الظروف العسكرية والسياسية لإعلان دولة لبنان الكبير (1918-1920)
Military and political conditions for declaring the state of Greater Lebanon (1918-1920)
Rafi Abdul Latif Abdul Majeed رافع عبداللطيف عبد المجيد([1])
الملخص
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1914-1918 بانتصار دول الحلفاء ( إنجلترا- إيطاليا – فرنسا – اليابان- الولايات المتحدة الأمريكيّة) على الدولة العثمانيّة والمانيا وحلفائهما، وكان ذلك مؤشرًا إلى تقسيم الولايات العربيّة بين انجلترا وفرنسا تبعًا لاتفاقيّة سايكس- بيكو السّرية- وعلى الرّغم من أنّ مخططات الدول الكبرى لا تهتم بآمال الشّعوب، ومطالبها غير أنّ الانقسامات العربيّة وانقسامات اللبنانيين على أنفسهم ساعد الى حدّ كبير في خرق الآمال والمطالب الاستقلاليّة، وقد ظهرت بوادر انقسام اللبنانيين(السوريين) بعد انتهاء الحرب مباشرة العام 1918 فمن اللبنانيين من طالب بالالتحاق بالوحدة السّوريّة، والانضمام إلى الحكومة العربيّة في دمشق ومنهم من طالب بالاستقلال اللبناني تحت وصاية فرنسا وانتدابها.
الكلمات المفتاحية: لبنان، سوريا، الاستقلال، فرنسا، العثمانيين، كليمنصو .
Summary
After the end of World War I 1914-1918 with the victory of the Allied Powers (England – Italy – France – Japan – the United States of America) over the Ottoman Empire, Germany and their allies, this was an indication of the division of the Arab states between England and France according to the secret Sykes-Picot Agreement – and despite the plans of the countries The great government does not care about the hopes and demands of the people. However, the Arab divisions and the divisions of the Lebanese against themselves helped to a large extent in violating the hopes and demands for independence. Signs of the division of the Lebanese (Syrians) appeared immediately after the end of the war in 1918. Some of the Lebanese demanded joining the Syrian unity and joining the Arab government in Damascus, including Who demanded Lebanese independence under the guardianship and mandate of France.
Keywords: Lebanon, Syria, independence, France, Ottomans, Clemenceau.
المقدّمة
كان الأمير سعيد الجزائري قد أرسل باسم الأمير فيصل برقيتين من دمشق الأولى الى عمر بك الداعوق- رئيس بلدية بيروت حينذاك- أعلمه فيها بتأسـيس الحكـومة العربيّة في دمشق وطلب منه إعـلانها في بيروت، وكانت البرقية الثانيـة قد أرسلت الى البطريرك الماروني الياس الحويّك طلب فيها أيضًا تأسيس الحكومة العربية في جبل لبنان غير أنّ البطريرك تريث ولم يذعن للأمر. (زين،1971، الصراع الدولي في الشرق الاوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان ص84، بيروت، ط2) ؛ ( قاسمية، خيرية، 1982، الحكومة العربية في دمشق 1918-1920، ص57) .
والحقيقة أنّه بعد أن تألفت الحكومة العربيّة في بيروت برئاسة عمر الداعوق في الأول من تشرين الأول (اكتوبر) 1918، حرصت القيادات الإسلاميّة قبل المسيحيين على إنهاء الحكم العثماني لاعتقاد تلك القيادات أنّ التّحرك ضد الأتراك قام على أساس قومي عربي، ويهدف الى الاستقلال والحرية ولهذا فقد توجهت بعض الزعامات البيروتيّة إلى مقابلة إسماعيل حقي بك آخر والي عثماني في بيروت، وكان في مقدمة تلك الزعامات أحمد مختار بيهم، سليم علي سلام الفرد سرسق، عمر بيهم، علي ومحمد ومصباح سلام ومختار ناصر. وقد قابلوا الوالي وطلبوا منه ضرورة ترك ولاية بيروت هو وبقية الجند العثمانيين، لأنّ الولاية أصبحت خاضعة للحكومة العربية، وبالفعل ففي 20 أيلول (سبتمبر) 1918 ترك إسماعيل حقيّ بيروت بعد أن نشر بيانًا قال فيه:”الى عموم المأمورين بناء على إعلان حكومة عربيّة أصبحت البلاد تجاه أمر واقع، فلقد عهد في إدارة الأمور الحكوميّة الى رئيس البلدية فتجاه هذا الوضع أصبحت وظيفتكم منتهيّة ولهذا وجب إعلامكم ذلك”. ( حلاق، حسان،2010، تاريخ لبنان المعاصر 1913-1952 ، ط3، دار النهضة العربية-بيروت-لبنان ، ط3، ص58) .
قررت الحكومة العربية في بيروت في 6 تشرين الأول (اكتوبر) 1918 رفع العلم العربي على دار بلدية بيروت(2) كان قد اتُفِق في دمشق على جعل العلم العربي أربعة ألوان: اللون الأحمر( علم الثورة العربية) اللون الأبيض(علم الأمويين) اللون الأسود (علم العباسيين) واللون الأخضر (علم الفاطميين).
وكان خطباء هذا الحفل الشّيخ مصطفى الغلاييني، والأب يوسف اسطفان والسيدة فاطمه المحمصاني وقد اشترك في الحفل المسلمون والمسيحيون جنبًا الى جنب وسط التأييد للحكم العربي، واستمر هذا التأييد الى أن بدأت القوى الطائفيّة والفرنسيّة بإحداث الشّقاق وبذر الخلاف بين الفئتين وفي اليوم نفسه استقبل وجهاء بيروت اللواء شكري باشا الأيوبي مبعوثًا من الأمير فيصل كحاكم عام على بيروت ولبنان، وكان خطيب الحفل الأب يوسف اسطفان قد ألقى كلمة أشار فيها إلى حكم العرب وإلى عدلهم وأطلق عليهم اسم أَعدل الفاتحين وبسبب هذا الموقف الماروني الوطني، أُطلق شكري الأيوبي على الأب اسطفان لقب ( خطيب العرب) . ( حلاق، حسان ،2015، مذكرات سليم علي سلام 1868-1983 ، دار النهضة العربية-بيروت-لبنان، ط2، ص51) .
ونظرًا إلى رفض البطريرك الماروني الياس الحويك تأليف حكومة عربيّة في جبل لبنان، ونظرًا إلى أنّ حبيب باشا السعد كان الزّعيم الماروني السياسي البارز الأول في قومه، فقد عُهِد اليه إعلان تكوين الحكومة العربيّة في جبل لبنان، وقد حرص الأمير فيصل والمسلمون في لبنان على أن توكل مهمة تكوينها الى الموارنة أنفسهم ذلك لأنّ المسلمين لم يحاولوا استغلال انتصار الثورة العربية الكبرى، ودخول الجيوش العربية الى دمشق بإيكال تلك المهمة الى مسلمين مثلًا. ويذكر الرئيس صائب سلام حول تلك الحادثة فيقول: “ارتفع العلم العربي على سرايا بعبدا( وهو حدث حضرته بنفسي فتًى يافعًا يوم رافقت والدي سليم علي سلام مع مندوب الأمير فيصل شكري باشا الأيوبي، وتوجهت الى بعبدا مقر حكم متصرفيّة جبل لبنان حيث استقبلهما حبيب باشا السعد مع لفيف من زملائه، وحشد كبير من الأهلين وكان حبيب باشا يومذاك كبير وجهاء الموارنة في لبنان، ورئيس مجلس إدارته وقد رأيته أمامي في سراي بعبدا يضع يده على الإنجيل المقدس، ويحلف يمين الطاعة لملك العرب الشريف حسين في مكة) (مجلة المقاصد، 1981، ص168) ؛ ( زين ،1971، ص84) .
على الرّغم من قصر عمر الحكومة العربيّة في بيروت(1 تشرين الأول- 11 تشرين الأول) تبيّن خلال هذه المدّة القصيرة مدى التعاون الإسلامي- المسيحي من دون تمييز أو استغلال أو استقواء، وقد عاش جبل لبنان في خلال هذه الحقبة مع ساحله( في ظل حكم عربي متحرر برضاء من غالبيّة أهله وبَنيه) . (المقاصد، 1981، ص168).
ومن الأهمية بمكان القول إنّه ما إن قُضِي على الحكومة العربيّة في بيروت في 11 تشرين الأول(اكتوبر) 1918 وما إن دخل الجيش الفرنسي الى بيروت، ولبنان حتى بدأ ألم المسلمين ودهشتهم تظهر ليس بسبب دخول الفرنسيين الى لبنان، والقضاء على الحكومة العربية فحسب وإنّما بسبب التبديل السّريع في مواقف المسيحيين من المسلمين ومن ثم الاستقواء عليهم بالاعتماد على الجنود الفرنسيين” الغرباء”، ولعلّ أكثر ما حزّ في نفوس المسلمين تلك التّظاهرات المسيحيّة الترحيبيّة الزّاحفة من الأشرفيّة وجبل لبنان الى مرفأ بيروت ترحيبًا واستقبالًا للجنود الفرنسيين “الذين خلصونا من الاستعمار التركي والإسلامي) مع العلم أنّهم قبل أيام قليلة كانوا يحتفلون مع إخوانهم المسلمين بإقامة الحكومة العربيّة في بيروت وبعبدا ([2])، وقد شهد حمادة تلك التظاهرات في مرفأ بيروت يوم كان لا يزال فتّى يافعًا عندما نزل من منزله في رأس النبع الى المرفأ . (حلاق، 2010، ص60) .
وحول تبدّل موقف مسيحيي لبنان بعد دخول فرنسا اليه قيل” لهذا نرى أنّه عندما سنحت الفرصة بدخول سلطة الانتداب الفرنسي….. رحب هؤلاء بالحكم الانتدابي ورأوا فيه فرصة تاريخيّة ذهبيّة لتحقيق شخصيتهم وتثبيت امتيازاتهم . (المقاصد، 1981، ص170) .
بينما يذكر الشيخ السيد محمد رشيد رضا (صاحب مجلة المنار) الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة لمدينة بيروت بعد أن قام بزيارتها أثر خضوعها للسيطرة الفرنسيّة، وما قاله مشيرًا الى أوضاع المسلمين والمسيحيين ومواقفهم: “إن السلطة الفرنسيّة اعتمدت في إدارة المنطقة الغربيّة (لبنان) على النّصارى لا سيّما الموارنة منهم فأكثرت من توظيفهم، ورأى النّصارى أنّ الدولة قد دالت لهم فرضوا بذلك وسروا به ولم يكن للمسلمين يد عندهم في تلك الأيام القليلة التي صار أمر الحكومة اليهم فيها، فأَعرضوا عن المسلمين بل صاروا يؤذونهم بالقول والفعل واعتزّوا عليهم، وعتو عتوًا كبيرًا ولم يفعل المسلمون شيئًا منه في دولتهم التي تعدّ بالأيام لا بالشهور ولا بالسنين” وأضاف السيد رشيد رضا إن المسيحيين:” نسوا كل ما كان قبل ذلك من حرص المسلمين على الاتفاق معهم قبل الحرب العامة، حتى رضوا أن يكون لهم نصف الأعضاء في مصالح الحكومة المنتخبّة، وغير المنتخبة وذلك فوق ما تقتضيه النسبة العددية العادلة”، وأضاف السيد رشيد رضا متألمًا من موقف المسيحيين إزاء المسلمين فقال: ” وقد اشتهر المسيحيون ما وضعوه من الأناشيد في ذمّ المسلمين، وإهانتهم وانشادها في الشوارع والأسواق في بيروت يوم عيد الفصح ولولا أن اعتصم المسلمون بالصبر والحلم لوقعت يومئذ مقتلة فاضحة تعدّ سبّة لسوريا ما بقي الدّهر، السيد رشيد رضا، ما للمسلمين نائمين كأهل الكهف. (المقاصد،1983، ص38) .
قام المستشار العسكري لفرنسا في لبنان القائد (كولوندر) في 23 تشرين الأول (اكتوبر) 1918 بزيارة البطريرك الماروني الياس الحويك في بكركي، وتداول معه بشأن تشكيل إدارة لبنانيّة جديدة وبعد يومين أُعلن الاتفاق بينهما، وجرت في 25 تشرين الأول (اكتوبر) 1918 حفلة رسميّة أُخرى في بعبدا أُقِيمت على شرف القائد الفرنسي (كولوندر) و (دي بياباب) وقد حضرها أعضاء مجلس الإدارة اللبناني وعلى رأسهم حبيب باشا السعد!! الى جانب جمهور من أعضاء الطائفة المارونيّة، وكان هذا الحفل في بعبدا الذي أقامته فرنسا والموارنة إنّما يهدف رسميًّا الى الغاء ما كان أن أنشأه شكري باشا الأيوبي من حكومة عربيّة وللدلالة على أنّ فرنسا هي صاحبة الشّأن في لبنان وليس الأمير فيصل ولا حكومته العربيّة .
وفي هذا الحفل ألقى الحاكم العسكري ( دي بيابان) خطبة وديّة أثنى فيها على حبيب باشا السعد، وأعلن أنّه بصفته الحاكم العسكري يعيد مجلس إدارة جبل لبنان برئاسة حبيب باشا السعد، وهو الرّجل ذاته الذي كان منذ أقل من شهر رئيسًا لهذا المجلس في عهد العثمانيين والذي منذ 18 يومًا أقسم يمين الولاء والطاعة للحكومة الفيصليّة في دمشق . ( زين، 1971، ص86) .
- مطالب وفد إدارة جبل لبنان برئاسة داود عمون في مؤتمر فرساي الذي بدأ جلساته في 1 كانون الثاني(يناير) 1919 والتي كانت تنص على ما يلي:
1- توسيع نطاق جبل لبنان الى ما كان معروفًا به من التخوم تاريخيًّا وجغرافيًّا.
2- تأييد استقلال لبنان بإدارة شؤونه الإدارية والقضائيّة بوساطة رجال من أهله.
3- إنشاء مجلس نيابي مؤلف على مبدأ التمثيل النسبي حفظًا لحقوق الأقليّة وينتخب من الشعب .
4- طلب مساعدة فرنسا لتحقيق ذلك ومعاونتها الإدارة المحلية في تسهيل نشر العلوم والمعارف. ( مزهر، يوسف، د-ت، تاريخ لبنان العام ، ص873) .
- ملاحظات على المطالب التي قدمت من قبل مجلس إدارة جبل لبنان
من الملاحظ أنّ المطالب التي قُدِّمت من مجلس إدارة جبل لبنان، أنّها لم تأخذ بالحسبان المطالب والآمال الإسلاميّة بل قدمت مطالب من فئة من اللبنانيين، باسم اللبنانيين كلّهم ومن هذه الملاحظات ما يلي:
1- اتجاه انفصالي سياسي على البلاد السّوريّة، ورفض الوحدة السّوريّة.
2- الإصرار على توسيع رقعة جبل لبنان بضم الأجزاء اللبنانيّة السّاحليّة والدّاخليّة اليه وليس العكس.
3- إنّ الإصرار على الحماية والمساعدة الفرنسيّة أمر يناقض المطالبة بالاستقلال.
4- عدّ ألوف أنّ الحماية الفرنسيّة تساعد لبنان على الاستقلال عن سوريا، وضمانه لمنع الأمير فيصل من ضمه ضمن إطار الوحدة السّوريّة. (حلاق، 2010، ص63-64) .
- رفض سكان الساحل من المسلمين والمسيحيين الوحدويين مطالب المذكر
إنّ سكان الساحل من المسلمين والمسيحيين الوحدويين قد رفضوا مطالب مذكرة مجلس الإدارة، إلّا أنّهم لم يرسلوا وفدًا خاصًّا بهم الى باريس لملاحقة مطالبهم، بل عدُّوا أنفسهم جزءًا من سوريا الكبرى، وأنّ الأمير فيصل هو ممثلهم في مؤتمر الصلح، لذا فإنّ فيصل وصل من دمشق الى بيروت بصحبة لورنس فاجتمع على الفور برئيس الحكومة العربيّة السابق عمر الداعوق، وسليم سلام واحمد مختار بينهم وإلياس إبراهيم سرسق. ( حلاق، 2015، ص56) .
- مذكرة الأمير فيصل الى مؤتمر الصلح
قدّم فيصل في الأول من كانون الثاني(يناير) 1919 مذكرة الى مؤتمر الصلح، أشار فيها الى مطالب العرب الاستقلاليّة، ورفضهم السيطرة الأجنبيّة وأنّ اللغة العربية تجمع بين العرب في البلاد الواقعة ضمن خط يمتد من الإسكندرونه الى إيران وجنوبًا الى المحيط الهندي، “وإنّ هدف الحركة القوميّة العربيّة هو توحيد العرب في أُمة واحدة، ونحن نؤمن أن سوريا تستطيع أن تدير شؤونها الدّاخليّة بنفسها، كما أنّنا نشعر أنّ أيّة مشورة تقنية أجنبيّة تقدم إلينا تشكل عنصرًا ذا قيمة عظيمة للتنمية الوطنية، ونحن على استعداد أن ندفع ثمن هذه المشورة نقدًا؛ إذ إنّه لا يمكننا أن نضحّي في سبيلها شيئًا من الحرية التي ظفرنا بها نحن أنفسنا بقوة السلاح…”([3])
- عدم تجاوب رئيس الوزراء الفرنسي مع المذكرة
تبعًا للأطماع الفرنسيّة في البلاد السّوريّة، فإن رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو، لم يتجاوب مع مذكرة الأمير فيصل بسبب تناقضها مع أهداف فرنسا ومع مطالب مجلس إدارة جبل لبنان! كما أنّ المسيحيين اللبنانيين الموجودين في فرنسا، وقفوا معارضين سياسة الأمير فيصل في البلاد السّوريّة ففي شباط (فبراير) 1919 اجتمع أعضاء مؤتمر الصلح ( ونليسون الرئيس الامريكي، لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا، كليمنصو رئيس وزراء فرنسا) بأعضاء وفد ( اللجنة السّوريّة المركزية) برئاسة شكري غانم الذي قدمه كليمنصو للأعضاء، ومما قاله شكري غانم في مذكرته: “إنّه لا يريد أن يكون تحرير سوريا على يد أهل الحجاز كما أنّه عارض أن يتكلم الملك فيصل ممثل الحجاز باسم جميع الناطقين باللغة العربية وباسم سوريا”. (حلاق، 2010، 65) .
- تباين الآراء وظهور الخلافات بين رؤساء مؤتمر فرساي
لقد كانت المسألة اللبنانية في مؤتمر فرساي محل تجاذب السياسة الدوليّة لا سيّما الفرنسيّة والبريطانية بعيدًا من السياسة المحليّة، وكان يهمُّ بريطانيا جدًا تقليص النّفوذ الفرنسي في البلاد الشّاميّة حتى تنفرد بها لوحدها ومن أجل ذلك تباينت الآراء، وظهرت الخلافات بين رؤساء مؤتمر فرساي حول العديد من المشكلات المطروحة لا سيّما المسألة اللبنانيّة التي اظهرت أيضًا انقسام اللبنانيين(السوريين) ساحلًا وجبلًا ما بين مؤيد للوحدة السّوريّة، وما بين رافض لها ولذلك صرّح كليمنصو أنّه لا بدّ من إيجاد تفاهم بين الدول الكبرى حول المشكلات المطروحة على المؤتمر غير أنّ الرئيس ويلسون انتقده لأنّ فرنسا تحافظ على سياستها التّقليديّة الهادفة الى استمرار التوسع، والاستعمار ثم تحدّث عن ضرورة حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها، وهذا بالإضافه الى أنّ اجتماع آذار(مارس) 1919 بين كليمنصو ولويد جورج أظهر التباين بين مصالح بلديهما حول مستقبل لبنان وسوريا . ( حلاق، 2010، ص66).
- لقاء الأمير فيصل ورئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو
كان الأمير فيصل بن الشريف حسين، يلاحق القضية السّوريّة بشكل عام وذلك حوالى خمسة شهور الى أن وُفِّق في عقد لقاء مع كليمنصو في 16 نيسان (أبريل) 1919. وقد أورد ساطع الحصري (وزير المعارف في ما بعد في عهد الحكومة العربيّة) .
تفاصيل هذا اللقاء في كتابة (يوم ميسلون) ومما جاء فيه أنّ الأمير فيصل رفض إحلال القوات الفرنسيّة مكان القوات البريطانيّة التي ستنسحب من دمشق وحلب وقال لكليمنصو ” لا أستطيع الموافقة على هذه الفكرة فسوريا لا تحتاج الى عساكر أجنبيّة، وإذا احتاجت الى جنود أجنبيّة في ما بعد فإنّها لا تتأخر أن تطلب منكم يد المعونة” فرد كليمنصو بالقول ” لا أودّ احتلال البلاد غير أنّ الأمة الفرنسيّة لا يرضيها أن لا يكون في سوريا أثر يدل على وجود فرنسا فيها، فإذا لم تمثل فرنسا في سوريا بعلمها وعساكرها فإنّ الأمة تعد ذلك عارًا، كفرار الجندي من ساحة القتال” . ويذكر خالد العظم ( رئيس وزراء سوريا في ما بعد) إنّ لقاء فيصل- كليمنصو أدّى الى اتفاق بينهما اعترفت فرنسا بمقتضاه بوحدة الأراضي السّوريّة واتحاد جميع السوريين “ليحكموا انفسهم بأنفسهم بصفتهم أمّة مستقلة”، مقابل اعتراف فيصل بحاجة السوريين الى مساعدة فرنسا، ومشاورتها لتنظيم الإدارات الملكية والسّوريّة جميعها، وأن تمثل فرنسا البلاد السّوريّة في الخارج بالإضافة الى ذلك فإن الأمير فيصل يعترف “باستقلال لبنان تحت الوصاية الفرنسيّة وبالحدود التي سيعلنها له مؤتمر السلم”. (خالد العظم ،1973، مذكرات خالد العظم، بيروت ، ج1 ، ص101-103) .
ويشير المؤرخ محمد جميل بيهم إلى أن وفد مجلس إدارة جبل لبنان، كان يلقى حفاوة كبرى في باريس لأنّ مطالبه تتوافق مع رغبات فرنسا، ولكن ما أن اتُفِق بين فيصل وكليمنصو حتى بادر المسؤولون الفرنسيون الى إقناع أعضاء الوفد بوجوب الانضمام الى دمشق، والقبول بالأمر الواقع “فشعروا بخيبة الأمل”، وعادوا يحملون النّقمة على هؤلاء المسؤولين في عاصمة الأم الحنون”. (محمد جميل بيهم،1968، سورية ولبنان 1918-1922، ص88، بيروت) ؛ (محمد جميل بيهم،1969، لبنان بين مشرق ومغرب، بيروت)؛( يوسف، د-ت، ص878) .
– موقف المسلمين والمسيحيين في بيروت من سياسة الأمير فيصل
لقد كان موقف المسلمين والمسيحيين في بيروت من سياسية الأمير فيصل، واتفاقه مع كليمنصو متميزًا بعض الشيء عن موقف الدّمشقيين، فعند وصوله الى بيروت في 30 نيسان (ابريل)1919 اجتمع به وجهاء وقادة البلاد([4]).
وقد أظهر البعض منهم حماسًا وتأييدًا وعاطفة فالبعض قال: يا سمو الأمير إنّنا جميعًا نفديك، ونضحي في سبيلك وقال البعض الآخر من الأفضل أن نترك لك تقرير ما تراه مناسبًا لأنّك أعلم الجميع بما يجري في الجهر والخفاء، فأفعل ما يوحيه اليك ضميرك لمصلحة البلاد([5]).
- تراجع الملك فيصل عن اتفاقه مع كليمنصو
إنّ تراجع الملك فيصل عن اتفاقه مع كليمنصو، وقيادته للحملة السياسيّة المعارضة للوجود الفرنسي جعلته يستعيد شعبيته بين الأوساط السّوريّة واللبنانية الوحدوية، وكان قد القى خطابًا في بهو دار الحكومة في دمشق في 15 آيار (مايو) 1919 عرض فيه الحالة الراهنة، ثم بدأت المناقشات بين فيصل والوفود، ولُوحظ أنّ الجميع أيّدوا نشاط فيصل ومواقفه، ومما قاله بطريرك الرّوم الكاثوليك لفيصل “كما تأمرون سموكم فمروا ما تشاؤون”، أمّا بطريرك الروم الأرثوذكس فقال:” بيننا وبين سموكم اتفاق في هذه القاعة على شرائط معدودة لا تبرح من ذاكرتكم الشفافة فنحن عليه راسخون”.(حلاق، 2010، ص72) .
أمّا طلاب الوحدة اللبنانيين لا سيّما المسلمين منهم، فقد أيّدوا مجددًا الأمير فيصل فقال له سعيد باشا سلمان موفد بعلبك:” إنّ عموم أهل قضاء بعلبك تحت أمرك مئات وألوف رهن إشارتك”، وأمّا رضا بك الصلح (موفد بيروت) فقال:” إنّ الأمّة العربية تعتمد سموك”، والأمر الملاحظ بين موقف المسلمين والمسيحيين الوحدويين على السواء من سياسة فيصل يتمثل في ما يلي:
أولًا:- تأييد مطلق لموافقة الهادفة الى الاستقلال والوحدة
ثانيًا:- تمييز التأييد المطلق بالمميزات العاطفيّة أكثر مما هي مميزات عملية.
- دور بعض القوى اللبنانية الساعية لاستقلال لبنان
في الوقت الذي كان فيه الأمير فيصل يسعى مع الحلفاء إلى استقلال البلاد السّوريّة، كانت بعض القوى اللبنانية تسعى بدورها إلى استقلال لبنان، ولكن تحت الحماية الفرنسيّة ولهذا فقد سهلت فرنسا مهمّة سفر البطريرك الماروني إلياس الحويك الى باريس على رأس وفد من الأحبار والكهنة([6]). للمطالبة باستقلال لبنان بحماية فرنسا، وبالفعل فقد أبحر البطريرك الحويك من مرفأ جونية في أواخر صيف 1919 على متن مدرعة حربيّة فرنسيّة في 25 تشرين الأول (اكتوبر) 1919 قدّم البطريرك مذكرة الى مؤتمر الصلح تحدث فيها باسم مجلس إدارة جبل لبنان مطالبًا الاعتراف باستقلال لبنان تحت الانتداب الفرنسي، كما طالب بإرجاع البقاع الى لبنان ومعاقبة مقترفي الفظائع وأعمال الإعدام والمحرضين عليها مما أتته في لبنان السلطات التركيّة- الألمانيّة وفرض التّعويضات على تركيا مما هو ضروري لإعادة لبنان الى ما كان عليه من العمران والتمس البطريرك” أن يعهد بهذا الانتداب الى حكومة الجمهورية الفرنسيّة التي تنعطف بناء على البند 22 من عهد جمعية الأمم بإيلاء لبنان معونتها وإرشادها) . (نوار، عبد العزيز،1974، وثائق اساسية من تاريخ لبنان الحديث 1517-1920 ، جامعة بيروت العربية-لبنان ،ط1، ص530-531) .
– المؤتمر السوري العام 1919-1920
تبعًا للتطورات المحلية والدوليّة على صعيد المسألة اللبنانيّة فقد بدأ سكان الساحل ( بيروت، طرابلس، صيدا، صور، مرجعيون) والأقضية الأربعة ( حاصيا، راشيا، بعلبك، المعلقة) بعقد اجتماعات عديدة لبحث الأوضاع السياسيّة الناجمة عن اتصالات الأمير فيصل، والبطريرك الماروني في باريس ومن بين تلك الاجتماعات اجتماع بيروت في منتصف حزيران (يونيو) 1919 في منزل عارف النعماني، وقرر المجتمعون انتخاب مندوبين رسميين للمؤتمر السوري العام المزمع عقده في دمشق، وعقد اجتماع آخر في 2 تموز (يوليه) 1919 في منزل سليم طياره مستشار جميل الألشي المعتمد العربي في بيروت- وبالاقتراع السّري العام انتخب عشرة مندوبين من بيروت أعضاء في المؤتمر السوري العام، وأربعة عشر عضوًا من مختلف المناطق والطوائف اللبنانيّة([7]) وكان عدد المندوبين المسيحيين المشتركين في المؤتمر يفوق في نسبة التمثيل عدد السكان المسيحيين في البلاد، وكان للمسيحيين الوحدويين القادمين من الجبل دور بارز لا سيّما وأنّ خطبهم في المؤتمر طالبت بالوحدة العربيّة، والاستقلال الوطني ما أعطى المؤتمر جواً من الأمل . (انطونيوس، جورج، 1966، يقظة العرب- تاريخ حركة العرب القومية، تعريب: ناصر الدين الاسد- احسان عباس -بيروت ، ص405) . وقد أكدت القراءات المؤتمر الصادرة في أوائل تموز (يوليو) 1919 على الاستقلال التام الناجز للبلاد السّوريّة. (أمين سعيد، د-ت، الثورة العربية الكبرى، القاهرة، ج2 ص48) .
- صدور مذكرة احتجاج من المؤتمر السوري موجهه الى مؤتمر فرساي
أصدر المؤتمر في 5 آب (أغسطس) 1919 مذكرة احتجاج موجهه الى مؤتمر فرساي، بسبب سفر البطريرك الماروني الى باريس، وتحدثه باسم اللبنانيين والمطالبة بفصل لبنان عن سوريا ومما جاء في المذكرة أيضًا:” إنّ الطائفة المارونيّة التي يزعم غبطه البطريرك أنّه يتكلم باسمها ليست إلّا الأقليّة في لبنان الكبير المزعوم وأنّ قسمًا كبيرًا منها لا يوافق غبطته في رأيه، كما أنّ سائر الطوائف الممثلة في مؤتمرنا هذا ترفض بتاتًا فصل لبنان عن سوريا لا حياة للبلاد السّوريّة إلّا بوحدتها السياسية فحياتها الاقتصاديّة تستلزم اتصال البلاد الدّاخليّة بمرافيء الساحل وتسهيل تجارة الساحل في الدّاخل”. (صحيفة المقتبس، 1919، ( دمشق) 6 آب ) .
- الأعمال العسكرية الشعبية السّوريّة ضد الجيش الفرنسي وموقف الأمير فيصل منها
كانت الأعمال العسكرية الشعبية السّوريّة ضد الجيش الفرنسي في كانون الثاني (يناير) 1920 تهزّ مضاجع ، والأمير فيصل الذي كان قد وعد الجنرال غورو أنّ أعمالًا معادية لن تقوم ضد الفرنسيين، وقد حاول الأمير فيصل إيقاف القوى المسلحة الذّاهبة لمقاتلة الفرنسيين في وقت طلب فيه من السلطات الفرنسيّة سحب القوات الفرنسيّة سحبًا جزئيًّا من البقاع الذي كان مسرحًا لاصطدامات عنيفة، وقد حاول فيصل أن يدافع عن سياسته المعتدلة إزاء فرنسا فقال أمام حشد من الوجهاء والعلماء:”إنّي أناضل من أجل الاستقلال الذي ترغبون، ولكن الواجب يقضي بعدم التّشدد في العداء لأنّ بينكم وبين هذه الدول روابط لا يمكن أن تتجردوا منها”، وقد حاول فيصل إقناع بعض الزعماء المقربين منه بضرورة الموافقة على اتفاقه مع كليمنصو، لأنّه تبين له رفض المشروع والتّشدد ضد فرنسا سيؤدي الى مواجهه عسكريّة غير متكافئة، وطلب منهم التّذرع بالصبر والواقعيّة والوقت محاولًا إقناعهم في يوم ما، وبطريقة ما ستنفذ فرنسا الوعود التي قدمت لهم وستحترم حقوقهم الشرعية غير أنّ الردّ كان سلبيًّا، وأفهموه أنّه خير للبلاد أن تردّ عدوان فرنسا وبريطانيا معًا، وبالقوّة قدر المستطاع من أن تخضع لشروط الاتفاق. (قاسمية ، خيرية ،1982، الحكومة العربية في دمشق 1918-1920، بيروت، ص159).
– تشكيل الحكومة العربيّة الأولى وبدأ المراسلات بينها وبين الحكومة البريطانيّة
شُكِّلت الحكومة العربية الأولى في 9 آذار (مارس) 1920 برئاسة رضا الرّكابي، بتكليف من الملك فيصل، وقد حرص فيصل على توزير لبناني في الحكومة العربية هو رضا بك الصلح([8]).
وجرت في مركز متصرفيه جبل لبنان تظاهرات منقبل المسيحيين احتجاجًاعلى قرارات المؤتمر السوري العام، وقد أشار الشيخ بشارة الخوري في خطبة ألقاها في المتظاهرين الى أنّ التّغيير في سوريا لن يمس استقلال لبنان. (الخوري،1960، ج1 ص103) .
كما توالت على مقر البطريركيّة المارونية عرائض الاحتجاج من الطائفة المارونيّة، واتخذ مجلس جبل لبنان في 12 أذار (مارس) 1920 قرارًا رفعه الى مؤتمر الصلح بوساطة الجنرال غورو احتج فيه على قرار المؤتمر السوري العام .( مزهر ، د-ت، ص916) .
في خضم هذه الأحداث في دمشق وبيروت، وباريس بدأت المراسلات السياسية بين الحكومة الفيصليّة والحكومة البريطانية وذلك لبحث مستقبل البلاد السّوريّة، وبحث العلاقات المستقبليّة مع بريطانيا ففي 18 آذار (مارس) 1920 أرسل رضا الركابي رسالة الى رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج بوساطة الكولونيل البريطاني مينر في القاهرة أشار فيها الى ثقة الحكومة العربيّة ببريطانيا، وأكّد الفائدة التي تحصل عليها من خلال توطيد العلاقات القائمة بين الحكومتين، والبلدين ثم عرض الرّكابي برنامج حكومته السياسي وثبتها في المحافظة على مصالح أصدقائنا كلهم وخاصة مصالح شعبكم، وأكد أنّه تفاديًّا لأيّ سوء تفاهم في هذا الموضوع ومن أجل تسهيل مهمة مؤتمر السّلام فإنّ الحكومة السّوريّة مستعدة للدخول فورًا بالمحادثة مع حكومتكم على الأسس الآتية :
1- المحافظة على الاستقلال الداخلي والخارجي لسوريا والمحافظة على وحدة أراضيها .
2- المحافظة على مصالح انجلترا .
3- الإفادة من مساعدة انجلترا ضمن الحدود التي يسمح بها استقلالنا([9]).
– سوء الأوضاع الداخلية في لبنان ومقررات سان ريمو بفرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان
إنّ عدم توافق المصالح العربية والمصالح الفرنسيّة- البريطانية ووجود الخلافات بين اللبنانيين أنفسهم حول مصير لبنان كان سببًا في سوء الأوضاع الداخلية في لبنان، وبدأت الأمور تتحول من المسار والمجال السياسي الى المجال العسكري، وكانت القوات الفرنسيّة قد بدأت في ما بعد بمعالجة الأمور مع الحكومة الفيصليّة معالجة عسكرية.( حلاق، 2010، ص91) .
ونظرًا إلى التطورات السياسية المتلاحقة في البلاد السّوريّة لا سيّما بعد قرارات المؤتمر السوري العام في 7 اذار (مارس) 1920 وبناء على رغبة فرنسا، وانجلترا عقد المجلس الأعلى لدول الحلفاء اجتماعًا له في سان ريمو في إيطاليا في 5 أيار (مايو) 1920، وقد اتخذ مقررات عهد الى فرنسا بفرض انتدابها على سوريا ولبنان ووضع العراق وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، وكان تبرير الحلفاء لهذه المقررات هو أنّ هذه البلاد ما تزال غير مؤهلة للاستقلال التام، وأنّه لا بدّ من وضعها تحت الانتداب لكي تتعود على ممارسة الحكم الذاتي.
- الاحتجاج على مقررات سان ريمو
ما إن وصلت أنباء مقررات مؤتمر سان ريمو الى البلاد السّوريّة حتى احتج سكان سوريا، ولبنان وفلسطين والعراق وثار الفيصليون في دمشق، وأيّد الوحدويون في السواحل اللبنانية هذه الثورة، وقامت الفتن الطائفيّة في المناطق اللبنانية بنشجيع من الأجنبي، واستغلت فرنسا هذه الاضطرابات فحاربت الدعوة الوحدوية، وشجعت الدّعوة الفينقيّة وأظهرت العرب كوحش يريد ابتلاع المسيحيين للتخلص منهم وعني عملاء فرنسا بتذكير المسيحيين بحوادث القرن التاسع عشر. (انيس صايغ، 1955، لبنان الطائفي، بيروت ،ص142) .
وعلى الرّغم من انقسام اللبنانيين ما بين رافض لمقررات مؤتمر سان ريمو، وبين مؤيد لها فإنّ مجلس إدارة جبل لبنان اتخذ قرارًا في 10 تموز(يوليو) 1920 أعلن فيه ( استقلال لبنان التام المطلق) ردًا على مقررات (سان ريمو) وردًا على ممارسة الإدارة الفرنسيّة التعسفيّة في لبنان على حد قول الكولونيل( مينر تزغن) .
– المطالبة باستقلال لبنان الكبير
اجتمع مجلس إدارة جبل لبنان سرًّا في منزل نجيب الأصفر في بيروت، ووضع مضبطة الاستقلال التام متجاهلًا قراره الصادر في أول كانون الأول(ديسمبر) 1918 القاضي بتوجيه وفد الى فرنسا للمطالبة باستقلال لبنان تحت الحماية الفرنسيّة، وكان في مقدمة الموقعين على قرار استقلال لبنان لسعد الله الحويك( شقيق البطريرك الماروني الياس الحويك)، وقد تضمن هذا القرار خمسة بنود نصت على ضرورة التّعاون مع سوريا الفيصليّة وعلى أن يكون التعاون معها أقرب الى المشاركة في وضع السياسة العامة لكل من لبنان وسوريا مع تأكيد استقلال لبنان الكبير وحياده وكانت البنود كالآتي:
1- استقلال لبنان التام المطلق
2- حيادة السياسي إذ لا يحارب ولا يُحارب ويكون بمعزل عن كل تدخّل حربي.
3- إعادة المسلوخ منه مسبقًا بموجب اتفاق يتم بينه وبين حكومة سوريا.
4- المسائل الاقتصاديّة ويجري درسها وتقرر بواسطة لجنة مؤلفة من الطرفين، وتتخذ قراراتها بعد موافقة مجلس نواب لبنان وسوريا.
5- يتعاون الفريقان في السعي لدى الدول للتصديق على هذه البنود الأربعة وضمان أحكامها. ( نوار، 1974، ص542) .
وقد وقع على هذه المضبطة كل من سعد الله الحويك، خليل عقل، سليمان كنعان محمود جنبلاط، فؤاد عبد الملك، الياس الشويري، محمد الحاج محسن. أمّا بقية الأعضاء فلم يطلب توقيعهم وهم داود عمون، نقولا غض، يوسف البريدي، حسين الحجار، محمد صبرا الأعور، أمّا نعوم باخوس نائب كسروان فقد سبق أن استقال من منصبه.
– احتجاج الملك فيصل على التحركات الفرنسيّة
في منتصف تمز (يوليو) 1920 أرسل الملك فيصل رسالة الى الجنرال غورو، احتج فيها على التحركات الفرنسيّة وأوضح نقلًا عن الأخبار الواردة من باريس أنّ رئيس الوزراء الفرنسي والحكومة الفرنسيّة قرروا إرسال ثلاثين ألفًا من الجنود لاحتلال منطقتي دمشق وحلب وغيرهما، ومن الممكن إرسال ستين ألفًا لاحتلال كل سوريا وتمنى الملك فيصل أن تكون هذه الأخبار غير صحيحة، غير أنّ الجنرال غورو أرسل في 14 تموز(يوليو) 1920 إنذارًا الى الملك فيصل أوضح فيه أنّه لن يسمح له بالسفر الى مؤتمر الصلح ثانيه ما لم يوافق على الشروط الآتية. ( الحصري، ساطع ، 1948، يوم ميسلون ، بيروت ، ص104) ؛ ( الريحاني، امين ، 1951، ملوك العرب، بيروت ، ج2، ص354) .
1- وضع سكة حديد رياف- حلب تحت تصرف الجيش الفرنسي .
2- قبول الانتداب الفرنسي من دون شروط .
3- الغاء التجنيد الاجباري وتسريح المجندين .
4- قبول الأوراق النّقدية التي أصدرها التّيك السوري( وهي مؤسسة مصرفيّة فرنسيّة).
5- معاقبة المجرمين الذي استرسلوا في معاداة فرنسا .
- إعلان دولة لبنان الكبير 1920
اأرسل (ميلران) رئيس وزراء فرنسا في 24 آب (اغسطس) 1920 رسالة الى المطران عبدالله الخوري ( رئيس الوفد الماروني الى باريس ” وكان لا يزال في باريس )، تضمنت الكثير من المغالطات حول تحقيق “أماني اللبنانيين العريقة في القدم بفضل تقرير انتداب الحكومة الفرنسيّة لسوريا” وأضاف (ميلران) أنّ حكومة فيصل هي التي اضطرته الى إعادة لبنان الكبير ذلك “أنّ بلادكم نظرت الى المطالب التي ذكرتموني بها بخصوص ضم البقاع، قد تحققت بعد أيام قليلة من تلك الإجراءات الشديدة التي الجأتنا أعمال الحكومة الشّريفية الى اتخاذها فإنّ الجنرال غورو، أعلن في مدينة زحلة أنّه قد ضمّ الى لبنان البلاد الواصلة الى قمم جبل الشيخ وحرمون جميعها، ثمّ أشار الى لبنان الكبير الذي يجب أن يضم سهول عكار في شمال لبنان، وأن يمتد جنوبًا الى حدود فلسطين، وأن ترتبط به مدينتا طرابلس وبيروت ارتباطًا تامًا. وأضاف ميلران حول مستقبل العلاقات اللبنانية- السّوريّة بقوله:” سيرينا المستقبل هل التوفيق بين مصالح القطرين (سوريا ولبنان) يكون نافعًا تحت شروط وضمانات يمكن ترتيبها بعد البحث المدقق” . ( الخوري، 1960، ص284-285) .
وكانت رسالة (ميلران) ردًا على مذكرة أرسلها المطران عبدالله الخوري وآرائه الى الحكومة الفرنسيّة، وقد ناقشتها الإدارة الفرنسيّة في مذكرة رسمية صادرة في 13 أب (اغسطس) 1920 وقبل أن يرسل ميلران رسالته الى المطران خوري .
– الخاتمة
بناء لما تقدّم تبين أنّ الجنرال غورو دعا في الأول من أيلول(سبتمبر) 1920 بعض السياسيين، والأعيان وممثلي الطوائف ولا سيّما بطريرك الموارنة الياس الحويك، ومفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا الى احتفال يقام في قصر الصنوبر في بيروت، وقد حرص غورو على حضور المفتي والبطريرك للإشارة بأنّ المسلمين والمسيحيين على السواء موافقون على صيغه لبنان الكبير في ظل السيطرة الفرنسيّة، وموافقون على فصل لبنان عن سوريا وألقى الجنرال غورو خطابًا أعلن فيه ولادة لبنان الكبير، والحقيقة أنّ إعلان دولة لبنان الكبير أثار انقسامات بين اللبنانيين، فسكان الساحل المسلمون رفضوا رفضًا قاطعًا إعلان غورو لا سيّما بعد شعورهم بالخوف من الانتداب الفرنسي وشكوكهم به، أمّا سكان الجبل لا سيّما الموارنة فقد أعلنوا تأييدهم القاطع لدولة لبنان الكبير على الرغم من تخوف البطريرك الماروني من هذه الصيغة الجديدة التي جعلت من المسلمين أكثرية سكانيّة، ما أدّى برأيه الى الإخلال بالتّوازن الطائفي ويرى الرئيس صائب سلام في إعلان غورو أنّ النصارى من سكان جبل لبنان تمسكوا، وأيّدوا هذا الإعلان الذي أَذاعه غورو قسرًا وقهرًا وقد تمسكوا ببقاء الانتداب الفرنسي، وبقاء جيوشه المحتلة للحفاظ على ذلك الكيان والمحافظة على وجودهم فيه حسب توهمهم في ذلك الحين، فيما المسلمون أنكروا صيغه لبنان الكبير وطالبوا بالعودة الى الوحدة السّوريّة- وأضاف الرئيس سلام إنّ الفريق المسلم منذ بداية الانتداب كان مملوءًا بالقهر والظلم وصنوف الأذى. (المقاصد ، 1981، ص164) .
ويذكر المؤرخ محمد جميل بيهم أن إعلان دولة لبنان الكبير كان مؤلمًا للوحدويين، ولم ينحصر ألمهم في ما وقع من التجزئة وإنّما لشعورهم بأنّ وراء ذلك مخططًا يرمي الى إخفاء صبغة مليّة على هذا الكيان الجديد يساعد فرنسا على إقامة مركز استراتيجي دائم لها في الشّرق الأدنى . (جميل بيهم، 1969، ص23) .
المصادر والمراجع
أولًا: المصادر
- امين سعيد(د-ت) الثورة العربية الكبرى، القاهرة، ج2 .
- انطونيوس، جورج (1966) يقظة العرب- تاريخ حركة العرب القومية، تعريب: ناصر الدين الاسد- احسان عباس -بيروت .
- انيس ، صايغ (1955) لبنان الطائفي، بيروت .
- بيهم، محمد جميل (1968) سورية ولبنان 1918-1922، بيروت .
- بيهم، محمد جميل (1969) لبنان بين مشرق ومغرب، بيروت .
- الحصري، ساطع (1948) يوم ميسلون ، بيروت .
- حلاق، حسان (2015) مذكرات سليم علي سلام 1868-1983 ، دار النهضة العربية-بيروت-لبنان، ط2.
- حلاق، حسان (2010) تاريخ لبنان المعاصر 1913-1952 ، دار النهضة العربية-بيروت-لبنان ، ط3 .
- خالد العظم (1973) مذكرات خالد العظم، بيروت ، ج1 .
- الخوري، بشارة (1960) حقائق لبنانية ، درعون-حريصا، ج1.
- الريحاني، امين (1951) ملوك العرب، بيروت ، ج2 .
- زين، زين (1971) الصراع الدولي في الشرق الاوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان ص84، بيروت .
- سليم سلام (1978)، جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين ، بيروت.
- قاسمية، خيرية ( 1982) الحكومة العربية في دمشق 1918-1920 .
- مزهر، يوسف (د-ت) تاريخ لبنان العام ، ص873 .
- نوار، عبد العزيز (1974) وثائق اساسية من تاريخ لبنان الحديث 1517-1920 ، جامعة بيروت العربية-لبنان ، ط1.
ثانيا: الدوريات
- الجمهور (1938) بيروت .
- المقاصد (1981) بيروت .
- المقاصد (1983) بيروت .
- المقتبس (1919) دمشق .
[1] – مدّرس مساعد في المديرية العامة لتربية الأنبار- assistantr pro in General Directorate of Anbar Education Email: Rafea.net78@gmail.com
[2]– مقابلة مع سعادة السفير السابق محمد علي حمادة في 4 حزيران(يونيه) 1982) . ( حلاق ، 2010، ص60) .
[3]– من مذكرة الأمير فيصل الى مؤتمر الصلح في أول كانون الثاني (يناير) 1919 أنظر: ( زين ، 1971، ص302-306 ) .
[4]– حضر اللقاء مع الأمير فيصل كل من مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا، القاضي الشيخ محمد الكستي، الشيخ أحمد عباس الأزهري، الأب يوسف سطفان الشيخ مصطفى الغلاييني، الشيخ أحمد المحمصاني، والسّادة: سليم علي سلام (حودف يوم خروجه من السجن)، أحمد مختار بيهم، الفرد سرسق، عمر الداعوق نجيب نعمه طراد، محمد اللبابيدي، رضا الصلح، محمد فاخوري، داود عمون، بترو طراد، جان فريج، وعبد الحميد الغندور. (حلاق، 2010، ص71) .
[5]– أنظر: مذكرات سليم علي سلام، ص58. غيرة سليم سلام: جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين ص128 بيروت 1978) ؛ (صحيفة الجمهور بيروت)12 تشرين الثاني(نوفمبر) 1938 العدد 100(عدد خاص) .
[6]– تألف الوفد الماروني من البطريرك إالياس الحويك رئيسًا ومن عضوية المطران غناطيوس مبارك، المطران فغالي، المطران شكر الله، الخوري اسطفان الدويهي المطران كيرللس مغبغب عن الروم الكاثوليك، ملحم إبراهيم شماسه، ثم لحقهم بعد ذلك لاوون بك الحويم شقيق البطريرك .
[7]– أعضاء سكان الساحل والأقضية الأربعة وبقية المناطق اللبنانية للمؤتمر السوري العام في دمشق هم: عن بيروت سليم علي سلام، رضا الصلح، محمد جميل بيهم، احمد مختار بيهم( وقع الاختيار على ابنه أمين بيهم بعد وفاة والده) ، د. فريد كساب، محمد اللبابيدي، جرجس حرقوش، محمد الفاخوري، عارف النعماني، جان تويني، عن طرابلس: توفيق البيار، رشيد طليع ، عن صيدا: رياض الصلح، عن صور: عفيف الصلح. عن بعلبك: سعيد حيدر، د. محمد بن علي حيدر، عن اقليم الخروب: ابراهيم خطيب. عن الهرمل: ناصر حمادة. عن المتن: رشيد نفاع. عن الكورة: توفيق مفرج، عن راشيا: مراد غلمية. عن القنيطرة: الأمير محمد الفاعور، ثم التحق بالمؤتمر في دمشق الشيخ محمد رشيد رضا والخوري يوسف اسطفان. انظر ( بيهم، 1968، ص109) .
[8]– تشكلت الحكومة العربية الأولى برئاسة رضا الركابي على النحو الآتي: علاء الدّين الدّروبي رئيس مجلس الشورى، رضا الصلح وزير الداخليّة، سعيد الحسيني وكيل وزير الخارجية على أن يديرها عوني عبد الهادي ريثما يصل الحسيني الى دمشق، اللواء عبد الحميد فلطقجي وكيل وزير الحربية ( على أن يديرها رئيس أركان الحرب يوسف العظمة)، فارس الخوري وكيل وزير المالية، جلال الدين زهدي وكيل وزير الحقانية، ساطع الحصري وزير المعارف. يوسف الحكيم وكيل وزارة التجارة والزراعة والنّافعة أمّا الوزارة الثانية فقد كانت برئاسة هاشم الأتاسي وتشكلت في 3 آيار (مايو) 1920. (حلاق، 2010، ص89) .
[9]– من الكولونيل مينر تزغن الى رئيس الوزراء البريطاني في 18 اذار (مارس) 1920 وهي وثيقة من مركز وثائق وزارة الخارجية البريطانية (R.R.O) وتحمل الرقم الآتي: E2q17, inf-o-371/5034/44 . (حلاق، 2010، ص90) .