foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

الأحزاب اليساريّة في عصر الرّقميّة

0

الأحزاب اليساريّة في عصر الرّقميّة

Leftist parties in the digital age

 جمال حمزة الطفيلي([1])Jamal Hamza Toufaily

تاريخ الإرسال:27-11-2023                       تاريخ القبول:12-12-2023

المستخلص

تتسم أهمية دراسة الأحزاب اليساريّة في عصر الرّقميّة لفهم التشكيلات السياسية وتأثيرها على المجتمع والاقتصاد. تساهم هذه الدراسة في فهم أفكارها السياسيّة وبرامجها الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وتأثيرها على سياسات الحكومة واتجاهات التنمية، أضف إلى فهم تأثير التكنولوجيا على السياسة والمشاركة المدنية، وتساعد هذه الدراسة في تحليل تكييف اليسار مع التّحولات الرّقميّة لتحقيق أهدافها، وقد تواجه تلك الأحزاب تحديات جديدة في مجالات التواصل، والتأثير الرّقمي والتي يمكن أن تؤثر التقنيات الحديثة على تشكيل رؤيتها وجذب أنصارها.

فمن خلال دراسات أُعدت، تبيّن أنّ الأحزاب سعت لتحسين وظائفها الدّاخليّة باستخدام الأدوات الرّقميّة للتواصل داخل الحزب، ولتضخيم رسائل الحزب عبر منصات مختلفة وإجراء توعية أكثر كفاءة للنّاخبين واستخدام التّفاعل عبر الإنترنت لتشجيع المشاركة.

في المقابل، توصلت هذه الدراسة إلى أنّ الأحزاب اليساريّة تحتاج إلى إعداد خطط، ووضع استراتيجيات لمواكبة التّحولات والتّغيرات على الصعد كافة ،لاسيما الفكري منها من أجل اختراق النّسيج المجتمعي العربي وإقناعه لتوجهاتها وإحداث تعديلات بما يتماشى مع فكر الأجيال الصاعدة، والعمل على إعادة بناء الحركات النقابية العمالية لتفتح آفاقًا جديدة في المستقبل.

الكلمات المفاتيح :

اليسار: يشير المصطلح في السّياق السياسي إلى التّوجه السياسي الذي يسعى إلى التّغيير الاجتماعي والاقتصادي ويدعم العدالة الاجتماعيّة، والمساواة كما يسعى لتحسين ظروف الطبقات الاقتصاديّة الضعيفة.

اليمين: مصطلح سياسي يشير إلى التّوجه أو الفلسفة السياسيّة التي تميل إلى الحفاظ على التقاليد، والقيم التقليدية وغالبًا ما يكون مرتبطًا بالتّيارات السياسية المحافظة.

الأيديولوجيا: هي تعني مجموعة من الأفكار والقيم التي تبين رؤية من يتبناها لواقع الأمور السياسيّة،كما يمكن أن تكون أساسًا للنظم السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة.

Abstract

The significance of studying leftist parties in the digital age lies in understanding political formations and their impact on society and the economy. This study contributes to comprehending their political ideas, economic and social programs, and their impact on government policies and development directions. It facilitates also comprehending the impact of technology on politics and civic participation. Moreover, it aids in analyzing how the left party adapts to digital transformations to achieve its objectives. These parties might face new challenges in communication and digital influence, where modern technologies could influence shaping their vision and attract their supporters.

Through conducted studies, it became apparent that parties aimed to improve their internal functions by using digital tools for intra-party communication, amplifying party’s messages across different platforms, conducting more efficient awareness to voters, and using online interaction to encourage participation.

Conversely, this study concludes that leftist parties need to prepare plans and develop strategies to keep pace with transformations and changes at all levels, especially intellectually; in order to penetrate the Arab community fabric, persuade it towards their orientations, make amendments aligned with the upcoming generations thought, and work on rebuilding labor union movements to open up new horizons for the future.

Key words:

 Left: The term in the political context refers to the political orientation that seeks social and economic change, supports social justice and equality, and aims to improve the conditions of the economically disadvantaged classes.

Right: A political term that refers to the orientation or political philosophy that tends to preserve traditions and traditional values, and is often associated with conservative political currents.

  Ideology: It means a set of ideas and values that reflect the vision of those who     adopt it for the reality of political, economic, and cultural affairs. It can also be the basis for political, economic, and cultural systems

الإطار النّظري

التّمهيد: لا تخلو أي دولة من دول العالم من وجود تنظيم، أو عدة تنظيمات سياسية يطلق عليها اسم حزب وحتى لو لم يطلق عليها هذا الاسم، لكنها بالضرورة لها تنظيمات سياسية تكون حزبًا سياسيًّا فعلى سبيل المثال “مصر” في عهد الرئيس عبد النّاصر لم يكن فيها أحزاب لكن كان فيها تنظيم سياسي يمثل حزبًا وحيدًا في الدّولة وهو الاتحاد الإشتراكي، لذا ارتبطت فكرة الحزب السياسي في المفهوم الحديث عمليًا بالتّجديد السياسي، والتّطوير المجتمعي الى درجة أن موريس دوفرجيّه رأى أنّ الحزب السياسي هو التّجديد الكبير في القرن العشرين، فالأحزاب السياسيّة لها دور كبير في إعادة تشكيل المجتمع السياسي وإعادة تكوين السلطة، وتحقيق التنمية خصوصًا في بعدها السياسي وتطوير الممارسة السياسيّة.

المقدمة: إن تعريف الأحزاب السياسيّة لا بدّ من أن يبدأ كباقي الظواهر السياسيّة بالتأصيل النّظري، كمحدد لسماته الأوليّة والتي تتحدد في ثلاث سمات:

  • إن الحزب هو جزء من كل، إذ إن كلمة حزب بحكم اللفظ نفسه ترتبط بمفهوم الجزء ” Part “. ولكن على الرغم من أنّ الحزب يمثل فقط جزءًا من كل إلّا أن هذا الجزء يجب أن يسلك منهجًا غير جزئي، ويتصرف كجزء ذي ارتباط بالكل.
  • إن الأحزاب ليست هي الكتل أو الأجنحة، بمعنى أنّه ما لم يكن الحزب مختلفًا عن الكتلة، أو الجناح فهو ليس حزبًا، فالأحزاب إنّما تطورت عن الكتل أو الأجنحة التي ارتبطت بالانتخابات والممارسات البرلمانيّة ولكنها أضحت شيئًا مختلفًا عنها، إذ إن الأحزاب هي قنوات للتّعبير، بمعنى أنّ الأحزاب هي أدوات أو هيئات تقوم بالتّعبير عن مطالب اجتماعيّة محددة.
  • إنّ التعاريف جميعها التي تناولت الأحزاب السياسية تمحورت حول إظهار الإيديولوجية الحزبية من جهة، والقوة التنظيميّة من جهة أخرى، من هنا كانت الصعوبة في إعطاء تعريف موحد جامع.

فالحزب السياسي يعرفه الأستاذ “جيوفاني سارتوري” “Giovani Sartori” أنّه جماعة سياسية تتقدم للانتخابات، وتكون قادرة على أن تقدم من خلال تلك الانتخابات مرشحين للمناصب العامة”

أمّا الأستاذ المتخصص “موريس دوفرجيه” ” Maurice Duverge” فيعرّف الحزب أو أحزاب الجماهير الشّعبية أنّها “تكتل المواطنين المتحدين حول ذات النظام”

في حين يرى الأستاذ “بول مارابوتو” “Paul Marabuto” أن الأحزاب هي جمعيات هدفها العمل السياسي ويقترب من هذا التّعريف التّصور الذي يبدو أكثر دقّة وشمولًا الذي قدمه الأستاذ ” قوقال” “Gogvel” أن الحزب هو تجمع منتظم هدفه المشاركة في الحياة السياسية بقصد الإستيلاء كليًّا أو جزئيًّا على السلطة حتى يتمكن من تحقيق أفكار أعضائه ومصالحهم.

أمّا الأستاذ “جوزيف لابالومبارا” “Joseph Lapalombara” ، والأستاذ “ميرون وينر” ”  Weiner Myron ” فقد حددا عناصر مفهوم الحزب في أربع نقاط أساسيّة:

١ـ استمرارية التنظيم سواء في البرنامج الزّمني المتوقع له، أو في استمرار قيادته.

٢ـ امتداد التنظيم إلى المستوى المحلي، مع وجود اتصالات منتظمة داخلية وبين الوحدات القومية والمحليّة.

٣ـ توافر الرّغبة لدى القادة على كل المستويين المحليّ، والقومي للقيام بعملية صنع القرار، وليس مجرد التذكير على مستوى السلطة.

٤ـ اهتمام التنظيم بتجميع الأنصار للحصول على التأييد الشّعبي.

فالحزب السياسي جهاز معقد جدًا يدخل عليه العناصر البشرية التي تكون آمنت بفكرة ما، ويكون هذا الجهاز أرسل إشارات تتلائم مع متطلبات المجتمعات فيتلقفها المجتمع فيراها تنسجم مع أفكاره إذ يتضح لنا ( حزب- يبث أفكار- تتناسب مع طموحاتنا وأفكارنا- الانتساب لهذا الجهاز).

هناك أكثر من تعريف للحزب السياسي بحسب الدّراسات الأكاديميّة في العلوم السياسيّة؛ ومنها: أنّ الحزب السياسي هو تنظيم قانوني يسعى للوصول إلى رأس السلطة الحاكمة في الأنظمة الدّيمقراطيّة، وممارسة الحكم وفق البرنامج الحزبي السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومنها: أنّ الحزب السياسي يعدُّ تنظيمًا ديمقراطيًا يمارس العمليّة الدّيمقراطيّة داخل الحزب بانتخاب أعضائه، لتولي المناصب القيادية في الحزب ووضع الرؤية والأهداف الاستراتيجيّة، ويربط الحزب السياسي بصفة عامة بين مجموعة المواطنين الذين يتبنون رؤية سياسية واحدة وهي رؤية الحزب وبين نظام الحكم وأدوات الدولة المختلفة، لذلك تمارس الأحزاب السياسيّة نشاطًا سياسيًّا واقتصاديًا واجتماعيًّا متنوعًا ومتعدد الأوجه، وعلى الرّغم من أنّ مجمل نشاط الأحزاب السياسيّة يتمحور حول السعي إلى الوصول إلى السلطة السياسيّة من أجل تحقيق برامجه، وغاياته إلّا أنّه لا يمكن عزل هذا الهدف عن الأهميّة والفوائد التي تتحقق من خلال الدّور الذي تقوم به الأحزاب السياسية ويتمثل دور الأحزاب السياسية في الأمور الآتية:

  • التّجنيد السياسي والمشاركة في الحياة السياسة (المشاركة بعملية صنع القرار)
  • التّنشئة السياسية ورفع مستوى الوعي السياسي( التثقيف السياسي لأعضائها)
  • تعزيز الشعور الوطني والقومي والمساهمة في عملية التحرر الوطني ( تؤدي الأحزاب السياسيّة في المجتمعات الخاضعة لاستعمار خارجي دورًا في قيادة نضال المجتمع من أجل التّحرر والاستقلال)

يمكن القول، إن الأحزاب هي أجسام أو هيئات حديثة نسبيًّا يعود ظهورها في المجتمع البشري إلى القرن التاسع عشر، وبوجه عام يبدو نمو الأحزاب مرتبطًا بنمو الديمقراطيّة أيّ باتساع الاقتراع الشّعبي وبالامتيازات البرلمانيّة، ذلك أنّ من شأن الدّيمقراطيّة وجود تنظيمات تعمل على خلق إرادة عامة والأحزاب السياسيّة تستجيب لهذا الغرض، وهي التي تتولى بشكل أساسي مهمة هذه التنظيمات، كما أنّ التنظيم الذي يقوم به الحزب السياسي يقدم فائدة كبيرة للجماعة الضعيفة، فهو يوحدها ويمنحها القوّة بدل الضعف ويسمح لها بالمشاركة الفعلية والمستمرة بالسلطة السياسية.

تتسم أهمية دراسة بحث الأحزاب اليساريّة في فهم الدّيمقراطيّة وتطوير المجتمعات، وتسهم هذه الدّراسة في فحص السياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي قد تعزز التّوازن والعدالة الاجتماعيّة، وتساهم في بناء نظريّة سياسيّة تعتمد على التّوسع الاجتماعي وتحقيق المساواة، وتساعد في استيعاب كيفيّة تأثير هذه الأحزاب على صياغة السياسات الحكوميّة والتّفاعل مع القضايا العالميّة.

توظف هذ الدّراسة أساليب عدة من أساليب البحث العلمي وفي مقدمتها المنهج التّاريخي لفهم تكوينها، وتطورها على مر العصور إذ يتضمن ذلك استعراض السياق الاجتماعي، والاقتصادي الذي أدى إلى نشوء هذه الأحزاب وتحديد التحولات في أهدافها، وتكتيكاتها إضافة الى العوامل الثقافيّة والسياسيّة التي أثرت في تشكيل الأيديولوجيا اليساريّة وتأثيراتها على السياسات والمجتمع.

وتتكىء هذه  الدّراسة على المنهج التحليلي وذلك من خلال تحليل وظائفها بشكل نقدي إذ يركز على تحليل المفاهيم، والعلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تشكل أساس الأفكار، والأهداف اليساريّة ويركز هذا المنهج على تفكيك العناصر المختلفة للأحزاب، مثل أهدافها، والطبقات الاجتماعيّة التي تمثلها، وتفاعلها مع القضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

أمّا مشكلة البحث تظهر جليًا من خلال المشاكل التي تواجهها الأحزاب في المرحلة الحاضرة إذ تكمن في عدم قدرتها على تحديد قواعدها، وذلك من خلال استقطاب جيل جديد من الشّباب الحزبيّ.

انطلاقًا ممّا تقدم تحاول هذه الورقة البحثيّة تناول الأحزاب اليساريّة، وعليه تكمن إشكاليّة البحث من خلال طرح السؤال الآتي: هل تستطيع الأحزاب اليساريّة أن تتكيف مع التّحديات المعاصرة ؟

وعليه سوف نحاول الإجابة على الإشكاليّة من خلال التصميم الآتي:

نتناول في (المطلب الأول) نشأة الحزب اليساري

  • المبحث الأول: أيديولوجية الحزب اليساري
  • المبحث الثاني: الأسس الفكرية والسياسية لحزب اليسار

أمّا في (لمطلب الثاني) سنتناول  تأثيرات الحرب على الأحزاب

  • المبحث الأول: أسس الوصول إلى أحزاب سياسية مستدامة
  • المبحث الثاني: دور الأحزاب في التحديث والتنمية السياسية

المطلب الأول: نشأة الحزب اليساري

يشير مفهوم الحزب اليساري إلى ذلك الطيف السياسي الذي يتبنى بشكل عام فكرة المساواة، والسيادة الشّعبيّة للمؤسسات السياسية والاقتصادية، ويتميز الأشخاص الذين ينتمون إلى هذا الحزب بأفكارهم المباشرة والمرتبطة بشكل كبير بالاشتراكيّة، خاصة من الناحية السياسيّة، وفقًا للتعريف اللغوي القاموسي للحزب اليساري، ويشدد على دور الدّولة في تقديم الخدمات العامة والتنظيم لضمان حماية حقوق الفرد والفقراء. يشمل اليسار أيضًا الالتزام بالحقوق المدنيّة والتقدم الاجتماعي، مع التركيز على التّعليم والصّحة العامة وحقوق العمال ويسعى اليساريون إلى تحقيق توزيع أفضل للثروة والفرص، ويدعمون عادة دور الحكومة في توجيه السياسات لتحقيق هذه الأهداف، لذا تتنوع الآراء والتّوجهات داخل الحزب اليساري حسب الثقافة والسياق السياسي للبلد.

يعود مصطلح الجناح اليساري أو الحزب اليساري إلى ترتيب جلوس النواب في المجلس الوطني الفرنسي في التسعينيات من القرن الثامن عشر، وقد كان يجلس النواب الذين يمثّلون عامة الشّعب من الطبقة الثالثة أو العادية، ويطالبون بدستور فرنسي ومجلس تشريعي موحد على يسار الرئيس، الذي كان يجلس على قسم عالٍ يُسمّى الجبل، وعليه سُمِّيوا بالجناح اليساري، فيجلس على الجهة اليمنى نواب الطبقة الثانية، أو النبلاء الذين دعموا المصالح الملكية والأرستقراطية والكهنوتية، وكان يطلق عليهم اسم الجناح اليميني، وخلال الثورة الفرنسية اكتسبت هذه التسمية معانٍ جديدة.

لا شك أن نشأة الحزب اليساري معقد ومتنوع حسب  السياق التاريخي والبلد، يمكن تتبع جذور الحركات اليساريّة إلى الثورات الاجتماعيّة والاقتصاديّة في أوروبا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. تطورت الأيديولوجيات الاشتراكيّة والشيوعيّة كتيارات رئيسة في هذا السّياق.

ففي أوائل القرن التاسع عشر، نشأت فكرة المساواة الاجتماعيّة والاهتمام بحقوق العمال، وظهرت  الحركات العماليّة والنقابات كجزء من هذا التّحول. في النهاية، أسهمت الأحداث التّاريخيّة مثل ثورة أكتوبر في روسيا وتأثير الحركة الشيوعيّة في تشكيل اليسار السياسيّة.

 

من ثم، تأثرت الحركات اليساريّة بالأحداث العالميّة مثل الحروب العالمية والتّغيرات الاقتصاديّة. في معظم البلدان، نشأت أحزاب يسارية رسمية وشعبيّة تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وظروف العمل الصّعبة، إذ سعت إلى حقوق العمال وتحسين ظروفهم، فتنوعت تجارب الحزب اليساري في مختلف البلدان، مع تأثرها بالتحّولات الثقافيّة والاقتصاديّة.

على سبيل المثال، ظهرت الحركة الاشتراكيّة في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، وتأسست العديد من الأحزاب اليساريّة في أمريكا اللاتينية وآسيا في ما بعد. ويمكن تتبع نشأة الحزب اليساري من خلال فهم التاريخ السياسي والاجتماعي لكل منطقة.

المبحث الأول: أيديولوجية الحزب اليساري

تفتقر الأيديولوجيات بصورة لا تتغير الى الشكل الواضح، والاتساق الداخلي للفلسفات السياسية : فهي متماسكة بدرجة تزيد أو تنقص، وينبع افتقارها للشّكل في جزء منه الى حقيقة ان الأيديولوجيات ليست أنساقًا فكريّة مغلقة على طريقة النُساك، بل هي نمطيًّا مجموعة سائلة من الأفكار التي تتداخل مع الأيديولوجيات الأخرى وتظلل بعضها البعض.

ولا يدفع هذا فقط التّطور الأيديولوجي ، بل إنّه يقود أيضًا الى ظهور أشكال أيديولوجيّة هجينة، مثل الفكر المحافظ الليبرالي والنّسويّة الاشتراكيّة والقوميّة المحافظة بل أكثر من ذلك ، تتضمن كل أيديولوجيا عددًا من التقاليد ووجهات النّظر المتنوعة وحتى المتنافسة، فمن غير الشّائع أن تكون السّجالات بين أنصار الأيديولوجيا نفسها أكثر انفعالًا ومرارة من النّقاش بين انصار الأيديولوجيات المتنافسة، لأنّ الأمر يتعلق بالطبيعة الحقيقيّة للأيديولوجيا محل السؤال – فما الاشتراكيّة “الحقّة” والليبراليّة “الحقّة” والفوضوية “الحقّة” ؟ وتصبح تلك الصّراعات داخل التقاليد الأيديولوجيّة وبينها اكثر اختلاطًا واضطرابًا لحقيقة أنّه تُخاضُ باستخدام نفس المفردات السياسية، فيضفى كلّ جانب على مصطلحات مثل “الحرية” و”الديمقراطية” و “العدالة” و”المساواة” المعاني الخاصة به.

تجسد الأيديولوجيات ادعاء بكشف الحقيقة ، وبهذا المعنى يمكن النّظر اليها “كأنظمة للحقيقة “(Regimes of Truth)

ومن خلال تزويدنا بلغة للخطاب السياسي، وبمجموعة من الافتراضات والمقدمات عن كيفيّة عمل المجتمع بالفعل وما ينبغي أن يكون عليه ذلك، تقوم الأيديولوجيا بإرساء بنية لما نفكر فيه وللطريقة التي نتصرف بها.  و”كنظام للحقيقة” ترتبط الأيديولوجيات دائمًا  بالسّلطة، وتسعى الأيديولوجيات في عالم من الحقائق، والقيم والنّظريات الى ترتيب القيم فوق بعضها البعض وفقًا لسلّم أولويات معين والى إضفاء الشّرعيّة على نظريات معينة أو مجموعات معينة من المعاني . وأكثر من ذلك  تساعد الأيديولوجيات، لكونها تقدم خارطة فكرية للعالم الاجتماعي على إقامة العلاقة بين الأفراد والجماعات من جانب ، والأبنية الأوسع للسّلطة من جانب آخر . وتؤدي الأيديولوجيات دورًا حاسمًا إمّا في دعم بنية السلطة القائمة ( من خلال تصويرها أنّها عادلة أو طبيعيّة أو ملائمة أو ما الى ذلك) أو إضعافها أو تحدّيها من خلال إبراز شرورها أو مظالمها  ومن خلال تركيز الانتباه على العوامل الجاذبة في بنى السّلطة البديلة.

الأيديولوجيّة اليساريّة تتنوع، ولكن في العامة، تسعى إلى تحقيق المساواة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وتدعم دور الدّولة في توجيه السياسات لضمان توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة وتقليل الفوارق الاجتماعيّة، تشمل قضايا الرعاية الاجتماعيّة، والصّحة العامّة، وحقوق العمال، والبيئة، وتؤمن بدور الحكومة في تقديم الدعم الاجتماعي وتوفير الفرص لجميع فئات المجتمع، وتعزز العدالة الاجتماعيّة، وتروج لحقوق الفرد وحرياته، أليسار غالبًا ما يدعم التّدخل الحكومي في الاقتصاد لضمان توزيع الثروة بشكل أكثر تكافؤ.

يمكن تلخيص بعض القيم الرئيسة التي قد تتضمنها الأيديولوجية اليساريّة وهي:

  • العدالة الاقتصادية: التركيز على تحقيق توزيع أكثر عدالة للثروة والفرص في المجتمع.
  • المساواة: السعي لتحقيق المساواة بين الطبقات الاجتماعية والجنسين، وتجاوز التفاوتات في الفرص.
  • الرّعاية الاجتماعيّة: تعزيز دور الدولة في توفير الخدمات الاجتماعيّة، مثل التّعليم والصحة والإسكان، لضمان حياة كريمة للمواطنين.
  • الحقوق الفرديّة: الدّفاع عن حقوق الأفراد والحريات الأساسية، مثل حرية التّعبير والدّيمقراطيّة.
  • الاهتمام بالبيئة: التركيز على الاستدامة وحماية البيئة وتحقيق توازن بين التّطور الاقتصادي والحفاظ على البيئة.

المبحث الثاني: التخطيط الاستراتيجي للأحزاب السياسيّة

تهدف هذه الأداة إلى إرشاد الجهات التي تقدم المساعدة للأحزاب السياسية، بشأن كيفية معاونة تلك الأحزاب على الإعداد لعمليات التّخطيط الاستراتيجي وتنفيذها. وتقدم الأداة منهجًا وتوجيهات عامة لممارسة التّخطيط الاستراتيجي، بهدف تعزيز القدرات التنظيميّة للأحزاب على نحو ممنهج. وتتناول الأداة استراتيجيات الحملات الانتخابيّة كجانب من العمل التنظيمي للحزب، وليس بوصفها القضية الجوهرية في التخطيط الاستراتيجي التنظيمي بأيّ حال من الأحوال إن بعض الأحزاب السياسيّة في العالم العربي تطمح إلى تولي الحكم، وذلك على الرّغم من أنّها لا تملك القدرة على إدارة نفسها، إذ تواجه تحديات داخليّة وخارجيّة تفرضها البيئة السياسيّة المتقلبة في المنطقة العربية، ما يمنعها من تشكيل استراتيجيّات ناجعة على المستويين المتوسط والبعيد، والارتكاز بدلًا من ذلك على السياسيات الآنية التي تهدف إلى التّجاوب مع التّحديات الراهنة، ويؤثر ذلك بدوره على قدرتها في الاستمرار والمنافسة، ويفقدها ثقة الجماهير كقناة يمكن أن تمثلهم على الصعيد السياسي أو كمؤسسات يمكنها أن تتولى الحكم . ولا يمكن تحقيق الاستدامة والقدرة على المواكبة إلّا من خلال: تعزيز الهياكل الدّاخليّة، والقدرات التّنظيميّة، والتّحلي بالمرونة اللازمة للتعامل مع عمق التّحولات، خاصة وأن العديد من الحركات والأحزاب السياسيّة التي ظهرت في مراحل مختلفة من القرن الماضي لم تتمكن من الاستمرار، وذلك نتيجة فقدانها للرؤية أو لعدم قدرتها على التكيف مع المستجدات التي طرأت في الألفية الثالثة.

وتعاني المشاريع السياسيّة العربية اليوم من بيئة صعبة نتيجة التّقلبات السياسيّة، ومن تعقيدات المشهد عقب سقوط العديد من النظم الجمهورية منذ العام 2011، وما صاحبها من شح في الموارد وتقلبات في التّشريعات الحاكمة للعملية السياسية، وتغير متطلبات الجماهير وتطلعاتهم، باإلضافة إلى ما صاحب أحداث “الرّبيع العربي” من تحول ديمغرافي يتمثل في بروز ظواهر اللجوء والنزوح والهجرة والإحجام الشّعبي عن الممارسة السياسيّة والمطالبة بدالًا من ذلك بإسقاط النّظم الحاكمة من دون التّوافق على البديل ومن شأن تحولات المشهد أن تمنح الحركات السياسيّة حزمة من الفرص المهمة التي يمكن استخدامها للاستفادة من موجة السّخط الجماهيري والمساهمة في القضاء على مظاهر الاستبداد، إلّا أنّ معظم الحركات التّقليديّة فشلت في تحقيق ذلك، نتيجة عجزها عن مراجعة منطلقاتها الفكريّة وإعادة تشكيل قدراتها الهيكليّة والتّنظيميّة.

تنطلق عملية التخطيط من خلال قدرة المشروع السياسي على قياس قدراته في ثالث مهارات أساسيّة هي:

  • القدرة على التكيّف مع البيئة المحيطة.
  • التّقدم ببرامج تعالج المخاطر الناتجة عن التّحولات.
  • القابليّة لفهم التحولات، واستشراف مآلات المرحلة لا بد أن نشير هنا، لعملية التستجابة التي يجري من خلال الاعتماد على عملية التّخطيط الاستراتيجي وعلى المرونة النّظميّة التي تتيح مجال التأقلم والتّطوير، إذ يصنف كاسبار بيرغ أنماط الاستجابة للتحولات في أربعة نماذج هي:
  • النّموذج الاستباقي:استقصاء البيئة المحيطة واستشراف التحولات المقبلة.
  • نموذج التكيّف : إدراك عمق التّحولات واتخاذ إجراءات للتكيف معها.
  • النّموذج القائم على رد الفعل: مواجهة آثار التّحولات غير المتوقعة والقدرة على تغيير ردود الأفعال.
  • التّغيير وفق التّحولات التي تفرضها البيئة: التّغير التلقائي الذي تفرضه تحولات البيئة المحيطة من دون القدرة على التّحكم بها.

ويمكن تطوير مستوى الاستجابة والرّقي بقدرة المؤسسات والمشاريع السياسيّة على التأقلم معها من خلال تحقيق التّوازن بين المستويات الثالثة للمشروع، وهي:

  • المستوى الاستراتيجي: عبر إحداث تعديلات أساسية في الرؤية والرّسالة والبرامج والتّموضع.
  • المستوى الإداري: من خلال إدخال تعديلات على الموارد المخصصة ومراقبة الأداء.
  • المستوى التّشغيلي: المتضمن للاستجابة في تفاصيل الأنشطة اليوميّة، وتنفيذ البرامج والأعمال المساندة في إدارة المشاريع بين القطاعين العام والخاص.

تجدر الإشارة هنا، إلى المشروع السياسي الذي يُعرّف أنّه عمليّة أو نشاط سياسي مقيد بزمن، يعمل على تقديم منتج أو خدمة ما، بهدف تحقيق ٰتغيير مفيد أو إيجاد قيمة مضافة في المجال العام.

المطلب الثاني: تراجع دور الأحزاب اليساريّة في ظل تصاعد الفكر الإسلامي السياسي

لقد أدى سقوط الاتحاد السوفياتي إلى إحداث تداعيات مهمّة على مستوى الدولي، كان من أبرزها انحسار دور الأحزاب العلمانيّة واليسار خلال حقبة تنامي الفكر الإسلامي السياسي ضمن المنطقة العربيّة  والذي شكّل بيئة حاضنة- تغيريّة، أفرزت عوامل عدة أدّت دورًا بارزًا في تراجع دور هذه الأحزاب اليساريّة، بينما تصاعد الفكر الإسلامي السياسي الذي يحظى بتأثير متزايد في بعض المناطق، يمكن أن يكون ذلك نتيجة للتّحولات الاجتماعيّة والثقافيّة، وقد تؤدي الظروف الاقتصاديّة أيضًا دورًا في تشكيل تلك الدّيناميات.

فإن التّغيرات في توجهات النّاخبين وظهور الفكر الإسلامي السياسي، قد أثّرت على تراجع دور الأحزاب اليساريّة، إذ يتجه بعض الأفراد نحو الأيديولوجيات الدّينيّة في اتخاذ قراراتهم السياسيّة، ويعود ذلك إلى عدة عوامل منها القضايا الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة التي يرى بعض الناس أن الفكر الإسلامي يقدم لها إجابات.

على الجانب الآخر، يمكن أن يكون تراجع الأحزاب اليساريّة مرتبطًا بعدم قدرتها على التّكيف مع التّحولات السّريعة في المجتمع وتقديم رؤية جذابة للنّاخبين، لا شكّ أن تراجع دور الأحزاب السياسيّة في ظل ظهور الفكر الإسلامي السياسي قد يكون ناتجًا عن عدة عوامل أخرى قد يشمل ذلك:

  • جذب الجماهير: إذا نجحت الحركات الإسلاميّة في جذب دعم واسع من الجماهير نتيجة الفراغ الذي أحدثه سقوط المعسكر الاشتراكي  ما أتاح الفرصة للأيديولوجيّة الدّينيّة أن تستقطب الفئة الشّابة.
  • التّأثير الثّقافي: قد يكون للتأثير الثقافي للفكر الإسلامي دور في تغيير أولويات الناخبين وتوجيههم نحو الأحزاب ذات الطابع الدّيني.
  • الاستجابة للقضايا الدّينيّة: إذا لم تستطع الأحزاب السياسيّة التّقليديّة التعامل بفعاليّة مع القضايا الدّينيّة المطروحة، فإنّ ذلك قد يؤدي إلى فقدانها لدعم جزء من النّاخبين.
  • التأثير الإقليمي: الأحداث في المنطقة وظهور حركات إسلاميّة في دول مجاورة قد تؤدي دورًا في تغيير المشهد السياسي.
  • التّحولات الاقتصاديّة: قد يكون تراجع الأحزاب السياسيّة ناتجًا عن تحولات اقتصادية تؤثر على تصوّر الناس للحلول السياسيّة.

وعليه، يجب أن يُلاحظ أنّ هذه العوامل قد تتفاعل معًا وتختلف تأثيراتها باختلاف السياق السياسي والاجتماعي في كل دولة.

المبحث الأول : تحديات الأحزاب اليساريّة في مواجهة التيارات اليمينيّة

مع غياب الحاضن الفكري والدّاعم المالي للأحزاب اليساريّة وفي ظل عدم توفر الرؤية الاستراتيجيّة لها، واجهت هذه الأحزاب تحديات كثيرة، ولعل أبرزها انقسام المجتمع العربي بعد التّغيرات والتّحولات التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط منذ سبعينيات القرن الفائت والتي تمثلت بتراجع النّفوذ السوفياتي الدّاعم للفكر العلماني بعد تبني الرّئيس المصري أنور السادات سياسة الانفتاح على الغرب والولايات المتحدة الأميركية، ثم جاءت الثورة الإسلاميّة في إيران العام ١٩٧٩ لتعطي زخمًا للفكر الإسلامي الذي تعاطفت معه شريحة لا يستهان من المجتمع العربي، ما أحدث انقسامًا عند الجماهير العربيّة متعددت الولاءات والانقسامات المذهبيّة والطائفيّة، أضف إلى ذلك فإنّ لحرب الخليج الثانية تداعيات على عمل حزب اليسار إذ تمثلت باعتمادها على سياق الحرب وموقف الحزب، وهي تشمل تقسيم الرأي العام وارتفاع التوتر الاجتماعي، أضف إلى  تحول اهتمام الحزب نحو  الشؤون الداخليّة، ولا يمكن إغفال أنّ الأحزاب اليساريّة اليوم تواجه تحديات  متعددة في مواجهة التيارات اليمينيّة، بما في ذلك:

  • تجاوز الانقسامات الدّاخليّة: أيّ أنّهم يواجهون تحديات في تجاوز الانقسامات الدّاخليّة حول قضايا مثل: الاقتصاد، والهوية، والهجرة، ما يؤثر على قوتهم وقدرتهم على تكوين تحالفات فعّالة.
  • التّفاعل مع الاقتصاد العالمي: يتعين عليهم تطوير سياسات اقتصادية تلبي تطلعات شرائح واسعة من المجتمع وتحافظ على التّوازن بين العدالة الاقتصاديّة والاستدامة.
  • مكافحة التّطرف اليميني: يجب عليهم وضع استراتيجيات فعّالة لمكافحة التّطرف اليميني والتّصدي للخطابات الكراهية التي قد تهدد السّلم الاجتماعي.
  • التواصل الفعّال: يحتاجون إلى تحسين قدرتهم على التواصل مع الجماهير، وشرح أفكارهم بشكل واضح وجذاب للفوز بتأييد أكبر من الناخبين.
  • تطوير رؤية مستدامة: يجب عليهم تطوير رؤية مستدامة للمستقبل تأخذ بالحسبان التّحديات البيئيّة والاجتماعيّة.
  • التّكيف مع التّحولات الثقافيّة: يحتاجون إلى فهم التّحولات الثقافيّة والاجتماعيّة، وضمان تأقلمهم معها بشكل فعّال.

وعليه تتطلب تلك التحديات من الأحزاب اليساريّة استراتيجيات مستدامة وقيادة قوية لتحقيق تأثير إيجابي وكفاءة في التّعامل مع التحديات المعاصرة.

المبحث الثاني : تحولات اليسار في عصر الرّقميّة

من الضروري جدًا مواكبة العصر الراهن، والتحديث الكبير والمستمر ومسايرة التّطور العلمي والمعرفي والحقوقي الهائل في مختلف المجالات، والاستفادة القصوى منها واستخدامها من أجل التّغيير والتطوير والتحديث، وتجديد خطاب وبرامج ألاحزاب اليساريّة، وآليات التّنظيم والقيادة والتّعامل مع الجماهير، ومواجهة التّحديات المعقدة والكبيرة، والتّفاعل السريع مع التغييرات المحلية والإقليميّة والعالميّة، بما يمكن أن يسهم في تفعيل الحوار المحلي والإقليمي والعالمي بين قوى اليسار، لتطوير تنظيمات اليسار وتحديثها وتأسيس أطر يسارية وتحالفات ديمقراطيّة، ملتزمة جوهريًا بروح التّجديد المعرفي والتنظيمي والإنساني للفكر اليساري من جهة و بروح الثورة التكنولوجيّة والمعلوماتيّة من جهة ثانية.

ففي ظل عصر العولمة من المفترض أن يتوجّه حزب اليسار ببرامجه، وسياساته بشكل رئيس نحو العمال والكادحين والفئات المستغلة كافة والمهمشة والطاقات الشّابة وكل الفئات المتعطشة للتحديث، والتّغيير والعدالة والمساواة في المجتمع، وكمرحلة إصلاحيّة يدعو إلى نظام اقتصادي عادل وشفاف يتحقق فيه أكبر قدر ممكن من العدالة ودولة الرّفاه والمساواة، من خلال سياسيات اقتصاديّة مختلفة يشترك فيها القطاع العام والتّعاوني، والمختلط والخاص ويكون وفق مع الإدارة الجماعيّة للاقتصاد مع إعطاء الأهميّة لدور الدّولة في التخطيط الاقتصادي المركزي وتحت إشراف ديمقراطي جماهيري ، ويستند الى الضرائب التّصاعديّة والعدالة الاجتماعيّة، والضمان والتّكافل الاجتماعي المناسب واستئصال الفقر وتكافؤ الفرص ومكافحة البطالة وتنمية القدرات البشرية والاستخدام العلمي العقلاني والكفوء لموارد البلاد، ومجانيّة التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والخدمات العموميّة الأخرى كافة، وإشراك الجميع في خيرات المجتمع فيضمن مستوى ونوعية حياة مناسبة لجميع المواطنات والمواطنين.

وفي المقابل، يطرح اليسار في العصر الراهن تحييد دور الدّين عن الدولة مع ضمان حرية التّدين والعقيدة، واحترام حرية المعتقدات الدّينيّة الشخصيّة لعامة الجماهير كعلاقة بين الإنسان ودينه من دون أن يُفرض قسرًا على الآخرين، ولا بد للدولة أن تكون علمانيّة وفي مسافة متساوية مع الأديان كافة، وتقدم الدّعم للمؤسسات الدّينيّة كمنظمات جماهيريّة بشكل متساو حسب درجة التدين ومستوها في المجتمع. ووفق ذلك فالمؤسسات الدّينيّة كافة لا بدّ أن تكون تحت إشراف الدّولة، والعاملين في المؤسسات الدّينيّة يتعلّمون في مؤسسات تعليميّة حكوميّة، تستند الى تحييد الدّين عن الدولة وقبول التّعددية الفكرية والدينيّة، ونبذ العنف والتعصب وفرض سلطة الأديان والأفكار في المجتمع، فلا ينظر للدين كقضية تناقض رئيسة فهو نتاج ظروف اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة وتاريخيّة، وتأثيراته ودوره وبقاءه وزواله مرتبطة بذلك، ولذلك يتجنب الاصطدام الحاد مع المعتقدات الدّينيّة للجماهير، ويطرح حوارًا عقلانيٍّا علميٍّا رصينًا وهادئًا حول الأديان، وقراءة التراث الإسلامي والأديان الأخرى في بلداننا برؤية يسارية علميّة والإشادة بالجوانب الإيجابيّة والتّقدميّة فيها، والاستفادة منها للتغير الاجتماعي، والانتقاد الهادئ العلمي للجوانب السلبيّة وفق السياق التّاريخي، بحيث يكون مؤثرا بشكل إيجابي على الجماهير المؤمنة وإن كان بنسب مختلفة حسب طبيعة كل بلد.

نشير في هذا السياق إلى أنّ الجيل الجديد لا يرفض العمل الحزبي وقيم اليسار، وإنما لا يمكنه العمل وفق تلك الآليات وأشكال التنظيم الحزبي القديمة جدًا ولا يجد نفسه فيها الآن. إذ نرى الآن أنّ معظم الشّباب يستخدمون ويبدعون في طرح وتنظيم أنفسهم في أشكال تنظيميّة جديدة وحديثة، باستخدام الإنترنت وشبكات التواصل، ويؤثرون بشكل فاعل في الواقع الاجتماعي بأضعاف كثيرة مما يقوم بها الكثير من أحزاب اليسار، وقد خلق لهم فضاء رحب وحفزهم في التعبير عن الذات والانتهاكات المختلفة التي يتعرضون لها، والتّطوير والحوار والنقد من دون أي قيود تنظيميّة أو فكرية وفي والوقت والطريقة التي تناسبهم.

الخاتمة

 إن مستقبل حزب اليسار يعتمد على قدرته على التكيف مع التحولات الاقتصادية والاجتماعيّة، إذ يتطلب ذلك تجديد الأفكار وتعزيز التواصل مع فئات متنوعة من المجتمع، وعليه فإن الرؤية الواضحة والسياسات الملهمة يمكن أن تساهم في استمرار نجاح الحزب وجذب دعم المواطنين، وقد يكون تجديد الرؤية وتعزيز التواصل مع الشباب أمورًا حاسمة للبقاء والازدهار إذ إنه يتطلب ذلك أيضًا التفاعل بفعاليّة مع التحولات الاقتصاديّة والاجتماعيّة لضمان تمثيل فعّال وتلبية تطلعات المجتمع.

وعليه، يعتمد بناء النظرة النقدية لحزب اليسار على عدة عوامل منها تنوع أفكار اليسار وتطورها  في مختلف البلدان، ويمكن أن يتضمن النقد التنظيم الداخلي  أيّ أنّه  يوجد انتقاد لبعض الأحيان بشأن هيكليّة الحزب وكفاءة إدارته لشؤونه الداخليّة، وإن كان يعزز الحزب التّشاور والدّيمقراطيّة الدّاخليّة بشكل فعّال،أضف إلى  العلاقات الخارجية إذ تُحدّد موقف اليسار في قضايا السياسة الخارجية، وكيفيّة تعامله مع التحالفات والتعاون الدولي.

ما مدى قدرة الأحزاب اليسارية على بناء تواصل فعّال مع التيارات السياسية الأخرى لكسب دعم الجمهور؟.

التوصيات

يواجه حزب اليسار في عصر الرّقميّة تحديات جديدة إذ يمكن لليسار الرّقمي أن يسعى إلى تعزيز المساواة، والعدالة الاجتماعيّة من خلال الابتكار التكنولوجي وضمان حماية الحقوق الرّقميّة، وقد يتطلب ذلك تطوير سياسات تنظم التكنولوجيا، وتحقق التّوازن بين التّطور التّقني وحقوق الفرد من جهة أخرى، وفي المقابل عليه التّخلي عن البرامج الأيديولوجيّة البالية، وذلك من خلال تكييف أفكاره وبرامجه التي تتلائم مع فكر الأجيال الصاعدة وعقليّتها.

المراجع

  • الأحزاب السياسية، د.عماد وهبة، العام الجامعي 2018-2019 كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية الفرع الرابع
  • مدخل إلى علم السياسة ، د.عصام سليمان، منشورات الحلبي الحقوقية- الطبعة السادسة،العام 2015
  • مواضيع الشرق الأقصى ٢٠٢٣
  • محاضرة د.طاشمة بومدين، محاضرة رقم 4- الأحزاب السياسية ودورها في عملية التنمية السياسية
  • صحيفة “رأي اليوم”،12 نوفمبر 2021
  • مركز مالكيوم،كير كارينغي للشرق الأوسط 13 نوفمبر 2013

 

[1]      – طالب دكتوراه علوم سياسية في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية. البريد الإلكتروني: jamal.toufaily2016@outlook.com

PhD student in political science at the Faculty of Law and Political Science at Beirut Arab University-

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website