذا المعنى ورودها في قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ (النمل/ ٨٨)، وقوله عزّ وجلّ: ﴿واصنعِ الْفُلْك بِأَعينِنا ووحيِنا ولا تخاطبنِي في الَّذين ظَلَموا إِنّهم مغرقُونَ﴾ (هود/ ٣٧).

 

رؤيةٌ شخصيّةٌ

وبعد الاطلاع على الدراسات وتناول مواضيعها المتنوّعة في نطاق المعجم اللغوي، لابدّ من الوقوف على النافذة المشرفة على الأفق البعيد، والتأمل بإمعانٍ لاستشراف مستقبل المعاجم اللغويّة. والتفكير والتخطيط لمستقبلها باستخدام أهم الآليات والضوابط اللازمة للتوفيق بين التراث بركائزه والحداثة بمستجدّاتها، لأجل الوصول إلى وضع معاجم عصريّة تأخذ من التراث ما يتماشى والعصر الحديث وتضيف له من المستجدات الراهنة ما يتوافق وخصوصيّات اللغة العربيّة وغيرها من اللغات من جهة ثانية، وأيضًا العمل على بيان النظام والمنهج اللازم إثباته في إخراج المعجم الحديث بمفرداته المعاصرة الملائمة لجيل الذكاء الاصطناعيّ لأبناء اللمسة السحريّة التي تضغط على الزرّ فتلبي احتياجاته اللغويّة والعلميّة. معاجم تقف على الجديد وتحافظ على المواطن التي تستلهم من المعاجم القديمة، لكون المعاجم التراثية دعامة أساسية تنطلق منها المعاجم الحديثة وتثريها. والاستعانة بالآليات والاستراتيجيات المعاصرة، لمواكبة الرّكب الحضاري بمختلف مجالاته. لتغليب صفة الحداثة على التراثيّة والتقليد اللاصيقتين بالمعجم العربيّ خصوصًا. فالمعجم العربي التراثي جاء في فترة لها معطياتها ومتطلباتها التي أوجدته، وعليه فالمعجم وليد ظروف خاصة بالفترة في حين الوقت الراهن يتطلب نوعًا مغايرًا من المعاجم تكمل الشرح والحفظ للغة العربيّة بمستجدّات العصر وتطوّراته. كما أنّ اللافت أنّ المعاجم العربيّة المختصّة الحديثة مؤلّفة من قِبل مؤسسات عِلميّة قائمة بذاتها أو من قبل رئيس دولة مهتمّ بإحياء اللغة فينشئ لجنة مختصّة لصناعة المعاجم العملاقة، كما هو الحال لدى المجامع العِلميّة اللُّغويّة العربيّة. على عكس المعاجم التراثيّة التي كان الفرد الواحد بهمتّه العالية يخرج معجمًا فريدًا كالفراهيدي والأزهريّ وغيرهم. بينما المعجم العربي الحديث يساير المستجدّات المعجميّة الحاصلة وتوظيف الإجراءات والتقنيات التي تقدّمها التكنولوجيا، فجاءت المعاجم الإلكترونيّة العربيّة بالرغم من قلّتها بصمة العصر في الصناعة المعجميّة.

خاتمةٌ شخصيّة

ستبقى صناعة المعاجم مَعينًا لا ينضب، وستبقى ببقاء الكلمة إلى يوم القيامة. وسيبقى صانعو المعاجم يستقون تلك الكلمة من الخالق سبحانه وتعالى لأنّ صُنْعَه كاملُ الإتقان، فهو قد “أتقن كلّ شيء”. فهل ستصل صناعة المعاجم إلى أهدافها الكماليّة البشريّة؟ وهل ستجد صداها لدى الشعوب التي طغت عليها صناعة الهواتف وبرامجها ووسائل التواصل فيها؟ وهل سيستفيق محبّو اللغة العربية إلى أنّها يجب أن تعود إلى سابق عهدها من المجد والسؤدد؟ أسئلة نتركها للتاريخ القادم عسانا نجد إجابات مفرحة ومرضية تشفي غليل الظمآن…

الهوامش

  1. حسين نصار، المعجم العربي نشأته وتطوره، ط ،2 مكتبة مصر، 1968.
  2. ابن منظور لسان العرب ص 2826.
  3. ابن منظور لسان العرب ص 2826.
  4. ابن منظور لسان العرب ص 2827.
  5. ابن فارس أبي الحسين أحمد بن زكريا. معجم مقاييس اللغة تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر الجزء الخامس الصفحة 26.
  6. سورة الجن الآية 15.
  7. سورة الحجرات الآية 9.
  8. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، ص ‎‏
  9. ابن جني، الخصائص، ج 3، تحقيق محمد علي النجار. دار الكتاب العربي بيروت – لبنان‎ – 1952. ص76.
  10. أحمد مختار عمر. صناعة المعجم الحديث ص 19-20.‏
  11. محمد الحناش، البنيوية في اللسانيات، دار الرشيد الحديثة الدار البيضاء الطبعة الأولى 1980 ص31.
  12. إبراهيم بن مراد. صلة التأليف القاموسي العربي الحديث بالنظرية المعجمية، مجلة الدراسات المعجمية مجلة علمية محكمة متنصصة في الدراسات المعجمية تصدر عن الجمعية المغربية لدراسات المعجمية، المدير المسؤول ورئيس التحرير عبد الغني أبو العزم، العدد السابع والثامن. محرم/ صفر 1430 يناير 2009 مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبع هذا العدد بدعم من وزارة الثقافة ص56-57.
  13. علي نبيل. العقل العربي ومجتمع المعرفة: مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول الجزء الأول. عالم المعرفة العدد 396، 2009 ص 287-288.
  14. علي نبيل. العقل العربي ومجتمع المعرفة: مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول ص 287-288.
  15. وليد أحمد العناتي. نحو معجم حاسوبي أحادي للناطقين بغير العربية. مجلة المراسات المعجمية ص227-288.
  16. أحمد مختار عمر: صناعة المعجم الحديث ص 31.
  17. محمد أحمد الغرب، اللغة والأدب والنقد، رؤية تاريخية ورؤية فنية، المركز العربي للثقافة والعلوم، بيروت، لبنان، ص ‎
  18. محمد أحمد الغرب، المرجع السابق،‎ ص 74.
  19. حسين نصار، المعجم العربي، دار مصر للطباعة، ط2، القاهرة، سنة‎ 1968، ج1/ص 13-13.
  20. محمد أحمد الغرب، المرجع السابق،‎ ص 74.
  21. محمود فهمي حجازي، البحث اللغوي، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ص.48‏
  22. محمود فهمي حجازي، المرجع نفسه، ص ‎ وينظر د. أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص23.
  23. محمود فهمي حجازي، المرجع نفسه، ص‎
  24. محمد أحمد الغرب، المرجع السابق، ص‎
  25. حركه التأليف عند العرب، أمجد طرابلسي، دمشق، 1954.
  26. صناعة المعجم الحديث، احمد مختار عمر، عالم الكتب، مصر، 1988.
  27. صناعة المعجم العربي لغير الناطقين بالعربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتبة مكتب تنسيق التعريب، الرباط،1981
  28. العربية وعلم اللغة البنيوي، حلمي خليل، دط، دار المعرفة، الاسكندري، 1996.
  29. علم الدلالة، احمد مختار عمر، ط 2، عالم الكتب، القاهرة، 1988.
  30. علم اللغة وصناعة المعجم، على القاسمي، ط 3، مكتبة لبنان، ناشرون، 2004.
  31. Voir, Le Petit Robert, Sous la direction de Paul Robert, T: l, P: 1080
  32. خولة طالب الإبراهيمي، مبادئ في اللسانيات، دار القصبة للنشر، الجزائر، سنة 2000، ط 1،‏ ص 150.
  33. فندريس، اللغة، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص، مطبعة لجنة البيان العربي، سنة ‎1950، ص226.
  34. ‏ ماريو باي، أسس علم اللغة، ترجمة أحمد مختار عمر، عالم الكتب، ط ‎2،‏ القاهرة، سنة 1983،‏ ص44.‏
  35. ‎ Le Petit Robert, T: 1, P: 1088
  36. Jacqueline Picoche, Précis de lexicologie franÇaise, l’étude et l’enseignement du vocabulaire, édition Fernand Nathan, 1977, P: 44.
  37. ‎ جان بيرو، اللسانيات، ترجمة د. الحواس المسعودي ومفتاح بن عروس، دار الآفاق، سنة 2001، ص84.
  38. ‏حلام الجيلالي، المرجع السابق، ص‎
  39. Voir, Georges Matoré, Histoires des dictionnaires franÇais, Larousse, Paris, 1968, P: 36.
  40. ‏ حلام الجيلالي، المرجع السابق، ص‎
  41. ماطوري جورج، منهجية المعجمية، ترجمة وتقديم عبد العلي الودغيري، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المغرب.‎1994،‏ ص ‎
  42. ‏ الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة (عقل).
  43. محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط7،‏ 1971،‏ ص ‎،162.
  44. ‏ محمد الأنطاكي، الوجيز في فقه اللغة، مكتبة دار الشرق، بيروت، ط2، ص‎
  45. محمد أبو الفرج، المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث، دار النهضة‎ العربية للطباعة والنشر، 1966، ص13.
  46. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، ص 20.
  47. احمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، ص 20-21.
  48. أحمد مختار عمر ‎٠‏ صناعة المعجم الحديث، ص 21.
  49. عماد حاتم. في فقه اللغة وتاريخ الكتابة، ص ‎
  50. علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم، ص 9-10‏.
  51. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، ص25.
  52. علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم، ص10.
  53. علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم، ص10.
  54. وليد أحمد العناتي، نحو معجم حاسوبي أحادي للناطقين باللغة العربية مجلة الدراسات المعجمية ص 231.
  55. عماد حاتم، في فقه اللغة وتاريخ الكتابة ص 42.‏
  56. على القاسمي: علم اللغة وصناعة المعجم، ص20.
  57. ابن خلدون، المقدمة، الطبعة الرابعة 1498ه، الجزء الأول من كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. دار الكتب العلمية بيروت لينان، ص548.
  58. أحمد مخثار عمر، صناعة المعجم الحديث. كنية دار العلوم القاهرة. عالم الكتب، ص 25.
  59. محمود فهمي حجازي. علم اللغة العربية مدخل تاريخي مقارن في ضوء التراث واللغات السامية، ص 95.
  60. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، ص 25.‏
  61. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، ص25.‏
  62. علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم، ص12.
  63. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، ص 31-30.
  64. علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم، ص20. ‏
  65. إبراهيم محمد نجا، المعاجم اللغوية، مطبعة السعادة، سنة 1978،‏ ص .6.
  66. حلام الجيلالي، المعاجم العربية – قراءة في التأسيس النظري، ديوان المطبوعات الجامعية، وهران، ط1، سنة ‎1997،‏ ص3.‏
  67.  أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، عالم الكتب، مصر، ط1،‏ سنة 1988، ص27.
  68. ‏ حسن ظاظا، كلام العرب، من قضايا العربية، دار النهضة للطباعة والنشر بيروت، سنة ‎1970،‏ ص ‎
  69. ‏ أحد مختار عمر، المرجع السابق، ص‎
  70. ‏ إبراهيم محمد نجا، للمرجع السابق، ص‎
  71. حلام الجيلالي، المرجع السابق، ص‎
  72. ‏ حسن ظاظا، كلام العرب، من قضايا العربية، ص‎ 127-128.
  73. محمد رشاد الحمزاوي، من قضايا المعجم العربي، دار الغرب الإسلامي، ط١،‏ سنة، 1986‏، بيروت، لبنان، ص ‎‏
  74. ‏ حلام الجيلالي، المرجع السابق، ص‎
  75. ‏ أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص‎
  76. ‏ أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص‎
  77. حلام الجيلالي، المرجع السابق، ص‎
  78. أمحمد المستغانمي، مقابلات تلفزيونيّة ولقاءات وورش عمل:

– المعجم التاريخي للغة العربيّة وتحديات “العربيّة”، حديث العرب، https://youtu.be/ybr0MKPWWX8

– ورشة المعجم التاريخي للغة العربيّة، مركز أبو ظبي للغة العربيّة، https://youtu.be/6jUdl8E_I60

– برنامج أماسي: المعجم التاريخيّ للغة العربيّة فتح مبين في المعجميّات، https://youtu.be/o3ZoGfOWZ7c

  1. عدنان الخطيب، المرجع السابق، ص -٢١٣ .

المصادر والمراجع

  1. ابن جنّي، عثمان بن جنّي الموصليّ، الخصائص، ج 3، تح: محمّد علي النجار. ،1952، دار الكتاب العربي، بيروت.
  1. ابن فارس، أبي الحسين أحمد بن زكريا. معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمّد هارون، ١٣٩٩هـ – ١٩٧٩م. دار الفكر للطّباعة والنشر، بيروت.
  2. ابن مراد، إبراهيم، صلة التأليف القاموسي العربي الحديث بالنظريّة المعجميّة، مجلّة الدراسات المعجميّة، العدد السابع والثامن. محرّم/ صفر 1430 يناير 2009، وزارة الثقافة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط.
  3. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمّد بن محمّد، ط4، 1498ه، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. دار الكتب العلميّة، لبنان.
  4. ابن منظور، محمّد بن مكرم بن عليّ، أبو الفضل، جمال الدين، لسان العرب، ط3، 1414 هـ، دار صادر، بيروت.
  5. أبو الفرج، محمّد، المعاجم اللغويّة في ضوء دراسات علم اللغة الحديث، 1966، دار النهضة‎ العربيّة للطباعة والنشر، القاهرة.
  6. الأنطاكي، محمّد، الوجيز في فقه اللغة، 1969، ط2، مكتبة دار الشرق، بيروت.
  7. الإبراهيمي، خولة طالب، مبادئ في اللسانيّات، 2000، ط 1، دار القصبة للنشر، الجزائر.
  8. الجيلالي، حلام، تقنيات التعريف في المعاجم العربيّة، 1999، د.ط. مطبعة اتحاد كتاب العرب، دمشق.
  9. الحمزاوي، محمّد رشاد، من قضايا المعجم العربيّ، 1986، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
  10. الحناش، محمّد، البنيويّة في اللسانيّات، 1980، ط1، دار الرشيد الحديثة الدار البيضاء.
  11. العناتي، وليد أحمد، نحو معجم حاسوبيّ أحادي للناطقين بغير اللغة العربيّة،2008، مجلة الدراسات المعجميّة، م4، عدد3، الأردن.
  12. الغرب، محمّد أحمد، اللغة والأدب والنقد، رؤية تاريخيّة ورؤية فنيّة، المركز العربيّ للثقافة والعلوم، بيروت.
  13. الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمّد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط3، 2005، مؤسّسة الرسالة للطّباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
  14. القاسمي، عليّ، علم اللغة وصناعة المعجم، ط 3، 2004، مكتبة لبنان، ناشرون.
  15. المبارك، محمّد، فقه اللغة وخصائص العربيّة، ط7،‏ 1971،‏ دار الفكر للطّباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.
  16. المستغانمي، أمحمّد، مقابلات تلفزيونيّة ولقاءات، وورش عمل:

-المعجم التاريخيّ للغة العربيّة وتحديّات “العربيّة”، حديث العرب، https://youtu.be/ybr0MKPWWX8

-ورشة المعجم التاريخيّ للغة العربيّة، مركز أبو ظبي للغة العربيّة، https://youtu.be/6jUdl8E_I60

-برنامج أماسي: المعجم التاريخيّ للغة العربيّة فتح مبين في المعجميّات، https://youtu.be/o3ZoGfOWZ7c

  1. المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم، صناعة المعجم العربيّ لغير الناطقين بالعربية، 1981، مكتب تنسيق التعريب، الرباط.
  2. باي، ماريو، أسس علم اللغة،1983،‏ ترجمة أحمد مختار عمر، عالم الكتب، ط ‎2،‏ القاهرة.‏
  3. ‎ بيرو، جان، اللسانيّات، سنة 2001، ترجمة د. الحواس المسعودي ومفتاح بن عروس، دار الآفاق، الجزائر.
  4. حجازي، محمود فهمي، البحث اللغويّ، 1994، دار غريب للطّباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.
  5. حجازي، محمود فهمي، علم اللغة العربيّة مدخل تاريخيّ مقارن في ضوء التراث واللغات السامية، الناشر وكالة المطبوعات، الكويت.
  6. حلام الجيلالي، المعاجم العربية – قراءة في التأسيس النظريّ، ط1، سنة ‎1997،‏ ديوان المطبوعات الجامعيّة، وهران.
  7. خليل، حلمي، العربيّة وعلم اللغة البنيويّ، د. ط. 1996، دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة.
  8. ‏ طرابلسي، أمجد، حركة التأليف عند العرب، 1954، مطبعة الجامعة السوريّة، دمشق.
  9. ظاظا، حسن، كلام العرب، من قضايا العربية، 1770، دار النهضة للطّباعة والنشر، بيروت.
  10. عماد، حاتم، في فقه اللغة وتاريخ الكتابة، ط1، 1982، المنشأة العامة للنشر، طرابلس.
  11. عمر. أحمد مختار، صناعة المعجم الحديث، 2009م، ط2، دار علامة الكتب، القاهرة.‏
  12. فندريس، جوزيف، اللغة، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمّد القصّاص،‎1950، مكتبة أنجلو المصريّة.
  13. نبيل، علي، العقل العربي ومجتمع المعرفة: مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول الجزء الأول. عالم المعرفة العدد 396، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب،الكويت.
  14. نجا، إبراهيم محمّد، المعاجم اللغويّة، 1978مطبعة السعادة، مصر.
  15. نصار، حسين، المعجم العربيّ نشأته وتطوّره، ط2،‎ 1968، دار مصر للطّباعة، القاهرة.
  16. ماطوري، جورج، منهج المعجميّة،‎1994،‏ ترجمة وتقديم عبد العلي الودغيري، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المغرب.
  17. Jacqueline, Picoche, Précis de lexicologie franÇaise, l’étude et l’enseignement du vocabulaire,1977. édition Fernand Natha.
  18. Georges, Matoré, Histoires des dictionnaires franÇais, 1968, Larousse, Paris.
  19. Robert, Paul, Le Petit Robert, Sous la direction de Paul Robert 1910-1980, compiler.; Rey-Debove, Josette, editor.; Rey, Alain, editor. Paris.

 

 

[1] – أستاذة ومنسّقة ومدرّبة ومعدّة لمناهج في مادّة اللّغة العربيّة، ومدقّقة لغويّة، ومحرّرة في المعجم التاريخيّ اللغويّ في الشارقة، وقد أعددت كتابًا. في التعليم المبكر، وأعدّ حاليًا لأطروحة الدكتوراه في جامعة بيروت العربيّة في اللّغة العربيّة وآدابها.

Teacher, coordinator, trainer, and preparer of the Arabic language curricula, as well as a proofreader and editor for the Historical Linguistic Dictionary in Sharjah. I have also written a book on early. I am currently preparing a doctoral dissertation at Beirut Arab University in the Arabic language and literature E-mail: jihanrkassem@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website