foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

معوّقات البحث العلميّ واستراتيجيّات تطويره في المجتمع العربيّ

0

معوّقات البحث العلميّ واستراتيجيّات تطويره في المجتمع العربيّ

د. وشاح جودت فرج*

1– أهمّيّة البحث:

يكتسب البحث أهمّيّة عندما يتناول الباحث قضيّة مُهِمَّة من قضايا المجتمع العربيّ ألا وهي البحث العلميّ، هذا العنصر المُهِمّ الذي يعزّز بناء اقتصاد المعرفة، وذلك من خلال الكشف عن المعوّقات التي تعرقل مساره وتقدّمه، ومن ثَمَّ اقتراح حلول للتغلّب عليها.

2- هدف البحث:

يهدف هذا البحث إلى عرض صورة عن واقع البحث العلميّ من خلال تسليط الضوء على طبيعة الصعوبات المتعدّدة التي تواجه مساره في العالم العربيّ، والكشف عن أهمّ التحدّيات، وسبل مواجهتها، ومحاولة وضع استراتيجيّات علميّة وعمليّة لمستقبل البحث العلميّ في العالم العربيّ من أجل تطويره والرقيّ به، واللحاق بالتطوّرات التي وصلت إليها دول العالم المتقدّم في هذا مجال.

3- منهج البحث:

اقتضت طبيعة البحث استخدام المنهج الوصفيّ التحليليّ، كون الباحث يوصّف في دراسته العلميّة ما يواجهه المجتمع العربيّ من صعوبات، وتحدّيات في مجال البحث العلميّ بطريقة علميّة وواقعيّة من خلال الأدلّة والبراهين، وبعد جمع المعلومات، والحقائق الدقيقة بهدف الوصول إلى تفسيرات منطقيّة تساعد الباحث في وضع أطر محدّدة للمشكلة، ثمّ ذكر خصائصها، وتأثيرها على الإنسان، وتسليط الضوء على الجوانب الخفيّة المتعلّقة بالبحث ودراستها.

4- إشكاليّة البحث:

إزاء كلّ ما يحصل في عالم البحث العلميّ في وطننا العربيّ، وما يعترضه من إشكاليّات وصعوبات وتحدّيات كان لا بدّ من طرح الإشكاليّة الآتية:

لِمَ يعاني البحث العلميّ في الوطن العربيّ من أزمة بنيويّة تتمثّل في عجزه عن مواكبة البحث العلميّ العالميّ؟ أهو سبب ذاتيّ يتمثّل في ضَعفه البنيويّ القائم على عجزه من أن يشكّل نتاجًا إنسانيًّا عالميًّا؟ أم لعدم ثقة المفكريّن العرب بإمكانيّاته، ومؤهّلاته التي تخوّله الانطلاق من الاستحالة إلى الإمكانيّة، وكأنّ في هجرة العقول، واستلاب الكفاءات موتًا للفكر، والوجدان العربيّين بحثًا وإنتاجًا. وكيف لهذه اللغة الرقميّة والتكنولوجيا المعولمة أن تشكّل حافزًا وباعثًا، ودافعًا لمفكّرينا للانطلاق بذهنيّة تنمويّة إنسانيّة تخوّلهم تحويل المعرفة إلى اقتصاد، والفكر إلى تقنيّة، وبالتالي البحث العلميّ إلى صناعة اقتصاديّة بامتياز. وهل في ظلّ تجارة المعرفة، والفكر، واللغة الرقميّة من أن يتجاوز البحث العلميّ العربيّ حدود المعتاد، والمألوف إلى المتجاور، واللامحدود؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانيّة، الفرع الرابع، كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة.

 

سيتمحور البحث بعد المقدّمة حول المباحث الآتية:

أوّلًا: البحث العلميّ ومشكلاته وتحدّياته المستقبليّة

 ثانيًا: دور الجامعات واستراتيجيّاتها

 ثالثًا: سياسات واستراتيجيّات الدول العربيّة في تطوير البحث العلميّ

المقدّمة

يُنظر إلى البحث العلميّ على أنّه من أهمّ أسباب الرفاهيّة المجتمعيّة لهذا فهو يصطدم بمستويين اثنين:

الأوّل: خارجيّ ويتمثّل في البيئة المجتمعيّة، ومُناخها الفكريّ السائد، وتجسّده هيئات الدولة الرسميّة.

والثاني: داخليّ، ويتمثّل في تصوّرات الباحثين المتناقضة، والكفايات المتعدّدة التي تجعلها قاصرة عن تحقيق أهدافها المرجوّة.

وعلى الرغم من الاختلاف بين السببين الداخليّ والخارجيّ إلاّ أنّ رابطًا يشدّهما ألا وهو وضع البحث الاجتماعيّ على محكّ المقارنة مع بحث العلوم الطبيعيّة.

ولعلّ هذه المقارنة تتّسم بسمتي الصراحة من جهة، والضمنيّة من جهة أخرى. إلاّ أنّها في المحصلة لا تؤدّي إلاّ إلى نتائج سيّئة للبحث الاجتماعيّ في وطننا العربيّ. وبناءً عليه بدأت الحاجة الملحّة لبروز البحث الاجتماعيّ تأخذ دورها من حيث مبرّرات وجوده، وتسويق الإنفاق عليه.

من هنا أثمرت هذه العجلة في منطق ثمار البحوث الاجتماعيّة، وأصبح معيار هذه البحوث وجدواها يتمثّلان في نفعيّتهما المباشرة، وأضحى نجاح أيّ بحث اجتماعيّ يتوقّف على أن يكون من الهندسة الاجتماعيّة، أو التكنولوجيا البشريّة. وبالتالي، فإن لم يتّسم بهذ السمات، فهو سيكون عرضة للمعوّقات بأكملها، وبذلك يصبح مجرّد ترف عقليّ يتوقّف دوره على محدوديّة تطبيقه.

وعلى الصعيد المنطقيّ، أُسيء فهم إشكاليّة البحث العلميّ الاجتماعيّ، وكأنّ به عجزًا يجعله قاصرًا عن بلوغ مستوى البحث الطبيعيّ. لذا فقد آن الأوان لأن يصبح التخلّف نتيجة المعوّقات لا أن يكون السبب. إذ إنّ هذه المشكلة لم تعد عصيّة على الفهم والحلّ، بل بات البحث فيها أمرًا ملحًّا ومطلوبًا. كما أنّ مناهج البحث النظريّة والتطبيقيّة أصبحت مفتوحة على عالميّ الابتكار، والإبداع مع ما يرافقهما من تجديد وتطوّر.

أوّلاً: البحث العلميّ وتحدّياته المستقبليّة:

  • البحث العلميّ:

تعدّدت تعريفات البحث العلميّ، وتنوّعت حتّى بات من الصعب حصر كلّ هذه التعريفات التي أطلقت عليه بتعريف واحد، لكنّ التقاء معظم التعريفات على أنّ البحث العلميّ كناية عن دراسة مشكلة ما، والعمل على إيجاد حلول لها بالطرق العلميّة وحّد تلك التعريفات. ولا مانع هنا من أن نورد بعضها1. فالبحث العلميّ يعرّف بأنّه: “جهد علميّ منظّم يُقصد به الكشف عن معلومات جديدة تُسهم في تطوير المعارف الإنسانيّة وتوسيع آفاقها”2. كما هو عبارة عن كلّ إنتاج يكتبه “الدارس، أو الأستاذ في موضوع من موضوعات العلم، أو فكرة من أفكاره، أو مشكلة من مشكلاته”3. يساهم في تسهيل حياة الإنسان، ويساعد في دراسة الظواهر، والمشكلات، والتحدّيات التي تواجه المجتمعات، ويقدّم الحلول المناسبة. لذا يمكن تعريفه بأنّه أسلوب تقصٍّ دقيق، ومنظّم يسعى إلى اكتشاف الحقائق، والوصول إلى حلّ المشكلات عبر جمع الأدلّة والبيانات، والعمل على اختيارها علميًّا بقصد التحقّق من صحّتها، أو تعديلها، وإضافة معلومات جديدة لها بغية الوصول إلى النتائج من خلال وضع النظريّات والقوانين4.

هو الذي يقدّم للإنسانيّة شيئًا جديدًا، ويسهم في تطوير المجتمعات وتقدّمها، ونشر الوعي والثقافة، وبقدر ما يرتبط البحث بالواقع المعيش، بقدر ما تزداد أهمّيّته، على عكس المواضيع الخياليّة البعيدة عن الواقع التي تفقد أهمّيّتها. من هنا أصبح لزامًا على الباحث أن يتوجّه باختياره للمواضيع ذات الفائدة التي تهمّ المجتمع، ويقدّم خدمة معرفيّة، وعلميّة للناس. فالمريض الذي يتألّم، بحاجة إلى طبيب يخفّف عنه الألم، ويقدّم له العلاج النافع، وليس إلى طبيب يفلسف له الطبّ ويحدّثه عن تاريخه. وبشكل عامّ، فإنّ الدراسات، والأبحاث التي يكتبها الباحثون في جميع الاختصاصات تقدّم للإنسانيّة خدمات جليلة، فهي5:

“1- تسجّل آخر ما توصّل إليه الفكر الإنسانيّ في موضوع ما.

2- تقدّم للناس فائدة عظيمة، وتنشر الوعي بينهم.

3- تثري المجتمع بالمعلومات، فتزيد في تطويره، ونموّه، ومواكبة السباق الحضاريّ بين الأمم”.

وإذا نظرنا اليوم إلى البحوث العلميّة، نراها تميل إلى التخصّص، بمعنى أنّها تعالج المشكلة التي تتناولها (ثقافيّة، أو اقتصاديّة، أو اجتماعيّة، أو غيرها)، بأدقّ التفاصيل، وتبحث عن أسبابها لتصل إلى نتائجها، وتبيّن الصحيح من الخطأ، وتضع الحلول لها، أو تتوصّل إلى اكتشاف جديد يوفّر حياة حضاريّة كريمة للفرد والمجتمع. لذا، فتطوّر المجتمعات الإنسانيّة، ونشر العلم، والثقافة، والوعي فيها هي من أولويّات البحث العلميّ، وما دام العقل البشريّ يعمل ويفكّر، يبقى على الباحث أن ينطلق من حيث توقّف من سبقه حتّى لا يقع في التكرار وتضيع جهوده.

  • المشكلات التي تواجه البحث العلميّ في العالم العربيّ:

يشكّل البحث العلميّ أحد أهمّ العوامل الأساسيّة لتقدّم المجتمعات، خصوصًا في ظلّ ما يشهده هذا العالم من تقدّم مذهل للعلوم، وتكنولوجيا المعلومات، والاتّصالات التي كان لها أثرًا كبيرًا في زيادة قوة ورفاهيّة الدول المتقدّمة. خاصة وأن البحث العلميّ يشمل كلّ مناحي الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافية والعلميّة، تؤدّي نتائجه المُهِمَّة إلى خدمة قضايا المجتمع. وهنا لا بدّ من ذكر بعض أهدافه6:

  • التوصل إلى المشكلات بطريقة نظاميّة.
  • التوصل إلى ابتكارات جديدة، أو اختراعات حديثة في مجال التخصّص.
  • التوصّل إلى نتائج يمكن تعميمها وتنفيذها.
  • التوصية باتّخاذ تصرّفات مناسبة، أو إجراءات معيّنة لتنفيذ النتائج التي تمّ التوصل إليها.

وهكذا فإنّ قيمة البحث، هو فيما ينتج من أفكار وآراء جديدة، وإيجاد حلول ومقترحات مناسبة لحلّ الكثير من المشكلات التي يعاني منها المجتمع، ويكشف أيضًا عن معلومات متعدّدة في الحياة، وبلورة الأفكار العلميّة بغية الوصول إلى النتائج المرجوة، حيث يؤدّي إلى المنفعة المادّيّة، والمعنويّة للمجتمعات من خلال تسريع خطى التنمية، وبالتالي تقدّمها في المجالات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة وغيرها. إذ من غير الجائز أن يكون البحث بلا هدف. كما لا يجوز أن ينظر إلى البحث العلميّ على أنّه ترف علميّ، أو ذهنيّ، إنّما يجب أن يحافظ على دوره كعنصر أساسيّ في تقدّم الأمم والشعوب.

فإنتاج المعرفة العلميّة تشكّل اليوم عصب التقدّم الحضاريّ، ولا بدّ من أن تقوم على أسس وطيدة من ناحية الأمانة في البحث، والحذر، والتدقيق في تسجيل المعطيات والبيانات، واحترام جهد الآخرين، وإعطاء الفرصة للباحثين على اختلاف أجناسهم ومستوياتهم، وترك نتائج الأبحاث العلميّة متاحة، فضلًا عن تفادي سائر أشكال الانتحال، والخداع، والسطو، والسرقات العلميّة. وهنا ينبغي على الباحثين أن يكونوا موضوعيّين، وغير منحازين، وصادقين في سائر مناحي البحث. وهذا المبدأ هو أهمّ قاعدة في العلم، ذلك لأنّه إن لم يُتَّبَع، فيستحيل علينا أن ننجز أهداف العلم. فلا البحث عن المعرفة، ولا حلّ المشكلات العمليّة يمكن أن يمضي قُدُمًا إذا تفشى الخداع وابتعدنا عن الأمانة، لأنّ الأمانة تزكّي التعاون، والصدق الضروريّين للبحث العلميّ. وهنا يمكننا القول إنّه من المستحيل قيام رفاه ثقافيّ، واقتصاديّ، واجتماعيّ، وسياسيّ من دون الاستفادة من العلم، لأنّ البحث العلميّ مسألة أساسيّة في التغيير، والتقدّم، والنهوض في العالم العربيّ. والبلد الذي لا يدعم البحث العلميّ مصيره البقاء في الظلام.

ولعلّ من أهمّ المشكلات التي تواجه البحث العلميّ في الوطن العربيّ تتمثّل بالتالي7:

1- عدم التمكّن من الوصول إلى بعض ميادين المعلومات بالإضافة إلى صعوبة جمع البيانات اللازمة من ذلك، وعلى سبيل المثال المراكز التي تعاني التقصير، والإهمال كالسجون، والإصلاحيّات، وبعض المراكز التعليميّة، والمستشفيات الحكوميّة، والخاصّة، حيث إنّ هذه الممارسات تهدف إلى إخفاء الحقائق.

2- الهجرة الخارجيّة للعقول، والكفاءات العلميّة، ولعلّها من أهمّ المشاكل التي تواجه ميدان البحث العلميّ في وطننا العربيّ بشكل عامّ، إذ تتحمّل الدولة إعداد الكفاءات العلميّة، وتكاليف التدريس، ومن ثَمَّ حرمانها من توظيف هذه الكفاءات واستثمارها نتيجة عمالتها خارج الدولة.

3- عدم ثقة المواطنين بإمكانيّة البحث العلميّ في حلّ المشاكل، حيث إنّ البعض يذهب إلى عدم وجود مشاكل تتطلّب بحثها علميًّا.

4- معاناة معظم الأبحاث في الوطن العربيّ من عدم جدّيّتها، وذلك يرجع لأسباب عدّة منها: عدم انطباقها على المشاكل الحقيقيّة، إضافة إلى دوافع الباحث الذاتيّة كالرغبة في الترقيّة العلميّة، أو بقصد الهدف المادّيّ مثل بيعه لمعاهد تعليميّة، أو لجامعات وطلبة.

5- تبقى الأبحاث نظريّة، وبالتالي لا يستفاد من تطبيقها، لذا تذهب الأموال هباءً منثورًا.

6- الضَعف البنيويّ في مستوى الأبحاث العلميّة التي تمّ إنتاجها، وهذا ما يؤدّي إلى عدم إسهامها في تطوير المسيرة التعليميّة العلميّة، والتنمويّة في المجتمع.

  • معوّقات البحث العلميّ في الوطن العربيّ:

يحتل البحث العلميّ أهمّيّة كبرى في سائر المجتمعات الإنسانيّة، وبات واضحًا أنّه ما من تقدّم أو تطوّر وبالتالي حلّ للأزمات التي تعاني منها هذه المجتمعات إلاّ من خلال الاهتمام بالأبحاث العلميّة ودعمها. لكنّ الواقع أنّ البحث العلميّ في عالمنا العربيّ لم يرق إلى المستوى الذي تتمنّاه الشعوب العربيّة حيث تتمكّن من الانتقال من العالم الثالث إلى واقع العالم المتقدّم بما يحمله من تطوّرات واختراعات8.

فتقدّم الشعوب والتطوّر والإبداع لا يتحقّق إلاّ بالبحث العلميّ الذي يضمن التنمية الشاملة، والتفوّق، والرفاهيّة للإنسان خصوصًا أنّ العالم في سباق نحو المعرفة، والعلوم التي تتطلّب دراسات وافية، وبحوث علميّة هادفة قادرة على دفع عجلة التنمية الشاملة. فالبحث العلميّ هو المدخل الصحيح لازدهار الأمم، وقد بات من الضروريّ زيادة الإنفاق عليه، والعمل الجادّ في سبيل تعزيزه وتطويره لمواجهة التحدّيات المحدقة به في العديد من المجالات إسوة بالدول المتقدّمة التي تدعم البحوث، والدراسات بالأموال الطائلة للاستفادة من نتائجها.

أما بالنسبة إلى معوّقات البحث العلميّ، فيمكننا دراستها من ثلاثة جوانب9:

الجانب الأوّل، معوّقات تتعلّق بالبحث ومنها:

  • ََضَعف التواصل مع مركز البحث، والحصول على النماذج المتعلّقة به.
  • ضَعف النشر في المجلاّت الأجنبيّة والدوريّات العربيّة.
  • قلّة المراجع، والمصادر، والدراسات السابقة.

الجانب الثاني، معوّقات تتعلّق بالباحث ومنها:

  • انشغال الباحث بمسؤوليّات عدّة، وبالتالي عدم إعطائه بحثه وقتًا كافيًا.
  • عدم الرغبة في إنتاج الأبحاث العلميّة لعدم وجود الحوافز.
  • عدم وجود مهارات لدى الباحث يتطلّبها البحث العلميّ، تتمثّل في صعوبة اختيار البحث، وتحدّيد المشكلة، ثمّ عدم التمييز بين أهمّيّة البحث وأهدافه.

الجانب الثالث، معوّقات تتّصل ببيئة العمل ومنها:

  • عدم وجود فرق خاصّة بالباحثين.
  • عدم وجود الحوافز المشجّعة.
  • تدخّل النافذين في الدولة من قادة، وإداريّين، وفرض رأيهم على الباحث.
  • عدم تلقّي الباحث الدعم من الهيئات المساعدة.
  • عدم تمكّن الباحث من حضور المؤتمرات التي من شأنها مساعدته في تقوية بحثه.

يضاف إلى هذه المعوّقات، قصور المناهج المتّبعة من حيث الخلط بين المنهج، وبين أدوات جمع البيانات الذي أصبح شائعًا ليصبح البحث مجرّد تكثيف للبيانات كاستمارة المقابلة، أو الاستبيان، وهذا يؤدّي إلى اختزال وظائف المنهج العلميّ، وتحويله إلى مجرّد السرد والعرض بعيدًا عن التفسير والتحليل اللذين لا بدّ منهما. وهناك قصور آخر لا يقلّ أهمّيّة عن الأوّل، وهو مرهون بالحوار بين المشتغلين بالبحث في الجامعات، ومراكز البحث، ودعم روح الفريق الواحد الذي يربط الجسور بين كلّ الجهات المعنيّة بالبحث، والمنتفعة به على السواء.10 ناهيك عن السبب الرئيس الذي يكمن وراء كلّ ذلك، وهو عدم رصد الدول في ميزانيّاتها المبالغ الماليّة اللازمة للبحث، والتطوير العلميّ، إذ لا يشكّل الإنفاق على البحوث العلميّة إلا نسبة قليلة جدًّا مقارنة بما ترصده الدول المتقدّمة ما يُضعف البحوث العربيّة نوعًا وكمًّا.

ومن المناسب هنا أن نقدّم بعض الأرقام للمقارنة بين ما تنفقه البلدان العربيّة، وما تنفقه بعض البلدان الأخرى على البحث العلميّ:

جدول رقم( 1) جدول مقارنة يظهر الفرق في الإنفاق على البحث والتطوّر بين البلدان العربيّة وبلدان أخرى11

البلدان الإنفاق على البحث العلميّ (مليار دولار) الإنفاق على البحث والتطوير من نسبة الدخل القوميّ
البلدان العربيّة 1.7 0.30
أميركا اللاتينيّة 21.3 0.60
الهند 20 0.70
جنوب شرق آسيا 48.2 1.70
الاتّحاد الأوروبيّ 174.7 1.90
أميركا الشماليّة 281 2.70
اليابان 98.2 2.90
كِيان العدوّ (إسرائيل) 6.1 4.70

من خلال الجدول أعلاه، نلمس من خلال الأرقام كم نحن بحاجة إلى العمل الدؤوب، والتفكير الجدّيّ بزيادة الإنفاق على البحث العلميّ والاهتمام به، فقلّة الإنفاق على البحث العلميّ في البلدان العربيّة مقارنة مع دول العالم الأخرى هي سبب قصور أداء المؤسّسات العربيّة المعنيّة بالبحث العلميّ. فلا شكّ في أنّ قلّة الإنفاق على البحث العلميّ، والتطوير ستنعكس سلبًا على الباحث العربيّ من حيث الإنتاج العلميّ، فالعالم العربيّ أقل إنفاقًا على هذا الصعيد. وتوفّر المال لإنجاز الأبحاث العلميّة شرط ضروريّ ولا يمكن أن يتمّ من دونه. ويجدر بنا القول هنا بأنّ الأمّة التي لا تستفيد من طاقات علمائها والمتخصّصين فيها لا يمكن أن تنهض.

  • التحدّيات التي تواجه البحث العلميّ:

إنّ طبيعة التحدّيات التي تواجه الوطن العربيّ اليوم تختلف كثيرًا عمّا كانت عليه في السابق، لأنّ حكومات البلدان العربيّة الحديثة التي نالت استقلالها بعد النصف الثاني من القرن العشرين عملت على توسيع نظام التعليم، كان من نتائجه تخريج الملايين من العرب من الجامعات العربيّة بينهم العديد من المهندسين، والعلماء، والتقانيّين…، لكنّ هذه الكفاءات العلميّة تبقى عاجزة عن تحسين الحال الوطنيّ من خلال تعزيز الثقافة السياسيّة عبر تشكيل منظومات وطنيّة للعلم، والتَّقانة من جهة، ومن خلال قدرة الحكومات على تبنّي سياسات علم قويّة من جهة أخرى. ومنذ مئات السنين ألحقت التدخّلات الأجنبيّة ضررًا كبيرًا في نواحٍ كثيرة من الثقافة العربيّة عن طريق انتشار القوّة العلميّة، والتَّقانيّة التي عجزت قدرات البلدان العربيّة عن مواجهتها. وهذا ما يتطلّب إعادة بناء مستقبل عربيّ بعد استكشاف الماضي الذي حفل بالتفكّك من خلال أداء دور استراتيجيّ وجدّيّ للبحث التاريخيّ، لأنّ التحدّيات التي تواجه العرب اليوم كبيرة جدًّا تستدعي المواجهة12. وقد بذلت من أجل ذلك تضحيات كثيرة، لكن بنتائج محدودة جدًّا13.

فالعلم هو سبب الرفاه الثقافيّ، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ، والسياسيّ، فأكثر من 90% من الناتج الوطنيّ الإجماليّ في البلدان الصناعيّة إنّما هو من نتاج العلم والَّقانة. ودخل الفرد في الدول المتقدّمة يعادل عشرة أضعاف دخل الفرد في البلدان العربيّة الغارقة في الجهل، والفقر، والفساد. وتعود التحدّيات التي تواجه الوطن العربيّ إلى مسألتين14:

الأولى: تحدّيات ناجمة عن مشاكل تنمويّة تشمل النموّ السكانيّ، والأمن الغذائيّ، والصحّة، والمسكن، والملبس، وحقوق الإنسان، والمواصلات، والأمن الوطنيّ، تكمن صعوبة حلّها في غياب الثقافة السياسيّة التي تجعل البلدان العربيّة قادرة على التجاوب مع هذه التحدّيات.

والثانية: تتمثّل في الثقافة، فإذا لم يتمكّن العرب من التمسّك بماضيهم، واستعادة تلاحمهم السياسيّ، والاقتصاديّ المفقود، سوف يصعب عليهم البقاء كمجتمع متلاحم مع حضارته الخاصّة.

من هنا يبرز دور البحث العلميّ في مسألة التغيير في المجتمع، والجماعة المبدعة والناشطة علميًّا، هي وحدها فقط القادرة على مساعدة مجتمعها للدخول في عمليّة حكيمة تؤدّي إلى المشاركة الجماعيّة في المجتمع عبر مؤسّساته المدنيّة. وأمام هذه التحدّيات الخطيرة التي يواجهها العرب لا بدّ من دعم البحث العلميّ، بهدف الابتكار والتغيير، كما أنّه لا بدّ من أن يتّخذ المسؤولين موقفًا جديًّا حيال هذه التحدّيات من أجل توفير الدعم اللازم للبحث العلميّ، وإعطائه اهتمامًا أكبر عبر توفير مستلزماته، بغية التمكن من ردم الهُوّة المعرفيّة والتكنولوجيّة بين البلدان العربيّة والبلدان المتقدّمة، وإلا سوف تبقى البلدان العربيّة محكومة بفقر مستديم للعقل وتواكل تَقانيّ.

ثانيًا: – دور الجامعات واستراتيجيّاتها.

1 – نشوء الجامعات العربيّة ودورها:

تأتي الجامعة في مقدّمة مؤسّسات المجتمع وعيًا وأثرًا. من هنا كان الاهتمام المتواصل من قبل رجال الفكر. وتعرّف الجامعة على أنّها “المؤسّسة التي تتولّى التعليم العالي”، ويقول الفيلسوف الإسبانيّ “خوسيه” إنّ الجامعة هي بالمعنى الدقيق: “المؤسّسة التي تعلّم الطالب العاديّ أن يكون شخصًا مثقّفًا وعضوًا ناجحًا في مهنة ما، وهي ثلاثة: هي المعهد الذي يعلّم الطالب أن يكون شخصًا مثقّفًا، وعضوًا جيّدًا في مهنته، وهي الفكر، وهي العلم…”15. لكنّها في الواقع هي أكثر من مجرّد تعليم عالٍ، فهي إسهام في العلم، والمعرفة، والثقافة.

فللجامعة دور أساسيّ في خدمة الحياة الاجتماعيّة والوطنيّة، فهي ليست مصنعًا للشهادات، ولا مركزًا للامتحانات، أو مركزًا لتخريج الموظّفين، إنّما يقع على عاتقها مَهَمّات جسام، فهي صورة للمجتمع المثاليّ، فالجامعة لا يمكنها أن تحقّق سيادة العقل في وطنها ما لم تكفل سيادته في داخلها أوّلًا، ولا أن تبعث القوى الخيّرة في مجتمعها ما لم تكن قد حقّقت هذه القوى في صميمها. ولا أن تسهم في بناء حياة وطنها على المبادئ، والقيم إذا لم تُشِد هي بنيانها ذاته على هذه الأسس والقواعد نفسها. فالجامعة، وإن اختلفت بين عصر وعصر، وبين بلد وبلد في بعض المظاهر والوجوه، فإنّ جوهرها يبقى ذاته لا يتغيّر. فحاجتنا الأولى إذًا في العالم العربيّ، هي العودة إلى الأصول والبحث عن جواهر الأمور، لأنّ الحقيقة هي أنّ في جوهر المجتمع قيم خُلقيّة، وعلميّة وإسهام حضاريّ، لكنّ هذه القيم لا تحصل في أيّ مجتمع ما لم توجد فيه مراكز تؤمن بها وتدافع عنها، وتعمل على تنميتها، وتنشرها في الجسم الوطنيّ، وهنا لا يختلف اثنان في أنّ الجامعة هي في مقدّمة المراكز الحاضنة لهذه القيم16.

فالجامعة إذًا أبعد من أن تكون مشروعًا فرديًّا، هي دائمًا مشروع مجتمع، أو جماعة في مجتمع، تستدعي قيامها حاجات محدّدة وتوكل إليها مباشرة أو مداورة ، مجموعة وظائف ومَهَمّات. هي، إذًا، في متن الحياة العامّة.

لم تكن بدايات الجامعة صدفة عند العرب في القرون الوسطى، بل فعل استيعاب ناضج لتطوّر الوعي والتاريخ، فقد بدأت الجامعات الحديثة في أوروبا خلال القرن الحادي عشر. لكن الجامعات الأوروبيّة ليست الأقدم في العالم، فقد كان للعرب جامعاتهم في فترات أقدم من ذلك، إذ إنّ جامعة الأزهر قد أنشئت حوالي سنة 1970م. في القاهرة، وهي من أقدم الجامعات التي لا تزال تؤدّي وظيفتها. وبالإضافة إلى الأزهر، هناك معاهد عليا عدة أنشاها العرب، مثل المدرسة المستنصريّة، والنظاميّة، لم تكن هذه الجامعات فقط لتعليم القراءة والكتابة، وإنّما للثقافة والفكر، وقد اعتمدت في بنيتها، ومكتباتها على جملة ثقافات، يونانيّة، ورومانيّة، وهنديّة، وفارسيّة17.

وإذا ألقينا نظرة على تطوّر الجامعات في الوطن العربيّ، التي جاءت نتيجة تطوّر الحاجات التي دفعت هذا المجتمع إلى ولوج أبواب الجامعات الكبرى، نرى أنّه منذ منتصف القرن العشرين تقريبًا انتشر التعليم الجامعيّ في العالم العربيّ بسرعة فائقة، ففي العام 1950 كان عدد الجامعات العربيّة1218، كان من بينها ثلاث جامعات خاصّة أجنبيّة (الجامعة الأميركيّة، وجامعة مار يوسف اليسوعيّة في بيروت، والجامعة الأميركيّة في القاهرة). ثمّ ارتفع هذا العدد إلى 82 جامعة بداية عام 1985، واستمر عدد الجامعات العربيّة بالارتفاع ليصل إلى 117 عام 1990، و132 عام 1993، و175 في عام 1995 199519، ثمّ ارتفع العدد إلى 395 جامعة عام 200820. وهذا مؤشّر واضح لنموّ الجامعات العربيّة على مساحة الوطن العربيّ، فقد ارتفع عددها خلال ثمانية وخمسين عامًا من العام 1950 حتّى العام 2008، من 12 إلى 395 جامعة. لكن الجامعة التي لا تنكبّ كلّيّاتها على البحث والتطوير تبقى عاجزة عن تمكين طلاّبها لتفهّم أكبر، وأفضل للعالم الذي يتلقّون العلم لدخوله.

وفي الواقع أنّ معظم البلدان العربيّة دعمت منذ استقلالها توسّع التعليم العالي، واستمرّت هذه العمليّة منذ ذلك الحين.

فمنذ نهاية الحرب العالميّة الثانية استقلّ ما يقرب من مئة دولة من دول العالم الثالث. وقد واجهت هذه الدول منذ البداية مشكلتي التخلّف الاجتماعيّ والاقتصاديّ، وندرة الموارد الاقتصاديّة كما فرضت مشكلة التخلّف على تلك الدول ضرورة التوسّع في التعليم العامّ، والتعليم الجامعيّ كنواة لخلق قيادات علميّة مثقّفة لقيادة التطوّر السياسيّ، والاقتصاديّ، بَيْدَ أنّ مشكلة ندرة الموارد الماليّة، جعلت تلك الدول غير قادرة على مواجهة ترف تمويل التعليم الجامعيّ الحرّ. وبالتالي، فقد ربطت تلك الدول منذ البداية، وبحكم أوضاع التخلّف، والندرة، بين الجامعة وبين احتياجات التنمية الاقتصاديّة. وبعبارة أخرى، فإنّ دول العالم الثالث لم يكن أمامها اختيار حقيقيّ بين المسلك الأكاديميّ البحت، والمسلك الوظيفيّ. ومن هنا، فإنّ نشأة كثير من جامعات العالم الثالث ارتبطت منذ البداية بالمسلك الوظيفيّ. وفي الحالات التي نشأت فيها الجامعة في ظلّ الاستعمار، في إطار مفاهيم التعليم الحرّ، وجدت تلك الدول نفسها مضطرّة بعد الاستقلال إلى تحويل الجامعة إلى الوظيفة الاجتماعيّة21.

لكنّ العالم شهد بعد الحرب العالميّة الثانية طفرة علميّة، وتكنولوجيّة هائلة أدّت إلى إحداث تغييرات أساسيّة في أنماط الاتّصال، والتعامل الدوليّ، واللافت في هذه الطفرة أنّ جزءًا منها جاء من داخل الجامعات في التطوّر الاجتماعيّ، والاقتصاديّ ما أدّى إلى خلق الحاجة إلى عدد أكبر من المتخصّصين في فروع العلوم التكنولوجيّة، فكانت الجامعة هي المؤسّسة الوحيدة التي تتوفّر فيها العقول العلميّة القادرة على إعداد هؤلاء المتخصّصين. إذًا، فالوظيفة الاجتماعيّة للجامعة هي في الأساس جزء من طبيعة الوجود الجامعيّ ذاته. وهذا لا يعني أنّ الجامعة هي مجرّد مؤسّسة تخدم أغراضًا اجتماعيّة خارجة عن النطاق الجامعيّ ذاته، فالجامعة تقوم بوظيفة أساسيّة تميّزها عن غيرها من المؤسّسات التي تقوم بوظائف اجتماعيّة كالمؤسّسة الدينيّة، أو الأسرة. وهذه الوظيفة هي وظيفة البحث العلميّ مجال دراستنا، البحث الذي يجري بهدف التوصّل إلى معرفة جديدة، وتكوين رأس مال علميّ، وإعداد باحثين متخصّصين، وخلق أجيال من الأساتذة الجامعيّين.

وفي ظلّ رغبة الجامعة في النموّ، والتوسع، والآمال الكبيرة التي أخذت المجتمعات تعقدها على الجامعة، يقول “جاك بارزون” في كتابه “الجامعة الأميركيّة”22:

“لقد أصبحنا نتوقّع من الجامعة من ضمن أمور كثيرة أن تخرّج العلماء والمهندسين، وأن تعزّز التفاهم الدوليّ، وتكون حامية للفنون، وأن ترضي أذواقًا متعارضة بالنسبة لمفهومها حول كلّ من فنّ العمارة، والأخلاق الجنسيّة، كما عليها أن تجد دواء للسرطان، وتعيد صياغة مجموعة التشريعات القانونيّة”. هذا سوى مهارات أخرى، كما عليها أن تهيّئ الطالب لحياة فكريّة، وحياة لهو معًا.

إنّ هذا الضغط المتزايد، وهذه الآمال المعقودة على الجامعة أفقدتها دورها الرياديّ، وأصبح من الصعب عليها أن تتعرّف وتستشرف الأخطار المحدقة بها، لكي تعمل على تجنّبها ومعالجتها.

وهكذا أصبحنا ننتظر من الجامعة أن تحقّق كلّ هذه الأمور لأنّنا اعتدنا أن ننيطها بها ثمّ نلقي عليها تبعتها.

وعلاوة على ذلك، فإنّ الجامعة تتعرض لضغط دائم، ومحاسبة دقيقة من قِبل الدولة، ورجال المال، والصناعة، والرأي العامّ، الذين لا يهتمّون سوى بالأمور العمليّة الآنية ذات المنفعة السريعة، ويتجاهلون القيم الأكاديميّة، والبحث العلميّ المنظّم وعمليّة التعليم23.

  • واقع البحث العلميّ في الجامعات:

إنّ غاية الجامعة أساسًا ليس التعلم أو الاكتساب، وإنّما غايتها الفكر أو العقل، وفي هذا الإطار تركّز الجامعة على تنمية روح البحث، على أساس أنّه الفحص العلميّ المنظّم في سبيل التدقيق في فكرة ما، أو لاكتشاف معرفة جديدة، وقد يكون الاهتمام بالبحث حسًّا فطريًّا، أو مكتسبًا، لكنّه يحتاج إلى خبرة كافية على الجامعة أن توفّرها. وروح البحث تتّسم بالصبر، والإخلاص، والصدق، والموضوعيّة، فالبحث ليس مجرّد جمع معلومات، وإنّما هو الجهد الهادئ الذي يتطلّب الصبر، والذي يقوم به الفرد بنفسه دون أن ينفي ذلك فكرة التعاون، وهو في النهاية جهد يستهدف الحقيقة، وإذا كان تشجيع الأبحاث يقوم في علّة وجود جامعتنا، فإنّها ما زالت مع معظم رفيقاتها في العالم الثالث دون هذا الهدف، بينما تشكّل الأبحاث مراكز الأبحاث في البلدان المتقدّمة التي تعيش هواجس مستقبلها، عصب جامعاتها واقتصادها ومجتمعها24.

مما لا شكّ فيه أنّ البحث العلميّ هو جزء من العمليّة التعليميّة في الجامعة، فهو يسهم في جعل إمكانيّة التعليم مستمرّة عند الأستاذ الجامعيّ، وبالتالي في جعل عمليّة التعلّم قائمة عند الطالب25. لذا فهو يعدّ من أهمّ المعايير لقياس مستوى الجامعات وتقدّمها، ورفع مستوى الهيئة التعليميّة فيها والمعيار الأساسيّ المعترف به عند تعيين، أو ترقيّة أفراد الهيئة التعليميّة فيها26.

واستنادًا لما سبق يتّضح لنا أهمّيّة البحث العلميّ إذ إنّه يعدّ وظيفة أساسيّة من وظائف الجامعات المعاصرة.

وفي الواقع، فإنّ البحث العلميّ، عمل مضنٍ وشاقّ، يتطلّب جهدًا وصبرًا، كما أنّه ذو هدف محدّد يستمدّ أهمّيّته من القضيّة التي تحركّه بحيث يلتزم بها الباحث إلى أن يتجاوزها، ويتفوّق عليها. وبالنظر إلى واقع البحث العلميّ في الجامعات، نرى أنّه ييؤد دورًا مُهِمًّا في رقيّ الأمم وتقدّم الشعوب، ويسهم في بقائها. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال البحث العلميّ على صعيد الجامعات في الوطن العربيّ متواضعًا، بعيدًا عن اهتماماتها، ومن دون المستوى الذي تطمح إليه الشعوب العربيّة على المستويين النظريّ والتطبيقيّ.

ففي الوقت الذي تشكّل فيه نشاطات البحث العلميّ في الدول المتقدّمة 33% من مجموع أعباء عضو هيئة التدريس، نجد أنّها لا تشكّل سوى 5% من مجموع الأعباء الوظيفيّة التي يقوم بها عضو هيئة التدريس في الجامعات العربيّة، ناهيك عن أنّ البحث العلميّ غالبًا ما يكون موجّهًا، وبهدف الترقية الأكاديميّة، في الوقت الذي يفترض أن يكون هدفه الأساسيّ معالجة مشكلات المجتمع وقضاياه27، واقتراح المعالجات والحلول الكفيلة بذلك، التي تتأتى من خلال عقد الندوات، والمؤتمرات، وورش العمل العلميّة للوصول إلى نتائج عمليّة، واتّخاذ القرارات المناسبة بشأنها. ولعلّ من أهمّ المشكلات التي تواجه البحث العلميّ في الجامعات العربيّة ناتج عن عدم اهتمام الجامعات العربيّة بالبحث العلميّ وضَعف المخصّصات المرصودة له من ناحية، ثمّ تسخير أهداف البحث العلميّ للترقية الأكاديميّة عند الباحثين، وبالتالي الابتعاد عن إيجاد حلول لمشاكل، وقضايا المجتمع من ناحية أخرى.

ويلخّص الباحث بشير معمريّة مشاكل، ومعوّقات البحث العلميّ في الجامعات العربيّة على الشكل التالي28:

“- ضعف الإنفاق والتمويل.

  • عدم وجود مساعدي البحث.
  • كثرة الأعباء التدريسيّة والإداريّة.
  • ضَعف محتويات المكتبات، وقلّة وسائل النشر العلميّ.
  • عدم وجود خطط للبحث العلميّ على مستوى الجامعة، أو الدولة.
  • ضَعف الاحتكاك العلميّ من خلال الملتقيات والندوات.
  • ضَعف تقدير المجتمع لأهمّيّة البحث لديهم”.

وعليه، فإنّنا في الوطن العربيّ لا تنقصنا الجامعات، والمستوى العلميّ، ولا حتّى الموارد البشريّة، بدليل أنّ الكوادر التعليميّة التي اضطرت إلى السفر خارج حدود أوطانها قد أبدعت عندما توفّر لها المُناخ البحثيّ، والظروف المناسبة، كما أنّ ضآلة الإنفاق تقلّل من فرص تكوين، وتدريب كادر قدير من الباحثين، ونقص التمويل يساهم في عدم إقبال أصحاب الكفاية، والتخصّص على مهنة البحث، وبالتالي يساعد على دفعهم إلى تولي مناصب التدريس، والمناصب الإداريّة داخل الجامعة، أو قد يشجّع على الهجرة إلى الخارج. لكنّ المشكلة الحقيقيّة تبقى في النقص الحاصل في رسم الخطط العلميّة الناجحة، والواضحة في سبيل إنجاز البحوث العلميّة، بالإضافة إلى تنسيق الجهود المعنيّة بالبحث العلميّ من خلال المؤتمرات العلميّة الدوليّة، والمشاريع المشتركة بين مراكز الأبحاث، والجامعات العربيّة بشكل دوريّ بغية تنمية المهارات، وتبادل الآراء، والأفكار بين الباحثين على جنسيّاتهم وتوجّهاتهم المتعدّدة. يضاف إلى ذلك غياب التآزر، والتنسيق بين جهات البحث، وجهات التخطيط والتنفيذ، ولا ريب أن يؤدّي هذا إلى ضياع الكثير من الجهد والوقت والمال نتيجة لانعدام التكامل والتعاون مما يجعل من البحث صوتًا صارخًا في البرّيّة. وقد دفع هذا إلى اهتمام الباحثين للحصول على الدرجات، والألقاب العلميّة في الدرجة الأولى، وبالتالي اختيارهم لموضوعات لا تتميّز بأهمّيّتها بقدر ما تتميّز بسهولة تناولها وتيسّر مراجعها، وبذلك فقدت موضوعات البحث تحسّسها للمشكلات الأساسيّة، كما فقدت النظرة الشموليّة إلى المجتمع.

بَيْدَ أنّ هذا التحليل لا يعني أنّ الجامعة هي مجرّد مؤسّسة تخدم أغراضًا اجتماعيّة (إعداد القوى المدرَّبة مهنيًّا لمواجهة احتياجات مهن، واختصاصات كالطبّ، والهندسة، والقانون وغيرها)، فالجامعة لها وظيفة أساسيّة تميّزها عن غيرها من المؤسّسات، وهذه الوظيفة الأساسيّة هي وظيفة البحث العلميّ الذي يقوم على أساس التوصّل إلى معرفة علميّة جديدة، وتكوين رأس مال علميّ.

من هنا علينا أن لا نلقي اللوم على الجامعة، وعلى أهل التعليم في عمليّة الإصلاح، والتغيير التربويّ، فإذا اتّهمنا أهل التعليم فإنّنا نتّهم الضحيّة، لأنّ الكلمة الحاسمة في كلّ تغيير، ومنه التغيير التربويّ يرجع أوّلًا وآخرًا إلى رجال السياسة أهل النفوذ الحقيقيّ، أهل الحلّ، والربط في كلّ مجتمع. فجامعات البلدان العربيّة لا تزال بمعظمها تتمسّك بأنظمتها الأكاديميّة التقليديّة من دون أن تزيد برامج تستجيب لحاجات محيطها، وتتبع بكلّ أسف المثل، والتقاليد الغربيّة وتقلّدها. ويترتّب على ما تقدّم إعادة النظر بشكل جذريّ في النماذج التعليميّة التي نقلناها عن الغرب، وأن نضع لأنفسنا مشاريع، واستراتيجيّات تربويّة أصوب وأكثر ديمقراطيّة، وملاءمة لأهدافنا، ومرحلة إنمائنا27. فلا خلاف إذًا في أن تزيد الجامعات ارتباطها ومسؤوليّاتها تجاه مجتمعاتها، فالجامعات العربيّة مدعوّة أكثر من أيّ وقت مضى إلى الاندماج في مجتمعاتها أكثر، بغية مشاركتها آلامها وآمالها وحاجاتها. فبقدر تزايد سلطة الدولة على شؤون المجتمع، بقدر ما تتعاظم مَهَمّة الجامعة، وبقدر ما يكون الإقبال على تخطيط الحياة، وتوجيه الفكر عندنا، بقدر ما يتوجّب على الجامعات في العالم العربيّ الاحتفاظ بمكانتها العلميّة لكي تبقى جامعاتنا حصونًا للفكر المبدع29.

  • موقع الجامعات العربيّة من جامعات الدول المتقدّمة:

على الصعيد المعرفيّ، والعلميّ العربيّ، وبحسب مؤشّر الترتيب الأكاديميّ للجامعات العالميّة الصادر عن مركز بحث الجامعات العالميّة التابع لجامعة “جياو تونغ” في شنغهاي لعام 2015، لا نجد من بين أفضل 500 جامعة عالميّة سوى خمس جامعات عربيّة: أربع منها سعوديّة، وواحدة مصريّة. فلا يمكن النهوض بالجامعات العربيّة ما لم يتأمّن الدعم اللازم لتأمين سياسة بحث علميّ مدروسة تكفل تلبية حاجات الأمم الاقتصاديّة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ ماليزيا، والمغرب كانتا في المستوى العلميّ نفسه في بداية العام 2000، لكن بفضل استراتيجيّة البحث العلميّ التي اتّبعتها ماليزيا تجاوزت اليوم الإنتاج العلميّ المغربيّ بأشواط بعيدة. أمّا على صعيد براءات الاختراع المسجّلة، فقد سجلت ماليزيا بين عامي(2008 و2013)، 566 براءة اختراع، في حين بلغ عدد براءات الاختراع العربيّة المسجلة 492.

وعلى الرغم من أنّ مختبرات الجامعة العربيّة تنتج اليوم حوالي 80% من البحوث العلميّة العربيّة، بَيْدَ أنّها لا تزال ينقصها الدعم الحكوميّ اللازم. وإذا قارنّا نسب الإنتاج القوميّ المخصّصة للبحث للعام 2007 في بعض الدول الغربيّة مقارنة مع النسب في بعض الدول العربيّة نلاحظ التالي30:

الدول الغربيّة بريطانيا الاتّحاد الأوروبيّ        
النسبة المئويّة 1,7 1,9        
الدول العربيّة تونس المغرب الأردن الكويت السعوديّة البحرين
النسبة المئويّة 1,02 0,64 0,34 0,09 0,05 0,04

(جدول رقم 2) تقرير اليونيسكو عام 2010

يتبيّن لنا من خلال الجدول أعلاه أنّ تونس تتصدّر القائمة العربيّة من حيث الإنتاج القوميّ المخصّص للبحث، يليها المغرب، ثمّ الأردن، الكويت، السعوديّة، البحرين.

وفي تقرير آخر لليونيسكو جرى في تشرين الثاني من العام 2015، حول نسبة الإنفاق المحلّيّ للدول العربيّة على البحث والتطوير أظهر أنّ هذه النسبة لا تزال متواضعة جدًّا، إذ إنّها لم تسجّل سوى 1% من الإنفاق الإجماليّ العالميّ، حيث أنفقت ما مجموعه 15 مليار دولار مقابل إنفاق عالميّ بلغ 1477 مليار دولار. أمّا على صعيد الباحثين، فعلى الرغم من ارتفاع عددهم في الدول العربيّة من (122900 باحث)، عام 2007، إلى(149500 باحث)، عام 2013، فقد بقيت نسبتهم تشكّل 1,9% فقط من الباحثين في العالم. وعلى الرغم من ذلك، يلاحظ بعض الباحثين أنّ الإنتاج العلميّ في العالم العربيّ يشهد تحسّنًا نسبيًّا رغم غياب الخطط البحثيّة، وشح التمويل وقلّة أعداد الباحثين مقارنة بالدول المتقدّمة. ففي مصر مثلًا يوجد 650 باحثًا لكلّ مليون نسمة، وهو أعلى المعدّلات العربيّة، بينما في كوريا الجنوبيّة يوجد 4600 باحث لكلّ مليون نسمة.

كما أنّ هناك بعض المؤشّرات الإيجابيّة برزت في السنوات الأخيرة، أشارت بحسب مؤشّر “التميّز والكفاءة لمراكز البحوث والتطوير العربيّة”، بأنّ تونس(36)، وعمان(38)، وقطر(45)، والكويت(46)، والسعوديّة (52)، جاءت في مراتب متقدّمة من بين 127 دولة في العالم31.

وفي المحصّلة يبقى هناك مشكلات، ومعوّقات حقيقيّة أمام تطوّر الجامعات في الوطن العربيّ تقف حاجزًا أمام الإنتاج المعرفيّ الذي يساهم في التنمية، ولعلّ أهمّها قلّة الإنفاق لأنّ الجامعات بحاجة إلى تعزيز مراكز الأبحاث العلميّة ودعمها فيها، وتدريب الكفاءات، وتحسين مستواها الأكاديميّ لتتمكّن من تأدية رسالتها، وتحقيق أهدافها، والقيام بدورها تجاه مجتمعاتها.

ثالثًا: سياسات واستراتيجيّات الدول العربيّة في تطوير البحث العلميّ:

إنّ المتغيّرات الراهنة في دول العالم، وخصوصًا دول العالم العربيّ تفرض اليوم الاهتمام بالتخطيط الاستراتيجيّ لمواجهة هذه المتغيّرات من خلال بناء أجيال تتمتّع بالأهليّة والكفاءة، تستشرف المستقبل بما يحمله من تحدّيات تستلزم الاهتمام بالجامعات، والبحث العلميّ عبر إنشاء مراكز أبحاث في جميع الاختصاصات.

ولو تأمّلنا جيّدًا واقع البحث العلميّ العربيّ لرأينا الفرق الشاسع بين مستوى البحث العلميّ العربيّ، والعالميّ، ولتأكّدنا أنّ هناك أسباب للتراجع العربيّ في هذا المجال. ولعلّ من أهمّ الأسباب هو بقاء العالم العربيّ خارج دائرة التطوّر العلميّ والتكنولوجيّ. وهنا لا بدّ من وضع استراتيجيّة للتطوير من شأنها الاهتمام بمستقبل البحث العلميّ، والعمل على النهوض به من خلال:

1- زيادة الميزانيّات المخصّصة له.

2- تشجيع الابتكار، والإبداع من خلال تقديم الحوافز للباحثين.

3- حماية الملكيّة الفكريّة.

4- استثمار العقول العربيّة المهاجرة، والعمل على الحدّ من هجرتها، فهجرة العقول، والكفاءات العلميّة إلى الخارج تعدّ من أهمّ المشاكل التي تواجه ميدان البحث العلميّ في الوطن العربيّ.

5- تطوير مراكز البحث العلميّ وهيئاته في الوطن العربيّ لمواجهة التحدّيات التي تواجهه على الأصعدة التنمويّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة كافة وغيرها32.

6- مواكبة المجالات العلميّة الحديثة، والتطوّر العلميّ الذي وصلت إليه العلوم والمعارف الإنسانيّة.

7- تطبيق ما توصّلت إليه نتائج الأبحاث العلميّة من حلول للمشكلات، والتعامل مع الأبحاث العلميّة على أنّها غاية تمكّننا من حلّ المشكلات، ومعالجة الظواهر، وعدم التعامل معها على أنّها وسيلة للحصول على الشهادة العلميّة فقط.

8- بناء بيئة بحثيّة غنيّة بمصادر المعرفة، وتأمين وسائل معرفيّة كافية، وعلى ارتباط وتلاحم تامّ مع الباحثين وبيئاتهم. ولكي يكتمل هذا المشروع العلميّ فإنّنا نحتاج إلى فهم أفضل لبيئة البحث المعاصر، لأنّ بيئة البحث هي بمثابة المؤسّسة الاجتماعيّة التي ترعى البحث العلميّ وتدعمه وتنمّيه.

9- تحرير العقل العربيّ من عقاله، والانتقال به للعمل على نحو كونيّ وعالميّ.

10- عقد مؤتمرات علميّة على صعيد الدول العربيّة، ومناقشة القضايا التي تجري في العالم العربيّ، وتبادل الخبرات بين العلماء العرب، والقيام بأبحاث مشتركة.

11- الاعتماد على الإمكانيّات الذاتيّة، والإرادة الذاتيّة، ودعم المراكز البحثيّة القائمة حاليًّا.

12- دعم ظروف العمل وتحسينها، ومكانة العلماء، والباحثين في الوطن العربيّ، وتقديم الحوافز المادّيّة، والمعنويّة من أجل تشجيعهم، وزيادة إنتاجهم البحثيّ.

13- إنشاء منظومة لنشر المعرفة على صعيد الوطن العربيّ، ليتسنّى للباحث الطريقة المناسبة لنشر ما توصّل إليه من خلال أبحاثه.

استنتاجات:

تبيّن لنا من خلال هذه الدراسة، أنّ نتائج البحث العلميّ المحقّقة في الوطن العربيّ لا تبعث على الارتياح، فهو يعاني في متطلّباته الأساسيّة، الأمر الذي انعكس على إنتاجيّة البحث وضَعفه، وانخفاض أعداد الباحثين مقارنة مع الدول المتقدّمة.

إنّ البحث العلميّ هو أحد أهمّ أسباب تقدّم المجتمعات وتطوّرها في جميع مناحي الحياة الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، فهو المصدر الرئيس للتنمية، ورفاهيّة الشعوب، له أهمّيّة كبيرة في اقتصاد الدول ويشكّل ركنًا أساسيًّا من أركان المعرفة البشريّة، وخدمة المجتمع، وخير علاج للمشكلات التي تواجه المجتمع. من هنا نستطيع أن نتلمّس مدى أهمّيّته وضرورة السعي إلى تأمين كلّ المستلزمات في سبيل تطويره، ودفع عجلته في المسار الصحيح، وبالإضافة إلى هذه الوظائف للبحث العلميّ، فإنّه يشمل أيضًا إعداد الباحثين المتخصّصين القادرين على مواصلة التوصّل إلى المعارف العلميّة بأسلوب علميّ، وهو ما يتمثّل في مواصلة خلق أجيال من الأساتذة الجامعيّين، وبالتالي من الباحثين، فالبحث العلميّ يقوم على تربية القدرة على التفكير والملاحظة العلميّة، وهي كلّها قدرات لا تتوفّر إلاّ بتوفّر حبّ البحث والمعرفة. من هنا لا بدّ من أن تؤدّي الجامعة دورًا كبيرًا في مجال تفعيل البحث العلميّ الذي يعدّ أحد أهمّ أركانها، ويمثّل أحد أهمّ مقوّمات وجودها، كما يشكّل معيار مستواها العلميّ والأكاديميّ. لذلك بات من الضروريّ على الحكومات دعم الجامعات في الوطن العربيّ، ووضع خطّة تعاون في ما بينها تقوم على ركائز ثلاث: البحث العلميّ، والجامعات، وسوق العمل، ثمّ الحدّ من هجرة الكفاءات العلميّة إلى الخارج، ومواجهة التحدّيات، والعوائق عبر زيادة الإنفاق، وخلق بيئة بحثيّة داعمة للتجديد والابتكار، وتأمين وسائل معرفيّة كافية، وتقديم الحوافز المادّيّة، والمعنويّة أيضًا، خصوصًا أنّ هناك انخفاض بعدد الباحثين بالمقارنة بالدول المتقدّمة.

فمن غير المقبول أن يبقى عالمنا العربيّ بعيدًا عن أسباب التطوّر، تصرفه عن ذلك صراعات عبثيّة لا طائل منها سوى تراجع المواطن العربيّ، وجعله أكثر تخلّفًا. فالسكان في الوطن العربيّ يشاهدون بشكل يوميّ، قمع الفلسطينيّين وتشتيتهم، والتهديدات العسكريّة، وفرض العقوبات ضدّ دول عربيّة لا ذنب لها سوى موقفها الممانع للهيمنة والسيطرة، وحروب في الصومال، وفي سوريا، وفي ليبيا، وفي العراق… هذه المشاهد يجب أن تشكّل حافزًا قويًّا للتغلّب على العقبات التي تمنع البلدان العربيّة من الاستفادة من العلم.

أما آن الأوان أنّ ننهض بالبحث العلميّ عوض أن يبقى مهملًا، ونعمل على تأمين مقوّمات نجاحه لتحقيق رفاهيّة الشعوب العربيّة؟

أما آن الأوان لأن نعتمد البحث العلميّ الموجّه الذي يعالج قضايا يعاني منها الوطن العربيّ لا سيّما الغذاء، ومصادر الطاقة، وإدارة الموارد الطبيعيّة، والتصحّر الناتج عن التغيّر المُناخي، وتكنولوجيا المعلومات، والاتّصالات، والأمراض التي تؤذي الثروة الحيوانيّة والنباتيّة، وغيرها من المواضيع التي تؤذي البيئة، وتؤثّر على الشعوب العربيّة؟

إنّ غياب الاستراتيجيّة العربيّة لمواجهة التحدّيات تقف عائقًا أمام ما ذكرناه آنفًا. لذلك، وبما أنّ البحث العلميّ هو أساس تطوّر الأمم وازدهارها، وبالتالي تقدّم الشعوب، لذلك لا بدّ من مواجهة هذه التحدّيات، والمعوّقات للارتقاء بمستوى الشعوب العربيّة.

ومن أهمّ الاقتراحات التي تبرز في هذا الإطار:

  • يجب أن يتوافر تمويل حكوميّ للبحث العلميّ لكي لا يكون عائقًا أمام أداء المؤسّسات العربيّة المعنيّة بالبحث.
  • يجب أن يثمر البحث ثراءً معرفيًّا يمكن للأجيال الحاليّة، والمقبلة أن تستخدمه.
  • يجب أن يسهم البحث في التثقيف والنماء الفكريّ.
  • بناء بيئة بحثيّة غنيّة بالمصادر المعرفيّة، وداعمة للإبداع، والابتكار، والتجديد.
  • الحدّ من هجرة الكفاءات العلميّة، والاهتمام بالباحثين عبر تقديم الحوافز المادّيّة، والمعنويّة.
  • إيلاء السلطات المعنيّة الاهتمام بقطاع التعليم العالي بتخصيص الاعتمادات الماليّة الضروريّة.
  • وضع خطّة تعاون بين الجامعات في الوطن العربيّ.
  • إدراك أهمّيّة المراكز البحثيّة وتفعيلها.
  • توفير المُناخ الجامعيّ، وإعطاء الوقت الكافي للقيام بالبحوث العلميّة.
  • دفع عجلة البحث العلميّ في المسار الصحيح، وذلك باعتماد البحث العلميّ الموجّه.

الحواشي

1- ابن منظور، لسان العرب، (15 مجلّد)، دار صادر بيروت، طبعة أولى، دون تاريخ، جزء ثاني، ص 114.

2- عبد الحميد الهرامة، “ورقات في البحث العلميّ والمكتبات”، د. ط، 1981، ص 19.

3- محمّد عبد المنعم خفاجيّ، “البحوث الأدبيّة ومناهجها ومصادرها”، دار الكتاب اللبنانيّ، بيروت 1980، ص 15.

4- انظر الموقع الإلكترونيّ WWW.P.TT.edu..

5- د. يوسف المرعشليّ، أصول كتابة البحث العلميّ وتحقيق المخطوطات، ط1، دار المعرفة، بيروت لبنان، 1424هـ، 2003م، ص 16.

6- محمّد عوض العايديّ، إعداد وكتابة البحوث والرسائل الجامعيّة مع دراسة مناهج البحث، القاهرة، 2005، ص 22.

7- واقع البحث العلميّ في العالم العربيّ ومعوّقاته .WWW.kenomoline.com.

8- د. ،.ابريعم، قسم العلوم الاجتماعيّة، جامعة العربيّ بن مهيدي، معوّقات البحث العلميّ في العالم العربيّ والاستراتيجيّات المقترحة لتطويره.

9- انتصار الصبان، عفاف اليارد وآخرون، “معوّقات البحث العلميّ” ص 8 – 17.

10- د. صلاح قانصو، معوّقات البحث العلميّ في المجتمع العربيّ، مجلّة الإنماء العربيّ للعلوم الإنسانيّة، العدد العشرون، السنة الثالثة، آذار (مارس) نيسان (إبريل) 1981، ص 231 – 232.

11- النادي العربيّ للمعلومات، البحث العلميّ ومتطلّباته، العدد 218، السنة الثالثة عشرة، 2005.

12- أنطوان زحلان، مركز الدراسات العربيّة، العرب وتحدّيات العلم والَّقانة تقدّم من دون تغيير، ط1، بيروت، آذار 1999، ص 46.

13 – وقائع ندوة الكويت بين 7 – 12 نيسان إبريل 1974، إعداد شاكر مصطفى (الكويت: جامعة الكويت، جمعيّة الخرّيجين، 1975). انظر أنطوان زحلان، المرجع السابق، هامش، ص 46.

14- أنطوان زحلان، مرجع سابق، ص 46 – 47. Ortiga, j,”Mission of the university”, Tr.by H.Nostraud,princton un.press.1944.p 93.

15- د. شكري نجّار، الجامعة ووظيفتها الاجتماعيّة والعلميّة، مجلّة الإنماء العربيّ للعلوم الإنسانيّة مرجع سابق، ص 149.

16- د. محمّد شيّا، الدور الثقافيّ المطلوب للجامعة الوطنيّة، انظر مجلّة الإنماء العربيّ للعلوم الإنسانيّة، العدد العشرون،

السنة الثالثة، آذار (مارس) نيسان (أبريل) 1981، ص151 – 152.

17- د. شكري نجّار، الجامعة ووظيفتها الاجتماعيّة والعلميّة، مجلّة الفكر العربيّ، العدد العشرون، السنة الثالثة، آذار (مارس)، نيسان (أبريل)، 1981، ص 146.

18- أنطوان زحلان، مرجع سابق، ص 183.

19- هيثم مزاحم، الميادين، أزمة البحث العلميّ في العالم العربيّ، 3 شباط 2018. www.almayadeen.net/articles/Blog culture/…/-

20- د. محمّد السيّد سليم، الجامعة والوظيفة الاجتماعيّة للعلم، مجلّة الفكر العربيّ، مرجع سابق، ص 183. Jacques Barzun, “the American University”, p 2.

22- انظر د. مروان بحيريّ، تطوّر مؤسّسة الجامعة في الغرب، مجلّة الفكر العربيّ، مرجع سابق، ص 126.

-23 د. شكري نجّار، الجامعة ووظيفتها الاجتماعيّة والعلميّة، مرجع سابق، ص 159 – 160

24- ماجد محمّد الفرا، الصعوبات التي تواجه البحث العلميّ الأكاديميّ بكلّيّات التجارة بمحافظة غزّة من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس فيها (سلسلة الدراسات الإنسانيّة)، المجلّد الثاني عشر، العدد الأوّل، يناير 2004، ص 1.

25- عماد أحمد البرغوتيّ ومحمود أحمد أبو سمرة، مشكلات البحث العلميّ في العالم العربيّ، مجلّة الجامعة الإسلاميّة (سلسلة الدراسات الإنسانيّة)، غزّة، المجلّد الخامس عشر، العدد الثاني، يونيو 2007، ص 1134 و 1135.

26- عايش زيتون، أساليب التدريس الجامعيّ، عمان، دار الشروق، 1995، ص 122.

27- بشير معمريّة، بحوث ودراسات متخصّصة في علم النفس، الجزائر، منشورات الحبر، الجزء الثاني، 2007، ص 73.

28- د. أحمد صيداويّ، البرامج الخاصّة الجامعيّة، مجلّة الإنماء العربيّ للعلوم الإنسانيّة، العدد العشرون، السنة الثالثة، آذار (مارس) نيسان (أبريل) 1981، ص 203.

29- د. شكري نجّار، الجامعة ووظيفتها الاجتماعيّة والعلميّة، مجلّة الإنماء العربيّ للعلوم الإنسانيّة، العدد العشرون، السنة الثالثة، آذار (مارس) نيسان (أبريل) 1981، ص 147 – 148.

30- هيثم مزاحم، أزمة البحث العلميّ في العالم العربيّ، مرجع سابق.

31- تقرير المنتدى الاقتصاديّ العالميّ (2007 – 2008)، انظر هيثم مزاحم، المرجع سابق.

32- القرار رقم (537)، الدورة الثانية والعشرين لمجلس جامعة الدول العربيّة على مستوى القِمّة، تاريخ 28/ 3/ 2010.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website