foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

التّطوّر اللّغويّ: دليل ثراءٍ أم مؤشّر فناء؟ (اللّغة العربيّة أنموذجًا)

0

التّطوّر اللّغويّ: دليل ثراءٍ أم مؤشّر فناء؟ (اللّغة العربيّة أنموذجًا)

Linguistic evolution: sign of richness or an indicator of death? ( the Arabic language as an exemplar).

KHODER NASSER NAJIB خضر ناصر نجيب([1])

Dr. Bashir Faraj أ.د. بشير فرج)[2](

تاريخ الإرسال:23-1-2024                                  تاريخ القبول: 2-2-2024

خضر ناصر نجيب

تحميل نسخة PDF

 

ملخّص البحث: تسلك اللّغات في تطوّرها منحًى إيجابيًّا، كابتداع مصطلحاتٍ جديدةٍ تواكب التّطوّر الحضاريّ، وآخر سلبيًّا كالـميل إلى العامّيّة. ومن المعلوم أنّ اللّغات كالكائن الحيّ، إنْ لـمْ تنمُ تمُـت. واللّغة العربيّة أكثر اللّغات استجابةً لمظاهر التّطوّر، غير أنّ ثمّة أخطارًا تتهدّدها، كالغزو الثّقافي، وطغيان اللّهجات المحليّة على السّياسة والإعلام، ولعلّ أشدّها فتكًا الاطمئنان التّواكليّ، إذ يعتقد معظم العرب أنّ لغتَهم مقدَّسةٌ، محفوظةٌ، عصِيَّـةٌ على الفناء، لذلك سوَّغوا لأنفسهم تقاعسَهم في نُصرتها، وتركوها فريسةً لسلطان الزّمن الـمُسلَّط على اللّغات.

الكلمات المفاتيح: اللّغة العربيّة، التّطوّر اللّغويّ، الكلام، الفكر، المجتمع، قانون المحافظة، قانون التّطوّر، الابتداع، التّعريب، التّوليد، النّحت، الصّيغ الصّرفيّة، نمـوّ الثّروة اللّفظيّة، أزمة اللّغة، التّلوّث اللّغويّ، اللّهجات العامّيّة، حركات الإعراب.

Résumé :Dans leur évolution, les langues suivent une orientation positive comme la création de nouveaux termes qui accompagnent le développement de la civilisation d’une part, et d’autre part elles prennent une tendance décadente lorsqu’elles favorisent le langage familier. Nous savons que les langues sont comparables à l’être humain de sorte que si elles ne se développent pas elles meurent. La langue arabe est l’une des langues considérée la plus capable d’évoluer, toutefois elle encourt certains dangers comme l’invasion culturelle, la prédominance des dialectes locaux en matière de politique et dans les médias, mais la menace la plus fatale est la quiétude issue de la croyance. En effet, la plupart des arabes attribuent à leur langue un caractère sacré et considèrent qu’elle est bien protégée et immortelle, justifiant ainsi leur négligence quant à sa préservation si bien qu’elle est devenue proie à l’emprise du temps qui pèse sur les langues.

Mots Clés : Langue arabe, évolution linguistique, paroles, pensée, loi de la conservation, loi du progrès, création, traduction vers l’arabe (thème), dérivation, racinisation, formules syntaxiques, croissance de la richesse verbale, crise de la langue, pollution langagière, dialectes familiers, signes diacritiques de l’analyse.

أ.د. بشير فرج

أ. المقدّمة

أثارت اللّغة في ذهن الإنسان _ كونها ظاهرةً فكريّةً _ كَمًّا هائلًا من التّساؤلات، بدءًا من تعريفها، ونشأتها، وتطوّرها، وعلاقتها بغيرها من اللّغات الأخرى، مرورًا بما يعتريها من عاهاتٍ، وصولًا إلى موتها في كثيرٍ من الأحيان. وقد نتج عن ذلك علومٌ لغويّةٌ كثيرةٌ تتأمّل، وتستقرِئ، وتصِفُ، وتحلِّل، وتجرِّب، وتقارن، وتقيس، وتُحصي، وتفسِّر، وتمحِّص، وتبحث في خصائص اللّغة، وشجرة عائلتها، وتاريخها، وتطوِّرها، وأسباب هَـرَمِها، فهي تمامًا كالكائن الحيّ، يُولد، وينمو، ويكتمل، ويشيخ، ثمّ يفنى إذا لم تتوافر له عوامل تضمن بقاءه في ريعان الشّباب.

وقد اشتقّ العرب القدماء لفظ “لغة” من الجذر (ل غ و). و”اللَّغْو واللَّغا هو السَّقَط، وما لا يُعتدُّ به من كلامٍ وغيره، ولا يُحصَل منه على فائدةٍ ولا نفع” (1). و”اللَّغَويّ هو الكثير اللَّغا، وهو القبيح من القول” (2). قال تعالى: ﴿والّذِينَ هُم عَنِ اللَّغْوِ معرِضُون (3). ومع مرور الزّمن، وتغيّر الدّلالات بات مصطلح “لغة” بمعناه المتعارَف به اليوم متداوَلًا، وغدا مصطلح “اللّغة العربية” اسمًا عَلَمًا يُطلق على اللّغة الّتي نزل بها القرآن الكريم. هذه اللّغة العتيقة الفصحى الّتي عاشت على لسان قريشٍ، وكانت عندهم تراثًا مقدّسًا تتوارثه الأجيال.

وما زال الأقدمون يعتنون بالعربيّة أيّما عنايةٍ، ويبذلون في سبيل خدمتها الغالي والنّفيس، ويقضون السّنوات الطّوال في التّأليف، والتّدريس إلى أن غدت لغةَ العلوم كافّةً، ولم تعجز عن تلبية متطلّبات البحث العلميّ، من طريق النّحت، والتّركيب، والتّوليد، والاشتقاق… ثمّ مرّت على بلادنا قرونٌ عجافٌ، توالت فيها الحروب والنّكبات والمجاعات، فكثر الزّلل، وفشا اللّحن، واعتُمِدت اللّهجات العاميّة في الصّحافة والإعلام، ولم يعد جُـلُّ طلّابنا الجامعيّـين قادرين على تحرير صفحةٍ واحدةٍ من دون أخطاء نحويّةٍ وإملائيّة، وصار معلومًا أنّ الواقع اللّغويّ يبشِّر بخير.

ب. الإشكاليّة: إزاء هذا الواقع المأزوم، نطرح الأسئلة الآتية: ما طبيعة العلاقة بين الكلام والفكر؟ وكيف يفيدنا إدراك كُـنه الظّاهرة اللّغويّة في فهم مظاهر التّطوّر اللّغويّ؟ وإذا كانت اللّغة كائنًا حيًّا، فهل يحكمها حقًّا قانون التّطوّر؟ وهل مظاهر تطوّر اللّغة العربيّة دليلُ ثراءٍ وعاملُ غنًى، أو أنّها مؤشّر فناء؟ ولـمَ لـمْ نستفد من حيويّة لغتنا العربيّة وغناها، وتركناها للإهمال والنّسيان؟ وهل الأزمة اللّغويّة تشكّل تهديدًا حقيقيًّا لبقاء اللّغة العربيّة؟ وإن كان ذلك كذلك، فما سبيل الخلاص؟.

ج. المنهج المتّبع: أدرس في هذا البحث بعض مظاهر التّطوّر اللّغويّ الّتي عرفتها اللّغة العربيّة، معتمدًا في سبيل ذلك المنهج الوصفي الاستقرائيّ التّحليليّ الّذي يتيح للباحث أن يرى إلى الظّواهر بعين الفاحص النّاقد. واعتمدتُ أيضًا المنهج التّاريخي المقارن، حين رصدت الانزياحات الّتي شهدتها المصطلحات، إذ تخلّت عن معانيها الأصليّة، لصالح معانٍ جديدةٍ اكتسبتها عبر الزّمن.

  1. اللّغة كائنٌ حيّ: يتأثّر الفكرُ باللّغة ويُؤثِّر فيها؛ لأنّها المادّة الطّبيعيّة له. وقد أَثْـرَت العربيّةُ من لهجات القبائل العربيّة في آنٍ، ولكنّها عانت من اللّحن الّذي فشا بين عرب التّخوم في آنٍ آخر. وقد أعطت العربيّة أخواتِها اللّغات الأخرى ألفاظًا كثيرةً جدًّا، وأخذت منها كذلك، من منطلق أنّ الحضارات تتلاقح، وتتفاعل، وترفد بعضها بعضًا. وعرفت العربيّة بعض مظاهر التّطوّر اللّغويّ كالابتداع، وكثرة أوزان الصّرف، والتّفلّت من قيود الإعراب، إضافةً إلى التّعريب، والتّوليد، والنّحت، والمزج، والإضافة وغيرها. وقد بات معلومًا أنّ اللّغة تشبّ بهمّة أهلها، وتهرم بهرمهم، وتقوى بقوّتهم، وتموت بموتهم. ولـمّا كان ذلك كذلك، فقد وجدنا العربيّة في مأزقٍ كبيرٍ؛ لأنّ أهلها باتوا خارج حلبة المنافسة، وغدوا على هامش السّبق الحضاريّ.
  2. 1. العلاقة بين الكلام واللّغة والفكر: من البدهيّ أنّ الإنسان كائن اجتماعيّ بطبعه. لذلك فإنّ لغته ظاهرة اجتماعيّة. وقد أجمع الدّارسون على أنّ اللّغة وعاء الفكر الّذي يُتيح لصاحبه أن يعبِّر عن مكنونات نفسه وهواجسه ومشاعره. وهي أيضًا وسيلة اتّصالٍ بين أفراد المجتمع، يستخدمونها ليعبّروا عن أفكارهم وحاجاتهم وأمانيهم وأغراضهم. وبِها ينقلون معارفَهم وتجاربهم إلى الأجيال الآتية، كما استطاعوا من خلالها الاطّلاع على ظروف عيش الأقدمين ونِتاجهم وحضارتهم. ومعلومٌ أنّ الإنسان القديم استخدم الكثير من أشكال التّعبير كالتّعبير بالصّيحات والصّرخات، وبالإشارة، وبملامح الوجه، أو بالأدوات كالطّبول والرّايات وإشعال النّيران على رؤوس الجبال. أمّا بالنّسبة إلى الوقت الّذي تفاهم فيه إنسانان أوّل مرّةٍ باستخدام الألفاظ فغير معلوم. وما اكتُشِفَ من كتاباتٍ موغلةٍ في عمق التّاريخ، يوضّح التّطوّر التّاريخيّ للكلام، إلّا أنّه لا يُحدِّد لنا متى بدأ. وعمد البعض من الباحثين إلى التّنقيب عن بدء الكلام في المجتمعات البدائيّة، فلم يصلوا إلى مبتغاهم؛ لأنّ هذه المجتمعات بدائيّة في كلّ شيءٍ، إلّا في اللّغة!. وبما أنّ الله أودع لدى الإنسان جهازًا لغويًّا متكاملًا، فقد ارتأى عددٌ من العلماء أنّ الإنسان استخدمه ليُعبِّر عن مكنونات نفسه بالصّرخات والإشارات، ثمّ لـمَّا واجهته مشكلةٌ ما، عبّر عن حاجته إلى المساعدة بمجموعةٍ من الكتل الصّوتيّة الّتي تطوّرت عبر الزّمن، فبرزت على شكل جملٍ مكوّنةٍ من ألفاظ (4). ولكن السّؤال الّذي يطرح نفسه: ما مقدار الزّمن الّذي صنع فيه الإنسان لغته بالمعنى العلميّ لهذه الكلمة؟ الجواب: الله أعلم. ولكن ما يهمّنا في ضوء ملاحظة العلاقة بين الكلام والفكر أنّ محاولةَ الإنسانِ التّعبيرَ عن أفكاره وُلِدت بالتّزامن مع بدئه بالتّفكير. وكم هي ساذجةٌ تلك الآراء القائلة بأنّ الإنسانيّة ظلّت صامتةً لا تتكلّم إلّا بالإشارة!.

وقد رأى النّحاة أنّ الكلام هو الحقيقة اللّغويّة، فقالوا: هو اللّفظ المفيد. ويرى ابن جنّي أنّ “الكلام هو الألفاظ القائمة برؤوسها، المستغنية عن غيرها” (5)، أو بمعنًى آخر: الجمل. أمّا الفلاسفة فقالوا: الكلام هو المنطق. وكلا الطّرفين أغفل العلامات الصّوتيّة، وأسقط من حسابه العلامات غير الصّوتيّة المستخدَمة كوسيلةٍ للتّخاطب. ونقل حسن ظاظا عن (سابير) تعريفه الكلام بقوله: “هو وسيلة تفاهمٍ خاصّةٌ بالإنسان، وغير غريزيّةٍ فيه، تمكّنه من تبادل الأفكار والوجدانيات والرّغائب” (6). وعلى الرّغم من وجود بعض المغالطات في هذا التّعريف، إلّا أنّ العلماء العرب والغربييّن متّفقون على أنْ لا كلام من دون فكر. ولولا التّفكير لما نطق الإنسان، ولبقي صامتًا كالجماد. من هنا، نجد أنّ الفكر والكلام توأمان، لا حياة لأحدهما من دون الآخر. فالكلام هو الأب الشّرعيّ للّغة، ولولا نُطْقُ الإنسان لـمَا وُلِدت اللّغات. ورأى (أدوار سايبر) أنّ اللّغة صالحةٌ لأداء ما يُرجى منها في الظّروف النّفسيّة والفكريّة كلّها، البسيطة والمعقّدة. ووافقه في ذلك الفيلسوف الإنكليزي (لوك). غير أنّ الفيلسوف الفرنسي برجسون، وميخائيل نعيمة، وكمال يوسف الحاج شكّكوا في قدرة اللّغة على تصوير الحالة النّفسيّة، أو في الدّلالة على المعاني الدّاخليّة، واتّهموها بالقصور الكبير إزاء متطلّبات الفكر (7). وقد تمادى (برجسون) إلى حدّ القول: “إنّ الألفاظ تجلب الفساد” (8).

إنّ الأفكار تجول في الذّهن، فيتحوّل الصّامت إلى صائت. أجهزةٌ موسيقيّةٌ تتحرّك لتصدر أصواتًا تعبّر عن أفكار. هذه التّحوّلات البسيطة إنّما هي عمليّة معقّدة تتحكّم فيها قوانين كثيرةٌ، وتطرأ عليها ظروفٌ عديدة، لتقدّم للبشريّة، في المحصّلة، مئات آلاف اللّغات. وقد امتزجت اللّغة بالفكر، ولم تنفصل عنه؛ إذ لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر، وما قوانين النّحو إلّا انعكاس لعقل الأمّة وقلبها وتفكيرها، “والّذي يُوجب النّحاة تقديمه هو ما جرت تقاليد التّفكير في الأمّة على تقديمه، والّذي يُوجب النّحاة تأخيره هو ما جرت تقاليد التّفكير في الأمّة على تأخيره” (9). وما يؤكّد هذا التّلازم أنّ اللّغة حِكرٌ على الكائن الوحيد المفكِّر أي الإنسان. وعليه، فالعلاقة بين الفكر واللّغة جدليّة: لولا الفكر لكانت اللّغة هذيانًا تمجّه النّفوس. وفي المقابل لولا اللّغة لبقي الفكر في خضمّ الصّمت والجمود. في الواقع، إنّنا حين نفكّر نتكلّم، وكذلك حين نريد البوح بما يعتمل في وجداننا نتكلّم. إنّ الكلام مطيّة الأفكار، والعكس صحيح. من هنا بات لِزامًا أن نسأل أنفسنا: هل اللّغة وليدة الفكر فقط؟ أليس للمجتمع دورٌ كبيرٌ في تكوّنها وتشكّلها واستوائها على سوقها؟ وكيف ننظر إلى مظاهر التّطوّر اللّغويّ الّتي يفرضها أبناء المجتمع على اللّغة: أهي دليل ثراءٍ أم مؤشّر فناء؟

  1. 2. العلاقة بين اللّغة والمجتمع: ممّا لا شكّ فيه أنّ الكلمة تستمدّ قوّتها، وتُعزِّز قيمتها وحضورها بمقدار تداولها في المجتمع، وإلّا فهي لغوٌ لا طائل منه. فلو التقت فئتان من النّاس، لكلٍّ منهما لغةٌ خاصّةٌ، في مجلسٍ واحدٍ، وشرع الجميع بالكلام، فإنّ الألفاظ المسموعة لها قيمةٌ بين أفراد المجموعة النّاطقة بها، غير أنّها بالنّسبة إلى المجموعة الأخرى مجرّد ضوضاءٍ لا أهميّة لها. واللّغة كَمٌّ من الرّموز الصّائتة، يعبّر كلٌّ منها عن معنًى يريده المتكلّم ليتحقّق التّواصل بينه وبين أفراد المجتمع.

وبناءً عليه، فاللّغة لا تنشأ في كوكبٍ خالٍ من البشر، أو في مجتمعٍ أفراده صمٌّ وبكمٌ؛ ولكنّها تنمو في مجتمعٍ يحتاج أفراده إلى التّعامل بعضهم مع بعض. ومن المؤكّد أن للمجتمع تأثيرًا كبيرًا على اللّغة، فكلّما اتّسعت المجتمعات، تشعّبت اللّغة ونمت، وحَـوَت كمًّا أكبر من الألفاظ. وفي المقابل، فإنّ انعزال المجتمع عمّا حوله، يجعل من لغته خليطًا من وحداتٍ لغويّةٍ مستقلّةٍ، يُخيِّم عليها الفقر اللّغويّ والخيال المهيض الجناح. وخير دليلٍ على ذلك، القبائل المنعزلة، فإنّ لغاتها تفتقر إلى الثروة اللّفظيّة، وإلى الغنى والتّجدّد والإبداع والمرونة والقدرة على مواكبة أيّ جديد.

واتّفق كثيرٌ من الباحثين على أنّ الشّعر العربيّ الّذي وُلِد من رحم المجتمعات القبليّة الجاهليّة، كان مرآةً صادقةً لصورة تلك المجتمعات، يدوّن تفاصيل حياتها اليوميّة، ويعبِّر بدقّةٍ بالغة عن أنماط عيشها، وصراعاتها، وسلوكاتها في السّرّاء وفي الضّرّاء. من هنا، نرى أنّ العلاقة بين اللّغة والمجتمع وثيقةٌ متينةٌ تفاعليّةٌ، كما العلاقة بين الأخوين يشدّ أحدهما عضد الآخر .

وعليه، فإنّ مظاهر التّطوّر اللّغويّ الّتي شهدتها اللّغة العربيّة _ أو أيّة لغةٍ في العالم _ مردُّها إلى تفاعلها ومجتمعها، وإلى طبيعة هذا المجتمع، وأنماط عيشه، وسلوكات أبنائه، وماهيّة أشغالهم وحِرَفهم. من هنا فقد جاء أدب (الجاحظ) حافلًا بلهجات أصحاب الحِرف، والتّجار العرب والأعاجم، والصّناعيّين، والعتّالين، والمتسوّلين، والزّنوج، والملّاحين، والصّيّادين، واللّصوص، ومرتبطًا تمامًا بمقدار حرص هذا المجتمع على الاحتفاء بلغته، والعناية بعلومها. يقول الجاحظ: “وإنْ وجدتم في هذا الكتاب لَـحْنًا، أو كلامًا غير معرَبٍ، ولفظًا معدولًا عن جهته، فاعلموا أنّا إنّما تركنا ذلك؛ لأنّ الإعراب يُبَـغِّض هذا الباب، ويُـخرجه من حدِّه”. (10).

غير أنّ العشق في أحايين كثيرةٍ يغدو قاتلًا، وصدق من قال: “ومن الحبّ ما قتل”. وهنا نسأل: أَيمكن أن يكون تقديسُ العربِ للغتهم عاملَ إفناءٍ لها، من حيث لا يعلمون؟

يعتقد كثيرٌ من العرب أنّ العربيّة مقدّسةٌ، وأنّ علومها مكتملةٌ، فتخمّرت في أذهانهم _بسبب ذلك الاعتقاد_ عقدةُ الاستغناء والاطمئنان التّواكليّ. يقول اللّسانيّ عبد السّلام المسدّي: “فالعرب في مجمل أمرهم مأخوذون بالاطمئنان المتجدِّد الدّائم أنّ لغتهم _بكلّ جلالها وعلوّ شأنها_ لا يمكن أن تنال الأيّام منها، فضلًا عن أن تنقرض أو تندثر، فذلك مـمّا هو غير واردٍ ولا محتَمَل؛ لأنّه يناقض القداسة الّتي سبق لهم أن خلعوها عليها من تلقاء ظنّهم، حين جمحت بهم مراكب التّأويل. إنّه الاطمئنان الّذي ورّثهم سكينةً في النّفس أمست تخدّر فيهم تيقّظ الوعي” (11). وهكذا، فقد تركوا لغتهم للإهمال، وتغوّلت عليها اللّهجات العامّيّة، واللّغات الأجنبيّة، ولم يعملوا على حمايتها والذّود عنها، إلّا في الخطب الطّنّانة، والشّعارات البرّاقة، فكانت الأقوال لا تطابق الأفعال!.

  1. 3. اللّغة وقانون التّطوّر: يقول صاحب الخصائص: اللّغة “أصواتٌ يعبّر بها كلّ قومٍ عن أغراضهم” (12). ولا يتمّ التّواصل باللّغة إلّا بين طرفين “يُنتِج الأوّل منهما خطابًا مبنيًّا على قواعدَ لغويّةٍ اتّفاقيّةٍ، يتأسّس عليها نظام التّواصل في الجماعة اللّغويّة” (13). ولأنّ المجتمع في حركةٍ دائبةٍ، فاللّغة الّتي تواكبه هي أيضًا في تطوّرٍ مستمرٍّ. وثمّة آلاف الألفاظ في أمّات المعاجم العربيّة، لم تعد مستعملةً في أيّامنا هذه، وفي المقابل، فإنّ كثيرًا من المصطلحات الّتي ظهرت في عصرنا الحديث لم تكن موجودةً قديمًا. كيف لا، والمعاجم في كلّ عصرٍ صورةٌ مخلِصةٌ لطبيعة حياة الأمّة وسلوكها وماهيّة كيانها الاقتصاديّ والسّياسيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ والفكريّ والدّينيّ والأخلاقيّ والعسكريّ والحضاريّ… لكنّها لن تسلم من عاملين متناقضَين يتنازعانها أثناء تطوّرّها، فإذا استطاعت أن تحتفظ بتوازنها بين هذين العاملَين، طال عمرها، وذاع صيتها، وازداد النّاطقون بها. وهذان العاملان هما: عامل المحافظة، وعامل التّطوّر (14).
  2. 3. 1. عامل المحافظة: بعد أن تؤمِّن اللّغة وظيفة التّواصل بين أبنائها والتّعبير عن حاجاتهم، تتحوّل إلى وسيلة ترفٍ، فتكون فنًّا بحدّ ذاتها. وهنا، يتجاوز الإنسان مرحلة استخدام اللّغة للفهم والإفهام، إلى مقام التّذوّق الجماليّ للصّور، والإحساس بالإيقاع الموسيقيّ المنبعث من وقْع الألفاظ والعبارات، والاعتناء بالأساليب المنمّقة، فحاز بسبب ذلك، شعراءُ وأدباءُ المجدَ التّليد، وتقلّدوا مراكز رفيعةً، وظلّت أسماؤهم خالدةً في صفحات التّاريخ والأدب. وبسبب نزول الكتب المقدّسة ببعض اللّغات، رأى المؤمنون بها أنّها نماذج لغويّةٌ لا تُمسّ، فقدّسوها ودعَوا إلى المحافظة على نمطيّتها وألفاظها وأساليبها، من دون تبديلٍ أو تغييرٍ. ومثال ذلك قديمًا اللّغة العبريّة، فقد حارب اليهود بشراسةٍ الحركاتِ اللّغويّةَ الإصلاحيّةَ، فتسبّب ذلك بموت العبريّة وفنائها. وليست محاولات إحيائها إلّا لدوافع عنصريّةٍ، إذ أُريد منها أن تكون جامعةً لليهود من أصقاع الأرض.

وعليه، فقد كان عامل المحافظة، ولا يزال، عائقًا أمام التّطوّر اللّغويّ، انطلاقًا من الاعتقاد أنّ اللّغة تراثٌ دينيٌّ وقوميٌّ يجب المحافظة عليه، من دون تبديلٍ أو تعديل. غير أنّ هذا التّزمّت لا ينطبق على اللّغة العربيّة؛ لأنّ القرآن الكريم الـمُعجِز دعا أتباعه إلى التّفكّر، والتّأمّل، وإعمال العقل، والعمل، والانطلاق في رحاب هذه المعمورة، وأكّد على الانفتاح على سائر الأمم والشّعوب. لذلك، لم يكن النّصّ الدّينيّ كابِحًا للتّطوّر، وإنّما قام بذلك جماعةٌ من المقلّدين الّذين حرصوا على تقليد الأقدمين في وزن القصيدة، ومطلعها الطلليّ، ووحدة رويّها وقافيتها، ووحشيّ ألفاظها. ثمّ وضع الخليل بن أحمد الفراهيديّ علم العَروض، وحدّد أوزان البحور، فصار ذلك قاعدةً متّبعةً وميزانًا صارِمًا يُخَطِّئ، بل يُـجَرِّم من يحيد عنه قيد أنملة. وهذا ما يبدو جليًّا في الحرب الضَّروس الّتي شنّها المحافظون على حركة الشّعر الحرّ، ورأَوها حركةً هدّامًة للشّعر العربيّ تهدف إلى تقويض عرشه والقضاء عليه!. وطوال العصور، فرضت التّطوّرات السّياسيّة والاجتماعيّة والحضاريّة نفسها على الواقع اللّغويّ، وكان لها أثرها الكبير على اللّغة العربيّة، وهذا ما نشير إليه في المبحث الآتي: عامل التّطوّر.

  1. 3. 2. عامل التّطوّر:مع توسّع رقعة الدّولة الأمويّة، ومن بعدها العبّاسيّة، واختلاط العرب والعجم، بعضهم ببعضٍ، في بوتقةٍ واحدةٍ، وبسبب هجرة الكثير من الأفراد والقبائل والاحتكاك بالأعاجم، وما تبع ذلك من ترجماتٍ وتجاراتٍ ومصاهراتٍ، ومع مرور الأزمان، كان من البدهيّ أن تشهد اللّغة العربيّة حركةً تجديديّةً تطويريّةً طاولت مختلف الجوانب فيها. أضف إلى ذلك أنّ نزول القرآن الكريم على سبعة أحرفٍ، وتعدّد القراءات فيه، واشتماله على أكثر من خمسين لهجةً من لهجات القبائل العربيّة، “ككنانة، وهذيل، وحمير، وجرهم، وأزدشنوءة، ومذحج، وخثعم، وقيس عيلان، وسعد العشيرة، وكندة، وعذرة، وحضرموت، وغسّان، ومزينة، ولخم، وجذام، وبني حنيفة، واليمامة، وسبأ، وسليم، وعمارة، وخزاعة، وتميم” (15) وغيرها الكثير، كان له دورٌ كبيرٌ في استساغة العرب لهجاتٍ جديدةً لم يكونوا على استعدادٍ لقبولها والتّداول بها، ولو على حدّ السّيف. ونجد مصداق ذلك في قول الإمام عليٍّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: “ما كنّا نهمز ولو على رقابنا، حتّى نزل القرآن فهمزنا” (16). وعلى الرّغم من كون قريشٍ هي أفصح العرب، ولم تُصبها “عنعنة تميمٍ، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجّع قيسٍ، وعجرفيّة ضبّة، وتلتلة بهراء” (17)، فمن ذا يجرؤ أن يُخَطِّئَ ما نزل به القرآن العظيم، وقد تضمّن مفرداتٍ لم تنطق بها قريشٌ من قبل، ولم تعرف لها معنًى؟ وكلمتا مَغرمٍ وقِطميرٍ خير دليل. والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يجيب قومًا يقلبون لام أل التّعريف ميمًا: “ليس من امْبِـرِّ امْصيامُ في امْسَفَـر” (18)، ويقصد: ليس من البِرِّ الصّيام في السّفر.

وهكذا، فإنّ الإسلام رفع للعربيّة قدرها، وأحلّها منزلةً ساميةً، لكنّه لم يَحْجُر عليها، بل دعاها إلى مواكبة التّطوّر الحضاريّ والفكريّ والسّياسيّ والاجتماعيّ الّذي يشهده المجتمع الإسلاميّ. ولكنّ، المسألة كادت تتحوّل من الانفتاح إلى الانكشاف، فقد كثر اللّحن، وفشا الزّلل، (ومشهورٌ لحن ذاك الّذي أمّ النّاس فقرأ قوله تعالى”أنّ الله بريءٌ من المشركين ورسولُهُ” (19) بكسر اللّام في لفظة رسوله، ما استدعى أن يخرج من الصّلاة أحدُ الأعراب، مُـنكِرًا أن يتبرَّأ الله عزّ وجلّ من رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وقد حرص كثيرٌ من العلماء القدامى _عبر محاولاتهم التّأليفيّة_ إلى لجم جماح الغزو اللّغويّ الّذي اخترق سياج العربيّة، بعد أن تداخلت الأعراق والشّعوب.

وقد اعتنى علم النّحو بضبط أواخر الكلمات، للمحافظة على الصّيغ اللّغويّة من اللّحن، لكنّه هو نفسه خضع للتّطوّر، فاعتنى العلماء بدراسة التّطوّر النّحويّ الّذي يشهد باستجابة اللّغة للحركة التّجديديّة. ومن ذلك، أنّ اللّغة السّاميّة الأمّ لم تكن تعرب المضاف. وبعض نُحاة العرب يعتقدون أنّ المضاف والمضاف إليه في حكم اللّفظة الواحدة، وقد عُثِر على نقشٍ يرجع إلى عهد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فيه: “عليّ بن أبو طالب(ع)”. ومن أمثلة القياس النّحويّ قولهم: “هذا جُحْرُ ضَبٍ خَرِبٍ”، وسمَّوا ذلك الإعراب بالمجاورة (20).

وكذلك فإنّ التّغييرات الصّوتيّة الّتي طاولت نطق بعض الحروف أو الألفاظ، وتعدّد القراءات واللّهجات، ما هي إلّا تأكيدٌ على التّطوّر الحيويّ الّذي يطاول اللّغة. ولنأخذ مثلّا حرف الضّاد، فالعرب القدماء وصفوه بأنّه صوتٌ رخوٌ، في حين وصفه المحدثون بأنّه صوتٌ انفجاريٌّ. ولعلّ سبب ذلك الاختلاف أنّ السّابقين وصّفوا الضّاد بأنّها ظاءٌ جانبيّةٌ (وهي الّتي كانت تجمع عند النّطق بها بين الظّاء واللّام في آنٍ معًا، وقد اختفى اليوم هذا الصّوت، ولم نعد نسمعه من الـمُقْرِئِين إلّا نادرًا)، أمّا المحدثون فرأوها صوتًا انفجاريًّا؛ لأنّها لديهم النّظير المطبق للدّال (21). ولا بدّ هنا من التّسليم بأنّ صوت الضّاد فَقَدَ نطقه القديم يوم وصفه القدماء، فصار عند العراقييّن وأهل الخليج ظاءً (وكنّا صغارًا نظنّ إمام الحرم يقول في الفاتحة: ولا الظّالين)، وعند المصرييّن دالًا مفخّمةً، تخرج مجهورةً مطبقة. وما هذا التّغيير إلّا دليلٌ على التّطوّر الّذي تشهده اللّغة تحت تأثير تبدّل الزّمان والمكان وتعاقب الأجيال. وعليه، فالسّؤال الّذي يطرح نفسه: ما أبرز مظاهر التّطوّر اللّغويّ؟.

  1. مظاهر التّطوّر اللّغويّ: يتطوّر الفكر الإنسانيّ باستمرارٍ، ومن الطّبيعيّ أن تتطوّر اللّغة أيضًا؛ لأنّها آلـتُـهُ، والمعبِّرة عنه. غير أنّ الإنسان العاديّ لا يلحظ أنّ اللّغة تتطوّر، أو قد يرى ذلك بسيطًا جدًّا؛ لأنّها عمليّةٌ بطيئةٌ، تستغرق سنواتٍ طويلةً، وقد تُـنْـجَزُ عبر أجيالٍ متتالية. ويكون التّطوّر اللّغويّ أكثر إلحاحًا عندما يحتاج الإنسان إلى التّعبير بالألفاظ عن مكنونات نفسه، وعن حاجاته ورغباته. وثمّة ألفاظٌ تُقال “من أوّل الأمر على شيءٍ منها، ويكون الأشهر في الدّلالة عليه، ثمّ يستعار حينًا ما لشيءٍ آخر شبيهٍ بالمعنى الأوّل” (22)، مثل تسميتهم الفراش عشًّا، والنّبت ندًى، والنّكاح مَسِيسًا…

والعربيّة مشهورةٌ بالمرونة، وقد ذكر ذلك الخليل بن أحمد في معرض حديثه عن النّصب على المدح أو القدح: “وغيّروا هذا لأنّ الشّيء إذا كثر في كلامهم، كان له نحوٌ ليس لغيره ممّا هو مثله… فالعرب ممّا يُغيِّرون الأكثر في كلامهم عن حال نظائره” (23).

وقد تجلّى التّطوّر اللّغويّ في ظواهر كثيرةٍ، منها ما كان إيجابيًّا كالابتداع، والتّقليبات الصّرفيّة، ومنها ما كان سلبيًّا كالجنوح نحو اللّحن، ومزاحمةِ العامّـيّةِ واللّهجاتِ المحليّةِ العربيّةَ الفصحى.

  1. 2. 1. ظاهرة الابتداع: إنّ الابتداع من أبرز الظّواهر المرتبطة بنموّ الثّروة اللّفظيّة اللّغويّة، ومن أَبْيَنِ الدّلائل على تجاوب اللّغة مع التّطوّر الحضاريّ، وتعقّد الحياة، والحاجة إلى التّعبير عن مصطلحاتٍ مستحدَثةٍ، أو وصف آلاتٍ جديدةٍ لم تكن من قبل. لذلك، استحدثت العربيّةُ ألفاظًا جديدةً كالـمدخنة عوضًا عن الدّاخنة، والمقذاف من قولهم ناقةٌ قاذف وقذوف، والمئذنة من الأُذُن…، أو أعطت معاني جديدةً لألفاظٍ قديمةٍ كالعقل وكان معناه الحبل، والهاتف وكان معناه الجنّ، والسيّارة وكان معناها مجموعة المسافرين، والقطار وكان معناه مجموعة من الجِمال، والعَلَم وكان معناه الجبل، والقاموس وكان معناه البحر الواسع، أو استعارت ألفاظًا من لغاتٍ أخرى كالبرتقال من البرتغال، والرّيال من الإسبانيّة، والشّاي من الصِّينيّة، والسّكر من الهنديّة ويرجع إلى السّنسكريتيّة القديمة، والخندق من الفارسيّة، والقرش والصّراط من اللّاتينيّة (24). ومع الوقت، وجد المتكلِّم نفسه مضطرًّا إلى أن يتداول أوزانًا صرفيّةً كثيرةً ليعبِّر بها عـمّا يريده.
  2. 2. كثرة أوزان الصّرف: إنّ أوزان الصّرف لا تظهر أو تختفي كلّها دفعةً واحدة. وإنّما هي متعلّقة باهتمام المتكلّمين باللّغة أو بانصرافهم عنها. ويرى حسن ظاظا أنّ أوّل ما ظهر من الصّيغ فعل الأمر وآخرها المصدر، على خلاف ما قرَّره النّحاة والصّرفيّون. والدّليل المنطقيّ على هذا بسيطٌ جدًّا. لنتصوّر رجلًا بدائيًّا وأراد التّكلّم: هل يجنح إلى المصدر الّذي لا يعود عليه بأيّة ردّة فعلٍ من المخاطب _لأنّه لا يدلّ إلّا على الحدث المجرّد_ أو يميل إلى التّلفّظ بما يعود عليه بفائدةٍ ويحقّق له مبتغاه؟ (25) ولعلّ ما يعزّز هذا الرّأي اللّغة الفارسيّة، إذ يتّفق فيها فعل الأمر (غالبًا) مع المادّة الفعليّة الأصليّة للاشتقاق.

وفي معرض حديثنا عن التّطوّر اللّغويّ، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ اسم الآلة تأخّر في الظّهور عن اسمَي الفاعل والمفعول. والأدوات الّتي تفيد معنًى زائدًا تأخّرت في الظّهور. والدّليل انعدامها في كثيرٍ من اللّغات المتفرِّعة عن السّاميّة الأمّ. وينطبق ذلك أيضًا على أدوات التّعريف. فثمّة لغاتٌ لم تستعمِل أل التّعريف، وإنّما عرّفت النّكرة بزيادةٍ على الاسم. والفعل المزيد نشأ وتشعّب بحسب الحاجة إليه. فوزن (أفعل) أقدم ظهورًا من وزن (افعوعل) (26) ، وهكذا دواليك. واللّهجات العاميّة تنفر من صيغة المجهول، وتميل إلى أوزان المطاوعة، فيقول العامّة: الغابة احترقت، الباب انفتح، الزّجاج انكسر، ويُعرِضون عن قولهم: الغابة حُرِقت، الباب فُتِح، الزّجاج كُسِر…

بناءً على ما تقدّم، فإنّ الصّيغ الصّرفيّة لا تسير في خطٍّ تصاعديٍّ واحدٍ، وإنّما تتطوّر حينًا، وتُهجَر حينًا آخر، وذلك بحسب حاجة المتكلّمين إليها، أو استغنائهم عنها. والنّاظر إلى كلام العرب وما فيه من حذفٍ، وزيادةٍ، وإعلالٍ، وإبدالٍ، وقلبٍ، وإدغامٍ يجد أنّ هذه التّقليبات كلّها كانت تختلف من قبيلةٍ إلى أخرى، ومن زمنٍ إلى زمن. وقد قال العرب في التّضجّر: أُفْ، أُفَّ، أُفُّ، أُفِّ، أُفًّا، أُفٌّ، أُفٍّ، وأُفَّى (27). وهذا دليلٌ على أنّ اللّغة لا تعرف الجمود، وإنّما هي في تطوّرٍ مستمرّ. وفي هذا المقام نتساءل: إذا كان النّاس _مع تعاقب الأجيال وتطوّر اللّغات_ يهجرون بعض الصّيغ الصّرفيّة، فهل يمكن أن يهجروا حركات الإعراب وعلاماته؟

  1. 3. التّفلّت من القيود الإعرابيّة: تعدّدت لهجات القبائل العربيّة، وكان لكلّ قبيلةٍ لهجةٌ خاصّةٌ بها. ولعلّ من أبرز أسباب وقوع الاشتراك اللّفظيّ تعدّد القبائل، فقد يكون لِلَفظٍ ما في هذه القبيلة دلالةٌ مختلفةٌ عن دلالته في قبيلة أخرى. أمّا لغة القرآن الكريم فكانت خاصّةً بالرّؤساء والوجهاء. ولم تكن القبيلة تسمح لأيٍّ من أفرادها بتمثيلها في المجالس إلّا إذا أتقن هذه اللّغة المقدّسة. ومع تعاقب الأجيال، وبفعل احتكاك العربيّة باللّهجات المجاورة لجزيرة العرب، ظهرت اللّهجات العامّـيّة مُهْمِلَةً الإعراب، غير مهتمّةٍ به. لكنّ هذا الأمر حرمها من إمكانيّة التّقديم والتّأخير؛ لأنّ الكلمة لم تعد تحمل في نهايتها ما يُميّزها عن غيرها، فبات لِزامًا وضعها في مكانها المناسب.

وقد أدّى التّطوّر اللّغويّ في بعض اللّغات الحديثة إلى التّفلّت من الإعراب، أو اختفائه نهائيًّا، كالفرنسيّة مثلًا، لكنّ الألمانيّة لا تزال تحتفظ بحركات الإعراب، ما يدفعنا إلى طرح السّؤال الآتي: هل التّخفّف من الإعراب ضرورةٌ حتميّةٌ في تطوّر اللّغات؟

الجواب: نعم ولا (28). نعم؛ لأنّ الإنسان القديم كان يصنع جملته في الوقت نفسه الّذي يُبلور فيه فكرته. لذلك يحتاجٌ إلى مزيدٍ من المرونة في التّركيب ليتمكّن من سبك الألفاظ وسكب الأفكار في آنٍ معًا. أمّا المتكلّم اليوم فهو يكوِّن فكرته، ثمّ يُخرجها ممتطيةً ما شاء لها من الألفاظ.

ولا، ليس من الضّروريّ أن يكون التّخفّف من الإعراب قدرًا محتومًا، فاللّغات الّتي نزلت بها كتبٌ سماويّةٌ بقيت محافظةً على الإعراب، وهو الطّابع المميّز لها، وشقّت طريقها نحو التّطوّر والحضارة في ظلّ كتابها المقدّس، كاللّاتينيّة الّتي بقيت قرونًا بعد سقوط الرّومان، والعربيّة الّتي نزل بها القرآن الكريم. وقد دعا بعض الباحثين إلى ترك ظاهرة الإعراب في العربيّة، مستشهدين على ذلك باللّاتينيّة.  ورأى مازن الوعر أنّ ذلك الاعتقاد باطل: “أمّا الوجه الثّاني للمشكلة، فهو جعل العربيّة بجانب اللّاتينيّة الّتي لم تعد لغة اتّصالٍ دوليّةً، دون معرفةٍ بأنّ العربيّة هي بنيةٌ لغويّةٌ حيّةٌ ما زالت لغةً رئيسيّةً في العالم المعاصر” (29). وينطلق الوعر من هذا الموقف إلى ما هو أبعد من ذلك، فيغوص في الخلفيّة المرجعيّة لإقبال عددٍ من اللّغويّـين اللّبنانيّـين على اللّسانيّات، فيرى أنّهم يستترون بالدّيمقراطيّة المزيّـفة للتّسويق للّهجة المحلّـيّة اللّبنانيّة. يقول الوعر: “فكثيرًا ما سمعنا أن بلدًا معيّنًا كلبنان، ينبغي ألّا نفرض عليه لغتنا العربيّة، وذلك لأنّ العربيّة تحمل عادات العرب وتقاليدهم وثقافتهم وحضارتهم، أمّا لبنان فهي فينيقيّةٌ غربيّةٌ تنتمي إلى بوتقة الغرب ولغته الفرنسيّة” (30). ويعلّق الوعر على التّصفيق الطّويل الّذي استُقبِل به أحد اللّسانيّـين اللّبنانيّـين عندما أنهى كلمته في المؤتمر اللّغويّ للّسانيّات التّطبيقيّة في مونتريال _كندا 1978، وقد دعا فيها إلى ديمقراطيّة اللّغات، وإلى وجوب درس اللّهجات المحليّة، بقوله: “وما من شكٍّ أنّ هذه الدّيمقراطيّة المزيّفة والتّصفيق الطّويل الّذي رافقها، يدلّان على النّزعة العدوانيّة تجاه الثّقافة العربيّة وحضارتها وتاريخها”. (31). ومن المعلوم أنّ اللّغة كالكائن الحيّ، إنْ لم تنمُ فقد حكمت على نفسها بالموت المحتّم. فما أبرز مظاهر نموّ الثّروة اللّفظيّة؟

  1. 4. نمو الثروة اللّفظيّة في اللّغة العربيّة: في الأصل، كان للشّيء المحسوس اسمٌ يدلّ عليه، ثمّ نقل الإنسان دلالة اللّفظ من الملموس إلى المعقولات والمعنويّات. فلفظ “الشّكّ” مثلًا كان للدّلالة على الوخز بالشّوكة أو بالإبرة، ثمّ صار يدلّ على الحيرة والتّوقف بين النّفي والإثبات تجاه قضيّةٍ ما. ومن ذلك أيضًا لفظ “العقل” الّذي كان في الأصل معناه الحبل الّذي يعقل الأشياء ويربطها. ولفظ “العقيدة” أصله الشّيء الثّمين يعقد عليه الإنسان منديله حتّى لا يضيع. ولفظ “الشّرع” كان معناه مورد الماء. ولفظ “العَلَم” معناه الجبل، قبل أن يدلّ على الشّخص المشهور في ميدانٍ يبرع فيه. وهكذا، فإنّ تطوّر الفكر وانزياح الدّلالة من المحسوس إلى المجرّد هو شكلٌ من أشكال التّوسّع اللّغويّ.

ومن أشكال نموّ الثّروة اللّفظيّة أيضًا التّوسّع المجازيّ والاستعاريّ لعلاقةٍ تجمع بين اللّفظ الأصليّ ودلالته الجديدة “كالجرّة” التّي سمّيت كذلك لأنّ لها عروةً تُجَرُّ بها، و”النّعامة” لنعومة ريشها، و”الشّبّاك” لأنّ عليه حديدةً مشبّكةً، و”اللّفظ” لأنّه يخرج من الفمّ، و”البندقيّة” لأنّ رصاصها في الأساس كان كرويًّا كحبّ البندق، و”التّوتّر” من وتر القوس لـمّا يُشَدّ لرمي السّهم، و”القلب” من الفعل تقلّب، و”الشّرف” من الشُّرفة، و”الخفّاش” من الخَفْش وهو ضعف البصر بالنّهار. ونمت الثّروة اللّفظيّة في العربيّة بقبولها بعض الألفاظ الأجنبيّة، وهو ما سمّاه العلماء المعرّب والدّخيل. ومن ذلك البرتقال من البرتغال، والكشمير من كشمير الهند، والسّردين من جزيرة سردينيا، والشّاش من بلدة تحمل هذا الاسم في إقليم السّند… وقد هذّب العرب كثيرّا من الكلمات فسُمّيت معرّبةً، كالصّراط من اللّاتينيّة “ستراتا”، وكلمة قميص من الإغريقيّة “كميسيون”، والمصحف من الحبشيّة، والشّهر من الآراميّة، والإفك من العبريّة، والدّيباج والإستبرق والطّبنجة من الفارسيّة (32).

ومن المعلوم أنّ العربيّة تتميّز بالمترادف وهو وجود لفظين أو أكثر لمعنًى واحد، كالمهنّد والبتّار والصّارم والصّمصام والحسام والقاطع والماضي للسّيف، علمًا أنّ كلّ لفظٍ يعطي دلالةً مختلفةً، فالمهنّد مصنوع في الهند، والبتّار لأنّه يبتر بسرعة. وفي العربيّة أيضًا المشترك وهو وجود معنيين أو أكثر للفظٍ واحدٍ كالعين التّي تعني الجارحة والجارية والمرأة والينبوع والجاسوس وغيرها، وفيها التّضاد وهو أن يشترك في لفظٍ واحدٍ معنيان متناقضان، كلفظ سليمٍ للصّحيح وللملدوغ، ولفظ الصّارخ للمغيث وللمستغيث، و”الصّريم” للصّبح وللّيل، و”الشّعب” للاجتماع وللافتراق. ولجأت العربيّة أيضًا إلى التّوليد، وهي أن يُطلَق اللّفظ القديم على شيءٍ مستحدَثٍ، كالهاتف والسيّارة والطيّارة والثلّاجة والسّخّان والمدفع والقاطرة والبريد والدّبابة…

وثمّة ظاهرةٌ فريدةٌ أيضًا هي النّحت والمزج كبسمل (بسم الله الرّحمن الرّحيم)، وحمدل (الحمد لله ربّ العالمين)، وسبحل (سبحان الله)، وحسبل (حسبي الله)، ودمعز (دام عزّك)، وطلبق (أطال الله بقاءك)، وكبتع (كبت الله عدوّك)، ومشكن (ما شاء الله كان)، وجعفل (جعلني الله فداك)…

ولكنّ العربيّة تئنّ بسبب هرم أبنائها، وتقاعسهم عن خدمتها، والذّود عن حياضها. ومن الألفاظ الأجنبيّة الـمُتداوَلة اليوم ما نستورده من الغرب من أدويةٍ ومنتجاتٍ وآلاتٍ ومركباتٍ وقطع غيارٍ وتقنياتٍ، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، كالكمبيوتر والأنترنت والفلاش والكاميرا والريسفير والدّيسبيراتير…، وأسماء الأوبئة والأمراض كالأنفلونزا والسّارس والأيبولا وكورونا وغيرها. وهنا يأتي دور مجامع اللّغة العربيّة والعلماء العاملِين المخلِصين في مواكبة كلّ جديدٍ، وفي بذل الجهود لتقرير اللّفظ المناسب، سواءٌ أكان ذلك من طريق التّعريب، أو التّوليد، أو الاقتراض من اللّغات الأخرى، شرط ألّا يكون الاقتراض إلّا في حالة الضّرورة القصوى.

  1. 5. قانون التّناسب الطّرديّ: تمتّع اللّغويّون العرب القدامى ببصيرةٍ نفّاذةٍ، أمكنتهم من صوغ قوانين لغويّةٍ، عرفتها مؤخّرًا النّظريّات اللّسانيّة الحديثة، كقانون التّناسب الطّرديّ، وهو فرعٌ لقانون التّغيّر اللّغويّ. وقد تطرّق إليه الزّملكانيّ، وابن خلدون، وابن حزمٍ وغيرهم، فقد رأوا أنّ التّغيير يزداد في كلّ لفظٍ يكثر استعماله، وأنّ العرب لـما كثر استعماله أشدّ تغييرًا. ويرى ابن جنّي أنّ حيويّة اللّغة تواكب حيويّة حاجات الإنسان، لذلك يقول: “وإذا فشا الشّيء في الاستعمال، وقوي في القياس، فذلك ما لا غاية وراءه… وأمّا ضعف الشّيء في القياس، وقلّته في الاستعمال، فمرذول مُـطَّرَح”. (33).

ويقول الزّملكانيّ مصوِّرًا سلطان الزّمن على اللّغة: “لكلّ زمانٍ أهلٌ وعادةٌ في مقالهم ومجاري استعمالهم، من ذلك ما روي عن الأخفش أنّه سأل منذ أربعين سنةً عن قولهم في المثل: “ما أغفله عنك شيئًا”، فلم يعرف أحدٌ معناه” (34).

ويشرح ابن خلدون ارتباط مصير اللّغة بمصير الأنظمة السّياسيّة، ويتوقّف عند ظاهرة تلاقي الأخلاط المجتمعيّة تحت وطأة الصّراع السّياسيّ بين الأمم. ويرى أنّه لـمّا ملك التّتر والمغول بالمشرق _ولم يكونوا على دين الإسلام_ صارت الكتب العلميّة تُكتَب وتُدرَّس باللّغات الأعجميّة، وكان من نتائج ذلك فساد اللّغة العربيّة. يقول ابن خلدون: “فمن خالط العجم أكثر، كانت لغته عن ذلك اللّسان الأصليّ أبعد… أمّا أفريقية والمغرب فخالطت العرب فيها البرابرة من العجم… فغلبت العجمة فيها على اللّسان العربيّ الّذي كان لهم، وصارت لغةً أخرى ممتزجة. وكذا المشرق لـمّا غلب العرب على أُمَمِه من فارس والتّرك، فخالطوهم، وتداولت بينهم لغاتهم في الأكرة والفلّاحين والسّبي الّذين اتُّخذوا خولًا وداياتٍ وآظارًا ومراضع، ففسدت لغتهم بفساد الملكة، حتّى انقلبت لغةً أخرى”. (35). ويوافق ابنُ حزمٍ الأندلسيّ ما ذهب إليه صاحب المقدّمة، فكأنّه يرى حالنا مع لغتنا في هذه الأيّام، فيُصوِّره بقوله: “إنّ اللّغة يسقط أكثرها ويبطل، بسقوط دولة أهلها، ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم… وأمّا من تلفَت دولتهم، وغلب عليهم عدوّهم، واشتغلوا بالخوف والحاجة والذّلّ وخدمة أعدائهم، فمضمونٌ منهم موت الخواطر، وربّما كان ذلك سببًا لذهاب لغتهم” (36). ويرى عبد السّلام المسدّي أنّ اللّغة الّتي لا تتفاعل مع ملامح التّغير والاستحالة تحكم على نفسها بالموت، ويـتبنّى الفكرة القائلة بأنّ التّغيّر مؤشّرٌ وافٍ على حياة اللّغة، وعلى حيويّتها. يقول المسدّي: “ولـمّا كانت اللّغة مسارًا حيويًّا على درب الزّمان، لـزِم أن تكون لها نوافذ مفتوحةٌ على مضاعفات الوجود والحضارة، بما أنّ مشرّع الكلام لا يتسنّى له في لحظةٍ من لحظات الوجود اللّغويّ أن يُغلِق سجلّ حاجيّات الإنسان من اللّغة” (37).

وقد عزا ابن جنّي _في مواضع كثيرةٍ جدًا من الخصائص_ حذفَ العرب بعض الحروف، أو إبدالها، إلى حرصهم على أن يكون اللّفظ لطيفًا وقعُهُ على النّفس. ومثال ذلك قوله في (باب ذكر علل العربيّة: كلاميّةٌ هي أم فقهيّة؟): “اعلم أنّ علل النّحويّـين، أقرب إلى علل المتكلّمين… وذلك أنّهم يُـحيلون على الحسّ، ويحتجّون فيه بثقل الحال، أو خفّتها على النّفس… فرفع الفاعل لقلّته، ونصب المفعول لكثرته، وذلك ليقلّ في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفّون… وهذا _كما تراه_ أمرٌ يدعو الحسّ إليه، ويحدو طلب الاستخفاف عليه… ألا ترى إلى ثقل اللّفظ بسَيْـوِدٍ ومَيْـوِتٍ وطوْيًا وشوْيًا، وأنّ سَيِّدًا، ومَيِّتًا، وطَيًّا، وشَيًّا، أخفّ على ألسنتهم” (38).

  1. تأثير الحياة العصريّة على اللّغة: من المعلوم أنّ اللّغة تتأثّر بمحيطها، وتؤثّر فيه، سلبًا أو إيجابًا وفاقًا لسيرورة الحياة وطبيعتها ونمطيّة إيقاعها. فالإنكليزيّ اليوم لا يستطيع قراءة ما كتبه (شكسبير) بالإنكليزيّة قبل ثلاثمئة سنةٍ، لأنّ ثَمّةَ تغييراتٍ جذريّةً طرأت على الإنكليزيّة. ولا شكّ في أنّ أنماط الحياة المعاصرة كما أثّرت في بنية اللّغة: الألفاظ والتّراكيب والأساليب والصّور والدّلالات، فقد غيّرت الكثير من المظاهر الاجتماعيّة والعادات، والسّلوكات، وبدّلت طباع النّاس، فصاروا يميلون إلى المختصَرات والملخّصات في التّعليم، والسّياسة، والصّحّة، والإعلام، والإعلانات، ومناحي الحياة كافّة.

وقد كانت المعلّقات الطّوال متناغِمةً مع رتابة الحياة الجاهليّة: فالصّناعة بدائيّةٌ ويدويّةٌ، والحديد يحتاج أيّامًا من الجذّ، والقطع، والقدّ، والصَّهر ليصير سيفًا بتّارًا، والكتاب يحتاج أيّامًا ليُنسَخ، والحرب بالقوس، والرّمح، والسّيف، والتّرس، والحَمَل الصّغير يرعى سنتين ليصلح للذّبح… من هنا، فقد كان لدى النّاس الاستعداد النّفسيّ لتبديد الوقت البطيءِ وقْعُهُ، البليدِ إيقاعُهُ، فاستلذّوا ألف ليلةٍ وليلة، وطربوا للإسهاب والاستطراد في سرد الحوادث ووصف الأيّام. أمّا اليوم، فقد انقلبت الأمور رأسًا على عقِب، وفرض التّقدّم التّكنولوجيّ على اللّغة العربيّة مفرداتٍ جديدةً وأسلوبًا رشيقًا منسَجِمًا مع إيقاع الحياة المتسارِع، وبات جيل اليوم يعشق السّرعة في الحوار كما يعشق سرعة الحركة والكسب والإنجاز، ويُحَبِّذُ الجاهز من الأطعمة والألبسة والمنتجات. وغاب عن معظم القصائد والرّوايات والمقالات والأفلام والمسلسلات والإعلانات التّذوّقُ الجماليُّ، وباتت لغتُهُ استهلاكيّةً تداوليّةً متناغمةً مع “ما يطلبه الجمهور”، وشهدنا ولادة مظهرٍ سلبيٍّ من مظاهر التّطوّر اللّغويّ، وهو التّلوّث اللّغويّ.

  1. 1. التّلوّث اللّغويّ: إنّ شيوع اللّحن على ألسنة العامّة إنّما هو ظاهرةٌ قديمةٌ، وقد تنبَّهَ إليها السّابقون. يقول الزّبيديّ: “وتابعهم على ذلك الكثرة من الخاصّة، حتّى ضمّنته الشّعراءُ أشعارَهم، واستعمله جلّة الكتّاب وعِلْية الخَدَمة في رسائلهم، وتلاقَوا به في محافلهم” (39).

ثمّ وجدتُني، في السّنوات الأخيرة، ألحظ ظاهرة اعتماد اللّهجة العاميّة في كتابة اللّافتات الإعلانيّة الّتي تضجّ بها الشّوارع والطّرقات في لبنان. فتمجيد السّياسيّين، والتّهنئة بالمناسبات الدّينيّة والاجتماعيّة، والإعلان عن افتتاح متجرٍ، أو مركز تسوّقٍ، ناهيك بالدّعوات إلى التّبرّع لدور الأيتام أو للجمعيّات الخيريّة… كلّ ذلك بات يُصاغ بعامّـيّةٍ ركيكةٍ مشوَّهة، تخدش العين وتؤذي السّمع والذّوق معًا، مع كثيرٍ من الأخطاء الإملائيّة الفاضحة. ومن ذلك عبارات: تعوا لعنا، وقف تقلّك، لا تبرم ولا تحتار، طخفيدات خيالية، إزا دقت علقت، القلب ع القلب، كمشتك، ناطرينكن… وليس خافيًا على أحد أنّ اللّافتات والإعلانات _على السّاحل الممتدّ من مدينة جبيل إلى جونية وبيروت_ تُكتب كلّها بالفرنسيّة أو الإنكليزيّة. فلو هبط إنسانٌ من الفضاء في هذه المنطقة، وسألته: أين أنت؟ لَـما أدرك أنّه في أنّه في بلدٍ عربيٍّ؛ لأنّه لن يجد أيّ مظهرٍ يدله على العربيّة!.

ودرج الإعلاميّون على تغيير عناوين برامجهم من الفصحى إلى العاميّة، فبات الشّاشة الصّغيرة مُتْخَمَةً بِـعناوين كــــ: هلق شو، منّا وجر، الأحد منحكي، لوين واصلين، لهون وبس، أنا هيك… وأحد البرامج يقدِّم معلوماتٍ علميّةً تحت عنوان: “أنا قال” بقلب القاف همزةً، فكأنّ تلويث مَلَكَة السّمع عملٌ مقصودٌ ومدروس. وما زاد الطّين بلّةً، ما يُسمّى بــ “لغة النّت”. فالقبول بتسميتها “لغة” أمرٌ بالغ الخطورة. وللأسف، فإنّجد جُلَّ مستخدمي الشّبكة العنكبوتية ومواقع التّواصل يكتبون بحروفٍ لاتينيّةٍ ما يلفظونه بالعربيّة. والطّامة الكبرى أنّ بعض مدرّسي اللّغة العربيّة يرتكبون هذه الخطيئة. ومن المؤسف أن نجد بعض مدرّسي اللّغة العربيّة يكتبون عبارتَي: إنْ شاء الله، والحمد لله: inche2allah، al7amdollilah، أو: إنشاء الـله، والحمداللـه!.

ويتداول اللّبنانيّون في أحاديثهم اليوميّة، مئات الكلمات والعبارات الأجنبيّة، وقد رصد اللّسانيّ نادر سراج في كتابه (الشّباب ولغة العصر) أنّ الشّباب اللّبنانيّ يستخدم أكثر من 800 تعبير مقترَضٍ من الفرنسيّة والإنكليزيّة (40). ومن البدهيّ أنّ ذلك يجعل الشّابّ غريبًا عن لغته العربيّة، وغريبًا عن ثقافته وجذوره وانتمائه، وهويّته.

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ ثمّة تلوّثًا لغويًّا خطيرًا تتسبّب به كثيرٌ من الجهات السّياسيّة والإعلاميّة والاقتصاديّة والأكاديميّة والتّربويّة. ومن المعلوم أنّ تكرار سماع مظاهر التّلوّث اللّغويّ يجعل الأذن تعتاد على النّشاز، ثمّ تألفه، وتتأقلم مع الخطأ القبيح، فتُقتَل السّليقةُ، وتُلَوَّث الـمَلَكةُ اللّغويّة، ويجد العربيّ لغته تختفي شيئًا فشيئًا، فلا يُحزنه ذلك، ولا يُثير فيه مشاعر الغضب والاستياء. وهكذا، فقد باتت لغتنا الجميلة في واقعٍ مأزومٍ، أسهمنا في صناعته، قصدًا، أو من غير قصد.

  1. 2. أزمة اللّغة: درس ابن خلدون ظاهرة التّطوّر اللّغويّ انطلاقًا من مبدأي المخالطة والغلبة. ورأى أنّ العرب لـمّا خالطوا الأمم الّتي دخلت في حوزتهم “تغيّرت تلك الملكة بما ألقى إليها السّمعُ من المخالفات الّتي للمستعربين. والسّمع أبو الملكات اللّسانيّة”(41). وفي هذا المقام، يرى عبد السّلام المسدّي أنّ ابن خلدون كان لديه الوعي بحتميّة انخراط اللّغة في صيرورة التّاريخ؛ لأنّه عرض “بين يدي القارئ مشروعًا علميًّا سوف لن يُـنجَز إلّا بعد قرونٍ، هو مشروع علم اللّهجات” (42).

وقد عومِلت العربيّةُ، بنظر المسدّي، “في منظور الفكر العربيّ معاملة الكائن الحيّ تمامًا: هي تعيش وتنمو بحكم سلطان القوى الضّاغطة على مجالها الحيويّ. على أنّها طبقًا لناموس الحياة تتعرّض لعوامل الإبادة والفناء” (43). وليس الواقع المأزوم الّذي تشهده العربيّة اليوم خفيًّا على أحد. لكنّ المشكلة أنّ معظم الشّاكين يعزون الأمر إلى مؤامرةٍ خارجيّةٍ، ويُلقون باللّوم على الاستعمار والعولمة، والأعداء، وشياطين الإنس والجنّ، فكأنّهم بذلك يُعفون أنفسهم من عناء بذل أيّ جهدٍ، ويرون أنّ الحلّ يكمن في قرارٍ سياسيٍّ يُعيد للعربيّة مكانتها وهيبتها.

وفي الحقيقة، إنّ المسألة تحتاج إلى تغييرٍ جذريٍّ في تركيبة العقل العربيّ المعاصر، إذ تغلب عليه الارتجاليّة وغياب العمق في توصيف القضايا ومعالجتها، وتسود الرّوح الانهزاميّة الّتي ترسَّخَ فيها العجز والاعتقاد بعدم القدرة على الإنجاز. ناهيك بأنّ الطّلّاب يجدون العربيّةَ صعبةً ومُعقَّـدةً. والحقيقة أنّ الصّعب والمعقّد هو طرائق تدريسها، والنّصوص المقترحة للتّحليل لا تواكب سير الحياة، ولا تلائم بيئة الطّالب. وخلاصات دروس القواعد والبلاغة مُـجْـتَـزَأَةٌ من كتب النّحاة الأقدمين الّذين كتبوا لمعاصريهم بلغةٍ يفهمونها، كما أنّ واجبنا اليوم أن نكتب لمعاصرينا بلغةٍ تناسبهم. والقاعدة النّحويّة الّتي أقرّها سيبويه مثلًا، ناقشها مع طلّابه وهم حينذاك مشاريع علماء بمستوياتٍ رفيعةٍ، فهل يجوز أن تُدرَّس لأطفالٍ في المرحلة الابتدائيّة؟ بالطّبع، نحن نشهد اليوم ضعفًا غير مسبوقٍ لدى الطّلّاب، ومن أبرز أسبابه الارتجاليّة في تأليف الكتب المدرسيّة.

إضافةً إلى ما سبق، فقد ارتبطت اللّغة العربيّة بالشِّعريّة، وكثيرٌ من المدرّسين والنّقاد يحكمون على النّصّ أو العمل بمقدار ما فيه من خيالٍ مجنَّحٍ، وصورٍ فنّيّةٍ، وعنايةٍ بالبلاغة… فساد الاعتقاد بأنّ العربيّة ليست لغة الحياة، ولا تستطيع تلبية متطلّبات العلم، ورأينا موادّ الحساب والرّياضيات والعلوم تدرَّس باللّغات الأجنبيّة بدءًا من صفوف الحلقة الأولى في المرحلة الابتدائيّة. وإذا خرج أحد الباحثين في إطلالةٍ إعلاميّةٍ تجده يستعمل في حديثه عشرات الكلمات الأجنبيّة، لاعتقاده أنْ لا مرادف لها في العربيّة.

وعليه، فإنّ أزمة اللّغة العربيّة هي أزمة هُويّةٍ، وقد أضعنا البوصلة منذ زمنٍ، وما زال كثيرٌ منّا يهرب من الحقيقة، وإذا “لم ينتفض أصحاب القرار بوعيٍ فَـجْـئِيٍّ جديدٍ، سنكون في المنظور المتوسّط المدى، أمّةً بلا هُويّةٍ لغويّة” (44). نحن جميعًا نعترف بوجود مشكلةٍ، لكنّنا لم نوصّفها، ولم نخطِّط لبلوغ الأهداف؛ لأنّنا لم نحدّد أهدافنا بعد. إنّنا في مأزقٍ فكريٍّ اجتماعيٍّ حضاريٍّ عميقٍ، فنحن لا نعرف ماذا نريد، بسبب غياب الرؤية والعجز عن استشراف المستقبل.

  1. الخاتمة: يعتقد جُـلُّ العرب أنّ لغتَهم محفوظةٌ لقوله تعالى: ﴿إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون﴾ (45). وتفسير لفظ “الذّكر” القرآن الكريم، وليس اللّغة العربيّة. فالله عز وجلّ تعهّد بحفظ القرآن الكريم من “الشّياطين، وهو حافظه في كلّ وقتٍ من كلّ زيادةٍ ونقصانٍ وتحريفٍ وتبديل” (46)، وأوكل إلينا مهمّة حفظ اللّغة العربيّة من الاندثار. ويزيد مشكلتَنا تعقيدًا، اطمئنانُنا التّواكليّ، واعتقادنا أنّ العربيّة عصيّةٌ على الكسر، ومحفوظةٌ بقرارٍ ربّانيّ. إنّنا في الواقع نريد أن تبقى لغتنا مصونةً، وذلك جليٌّ في خطاباتنا، ولكنّ أفعالنا وسلوكاتِنا العمليّةَ تناقض أقوالنا. ومن المؤكّد أنّ كثيرًا من السّاسة وصنّاع القرار وأهل التّربية والثّقافة في عالمنا العربيّ لا يرون أنّ صون العربيّة من الضّرورات الملحّة. ويعتقد معظم العرب أنّ اندثار اللّغات يُطاول المجموعات المعزولة فقط، ولا يشعرون بأخطارٍ تهدّد اللّغة العربيّة من الدّاخل: خطر اللّهجات العاميّة الّتي اكتسحت الإعلام ومعظم المنتديات الفكريّة والفنّيّة والثّقافيّة، وخطر الدّخيل المتداوَل من الـمُتفرنجين كدليلٍ على الرّقيّ والتّحضّر، فبات معجمهم زاخرًا بمئات الكلمات الأجنبيّة، وخطر المدارس التّي قدّمت الموادّ كلّها على العربيّة، وجعلتها كبش الفداء في كلّ مناسبةٍ، وخطر الأساتذة الّذين لا يعون خطورة الأمانة الملقاة على عواتقهم، ويدرّسون العربيّة _من دون أن يُـلِـمُّوا ببناها التّركيبيّة_ بأساليب تقليديّةٍ جافّةٍ، وخطر واضعي المناهج التّعليميّة الّذين لا يوظّفون خبرات علماء اللّسانيّات والتّربية والاجتماع والنّفس في إنجاز المقرّرات التّعليميّة.

في بريطانيا، قامت امرأةٌ بحملةٍ للدّفاع عن حقوق الأبقار، ورفضت نقلها بشاحناتٍ غير مُجَهَّـزةٍ، فطرحت نفسها أمام عجلات الشّاحنة، فأدّى ذلك إلى وفاتها! ضحّت بنفسها كُرمى لقضيّةٍ تؤمن بها. والسّؤال الّذي يطرح نفسه: كم يلزمنا من وقتٍ حتّى نُدرِك حقيقة الأزمة الّتي أوصلْنا لغتَنا إليها؟ ومتى سنكفّ عن إلقاء اللّوم على الآخرين ونبدأ ورشة الإنقاذ؟ وهل نحن مستعدّون حقًّا للتّضحية دفاعًا عن لغتنا العربيّة؟

 

 هوامش البحث:

  1. لسان العرب، ابن منظور، ج 12، مادّة ل غ و، ص. 299.
  2. لحن العوامّ، الزّبيديّ، باب اللّام، مادّة ل غ و، ص. 410.
  3. سورة المؤمنون، الآية 3.
  4. اللّسان والإنسان، حسن ظاظا، ص. 19 وما بعدها.
  5. الخصائص، ابن جنّي، ج 1، ص. 32.
  6. اللّسان والإنسان، حسن ظاظا، ص. 31.
  7. في فلسفة اللّغة، كمال يوسف الحاج، ص. 36.
  8. المصدر السّابق، ص. 39.
  9. ضوابط الفكر النّحويّ، محمّد عبد الفتّاح الخطيب، ج 2، ص. 470.
  10. البخلاء، الجاحظ، ص. 73.
  11. للمراجعة 2011، عبد السّلام المسدّي، ص. 221.
  12. الخصائص، ابن جنّي، ج 1، ص. 18.
  13. الخطاب الاشتباهيّ في التّراث اللّسانيّ العربيّ، البشير التّهاليّ، ص. 6.
  14. اللّسان والإنسان، حسن ظاظا، ص. 93.
  15. الإتقان في علوم القرآن، السّيوطيّ، ج 2، ص. 328.
  16. المصدر السّابق، ص. 337.
  17. الخصائص، ابن جنّي، ج 1، ص. 399.
  18. مسند أحمد، رقم 23679.
  19. سورة التّوبة، من الآية 3.
  20. اللّسان والإنسان، حسن ظاظا، ص. 96.
  21. منهج الدّرس الصّوتيّ عند العرب، علي حسين خليف، ص. 133 وما بعدها.
  22. الخطاب الاشتباهيّ في التّراث اللّسانيّ العربيّ، البشير التّهاليّ، ص. 253.
  23. الحروف والأدوات، الخليل بن أحمد الفراهيديّ، ص. 384.
  24. اللّسان والإنسان، حسن ظاظا، ص. 97 وما بعدها.
  25. المصدر السّابق، ص. 113. رقم 25
  26. شرح الملوكيّ في التّصريف، ابن يعيش، ص. 85.
  27. المصدر السّابق، ص. 437.
  28. اللّسان والإنسان، حسن ظاظا، ص. 112 وما بعدها.
  29. قضايا أساسيّة في علم اللّسانيّات الحديث، مازن الوعر، ص. 35.
  30. المصدر السّابق، ص. 375.
  31. المصدر نفسه، ص. 375.
  32. كلام العرب، حسن ظاظا، ص. 37 وما بعدها.
  33. الخصائص، ابن جنّي، ج 1، ص. 162.
  34. الزّملكانيّ، 1974، ص. 93.
  35. المقدّمة، ابن خلدون، ص. 267.
  36. الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، ص. 32.
  37. التّفكير اللّسانيّ في الحضارة العربيّة، عبد السّلام المسدّي، ص. 233.
  38. الخصائص، ابن جنّي، ج 2، ص. 155.
  39. لحن العوامّ، الزّبيديّ، ص. 36.
  40. الشّباب ولغة العصر، نادر سراج.
  41. المقدّمة، ابن خلدون، ص. 555.
  42. العربيّة والإعراب، عبد السّلام المسدّي، ص. 79.
  43. ما وراء اللّغة، عبد السّلام المسدّي، ص. 122.
  44. العرب والانتحار اللّغويّ، عبد السّلام المسدّي، ص. 22.
  45. سورة الحجر، الآية 9.
  46. تفسير الكشّاف، الزّمخشريّ، ج 2، ص. 550.

 

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم.
  2. ابن جني، أبو الفتح عثمان (300 _ 392ه)، الخصائص، تحقيق عبد الحميد هنداوي، بيروت، دار الكتب العلمية،1421ه، 2001م.
  3. ابن حزم، أبو محمّد عليّ بن أحمد بن سعيد، (384 _ 456ه)، الإحكام في أصول الأحكام، بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1979م.
  4. ابن خلدون، وليّ الدّين عبد الرّحمن بن محمّد، (732 _ 808ه) المقدّمة، تحقيق عبد الله الدّرويش، دمشق، دار يعرب، 1425ه، 2004م.
  5. ابن منظور، جمال الدين بن جلال الدين (630 _ 711هـ)، لسان العرب، تحقيق أمين عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ، 1999م.
  6. ابن يعيش، أبو البقاء موفّق الدين بن يعيش بن علي (556 _ 643ه)، شرح الملوكيّ في التّصريف، تحقيق فخر الدين قباوة، دمشق، دار الملتقى، ط3، 1426هـ، 2005م.
  7. أحمد، ابن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل بن هلال بن أسد الشّيبانيّ (164 _ 241ه)، مسند أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرون، بيروت، مؤسّسة الرّسالة، 1421ه، 2001م.
  8. الأنباري، كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمد أبي سعيد (513 _ 577ه) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النّحويّين البصريّين والكوفيّين، تحقيق محمد بن محيي الدين عبد الحميد، بيروت المكتبة العصرية، 1428ه، 2007م.
  9. التّهالي، البشير، الخطاب الاشتباهيّ في التّراث اللّسانيّ العربيّ، بيروت، دار الكتاب الجديد المتّحدة، 2013م.
  10. الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (163 _ 255 هـ)، البخلاء، تحقيق محمّد التّونجي، بيروت، دار الجيل، 1414ه، 1993م.
  11. الخطيب، محمد عبد الفتاح، ضوابط الفكر النّحويّ، القاهرة، دار البصائر، 2006 م.
  12. الخليل بن أحمد، الفراهيدي، (100 _ 175ه)، الحروف والأدوات، تحقيق هادي حسن حمودي، مسقط- سلطنة عُمان، المطبعة المشرقية، 1428هـ، 2007م.
  13. الزّبيديّ، أبو بكر محمّد بن الحسن بن عبد الله بن مذحج (316 _379ه)، لحن العوامّ، تحقيق رمضان عبد التّوّاب، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط2، 1420ه، 2000م.
  14. الزّمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد (467 _ 538هـ)، تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التّنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التّأويل، تحقيق محمد عبد السلام شاهين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط5، 1430ه _ 2009م.
  15. الزّملكانيّ، كمال الدّين، البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن، تحقيق خديجة الحديثي وأحمد مطلوب، بغداد، مطبعة العاني، 1393ه، 1974م.
  16. سراج، نادر، الشّباب ولغة العصر، بيروت، الدّار العربيّة للعلوم، 2012م.
  17. السّيوطيّ، جلال الدّين عبد الرّحمن بن كمال الدّين (849 _ 911ه)، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، المكتبة العصريّة، 1429ه، 2008م.
  18. ظاظا، حسن، كلام العرب، دمشق، دار القلم، ط2، 1410هـ، 1990م.
  19. ظاظا، حسن، اللّسان والإنسان، دمشق، دار القلم، ط2، 1410هـ، 1990م.
  20. علي، محمّد محمّد يونس، قضايا في اللّغة واللّسانيّات وتحليل الخطاب، بيروت، دار الكتاب الجديد المتّحدة، 2013م.
  21. الفهريّ، عبد القادر الفاسيّ، السّياسة اللّغويّة في البلاد العربيّة، بيروت، دار الكتاب الجديد المتّحدة، 2013م.
  22. الحاج، كمال يوسف، في فلسفة اللّغة، بيروت، دار النّشر للجامعيّـين، 1967م.
  23. المسدّي، عبد السّلام، التّفكير اللّسانيّ في الحضارة العربيّة، بيروت، دار الكتاب الجديد المتّحدة، 2009م.
  24. المسدّي، عبد السّلام، العرب والانتحار اللّغويّ، بيروت، دار الكتاب الجديد المتّحدة، 2011م.
  25. المسدّي، عبد السّلام، العربيّة والإعراب، بيروت، دار الكتاب الجديد المتّحدة، 2010م.
  26. المسدّي، عبد السّلام، ما وراء اللّغة (بحثٌ في الخلفيّات المعرفيّة)، تونس، مؤسّسات عبد الكريم بن عبد الله للنّشر والتّوزيع، 1994م.
  27. الوعر، مازن، قضايا أساسيّة في علم اللّسانيّات الحديث (مدخل)، دمشق، دار طلاس للدّراسات والتّرجمة والنّشر، 1988م.

 

 

خضر نجيب

د. بشير فرج

[1]– طالب دكتوراه في جامعة بيروت العربيّة- اختصاص لغة عربيّة _لسانيّات

075541/71 PHD student at Beirut Arab university – Arabic language- Linguistics.phone:

khodernajib79@gmail.comEmail:

[2] – أستاذ مشارك في  جامعة بيروت العربيّة- اختصاص لغة عربيّة – النّقد والبلاغة العربيّة

– Associate Professor at Beirut Arab University – Arabic language A-rabic Criticism and Rhetoric –

618539/03 Email: bashir.faraj@bau.edu.lb – phone:

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website