foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

“العناصر السّردية وفنيّة توظيفها في رواية “دروب ملونة” للكاتب صالح إبراهيم”

0

“العناصر السّردية وفنيّة توظيفها في رواية “دروب ملونة” للكاتب صالح إبراهيم”

«Les éLéments narratifs et l’art de leur emploi dans le roman Des chemins colorés de saleh Ibrahim»

(جنى قبيسي([1]Jana Koubeissi

تاريخ الإرسال:15-12- 2023                       تاريخ القبول: 25-12-2023

مستخلص

العناصر السّردية وفنيّة توظيفها في رواية دروب ملونة للكاتب صالح  إبراهيم هي دراسة تحليليّة تسعى لتفكيك البنى السّردية التي يتكون من خلالها العمل السّردي، وتتحكم بسير العملية السّردية، إلى جانب أنّها تركز على الجوانب الفنيّة في عمليّة البناء الفني للرّواية على مستوى الشّخصيات والمكان، والزّمان والأسلوب السّردي الخاص بالكاتب، بلحاظ ترابطها العام واستقلال كل عنصر في آنٍ واحد، إذ يسهم تضافرها في خلق بيئة سرديّة جماليّة وإمتاعيّة تحقق غايتها في أذهان القارئ.

وتتبع هذه الدراسة المنهج البنيوي، وهو المنهج الذي يسهم في تناول عناصر العمل السّردي بالعرض والتّحليل كونها  صورة عما يختزن الكاتب في عقله، ومخيلته من قدرة إبداعيّة تميزه من غيره من الكتّاب، يوظفها، ويُدرَس هذا التّوظيف، ودوره في التّعبير عما يحمله الكاتب من أفكار وآراء.

الكلمات المفتاحيّة: بنيوية – رواية – سرد – عناصر – شخصيات – زمان – مكان – أسلوب

Résumé

« Les éLéments narratifs et l’art de leur emploi dans le roman Des chemins colorés de saleh Ibrahim » est une étude analytique qui cherche à décortiquer les structures narratives composant le travail narratif, et commandant le processus narratifs. En plus, elle porte l’attention sur les aspects stylistiques de la construction du roman, sur le plan des personnages, du cadre spatio – temporel et du style narratif propre à l’auteur, en fonction, à la fois, de l’interdépendance de ses éléments et de leur indépendance. La combinaison de ses facteurs contribue à créer une ambiance narrative éloquente et amusante qui atteint son objectif chez le lecteur.

Cette étude suit l’approche structurale qui aborde le travail narratif par la présentation et l’analyse. Elle reflète la créativité emmagasinée dans l’imaginaire de l’auteur et sa singularité par rapport à ses confrères.

Mots – clés : Structuralisme – Roman – Narration – Elément – Personnages – Espace – Temps – Style

المقدمة

ترسم كل رواية في تلاحم عناصرها وتناسق بناها الفنيّة اتجاهها الخاص، وتحدد للقارئ مسار قراءته وتوجهه العقلي والنّفسي والعاطفي، لذلك وإن اشتركت الروايات بعناصر واحدة، فهي تتباين في طرق توظيفها ودورها في تشكيل المعنى، وتختلف في أساليب تفاعل هذه العناصر مع بعضها وتفاعلها مع القارئ، من هنا فإنّ كل عمل  روائي هو تجربة جديدة في مجال التّحليل والنّقد الأدبي، له حيثياته وأبعاده التي يتفرد بها عن غيره من الأعمال، ما يحتمّ التّعامل مع كل رواية تعاملًا فنيًّا انطلاقًا من بنيتها الفنيّة والجماليّة الخاصة بها.

رواية “دروب ملونة – حكاية غجر” (2023) للكاتب صالح إبراهيم، صدرت عن دار البيّان العربي للدراسات والنّشر، لبنان. هي عمل أدبي سعى الكاتب فيها إلى بنائها  في شكل محطات متنوعة  في كل محطة، يُمنح فيها القارئ شخصيّة ثقافيّة تنمو وتتطور بتطور الأحداث وتبدل الأمكنة، تتوسع فيها مساحات التّلقي المعرفي بتلقائيّة وانسيابيّة وسلاسة.

هذه الدّراسة تدرس العناصر السّردية وفنية توظيفها  في العمليّة السّردية، وتبرز أسلوب الكاتب في نسج شخصياته، وخلق فضائها الذي تتحرك فيه وتعبّر عن ذاتها ووجودها باتباع المنهج البنيوي السّردي.

مشكلة الدراسة: يطرح البحث الإشكاليّات الآتية:

  • أين موقع الكاتب في العملية السّردية؟ هل تحكّم هو في نمو الأحداث أم سمح لشخصياته بالتّحرك الحرّ وتطوير الحركة السّردية نحو الأمام؟
  • كيف سار الخطّ الزّمني في الرواية؟ وكيف ساعد في تحديد الإيقاع السّردي الرّوائي؟
  • كيف ساهم المكان في إظهار الإبداع الفنّي لدى الكاتب؟
  • ما هي مميزات ومواطن الأسلوب السّردي الإبداعي في الرّواية موضوع الدّراسة؟

فرضيات الدّراسة: يمكن  صياغة فرضيات البحث على النّحو الآتي:

  • من الممكن أن يكون الكاتب خارج السّرد الروائي، وترك مهمة التّقدم بالسّرد للشّخصيات نفسها حتى يسمح لها بالتّمتع بالمساحة الخاصة من الحريّة.
  • قد يكون الكاتب قد اعتمد الخط الزّمني الاسترجاعي، فصار الإيقاع الزّمني الروائي بطيئًا.
  • من الممكن أن يكون الكاتب من خلال توظيف المكان قد استطاع أن يتلاعب بإيقاع السّرد .
  • ربما يتميز أسلوب الكاتب بالغموض، واعتماد عنصر التّشويق.

المنهج المتبع: يتّبع البحث المنهج البنيوي، وفي حديثه عن مصطلح البنيويّة، يعرّف جابر عصفور البنيويّة فيقول: “مصطلح يدل على الاهتمام بالشّيء من حيث هو ذاته وفي ذاته، فالنّظرة المحايثة هي النّظرة التي تفسر الأشياء في ذاتها، وهي موضوعات تحكمها قوانين تتبع من داخلها، وليس من خارجها. فالتّحليل المحايث أو المنبثق يقتضي الاستبعاد المنهجي لكل وجهات النّظرة المختلفة الخارجة عن القوانين الدّاخليّة التي تحكم قيام اللغة بوظائفها الدّلاليّة، وما يتضح في نظامها من مقابلات وتداعيات وتجانس أو تنافر”. (عصفور، 1998، ص215و216)

من هنا فإنّ البنيويّة منهج ينطلق من ذات الشيء إلى خارجه، ولا يعترف إلَا بالقوانين الدّاخليّة التي تتحكم في تكوينه، بعيدًا من أي عامل خارجي يشترك في تشكله، إذ إن حقيقة الأشياء كما ترى البنيويّة كامن في داخلها وجوهرها بحدّ ذاتها، ولا يمكن أن تساعد الدّراسة الخارجيّة في تحقيق فهم كامل وتصور دقيق.”إنّ التّوجه البنيوي في مجال النّقد الفرنسي كان قد عرف طريقه الجَدِّي الأول على يد الباحث الأنثربولوجي كلود ليفي شتراوس، المتأثر باللساني الشّهير رومان جاكبسون”. (عيلان، 2008، ص13). إلّا أنّنا لا يمكن أن نهمل دور النّاقد “رولان بارت” والذي يُعدّ رائدًا من رواد البنيويّة، ومنهج بارت يقوم على تفكيك النّص، “فالعمل أو الأثر الأدبي محكوم ببنية مكونة من نظام وعلاقات بين عناصر متّسمة بالتّماسك على النّاقد والقارئ الكشف عن نسقها النّاظم والمنجز لآلية التّأويل فيها”. (ص58)

فالتّحليل البنيوي “يتناول هيكل البنيّة، يكشف أسرار اللعبة الفنيّة، لأنّه تحليل يتعامل مع التّقنيات المستخدمة في إقامة النّص. أي يتعامل مع التّقنيات التي تستخدمها الكتابة والتي بها تلعب لتبني الجسد النّاطق والموهم، ومن ثمَّ الحياة فيه، وهو بهذا المعنى، تحليل لا يتعامل مع النّطق نفسه، يل يكتفي بتشريح الجسد الذي ينطق، أي أنّه يتعامل مع ما يقول وليس مع القول نفسه.” (العيد، 2010، ص 20)

“إذا كان الشكل كائنًا لغويًّا، فيه يجد النّموذج أصله وفرادته، فمن البدهي أن يبحث له بارت عن واحد من المناهج يكون الأكثر التصاقًا به، ونفاذًا إلى كينونته، أو يكون، لجهة أنّه منهج مستلًّا، في توجهه وطريقة عمله، من المادة اللغوية نفسها التي يكوّن الشكّل منها، وكانت اللسانيّات، ضمن هذا التّطلع، هي الميدان الذي يستطيع بارت أن يطرح موضوعه فيه (الشكل)، لكي يكون باللغة موصولًا، فيحلل، ويبنى على لغته لغة خطاب آخر، هو عين الخطاب النّقدي. ومن أجل تحقيق ما يروم هدفًا وبلوغ ما يبتغي رؤية، فقد اختار البنيوية منطلقًا إجرائيًّا يعمل من خلاله”. (بارت، 1993، ص12)

من هنا جاء اختيار المنهج البنيوي، إذ إنه يساعد في عمليّة تحليل العناصر السّردية التي يبني منها الكاتب بناه الفنية داخل العمل الروائي، تلك العناصر التي يصار إلى توظيفها لخدمة هدف الكاتب الجمالية وغايته الموضوعاتيّة.

أولًا: تقديم الكاتب للشخصيات: قامت العملية السّردية في رواية “دروب ملونة” على شخصيات غجريّة وضعت نفسها في صدارة الحوادث وأكّدت أنّ الرواية خلقت لتسايرها، إذ حوّلت مجرى الحوادث لصالحها، بعد أن وضع الكاتب هذه الشّخصيات موضع الجذب والاهتمام.

وعلى الرّغم من أنّ الرواية في ظاهرها تدور حول بطلين هما “آدم” و”بافال”، إلّا أنّ “آدم” قُدِّر له أن يظل على مدى السرد محتفظًا بملامح عاطفيّة ونفسيّة ثابتة بسيطة، وواضحة تكاد تختفي أمام ازدحام الرّوايّة واكتظاظها بشخصيات متعددة تومض في السرد قليلًا ثم يخفت وهجها، لكنّها في توهجها تستدرج القارئ إليها ليتعرف إلى مضامينها وطبيعتها الغريبة وواقعها وظروفها، تشارك البطل بطولته من دون نسيان البطل الحقيقي، وهذا ينمّ عن قدرة فنيّة لدى الكاتب في تغيير مفهومنا النّمطي عن معنى البطولة، وحصرها في قالب محدّد، فكلّ شخصيّة عند كاتبها هي بطلة في لحظة ظهورها على المسرح الروائي.”يمثّل مفهوم الشخصية عنصرًا محوريًّا في كل سرد، إذ لا يمكن تصور رواية من دون شخصيات.” (بو عزة، 2010، ص39) وفي تقديم الكاتب للشّخصيات نجد أنّه اعتمد التقديم المباشر، أيّ أنّ تُقدّم الشّخصية ذاتها، وتتكلم عن نفسها، من دون تدخل مباشر من الكاتب، فغاية الكاتب من اختيار شخصياته الغجريّة هي عرض قضاياها وإبرازها أمام القراء بعد معاناتهم التّهميش، وإطلاق مشاعرهم وأفكارهم من سجنها الواقعي إلى فضائها الأدبي، ومن خلال الوصف الذّاتي الذي تقدمه عن ذاتها، فيتعرف القارئ إلى عالم الشّخصيّة الداخلي.

نلحظ في الرواية أسلوب “التفريد” الذي نهجه الكاتب في رسم شخصيّة البطل، إذ “يخصّ الرّوائي شخصيّة البطل بمجموعة من الصفات لا تملكها الشّخصيات الأخرى، أو تملكها بدرجة أقل، فإنّه يجعل شخصيّة البطل متفردة بهذه الصفات.” (ص50) وهنا جاء التّفريد في طبيعة الحياة التي ينتمي إليها البطل، وهو ابن قرية، وضعه الصراع أمام مجموعة من الشّخصيات الغجرية التي شاء الكاتب للبطل أن يغوص في أعماقها، يتماهى معها، لتُزَال الفروقات العرقيّة والفكريّة بينها. “مصدر المعلومات عن الشّخصيّة هو الشّخصيّة نفسها. بمعنى أن الشّخصيّة تعرف نفسها بذاتها باستعمال ضمير المتكلم، فتقدم معرفة مباشرة عن ذاتها من دون وسيط.” (ص44)

أمّا الرّاوي في سياق الرّواية فهو ممثل في السّرد، مشاركٌ في الأحداث، وهو كل شخصية في لحظة نطقها، يتبدّل الرّاوي مع تبدل الشخصيات، وقد شكّلت كل شخصيّة راوٍ يروي الحوادث التي مرت معها، ويصور واقعها وأزماتها بنفسها، ما سمح للرواية أن تتعدد أصواتها، هذه الأصوات التي منحت الحياة لأفكار الشّخصيات، وأعادتها إلى الحياة من خلال “الحوار” بينها، ويعبّر “باختين” في كتاب “شعرية دوستويفسكي” (1986): “إنّ الفكرة الإنسانيّة تصبح فكرة حقيقيّة وذلك فقط عندما تقيم اتصالًا حيًّا مع فكرة أخرى غيرية تتجسد في صوت غيري، أعني في وعي غيري معبر عنه بالكلمة، إنّ الفكرة تولد تعيش في نقطة هذا الاتصال الخاص بالأصوات المجسدة لأشكال الوعي.” (ص124)

لكن اللّافت في الحوار في الرّواية موضوع الدراسة هو سيطرة فكرة واحدة بارزة، وهي مأزق العنصر الغجري الوجودي في العالم. فعلى امتداد الرّواية نلاحظ المساحة الكبرى التي أولاها الكاتب للشّخصيات الغجريّة المضطهدة في العالم، في مقابل المساحة الضيّقة التي يتمتع بها البطل محور السّرد، في سبيل وضع المعاناة الغجرية في واجهة الحوادث، بأسلوب درامي ومأساوي يدفع بالمتلقي إلى التّعاطف اللاشعوري معها في أوضاعها السّوداويّة، مع إشارات تدلّ على موقف الكاتب  من هذه القضية، إذ يتضح ميل الكاتب إلى القضية، وتأييده لها فتمر الأفكار وتدخل في بنية القارئ الذّهنيّة، فغاية الكاتب ليست إقناعيّة بل هي تأثيريّة تتوخى التّعبير عن محتوى الشخصيات الفكري.

ثانيًا: التشكّل الفنّي لفضاء المكان: القارئ لرواية “دروب ملونة” يلحظ أنّ المكان غير ثابت بل هو سريع التبدل، تشكّله مجموعة من المشاهد المتلاحقة، يشدّها إلى بعضها ازدحام الحوادث مع ارتفاع وتيرة التوتر والاضطراب النّفسي الذي يمر به البطل.

يظهر من خلال اعتماد الكاتب على الأماكن التّاريخيّة الواقعيّة مرجعيّة واضحة حددت للكاتب أساسًا يبني عليه فضاء الشّخصيات، وحوادثها بأسلوب واقعي لا يُلغي عنصر الفانتازيا أو البعد الخيالي في الرّواية، فاستطاع الكاتب أن يشرك الواقع بالخيال بسلاسة، وبساطة تحمل القارئ بخفة في رحلة مجهولة المصير، لكنّها في قمة الإمتاع والتّشويق ما يجعل الرّواية هادئة خفيفة وقريبة من ذهن القارئ.

إن الكاتب على الرغم من سرعة الإيقاع الزّمني وتنوع الأمكنة، لجأ إلى الوصف الدّقيق للأمكنة، وأوقف أو أبطأ بذلك التّدفق المكاني، وغزارة السّرد، وشدّ القارئ إلى عالم الرواية الافتراضي ذلك أنّ” الروايات تتفاوت في تحديد دور الوصف بالنسبة إلى تصوير المكان، فإذا كان الوصف في الروايات الواقعيّة يهتمّ بتحديد المجال العام الذي يتحرك فيه الأبطال، فإنّ الوصف في الروايات الجديدة أصبح بالإضافة إلى ذلك يميل إلى الدّقة المتناهيّة في قياس المسافات بحثًا عن هندسة حقيقيّة للمكان.” (لحمداني، 1991، ص81)

أمّا غاية هذه الدّقة في عملية تصوير الأمكنة، ونقل تفاصيلها التّاريخيّة والجغرافيّة والطبيعيّة، فهي إظهار أبعاد الأمكنة التي اختارها الكاتب ودلالتها، فالأمكنة الطاغية في الرّواية هي عواصم لدول أوروبيّة لها امتداد حضاري، وعلى مستوى عالٍ من الرّقي، إلّا أنّ صورتها النّمطيّة قد تزعزت حين قدمتها الشّخصيات وكشفت عن زيف هذه الصورة التي تضمر حقيقتها، فالدّول التي تدعي الإنسانيّة هي نفسها تحارب الوجود الغجري على أراضيها، وتحرم الغجريين من أبسط حقوقهم، و”يربط “فيليب هامون” بين الشّخصيّة الرّوائيّة والمكان الروائي، إذ نرى أنّ البيئة الموصوفة تؤثر على الشّخصيّة، وتحفّزها على القيام بالأحداث وتدفع بها إلى الفعل…” (بحراوي،1990، ص30) ويتّضح هذا الأمر من خلال تأثير الأماكن في سلوك الغجريين، فالحرمان الذي يعيشون فيه هو الذي يقودهم إلى بعض الممارسات المنحرفة، واللجوء إلى حياة السّرقة والعصابات لضمان عيشهم، وهي البديل عن تشتتهم وضياعهم، والوطن الذي يرفضهم خير من “لا وطن”.

انطلقت الرحلة السّردية من حيّز مكاني ضيق (القرية) إلى أمكنة أكثر اتساعًا وأعمق دلالة، (العواصم الأوروبية )، وهذا الصعود المكاني المفاجئ والسّريع أربك البطل، وولدت لديه حالة من اللاستقرار. هذا الاتساع لم يقتصر فقط على الأمكنة، بل امتد ليشمل أيضًا رؤيا البطل وموقفه من القضيّة التي يعايشها وهي رفض العالم للغجريين ومعاناتهم، فبعد أن كان الحب هو دافع البطل في الانطلاق إلى العالم للبحث عن زوجته وحبه القديم، صار الدّافع هو حمله لقضيّة جديدة كان “لبافال” فضل في تعريفه إليها، من دون أن يكون هناك أفق واضح لها، وهذا ما عبرت عنه النّهاية الغامضة للروايّة، المفتوحة على كل الاحتمالات والتّساؤلات.

لم يولِ الكاتب أهمّية كبيرة  للحيّز الضيق (القرية)، في حين أبرز الأماكن الكلاسيكيّة الرّاقيّة بوضوح من خلال الحديث عنها وتصويرها تصويرًا مفصّلًا، وظلت بذلك القرية مجرد ممهدٍ للقصة، حتى أنّ البطل الذي كان يرى قريته مكان استقراره صار يجد نفسه منتميًا إلى أيّ مكان قد يعثر فيه على حبه، وقد لا يستطيع أيّ مكان أن يحقق استقراره قبل أن يلتقي بزوجته الغجريّة،”إن التّلاعب بصورة المكان في الرواية يمكن استغلاله إلى أقصى الحدود، فإسقاط الحالة الفكريّة أو النّفسيّة للأبطال على المحيط الذي يوجدون فيه يجعل للمكان دلالة تفوق دوره المألوف كديكور أو كوسط يؤطّر الأحداث إنّه يتحول في هذه الحالة إلى محاور حقيقي وتقتحم عالم السّرد محررًا نفسه هكذا من أغلال الوصف.” (لحمداني، 1991، ص71).

ثالثًا: تمظهرات الزمن وتوظيفه

تتميز الرواية بترتيب الحوادث ترتيبًا زمنيًّا متسلسلًا إذ لا يسبق حدثٌ حدثًا آخر، بل يتطابق كلّ حدث مع نموّ الأمكنة وتعاقبها، ذلك أنّ الكاتب قد ابتعد من التّعقيد في تركيب الزمن، كي لا يقع القارئ في إرباك أو ضياع، من هنا يتبين لنا أنّ زمن القصّة وزمن السّرد  يتوازيان تقريبًا، في خطّ زمني واحد وثابت، فتُقلّص احتمالات التّوقع والتّنبؤ بالحدث قبل وقوعه، فتقلّ معه محاولات  الاستشراف، أو الاسترجاع مطوّلًا للحوادث الماضية إلّا في مواضع تخدم النّص، أو حين يكون الاسترجاع فقط استدعاء حوار بين البطل ومحبوبته يؤدي دور دليل للبطل في رحلته.

إلّا أنّ هذا التّوازي لم يمنع الكاتب من التّلاعب بالزمن الروائيّ، وذلك من خلال تقنية “الخلاصة” “sommaire” “وتعتمد الخلاصة  في الحكي على سرد أحداث، ووقائع يفترض أنّها جرت في سنوات أو أشهر  أو ساعات، واختزالها في صفحات أو أسطر أو كلمات قليلة من دون التّعرض للتّفاصيل” ( لحمداني، 1991، ص76) ونلاحظ هذا الأمر في كلام الغجريين عن أحوالهم حين ذكروا ببضعة أسطر معاناتهم في عقود طويلة من الزّمن.

أمّا التقنية الثانية البارزة في السرد  هي “الاستراحة” “pause” وهي حين يكسر الكاتب مسار الزّمن ويوقفه عند البدء بالوصف، “غير أن الوصف بوصفه استراحة (pause) وتوقفًا زمنيًّا قد يفقد هذه الصفة عندما يلتجئ الأبطال أنفسهم إلى التأمل في المحيط الذي يوجدون فيه وفي هذه الحالة قد يتحول البطل إلى سارد، على أّن  الراوي المحايد بإمكانه، حتى ولو لم يكن شخصية مشاركة في الأحداث، أن يوقف الأبطال على بعض المشاهد ويخبر عن تأملهم فيها واستقراء تفاصيلها، ففي  هذه الحالة يصعب القول إنّ الوصف يوقف سيرورة الحدث، لأنّ التّوقف هنا ليس من فعل الراوي وحده، ولكنّه من فعل القصّة نفسها وحالات أبطالها”. (ص76- 77) في  الرواية، نلمح وصف المدن الغربيّة يأتي على لسان شخصية غير البطل، وهي الدليل السياحي المرافق للبطل في رحلته، يشرح تاريخ المدن وطبيعتها ومميزاتها، وهذا الوصف جاء لإظهار قيمة هذه المدن ورقيها ليصار لاحقًا إلى فضح عنصريتها تجاه الغجر، ورفضها للآخر فيتكشّف أمام القارئ قبح صورتها، وهدم تحضرها، كي لا ينجرف الإنسان تجاهها ويوهم نفسه أنّها سبيله للتّحضر والازدهار.

التّقنيّة الثالثة هي “المشهد” “scène” وهو المقاطع الحواريّة التي تجري بين الشّخصيات، وهذه الحوارات أضفت على النّص واقعيّة وحيويّة، والحوار في الرواية يتجه اتجاهين: الاتجاه الأول حوار بطابع عاطفي بين “آدم” و”بافال”، يعبّر البطلان عما يعيشانه من حب تجاه بعضهما، حب عميق كان الشّرارة لخلق قصة كاملة عن مشوار صنعه الحب. والاتجاه الثاني هو الاتجاه الواقعي حين  استلمت الشّخصيّات الغجريّة التي صادفها البطل في رحلته الحوار وبدأت تنقل للبطل معاناتها، لكن اللافت للانتباه في هذا الحوار، أنّ الكاتب قد اعتمد تكرار أفكار الغجريين على الرّغم من اختلاف الشخصيات من الممكن أن يكون السبب هو تأكيد هذه المعاناة وترسيخ صورة  الغرب المزيفة، حتى أنّ هذه المعاناة وجدت لها ملامح في البلاد العربية، ليبقى السؤال عند الغجر “أين هو الوطن؟”

رابعًا: أسلوب الكاتب الفني: رواية ” دروب ملونة” صيغت بأسلوب بسيط تعمّد فيها الكاتب أن ينسج عناصرها نسجًا انسيابيًا بإيقاع سريع في الزّمن، وتعاقب حثيث في الأمكنة، مع تعدد في الشّخصيات من دون أن يوقع القارئ في فخ النّسيان أو التّشتت، بل أبقت تفكير القارئ مشدودًا لمتابعة الحوادث من دون أن يتعبَه هذا الإيقاع السّريع لذا فهي رواية مناسبة للقراءة التي تتوخى الاستمتاع مع الإفادة، إذ إنّها تزغر بالمعلومات التاريخيّة والجغرافيّة التي تجعل الرواية هادفة وملتزمة بالبعد التّعليمي لها.

نجح الكاتب في مزج الواقعيّة بالخيال، ففي اللحظة الأشد واقعيّة، يرجعنا الكاتب إلى عنصر الجذب التّخيلي، إذ ضمن المشاهد الخياليّة عناصر من الطبيعة والكون والفضاء، فلم يأتِ عنصر الخيال ثقيلًا على القارئ أو غريبًا كليًّا على عقله ومنطقه، بل تميز بالخفّة والرّقة، منح الرّواية تنوعها وحيويتها كي لا تتحول إلى عمل تعليمي جاف.

لا نجد في هذه الرواية تركيبًا صراعيًا، بل وُظِّفت كل عناصر السّرد بوضوح، وبساطة ومع هذا حافظت الرّواية على بنائها الفني مع عنصر التّشويق فيها، ومع  بعض الغموض، وقد ظهر هذا الغموض على شكل رموز وأحجيات لها دلالات تكشفها الرواية في خضم الوقائع والحوادث، لكنها حفرت في ذهن القارئ سؤالًا واحدًا عند الوصول إلى محطة محددة: هل سيجد الآن البطل زوجته؟ هذا السؤال هو ما ربط القارئ بالرواية لتبدأ عملية التّلقي المعرفي في القارئ بطريقة لا شعورية حققت للكاتب غايته من الرواية.

لكن الكاتب لم يجب عن هذا السؤال في نهاية الرواية، فكانت النّهاية مفتوحة مجهولة المصير، وكأنّ رحلة البطل لا تنتهي، في ظل وجود معاناة إنسانيّة، فرحلة البطل في الرواية هي رحلة إيجاد قيمة للذات الإنسانيّة من خلال المشاركة في قضايا الآخر، لذا “بافال” ستظل تجول العالم وهي تسعى لإيجاد حل لهذه المعاناة، وسيظل “آدم” يجول العالم ناقلًا هذه المعاناة.

الخلاصة: أبرز ما توصل إليه هذا البحث:

يظهر من خلال اختيار الكاتب للأمكنة، وتوظيفها داخل العمل الروائي أمران: الأمر الأول أنّ الكاتب أظهر دقّة وبراعة في تصوير الفضاء المكاني الذي تتحرك فيه الشّخصيات، ما أعطى للرواية بعدًا جماليًا ومعرفيًا، إلى جانب استغلاله للأمكنة المتعاقبة في توليد إيقاع سردي سريع.

على الرّغم من توظيف الزمن من خلال مجموعة من التّقنيات الزّمنيّة المتنوعة، إلّا أنّ الكاتب أجاد الحفاظ على بساطة التّركيب الزّمني وخفته، فأبعد بذلك الإرباك والتّشتت من ذهن القارئ.

أعطى الكاتب مساحة واسعة لشخصياته للتحرك على المسرح الروائي، من دون أن يتدخل في سير تحركاتها ومجرى حوادثها، ووزع أدوار البطولة على الشّخصيات جميعها، من دون أن ينحاز إلى البطل المحوري، وعلى الرّغم من قصر حجم الرواية، إلّا أنّ بناءها سمح لها بالتّعددية في الأدوار من دون أن يثقلها على نحو سلبي.

تميز أسلوب الكاتب بالسلاسة والرّقة والبساطة، اتحدت فيها الأبعاد الواقعيّة مع الأبعاد الخياليّة، لتتوخى أهدافًا معرفية يُمد بها المتلقي، لذا لم يحتج الكاتب إلى صراعٍ عميقٍ يحرف الرواية عما خلقت لأجله، ذلك أن الأدب الملتزم بالإفادة يركز على المعلومة الثقافية وإيصالها بعيدًا من الأسلوب التّركيبي للصراعات.

المصادر والمراجع

  • إبراهيم، صالح (2023). دروب ملونة – حكاية غجر (ط1).لبنان: دار البيان العربي للدراسات والنشر.
  • عصفور، جابر (1998). نظريات معاصرة (لا ط).القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
  • عيلان، عمر (2008). في مناهج تحليل الخطاب السّردي (لا ط). دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب.
  • العيد، يمنى (2010). تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي (ط3). لبنان: دار الفارابي.
  • بو عزة، محمد (2010). تحليل النص السّردي (ط1). بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون.
  • لحمداني، حميد (1991). بنية النص السّردي (ط1). بيروت: المركز الثقافي العربي.
  • الماضي، شكري (1993). فنون النثر العربي الحديث (ط1). فلسطين: منشورات جامعة القدس المفتوحة.
  • بحراوي، حسن (1990). بنية الشكل الروائي (ط1). بيروت: المركز الثقافي العربي.

الكتب المترجمة

  • باختين، ميخائيل (1987). شعرية دوستويفسكي (ط1). تر: جميل التركيتي. الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.
  • بارت، رولان (1993). مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص (ط1). تر: منذر عياش. بيروت: مركز الإنماء الحضاري.

 

chercheuse en littérature arabe-

Emai:janakobissie@gmail.com باحثة في الأدب العربي -[1]

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website