foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

الدّور الاجتماعي للحكومات الإيرانيّة في النّجف الأشرف منذ التّأسيس حتى القرن الثّامن الهجري

0

الدّور الاجتماعي للحكومات الإيرانيّة في النّجف الأشرف منذ التّأسيس حتى القرن الثّامن الهجري

The social role of Iranian governments in Najaf Al-Ashraf from founding until the eighth century AH  its

MA.Hayder Awad Abed م.م حيدر عواد عبد الحدراوي([1])

Dr. Asghar Montazer olghaem د.أصغر منتظر القائم([2])

Dr.Ali Akbar Abbasi د.علي أكبر عباسي([3])

تاريخ الإرسال:10-1-2024                                   تاريخ القبول:20-1-2024

تحميل نسخة PDF

الملخص

م.م حيدر عواد عبد الحدراوي

خضعت مدينة النّجف الأشرف منذ تأسيسها في القرن الثالث الهجري الى الحكم الإيراني (البويهيون، السّلاجقة، المغول والجلائريون)، وقد تفاوت السياسة الاجتماعيّة  التي اتبعتها كلّ من هذه الدّول، ويعود سبب التّفاوت في هذه السياسة الى المذهب الذي تنتمي اليه كلّ من هذه الدّول، فالبويهيون دولة شيعيّة المذهب وكانت الأكثر حرصًا من غيرها للاهتمام بمدينة النّجف الأشرف، حيث كانت الأبرز من بين الدّول في دورها الاجتماعي لمدينة النّجف الأشرف المتمثل في إحياء المناسبات الإسلاميّة التي تخصّ المذهب الشّيعي ومنها عيد الغدير، وذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) والمهمّ الّذي حُقق في عهدهم هو تأسيس مؤسسة النّقباء، والسّدانة في العتبات المقدسة ومن بينهما مدينة النّجف الأشرف والتي استمرت تحكم مدينة النّجف الأشرف حتى القرن الثّامن الهجري، وكان لتأسيس هذه المؤسسة بعدًا مهمًّا تمثّل في إخضاع مدينة النّجف الأشرف سياسيًّا واجتماعيًّا لحكم النّقباء، وهذا يعني حكم مدينة النّجف من سكانها بالإ ضافة الى إدخال بعض الشّعائر الحسينيّة، وقد أصبح للعلويين من طبقات المجتمع المهمّة في العتبات المقدسة في العراق، وتوليتهم منصب مؤسسة النّقباء ومن الجدير ذكره أنّ اهتمام البويهيون بالعتبات المقدسة في العراق، كان ردًا على سياسة العباسيين تجاه أهل البيت (ع) والعلويين، بينما لا نجد هذه الاهتمام نفسه من الحكومات الأخرى وفي مقدّمهم السّلاجقة، فكانت على العكس من البويهيين، فلم يكن لهم ذلك الاهتمام الّذي يستحق الذكر في مدينة النّجف الأشرف، واقتصر دورها الاجتماعي على الزّيارات المتكررة للنّجف الأشرف ، وكذلك الحال بالنسبة إلى المغول فعلى الرّغم من أنّ مذهبهم الرّسمي كان المذهب السّني، فقد وجدت بعض التّوجهات الشّيعيّة بين حكامهم ومن بينهم السلطان محمد خدا بنده، وخدمت وجود مثل هذه التّوجهات للمذهب الشّيعي، فلم يضطهد في عهدهم الشّيعة وكذلك الحال للحكم الجلائري، وقد تميز حكمهم في العراق بعدم الاستقرار الدّاخلي بسبب محاولات تيمورلنك في الاستيلاء على العراق، لذلك لم يكن لهم دور اجتماعيٌّ بارز في النّجف الأشرف.

الكلمات المفاتيح: بني بويه، السّلاجقة، المغول، الجلائريين، النّجف.

 Abstract

د.أصغر منتظر القائم

The city of Al- Najaf Al-Ashraf has been governed from it is establishment in the third century AH to Iranian rule (the Buyids, Seljuks, Mongols, and Jalayirids). The social policy followed by each of these countries varied, and the reason for the disparity in this policy is due to the sect to which each of these countries belongs. The Buyids are a Shiite sect country, and therefore they were more keen than others to pay attention to the holy city of Najaf Ashraf , as it was the most prominent among the countries in its role. Social events for the holy city of Najaf Ashraf , represented by the celebration of Islamic events related to the Shiite sect, including Eid al-Ghadir, And the memory of the martyrdom of Imam Hussein (peace be upon him). The most important thing that was achieved during their reign was the establishment of the institution of captains and guardians in the holy shrines, including the holy city of Najaf Ashraf , which continued to rule the holy city of Najaf Al- Ashraf  until the eighth century AH. The establishment of this institution had an important dimension, represented by the subjugation of the city of Najaf AL- Ashraf , The most honorable politically and socially is the rule of the captains, and this means ruling the city of Najaf  Al- Ashraf by its residents in addition to the introduction of some Husseini rituals. Also, the Alawites became one of the most important classes of society in the holy shrines in Iraq and assumed the position of the institution of the captains. It is worth mentioning that the interest of the Buyids in the holy shrines in Iraq is It was a response to the policy of the Abbasids towards the Ahl al-Bayt (peace be upon them) and the Alawites, While we do not find this interest on the part of other governments, led by the Seljuks, they were the opposite of the Buyids. They did not have that interest worth mentioning in the city of Najaf Al-Ashraf, and their social role was limited to repeated visits to Najaf Al-Ashraf, The same is true for the Mongols. Although their official doctrine was the Sunni doctrine, some Shiite tendencies were found among their rulers, including Sultan Muhammad Khuda Bandah. The presence of such tendencies served the Shiite doctrine, so the Shiites were not persecuted during their reign. This was also the case for the Jalayir rule, as their rule was distinguished in Iraq. Due to internal instability in Iraq due to Tamerlane’s attempts to seize control of Iraq, they did not have a prominent social role in Najaf AL- Ashraf.

Keywords: Bani Buyya, Seljuks, Mongols, Jalayirids, Najaf.

د.علي أكبر عباسي

مقدمة

تناوب على حكم مدينة النّجف الأشرف العديد من الحكومات الإيرانيّة، وأوّل هذه الحكومات البويهيون(334-447) الذين حكموا إيران والعراق، ويعود نسبهم إلى أبي شجاع بويه بن فنا خسروا، وهو من الدّيلم الذين استوطنوا في السّواحل الغربيّة من بحر الخزر(ابن حوقل، 1938: 319) ، بُنيت الدّولة البويهيّة عن طريق ثلاثة أخوة من بني بويه وهم: علي ، أحمد، والحسن (مسكوية، 1914: ج5، 157)، وقامت هذه الدّولة عليهم وانطلقوا يحتلون المناطق المجاورة حتى وصلوا الى بلاد فارس ( مسكوية، 1914:ج5، 157) ، وقد كانت بدايات البويهيين ، عندما ولي مرداويج  الزياري،  ومرداويج  فارسي الأصل، وأحد قواد بلاد الدّيلم  علي بن بويه بلاد الكرج (ليسترنج، 1954: 223)، ومن هنا كانت بدايات ظهور البويهيين على مسرح الأحداث  فبعد أن سيطر البويهيون على بلاد فارس، وجهوا أنظارهم  باتجاه العراق الذي كان خاضعًا للحكم العباسي، وكانت الخلافة العباسيّة تعاني من الضعف والانحلال ولم يكن للخليفة إلّا اسمه، ونضيف الى ذلك الصراعات الدّاخليّة بين أمير الأمراء ابن الرائق وأبو عبدالله البريدي المتحكم في البصرة ، وقد استنجد البريدي بأحمد بن بويه ضد ابن الرّائق، فكانت البدايات الأولى لدخولهم العراق، سيطر بني بويه على العراق خلال حقبة الخليفة العباسي المستكفي بالله (333\334 ه) وقد استسلم الخليفة بسهولة أمام بني بويه (السّيوطي، 1952: 314).

ومن الحكومات الإيرانيّة التي حكمت العراق وإيران على حد سواء السّلاجقة (447-590)، تعود أصولهم الى قبائل الغزّ، سكنوا أول أمرهم في بلاد ما وراء النّهر (ابن العميد، 1625:، 267) بعد أن نزحوا من سهول تركستان، اعتنقوا الإسلام وكانوا يتبعون المذهب السُنّي الحنفي الذي أخذه التّرك من السامانيين ، وقد كان هذا المذهب هو السّائد في المنطقة آنذاك ( بارتولد، 1958: 108) ، وعُرِف بهذا الاسم نسبة الى جدهم الأعلى سلجوق بن دقاق ( أمين، 1965: 45)، دخل السّلاجقة بغداد سنة 447 هجريّة، وبهذا التّاريخ كانت نهاية دولة بني بويه على يد السّلاجقة، الّذين لم يكونوا  مثل بني بويه، فقد ناصروا الدّولة العباسيّة السلجوقّة لكونهما يقتربان مذهبيًّا، ووقوف بني العباس الى جانبهم يعني لإضفاء الشّرعيّة على حكمهم في العراق .

لم يكن السّلاجقة مثل البويهيين، فقد اضُطِهد المذهب الشّيعي في عهدهم، وحدثت في بغداد أحداث خطيرة بسبب تسلطهم، وانحيازهم لمذهبهم فقط على العكس من البويهيين إذ أكثر ما تميّز به تاريخهم أهمّيّة في العراق هو عدم انحيازهم الى مذهب معين، وتركوا النّاس أحرارًا في اختيار مذاهبهم ، فقد أسرف السّلاجقة في القتل والتّنكيل لمتبعي المذهب الشّيعي، ولم يسلم من ذلك حتى الشّيخ الطوسي بعد أن أُحرِقت كتبة ومكتبته في بغداد وحتى الكرسي الذي كان يجلس عليه حيث اضطر الى ترك بغداد والتّوجه باتجاه النّجف الأشرف. وفقًا لما تقدّم، لم يوجهوا اهتمامًا يستحق الذّكر في مدينة النّجف الأشرف لابن أبي طالب (ع)، بل على العكس من ذلك فقد كانت في عهدهم مسرحًا للعديد من الأحداث السياسيّة، فاقتصر دورهم في النّجف سياسيًّا واجتماعيًّا فقط.

ومن الحكومات الإيرانيّة التي حكمت العراق، وإيران المغول  الّذين دخلوا بغداد سنة 656 هجريّة واسقطوا الخلافة العباسيّة، وحكم المغول بغداد في هذا التّاريخ المذكور. وقد اتبعوا سياسة الوحشيّة والقتل التي اتبعوها مع سكان بغداد، وقد سلمت مدينة النّجف الأشرف من أعمالهم الوحشيّة التي كان يقودها هولاكو، وهذا يعود الى جهود علماء الحلّة، وقد تألف الوفد من كبار علمائها، ضمّ الشّيخ ابن أبي العزّ، والعلامة الحلّي، السّيد مجد الدّين بن طاووس والشّيخ سديد الدّين يوسف بن علي ، لمنعهم من الوصول الى العتبات المقدسة وتخريبها، وبالفعل تمكنوا من إقناع المغول بإعطاء الأمان للمدن المقدّسة (الأمين،1968: ج6، 30-31) على أن لا يتعرض سكان هذه المدن عسكريًّا الى المغول، فلم تحدث أيّة مواجهات عسكريّة بين المغول وشيعة النّجف الأشرف.

فلم تحدثت أية مواجهات عسكريّة بين الشّيعة والمغول، وكتب أحد علماء الشّيعة، ويُدعى السّيد مجد الدين محمد بن عزّ الدّين الحسن آل طاووس كتاب البشارة وقدمه هديّة لهولاكو، وبجهود هؤلاء العلماء لم تتعرض مدن الحِلّة والنّجف والنّيل وكربلاء الى هجوم المغول، وقد كُتِب عهد بسلامة هذه المدن (الجواهري، 1342: 35).

ومن الحكومات الأخرى التي حكمت مدينة النّجف الأشرف  الجلائريون في العراق (738- 814ه) وقد تولوا الحكم بعد العصر المغولي، شغلوا مناصب مهمّة في المؤسسة العسكريّة في العهد المغولي ومن هؤلاء: إيلكانويان الجدّ الأعلى للجلائرين حيث شارك في احتلال بغداد،  وقد كانوا سُنّيي المذهب .

كان لكلّ من هذه الحكومات  دورًا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وتفاوتت السياسة الاجتماعيّة التي اتبعوها لإدارة مدينة النّجف الأشرف، ومثلما كان لكلّ من هذه الحكومات دورًا سياسيًّا واقتصاديًّا وعمرانيًّا في النّجف، كذلك كان لها دورٌ اجتماعيٌّ لإداراتهم لمدينة النّجف الأشرف ، في هذا البحث سوف نطرح الأسئلة الآتية :

1-كيف كان وضع النّجف اجتماعيًّا في عهد الحكم الإيراني؟

2-أيّ من الحكومات الإيرانيّة كان لها دور اجتماعيٌّ  بارز في النّجف الأشرف؟

3-كيف كان وضع المذهب الشّيعي في عهد الحكومات الإيرانيّة؟

الدّور الاجتماعي للبويهيين في النّجف الأشرف(334-447): لم يقتصر دور الحكومات الإيرانيّة على البناء والعمران للمراقد المقدسة في العراق فحسب، فقد كان لهم دورٌ اجتماعيٌّ بارز في النّجف الأشرف وفي مقدمة هذه الحكومات الإيرانيّة البويهيون، الذين تركوا آثارًا اجتماعيّة في النّجف الأشرف، فقد أكثر البويهيون من الزيارات المتكررة للعتبات المقدسة في العراق ومن بينهما النّجف الأشرف، حيث تشرّف في زيارة الحرم العلوي سنة 364 هجريّة عزّ الدّولة أبو منصور بن بختيار بن معز الدّولة بن علي بن بويه، وكان برفقته النّقيب الحسين بن موسى وهو والد السّيد بن الرضي والمرتضى، ومحمد بن عمر العلوي الرّجحي الزّينبي( ابن مسكوية، 1914: 269- 313).

زار في سنة 371 هجرية عضد الدّولة البويهي الحرم العلوي المطهر، وقد أشار الى ذلك السّيد عبد الكريم بن طاووس: كانت زيارة عضد الدّولة البويهي للمشهد العلوي في شهر جمادى الأولى في سنة أحدى وسبعين وثلاثمئة، وقد انفق على المجاورين للحرم العلوي وعلى القرّاء والفقهاء الأموال (ابن طاووس، 1368: 154)  وهذا يعني كثرة من جاور الحرم العلوي من الفقهاء والعلويان وغيرهم، وهذا يدلّ على أنّ النّجف أصبحت على قدر من الأمان، وقد تحقق ذلك في العهد البويهي.

وزار في سنة 431 هجرية، الحرم العلوي المطهر أبو طاهر جلال الدّولة بن بهاء الدّولة بن عضد الدّولة البويهي، المتوفّى سنة 435 هجرية، فقد توجه من بغداد الى النّجف للتّشرف بزيارة المشهد العلوي، وقد كان يمشي حافيًّا احترامًا لحضرة أمير المؤمنين علي (ع)، ومازالت هذه الظاهرة مستمرّة حتى وقتنا الحاضر .

أمّا في ما يرتبط بطبقات المجتمع في العهد المذكور، فقد تكوّن من عدد من الطبقات منهم: العرب، الدّيلم، الأتراك، الأكراد، الفرس، الرّوم والرّقيق، وما يهمنا من هذه الفئات، فئة العرب ، وقد أظهر آل بويه اهتمامًا بهم، وكان من بينهم العلويين على الرّغم من قيام بني العباس من إدخال عناصر جديدة اختلطت مع العرب، واختفت طبقتهم، إلّا أنّهم بقيوا محافظين على مكانتهم بانتمائهم لطائفة سُمّيت بطائفة الأشراف التي كانت تفتخر بانتمائهم الى نسب رسول الله (ص) ومنهم العلويين، في ما كان العباسيون يفتخرون بانتسابهم الى العباس عمّ الرّسول الكريم محمد(ص) ولكن ميّز بني بويه طبقة العلويين ، إذ كانوا يفتخرون بانتسابهم الى أمير المؤمنين علي (ع)، ونتيجة انتمائهم الى هذا النّسب المشرّف، فقد ارتفع شأن العلويين في عهدهم، وشكّلوا طبقة مهمّة في المجتمع العراقي، بعد أن كانوا الطبقة المضطهدة في عهد بني العباس، وقد شكّل هؤلاء نقابة خاصة عرفت بنقابة الأشراف التي كانت تخضع لرئيس منهم يتولى شؤونهم الخاصة من خلال تدوين مواليدهم، وضبط أنسابهم، والمحافظة على حقوقهم، بالإضافة الى قيام الأشراف  بتزويج النّساء من خلال منع زواج النّساء من الرّجال غير الأكفياء (الصابي، 1977: ج3، 138)، وكان العلويون يُخاطَبون بالشّرفاء فمنهم: من يتولى النّقابة في العراق (الرّسائل، 1946: 144- 151) والتي من مهامها الإشراف على العديد من المهام ومن بينها فضّ النّزاعات بين في ما بينهم ، أيّ بين العلويين أنفسهم، وغيرها من المهام… (الصابي، 1977: ج3، 153).

كذلك ارتفع شأن العلويون في العهد البويهي من خلال دورهم في حلّ النّزاعات التي تحدُث داخل البيت الشّيعي، مثلًا حلّ النّزاعات بين بني حمدان وبني بويه، وقد أصدر السّلطان البويهي بهاء الدّولة في سنة 403 هجرية تكليفًا بتنصيب الراضي الموسوي ” نقابة الطالبيّين في العراق (ابن الطقطقي،1962: 94).

ولقد تميزت طبقة الأشراف “العلويون” بزي خاص بهم ، فقد جعلوا ” زوائد شطفان ” في عمائم الخضراء ، ومن بين العلويون الأشراف الشّريف أبو الحسين العلوي المتوفّى سنة 390 هجريّة، وقد كان هؤلاء في داخل بلاط الحكم السياسي داخل العراق من مهام طبقة الأشراف الزواج وعقد القرآن، ومن ذلك قيامهم بعقد قران الأميرة ابنة بهاء الدّولة على الخليفة العباسي المقتدر سنة 383 هجريّة (ابن الكثير، 1932: ج11، 328).

يتضح من ذلك أنّ البويهيين فضل من بين طبقات المجتمع العراقي، طبقة العرب ومن بينهم العلويون على باقي الطبقات الأخرى، وكان لهم دورًا اجتماعيًّا بارزًا في عهدهم، واستحدثوا مناصب تتناسب بطبيعة الحال مع مذهب البويهيون، للتسلط أكثر على العتبات المقدسة في العراق وخصوصًا النّجف الأشرف، فقد استحدث البويهيون مناصب اجتماعيّة، الهدف منها إدارة المراقد المقدسة في العراق وفي مقدمتها النّجف الأشرف، وهذه المناصب كانت تكملة لمشاريع البناء والإعمار التي تبنتها منذ أن وطأت أقدامها النّجف الأشرف، وباقي المدن المقدسة في العراق ومن هذه المناصب :

منصب النّقابة والنّقباء، استحدث هذا المنصب في عهد السلطان معزّ الدّولة أحمد بن بويه، وقد كان السبب في استحداث مثل هذا المنصب، لكثرة من سكن من العلويين النّجف الأشرف، حيث جاور عدد من العلويين المرقد العلوي المطهر، وكذلك الحال بالنّسبة إلى العتبات المقدسة في كربلاء وبغداد، فبعد أن كان العلويّون مضطهدين من سلطة بني العباس، لكن لا نجد هذا الأمر في حكم بني بويه، فقد دعموا وساندوا العلويين، وهذه العنايّة من بني بويه للعلويين هو ردًا على سياسة بني العباس مع العلويين، وقد بلغت عنايتهم بالعلويين، أن جعلوا لهم مكانة خاصة بينهم، فأسس لهم نقابة لإدارة شؤونهم ، ولم يقتصر هذا المنصب على العلويين المقيمين في النّجف، بل كان فروعًا لها الكوفة وكربلاء والحلّة، واتسعت لتشمل الموصل والبصرة، وكان نقيب النّقباء في بغداد. وأول من تولّى هذا المنصب والذي كان باختيار معزّ الدّولة هو الشّريف حسين والد السّيد بن الرّضي والمرتضى، وكانت النّقابة النّجف تشمل حتى نقابة الكوفة.

توسعت النّقابة في عهد بني بويه، وأصبحت على قسمين: الخاصة والعامة.

النقابة الخاصة:  فهو أن يقتصر بنظره على مجرد النقابة فلا يصدر حكم شرعي وإقامة الحد، وأما الواجبات المهمّة التي يقوم بها  كالآتي:

-حفظ الأنساب من داخل فيها وليس هو منها، أو خارج عنها وهو منها، فلا بدّ من حفظ كليهما ليكون النّسب محفوظًا، معرفة أنسابهم وبطونهم، معرفة من ولد منهم من ذكر وأنثى ومن مات منهم حتى لا يضيع نسب المولود، أنّ يأخذهم من الآداب بما يتناسب مع شرف أنسابهم، يمنعهم من ارتكاب المحارم، يمنعهم من التّسلط على عامة النّاس، يطالب بحقوقهم

والنّقابة العامة: فأساسها أن يعود النّقيب في النّقابة عليهم مع ما ذكرناه من الحقوق، ومراعاة ما يلي:

الحكم بينهم إذا تنازعوا، الولاية على أيتامهم، إقامة الحدود، وكذلك تزويج الأيامى وإقامة الحدود.

إيقاع الحجر على من عته منهم، أيّ منع من التّصرّف لصغر السّن أو جنون، وبهذا إذا اتبع النّقيب ما ذكر من النّقاط الخمسة فعندئذ تصح نقابته (المارودي،1356: 82- 83)، فنلاحظ من خلال الوظائف التي أسندت الى النّقباء سيطرتهم على مدينة النّجف الأشرف .

أمّا المهمّ الّذي يقوم به نقيب النّجف الأشرف هو تعيين من يدير البلد والمرقد العلويّ، وكذلك تعيين السّدنة للرّوضة المطهرة، وقد أشار الى ذلك ابن بطوطه عندما مرّ بالنّجف في القرن الثّامن الهجري سنة 726 هجريّة، وقد ذكر أنّ النّقيب كان يحكم النّجف إداريًّا، ولم يشر الى الحكومة التي كانت تحكم النّجف في ذلك الوقت (ابن بطوطه، 1967: 200)، وهذا يعني أنّ النّقيب يعين من الملك في العهد البويهي وحتى العهود، أيّ ما بعد الحكم البويهي، وهو من يدير شؤون النّجف إداريًّا، وقد استمر على هذا الحال حتى أواخر القرن العاشر للهجرة، وقد ضعفت سلطة النّقيب وجُرِّد من كل سلطة في العهد الصفوي، عندما زار الشّاه عباس الصّفوي المشهد العلوي المطهر ومعه الملأ عبدالله بن شهاب الدين حسين اليزدي، وقد ولّاه سدانة الحرم والأشراف على الحرم ومن هنا ضعفت سلطة النّقيب  في النّجف الأشرف.

نقباء النّجف الأشرف في العهد البويهي: يوجد العديد من النّقباء ممن تولوا نقابة المشهد العلوي المطهر، ومن النّقباء الذين عملوا بهذا المنصب في العهد البويهي نذكر منهم:

بنو الصوفي: من سكان الكوفة، وكبير بني الصوفي يدعى الحسن بن محمد الصوفي، كانت نقابتهم أيام السلطان عضد الدّولة البويهي (ابن عنبة، 1971: 368).

بنو المختار: أطلق عليهم هذا الاسم نسبةً إلى أبيهم أبي علي عمر المختار بن أبي العلا مسلم، يعود نسبهم الى الحسن الأصغر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع)، تولّى جماعة منهم نقابة النّجف الأشرف، ومنهم من تولّى النّقابة في بغداد، وقد نسب إليهم نقابة المشهد الغروي وإمّارة الحاج (حرز الدين، 1427: ج1، 226). ومن بين من تولى منهم منصب النّقابة فخر الدين محمد بن مختار العلوي، عز الدين المعمر أبو الغنائم بن عزّ الدّين عدنان بن أبي الفضائل السيد عبدالله بن أمير الحاج عمر المختار (الحسيني، بى تا: 27).

وهناك العديد ممن تولى هذا المنصب منهم آل الأوي، وبنو جماز، بنو العميد، آل كتيلة ……وغيرهم ، وقد استمر العمل بهذا المنصب حتى بعد نهاية الحكم البويهي في العراق، فلذلك هناك العديد ممن تولى هذا المنصب من العلويين وكذلك من النّجف والكوفة .

منصب السدانة: منصب استحدث أيضًا في العهد البويهي في العراق في القرن الرّابع الهجري، وهو منصب يقلده السلطان، ويكتب به عهدًا وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري ، سمي السادن ب الكليتدار: وهي كلمة فارسيّة الأصل وتعني صاحب المفتاح، وهذا يشير الى مدى تغلغل اللغة الفارسيّة في النّجف أبان حقبة حكم بني بويه ومن بعدهم .

ومنصب السّدانة في الحرم العلوي المطهر يشمل جميع مسؤوليات الحضرة الشّريفة من رئاسة الخدمة وتولي خزانة الحرم العلوي، لذلك يشير الى السّادن بالخازن، وقد تولى هذا المنصب عدد من العلماء الأجلاء في النّجف، وتكاد أن تكون سلطة السّادن من بعد سلطة السلطان أو الملك، وأحيانًا يكون السّادن هو الحاكم المطلق  من بعد السلطان، أمّا إذا قوي نفوذ السلطان في البلد، تكون سلطة السادن محصورة فقط في شؤون الحرم العلوي المطهر، ومنصب السدنة يكاد أن يكون قريبًا من منصب السّلطان ، فالمنصب يكون متوارثًا ينتقل من الآباء إلى الأبناء ( حرز الدين، 1427: ج1، 225).

وقد أشار ابن محبوبة في ما يخص منصب السّدانة قائلًا: ” والسّدانة من المناصب السّاميّة والوظائف الشّريفة تعقدها الحكومة الحاضرة، وتكتب بذلك عهدا يسمى الفرمان، ويتولاها أشراف الرّجال، وقد استمر العمل بهذا المنّصب من العهد البويهي حتى عهد الصفوي،  فأحكمت هذه الوظيفة وتطورت أحسن تطور ( محبوبة،  1968:ج1، 258). وقد تولت السّدانة أسر نجفيّة في العهد البويهي من أهمهما:

أسرة آل الطحال :اشتهرت هذه الأسرة في النّجف في القرن الرابع الهجري، أيّ خلال حقبة الحكم البويهي للعراق، واستمرت شُهرتها حتى أواخر القرن السّادس الهجري ، وتعدُّ من الأُسر العلميّة في النّجف الأشرف، وهناك عدد من الفقهاء ممن ينتسبون لهذه الأسرة العريقة، يعود نسبها الى الصحابي الجليل المقداد بن الأسود الكندي المتوفى سنة 33 هجرية ( محبوبة ،1968: ج2، 423)، وقد أشار ابن طاووس انّ للسّادن الشّيخ حسن بن طحال بعض الكرامات في حرم أمير المؤمنين علي (ع) (ابن طاووس، 1368: 156).

و ممن تولى وظيفة السّدان من هذه الأسرة، الشّيخ علي آل طحال، الشّيخ حسن بن علي بن آل طحال، والشّيخ حسين بن علي بن آل طحال، في ما أشارت بعض المصادر إلى أنّ علي بن يحيى بن الحسين آل طحال المقدادي الذي كان يروي عن أبيه عن جده، كانوا ملازمين للحرم العلوي المطهر (الد يلمي، 1978: ج2، 438). وقد عاصر علي بن يحيى لعمران بن شاهين وعضد الدّولة البويهي المتوفى سنة 372 هجرية (الد يلمي، 1978: ج2، 438).

اختفى اسم آل الطّحال في نهاية القرن السّادس الهجري، وقد عاصر البعض منهم الشّيخ الطوسي وكانوا من تلاميذهما (محبوبة ، 1968: ج2، 425)، انتقلت السّدانة من بعدهم إلى أسرة آل شهريار، وهناك العديد من الأُسر التي تولت هذا المنصب.

ومن الطبقات الأخرى التي كانت من ضمن طبقات المجتمع العراقي الفرس، والدّيلم اللتين كانتا قد تآلفتا في المجتمع العراقي خلال العهد البويهي في العراق على أنّ دخول هاتين الفئتين الى العراق، لم يكن خلال العهد البويهي في العراق، بل سبقا تاريخ دخولهم للعراق، فالعنصر الفارسي في العراق يعود الى زمن الخلافة العباسيّة التي جاءت بهم عن طريق الأسر من الحروب التي يخوضونها خارج العراق، كان لهم دور في تطور النُّظم الإداريّة والسياسيّة في العراق (ابن الأثير، 1963: ج6، 321) ، وقد تميّز الفرس بمهارة البناء والعمران وهندستها بطرق راقية، فقد استفادت منهم الخلافة في مجال العمارة في العراق (مليحة، 1970: 17)، ومن الطبيعي أن يزداد نفوذهم في ظل حكم بني بويه على أساس أنّهم من جنس واحد.

أمّا بالنسبة الى الفئة الثانية الدّيلم : وهي شعوب اتخذت من بحر قزوين مستقرًا لها، بعد ذلك هاجروا الى العراق، وقد دخلوا العراق قبل الحكم البويهي للعراق (البلاذري، 1978: 359)، وبما أن أغلب اصول بني بويه تعود إلى العنصر الدّيلمي، ساهم هذا الأمر الى حدّ كبير لتقوية نفوذهم في العراق، فقد تقلد هؤلاء مناصب عليا في الدّولة، فكان منهم الوزير، والقائد وغيرها من المناصب الحكوميّة، فكان الدّيلم  والتّرك يشكَّلون من العناصر المهمة في المؤسسة العسكرية، لتميزهم بألوان قتاليّة متكاملة  وقد تميز الدّيلم بالمشاة (ابن الأثير، 1965: ج7، 309).

وكان من نتيجة ذلك أن أصبح جزء من طبقات المجتمع العراقي الفرس والعنصر الدّيلمي، فاختلط هؤلاء مع فئات المجتمع العراقي، وسادت في ذلك العهد انتشار اللغة الفارسيّة  خصوصًا بعد أن أصبحت أرض العراق مفتوحة أمام  الإيرانيين، وذلك لتوفر عنصر الحريّة في السّفر باتجاه العراق، لكونه خاضعًا للحكم البويهي، فكانوا يأتون لزيارة العتبات المقدسة في العراق، بعد أن أصبحت هناك حريّة دينيّة، والسّماح لزيارة العتبات المقدسة في العراق . كذلك إنّ من بين الدّيلم والفرس شيعة إماميّة ويتوجهون لزيارة العتبات المقدسة ، وهذا يشير الى مدى نفوذ العنصر الفارسي خلال العهد البويهي وما بعده، خصوصًا بعد نشاط الحركة العلميّة، وتوجّه العديد من علماء إيران الى العراق والتّبادل العلمي بين الطرفين، ساهم الى حدٍّ كبير في نشر اللغة الفارسيّة، وكذلك تغلغل العنصر الفارسي في العراق وخصوصًا في العتبات المقدسة خلال العهد البويهي وما بعده، بدليل كان وزير السّلطان عضد الدّولة البويهي ابن سهلان الذي تعود أصوله الى مدينة خوزستان إيران، ولد برامهر مزّ في سنة 361 ه(ابن الأثير، 1963: ج8، 59- 140)، لقب عميد أصحاب الجيوش، تولّى منصب وزارة عضد الدّولة البويهي  في النّجف.

ودليل آخر كان يترأس منصب النقابة في النّجف الأشرف نظام الدّين حسين بن تاج الدين آلاوي، وآوه  مدينة من توابع قمّ في إيران ، وهذا ما أشار إليه الرحالة ابن بطوطة عندما زار النّجف الأشرف  قائلًا : كان النّقيب في دخولي اليها نظام الدّين حسين بن تاج الدين الأوي نسبة الى بلدة أوه من عراق العجم، وكان قبله جماعة يلي كل واحد منهم بعد صاحبه: جلال الدين بن الفقيه ، قوام الدين طاووس، ناصر الدين مطهر بن الشّريف الصالح شمس الدين الأوهري من عراق العجم ( ابن بطوطة، 1967: ، 200)، وقد تقلد هذا المنصب في العهد المغولي ، وهذا يعني حتى بعد نهاية العهد البويهي في العراق، أنّه كان للإيرانيين نفوذ في العراق وخصوصًا في المراقد المقدسة،  نضيف الى ذلك التّقارب المذهبي بين الدّولتين ساعد الى حدٍّ كبير في أن جعل العراق مساحة مفتوحة أمام الإيرانيين، لزيارة العتبات المقدسة وحصول تبادل فكري وثقافي بين العلماء، بدليل هجرة العديد من علماء إيران الى العراق ودورهم في نشاط الحركة العلميّة .

كذلك ينسب الى بني بويه بناء المقابر في النّجف الأشرف في القرن الرابع الهجري، أمّا موقع هذه المقابر فتكون في الصّحن الحيدري بالقرب من خانقاه البكتاشيه وإيوان العلماء، وهناك مقبرة أخرى لآل بويه تقع في سرداب خارج سور النّجف الأشرف والتي تُعرف باسم سرداب البويهيين، وقد ورد ذكر هذه المقابر في أحداث سنة 753 هجرية عندما احترق المرقد العلوي فقيل: إنّ قبور آل بويه لم تحترق (ابن زهرة، 1963: 161).

وقد دفن مشاهير سلاطين بني بويه في هذه المقبرة ومن بينهم، أبو الفوارس شيرزيك بن عضد الدّولة سنه 397 هجرية، بعد أن حمل الى النّجف ودفن في تربة أبيه (محبوبة، 1968: ج1، 243)، ومن جملة من دُفن من بني بويه بهاء الدّولة “أبو نصر بن عضد الدّولة” سنة 403 هجرية بعد أن حمل من أرجان الى النّجف ودفن في في الحرم العلوي المطهر(الطباطبائي، 1354: ج1، 288)، وكان غرض البويهيين من الدّفن في أرض النّجف طلب الشّفاعة من أمير المؤمنين علي (ع) ، وكان في ذلك تشجيع من البويهيين للناس لدفن موتاهم في هذه البقعة المقدسة، ومن الجدير ذكره أنّ الدّفن في النّجف الأشرف سبق البويهيون، فيعود تاريخ الدّفن في النّجف الأشرف الى عهد بعيد، فقد كان الناس يدفنون موتاهم قرب الحرم العلوي المطهر. وقد استغلت بعض الحكومات ظاهرة الدّفن في الحرم العلوي فتأخذ الأموال لأجل ذلك ، ومن بين هذه الحكومات الحكومة العثمانيّة، بينما لا نجد مثل هذه الظاهرة في العهد البويهي.

زيارة المراقد المقدسة في العراق: خلال حقبة الحكم البويهي للعراق (334- 447) شهدت هذه الحقبة إقبال الناس ليس من داخل العراق، فحسب وإنّما من مختلف الأقطار الإسلاميّة زيارة العتبات المقدسة في بغداد والنّجف وكربلاء، وقد مهد لذلك هو أجواء الأمن في هذا العصر والتي مكّنت الناس من الإقبال على زيارة المراقد المقدسة في العراق، خاصة بعد الإعلان الرسمي من بني بويه بإقامة مراسم العزاء الحسينيّ، والاحتفال بيوم الغدير والتي تعدُّ جزءًا من المناسبات الإسلاميّة التي كانت تقام من بني بويه، وبدعم منهم وكذلك من الناس الذين كانوا متعطشين لزيارات أهل البيت (ع) وكذلك إحياء المناسبات الشّيعيّة ، وقد مهد لذلك الاستقرار السياسي الذي شهدته كربلاء والنّجف في هذا العهد ، فقد كانت النّجف وكذلك كربلاء بعيدة نوعًا ما عن الاقتتال الطائفي  بين السُّنة والشّيعة الذي حدث في مدينة بغداد، ومن الجدير ذكره أن الحرية التي أتاحت للشيعة لزيارة قبور الأئمة (ع) لم تقتصر في العصر البويهي فحسب، فقد كان النّاس يزورون المراقد المقدسة في العراق حتى في العصر السّلجوقي فعلى الرّغم من تسنّنهم إلّا أنّهم لم يمنعوا زيارة المراقد المقدسة، ففي سنة 529 هجريّة نشهد تطورًا ملحوظًا في زيارة المراقد المقدسة وهذا ما أشار إليه ابن الجوزي قائلًا: ” في هذه الأيام مضى الى زيارة الإمام علي والإمام الحسين عليهما السّلام خلق لا يحصون وظهر التّشيّع ( ابن الجوزي، 1359: ج10، 281)، على أنّ زيارة المراقد المقدسة لم تقتصر فقط على عامة النّاس ، فقد كان الأُمراء والسّلاطين والوزراء وبني العباس يتوجهون إلى زيارة المراقد المقدسة لأداء مراسيم الزّيارة.

فسياسية بني بويه التي اتبعوها في العراق المتمثلة بالحريّة الدّينيّة هي التي مهّدت لتوجه الناس من أقطار العالم الإسلامي كافة، لزيارة العتبات المقدسة خصوصًا بعد أن نشطت الحركة العلميّة بعد توافد طلبة العلم من مختلف الأقطار الإسلاميّة للدّراسة في مدينة النّجف الأشرف، وقوي المذهب الشّيعي في مدينة النّجف الأشرف خصوصًا بعد نشاط الحركة العلميّة ودعمها من البويهيين .

المناسبات الإسلاميّة في العهد البويهي: لكل طائفة من الطوائف لها معتقداتها وأعيادها واحتفالاتها الخاصة بها، وبما أن البويهيين دولة إسلاميّة شيعيّة فكانت تحتفل بالأعياد الخاصة بالشّيعة منها عيد الغدير، الّذي يعدُّ من الأعياد المهمّة عند الشّيعة الإماميّة، كذلك الأعياد العامة التي يشترك فيها المسلمون بشكل عام وهي عيد الأضحى وعيد الفطر ، وقد كان لهذا الأعياد أهمّيّة كبرى عند البويهيين، فقد كانت تسطع الأنوار في النّجف في أرجائها ليالي العيدين، ويُكبّر في الجوامع، وتزين الأنهار بالزّوارق المزينة، وتسطع القناديل وفي الليل تضيء قصور الأمراء بالأنوار، ويلبس بعض الناس العمائم والقلانس الطويلة ، ودراعات كُتبَ عليها عبارات إسلاميّة (الاصفهاني، 1961: ج3، 64).

وهناك بعض المناسبات الدّينية التي تخص الشّيعة الإماميّة، وبما أن البويهيين شيعة، فكان من الطبيعي أن تُدعم هذه المناسبات منهم، ومن هذه المناسبات: يوم العاشر من محرم الحرام وهذا اليوم يُقيم فيه الشّيعة وبدعم من البويهيون العزاء للأمام الحسين (ع)، و يُعدُّ من أيام البكاء والنُّواح على مقتل الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، فيغلق النّاس الحوانيت، وتخرج النساء من البيوت لتعزي السيدة زينب بنت علي عليهما سلام ويلطمْن الخدود كمظهر من مظاهر العزاء(ابن الجوزي، 1359: ج7، 17).

لقد تطور المآتم الحسيني في عهدهم ، ولم يكونوا أول من قاموا هذه المآتم في العراق، إنّما تطورت في عهدهم وأصبحت المآتم الحسينيّة تقام في كلّ مدن العراق ومن بينهما النّجف وكربلاء، وقد أشار الى ذلك السّيد صالح الشّهرستاني  قائلًا: ” لم يكن الأمراء البويهيون أول من أقام المآتم والعزاء على الإمام الحسين (ع) ، ولكنهم وسّعوا عليها، فبعد أن كانت تقام في البيوت والمجالس الخاصة، خرجت من حدودها الضّيقة، وأصبحت تُقام في الأسواق والشّوارع والّلطم على الصدور( الشهرستاني، 2003: ج1، 147).

وأمّا عن التّطور الذي حدث في العهد البويهي فيما يرتبط بإقامة المآتم الحسينيّة، فقد أعلنوا أنّ المآتم الحسينيّة هي مؤسسة رسميّة وتكون تحت إشرافهم، ففي سنة 352 هجريّة أصدر معز الدّولة البويهي  في بغداد بإقامة المآتم الحسينيّة في يوم عاشوراء، وبالطبع شمل هذا الإعلان بقية مدن العراق ومن بينهما النّجف وكربلاء، وأعلن يوم العاشر من محرم عطلة رسميّة في المدن العراقيّة كافّة، كما هي الحال في الوقت الحاضر، وقد أشار الى ذلك المؤرخ ابن الأثير قائلًا : ” ففي هذه السنة (352) عاشر المحرم ، أمر معز الدّولة البويهي النّاس أن يغلقوا دكاكينهم، ويبطلوا الأسواق، ويظهروا الحزن، ويلبسوا قبابًا، وتخرج النّساء مسودات الوجوه، ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي (ع) (ابن الأثير،1963: ج7، 245).

كذلك من ضمن التطور الذي حدث في العهد البويهي، هو اللطم على الإمام الحسين (ع) وباقي أئمة أهل البيت (ع) ، على الرّغم من وجود هذه الظاهرة مسبقا قبل العهد البويهي، وتمتد جذورها الى ما بعد الواقعة مباشرة، فلما مروا بالسبايا على مصارع الشهداء “صِحْن ولطمن وجوههن”( الطبري، 1968: ج5، 456). فاللطم الذي أشرنا اليه لم يكن منظمًا، أيّ كان بشكل عفوي، إظهارًا للحزن، ولكن برزت هذه الشّعيرة أو الظاهرة بأسلوب منظم في العهد البويهي، وهي وسيلة للتّعبير عن الحزن على مقتل الإمام الحسين (ع) ، وقد بدأت في بغداد ثم انتقلت الى المدن العراقيّة ومن بينهما النّجف وكربلاء، وقد أشار الى ذلك الشّيخ محمد مهدي شمس الدين قائلًا : “وكان هذا اللطم من العادات التي أدخلها البويهيون على المآتم الحسينية (مهدي،1992: 277) والمقصود باللطم في هذا النّص ، ظهورها بشكل منظم وبهيئة المواكب .

كذلك وُجِد في عهدهم ما يعرف بالنّياحة، لا بل وجدت قبل الإسلام، ولكن عند ظهور الإسلام حُرِّم منها ما كان باطلًا (البحراني، 1969: ج4، 168). والنّياحة على الإمام الحسين (ع) هي من الأعمال المستحبة وليست الواجبة، وهي وسيلة للتّعبير عن مظلوميّة الإمام الحسين (ع) ، وقد تحولت في العهد البويهي الى عمل مستقل، وأصبح النّاحي على الإمام الحسين (ع) في عهدهم علمًا لمن يرثي الإمام الحسين (ع) (الشهرستاني، 2003: ج2، 9). وكانت تُقام في الحسينيات التي شيدها بني بويه في النّجف الأشرف، حيث تقام في هذه الأماكن كل ما يرتبط باهل البيت (ع) من مناسبات دينيّة مثل ولادة الأئمة، وتاريخ شهادتهم، وكذلك الأمر في بقيّة المدن المقدسة في العراق .

ومن الأعياد الأخرى التي ترتبط بالشّيعة الإماميّة وكانت تقام من بني بويه، عيد الغدير الذي يعدُّ من الأعياد المهمة عند الشّيعة الإماميّة، ففي هذا اليوم عيّن الرّسول الكريم محمد (ص) الإمام علي بن أبي طالب لإمامة المسلمين من بعده، لذا هو من الأعياد المهمّة عند الشّيعة، فيحتفل الناس بهذا اليوم ، ولهم بعض الطقوس التي يمارسونها ومنها: “ينصبون القباب ويعلقون الثّياب، ويظهرون الزّينة، وتُشعل النيران في مجلس الشرطة، وفي الصباح ينحرون الجمال (ابن الأثير، 1963:ج8، 409).

الدّور الاجتماعي للسلاجقة في النّجف الأشرف(447-590): السّلاجقة دولة سنية المذهب وشهد عهدهم اضطهادًا للفكر الإمامي، لكن مع ذلك كانت النّجف في عهدهم بعيدة من هذه المنازعات ومن الاضطهاد للشيعة، بدليل انتقال الشّيخ الطوسي من بغداد الى النّجف بعد اضطهاده وتعرضه للمضايقات من طرف السّلاجقة، وقد تمثل دورهم  الاجتماعي في النّجف بكثرة الزيارات المتكررة للحرم العلوي المطهر، ففي سنة 479 هجريّة زار السّلطان ملك شاه السّلجوقي والوزير نظام الملك أبو على الحسن الطوسي (بادية النّجف الأشرف) لغرض الصيد، وقد تشرفوا بزيارة مراقد كل من الإمام علي بن أبي طالب (ع) والإمام الحسين (ع) في كربلاء (ابن الأثير، 1963:ج8، 143)، وفي هذه السنة المذكورة وصل عماد الدّولة سرهنك الى مدينة النّجف الأشرف في شهر رمضان المبارك، وأطلق للأشرَاف أموالًا جزيلة (البنداري، 1900: 71).

استمرت زيارة سلاطين السّلاجقة للنجف الأشرف حقبة طويلة، ففي سنة 480 هجرية كرّر الوزير السّلجوقي ( نظام الملك) زيارته للنجف الأشرف (ابن الجوزي، 1359: ج9، 35)، كما استقر بعض من وزراء العهد في النّجف لحقبة قصيرة وكان من بينهم ، الوزير أبو شجاع ، فقد أراد البقاء في النّجف بعد أن عُزل من الوزارة سنة 484 هجريّة، لكنّه غادرها متوجهًا الى مكة المكرمة ( ابن الجوزي، 1359: ج9، 56)، ويدل اختياره لمدينة النّجف الأشرف  على أنّها كانت بعيدة من المنازعات، وفيها استقرار داخلي، ويمكن أن نعدُّ سبب توجه السّلاجقة الى النّجف، أنّها أصبحت مركزًا للسياحة الدّينيّة وتدرّ على البلد عائدات ماليّة كبيرة، نضيف الى ذلك أنّها أصبحت مركزًا ثقافيًّا مهمًّا، وتوجه العديد من النّاس لهذه المدينة ، وكان لها مكانتها الدّينيّة بين العالم الإسلامي ، فقد مال بنو العباس في الحقبة الأخيرة من حكمهم إلى التّشيع، وكانوا يترددون كثيرًا إلى زيارة النّجف الأشرف، وذلك لوجود التّوافق والتقارب بين بني العباس والسّلاجقة، فقد اقتدى السّلاجقة ببني العباس بخصوص زيارة العتبات المقدسة في العراق ومنها النّجف الأشرف .

وبرزت في العهد العباسي ظاهرة توديع الحاج في النّجف الأشرف، فقد كان بنو العباس ووزرائهم في حقبة الحكم السّلجوقي يودعون الحاج في النّجف، ففي سنة 550 هجرية ، ودع الخليفة المتقي الحاج من مدينة النّجف الأشرف (ابن الكثير، :1932، ج12، 232).

زيارة المراقد المقدسة في العراق: أشرنا سابقًا أنّ السّلاجقة هي دولة سُنّيّة المذهب، وقد اضطهدوا في عهدهم الفكر الشّيع، فبعد أن نُشِر التّشيع في العهد البويهي، وكذلك السّماح بزيارة المراقد المقدسة من دون قيود تذكر، وراج الفكر الإمامي الشّيعي، بينما في العصر السّلجوقي اضطهد الفكر الإمامي وأدخلوا بعض التّغييرات الجذريّة، وقد فُرض على الشّيعة التّغيير في صيغة الأذان واستبدلت عبارة ” حي على خير العمل” بعبارة الصلاة خير من النّوم” فأقيم الأذان في مقابر قريش ومساجد الكرخ خوفًا من السلطة، كما أُزيلت العبارات التي كتبت على أبواب الدّروب عبارة ” محمد وعلي خير البش” وهي عبارات شيعيّة ترتبط بالمذهب الشّيعي، وقتل فقهاء الشّيعة بتهمة الغلو في الرفض، ما اضطر الشّيخ أبو جعفر الطوسي أن يترك بغداد بعد أن نُهِبت داره (ابن الجوزي، 1359: ج9، 385)، ومن الطبيعي أن يرافق هذه الإجراءات منع إقامة الشّعائر الحُسينيّة في عهدهم، فقد توقفت نوعًا ما في بغداد وقد أشار الى ذلك الذّهبي في ذكر أحداث سنة 455 قائلًا: ” فقد منع الملك طغرل بك العراق وقمع الرّافضة وزال به شعارهم ( ابن عماد، 1332: ج3، 295)، وشعار الشّيعة هو ممارسة الشّعائر الحسينيّة بالإضافة الى تفضيل الإمام علي بن أبي طالب (ع) على الصحابة وغيرها من عقائد الشّيعة الإماميّة ….

إذًا؛ كانت سياسية السّلاجقة محاربة المذهب الشيعي الذي كان قد انتشر خصوصًا في العهد البويهي، فتأسيس دولة تتبع المذهب الشّيعي كان كفيلًا أن ينشر المذهب الشّيعي، بعد أن كان مضطهدًا في العهود السّابقة، أيّ العصر العباسي  مع كل هذه الإجراءات التّعسفيّة ضد المذهب الشّيعي، كانت مدينة النّجف الأشرف بعيدة من السياسية المتمثلة في محاربته ، فلم تذكر المصادر التّاريخيّة أن تعرض النّجف الأشرف الى مضايقات سلطة السّلاجقة، أو منع إقامة الشّعائر الحسينيّة،  فقد قوي هذا المذهب في النّجف خاصة بعد نشاط الحركة العلميّة في دراسات الإسلاميّة، وأصبحت أرض النّجف مفتوحة أمام طلبة العلم من مختلف الأقطار الإسلاميّة ، فقد كانت النّجف خاضعة في العصر السّلجوقي لسلطة نقيب النقباء، المنصب الذي استحدث في العصر البويهي واستمر حتى القرن الثّامن الهجري، فكان للنقيب سلطة مطلقة في إدارة مدينة النّجف الأشرف، وفقًا لذلك استحكم المذهب الشيعي في المدن المقدسة في العراق باستثناء مدينة بغداد، لكونها مركزً للحكم السّلجوقي الذي يُدار من سلطة العميد الذي يعدُّ نائب الحاكم السّلجوقي في العراق. نضيف الى ذلك أنّ السّلاجقة أنفسهم كانوا يتوجهون إلى زيارة العتبات المقدسة في العراق، وهذا يعود في الحقيقة الى تفاوت السياسة المذهبيّة بين حكام السّلاجقة أنفسهم، فسياسة طغرل بك المذهبيّة لم تكن مثل سياسية “سليمان شاه السّلجوقي” الذي أكثر من زيارة العتبات المقدسة وقد أشرنا الى ذلك سابقًا.

أمّا عن منصب النّقابة والنّقباء في العهد السّلجوقي، فقد استمر في العهد السّلجوقي،  والسّبب في ذلك أنّه استُحدِث في العهد البويهي، ولم يكن يرتبط بالحكومة، وإنما ترأسته بعض الأُسر العلميّة المشهورة في النّجف، وكان النظام في هذا المنصب وراثي ينتقل من الأباء الى الأبناء، ويرتبط بالمؤسسات وبالمراقد المقدسة، لذا استمر هذا المنصب حتى في عهد السّلاجقة، ويوجد العديد من النقباء ممن تقلدوا هذا المنصب نذكر منهم :

آل المختار، تنسب هذه الأسرة الى نقيب العلويين عمر المختار، تولوا منصب النقابة في العصر البويهي وفي عصر السّلاجقة ، وقد تولى السيد عمر المختار منصب النّقابة، وأمارة الحاج شطرًا من الزّمن، وتوارث أبناءه هذه الوظيفة من بعد ونذكر منهم:

أبو نزار عدنان بن أبي الفضائل المختار: تولى نقابة الحرم العلوي المطهر في سنة (476- 553 هجرية)، ويعدُّ أول من تولّى النّقابة من سلالة عمر المختار(الشرقي، 1963: ، 45).

عميد الدين أبو جعفر محمد بن عدنان المختار: تولى منصب نقابة الحرم العلوي المطهر بعد وفاة أبيه (البراقي، 1356، 205).

شمس الدّين أبو القاسم علي بن محمد المختار: تولى منصب نقابة الحرم العلوي المطهر بعد وفاة أبيه (محبوبة، 1968: ج2، 42)، وقد وصفته المصادر أنّه كان سيدًا جليلًا عاصر أواخر بني العباس، وفي رواية نُقِلت أنه هجر النّجف الى خراسان واستقر في سبزوار، وتولى نقابة العلويين ” نقيب النقباء” في العراق وخراسان (محبوبة، 1968: ج1، 288).

الطاهر أبو علي الحسن بن علي المختار: تولّى نقابة الحرم العلوي المطهر خلال حقبة الحكم السّلجوقي للعراق سنة 579 هجرية بعد وفاة أبيه، وكذلك تولى نقابة الكوفة والحِلّة وكربلاء، وقد أشار إليه المؤرخ الخزرجي” أنّه تقلد هذا  المنصب بعد وفاة أبيه في شهر رمضان في السنة المذكورة، وظل في النّجف إلى أن توفّى ودفن في النّجف (الخزرجي، 1975: 607).

الدّور الاجتماعي للمغول في النّجف الأشرف(656-738): تميّز عهدهم بدورهم الاجتماعي في النّجف الأشرف، بعد وجود بعض التّوجهات الشّيعيّة عند بعض قادة المغول ، فقد تشرف بزيارة النّجف الأشرف السلطان محمد خدا بنده النّجف الأشرف والمشهد العلوي المطهر (حرز الدين، 1427: ج2، 213)، وفي سنة 734 هجرية زار المشهد العلوي في النّجف السّلطان أبو سعيد بهادر بن السّلطان محمد خدا بنده ، وكان برفقته الأمير المغولي مبارز الدّين محمد بن الأمير مظفر بن منصور الحاجي (اشتياني، 1341: ج1، 415).

لم تقتصر زيارة الحرم العلوي فقط على سلاطين المغول، بل حتى وزراءهم، فقد كانوا يقصدون الحرم العلوي المطهر تبركًا بزيارة أمير المؤمنين علي (ع) ، ففي سنة 737 هجرية ، قدم الى النّجف الأشرف لغرض زيارة المشهد العلوي وزير أبي سعيد ويدعى الأمير غياث الدين محمد بن رشيد الدين فضل الله (بياني، 1345: 305)، وعلى ما يظهر من النّصوص أنّ أرض النّجف قصدها حتى ممن يتبعون المذهب السّني، تبركًا بزيارة الحرم العلوي المطهر .

أمّا بالنسبة الى طبقات المجتمع في عهدهم، فكان المجتمع العراقي يتشكل من مجموعة من الأقليات المختلفة في توجهاتها المذهبيّة نذكر منهم اليهود، المسيحيين  والسُّنة والشّيعة ، وكان توزيع الشّيعة في مدن العراق المختلفة، ففي بغداد تحديدًا في الكرخ وفي جانب الرّصافة في محلة المختارين ، وفي الحِلّة  ومن ثمَّ تأتي مدينة النّجف الأشرف والتي كانت منذ القرن الرابع الهجري، أيّ في خلال العهد البويهي مركزاً للشّيعة وللتشيع وذلك لوجود الدّراسات الشّرعيّة والحوزة العلميّة فيها، وقد أشار المقدسي وهو من أهل القرن الرابع الهجري”أنّ الغلبة للشّيعة في الكوفة”( المقدسي، 2002: 136)، وبما أنّ غالبيّة المجتمع في النّجف الأشرف شيعة، فلم تشهد اقتتالًا طائفيًّا مثلما حدث في بغداد وفي واسط. كذلك طبقة العلويين الذين كانوا منتشرين في أرجاء العراق كافة، وخصوصًا في المشاهد المقدسة النّجف وكربلاء وبغداد وسامراء وتوليهم منصب نقابة النقباء في هذه المدن المذكورة.

الدّور الاجتماعي للجلائرين في النّجف الأشرف(738-814): حكم الجلائريون  العراق في نهاية القرن السّابع بعد المغول، يُنسب إليهم بناء المقابر في النّجف الأشرف، فكأنّما أصبحت عادة عند كل من يحكم مدينة النّجف الأشرف أن يبني القبور، ويعود ذلك الى شيوع فكرة أنّ الدّفن عند حضرة أمير المؤمنين علي (ع) لطلب الشّفاعة، ويبدو أن هذه المعتقد وُجد حتى بين الحكام غير الشّيعة ونجد ذلك عند الجلائريين ، فلم يكن كل هؤلاء شيعة ومع ذلك كانت لهم مقابرهم الخاصة في النّجف، وهي تقع مقابرهم بين مخلع الأحذيّة ( الكيشوانيّة) من الجهة الشّماليّة للمرقد العلوي وبين إيونات الصحن المتصلة بباب الطوسي (محبوبة،  1963:ج1، 243).

وقد أشار الى ذلك بحر العلوم قائلًا: هي قريبة من باب الرّواق الشّمالي (باب الرّحمة) من جهة اليسار الدّاخل، تبعد من الجدار مقدار أربعة أذرع أو خمسة (الطباطبائي، 1354، ج1، 288)، وقد شوهدت هذه المقبرة من سكان النّجف الأشرف، عندما قُلعِت الصّخور من ساحة الصّحن برزت المقابر، وكان من بينها مقبرة  الجلائريين وهي مبنيّة بالحجر القيشاني، وقد كُتِب على واحدة من شواهدها:” البرور شاه زاده سلطان بايزيد طاب ثراه”، بينما كتب على إحدى المقابر”هذا قبر السّعيدة مرحومة با بنده سلطان” (الطباطبائي،1354: ج1، 288)، وكان من بين الذين دفنوا في هذه المقبرة الشيخ حسن نويان، آخر من حكم العراق من سلاطين المغول ( كتاب النوادر، 104- 105).

كما تميز دورهم الاجتماعي في النّجف بكثرة الزيارات اليها، فكان يتوجه القادة والأمراء لزيارة الحرم العلوي المطهر، فزار في سنة 663 هجرية النّجف الأشرف الأمير جلال،  وقصد في سنة 696 هجرية أرض النّجف السّلطان غازان ، كما أنفق الأموال على العلويين المجاورين للحرم العلوي المطهر(محبوبة،  1963:ج1، 231) ، وكرر غازان زيارته إلى النّجف الأشرف في سنة 698 هجرية (ابن الفو طي، 1356: 478).

أمّا في ما يرتبط بمنصب النّقابة فقد استمر العمل في هذا المنصب حتى القرن الثامن،  ولم يتجرأ أيّ من هذه الدّول سواء أكان السّلاجقة أو المغول على الغاء هذا المنصب، أو تعيين من يتولاه منهم، فإنّ النقابة تُعدّ مؤسسة دينيّة ترتبط بالمراقد المقدسة في العرق والمدن “كربلاء، نجف، بغداد وسامراء”، وسبب قوّة هذا المنصب ونفوذه، هو أنّ النّظام في هذه المؤسسة وراثي ينتقل من الآباء الى الأبناء، وهذا يعني ارتباط هذه المؤسسة بمدينة النّجف الأشرف، وقد أشار الرّحالة ابن بطوطة إلى تسلّط النّقباء على مدينة النّجف الأشرف في هذا العهد قائلًا: وليس في هذه المدينة مغرم ولا مكّاس، والمقصود (المكّاس)ممن يأخذ الضريبة من يدخل البلد من التّجار(ابن بطوطة،1967:  198- 204)، وإنّما تُحكم النّجف من النقباء، وهذا يوضّح مدى نفوذ سلطة النقباء وتغلغلهم في النّجف، أمّا النقباء الذين تولوا النقابة في النّجف خلال هذا العهد نذكر منهم :

-أبو طاهر هبة الله بن أبي طاهر علي بن أحمد بن محمد بن علي أبن أبي الفضل الذي يعود نسبة الى زيد الشهيد، تولى نقابة المشهد العلوي سنة 667 هجرية وكذلك نقابة الحرم الحسيني (حرز الدين، 1427، ج2، 199).

-أبو الحسن علي بن أبي طالب محمد بن عبد الحميد بن أبي طالب عبدالله التّقي، كان سيّدًا جليلًا كبير القدر، وأحد مشايخ الطالبيين في العراق، تولى منصب النّقابة في النّجف، وكان يتولى ما أحدثه عطا الجويني من أبنيّة وعمارات في الكوفة والنّجف، وتولى نقابة النّجف لحقبة طويلة ( ابن زهرة،1963: 115).

-نظام الدّين حسين بن تاج الدين الأوي: تولى نقابة النّجف الأشرف في سنة 704 هجريّة، وقد أشار الى نقابته الرّحالة ابن بطوطه قائلًا: في عهد دخولي للنّجف الأشرف كان النّقيب نظام الدّين الأوي نسبة الى آوه من عراق العجم (ابن بطوطه،  1967:ج1، 200).

-شمس الدّين محمد بن جماز بن علي بن محمد بن ادريس: تولى نقابة النّجف الأشرف سنة 716 هجريّة، وقد وصفه السّيد جعفر الأعرجي قائلًا: كان مقدّمًا عند الملوك مقبولًا عند السّلاطين، تولّى نقابة النّجف الأشرف لعدة سنين (حرز الدين، 1427: ج2، 218)، وبعد وفاة شمس الدّين، تولى هذا المنصب أخوه نقيب الدّين يحيى بن الجماز، كان مقبولًا لدى سلاطين المغول (الحسيني، بى تا:، ج1، 24).

نتيجة البحث: تفاوت الدّور الاجتماعي للحكومات الإيرانيّة في النّجف الأشرف، كان  البويهيون الأبرز من بين الحكومات الإيرانيّة التي حكمت مدينة النّجف الأشرف، فقد أسست مراكز اجتماعيّة مهمة منها مؤسسة النقباء والسّدانة، وكانت تُدار من بعض الأثسر العلميّة التي تنتمي الى مدينة النّجف الأشرف، وقد استمر العمل في هذه المؤسسات حتى القرن الثّامن أيّ حتى العهد المغولي في العراق، وهذا يوضح مدى سيطرة هذه المؤسسة على مدينة النّجف الأشرف اجتماعيًّا، حيث كانت النّجف الأشرف وحدة إداريّة صغيرة تُحكَم من سكانها، وكان لهذه المؤسسة دور كبير في أن تكون أرض النّجف الأشرف  بعيدة من الاقتتال الطائفي الذي شهدته مدن العراق، واهتم البويهيون بالمناسبات الإسلاميّة التي تخصّ الشّيعة الإماميّة منها غدير خم وليلة العاشر من محرم، وطورت من بعض الشّعائر الحسينيّة التي كانت تقام في ليلة العاشر من محرم، وكذلك وجهوا اهتمامًا خاصًّا بطبقة العلويين الذين يعود نسبهم الى أهل البيت عليهم السلام.

أمّا بالنسبة الى بقية الحكومات الإيرانيّة ومنها السّلاجقة فلم يكن لهم ذلك الدّور الاجتماعي الذي يستحق الذكر في النّجف الأشرف، واقتصر دورها على الزيارات المتكررة للحرم العلوي المطهر، كذلك الحال بالنسبة إلى المغول و الجلائرين، فلم توجه اهتمامًا خاصًّا لمدينة النّجف الأشرف، فلم يُنسب إليهم بناء مستشفيات ومؤسسات اجتماعيّة تخدم مدينة النّجف الأشرف، والمهمّ الّذي يميز هذه الحكومات أنّها لم تضطهد المذهب الشّيعي والتّشيع، واشتركت هذه الحكومات بالزّيارات المتكررة للحرم العلوي المطهر فعلى الرّغم من تسنن البعض منهم كالسّلاجقة، فقد أكثروا من زيارة الحرم العلوي المطهر فقد كان الحرم العلوي آمنا للخائفين واللاجئين.

المصادر والمراجع

1ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن محمد الشيباني (1963) الكامل في التاريخ، دار صادر ، بيروت.

2ابن حوقل، أبو القاسم النصيبي( 1938) المسالك والممالك، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.

3-الأصفهاني، حمزة بن حسن( 1961) تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء، بيت الحكمة ، بغداد.

4-السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن زيد بن أبي بكر( 1952) تاريخ الخلفاء، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مصر ، مطبعة دار السعادة.

5-الصابي، أبو اسحاق أبراهيم بن علي بن هلال الكاتب (1977) المنتزع من كتاب التّاجي في أخبار الدّولة الديلمية، تحقيق : محمد حسين الزبيدي، بغداد، دار الحرية للطباعة.

6-لسترنج، كي(1954) بلدان الخلافة الشّرقيّة، ترجمة : بشير فرنسيس وكوركيس عواد، بغداد، مطبعة الرباط.

7-الشرقي، علي (1963) الأحلام،  بغداد، شركة الطبع والنشر الأهليّة .

8-الحسيني، محمد بن أحمد بن عميد الدين ، المشجر الكشاف لأصول السادة الأشراف، نسخة مصورة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة، رقم 2825.

9-البحراني، يوسف بن أحمد (1969) لؤلؤة البحرين في الاجازات وتراجم رجال الحديث، تحقيق : السيد محمد بحر العلوم، النّجف الأشرف، مطبعة النعمان.

10-ابن بطوطه، أبو عبدالله محمد بن عبدالله الطنجي (1967) تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار، القاهرة ، مطبعة الاستقامة.

11-الديلمي، أبو محمد الحسن بن محمد (1978)ارشاد القلوب، بيروت،  مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

12-ابن الزهرة، تاج الدين بن محمد بن حمزة (1963) غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار، تحقيق : السيد محمد صادق بحر العلوم، النّجف الأشرف، المطبعة الحيدرية.

13-ابن الطاووس، غياث الدين عبد الكريم (1368) فرحة الغري في تعين قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النّجف ،النّجف ، المطبعة الحيدرية.

14-الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير(1968) تاريخ الرسل والملوك، تحقيق : محمد أبو الفضل أبراهيم ، مصر، مطابع دار المعارف .

15-ابن الطقطقي، محمد بن علي بن طباطبا (1962) الفخري في الآداب السّلطانيّة والدّول الإسلاميّة ،القاهرة، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده .

16-ابن الكثير، عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن عمر القرشي (1932) البداية والنهاية في التاريخ ،مصر، مطبعة السعادة.

17-الخزرجي، الملك الأشرف الغساني (1975) المسجد المسبوك والجوهر المحبوك في طبقات الخلفاء والملوك ،تحقيق: شاكر محمود عبد المنعم، بيروت، دار التراث الإسلامي.

18-البنداري، الفتح بن علي الاصفهاني (1900) دولة تاريخ ال سلجوق، مصر، مطبعة الموسوعات.

19-البلاذري، ابو الحسن أحمد بن يحيى (1978) فتوح البلدان ،بيروت ، دار الكتب العلمية.

20-أمين، محسن الحسيني العاملي(1968) أعيان الشّيعة، دمشق ، بيروت ، مطابع الانصاف والترقي ودمشق وكرم.

21-ابن عنبة ، جمال الدين أحمد بن علي الحسيني (1971) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب  تحقيق : محمد حسن الطالقاني ، النّجف الأشرف، المكتبة والمطبعة الحيدرية.

22-محبوبة، جعفر الشيخ باقر (1968) ماضي النّجف وحاضرها ،بيروت ، لبنان ، دار صادر.

23-أمين، حسين (1965) تاريخ العراق في العصر السّلجوقي، بغداد ، مطبعة بغداد ، الارشاد.

24- بارتولد (1958) تاريخ الترك في آسيا الوسطى ، ترجمة : أحمد السعيد ، مصر، مطبعة الانجلو المصرية .

25-ابن العميد، الشيخ جرجس بن العميد (1652) تاريخ المسلمين ،ليدن .

26- حرز الدين، الشيخ محمد حسين بن علي بن محمد (1427) تاريخ النّجف الأشرف ، إيران ، قم ، مطبعة نكارش، منشورات دليل ما.

27-الطباطبائي، جعفر بحر العلوم (1354) تحفة العالم في شرح خطبة المعالم ،النّجف الأشرف مطبعة الغري.

28- الجواهري، عبد العزيز(1342) أثار الشّيعة الإماميّة ،طهران ، مطبعة مجلس الشورى.

29-شمس الدين، محمد مهدي (1992) واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي، بيروت ، لبنان، المؤسسة الدّولية للدراسات والنشر.

30-بياني، شيرين، (1345) تاريخ آل جلاير، طهران، انتشارات جامعة طهران.

31-أشتياني، عباس أقبال (1341) تاريخ المغول، طهران ، انتشارات امير كبير.

32-بن عباد، صاحب (1946) رسائل الصاحب بن عباد، القاهرة، دار الفكر العربي.

33-الشهرستاني، السيد صالح (2003) تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي، تحقيق: نبيل رضا علوان، النّجف، مطبعة الزهراء.

34- مليحة، رحمة الله (1970) الحالة الاجتماعية في العراق في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة،  بغداد، مطبعة الزهراء.

35-المارودي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (1356) الأحكام السّلطانيّة القاهرة.

 

[1] – مدرس مساعد طالب دكتوراه في قسم التأريخ-كلية الآداب والعلوم الإنسانية-جامعة أصفهان-إيران.

Doctoral student at Isfahan University – Department of History- Email: haideralshmry1981@gmail.com

[2] – الأستاذ الدكتور في قسم التأريخ- كلية الآداب والعلوم الإنسانية-جامعة أصفهان-إيران.

Professor at Isfahan University, Department of History- Email:montazer@ltr.ui.ac.ir

[3] – أستاذ مساعد في قسم التأريخ-كلية الآداب والعلوم الإنسانية-جامعة أصفهان-إيران.

Associate Professor at Isfahan University, Department of History- Email:Aa.abbasi@ltr.ui.ac.ir

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website