foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

المشاعر الإنسانية سبيل الى وحدة الوطن رواية (عندما تمطر السماء حنينا) لسالم المعوش، أنموذجًا

0

المشاعر الإنسانية سبيل الى وحدة الوطن رواية (عندما تمطر السماء حنينا) لسالم المعوش، أنموذجًا

Human Feelings, a Way to the Unity of the Homeland

The novel “When the Sky Rains Nostalgia” by Salem Al-Maoush as an example

Dr. Ali Ahmad د. علي أحمد الأحمد([1])

الملخص

يهتم العمل الروائي عندما تمطر السماء حنينًا من بين ما يهتم به، بالقضايا الوطنية والقوميّة كاشفًا عن زيف التّعصب الدّيني المتجلي بلبوس التقوقع الطائفي المزعوم لغايات سماوية، والكاتب سطّر روايته وقت بدء التشرذم الوطني العام ١٩٧٣ وما تلاها ونجد نقطة الانطلاق إلى القراء البنيويّة والكشف مضامينها ودلالاتها، لاكتشاف الأبعاد الإنسانيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والأخلاقيّة المؤثرة في حاضرنا. وقد أدت المواطنة وإشكالية الانتماء دورًا بارزًا في إثارة المشاعر والأحاسيس الإنسانيّة، ولطالما حفلت روايات الأدباء والكتاب بتلك الموضوعات الحساسة التي تعد أساسًا في بنية الرّواية، فالمكان يعني الإنسان عمومًا والأديب أو المفكر خصوصًا . وما يهمنا هنا في بحثنا هذا، الإشارة إلى أهميّة الانفتاح على الحياة ومماشاة في التطور لاكتشاف كل ما يُحبك من خيوط عنكبوتية تلف حول الوطن، الذي لا ينظر إليه حدودًا جغرافيّة ومساحات هندسية فقط، ولغة الوطن، والانتماء في رواية سالم المعوش حاضرة بقوة فهي تمثل رموزًا يوظفها الكاتب للتعبير عن علاقة الإنسان بالوطن الآخر، وبنفسه في لمحة إنسانيّة واضحة ربما زادتها الأحداث تماهيًا وتماسكًا بخاصة أنّ الوطن شهد حركات غريبة في أماكن عديدة، الأماكن كانت ملهمة للكاتب ومصدرًا قويًا لعطائه وتحقيق تجربته، وقد عكس الحدث حركة المجتمع في عاداته وتقاليده وعلاقات أفراده في ما بينهم، وظلت الأمور بابًا للنجاة على الرّغم من تفاوت الفروقات نسبيًّا بين قصة وأخرى ودورها في بناء الأحداث وإثارة الانفعالات، هل نحن من أصحاب المواطنة والانتماء قولًا وفعلًا ؟ وتتكئ المقاربة البنيوية على مجموعة من المفاهيم الإجرائيّة والمصطلحات التطبيقيّة في تعاملها مع النصوص، وهي مفاهيم وآليات منتزعة من مجموعة المناهج التي تنفتح على المقاربة الجديدة ومن هذه الأدوات العنوان:  العوامل، الراوي، المنظور، المكان، الزمان، الطفولة، التأويل الخيال، وما تحمل كلمة سماء من الرحمة ؟ وحنين الحب … أما في سياق الرواية نرى أنّ السماء هي الأمل المتجسد في راهبة وحنين عبد تائه في دروب الحياة شاءت القدرة أن تمد يدها لانتشاله. ونستنتج أنّ أنموذج الحب والوفاء والتسامح والكفاح هو واقع كثير من اللبنانيين، وأن ما يعانيه اللبنانيون لا بد أن يأفل ما دامت دماؤهم الزّكية تسري في عروقهم على الأزمان، ومن خلال تدفق اللغة بين يدي سالم المعوش بأناقتها وتآلفها تستأنس بها القلوب، وتروق لها الأسماع في ما جمعته استراتيجيات سبك، وحسن بيان. نلاحظ أنّ الراوي ومن كان خلفه الكاتب الضمني، مهتمًا بكسر حركة الزمن كسرًا فنيًّا أي وظيفيًّا، يحمل مدلولًا يقول ويكشف أن ما سبق كان عله لما لحق، أو أن ما لحق كان ارتباط بما سبق في حدوثها وفي آثارها منسوجة وفق منطق لها هو حبكتها، وقتذاك نملك وعلى المستوى السردي، إذًا، لا بدّ من وجود روابط قيميّة في المجتمع، لأنّه مهما اختلفت العقائد والأصول يظل المجتمع مبنيًّا على قيم أساسيّة لا يختلف عليها، وهي قيم المواطنة والعدالة…  ويقدّم هذا الموجز أيضًا للمكتبة العربية إسهامًا جادًّا، إذا تتقدم للذائقة الأدبيّة بغذاء لطالما أحبت أن تتلقفه، غداء ينساب رقراقًا عبر روح أثيرية لا يجد لذة إلا بتناغم المبنى والمعنى .

الكلمات المفاتيح : الراوي، الرواية، الحكاية، الأنساق الثقافية، المتلقي، الأماكن الدينية، الزمان، التعايش، الوطن  …

 

A general summary about human feelings, a way to the unity of the homeland

The novel “When the Sky Rains Nostalgia” by Salem Al-Maoush as an example of the fictional work, When the Sky Rains Nostalgia, is concerned with national and national issues, revealing the falsity of religious fanaticism manifested in the disguise of alleged sectarian isolation for heavenly purposes, and the writer  wrote his novel at the time of the beginning of national fragmentation in 1973 and what followed, and we find the starting point for structural readers and the disclosure of its contents and implications to discover the human, social, cultural and moral dimensions affecting our present.

The place means the human being in general and the writer or the thinker in particular , which is not seen only geographical borders , engineering areas  and the language of the homeland .

Belonging in Salem Al-Maoush’s novel is strongly present, as it represents symbols that the writer employs to express the human relationship with the other homeland, and with himself in a clear human glimpse that may have been increased by events in identification and cohesion, especially that the homeland witnessed strange movements in many places. The places were inspiring for the writer and a strong source for his giving and achieving his experience. The event has reflected the movement of society in its customs , traditions and the relationships of its members among themselves .

Are we among those who have citizenship and belonging in words and actions ? The structural approach relies on a set of procedural concepts and applied terminology in dealing with texts . These are concepts and mechanisms extracted from a group of curricula that open up to the new approach. Among these tools are the title: Factors, Narrator, View point, Place, Time, Childhood, Interpretation, Imagination, Semantic and Lexical Fields, and key words: Homeland, Coexistence, Belonging, Outside, Inside , Religious places, Love, Grudge, Poverty, Wealth, Religion, Village, City, Expatriation…

As for the context of the novel, we see that Sama is the hope embodied in the nun and the nostalgia is a lost slave in the paths of life where the ability wanted to extend its hand to relieve him. We conclude that the model of love, loyalty, tolerance and struggle is the reality of many Lebanese, and that what the Lebanese suffer from , must end as long as their blood flows in their veins over the times, and through the flow of language in the hands of Salem Al-Maoush with its elegance  and its familiarity which the hearts become familiar, and the hearing appeals to them  in what was collected by setting strategies, and a good statement. We note that the narrator, and whoever was behind him the implicit writer, is interested in breaking the movement of time in a technical, i.e. functional, way. What followed was a connection to what preceded, in its occurrence and in its effects, woven according to its logic, which is its plot, and at that time we had and on the narrative level . So, there must be value ties in society, because no matter how different beliefs and origins are, society remains based on basic values ​​that do not differ on them, which are the values ​​of citizenship and justice… This summary also provides the Arab library with a serious contribution, if it offers the literary taste with food that it has always wanted to absorb. A lunch that flows sparkling through an ethereal soul that finds pleasure only in the harmony of the structure and the meaning.

Keywords: the narrator, the novel, the story, cultural contexts, the audience…

 

المقدمة

تُعرَّف الرواية أنّها فن أدبي نثري طويل يعتمد في أساسه على الواقعيّة أو الخياليّة، وهو نسيج تترابط فيه مجموعة من العناصر في ما بينها وفقًا لعلاقات معيّنة، وتسير ضمن تسلسل أحداث مدروس لوصف تجربة إنسانيّة ضمن إطار من التّشويق والإثارة تعكس مجموعة من الشّخصيّات، في بيئة معيّنة، تتحرك في فضاء زماني ومكاني، وأيضًا لا بد للحكاية أن تعبّر بلغة سواء شفاهية أو كتابية، ولا بد لها أن تدخل في نطاق الأدب أن تكتب، ولا بدّ لها أيضًا من هدف حتى وإن كان بحاجة لتأويل، وقد نضجت الرواية العربية شكلًا ومضمونًا بعد الحرب العالمية الثانية وذلك على “يد كبار الروائيين العرب المعاصرين،على الرغم من أصداء التأثير بالتطورات الجديدة التي اجتاحت الأدب العربي بشكل عام ” ([2]) ويسعى الإنسان دائمًا إلى اختيار مصيره المناسب بإرادته، إلّا أنّ الحياة مليئة بالمفاجأت، حين تجري الرياح بما لا تشتهي السفن…

موضوع الدراسة : الحب في  رواية “عندما تمطر السماء…” للروائي والناقد  سالم المعوش (عن دار الحداثة، بيروت 2012)، فمن خلال عنوان الرواية الذي يرتكز على النزعة الإنسانيّة الخالصة، يتعرض القارئ إلى ما يشبه التماهي بينه وبين ما يجري مع البطل في الرواية، كون الرّواية تعبير عن الواقع الإنساني المليء بالالتباسات والمفاجأت على قاعدة يخرج الطيب من الخبيث ويخرج الخبيث من الطيب… تشكل هذه الرّواية عالمًا موضوعيًا موازيًا للعالم الفعلي الواقعي القائم في حقبة شديدة الحساسيّة هي بداية السبعينيات حيث غليان البلاد فوق مواقد الحرب المنتظرة التي يؤكد الكاتب أنّ كبريتها خارجي وحطبها اللبنانيون. ويتخذ الكاتب في حب مستحيل التّحقيق بين بطلي الرواية  (حنين المسلم والراهبة سماء المسيحيّة) لعدة أسباب، ومنها الحائل الدّيني ركيزة وجدانيّة مشبعة من الأفكار المتخصبة  بالعاطفة الذّاتية، ليعلن رؤيته في الوجود، وتتشعب قضايا أخرى في رحاب النّص الروائي فتتداخل القراءات المتعددة ويبقى النص واحدًا ثابتًا ينبع من تطلعات سياسيّة واجتماعيّة وفكريّة وحضاريّة وإنسانيّة بشكل عام تتعلق كلها بالحبّ المعبد الطريق إلى التّلاقي مع الله والإنسان، حاسبًا أنّ الحب هو محطّم الحواجز بين بني البشر إذا أعطى له المجال في التّعبير عن ذاته، وهو السبيل للتّعرف إلى الله وهو مفجر سيل الأسئلة الأكثر تعقيدًا حول وجود بني آدم على سطح المعمورة وعلى رأسها السؤال الدّائر في أفئدتنا جميعًا، بوعي أو من دون  وعي وهو مَنْ قسم البشر؟ وجعل لكل ملة دينًا خاصًا بها، ما يجعلنا نجرؤ على التأويل، ونرى أنّ المرء يكتسب دينه اكتسابًا ولا يكتشفه اكتشافًا، بل تسقطه عليه الظروف والبيئة المحيطة به مَنْ حدد كوني مسلمًا؟ وما هو الإسلام؟ لماذا أنا مسلم وهي مسيحية ؟ لماذا فُرّق الناس أديانًا وشعوبًا وطبقات وألوانًا([3]) وخير مثال على ذلك سماء الراهبة، فيشير السرد إلى أنّها لقيطة، وجدت أمام الدير فتربت فيه راهبة “nun” ، فلو عثر عليها مسلمون لكانت مسلمة محمدية وأكثر من ذلك ربما تكون هي ذاتها من أبوين مسلمين ومن هذه القضية تتشعب قضايا أخرى في رحاب النص الروائي. ﴿ نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك …﴾([4]) ﴿ … وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم … ﴾([5]) والأديب شخص واسع الخيال، شديد الحساسية يستجيب أوسع استجابة لمؤثرات خارجية، وأخرى داخلية، مما استبقاه في نفسه، وورثه عن أسلافه، وهي استجابة تأخذ شكل الأحاسيس والمشاعر التي لا يزال يلائم بينها، مستتمًا لعلاقتها من جهة، ولعناصرها من جهة أخرى، حتى تأخذ الشكل الخاص في أثره الأدبي([6])، والواقع أنّ الرّواية الطويلة تتطور الآن تطورًا ملحوظًا، فتزداد بنيتها تعقيدًا حتى قد تكون  الرواية موقفًا فكريًّا غاية في التعميم والشمول، وغاية في الدقة والرهافة في الوقت نفسه .

ينطلق الكاتب في روايته كاشفًا عن بعض الحقائق التي يتغاضى عنها الكثيرون، كالطائفية وتشغير الحرب وتفجير الصراعات والانقسامات السياسيّة بين المسيحيين والمسلمين.. تؤكد الرواية أنّ بين طرفي النزاع مخلص وغيورين على الدّين والوطن والتّعايش المشترك، فيرون أنّ كل دين يكمل الآخر لا فرق بين مسلم ومسيحي ولا تعني الطوائف لهم عنصرية وأنّ الخلافات في الشكل، وليست في الجوهر، لكن هؤلاء داست عليهم أقدام الميليشيات التي عاثت فسادًا ودمارًا وخرابًا في الأماكن المقدسة.

ومن خلال الغوص في رواية الأديب المعوش الذي صور لنا لونًا من ألوان الفن الأدبي، ” الشّعور الإنساني من صفات الأتقياء” ([7]) تبين مدى كيفية الدخول في الذّات الإنسانيّة التي تستدعي اللجوء إلى علم النّفس لتحليل الواقع وما يدور فيه وأثر هذا الواقع في تحليل وتكوين الذات الفردية المتمثلة بالبطل “حنين”…

حنين استطاع السير على قاعدة الأمل بالنجاح على الرّغم من الصرعات كلها والصعوبات المحيطة به، والظروف القاسية التي يتعرض لها الإنسان، إن كان في الرواية أو في الواقع المعيوش. فالصعوبات والعقبات كانت عاملًا أساسيًا مساعدًا لحنين لحث نفسه على التطور والتغيير والانسلاخ من واقعه وحياته المريرة المليئة بالعثرات ولم تؤثر عليه سلبًا بل كانت دافعًا له في جميع منعطفات حياته. ولفهم الرواية بوضوح تام ودراستها والبحث فيها لا بدّ من دراسة نقدية قائمة على المنهج النّفسي لاقتحام الذّات والدخول من خلالها إلى المحيط العائلي والمجتمعي، والمفروض أو المطلوب في أي تعبير فني أن يكون أداة توصيل من المبدع إلى المتلقي …

الرواية:  بشكل عام، هي نوع من أنواع سرد القصص “stories”، تحتوي على العديد من الشخصيات، لكل منها اختلاجاتها وتداخلاتها الخاصة، وتُعدُّ الروايات من أجمل أنواع الأدب النثري، والأكثر تطورًا وتغيرًا في الشكل والمضمون، لقد استعمل العرب لفظ الأدب للدّلالة على معان  مختلفة، فقد دلّت في عهد الجاهليّة والإسلام على الخلق النبيل الكريم… ثم اطلقت على تهذيب النفس وفي القرن التاسع وما بعده استعملت للدلالة على جملة العلوم والفنون…([8]) ولمّا كان القرن الثاني عشر استعملت في الشعر والنثر. والرواية تشكيل للحياة ويعتمد هذا التشكيل على حدث الناس في خلال شخصيات متفاعلة “interactive characters  “مع الأحداث والوسط الذي تدور فيه هذه الأحداث وتصل بالنهاية إلى نتيجة اجتماعيّة أو سياسيّة أو فلسفية أو غير ذلك…  وحاجة الإنسان إلى رواية الأحداث التي تقع له ودفع الآخرين إلى مشاركتها وانتقال تجاربه وأحاسيسه مع الآخرين تعد من  الحاجات الفطرية للإنسان وهو ينتقل هذه الحاجة إلى عالم الخارج بطرق مختلفة، وكان أكملها رواية الأحداث عن طريق اللغة. رواية الأحداث في بداية الأمر ظهرت بالأشكال والشمول والتصوير وفي الموضوعات الخياليّة والوهميّة، ثم برزت بشكل القصة الطويلة بصفة غير المحدودة في الشمول والأحداث وكانت موضوعاتها غير الواقعية على أساس أمور الغيبيّة والوهميّة لإرضاء قرائها،”إنّ كلًّا من الرَّواية والقصَّة يعتمد على التجريب الرامي إلى تجسيد الرؤية الخاصة بناءً قصصيًا… وهو بناءٌ متخيّل مبتدع، لا يركن إلى قوالب جامدة، فالأساس هو تجربة القاصّ الموهوب، فهي التي تخلق الأشكال”([9])،  ثم تميل إلى الحديث عن وقائع الحياة للعلاج الواقع الإنساني والنفسي والاجتماعي.

ومما لا ريب فيه، أصبحت الرّواية العربيّة بوضع لا تحسد عليه، لا سيما بواقع الرواية وما آلت إليه من مفاهيم وقيم متعددة، وأضحت أمتنا العربية بنتاجها الأدبي عمومًا والروائي خصوصًا هزيلة هامدة  متأرجحة، مقابل السيل الجارف للروايات الأجنبيّة المترجمة وغير المترجمة التي تغزو مكتباتنا العربية وعقولنا بما تحمله من أفكار غريبة عن مجتمعاتنا وعاداتنا وقيمنا الشرق أوسطية  المحافظة، تحت ستار الحرية في التعبير،  والتعبير للوصول إلى غايتها المنشودة، وتفرعت قضية التنمية حتى باتت تشمل كل الحقول والميادين، وسادة في المرحلة الأخيرة استخدام مصطلح الأمن للحرية، مضافًا إلى أسماء الحقول والميادين الأدبية، ولكل رواية نمطها الزمني بوصف الزمن محور البنية الروائية وجوهر تشكيلها، فالزمن يعد عاملًا أساسياً في تقنية الرواية بوجوهه المختلفة ، لذلك يمكن عدُّ القص أكثر الفنون التصاقًا بالزمن، فإحساس الإنسان بإيقاع الزمن يختلف من عصر إلى عصر تبعًا لاختلاف إيقاع الحياة نفسها ([10])، لتصبح التنمية الأدبيّة تعبيرًا عن الأزمة الحضاريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والجغرافيّة  والثقافيّة  والسياسيّة  العامة الشّاملة  التي لا ينحصر مداها في بلدان العالم الثالث، آخذة شعار الشّجاعة والجرأة في التّعبير واستخدام العبارات المثيرة الفاضحة التي تخدش الحياء أسلوبًا ومهاجًا ومن إيقاظ الغرائز وتحريك الشّهوات جسرًا للوصول إلى أذهاننا بهدف تبديل ثقافتنا وقتل روح العفة والحياء فينا وبناء ثقافة قائمة على التّحرر اللامحدود، فالملحمة الإغريقيّة كانت عملًا متكاملًا من الشّعر والنثر”poetry and Prose”  والقصة “story”والرواية، والمسرحية، إذ نلتمس هذا التّداخل العميق في الأدونيسة والإلياذة لهوميروس، كما عرف النّص الشعري في الأدب العربي القديم ابتداء من العصر الجاهلي تداخلًا لحظ جوانب القصيدة “poem “،حيث تداخلت الأجناس الأدبية في بنائها السردي الشعري تداخلا شكل لحمتها، وهويتها فغدت كأنّها نص متفرد بهويته وخصوصيته ([11]) وفي العصر الراهن عاد النّص الأدبي إلى ما كان عليه في بداية نشأته، وتشكّله، لكن برؤية مغايرة، وبأسلوب مختلف وقد ترتب هذا التّباين في التّداخل نتيجة آليات العصر وطرق الاتصال والتواصل، فقلما نعثر في الرّاهن على قصيدة خالصة، أو قصة خالصة، أو مسرحية”play”   خالصة، أو رواية خالصة، بالمفهوم التقليدي لهذه الأنواع والأجناس ([12]) ومن هذا المنطلق غدت الرّواية عابرة للأجناس والأنواع الأدبيّة، ومستوعبة إياها في في تجارب تجمع بين الشّعرية والموسيقى والحكاية وغيرها استجابة ذوق المتلقي، الذي لم يعد يقتصر على غداء واحد، بل تعدد فهمه في التنوع والتلوين الغذائي ([13])،لأنّ الجمال الفني في العمل الأدبي أمر مهم وضروري ،حيث يبعث قيمة جمالية داخل النص .

كما تُعدُّ الرواية أخصب الفنون السردية تعانقًا وتذاوبًا في تناغم وإيقاع مع الأنواع الأدبيّة الأخرى، حتى مع الأجناس الأدبية الأخرى، لما تتوفر عليه من آليات البناء، والتنوع التّركيبي إلى جانب تعدد التمظهرات السردية التي ينهض بها الخطاب الروائي من داخل النص ([14]) فالرواية هي أقرب الأجناس الأدبية لاحتواء مجموعة من الأنواع بعضها ببعض عملًا سرديًا يتيح الحرية لهذه الأجناس في التفاعل، ومن ثمَّ العمل على الكتابة السّردية مع الاستعانة بالشّعر والأمثال والأغنية في المنجز السّردي، الروائي والعكس قد ينطبق على الشعر وفي جعله معتمدًا على القص مما يعطي للأداء الفني جانبًا جماليًا مهمًا ([15]). من هنا فلا إشكال من هذا التزاوج بين الأنواع الأدبيّة، فهي ” تتداخل مع الفنون كالفن التّشكيلي والسينما والموسيقى مثلًا أيّ الشّعر والسّرد ينفتحان ونحن نلاحظ انفتاح الشّعر على الفن التشكيلي، ونلاحظ انفتاح الرواية على السينما، وهكذا تستفيد الأنواع الأدبية من الأشكال الفنية، وقد ينتج عن هذا الاختلاط نوع أدبي جديد لكن النواة الصلبة للهوية تظل تقاوم الاندماج والاندثار”([16]) فقد عرفت بعض الأنواع انفتاحًا على أشكال أدبية أخرى، وهذا ما يلحظ في قصيدة النثر أو المسرح الشعري، أو في الفنون السردية كما في الرواية التي أصبح بمقدورها احتواء أنواع يمكن أن تجعلها أكثر مقروؤية، يثير في المتلقي كثيرًا من الاستجابات التي تعمل على خلق عالم روائي يتمتع بهذا التنوع والثراء ([17])، وهكذا، وبالنظر إلى المعطيات السّابقة، يتضح كيف كثرت الكتابة في الرّواية، واتسعت مجالاتها باتساع الاتجاهات الواقعيّة، فظهرت الرّوايات الواقعيّة النقديّة، والرّوايات الواقعيّة الاشتراكيّة، وحتى الرّوايات ذات التوجه الواقعي الطبيعي. كما كان لتأثير الرّواية الواقعيّة الغربيّة في الرّواية العربيّة دور فعّال في إحداث نقلة نوعيّة في الرّواية العربية،” ذلك أنّ الغالبية العظمى من كتاب الرواية بدؤوا تجربتهم الإبداعية كلها بالقصة القصيرة.. ويرى البعض الآخر أنّ كتابة القصة القصيرة قبل الرواية ظاهرة طبيعيّة نظرًا للقرابة الوثيقة بين النوعين السرديين. ومن المفترض إذًا أن تؤدي ممارسة الكتابة في النّوع الأول القصصي إلى كتابة في النوع الآخرالروائي “([18])، في حين كان للاشتراكية فكرًا وأدبًا تأثيرها على الرّوائيين العرب. غير أنّ ما يلاحظ على الرّوايات الاشتراكيّة العربيّة أنّ النسيان قد طواها بزوال المدّة التي كانت تصوّرها.

إنّ الرّواية “the novel” المذكورة للأديب  سالم المعوش تنقل واقع المجتمع اللبناني في حقبة معينة وهو وإن حصر روايته بين قرية مسلمة وأخرى مسيحية إن صح التعبير، إلا أنّها فسّرت حالة عاشها اللبنانيون منذ حضنهم وطنهم، وهي حالة التعايش الإسلامي المسيحي الذي كان ولا يزال شبكة الخلاص في هذا الوطن المتعدد الطوائف، وكما قيل فإن تعدد طوائفه نعمة لا نقمة في العالم ، المهم أن يلتقي الجميع على أمر واحد وهو حب وطنهم وعزته وكرامته.

وقد قام الكاتب بنقل الوقائع الاجتماعيّة وتصويرها ولكن منحها جمالًا من جماليّة تعابيره ما يحليها أحيانًا عن واقعها إلى واقعٍ بلاغي تشبيهي واستعاري…

ولهذا فإنّ إمكانية اعتماد المنهج النفسي والاجتماعي  ممكنة لدراسة هذه الرواية، وما النقد الأدبي إلاّ سبيل لمعرفة أنواع النشاط الإنساني الاجتماعي وأفكاره ورغباته، وعلى النقد الاجتماعي أن يعيش الحاضر كما يعيش التاريخ، ويصنع التاريخ الجديد وفق رؤى جديدة أصبحت سمةً  للمجتمع في دراسة النصوص بتفسيرها وتحليلها وبيان عناصرها وفنونها وما يعرض لها من أسباب الحسن والقبح([19])، ثم الحكم عليها من حيث قيمتها ودرجة إبداعها .

من مقومات النقد الاجتماعي

1 – الحركيّة الإجتماعيّة : فالمجتمع في تغيّر وتبدّل دائم، ولذلك فإنّ قراءة الرّواية التي تعتمد على التأويل، ترمي إلى تشكيل واستعادة وعي القرّاء بالواقع بأشكاله المتعددة وتأثره بالمجتمع…

2 – حركية القراءة : يمكن للناقد أن تكون له قراءة نهائيّة حول انتاج ما إلاّ أنّها تبقى محصورة به، ولا يمكنه إطلاقها على الجميع. هنا لا بدّ من متابعة الظواهر الاجتماعيّة والكشف عن المشكلات الحاصلة لإيجاد سبل لمعالجتها، والأسرة في هذه الرواية، نموذج لأسرة فقيرة غير مثقفة كان لواقعها هذا أثر كبير في حياة أفرادها.

3 – القراءة التعاقبيّة : ينبغي للناقد فهم زمنيّة المجتمع وتطورات أساليب التعبير فيه ومضامينه، وعليه فعلينا فهم الزّمن الذي حاكتها الرواية وهو وقت عصيب مر به لبنان فرّق بين أبنائه وأوقد نار الفتنة بينهم.

4 – القراءة المكانيّة : المكان له تأثيره في الأدب ولا أدب يحصل خارج المكان، وكاتب الرّواية ابن هذا البلد، وربّما عايش هذا الواقع المرير بنفسه.

5 – غايات الأدب : ليس كلّ ما ينتج من أدب له الغاية نفسها، ولكن لأدبنا غايات قد ندرك بعضها ولا ندرك الأخرى، لعله آثر تصوير تلك الحقبة التي اشتعلت فيها الفتنة بين أبناء الوطن تحذيرًا من نشوبها مرة ثانية وخوفًا على الوطن من لهيبها، وربما كانت روايته حثّا على إعادة تحييد التّعايش الإسلامي المسيحي عن كلّ الصراعات واعتماده من المسلمات التي لا نقاش فيها وعليها، ولا بدّ من أنّه أراد من أبناء مجتمعة عدم اعتماد الدين للتفرقة بل على العكس جعله موحدًا لمواجهة المشاكل التي تداهم الجميع.

6 – ارتباط الأدب بمجتمع المنشأ : لا شك أنّ الصبغة اللبنانيّة بجمالها وطيبتها وحيويتها وعفويتها وعاداتها وتقاليدها قد طبعت رواية أديبنا.

7 – تنوعت القراءات : حول إيجاد مساحة لعقيدته القائمة على أولوية العلاقات الإنسانيّة، وعدم جعل الدين مصدر تفرقة، فالله للجميع وليعبده كل فرد كما يشاء، وليس لأي فرد تقسيم البشر مؤمن وكافر، على الرغم من ذكره لقراءة  آخرين يدّعون الإيمان ومن سواهم يتلبسهم الكفر، وغيرهم من يحتكرون الرب لأنفسهم ويقيدونها وأتباعهم بخصال ما أنزل الله بها من سلطان.

8 – الكشف عن النص : لقد جذبت الرّواية كل اهتمامي، فقد اعتمد الراوي فيها وضوحًا تارة، ورمزية مثيرة للإعجاب، وأخفى بين سطورها دلالات إجتماعية واقتصادية.

9 – الأدب تعبير عن المجتمع : إنّ هذه الرّواية بلغتها وبلاغتها ووضوحها ومضمونها أصدق تعبير عن واقع كان معاشًا  في زمن سابق.

في الرواية العربية المعاصرة

لعل أبرز القضايا ذات الصلة بالتنمية الثقافيّة والتي شكلت مواضيع نقاش وصراع منذ بداية عصر النهضة هي تلك المتعلقة بالحرية والمرأة والعدالة الاجتماعية،  حتى بتنا لا نجد مكتبة أو سوقًا أو شارعاّ أو طاولة مركونة بجانب الرصيف إلا وفيها من هذه الروايات الهزيلة والدّخيلة على قيمنا العربية، وكأنّها سوق من الخضار الزراعي، وما يدهشك هو التفكير والتساؤلات عن سر هذا الغزو وأسبابه والغاية من أهدافه، وقد يكون غياب الوعي الثقافي والبديل المناسب والأسعار الزّهيدة لهذه الروايات التي  ساهمت في انتشارها وخاصة بين الفئات الشّابة، وزيادة الطلب عليها، لأنّها تنتج بمواصفات رخيصة، أغلفة براقة منمقة، وصور اغراء للنساء.. تمتطي الغرائز والأهواء، وتدعو  للرذيلة بلا اختفاء، وتقتل فينا روح العفة والحياء، وتتكلم شعوب البلدان العربية لغة واحدة هي لغة القرآن الكريم ،﴿ إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ﴾([20])، أمة الوحي  ويعدُّ أنّ مجد العرب انبثق مع نور الإسلام وهذه حقيقة لا جدال فيها، وكذلك عفة سيدنا المسيح عليه السلام ،  ومن أثار وحدة اللغة بين العرب نشوء نوع مشترك من الآداب والعادات والتقاليد وطرق التفكير، ما يؤدي إلى نشوء إطار منهج شبه موحد لكل من ينطقون بلغة واحدة، يتجلى ذلك بخلق مفاهيم مشتركة تعدُّ أساسًا مهمًّا في بناء القوميات ومنها القومية العربية. إذ عدّ بعض المورخين والفلاسفة أنّ اللغة هي دعامة القومية الأولى، وعدوا أنّ الأمة ” لم تقصر يومًا في إظهار الحميّة على لغتنا القوميّة، وضرورة الحرص عليها، ومداومة تطويرها ؛ إلا أنّنا، في الوقت ذاته، نعاني حالة مزمنة من غياب إرادة الإصلاح اللغوي. لقد استرخينا واستكنا إلى ما آلت إليه لغتنا، وكأنّ لغات الشعوب تنمو بشكل تلقائي، وتبرأ من عللها من دون تدخل من أحد. إننا نشكو من أزمة لغوية حادة تلطخ جبيننا الحضاري؛ أزمة على جميع الصعد كافة  تنظيرًا وتعليمًا، نحوًا ومعجمًا، استخدامًا وتوثيقًا، إبداعًا ونقدًا”([21]).  أمرين متلازمين يكتسبه الفرد من خلال الخبرة، ومن خلال التّجربة والخطأ، وبتنا نرى الكثير من الكتاب العرب الروائيين والروائيات،  اعتلوا  قضية الإنسان الفرد ليتربعوا عالم الشّهرة والمجد مستخدمين قضية الإنسان الفرد والنّظر إلى المرأة يصفتها إنسانًا فردًا، أيّ أنّ قضية المرأة مع قضية الحرية الفردية، والإنسان الحرّ يدافع عن الفكرة الحق ولا يهمه من قالها، والإنسان العبد يدافع عمّا قالها ولا تهمه أي فكرة!

سمات الراوي ووظائفه  

وفي خضم هذه المعركة وظلمة ليلنا الدامس، إذ نتلمس قبس النور في بعض الروائيين العرب والروايات العربية التي ما زالت تحافظ على الأدب محورًا واحترام العقل والذوق منهاجًا وتلتزم عفة الشّرق وخصوصياته حدودًا، وترى فيها سماءً واسعة تنفذ من خلال الأحاسيس المرهفة الحالمة وتشغل فينا حنينًا إلى الماضي حيث الوقوف على الأطلال…فالراوي هو أحد شخصيات الرواية ، إلا أنّه قد ينتمي إلى عالم آخر غير الذي تتحرك فيه شخصياتها ، ويقوم بوظائف تختلف عن وظيفتها ، ويسمح له بالحركة في زمان ومكان أكثر اتساعاً من زمانها ومكانها ، فبينما تقوم الشخصيات بصناعة الأفعال والأقوال والافكار التي تدير دفة العالم الخيالي المصور ، وتدفعه نحو الصراع والتطور ، فإن دور الراوي يتجاوز ذلك إلى عرض هذا العالم كله من زاوية معيّنة ، ثم وضعه في إطار خاص ، فالشخصيات تنتمي إلى عالم الأفعال التي تصنع الحياة ، أما الراوي فينتمي إلى عالمين آخرين ، هما عالم الأقوال وعالم الرؤية الخيالية التي ترصد منها هذه الحياة ، فالشخصيات تعمل ، وتتحدث وتفكر ، والراوي يعي ، ويرصد ما تفعله الشخصيات ، وما تقوله ، وما تفكر فيه ، وما تتناجى به ثم يعرضه ([22]). حيث يجتاز الحب حدود الجسد الضيقة إلى فضاءات الروح الواسعة. لا بد من المشاركة في هذا الاتجاه علّنا نضيء شمعة في ظلمة فضائنا المستباح ، معتمدًا في ذلك على منهج نفسي واجتماعي غائصًا في بحر العبارات  والمفردات التي يكون لها دور فعال في قراءة النصوص ، وفي هذا السياق يميز بين الذاكرة ذات المدى القصير والذاكرة ذات المدى البعيد ، وثمة جملة تساؤلات متعلقة بعلم النفس المعرفي للإشكال المطروح تحتم على الباحث دخول النص من بوابة اللغة ، لأن الأدب في جوهره فن لغوي ، واللغة هي وسيلة الأديب من حيث طبيعته المتخيلة أو المفترضة مفهوماً إجرائياً يرمي إليه صاحب النص والمعاني المبثوثة في العمل الإبداعي .

وكما ذكرنا آنفًا السّرد نمط يسوق فيه الكاتب حدثًا أو أحداثًا  أو خبرًا أو أخبارًا. سواء كان من صميم الحقيقة  أو من ابتكار الخيال. يغلب عليه الزّمن الماضي، ولا بدّ فيه من عنصريّ المكان والزّمان شأن روايتنا هذه. والادب قنديل يضيء طريق مجتمعه، وهو مرآة عاكسة ماهيته، فهو فنّ التعبير بالكلمة، عن تجربةٍ إنسانيةٍ صادقةٍ حيويةٍ ومؤثرة، فكل ما يمكن تأكيده عن المقطع السردي أنّه ينقل كل ما قيل ، واقعيًّا أو خياليًّا من دون إضافة أيّ شيء، فالزّمن يصبح أشبه بمعادلة طرفاها نوعا الزمن ،إنّه التساوي العرفي بين الحكاية وزمن القصة ([23]) إنّه يستمد من الحياة، ويدفعها وبوجّهها لترفض وتثور على ما فيها من أمورٍ مستكرهة.

والأديب، بطريقة ما، مسؤول عن تطوير مجتمعه، أو تخلّفه… وهو يترك تأثيره في النّاس كما المرسلون والصديقون، ومع مرور الزّمن، نزل الأدب من برجه العاجيّ ليحاكي قضايا مجتمعه، وفي هذه الرواية “عندما تمطر السماء حنينًا”، دلائل ساطعة على اجتماعيتها، ففيها تأثّر مجتمعها بها، من زمان ومكان ومواطن وطبائع، وتداخل الوقائع الاجتماعيّة والتاريخيّة والثقافيّة، لتكون ذات هدفٍ ملتصقٍ بالمجتمع، له وظائفه المتغيّرة بتغير المجتمع والانسان، والمتأثرة بإيديولوجيا الكاتب وطريقة تفكيره. وهي بدورها تعكس شيئًا من الواقع الذي نعيش فيه، ولا ننكر أنّ القومية الاقليمية كانت ولا تزال أقوى العوامل السياسية في البلدان العربية ([24]) وربما ظلت كذلك أحقابًا طويلة . وقد كان من الطبيعي أن تتطور فكرة النّهضة من تاريخ العرب وحضارة لغتهم ، هي تلك المباهية بمآتي أمجادهم والداعية إلى تآخيهم وتضامن أقاليمهم في أدوار فعالة .

إذاً؛ فالتّعايش الوطني فكرة تنعكس واقعًا في الرّواية، وهي تظهر في صورتين متناقضتين: قبل العام 1975، وبعد 1975، وأحداثها التي تجري بين شارفة والقمير، حيث هناك صراعٌ بين أنصار هذا التّعايش من جهة، وبين مخرّبيه من جهةٍ أخرى.

أتحدث في هذه الصفحات وأنا أتابع وقائع وأحداث الرّواية، وأشخاصها المنتزعين من الواقع في حواراتهم ومكوّناتهم  التاريخيّة التي عرف الكاتبُ كيف يحولها إلى مكونات أدبيةٍ أساسُها التّجربة الصادقة الحيّة، والرؤية الشاملة، لن أتحدث عن المعايير أو المقايسس التي يقاس بها هذا العمل الروائي لجهة البراعة في توظيف إشكاليات وتقنيات وخامات الكاتب، وأدواته المساعدة في إبراز الحدث، أو لجهة الإبداع في إظهار حجم الأشياء أو الأشخاص الذين كانوا محور هذا العمل الفنيّ، وإنّ منهم في الطليعة كلًا من:

“حنين”، هذا العاشق المسلم، ابن قرية الشارفة المسلمة، منْ دلَّهه العشق، وأضناه الحبّ،حبّه لتلك الراهبة المسيحية، فكان حبًا روحيًا ماديًا معًا، حلّق حنين بعيدًا في الجانب الأول منه، وأخفق في الجانب الأخر.

و “سماء”، بنت القرية “village” القريبة من الشارفة، تدعى  القمير، سماء، هذه المعشوقة الملاك المتبتلة التي بادلت حنينًا الحبّ العذريّ في أروع تجلّياته، لكنها استعصمتْ وأمعتنعت عن أن تهبط في حبّها إلى المستوى المادي الغرائزي الحيواني، لتضرب المثلَ الأعلى في العفّة والقداسة والطهر.!

شقاء طفولة حنين:

لقد تعلّم حنين بأعجوبة وذهب إلى المدرسة، وتحمّل الفقر والثياب الممزقة والجوع والحرمان… لكنّه بالرغم من ذلك كان يعيش الحبّ  الذي كان يدخل إلى قلبه السرور في صغره “… تجاذبني حب الاطلاع على حياة الناس… ولم أجدْ بدّا من أن أمر في طريق عودتي إلى البيت إلى مكتبة البلدة… “([25])

ولقد دفعه فقر عائلته إلى الشعور بالبؤس : “… كنت أحس الألم يتصاعد مني كلما لمحت بؤس أهلي… كبرت لديّ المصيبة… “([26]). فما كان له إلاّ أن يعمل، فعمل حمّالًا في سوق القرية سعيًا وراء لقمة العيش لسد جوع عائلته. تحمّل المسؤولية في طفولته “… ابتدأت المسؤولية تزحف على عقلي وجسدي الصغير … ” ([27]) وعلى الرغم من ذلك كان يريد الذهاب إلى المدرسة كلما سنحت له ظروف عمله، وكان يتحمل التوبيخ الدائم من معلمه على ثيابه القذرة وعلى تأخره عن الدرس  “… يضربني… يشتمني… يكاد يجن جنوني… أسمع الصرخات : قذر… كسول… ” ([28]) يتحمل الإهانة والألم لكنّه سرعان ما يكاد ينسى أو يتناسى ما حصل، ويصبر ويرتمي في أحضان الانتباه، ويُوخذ كليًا بخطوات الدرس ومعانيه. إنّ صبره إن دل على شيء إنّما يدل على ذكائه لأنّه يسعى وراء المُثْل،لأنّه كان يدرك تمام الإدراك أن وراء صبره نجاحًا وتغييّرًا جذريًّا في حياته والانتقال من حال إلى حال… فحقق ذاته بوعي تام، وانغمس في الدرس والعمل، ما مكنه من النجاح ونيل الشهادة  الإبتدائية وصار حديث الناس في شارقة:  “الشّهادة الابتدائيّة ويعمل حمالًا … يا لها من مسألة شائكة!…”([29])  كان لوالد حنين صديق يدعى أبا فاضل وكان حنين يحبه كثيرًا، يتردد عليه في دكانه بشكل مستمر ليسمع منه الحكايا والمغامرات التي قضاها بصحبة والده،وكان يُكنّ لهذا الرجل الكثير من التقدير، والاحترام، ويأخذ بمشورته، تعلّم منه صناعة الغزل والنسيج مع أخواته لتطوير حياتهم.

إنّ الحوادث  في طفولة حنين أصبحت في نفسه حلمًا يحمل مشاعر وعواطف شتى وبعضها يحمل تناقضًا،  فقد أحس بالشقاء والتعب والحرمان والإهانة، إلاّ أنّه كان يشعر، إلى جانب ذلك بسعادة تلوح بأفقه بين الفينة والأخرى،فكل تقدم ونجاح كان يحرزه كان بمنزلة انتصار على الفقر والشقاء وارتفاع بالذات من الجوع والحرمان إلى الاكتفاء المادّي والروحي. يلفتنا في العناصر المكونة لسيمائية الشخصية في عندما تمطر السماء ماءً، وجود عدد وفير من الثنائيات والثنائيات التعارضية. ذلك أنّ الشخصية ودلالتها لا تستقي من التكرار أو التراكم فقط، بل من التعارض الذي يميز وضعيتها وعلاقاتها، فيجعلها مثلًا مواجهة لشخصية أخرى أو مجموعة شخصيات مواجهة تؤثر في التحولات التي تصيبها وفي مجرى الأحداث ([30])، لذا كان شعور حنين بانمائه إلى جماعة إنسانيّة في وطنه برؤيته الخاصة ، تغذي لديه الشعور بالمواطنة على الرّغم من الظّروف الاجتماعيّة الصعبة .

– علاقة حنين بمحيطة :

من حيث المبدأ، إنّ دأب حنين على العمل والتعلم في آن واحد، جعل منه حديثًا بين الناس، سواء أكان هذا الحديث استهجانًا  أم أنّه احترام وتقدير، إلاّ أنّه كان دافعًا بحنين إلى متابعة مسيرته. نال حنين عطف صديق والده أبي فاضل الذي كان له المرشد الأمين في أصعب الأوقات وأدقها، خصوصًا مرحلة الطفولة، وكان يزيد من عزمه على الحياة والإقبال على الأعمال  كافة…

كما أنّه كان لإمام المسجد الشيخ عارف أثر في طفولة حنين، لأنّه  كان على علاقة بأبي فاضل الذي كان لا ينقطع عن الصلاة في المسجد “mosque”،فعرّف حنين على الشيخ، وكان الشيخ عارف مقوّمًا روحيًا لنفس حنين في مرحلة الشباب  وفي الأحداث التي سنأتي على ذكرها فيما بعد.

كانت علاقة حنين بأهالي شارفة جيدة، فقد كان جو الإلفة مخيمًا على الجميع، وكان هناك  “…أشبه ما يكون بقناعة ذاتية تجعلهم يعتقدون بأنهم يعيشون كالملوك…” ([31])، وكانت مدرستها مثالًا للتّعايش الوطني بما تحتويه من تلامذة من خارج البلدة ومن مختلف الطوائف، وكان شارفة سوقًا لما حولها كونها  “… أكبر البلدات والقرى  في المنطقة التي يعيش أبناؤها بوئام لا يعكّر صفوه معكّر… يشعرون كأنّهم جسد واحد… ” ([32])، وقبل كل شيء حنين تتجاذبه الرّوح كما يتجاذبه الجسد ، لذلك قاسى ويلات الحبّ ، وهي مثل في الحياة الاجتماعية ، لمختلف الهويات الإنسانيّة .

– تعلّق حنين بوالده:

أحبّ حنين والده وتعلّق به مع أنّ الوالد كان قليل الانخراط بولده،لا يعبّر له عن مشاعره، يعيش في عالم آخر من الأحلام اليقظة، حاضرًا بجسده غائبًا بروحه محلقًا في الفضاء وحيدًا لا يشاركه أحد في ذلك.

وهو الذي دفع بحنين إلى العمل في سن مبكرة : “… كان يفضل أن أتزع  إلى العمل في سنّي المبكرة …”([33])،  عاش الوالد ممزّقًا بين عالمين، “… بيته المفروض عليه والعالم الخارجي، حيث الانفتاح والتوق إلى الأفضل… ” ([34]). هذه كلمات حنين عن والده واحاتٍ، فقد احتل هذا الوالد جزءًا في نفسه، حُفرت منذ الطفولة، وزُرعت في لاوعيه وأصبحت حلمًا يرجع إليه ويحبه ويحترمه، وربما كان هذا الحب والاحترام نتيجة لما كان يسرده عليه أبو فاضل عن والده الذي رفض التعامل مع الفرنسيين،مع أنّ ذلك سيعود عليه بمال وافر.

هذه الذّكريات يستعيدها حنين من وقت إلى آخر.أيقن أنّ لوالده فكرًا عميقًا ورؤى عظيمة وأماني كثيرة لم يبلغها ولم يجد حلًا : “… لأزمته إلاّ في الهرب إلى الخمرة يقتل،بها نشوات وعلاّت الألم… ” ([35]). أحسّ حنين بألم والده في نفسه وعقله،وكان كمن عاش في داخله ” عثرت على غلالةٍ من الألم تغطي شغاف قلبه…”([36])، عاش معه بكل جزئياته، تغلغل في أعماقه مع أنّ الأب  كان قليل الكلام كثير التأمل الذي يرين عليه وكان ذلك  “… يؤثر في عالمي الفتّيّ… ” ([37])، أصبح حنين فيما بعد حالمًا كوالده، يتوق إلى أهداف صعبة المنال بسبب تعوده على ذلك. من سكون الوالد وتأملاته، فنجده فيما بعد حالمًا بحب سماء المستحيل مبحرًا في بحر عميق يحلم بوصالها لأنّ ذلك محرم عليه في الواقع، ثمّة تلاعب بالمتلقّي إذاً. ثمة شدٌّ وجذبٌ، عنفٌ وتوترٌ، انتقالٌ من العاديّ إلى الخارق. إنّ الكتابة تجسّد الكيفيّة التي يتمكّن بها الكلام من تدويخ حواسّ المتلقّي  وتشويش مداركه واجتذابها لحفزه حفزًا على تخيّل مشاهد يستحيل تمثّلها. وثمّة داخل هذا كلّه نوع من التنادي الخفيّ بين النصوص ([38])، وارتباط الأديب بقضايا عصره على اختلاف أنواعها .

كان صوت والده مزروعًا بنفسه أينما كان حنين، لأنّه منذ طفولته، كان متأثرًا بوالده إلى حدّ كبير،احتذى به عند نضوجه فأصبح ميّالًا إلى التأمل والغوص في الأحلام، وكان فقيرًا قصير اليد، لكنه أورث حنينًا ثروة من الحكم كانت بالنسبة إليه كصوت ضمير مختزن في لاوعيه، يخرج إلى الوعي من وقت إلى آخر  بحسب ما تقتضيه الظروف : “… إذا وجدت نفسك في غمرة المشاعر وضآلة العقل… فاهرب… تحرّك… ” ([39]).

ما دفع حنينًا إلى الإحساس بأن والده يعيش فيه، يتقمصه موجهًا إياه في مختاف الأحداث والمواقف : “… إحذر يا بني غفلة الزمان وانتبه لغدر الساعات… ” ([40]) “…  لا تبح بضعفك أمام أحد… ” ([41]) ومن البديهي أن هذه الشخصيّات غنى اجتماعي يعضد أواصر المجتمع ، لأنّ الظواهر لا تكفي لتقدم فئة من الفئات دون عملية تبادل ثقافي مولد من ثقافة متجددة للروح الإنسانيّة .

الصراع الداخلي لحب سماء :

كان حنين قد توقف عن العمل كحمال في السوق بعدما حظى بمساعدة أبي فاضل الذي علَّمه وأخواته صناعة الغزل والنسيج، إلاّ أن سماء كانت تلح على طلبه كي يساعدها في نقل الحوائج  كلّ شهر إلى الدير. وكان لقاؤه الأول بها في غاية الرهبة،لأنّه كان قد سمع عنها الكثير وعن “… طيبتها وعفافها وإخلاصها لعملها وتفانيها في خدمة الله والبؤساء المعوزين أمثالي…” ([42]).

فقد ملأت كيانه بمشاعر متناقضة  ” أهي حب… أم إلهام… أم شوق إلى أشياء مجهولة… أم أخوَّة… أم أمومة ؟… “([43]). فقد كان طفلًا  عندما تكوّنت أحاسيسه المختلطة تجاهها، لأنّها أول فتاه أو إمرأة تدخل عالمه غير أمه وأخواته الست، ” وحدها أضاءت السواد في أفقي… ” ([44]) فشعر اتجاهها بمشاعر مختلفة،وأحبها حبًا جنونيًا على الرّغم من أنه كان يعرف بأنها تحبه كأخ، لأنّها حرمت من الأخوة والأب والأم… فقد وجدت لقيطة أمام الدير فرعتها الأبرشية وتولى رعايتها الرئيس، حتى كبرت وأصبحت مسؤولة عن المؤن في الدير، تتولى شراء الحاجيات له، إلى جانب تعلمها الأدب الفرنسي ودراستها الدكتوراة فيه.

أشارت سماء إلى حنين بالعمل في الدير ومتابعة تعلمه، وساعدته في ذلك، وكان يبيت في بيت الخدم  التابع للدير.  يقضي معظم وقته برفقتها، وهو ما سهَّل دخولها إلى هيكل نفسه وأحبها وتعلّق بها وجعلها كل شيء، وأصبحت  ” أيامي بلا شطئان وأحلامي بلا حدود… أطوي الأيام وأنا أواجه صغر سني وغربتي عن الدير كونها راهبة… أرحل عبر الحرمان والفقر… “([45]). لقد أصبح حب سماء مسيطرًا على كيانه، يوجعه الفقر والحرمان المختزن في عالم ما قبل الشعور من أيام الحرمان في الطفولة البائسة التي عاشها.

صار حنين أكثر تعلّقًا بسماء كلما كبر، لكنّه كان عالمًا بسلوكها تجاهه، وكان يدرك أنّه يجب أن لا يحيد عن مشاعر الأخوة والأمومة… وحده كان مشتت المشاعر غريب الميول، “… رغبة حيوانية تجتاحني… تختفي وتظهر… ” ([46])، وكانت هذه الرغبة تختفي وتظهر في نفس حنين،لأنّه قد أصبح في سن الرابعة عشرة،  سنّ البلوغ، وحب سماء كبر في نفسه،وفي هذه المرحلة من العمل تنضج المشاعر والغرائز في نفس الإنسان “… لكنني تيقنت بأنّني إلى الآن غير مذنب علنًا… إن نطقت فسوف تحل اللعنة… سأثبت أنني أفكّر في الشهوة الجسدية ” ([47])، والغرض من ذلك ليس مجرد السرد والإخبار ، وإنّما تصوير الطبائع البشرية ونقدها وتوجيهها ، وهو تصوير فيه من التعمق وشمول النظرة بحيث يطيب للناس أن يقرأوه.

نستنتج من هذا أنّ حبه لها كان يحدث صراعًا عنيفًا في داخلة صراعًا بين الهو والأنا الأعلى، شهوة تجتاحه وقيم أخلاقية تعنّفه وتكون بمثابة سلطة قضائية تمنعه من التقرّب أو المساس بسماء ذات العفة فسيطر عليه الحب الصوفي أو العذري ” … يتقاذف عبيرها الهواء… يحضنني  يسدّ منافذ جسدي فأغرق في النعيم… “([48]) ويتمثل هذا الأثرفي الشعور بالمتعة الفنية والاستمتاع في أثناء تفاعله مع العمل الأدبي، وهذا التفاعل يجعل المتلقي يتوحد مع التجربة الشعورية التي عاناها المبدع .

لاحظت سماء حب حنين لها، فكانت تنصحة وتقول له : “…الحب الحقيقي هو المترفع عن الشهوات وأصدق حبّ هو حبّ الله والشغف به… ” ([49]). فكانت بمثابة من يحاكي اللاشعور لدى حنين ويروّضه ويهذبه كي يصنع منه عالمًا شعوريًا واعيًا كاملًا موحدًا بين عالمه الداخلي والخارجي، وثمة قول يثبت كلامنا : “… إنّ الإعتداء عليكِ أصبح جزءًا من الاعتداء على الله… وهو كفر يجب ألاّ أقربه…”([50]). فكانت  بمثابة الفاكهة المحرمة بالنسبة إليه، حبّه لها كان سرابيًا تتقادفه الرؤى والأحلام، لكنّها كانت تحبّه أيضًا على طريقتها: “… أمتلك منّي ما تشاء… لكن احترام ما هو ملك الله… ” ([51]). وكانت تنمي،قدر استطاعتها، إقباله على الإيمان وتتعامل معه بالروح، وقد احترم كونها مسيحية وراهبة  “… لن أسيء إلى رهبنتك ما دمت تريدينها… ولكن اعلمي أيضًا أنّني لا أؤمن بها… ” ([52]). وكانت هي أيضًا تحترم كونه مسلمًا وتحاول توجيهه من خلال دينه الإسلامي : “… لن نقضي على الشهوة… قضاؤنا عليها يكون بتنظيمها وتوجيهها … وهو ما جاء به الإسلام… “([53]). فلم يكن حنين يؤمن بالرهبنة،إلاّ أنّه احترمها واحبها حبًا روحيًا، وتعلّق بطهارتها مع أنّ الذئب في داخله يستفيق اتجاهها بين الفينة والأخرى، ويرغب بالزواج منها لكنها كانت تصده دائمًا فيتعذّب أشدّ أنواع العذاب : “… استمّرُ ألتهمُ العلقم… ألحس  المبرد لتسيل دمائي فأظنها لذّة… ابتلعها وأتألم…” ([54])، لذا هذه الصور والرؤى التي أمدت الأديب بلوحات متعددة من العواطف والانفعالات النفسية وألوان من الاحاسيس والشعور لتجسيد الخواطر المعنوية نفحات من الخوف والرجاء ، لتستضيئ بنفحات الثقة بالنفس ، والإيمان بمقدورات الإنسان .

-الصراع الداخلي لحب الوطن :

حنين الفتى والشاب الكادح أحب العمل والعلم ووالده،وعندما أينع قلبه أحبّ سماء التي فُطر على حبها، وما لبث أن تقاسمت قلبه مع الوطن الذي أضحى مخلصًا له.

كان حنين في بدايات عمله في دير القمير، بعيدًا من العمل السياسي والتمييز الطائفي، مسلمًا متدينًا بهداية أبي فاضل والشيخ عارف وكذلك سماء التي غرست فيه الإيمان العميق من غير تعصب، ينظر إلى الدين المسيحي باحترام وتقدير، يتعايش مع كلًّ من الرئيس وسماء وأنيس بإنسانيّة خاصة،لا يميز بينهم وبين أهالي بلدته ، ويفضي إليهم بأسراره ، لذلك يعد الراوي ركن من أركان العمل الروائي ، ويطلق عليه عند البعض ساردًا([55]). إلاّ أن ظروف الحياة والتطورات السياسية التي حصلت في دير القمير اضطرت حنين إلى الإنخراط بالسياسيين، فتقرب من سميح وكل من أندريه ورشيد اللذين كانت علاقته بهما مختلفة.

تنازع قلبه حبّان حقيقيان : حب سماء وحب الوطن والواجب تجاه لبنان، فوطَّن نفسه لحمايته من المعتصبين الذين ” يظنون أنّهم سيبنون دولتهم على أنقاض العروبة والإسلام… ” ([56]). وكان حنين واعيًا للمؤامرة التي تحاك ضد الوطن، فرمى بنفسه في حمأة من الفساد والهلاك من أجل اكتشاف المؤامرة على الوطن، رافق رشيد وأتباعه إلى أوكار دعارتهم،  وحضر اجتماعاتهم واضطر إلى  مجاراتهم في فسقهم ومجونهم كي يشعروا بأنّه فرد منهم،واستطاع معرفة نواياهم الخبيثة، وعلم بأماكن مخازن أسلحتهم “… إنّ الثقة التي تبادلها حنين ورشيد جعلت من الأخير غير عابىء في اطلاعه على دقائق المعلومات وتفصيلاتها…”  ([57]). وأخفى عنهم حقيقته،واتصل بسميح مرارًا واطلعه على أدق التفاصيل لما كان يجري في الدير وكان يقول : “… علىّ أن أزرع المكان مجيئًا وذهابًا، أتعرّف  إلى كل زواياه…”([58]) وكان مقتنعًا بأنّ السياسة هي “… السبب وليس الدين… “([59])، فالدين يدعو إلى التسامح والمحبة والتعايش والإيمان الحقيقي يجمع ولا يفرّق.

شارفة (المسلمة) والقمير (المسيحيّة)، واللّتين لم تعرفا هذا التّصنيف إلّا عندما شاء المصنّفون المتضرّرون من الوحدة تفريقهما. هذا المجتمع قد تغيّر، واستحال من فضاء تتطاير فيه حمامات السّلام إلى زوبعةٍ تغذي أشواك التّناحر برغبة جامحة من أصحاب القلوب السّوداء، فتخيّم غماماتهم القاتمة منذرةً بغزارة أمطارهم  القاتلة.

فلقد كان الناس يعيشون حياة  ألفةٍ، ويتعاونون بمحبّة  ويتبادلون العيش  الإنسانيّ خصوصً في البلدين المحورين ( شارفة والقمير )، هذين الرّمزين الوطنيّين الدينيّين المعتدلين، الرّافضين سياسة التّناحر السّياسيّ المجلبب بعباءة الدّين المقدّس أيًّا كان الشّعار الموسوم على صدره ( هلالًا أم صليبًا )، وهم لا يعلمون ؛ أو أنّهم لا يريدون أن يعلموا، أنّهم بفعلتهم هذه يسيؤون إلى  أديانهم ومقدّساتهم  التي لا تختلف بجوهرها الإنسانيّ، ولكن عقولهم المستفحلة بمرض الاستئثار والسيّطرة، هي التي تدبر أوراق اللّعبة، لا سيما ورقتها الكبرى : ” الطائفيّة “، علمًا أنّ لبنان أرض خصبةً لشتّى بذور الطّوائف.

وشخصيّات التّعايش في الرّواية هي من جميع الأحزاب والطّوائف السّاعية لتزيد التّخريب والّلهب الممتدّة إلى حياة أجداد جذور المحبّة فيهم وفي إخوانهم الوطنيّين. تفتّحت براعم مادّة الرواية على استفهام السائل. ” ألم نلتقِ قبلًا ” … فانسالت ساقية مواضوعاتها من طفولةٍ نضجت قبل أوانها، والرّهبنة والعروبة والاغتصاب وغيرها، بأسلوب سرديّ متفنٍ، وتسلسل أحداثٍ مشوّق.

كما أنّ موضوع التّعايش يشغَل مكانةً مهمّه في الرّواية، حيث يظهر عندما رفض الشّرفاء ومنهم والد حنين وأبو فاضل، خلال الحرب العالميّة الثّانية التّعامل مع الفرنسيّين، مع إغراءاتهم الكثيرة، ورغم أنّهما كانا شابيّن يسعيان   لتكوين ذاتيهما، بينما جاهدا  مع إخوانهم في الوطنيّة ليكونوا يدًا واحدةً، تقبض على زناد سلاح التّفاهم ليعيشوا بسلام، وليكونوا حصنًا منيعًا في سدّ الباب على التّفرقة. وهذا الأمر لم تتغيّر النّظرة الطّاهرة إليه، مع تغير سمات المجتمع وأنماط السّلوك والتّفكير والإيديولوجيّات والثّقافة، وإنّما ازدراء الوعي تجاهه، فهذا حنين الشّخصيّة،  الرّئيسة والرّاوي الأساس، انتقل للعيش في دير قرية ليعمل موظفًا فيه، ويتعامل مع من يقيمون هناك بحسن نيّة كما يتعاملون معه، وهم يحترمون معتقده كما يحترم معتقداتهم، فالتّسامح الدّينيّ هو جسر الاتّصال بينهما، ولكلّ منهم أشخاصّ لهم قيمتهم الرّمزيّة الدّينيّة الكبيرة.

والشّيخ عارف يعزّز بدوره في حنين احترام المسيحيّة، وبأنّ الإسلام علّم المسلمين إجلال الدّيانات الأخرى، وبأنّ المسيح  ( ع ) والنّبيّ محمّد ( ص ) أنبياء الله وكلّهم متساوون.

كما كان حنين الصّلة بين الدّير وشارفة، كان بعض الأشرار يعملون  تخريب الوطن وإلغاء البشر على حساب المصالح الخاصة. وهم رضوا أن يعيش حنين بينهم، وقاموا بحمايته من الغرباء… غرباء العقل، وغرباء الدّين.. وحافظوا على معتقده، ولم يمنعوه من إقامة وممارسة شعائره، بل وفّروا له الملاذ الآمن لذلك، ولم تخطر ببالهم يومًا فكرة إقناعه أن يتراجع عن دينه ويكون مسيحيًّا، بل احترموه وأحبّوه وحموه وقبلوه كما هو، واستأمنوه على ممتاكاتهم من دون النّظر سوى إلى خلقه. فالأنبياء كلّهم من عند الله وهم يكملون بعضهم بعضًا. وسماء تلك الرّاهبة المخلصة لربّها، والمتفانية في مساعدة البؤساء من أيّة منطقةٍ ومذهبٍ كانوا، هي كتلة من الإنسانيّة، ولا سيّما وأنّها احتضنت حنين وقدّمت له المساعدة، وحنَّت عليه، وكانت له الأمّ والأخت والصّديقة، وتابعت بنفسها مسيرة تعليمه، كما رئيس الدّير الّذي لم يمانع باستضافته، ولم يبخل بحبّه عليه، وأنييس تلك الفتاة المسيحيّة أيضًا، والّتي وقفت إلى جانبه واعتنت به عند مرضه، كانوا كلّهم عائلةً واحدة. وذلك الرّاهب ميشال، شأنه شأن المحازبين  السّاعين إلى تخريب التّعايش  له أمثاله بين المسلمين، أولئك السّائرون على خطاه. وحبّ حنين العظيم لسماء دليلٌ آخر، بل أكبر دليل على أنّ التعايش قائم، وهناك من لا يريد خسرانه بل يسعى لاستمراريّته. والرّئيس لطالما جمعته علاقاتٌ متينةٌ بمشايخ ووجهاء من القرى الأخرى ولا سيّما شارفة، فهم مؤمنون بدياناتهم الّتي تدعوهم إلى التّسامح والعيش بمحبّة،ويتبين  لم يعد أحد من الذين غادروا الأماكن وظلت البيوت التي هجرها أصحابها مغلقةً ،ولم يطأ أحدٌ عتباتها  ” لاتفسر كلامي بأنّي أتحامل على المسيحية ، حاشى الله فهي دين سماوي .. والمسيح عليه السلام نبي الله .. علمنا الإسلام أن نحترمه ونجله .. وأن الأنبياء كلّهم سواء .. أنا أقصد هؤلاء الغرباء الذين جاؤوا مؤخرًا إلى القرى وتغلغلوا ” ([60]). وهنا بقيت مجموعات من العساكر تتوقف بجانب الطريق للاستراحة لبعض الوقت ، ولشرب الماء البارد المتدفق من الأعالي ، ولتتابع طريقها بسرعة إلى الأعالي قبل حلول الليل ليبيتوا في القرى المجاورة ، من هنا القيمة الشعورية ، والقيمة التعبيرية ، فالعواطف مقوم أساسي من  المقومات الأدبية ، وهي التي تدفع الكاتب أو الأديب لإبداع عمله ، “فإذا خلا الأدب من العواطف والمشاعر فلا يعد أدبًا، وإنما كان شيئاً آخر غير الأدب ” ([61]) فالأديب أو الكاتب حينما يؤلف عملًا ما يؤلفه وهو مغلف بشحنات عاطفية ، تعبر عن نفسية قائلها من جهة ، والمبدع يريد إثارة هذه العواطف والانفعالات لدى المتلقي من جهة أخرى .

وعندما بدأ التّسلّح، كان هناك محازبون وسياسيّون لا يمتّون إلى أديانهم والانسانيّة بصلة، بل يلهثون وراء مصالحهم، بالاحتماء بالدّير للوصول إلى أهدافهم، فعلمت سماء بأمرهم الحقير تجاه شارفة القريبة من القمير، فلم تلتفت إلى طابع تلك البلدة الدّينيّ، وإنّما فكّرت بإنسانيّتها بالأبرياء الّذين لا ناقة لهم  ولا جمل، فأسرعت بإخبار حنين بالأمر كي يكون الأخر متيقظًا للآتي، وجنّدت نفسها لمعرفة المعلومات وإيصالها إليهم، فدينها ونفسها الطّيّبة يأبيان إلّا أن تكون كذلك، حتّى ولو كان المحازبون من طائفتها، كما فعل حنين الّذي لم يؤدّ دوره يالتّستّر على المجرمين من طائفته.

نفخ المغالون في أتون الفتنة، وعملوا على إذكاء روح النّعرات المذهبيّة، لتوريط باقي المسيحيّين والمسلمين معهم، ولكنّ سماء وحنين لم يتوانيا عن السّعي لإفشال المخطّط الاستبداديّ، وبقيّ التّعاون قائمًا بينهما مع من انضمّ إليهما، وبين الوطنيّين الّذين وجدوا فيهم الخلاص، وقد عملوا بسرّيّة تامّة، لأنّهم  لا يبغون الشّهرة، بل يسعون إلى وطنٍ مشهورٍ بتعايشه وتسامحه وألفته.

نجح المحازبون في وضع بصماتهم الإجرامية على عين الرّمانة، وسارت الأحداث العسكريّة بسرعة، وأصبح هناك فرزٌ سكّانيّ وطائفي، فالأحزاب الّتي كانت تدّعي الوطنيّة وتدعو الفئات الشّعبيّة لمناصرتها ضدّ المحتكرين رغيف الخبز ” البرجوازية “، تحوّلت إلى ذئب ينهش أرغفتهم ويستغلّها لمآرب فئويّة.

بدأ التّحرّش المتبادل، والأسر والقتل على الهويّة “identity”، فلكلّ وطنيّ ضريبة انتماء عليه دفعها. ولكنّ أمل التّعايش الوطنيّ بقيّ يلمع رغم المحن وتجمّد الحياة على الصّعد كافّة. والمحافظون على هذا التّعايش لم يحطّوا من قدره قيد أنملة، بل كانوا دارًا آمنًا لإخوانهم اللآجئين من أيّة طائفة كانوا.

فبعد أن كانت أفعى الطّائفيّة في سباتٍ مؤقّت، استفاقت لتبثّ سمومها وسط النّاس، إلّا أنّ تعاون المقاومة الفلسطينية وانضمامها إلى الحركة الوطنيّة شكّل حصنًا منيعًا، فالقضيّة واحدة وعربيّة، لأن المليشيات المسلّحة تتعامل مع أخطر عدوّ لا ثنيهما… الاسرائيليّين… وقد عملت هذه الميليشيات على حثّ النّاس على ضرورة حمل السّلاح ترغيبًا وترهيبًا، وهذا شأن البلدتين ( شارفة والقمير ) كما سواهما، والمقاومة “resistance ” شحذت عزيمتها وهمّتها لتكون المنتصرة للتّعايش.

وحنين وسماء، قطبا الممانعة الكبرى بدورهما، لم يستسلما أو يتركا أيّة فرصةٍ للطّائفيّة أن تتغلغل إلى عقليهما وقلبيهما، بل على العكس من ذلك، بدا  كلّ واحد منهما غير آبهٍ بحياته، حياة الوطن هي الأهمّ عندهم  إلى إنجاح مخطّط الوطنيّة العازمة على نشر بريقها على كامل البشر والحجر. وليس هناك”غول” مسيحيّ ولا آخر مسلم،  كما صوّرت الميليشيات ذلك للنّاس.

وسماء والرّئيس وأنيس ( المسيحيّون) ظلّوا يحافظون على سرّيّة معتقد حنين (المسلم) كالسّابق، حتّى أنّ سماء الوفيّة لربّها ووطنيّتها، عندما علمت بوقت عمليّة اقتحام شارفة لإبادة أهلها، أسرعت بنقل الخبر إلى حنين، بل عرّضت نفسها للخطر غير آبهةٍ، مع بعض المنشقّين عن تلك الميليشيات، والّذين وعوا الخطر المتربّص من جرّاء التّناحر. فقاموا بالعمل الجادّ والدّؤوب لتفجير معقل الخراب، وقد وفت بوعدها لحنين، وقام الشّبّان بالمهمّة، وبذلك أبعدوا شبح القتل والتّدمير والتّهجير عن بلدةٍ من وطنهم. وحماية أهل شارفة لأهل القمير والعكس بعد التّفجير، وهو عملٌ عظيمٌ يسعون إليه، ولعلّ حماية حنين لانييس خير شاهدٍ على أنّه قام بذلك ليس فقط عرفانًا منه بالجميل لسماء، إنّما هو أيضًا ثمرة غريزة ذلك الحبّ للتّعايش الوطني، لأنّ الوطن للجميع، والدين لله،   ينمو ويكبر بهما ومعهما.

كما أنّ زواج حنين من أنييس الذي حصل فيما بعد، والّذي شجّعه للقيام به كلٌّ أمّه والشّيخ عارف، لهو أكبر دلالة على أنّ التّعايش الوطنيّ والدّينيّ مطلب الفئة الكبرى الطّامحة إلى المحبّة والألفة، والقائمة على مفهوم أنّ الله سبحانه واحد للجميع، والدّيانات مكمّلة لبعضها البعض، والمسيح (ع ) و محمّد ( ص) وسواهما من الأنبياء رحمةً منه جلّ جلاله لعباده. كما وتطهر سلامة العيش المشترك عندما ذهب الرّهبان والوجهاء إلى المسؤولين للمطالبة بتزفيت الطّرق الّتي تصل بين القرى، كي يتبادلوا المحبّة والألفة والتّعايش وكأنّهم قرية واحدة تتطوّر وتنمو لخير الجميع، وهي صورة للحبّ البريء الطّاهر بين المسيحيّ وذلك المسلم.

والمحافظة على العادات والتقاليد الاجتماعيّة المتوارثة، والّتي تحافظ بدورها على التّعايش، تبدو جليّة في احترام حنين لشخص أبي فاضل ورئيس الدّير والشّيخ عارف،فهم يكبرونه سنًّا وتجربةً، كما وأنّهم كانوا بدورهم يهتمّون به، يستمعون إليه وينصحونه، فأبو فاضل هو صديق لوالده، وقد ساعده لينهض بحياته المادّية، معلّم أخواته فنّ الحياكة، والشّيخ كان قدوته الّتي اهتدى بها إلى عدم الانحراف وارتكاب الآثام، كما الرّئيس الّذي احتضنه وحماه.

وحنين مثال الطّيبة والفطرة القرويّة، وإيواؤه لأنييس كما آوى أبناء بلدته الكثيرين من منطقة القمير والعكس، دليل على كرمهم ومحافظتهم على عاداتهم القرويّة المتجذّرة في إغاثة الملهوف  ونصرة  المظلوم، وهو استكمالٌ لفكرة العيش المشترك.

وتمسّك كلّ واحدٍ بديانته، وتطبيقه تعاليمها كما ينبغي، خصوصًا في مسألة احترام الأديان الأخرى والتّعايش، دليل الإيمان الحقيقيّ به والثّبات عليه.

وصورة الفحش البارزة من خلال اللاّهثين وراء الملذّات والعاهرات، واغتصاب أندريه لسماء، ووقوع حنين بمتاهة هذه الأهواء مرغمًا وراغبًا، مرغمًا لأنه كان يجاري رجال الميليشيات للوصول إلى المعلومات، وراغبًا لأنّه لم يقدر على الأستحواذ على سماء جسديًّا، ففجّر مشاعره الملتهبة في إحداهنّ، مع أنّ دينه ينهاه عن القيام بهذا الفعل المحّرم ولا يعترف إلّا بالّزواج المشّرع، ولأنّه تحمّل وزر فعله هذا، في بعضٍ منه، لحماية العيش. المشترك. كما أنّ دين سماء نهاها عن القيام بأيّ عملٍ محّرمٍ، إضافة إلى أنّ كلام النّاس أوجب عليه إلّا تطول إقامة أنييس في بيته  من دون زواج يكمل به دينه…

تتجلى وحشية الميليشيات في حربها الدائمة من أجل التسلّط، ولا يهمّها إن كان ذلك على حساب البشر، الكلّ يسعى إلى الانفراد، التناحر فيما بينهما سيّدا الموقف، لا فرق إن كان هذا التناحر داخل الوطن أو خارجه. تلك الوحشيّة للميليشيات تريد كلّ فئةٍ منهما استئصال الأخرى، والقضاء عليها للاستئثار بالتّسلّط وحكم المجتمع ومحاربة  الشّرفاء، فلا مسامحةٌ دينيّة وعيشّ وطنيّ يتلألأ آمالًا ومحبّة وسلامًا، وهو نقل ميدان حربها إلى الخارج، متمثّلًا باللّحاق بحنين إلى فرنسا، وقتل زوجته…

ففي هذه الرّواية، يظهر بعدُ الكاتب الفكريّ عبر كلماته الموجّهة إلى  تحرير مجتمعه ممّن يقمعه ويستعمره طائفيًّا، عبر ترك التّخلّف وراءً، والعيش بوعي وطنيّ، وقوميّ، وإنسانيّ، وحتّى عالميّ.

ولعلّ تأثّر شخصيّات الرّواية الرّئيسة (حنين وسماء) بالأدب الغربيّ من خلال اطّلاعهما عليه وانفتاحهما به على الغرب، هو ما أذكى فيهم العاطفة الوطنيّة لينادوا بالإخاء والمساواة والتّحرر. كما أنّ الكاتب في روايته هذه، واعٍ لدوره، بتقديم الهدف الاجتماعيّ النّبيل، فهو أثرٌ من آثار عصره وأمتّه، التمس من مؤثّراتها ما حثّه على إنتاجها.

لذلك كان موضوع التّعايش الوطنيّ والتّسامح الدّينيّ، إفرازًا لمجتمعه الّذي عايش تجربة الإلغاء الطائفي، فتململ عقله وقلبه لهذه المأساة، ودعا إلى عدم تكرارها من خلال تبيان آثارها في الوطن والإنسان من خلال الشّخصيّات الّتي وظّفها لهذه المهمّة السّامية. وهي بدورها حركة مستمرّة لمجتمع منشئها، وهي ليست أسيرة لزمانٍ ومكانٍ، فموضوعها هذا يصحّ لأيّ كان منهما.

وهو يسرد بتسلسل ممنطقٍ وممنهج. كما أنّ لعدّة أمورٍ مجتمعيّة أخرى التّأثير البارز في قضاء التّعايش، سلبًا كان أم إيجابًا. وهذه الرّواية هي كتابٌ مفتوح على مشكلة التّعايش المتصارع مع الطّائفيّة  وأعوانها ومرتبطٌ بها لأنّها من مجتمعه المستمرّ في حركيّته. كما أنّها تعكس خلفيّة الكاتب الثّقافيّة في جوانبها الاجتماعيّة، ومفرداتها مرتبطة بالمجتمع بوثاقة، لذا فنحن نبحث عن اجتماعيّتها تلك. وهو يعبّر عن مواقفه الاجتماعيّة، بوجدانيّة صادقة حيال مبدأ التّعايش الوطنيّ،وهي تجسيد لمعنى خلافة الإنسان لله بما تستهدفه من بناء للشخصية الإنسانيّة على أساس من الانتماء والأمانة والتسامح والعقلانيّة والشعور العالي بالمسؤوليّة للحاكم والمحكوم ، الرجل والمرأة الغني أو الفقير ([62])،  ويصوّرها بشعور فائق التّعبير.

فهذه الرّواية انعكاس لشخصّية صاحبها وعمق ثقافته الفلسفيّة والأدبيّة، وتمكنّه من أصول روايته، وقيمتها تكمن في تأديتها وظيفتها، ألا وهي زرع فكرة التّعايش الوطنيّ والتّسامح الدّينيّ. وهي تصلح لمجتمعنا هذا الّذي نعيشه الآن، حيث التّاريخ يبدأ بإعادة نفسه، ويبدأ النّاس بتنفّس الطّائفيّة الّتي يقوم بإذكائها أناس… ويعمل على إخمادها أناس آخرون… كما أنّ الوعي بات مخيّمًا على عقول الفئة الكبرى من الشّعب.

  • أمّا اللغة التي تميزت بها هذه الرواية فقد ظهرت من خلال عدة نقاط هي الآتية :

أساليب اللغة وأداؤها:

لقد استخدم الرّاوي أسلوبًا مشوقًا في السرد الروائي، فمع تداخل وتقاطع الأزمان والأماكن، إلاّ أنّ الحبكة المتينة للرّواية جعلتها تشدُّ القارىء وتشعره بالمتعة والانجذاب أما التداعي في الأفكار فهو يشبه كلام المريض النفسي الذي يتمدد على الأريكة ويترك العنان لمكنونات نفسه بالتداعي، لذا يمتاز الأديب في روايته بمعجمه الخاص فلكل أديب تعامله الخاص مع اللغة وله معجمه الذي يستقي منه ألفاظه ومفرداته ، ويبني من تلك الألفاظ والمفردات أبنيته وتراكيبه اللغوية التي تشكل النسيج الفني لروايته التي تتبلور من خلالها رؤيته الفنية للواقع ([63]).

أمّا أداء اللغة فقد اتسم بالرقيّ الذي ظهر في وصف المشاعر والأحاسيس تجاه المحبوبة، ولم يركز على وصف مفاتن جسدها، فنراه يبتعد من وصف الجمال المادي، ليصف الجمال الروحي الذي يخاطب النفس وليس الحواس. وأكثر ما يتجلى هذا الوصف في مشهد الوداع قبيل سفر سماء إلى باريس لإنجاز مناقشة أطروحة الدكتوراة، فنراه يصفه من منظار صوفي إيماني فهو يرتاح على صدرها دون إرتياب  ارتياح المؤمن في محراب الله… يطهر نفسه… يسمو بها كأنّما يصلي… يعانق الله… كان متصوفًا بلا إثم. أما الفراغ الذي يسيطر على ما بين عبارات الرّواية.  تقديم شخصيات على كونها واقعية وتصورها في وسط معين ونعرفها بنفسياتها ، ومصائرها ومغامراتها ، وقد استقر لهذا اللفظ المعنى الحديث الدال على الرواية ([64]) ، فهو يترك مساحة للقارىء للغوص بالمشاعر وفي الخيال والأحلام.

الترادف- ظواهره ودلالاته:

التّرادف : لغة واصطلاحًا :

التّرادف لغة: ” التّرادف لغة هو ركوب أحد خلف آخر، وردفه أي ركب خلفه، والمتردّف هو الذي يركب خلف الراكب” ([65]).

اصطلاحًا : ” المترادف ما كان معناه واحدًا وأسماؤه كثيرة، وهو ضدّ المشترك “([66]) ومن تعريفات العلماء للترادف : ” هو اللفظ الذي يكون معناه الموضوع له واحدًا أو يكون لذلك المعنى لفظ آخر موضوع له أو ألفاظ، وكذلك وجهة التسمية في الترادف والمترادف ضدّ المشترك “([67])، وفي النثر الحديث كثير من مثل هذا الالتفات .

برز الترادف في النّص بشكل لافت، منه على غرار : مودّة، وحميمة، وعرفان، والعطف، والحبيبة، أحبّها… وهي جميعها تصب في معنى المشاعر التي تكنها الشخصيات الوطنية من المسلمين والمسيحين لبعضها البعض، وهي تعيش قلبًّا حميميًّا واحدًا، وكما برز الترادف في : إيمانه، تقواه، حسن دينه. وقد أدّى هذا الترادف دورًا في التأكيد على أن الدين هو واحد، وأنّ  قضية الانتماء للوطن الواحد لا تتعارض مع الدين، لأنّ الدين محبة وقيم إنسانية تصب في قيام الوطن وترسيخ الانتماء له، وبروز الترادف في : الغرباء والآخرين، للتّأكد على أنّ الغرباء الذين يخربون الوطن هم ليسوا من أبنائه بل هم من الآخرين الذين دخلوا إلى لبنان من أجل تفكيك لحمته الوطنية لغايات في أنفسهم تخدم مشاريعهم الاستعمارية في الوطن العربي الذي استبدلوه باسم الشرق الأوسط لاحتضان الجسم العدواني الغريب في هذه المساحة من الأرض العربية. ولنتيجة هذا الترادف هو علامة تدلّ على ثقة المواطن بأخيه الإنسان، وإنّ اختلف عنه في الدين، كما أنّ لهذه الترادفات ظلال وإيحاءات كثيرة، تعبّر عن الأجواء النفسية للكاتب، فالشّخص البطل ليس سوى أداة لتمظهر إنسانيّة النّصّ ، وذلك أنّ المبتغي ليس الشّخص البطل بحدّ ذاته ، بقدر ما هو العمق الإنساني الذي يمكن أن يتجلّى من خلاله هذا البطل ([68])، لتقريب الصفات المتباعدة التي أراد الغرباء ترسيخها، لتكون أساسًا في ضرب اللبنانيين، وتفريق وحدتهم الوطنيّة إلى انتماءات شتى.

التّضاد : ظواهره ودلالاته :

 التّضاد : لغة واصطلاحًا

التّضاد لغة : يعرّف ابن فارس المتضّادين بأنّهما ” الشيئان لا يجوز اجتماعهما في وقت واحد كالليل والنّهار” ([69])، كونها تسهم في بلاغة النص وحسن تعبيره .

التّضاد اصطلاحًا:  يعرف أبو هلال العسكري المتضادين فيقول ” المتضادّان هما اللذين ينتفي أحدهما عند وجود صاحبه، إذا كان وجود هذا الوجه الذي يوجد عليه ذلك كالسواد والبياض ” ([70]) ولا يقل التضاد في النصّ دلالة سيميائية عن كل من التكرار والترادف، وقد جاء التناقض بين لفظة يحبّ ونقيضها يمقت، وبين لفظة حلال ونقيضها حرام، وبين لفظة الغرباء ونقيضها أبناء البلدة والمنطقة. ومن سيمائية هذه الأضداد أنّها جاءت لتختصر الواقع المعيش في الوطن، حيث المواطنون المؤمنون بالأرض والإنسان الذين يشعرون أنّهم رفاق في الوطن تنمّ علاقاتهم عن عرفان بالصنيع، أمّا الغرباء فهم متوجّسون منهم يحذرونهم فلا يختلطون معهم لأنّهم ” ينهون كلّ من يرتابون به ” ([71])، وبهذا  نخلص إلى القول أنّ النّصّ قام على هذا الحقل الدّلالي شكّل إشارة إلى المناخ السّائد في الوطن، ليشكّل علامة سيميائية تومئ باللّحمة بين أبناء الوطن، وبالإيمان والمحبّة، وتكشف عن نقيضها الذي هو تسلّل إلى الوطن، ونخر في أساسه وضرب للسّلم الأهليّ.

ثنائيات اللغة :

التكرار لغة : جاء في لسان العرب : الكرّ، وكرّر الشيء وكركره : أعاده مرة بعد أخرى ([72])،كي يروق للانسان أن ما يسمعه ويقرأه، فيستمتع بموسيقاه وعذوبته ووضوحه،ورقة الفاظه،كما يستمتع بمعانيه وعمقها ،واتساعها ،وشمولها الانساني .

التكرار اصطلاحًا : ” هو دلالة اللفظ على المعنى مردّدًا ” ([73]) ويعرّفه الجرجاني بقوله : “تكرارعبارة عن الاتيان بشيء مرة بعد أخرى ” ([74])، ناهيك بما في اللفظة من دلالة صافية قريبة من الافهام مأنوسة في الاستعمال ، حسنة الوقع في الأذن ، لا تقع فيها تنافر في الحروف .

وكما يذكر الدكتور سعيد بحيري أنّ الإحالة التكراريّة هي الإحالة بالعودة، وتتمثّل في تكرار لفظ أو عدد من الألفاظ في بداية كلّ جملة من جمل النّصّ قصد التأكيد ([75])،”والتكرار وسيلة يلجأ اليها المتكلم لغايات متنوعة، إما للتعبير عن همّ وحاجة أو موقف، كلها تتعلق بالكلمة  المكررة، لينقل بهذا النظام إلى نظام بديل هو النظام السيميائي، فهو منهج دلالي مناسب للشعر، وإن كان لا يتجاوز معها المطلوب منه، بوصفه طريقة في التحرّر من سلطة اللغة ” ([76])، للقالب الذي يتضمن الأفكار والعواطف والخيالات .

وهي ثنائيات ضدية في التعبير والرؤية لكنها تظهر متوحدة، وقد وردت من خلال التضاد والطباق في الألقاظ والتراكيب خصوصًا لدى وصفه لانفعالته ومشاعره المتضاربة، لتظهر هذا الصراع العنيف بين الرغبة والكبت ما بين الحرمان والحب، بين الحب المادي والحب الروحي، بين دناءة الشهوة وتسامي الإيمان…

المستوى المعجمي :

الألفاظ وردت راقية ورقيقة تتسم بالبلاغة والسلاسة في آن واحد، وهي تبلغ ذروة الرقة والسمو خلال وصف مشاعر الحب، فلمح فيها جرس موسيقي متناغم الإيقاع، لتدخل إلى الروح وتنشر حالة من النشوة والسعادة بمعانيها المعبّرة المتناهية الدقة، فنرى الكلمة تحتل موقعها المناسب، لتخاطب العقل والخيال معًا، فنعيش من خلالها الحالة النفسية التي عاشها حنين، برز الحقل المعجمي الدال على المكان : الجامعة، دير القمير، الشارفة، المسجد، الدير، الكنيسة “church”، البيت… والملاحظ أن الأماكن العامّة سيطرت على الأمكنة الخاصّة، وذلك لأنّ الأمكنة العامّة قد تبدّلت أدوارها… وبرز الحقل المعجمي الدّال على الزّمان : هذه المدّة، بعد توافد، منذ عشرات السّنين، هذا اليوم، طوال مدّة.. ومن الملاحظ أنّ مؤشرات الزمان تنقسم بين ما يشبر إلى الزمن الماضي، وبين ما يشير إلى الحاضر، وكأنّ الكاتب يقيم مقارنة بين الزمن الماضي والزمن الحاضر، ليكشف عن الصورة المشرقة التي كانت، ويسلط الضوء على الواقع المرير، علّ القارئ يعي أنّ المستقبل من صنع يديه. والحقل المعجمي الخاصّ بالمحبّة والإيمان : مودة، عرفان، حميميّة، عطف، مودّة.. والحقل المعجمي الدال على المشاعر الإنسانية، الحقّة التي تحتضن الجميع تحت أجنحتها، فالعرفان والمودة والحميميّة لطالما كللت رؤوس أصحاب المواطنة والانتماء إلى الوطن. والحقل المعجمي الدّال على الانقسام واللاإنسانيّة : غرباء، احتقان، طائفي، طارئين، مسلّحون، زرع أوهامًا، أضرّ، تغلغلوا، جهزوا المواقع، اعتداء، ينهون، يرتابون، الخريطة السياسية.. كشف هذا الحقل الصّراع المحتدم على أرض الوطن. وبروز الحقل المعجمي الدّال على المسيحيّة والإسلام : مسجد، شيخ، إسلام، دير، كنسية، راهبة، رئيس الدير، مسلم، إيمانه، دين، الله، الأنبياء،.. ليصبّ في معنى واحد، فالله واحد في جميع الأديان السماوية، كما جاء على لسان الراوي الأديب الضمني، ليؤكّد  أنّ الجوهر واحد، والحقيقة والإيمان بشتّى الطرق يوصل إلى الله ([77])، لذلك تتولى الثقافة مهمة الدفاع عن تراثها ، وذلك بأن تصنع جسرًا بين الاجتماعي والفردي .أما من ناحية كاتب الرواية وكاتب القصة فكاتب الرواية أشبه بالباحث الاجتماعي أو المؤرخ أو العالم النفسي وقد يكون فيه هؤلاء جميعاً بنسب متساوية فينظر إلى موضوع روايته وأشخاصها من زاويا متعددة ، أما كاتب القصة فيقتصر على زاوية واحدة يرى بطله منها في أزمنة معينة تستوفي على مشاعره واهتمامه دون غيرها فيحاول الكشف عنها ([78])، لذا، إنّ توظيف التاريخ في العمل الروائي هو إدخال المكون الحقيقي في النص الافتراضي وهذا من شأنه أن يساعد على فهم الحاضر والخلوص إلى حقيقته ومن جهة أخرى فإنّه يكسب النّصّ جمالاً عمقا.

المستوى التصويري أو البياني:

هذه الصور من استعارات وتشابيه وكنايات تجلّت بأبهى حُلّتها، فهي حسيّة روحانية، تحمل الكلمات معاني جديدة وصور من الخيال اللامتناهي، وهي صور لا تُدرك بالحواس ولا بالعقل فقط بل بالروح والخيال، فنرى الكلمات المتباعدة تتلاقى وتتناسق بشكل رائع لتكوّن صورًا من عالم الحُلم. وهي كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ألثم السماء… أهيم باحثًا…  أعانق الصخور… خلف السحب من خبر… تدعو الحب كي يغفو على أثارها… ضاع في متاهة رغبة… أغب كؤوس الفرح المترعة… ارتشف ما فاتني من حرمان… حديثها يدوب في أنحاء الوادي… يتسلق الأشجار ويعانق السحب… ويهبط الأرض… تبرز جمالها في نطاق من الكلمات ومن طابع أثري روحا، وبذلك نجد أنفسنا أمام أشخاص وسط أحداث متجلببة بالواقعيّة، تنطق بماضينا وبحاضرنا وبمستقبلنا أيضًا، بل إنّها تختصر الجميع بوجودها الإنسانيّ، وتصبح التعبير الأسمى والأكثر رقيّا عنهم، وكلّ ذلك جاء عبر تألّق لغويّ ومزايا أسلوبيّة، تمثّلت في سيل مفردات منتقاة من قاموس سالم المعوش اللغويّ الغنيّ السّهل الممتع المتأنّق الذي يرفل بالدّقة في اختيار المفردات التي تروق للأذن، وتأنس بها القلوب فكانت الصيغة أدبيّة ذات مستوى عالٍ مصوغ بأسلوب أدبيّ يقارب فيه النثر الشعر، “عن طريق التأثير الإيجابي ، بخلق ظروف جديدة تتفق مع الأهداف التي  يسعى  إليها البحث ” ([79])، يصحبك مع بلاغة الأديب، فيغريك بمتابعة  القراءة ، لتنهل  من مخزونها اللغوي وعناصرها الشّعريّة من الفكرة، والخيال، والعاطفة، والأسلوب الفنيّ.

التنّوع الثقافي في الرّواية :

تمادى الإنسان في ثقته بعقله وقدراته، فكان اليقين العلمي القاطع، وموضوعية المعرفة العلمية التي لا يرقى إليها الشك والتطابق شبه الميكانيكي بين الفكر والواقع،والتّنوّع غنّى اجتماعي يعضد أواصر المجتمع، لأنّ ذلك يساهم بقسم منه في سبر أغوار المعرفة والتجديد والتقدّم الثقافيّ، وذلك ناتج عن التجربة التاريخيّة التي تعيشها كلّ شريحة من الشرائح المختلفة في ثقافتها، لأنّ الظواهر لا تكفي لتقدّم فئة من الفئات دون عملية التبادل الثقافي أو الانصهار إلى حدّ ما في إضفاء حالة ثقافيّة جديدة على طريق الإزدهار العام. وهذا يشكلّ الحجر الذي نرمي به في بحر من السكون ونهر اليقين لكي تتحرّك الحياة فيها.هذا التنوع الثقافي وجد أرضيّة خصبة له في وطننا لبنان، فكان مثال التعايش والتآخي والانتماء للوطن الواحد “.. عشت مع عالم المسيحيّة.. أنّه عالم نفسه… كم فيه من الأبعاد الإنسانيّة ([80])، ذلك التنوع الثقافي ودوره في التصدي لثقافة العولمة الكاسحة في منظومة ثقافية بصورة أكثر علميةً ومنهجيةً، إذاً لقد بات من الضروري أن يحصل التداخل في ظل المتغيرات الحاصلة في بنية المجتمع ، ولم يكن هذا التغير محصور في جانب واحد فحسب ، بل تعداه إلى جوانب كثيرة ،فهي “تجربة أدبية تصّور بالنثر حياة مجموعة من الشخصيات ، تتفاعل مجتمعة لتؤلف عالم متخيّل، غير أنّ هذا العالم المتخيّل الذي شكله الكاتب ينبغي أن تكون ممكنة الحدوث في واقع الكاتب. والحياة الروائية حياة ممتدة في الزمان إلى حدّ ما … فقد تمتد إلى سنة أو عدة سنوات ، ولا شك أنّ هذا الامتداد الزمني يؤدي إلى توسّع التصوير.. وإلى اتساع حجم الرواية التي تعدّ أطول الأشكال القصصية حجمًا ، ويميل بعض كتّاب الرواية أحياناً . إلى أن يستعيضوا بتطويل المرحلة الزمنية المتخيّلة إلى تطويل عرض القضية ، التي تصورها الرواية ؛ لأنّهم بصورون الحدث الواحد نفسه من أكثر من زاوية ، ويرصدون تأثيره النفسي والفكري والعاطفي والاجتماعي في أكثر من شخصية، أي أنّ امتداد الرواية قد يكون امتداد طوليا عن طريق اتساع المدة الزمنيّة المصورة ([81]).  من هنا عرفت بعض الأنواع الأدبية انفتاحاً على أشكال أدبية أخرى وهذا ما يلاحظ مثلاً في قصيدة النثر أو المسرح الشعري ، أو في المتون السردية  كما في الرواية التي أصبحت بمقدورها احتواء أنواع يمكن أن تجعلها أكثر مقروئيّة لأنّه يثير في المتلقي كثيرا من الاستجابات التي تعمل على خلق عالم روائي يتمتع بهذا التنوع والثراء ([82])، لتوفير الحيوية لأشخاص الرواية ، وجعلهم يتطورون مع الأحداث .

إنّ ثقافة الانتماء للوطن ترد بمشهد يتبدّى فيه فئتان من النّاس، أصحاب الانتماء بالفطرة على شاكلة عدد من شخصيّات رواية ” عندما تمطر السماء حنينًا “، كوالد حنين وصديقه أبي فاضل وأنيس، هؤلاء لم يتعمّقوا في مفهوم الانتماء الوطني وأبعاده، بل كانت تسيرهم فطرتهم نحو التّآلف ووحدة العيش والمصير : ” أنا الضائعة في هذه اللعبة كلّها، لا استطيع فعل شيء” ([83])، تلك الفئة تعيش على أمل أصحاب الوعي العميق لمفهوم الانتماء الوطني وثقافة الانتماء والمقاومة من أجل عودة الأمان إلى النّفوس والوطن.

يقابل ثقافة الانتماء للوطن ثقافة العداء للوطن، وهي ثقافة الولاء المسيّرة للطّائفة بتوجيه من الغرب، وأعداء الإنسانيّة. ووجدت ثقافة العداء مأوّى لها في قلوب فئة من اللبنانيين الذين انجرّوا وراء أطماعهم وأحلامهم بالسلطة ، فتخلوا عما فطر عليه الإنسان ، وأماتوا حسهم الوطني ، فاعتادت عيونهم كما قلوبهم على إذلال الأخر في الوطن وقهره بشتّى الطرق النفسيّة والجسديّة .ومن جراء ذلك كثر الاعتداء على الكرمات والنهب والقتل وسفك الدّماء إلى درجة ” يفقد الوطن معناه ، ويصبح عبثاً ثقيلاً على بنيه “([84]). ومثال هذه الفئة جسّدها أندريه رئيس المحازبين وميليشياته في القمير، وراجي أحد المحازبين وغيرهم ، وهذا شأن من يؤمن بأفكاره التّكفيريّة الهدّامة من المضلّلين العابثين بروح الوطن وأمنه ، وفي المقابل ألفينا أنّ المؤمنين بالوطن والإنسانيّة لا تقف العراقيل في وجههم مهما تعاظمت ، لأنّ قوّة الإرادة والإيمان بالأخوة ومشاركة الجميع في بناء الوطن  مهما كانت الأثمان  تلهم  أرواحهم وتصفّي قلوبهم ، فيسيرون على الرّغم من كلّ  التضحيات وفقًا لمصلحة  الوطن  وبقاء كينونته  الإنسانيّة ([85]) ، ومن طبيعة الفكر المعاصر عمومًا في الفن والحياة ،باتجاهاته الحديثة يلجأ الشاعر إلى عملية التكثيف الزماني والمكاني في تشكيل الصورة ، وقد يستغل رواسب الصورة الشعبية التي تنقلها القصص بعد أن يضيف إليها من عنده بعض الألوان ، وقد يستمد الصورة كما هي من تارث الإنسانيّة الزاخر والمستقر  في الضمائر، ووعي  سليم بدورها الفني .

وأخيرًا، بعد قراءتِنا للرّواية نستنتج أنّ عامل الزمان والمكان قد أديا دورًا بارزًا في صقل شخصية حنين حيث انتقل حنين للعيش في الدير ومعه تغيرت حياته ودخلت في منعطف جديد عاش حياة جديدة اختبر فيها الخير والشر، الحب والكره، الفضيلة والرديلة، ولفتنا في العناصر المكونة لسمائية الشخصية في الرواية، وجود هذا العدد الوفير من الثنائيات التعارضية. ذلك أنّ الشخصية ودلالتها لا تستقي قيمتها من التكرار، بل من التعارض الذي يميّز وضعيتها وعلاقتها، فيجعلها مثلًا مواجة لشخصيات أخرى أو لمجموعة شخصيات، مواجهة تؤثر في التحولات التي تصيبها وفي مجرى الحدث. ولا بدّ للفت  النظر إلى أنّ هذا الحب الذي يمثل حالة حيّة قد تنامى وتطور بين صفحات الرّواية بطريقة صوفية فقد بنى لها هيكلًا عظيمًا وهي سفينة تمضي في عالم الروح، حديث الروح ما سبغ عليها كل المعاني السامية والصفات المتسامية، ليبلغ هذا الحب منتهى الذروة من حيث التسامي والرقيّ إلى الناحية الروحانية الإيمانية فسماء غدت الوطن، ومصدر الخيرات والعطاء والمحبة والخصوبة اللامتناهية وهي حبه الأبدي الذي لن يتوب عنه، لذا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار المسار الكامل للشخصية في الرواية وأن لا نبالغ بإيلاء الأهمية لمقياس الكم. ولا يكفي أنّ شخصية ما تكرر فعلًا معينًا كي تكون بالضرورة هي الأهم، لذا فإنّ النظرة التقويمية للرواية العربية في العصر الحديث تذهب إلى القول بواقعية الرواية وتوجهها إلى تناول المجريات والتطورات الحديثة في الوطن العربي ، فهذه الرواية ترتبط بدايتها الفعلية بالالتفاف نحو الواقع والعكوف عليه . وهو التفات فرضته التحديات الحضارية والحركات السياسية والخيبات والتطورات الأيديولوجية([86]).

فالراوي في القصة الحديثة هو خالق هذا العالم الاسطوري وأهمية الرّاوي تعود إلى كونه يعيش أمكنة وأزمنة مختلفة عبر شخصيات مختلفة، فهو الذي يمثل “الأنا ” في الرّواية ” الأنا ” المتأرجحة بين دوافع اللهو وبين ” الأنا العليا ” أنّها نقطة الارتكاز التي تتجمع حولها سائر الشخصيات.

الخاتمة         

إنّ أسلوب الرّواية المشوق والماتع، أسلوب استخدم فيه الدكتور سالم المعوش  أنفس التقنيات الحديثة في التصوير والإبداع، وأغناها في مناهج الأدب وروعة المشاهد وديباجة الفكرة، وذخر المعاني التضمينية قبل التعيينية، وكذلك لجأ إلى الرمزية والبعدية والإيحاء، كما تمكن بواستطها أن يسلط الضوء على دراسة شخصيات مميزة تحمل الطابع الإنساني بكل شفافية، وبخاصة شخصية حنين، ذلك الأسلوب الحواري الذي أبعد الملل وجعلنا نتداعى بالزمن إلى الوراء حيث تركن الإنسانيّة فنراها حية أبدية تنفحها فلسفة كآبة مطران وفلسفة جبران الأسطورة  الخالدة وثقافة الرّاوي اللامتناهية، وللزمن في الرواية على وجه الخصوص أنواع ومستويات وسرعات ، وهي تقنيات دقيقة يتعامل بها الروائي في بناء عمله من حيث تحريك الأحداث والشخصيات ومن حيث تفاعل كل عناصر العمل فنياً ،وبدون سيطرة الكاتب الروائي على حركة الزمن أفقيًّا ورأسياً وفي كل الاتجاهات ([87])،لأنّ ما أراد الكاتب إيصاله لنا لم يكن بالأمر البسيط، فهو من خلال النسيج الدرامي والروائي جسد حياة العديد من الأسر اللبنانية في تلك الفترة العصيبة من حياة لبنان، كما جسد لنا ذلك الصراع الداخلي الذي يولد كل منا خلال بحثه عن أسرار الوجود وتبيان موقعنا منه. لا ننكر أنّنا في بعض اللحظات دخلنا في بعض التفاصيل والتعليقات في الرواية التي أوجبت ذلك، ولكننا في المقابل لا ننكر أنّها أثارت في داخلنا الكثير من الأسئلة،أنّ كلّ شخصية في الرواية أدت دورها على أكمل وجه. فغدت قادرة على دفع القارئ إلى المشاركة في التفسير والتأويل، وكانت من قبل تبعده عن ذلك وتفرض على الروائي أن يشرح كل شيء بدقة وأمانة دون أن يترك للقارئ شيئًا ([88])، لذا كل راوٍ كشف لنا جانبًا منه ومن غيره بأروع الصور الفنية. وبالحديث عن شخصية الأب وهي محور بحثنا اليوم، أجد أنّه هو نفسه حنين، وكأنّ الأب قد عاش حياتين في جسدين ولكنّ الرّوح واحدة وهذا ما يجسده الفكر العربي بأن يكون الأبناء امتدادًا للأباء. فحنين الذي يحمل ملامح الأب العقلية والواعية والمثقفة والمفكرة، عمد إلى تسخير ملكاته في سبيل العيش في الواقع عكس والده الذي ترفّع عن الواقع وأخذ ينظر إليه نظرة المستعلي والمستكفي رغم أن علمه الداخلي يطوق إلى المزيد من المعرفة إنّه الحنين إلى المعرفة المستقاة من السماء من أعلى مراتب النقاء، وليس من الأرض عالم الشهوات والتحولات.”وهذا الواقع بدوره يشكل مادة يعمل فيه الروائي فنّه مستعملاً أدواته المختلفة بالإضافة إلى فكره ومثله، مستمدًا منها خيوطًا لحوادث واقعية أو متخيلة”([89])، وهذا ما لمسناه في نهاية الرّواية حيث، أنّ حنينًا عاد ليبتسم ابتسامة الراضي لأنّه استطاع أن يتحكم بواقعه قدر ما يستطيع، وهذا ما زاده تطلعًا إلى السمّاء إلى الترفع والنّقاء، حيث الحب الحقيقي والواقع حقيقي. فالراوي في القصة الحديثة هو خالق العالم الاسطوري وأهمية الراوي تعود إلى كونه يعيش أمكنة وأزمنة مختلفة عبر شخصيات مختلفة، فهو الذي يمثل الأنا المتأرجحة بين دوافع الهو وبين الأنا العليا، إنّه نقطة الارتكاز التي تتجمع حولها سائر الشخصيات، وتبقى الهواجس ، هل أمطرت السماء حنينًا ؟ أين نحن من المواطنة ؟ أنستطيع أن نروي فطرة الحبّ ؟ أم أن اختلاف الأديان والشرائع عكر صفو القلوب وطهارتها ؟، وبهذا نستطيع القول إنّه من خلال ما تقدم يمكن الدخول إلى العالم المتخيّل الذي يتّخد أسلوب السرد ليعبّرويحلل ويبرهن ويكشف عن رؤيا الأديب في المواطنة ، ويقدّم أيضًا للمكتبة العربية إسهامًا عن طريق عالمه المتخّيل بأحداثة وشخصياته.

المصادر والمراجع  :

أولاً :

– الكتب المقدسة :

-القرآن الكريم

ثانيًّا : المعاجم :

1- أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية ،2014 م

2- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر، لبنان، بيروت، 1990م

3- مجمع اللغة العربية ( جمهورية مصر العربية ) . المعجم الفلسفي،  الهيئة العامة لشؤون المطابع الأمبرية ، 1983م

4- ابن فارس ، معجم مقايس اللغة ، دار الفكر السورية ، 1979م

5- صبحي إبراهيم الفقي ، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق ، 2000م

ثالثًا :

 

الكتب :

6- أحمد الزعبي، إشكاليات الموت في الرواية العربية والغربية ،  دراسات ومقاربات ، عمّان ، عمون للنشر والتوزيع  2000م

7 – محمد حسين هيكل ،  رواية “زينب” مصر ، 1914 م

8- عبد المجيد زراقط ،في الرواية وقضاياها – توزيع مركز الغدير، بيروت ، 2011م

9 – مها حسن القصراوي ،  الزمن في الرواية العربية ، المؤسسة العامة للدراسات والنشر، بيروت ، 2004 م

10- سفيتان تودوروف، مفهوم الأدباء ودرسات أخرى، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، تر، عبود، كاسوحة،  2002 م

11-  عفاف عبد المعطي، السرد  بين الرواية المصرية والأمريكية  دراسة في واقعية القاع،  رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة ،2002م

12- أحمد أبو حاقة، المفيد في الأدب العربي ،دار العلم للملايين ، بيروت ، 1992م

13-  نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، عالم المعرفة،  2001م

14- جيرار جينيت ، خطاب الحكاية ، 1997 م

15- نعمة رجاء ، صراع المقهور مع السلطة ، لبنان ، بيروت ، 1986م

16- نبيل حداد ، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية العربية ، المجلد الأول ، عالم الكتب للنشر والتوزيع ، الأردن ، 2008م

17- رامز الحوراني ، المناهج النقدية الحديثة ، ساب للطباعة والنشر والإعلان  ، لبنان ، بيروت ، 19995م

18- عبد الرحيم الكردي ،  الراوي والنص القصصي  ، مكتبة الآداب للنشر ، القاهرة  ، 2006م

19- أنيس المقدسي ، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث  ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1967م

20- محمد لطفي اليوسفي،  الخيال الشعري عند العرب، وزارة الثقافة والفنون والتراث، دولة قطر، 2011م

21- إبراهيم خليل ،  بنية النص الروائي منشورات الاختلاف ، الجزائر ، 2010 م

22- ماهر شعبان عبد الباري ،التذوق الأدبي ، طبيعته ، نظرياته ، مقوماته ، معاييره ، قياسه ، الأردن ، عمان ، 2002 م

23- قايد دياب ،  المواطنة والعولمة ، تساؤل الزمن الصعب  ، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ،  المقدّمة ،2007 م

24-  الصادق قسومة ،نشأة  الجنس الروائي بالمشرق العربي  ، دار الجنوب للنشر ، تونس ، 2004م

25- إبراهيم الأنباري  ، الجرجاني، التعريفات، دار الكتاب العربي، لبنان، بيروت،2007م

26- على الجارم، جامع العلوم، 2015 م

27- وجيه فانوس ، محولات في الشعري والجمالي ، دراسات في قضايا النقد العربي ، دار اتحاد الكتاب اللبنانيين ، بيروت ، 1995 م

28- ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة، منشورات دار الرفاعي، الرياض،  2019 م

29-  الشّريف، الجرجاني، باب الثناء، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، 1983م

30- رولان بارت، درس السيميولوجيا، 1993 م

31-  عبدالله أبو هيف ،اتجاهات النقد الروائي في سوريا  ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق  ، 2006 م

32- طه وادي ،  دراسات في نقد الرواية  ، دار المعارف ، مصر، 1994م

33- سمر روحي الفصيل ، الاتجاه الواقعي في الرواية السورية ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 1986 م

34- سالم المعوش ، الأدب العربي الحديث ، دار المواسم ، لبنان ، بيروت ، 1999م

الرسائل الجامعية:

35- رائدة علي أحمد ، انعكاسات الحرب على بنية الرواية ، أطروحة ، الجامعة اللبنانية ، 2012م

36- أحلام مستغاني ، شعرية اللغة في رواية فوضى الحواس ، رسالة ماجستير ، إعداد الطالبتين ، نسيمة بلعدي ، كريمة بلخن ، الجمهورية الجزائرية ، 2011م

37- عالية داود عكاش ، المواطنة وإشكاية الانتماء في رواية عندما تمطر السماء حنيناً لسالم المعوش ، رسالة ماجستير ، الجامعة اللبنانية ، 2015 م

المجلات :

38- عند سيزا قاسم ، محمد العيد تاورتة ، بناء الزمن الروائي ، مجلة الآداب ، جامعة منتوري قسنطية ، 2000م

39- محمد معلا حسن ، الرؤية الفنية أنماطها ، وعلاقتها في المعجم الشعري ، مجلة تشرين للدراسات والبحوث العلمية ،سلسلة دراسات الآداب والعلوم الإنسانية ، 2000م

– علي أحمد الأحمد،  أستاذ مساعد محاضر في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الفرع الخامس ، دكتوراة لغة عربية ، مشرف على رسائل الماستر والدكتوراة. [1]*  Ali Ahmed Al-Ahmad, Assistant Professor, Lecturer at the Lebanese University, Faculty of Arts and Humanities, Branch V, PhD in Arabic Language, Supervisor of Master’s Theses and Discusser of Master’s and PhD Theses. Email: aliahmadnaser2@gmail.com

 

– أحمد الزعبي ، إشكاليات الموت في الرواية العربية والغربية  ،  دراسات ومقاربات ،ط2 2000، عمّان ، عمون للنشر والتوزيع ، ص،149 [2]

 – عندما تمطر السماء حنينًا، ص، 77 [3]

– القرآن الكريم ، سورة يوسف ، الأية 3[4]

 – القرآن الكريم ، سورة الحجرات ، الأية 13 [5]

 – رامز الحوراني، المناهج النقدية الحديثة، ساب للطباعة والنشر والاعلان، ط 1، بيروت، لبنان، 1995، ص، 94 [6]

 – عندما تمطر السماء حنيناً ، ص ، 47[7]

[8] –  محمد حسين هيكل ، رواية “زينب” ، مصر ، 1914

– عبد المجيد زراقط ،  في الرواية وقضاياها،   – توزيع مركز الغدير، بيروت – 2011 – ص-27 [9]

– مها حسن القصراوي ، الزمن في الرواية العربية ،  المؤسسة العامة للدراسات والنشر، بيروت ، ط ،1 ، 2004 ، ص ، 36 ، 37  [10]

 – سفيتان تودوروف، مفهوم الأدباء ودرسات أخرى، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، تر، عبود، كاسوحة، ط 1، 2002، ص، 31 [11]

 –   نبيل حداد، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية العربية،المجلد الأول،  عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن2008، ط 1، ص، 171 [12]

 – المرجع نفسه، ص، 171 [13]

 – نبيل حداد، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية العربية، المجلد الأول، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن2008، ط 1، ص،  390 [14]

 – المرجع نفسه، ص،  390 [15]

 – نبيل حداد  ، ص،  391 [16]

 – المرجع نفسه، ص، 392، 393 [17]

 – عفاف عبد المعطي، السرد  بين الرواية المصرية والأمريكية  دراسة في واقعية ، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة 2002 ص  96  [18]

– أحمد أبو حاقة ،  المفيد في الأدب العربي ،دار العلم للملايين ، بيروت ، 1992 ، ص، 298[19]

 – القرآن الكريم ، سورة يوسف ، الأية 2 [20]

 – نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، علم المعرفة،  2001،  ص،  236 [21]

– عبد الرحيم الكردي ،  الراوي والنص القصصي  ، مكتبة الآداب للنشر ، القاهرة ، ط، 1 ، 2006 ، ص ، 17[22]

– جيرار جييت ،  خطاب الحكاية 2014  ، ص ، 101 [23]

 – أنيس المقدسي ،  الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث  ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1967 ، ص ، 196[24]

 – سالم المعوش ، رواية : عندما تمطر السماء حنينًا،  دار الحداثة، بيروت، ص، 9  – 2012 [25]

 –  عندما تمطر السماء حنيناً  : ص،  9[26]

 – المصدر نفسه : ص، 15 [27]

 – المصدر نفسه : ص، 16[28]

 –  سالم المعوش ، رواية : عندما تمطر السماء حنينًا، دار الحداثة، بيروت، ص، 27 و 28 [29]

 – نعمة رجاء، صراع المقهور مع السلطة، لبنان، بيروت، 1986، ص، 700[30]

 – عندما تمطر السماء حنينًا  : ص،  10  [31]

 –  عندما تمطر السماء حنيناً : ص،  10[32]

 – عندما تمطر السماء حنيناً  : ص،  7 [33]

 – عندما تمطر السماء حنيناً  : ص، 7[34]

 – عندما تمطر السماء حنينًا : ص، 7 [35]

 – المصدر نفسه : ص، 7[36]

 – المصدر نفسه : ص، 8 [37]

 -محمد لطفي اليوسفي،  الخيال الشعري عند العرب، وزارة الثقافة والفنون والتراث، دولة قطر، 2011، ص، 23  [38]

– عندما تمطر السماء حنينًا  : ص، 77[39]

– عندما تمطرالسماء  حنيناً  : ص، 92 [40]

– عندما تمطر السماء حنيناً : ص، 122 [41]

– المصدر نفسه : ص، 44[42]

– المصدر نفسه : ص، 44[43]

 – المصدر نفسه : ص، 48[44]

 – المصدر نفسه : ص، 59[45]

 – عندما تمطر السماء حنينًا : ص، 66[46]

–  عندما تمطر السماء حنيناً  : ص، 68 [47]

 – المصدر نفسه : ص، 70 [48]

– المصدر نفسه : ص، 71 [49]

 – عندما تمطر السماء حنيناً  : ص، 113 [50]

 – المصدر نفسه : ص، 139[51]

 – المصدر نفسه : ص، 138[52]

 – المصدر نفسه : ص، 140 [53]

– عندما تمطر السماء حنيناً  : ص، 212[54]

– إبراهيم خليل، بنية النص الروائي منشورات الاختلاف، الجزائر ، ط 1 ، 2010 ، ص ،77 ، 78 [55]

 – عندما تمطر السماء حنينًا  : ص، 149 [56]

 – المصدر نفسه : ص، 206 [57]

 – عندما تمطر السماء حنينًا : ص، 215 [58]

 – المصدر نفسه : ص، 240[59]

 – عندما تمطر السماء حنيناً ، ص ، 43[60]

 –  ماهر شعبان عبد الباري ، التذوق الأدبي ، طبيعته ، نظرياته ، مقوماته ، معاييره ، قياسه  ، الأردن ، عمان ، 2002، ص ، 159 [61]

 – قايد دياب ، المواطنة والعولمة ، تساؤل الزمن الصعب  ، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، 2007 ، المقدّمة ، ص ، 3 [62]

–  محمد معلا حسن،الرؤية الفنية، انماطها، وعلاقتها في المعجم الشعري، مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية  2000، ص ، 48 [63]

 – الصادق قسومة ،  نشأة  الجنس الروائي بالمشرق العربي ،  دار الجنوب للنشر ، تونس،  ط ، 1 ، 2004  ،ص ، 80 [64]

 – ابن منظرر، لسان العرب،2019 ص، 114، 116[65]

 –  إبراهيم الأنباري ، تحقيقه  ، الجرجاني، التعريفات، دار الكتاب العربي، لبنان، بيروت ، 2007 ، ص، 21 [66]

 -على الجارم، جامع العلوم 2015، ص، 208 [67]

 – وجيه فانوس، محولات في الشعري والجمالي ،دراسات في قضايا النقد العربي، دار اتحاد الكتاب اللبنانيين، 1995، ص ،71 [68]

 – ابن فارس، معجم مقاييس اللغة العربية، دار الفكر السورية ، 1979 [69]

 – أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، 2014 ص، 129 [70]

 – عندما تمطر السماء حنينًا، ص، 43 [71]

 – ابن منظور، لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر، لبنان، بيروت، 1990 ص، 46 [72]

[73] – ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة، منشورات دار الرفاعي، الرياض،2019  ط،2، ص، 7

 – الشّريف، الجرجاني، باب الثناء، دار الكتب العلمية، لبنان،  بيروت ،1983، ص، 69 [74]

 – صبحي، ابراهيم الفقي، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق ،  2000، ص، 19 [75]

 – رولان بارت، درس السيميولوجيا،1993  ص، 21 [76]

 – عندا تمطر السماء حنينًا، الفصل السابع، ص، من  40 إلى 44[77]

– عبدالله أبو هيف ،  اتجاهات النقد الروائي في سوريا ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق د، ط ، 2006  ص، 48 [78]

 – مجمع اللغة العربية ( جمهورية مصر العربية ) .المعجم الفلسفي،  الهيئة العامة لشؤون المطابع الأمبرية، 1983، ص ، 132 [79]

 – رواية عندما تمطر السماء حنينًا، ص، 232 [80]

– طه وادي ،  دراسات في نقد الرواية  ، دار المعارف ، مصر ،1994، ط ،3 ، ص ، 17 [81]

[82] – أحلام مستغانمي، شعرية اللغة في رواية فوضى الحواس  ، ماجستير لغة عربية ، إعداد الطالبتين ، نسيمة بلعدي، كريمة بلخن ، الجمهورية الجزائرية ، 2011  ، ص، 13

 – رواية عندما تمطر السماء حنينًا، ص، 233 [83]

 –  رائدة علي أحمد، انعكاسات الحرب على بنية الرواية ، أطروحة ، 2012 ، ص ، 144 [84]

[85]– عالية داود عكاش ،المواطنة وإشكالية الانتماء في رواية عندما تمطر السماء حنيناً لسالم المعوش ، رسالة ماجستير الجامعة اللبنانية ،إشراف الدكتور حسن جعفر نور الدين ، 2015،ص،122، 125 ، 129

 – سالم المعوش ، الأدب العربي الحديث ، دار المواسم ، لبنان ، بيروت ، 1990 ، ص ، 357[86]

– عند سيزا قاسم ، محمد العيد تاورتة، بناء الزمن الروائي ، مجلة الآداب ، جامعة منتوري قسنطينة، العدد،5 2000،ص ، 244  [87]

– سمر روحي الفصيل، الاتجاه الواقعي في الرواية السورية، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق، 1986، ص ، 346  [88]

– سالم المعوش ، الأدب العربي الحديث ، ص ، 319[89]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website