الإبلاغيّة والانفعاليّة في شعر جودت فخر الدّين
Communicative and emotional in the poetry of Jawdat Fakhr al-Din
ملخص من رسالة أُعدّت لنيل شهادة الماجستير في اللغة العربيّة وآدابها
Hana Abu Alfa هناء أبو علفة([1])
تارخ الإرسال:26-7-2024 تاريخ القبول:6-8-2024
تحميل نسخة PDF
الملخص
يتناول هذا البحث الموسوم بـ(الإبلاغيّة والانفعاليّة في شعر جودت فخر الدّين) بعض الظّواهر الإبلاغيّة الكامنة في شعر جودت فخر الدّين، وفهمها وكشف فعاليّتها في تشكيل رؤية الشّاعر، وتبيان تعلّقها وترابطها مع تجربته الشّعريّة؛ لأنّ لغته تتوفر على درجة عالية من الإبلاغية، قاصدًا منها التأثير في المتلقي وهزّ مشاعره وإيقاظ عنصر الاستجابة لديه.
وقد اقتضى عملي في هذا البحث أن يكون قسمين؛ الأول: الدّراسة النّظريّة التي تحتوي على توضيح مفهوم الإبلاغية وعلاقتها بالمفاهيم الأخرى كالانفعالية والخيال والأسلوب والألسنية والاستجابة. والثاني: الدّراسة التّطبيقيّة على مقتطفات من شعر جودت فخر الدين.
الكلمات المفاتيح: الإبلاغيّة – الانفعاليّة – الأسلوب – الألسنيّة – المتلقّي.
Abstract
This research entitled (Communication and Emotionality in the Poetry of Jawdat Fakhr al-Din) deals with some of the communicative phenomena latent in Jawdat Fakhr al-Din’s poetry, understanding them and revealing their effectiveness in shaping the poet’s vision, and clarifying their attachment and connection with his poetic experience; because his language has a high degree of communicativeness, intending to influence the recipient, shake his feelings and awaken the element of response in him. My work in this research required to be divided into two parts; first: the theoretical study that includes an explanation of the concept of communicativeness and its relationship with other concepts such as emotionality, imagination, style, linguistics and response. Second: an applied study on excerpts from the poetry of Jawdat Fakhr al-Din.
Keywords: Informational, Emotional, Style, Linguistics, Receptor.
مقدمة
يسعى هذا البحث إلى التّفتيش في داخل النّصوص عن الشّحنات الإبلاغيّة التي تنعكس على المتلقّي انفعالًا، عبر فحص البنى الأسلوبيّة البارزة، محاولة اكتشافها بوصفها بنى مهيمنة، من خلال الملاحظة والاستقراء، ثمَّ يسعى إلى التّعرف ببعض الظّواهر الإبلاغيّة الكامنة في شعر جودت فخر الدّين، وفهمها وكشف فعاليّتها في تشكيل رؤية الشّاعر، وتبيان تعلّقها وترابطها مع تجربته الشّعريّة.
وقد اتّخذنا في هذا البحث من الإبلاغيّة سبيلًا لكونها من أحدث ما تمخّضت عنه علوم اللغة في العصر الحديث، وهي أحد مجالات نقد الأدب اعتمادًا على البنية اللغويّة، من أجل كشف الحالة النّفسيّة المتوارية في البنى الأسلوبيّة المهيمنة على النّصّ الأدبيّ.
1- مفهوم الإبلاغيَّة
يعدّ الإبلاغ أو التَّوصيل من أعلى الغايات التي يطمح الأدب إلى وصولها، ولذلك تنافست النُّصوص الأدبيّة في الوصول إلى درجة البلاغة واستحقاق وصف بليغ، وإنَّما كانت البلاغة مشتقّة من الإبلاغ لتمتُّن صلة الإبداع بالأصل الوظيفيّ للغة، وبالغاية المعرفيّة للأدب. ورد في “تاج العروس” أنّ الإبلاغ في اللغة هو الوصول “والانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى، مكانًا كان، أو زمانًا، أو أمرًا من الأمور المقدّرة”([2])، فالبلاغة تحقّق غاية التّوصيل في أعلى درجاتها، وذلك لما لها من خاصيّة التّأثير، لكونها تتمحور في أصل اشتقاقها حول التَّبليغ والتَّوصيل وطرائقهما، من خلال القدرة على نقل معنى يعتمل في النّفس إلى خارجها وتبليغه إلى الآخر، وإنّما “سُمّيت البلاغة بلاغة لأنّها تُنهي المعنى إلى قلب السّامع فيفهمه”([3])، و”قيل لبعضهم: ما البلاغة؟ فقال: إبلاغ المتكلِّم حاجته بحسن إفهام السّامع، ولذلك سمّيت بلاغة”([4]).
والإبلاغيّة بوصفها مصطلحًا نقديًّا تشمل كلّ ما يتجاوز الجانبين الموضوعيّ والفكريّ للكلام، وكلّ ما يتجاوز عمليّة إيصال الوقائع، والأفكار عن طريق الإخبار والإعلام إلى عناصر أخرى كتناغم الأصوات، وإيقاع العبارة، والقيم الانفعاليّة، والأساليب المتميّزة بالفصاحة والبلاغة([5]).
وقد رُبطت بالأسس النَّفسيَّة وبواعث التَّوتر الانفعاليّ في العمل الأدبيّ، إذ إنّها على حدّ تعبير سمير أبو حمدان “مجموع الشّحنات النّفسيّة المتوارية في نصّ أدبيّ ما”([6]). فالإبلاغيّة بهذا المفهوم هي أن نعاين عن قرب مقدار الانفعاليّة عند أيّ مبدع، من خلال تتبّع أسلوبه.
2- علاقة الإبلاغيّة بالمفاهيم الأخرى
بمحاولة الوقوف على تحديد ما تعنيه الإبلاغيّة، رأينا أنَّها ترتبط بمفاهيم تكوّن في مجموعها علامات بارزة في دراسة لغة الشّعر وأساليبه، ومن هذه المصطلحات:
1- الانفعاليّة
الانفعال بمعناه الواسع يشمل الحالات الوجدانية جميعها رقيقها وغليظها، وهو بمعناه الضَّيق حالة جسميَّة نفسيَّة ثائرة، يضطرب لها الإنسان جسمًا ونفسًا، وتظهر آثاره عليهما([7]).
وهو لا يظهر إلَّا كانت غريزة من الغرائز في حالة نشاط مثل الخوف، والرّعب، والغضب، والفرح والحزن. والانفعال يسمّى “مشتقًا” إذا اتّصل بحادثة حدثت في الماضي أو إذا تعلّق بحادثة ستحدث في المستقبل، مثلًا الأسف والنّدم، أمّا كلٌّ من الثّقة والرّجاء والقنوط واليأس، فهي انفعالات مشتقّة لكن بحادثة ينتظر وقوعها. ويقسم الانفعال إلى أولي يقتصر على غريزة واحدة، وانفعال مركّب يقوم على غريزتين أو أكثر، مثلًا الاشمئزاز والغضب([8]).
ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنّ طبيعة الشّعور والانفعال والعواطف وكذلك العوامل التي تؤدّي إلى الخبرة الانفعاليّة، هي من اختصاص علم النّفس([9]). فقد عرَّف جان بول سارترJean Paul Sartre) ) الانفعال أنّه: “الواقع الإنسانيّ الذي يتحمّل نفسه، ويتّجه منفصلًا نحو العالم”([10]). ويدلّ على حسب طريقته على مجمل الوعي، وإذا نظرنا على الصّعيد الوجوديّ دلّ آنذاك على الواقع الإنسانيّ([11]).
وقد يحمل الانفعال اسم العاطفة التي تدلّ على حالة نفسيّة، أو ومض انفعاليّ لا تضبط مادّته، قد يكون حدسًا أو إلهامًا، كما يكون فنًّا عند الصّوفيّة، وإذا أدركناه فبآثاره وبقدر ما يوفّق الشّاعر لضبطه وتصويره بالألفظ والتعابير، ندرك من عاطفته السّموّ والصّدق والقوّة والعمق والتّنوع والاستمرار([12]).
وانطلاقًا من هذه الحقيقة ونظرًا لأهمّيّة العاطفة الأدبيّة وقيمتها([13])، أضف إلى عناصر الأدب الأخرى، فإنّ النّقاد القدامى أولوها اهتمامًا كبيرًا([14]). وقد تطلق العاطفة كذلك على مجموعة المشاعر التي تنتاب الأديب، حين يمرّ بتجربة من تجارب الحياة أو يتأثّر بموقف من مواقفها، فتوجّه نظرته إلى وجهة خاصّة، فالشّاعر حينما يتحدّث عن حقائق الحياة لا يعنيه ماهيّتها الحقيقيّة أو الذّهنيّة أو العلميّة، بل يعنيه ما تأثّرت به نفسه وأَدركَه وجدانُه بالنّسبة إلى الحقيقة الموصوفة. فهي على ذلك الانفعالاتُ النفسيّة الموجهة إلى مُؤثّر خاصّ([15])، أي أنّها انفعال قويّ يتجمع حول شخص أو شيء أو معنى، ويرتبط به كعواطف الحبّ والكره، وغيرها من العواطف([16]). فالمرء لا يتكلّم فقط من أجل تشكيل أفكاره، وإنّما من أجل أن يؤثّر على نظرائه ويعبّر عن أحاسيسه الخاصّة أيضًا، وحين يعمد المرء إلى عبارة ما فيستخرج ما فيها من كلمات ويحلّل عناصرها النّحويّة والإعرابيّة، لا يكون قد استفرغ كلّ ما فيها إذا هو لم يقدر قيمتها العاطفيّة([17]).
وهكذا يكون الانفعاليّ الكامن في الصّيغ والعبارات، المنهل الأساس التي تنهل منه الإبلاغيّة لإظهار قوّتها التّأثيريّة([18])، فالانفعاليّة تدرس بُنى النّصّ، لتبيان مدى انفعال الكاتب مع الحالة النّفسيّة.
2- الخيال: وقد يلجأ الفنّان إلى الخيال ليعيش في توهّمات ضمن عالمه الخاصّ به، ذلك أنّ العاطفة هي التي “توجّه الخيال، وهي أساس أي تخيّل أو تصوير وما قوّة الخيال إلاّ صدىً لقوّة العاطفة وصدقها، فالخيال الشّعريّ لا ينشط إلاّ تحت تأثير العاطفة والانفعال، ورؤية الشَّاعر للحقيقة ما هي إلاّ وليدة الاتّحاد بين قلبه وعقله من جهة وبين المظاهر الكبرى للحياة من جهة أخرى، وهو اتّحاد لا يتمّ من غير توافر العاطفة الصّادقة لدى الشّاعر“([19]).
والانفعال هو الباعث على شحذ قريحة الشَّاعر وقوّة تخيّله، ولذلك ربط الفلاسفة العرب بين الانفعال، والتّخييل الشّعريّ([20])الذي “يشير باختصار إلى عملية التّلقّي في العمليّة الشّعريّة، وهي عمليّة سيكولوجيّة لها أساسها الميتافيزيقيّ والمعرفيّ والأخلاقيّ”([21]). فالانفعال إذن نفسانيّ وليس فكريّ به تبسط النّفس أو تنقبض عن أشياء من غير فكر أو رؤية([22])، وهذا الانفعال هو الذي يدفع المتلقّي إلى اتّخاذ سلوك معيّن، أو طلب شيء أو الهروب منه من دون تفكير. فلا تَخيّل من دون انفعال، “فالقوّة المتخيّلة عند الفلاسفة، مرتبطة بالغرائز والحاجات الفطريّة التي هي من نزاعات النَّفس البهيميّة، وأنّ من شأن هذه النّفس إذا اشتاقت إلى شيء وانفعلت انفعالًا مرغِّبًا نحوه ولم يتحقّق لها إشباع حاجاتها وغرائزها ودوافعها الفطريّة”([23]). ونجد مفهوم التّخييل الشّعريّ وعلاقته بالانفعال عند حازم القرطاجنيّ هو نفسه الذي عرفناه عند فلاسفتنا المسلمين، إذ يعدّ القرطاجني التّخييل الشّعريّ “عمليّة إثارة لصور ذهنيّة في مخيّلة المتلقّي، أو خياله، كما أنّه إثارة لانفعالاته في الوقت نفسه، فالصّلة بين المخيّلة والانفعالات صلة وثيقة”([24]).
فدلالة الخيال في الدّراسات النّقديّة العربيّة القديمة كانت تشير إلى الشّكل، والهيئة والظّل وإلى الطّيف أو الصّورة التي تتمثّل لنا في النّوم أو أحلام اليقظة، أو في لحظات التّأمّل عندما يفكّر في شيء أو شخص([25]). وفي الدّراسات النّقديّة المعاصرة([26])، تعاظمت العناية بعنصر الخيال، بوصفه الملكة التي تتمّ بها عمليّة التّأليف بين الصّور وإعادة تشكيلها وأصبح مصطلح الخيال يعني: “القدرة على إيجاد التّناغم والتّوافق بين العناصر المتباعدة والمتنافرة داخل التّجربة”([27]).
3- الأسلوب
من المصطلحات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإبلاغيّة مصطلح الأسلوب([28])، فالأسلوب هو الميدان الذي يتناول القيم الإبلاغيّة للُّغة التي من شأنها إحداث التّأثير الذي يتوخّاه المبدع، فالمبدع بإمكاناته الخاصّة قد يستطيع أن يبتدع أشكالًا من الأداء لا تقدمها له اللغة في مواضعتها([29]).
وقد “ارتبط الأسلوب، وفاقًا لمفاهيم البلاغة التّقليديّة، بشكل عامّ، بطريقة الكاتب أو المدارس الأدبيّة أو حتّى الجنس الأدبيّ، في استخدام المحسّنات البلاغيّة أو الجماليّة في النّصوص”([30])، أمّا حديثًا فـ”إنّ هدف التّحليل الأسلوبيّ الحديث للأشكال البلاغيّة المختلفة لا يمكن أن يقتصر على مجرّد حصرها وتعدادها في النّصّ الأدبيّ، بل لا بدّ أن يبيّن أوضاعها المحدّدة ويكشف علاقتها المتناغمة أو المتناحرة وبالتّركيز على مظهرين: أحدهما معرفة التّوظيف البلاغيّ لهذه الأشكال وقياس مداه ووصفه، والآخر محاولة اكتشاف الأهمّيّة النّسبيّة لبعض هذه الأشكال في نصّ معيّن على ما سواها، ودورها في تكوين بنيته”([31]) . ذلك أنّ الأسلوب “حدث يمكن ملاحظته، فهو لسانيّ لأنّ اللغة أداة بيانه، وهو نفسيّ لأنّ الأثر غاية حدوثه، وهو اجتماعيّ لأنّ الآخر ضرورة وجوده”([32]). والأُسلوب يتّجه بداية إلى دراسة البُنى الصّوتيّة والنّحويّة والدّلالة وطاقاتها الإبلاغيّة، ثمّ وصف العلاقات القائمة بينها، لأنّ الخطاب البلاغيّ يتجاوز اللُّغة المعياريّة الهادفة إلى التّوصيل. فالأسلوب هو موطن الإبلاغيّة على حدّ تعبير سمير أبو حمدان، الذي يرى أنّ الأسلوب “رافعة أساسيّة وهي استثمار ما تبطن عليه اللغة من موارد ومعطيات إبلاغيّة – انفعاليّة توصلًا إلى صوغ فكرة ما بأقصى ما يمكن من التّأثير النّفسيّ”([33]).
4- الألسنية
إذا كانت الألسنيّة([34]) علم جديد درس اللّغة في ذاتها ولذاتها من خلال دراسة بنيتها، فإنّ الإبلاغيّة هي دراسة بنية النّصّ لمعرفة درجة انفعال الكاتب مع فكرته، وهي العمل الحديث الذي يقف على الحدود المشتركة بين علم النّفس وعلم اللّغة الحديث- الألسنيّة([35]). وبما أنّ الإبلاغيّة وحدها تستطيع أن تُنشِئ جسرًا بين الكاتب والقارئ([36])، فاللّغة وسيلة للإبلاغ يمكن بلوغها من خلال دراسة نظام من العلامات الذي يعبّر عن شخص كاتبه، فدرجة الإبلاغ تختلف تبعًا لتلك العلامات المستخدمة من قبل المتكلّم([37])، لذا فإنّ اللّغة المكتوبة أكثر إبلاغًا منها من اللّغة المحكيّة؛ لما تحتويه من علامات يمكن فكّها لدراسة القضيّة.
5- الاستجابة والتلقي
يُقصد هنا بمصطلح الاستجابة مدى تفاعل المتلقِّي مع النّصّ، فالمتلقّي ليس طرفًا مستهلكًا فحسب، بل عنصرًا منتجًا في مراحل الإبداع، ومكان الإبلاغيّة في ذلك أنّها لا تُحصر في الأثر الانفعاليِّ الذي يحدثه أسلوب لغويّ ما، وإنّما تَشمل جميع الإمكانات اللغويَّة التي يستثمرها المبدع سعيًا إلى التَّأثير في نفسيَّة المستقبل، فمسار الإبلاغيَّة إذن لا ينحصر في جوانب تأثيرية ضيّقة، وإنّما يمتدّ ليشمل كلّ ما يؤثّر في نفسيّة القارئ، أي: التّقنيّات اللغويّة والأسلوبيّة والأدبيّة المستثمرة في عمليّة إنتاج النّصّ، وهذا ما يجعل الظّاهرة الأدبيّة ليست مرتبطة بالنّصّ فحسب، بل هي القارئ أيضًا وجملة ردود فعله تجاه النّصّ([38]).
وهذا ما جعل رومان ياكبسون (Roman Jakobson) يربط الجانب الإبلاغيّ للغة الشّعريّة بالوظيفة التّعبيريّة أو الانفعاليّة للرّسالة اللغويّة؛ لأنّها تعبّر بصفة مباشرة عن موقف المتكلّم تجاه ما يتحدّث عنه، فهي تنزع إلى تقديم انطباع عن انفعال معيّن صادق أو خادع على حدّ تعبيره([39]). إذ تتولّد الوظيفة التّقويميّة أو التّقديريّة عند المستقبل – كما يرى ياكبسون – عندما يقع التّأكيد على المستقبل بصيغ معيّنة مثل الأمر والطّلب والنّداء([40]).
فالانفعال عنصر أساسيٌّ ينبغي توفّره في النّصّ الشّعريّ، ومن دونه لا يمكن التّأثير في المتلقّي، ولا بُدّ من توفّر الشّحنات العاطفيّة والنّفسيّة من أجل جذبه واستمالته.
واستنادًا إلى هذا فإنّ المعنى لم يَعُد في حوزة الكاتب ولا في حوزة النّصّ، بل في نقطة التّفاعل بين النّصّ والقارئ، ليصبح “المتلقّي أحد أضلاع ولادة النّصّ الأدبيّ، فهو الشّريك الأساس في العمليّة الأدبيّة، لما يؤدّيه من دور إنتاجيّ فعّال، عبر إنارة النّصّ وملء فراغاته من جهة، ومشاركة الكاتب أو الشّاعر من جهة أخرى”([41]). وهذا يعود بالنّفع على النّصّ لجهة إعادة بنائه من جديد وفاقًا لرؤى جديدة، إذ يعمد المرسل إلى إبراز الوظيفة الإبلاغيّة للرّسالة فيلجأ إلى استعمال أساليب تؤثّر في المستقبِل. بمعنى أنّ كشف الجوانب التي تُعزّز وظيفة المستقبِل في فهمِ النَّصّ وإعادة إنتاجه، من شأنها أن تكشف الأثر الإبلاغيّ الذي من شأنه أن يؤثّر في المستقبِل.
وإنّ النّصّ لا يمكنه أن يكون النّتاج الكلّيّ للمعنى، إنّما المعنى في العمل الأدبيّ يُنتج عن فعل القراءة وفعاليّتها بين النّصّ ومتلقّيه، “والنّصّ الأدبيّ بالفعل لا يمكن أن يكون له معنى إلّا عندما يُقرأ، وبالتّالي فالقراءة تصبح شرطًا أساسيًّا مُسبقًا لكلّ تأويل أدبيّ.”([42]) وهكذا، فإنّ النّصّ الأدبيّ لا يتحقّق إلّا بفعل القراءة، إذ تظهر جماليّة التّفاعل من خلال مرور القارئ عبر مختلف وجهات النّظر التي يقدّمها النّصّ، ونقطة التّفاعل هذه هي التي تصنع النّصّ من جديد.
3- الدّراسة التّطبيقيّة
الانفعاليّة والإبلاغيّة علمان قائمان على دراسة وتحليل عناصر النّصّ؛ إذ تُظهر الانفعاليّة مشاعر الكاتب وأحاسيسه في النّصّ تجاه موضوع ما، وإنّ الإبلاغيّة هي التي توصل بالقارئ إلى فهم مشاعر الكاتب، مثبتةً له ما يختلخ في داخله. وعليه سأقوم بتحليل عناصر النّصوص حسب مستويات التّحليل الأسلوبي (الإيقاعيّ، والبلاغيّ، والتّركيبيّ)، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ما سأذكره سيكون على سبيل التّمثيل لا الحصر، وأنّ التّقسيم الآتي سيكون متّجهًا إلى المواضيع الانفعاليّة المهيمنة على شعر جودت فخر الدّين، وهي:
انفعاليّة الشّاعر في موضوع العائلة:
إنّ حبّ الشّاعر “جودت فخر الدّين” لعائلته يظهر جليًّا في قصائده الممتلئة بالانفعالات، تجاه أفراد عائلته وكلّ من حوله، فمن يقرأ شعره يرى الكمّ الهائل من القصائد المهداة لهم، ويرى أيضًا أنّها تفيض بانفعالات الحبّ والشّوق لهم والخوف عليهم.
يقول في قصيدة “كن سرّ نفسك” مخاطبًا ولده: [بحر المتقارب]
ليكن وقتك الآن طفلًا،
تلقّاه أبيض، منفسحًا، فارغًا، كسماء بدائيّةٍ، لم يجُبها الكواكب، لم يسرِ في نسغها خفق أجنحةٍ، أو ملائكة، أو شهبْ. ليكن وقتك الآن طفلًا صديقًا، كباقي اللُّعَبْ. |
أريدك أن تتلهّى
لتعرفَ معنى البداياتِ، تلك التي تتخلّق بيضاء من غير وعدٍ أريدك وعدًا يطولُ، يهبّ على مهَلٍ ليكن وقتك الآن مثلك، يهمي رذاذًا من السّحر، يلهو ويعثر في لهوه[43]. |
يدعو الشّاعر ابنه الذي هو موطن سرّه إلى اللعب، وأن يستغلّ هذا المرحلة- مرحلة البدايات. الأمر الذي يُظهر أنّ الشّاعر كان يعيش حياة ممتلئة بالأحزان والصّعوبات، لذلك نراه يحرّض ابنه على الاستمتاع بهذه البدايات.
يظهر ذلك من عدّة مستويات، أوّلها الصّوتيّ المتمثّل في التّكرار، فقد كرّر الشّاعر حرف التّاء (تلك– تتخلق– تتلهى- لتعرف- وقتك)، لتحريك انفعال القارئ حول هذه المرحلة. فحرف التّاء حرف شديد مهموس[44]، شديد لكون المحبّة شعور قويّ يكاد يكون أقوى المشاعر الّتي تختلج الإنسان، رقيق كرقّة قلب الأب الّذي تطحن قلبه المحن والتّجارب فيغدو هشًّا رقيقًا، لكنّها ليست الهشاشة الّتي مرادفها الضّعف. ومن خلال تكرار الكلمة في قوله: (ليكن وقتك الآن طفلًا- ليكن وقتك الآن طفلًا صديقًا- ليكن وقتك الآن مثلك) فقد تكرّرت كلمة (وقتك)، لإظهار أهمّيّة هذه المرحلة والسّعادة لدى الإنسان.
وقد أسهم التَّكرار في الجملة (ليكن وقتك الآن طفلًا– ليكن وقتك الآن طفلًا صديقًا- ليكن وقتك الآن مثلك) في تصوير جوّ إيقاعيّ يرتبط بالدّلالة ويمارس فاعليّته في التّلاحم، الذي بدوره يجمع العناصر ضمن وحدة دلاليّة لتوضّح المعنى وتأكّده. وبمعنى أدقّ، إنّ التَّكرار أدّى دورًا كبيرًا في آفاق المعنى، فهو يكشف البنيّة المسؤولة عن توزيع العناصر اللغويّة والدّلاليّة داخل التّركيب، لكونه تكرارًا استهلاليًّا([45])، يبدأ في أوّل فقرات المقطع، والدّليل هو وجود النقطة قبل كلّ تكرار. فالشّاعر يجعل من جملة الطّلب (ليكن وقتك الآن) نقطة ارتكاز يقوم عليه هذا المقطع منذ البداية إلى النّهاية، ما يعني أنّ التَّكرار يحمل على عاتقه زيادة المعاني، وفي الوقت نفسه تبقى هذه المعاني المختلفة مشدودة إلى أصل واحد هو الجملة المكرّرة.
ومن الجليّ ملاحظة أنْ تكرار هذه الجملة عمل على تكثيف معنى الطّلب إلى أقصى حدوده، حتّى بدا وكأنّه قد تحقّق وفُهم، إذ باستطاعة هذا التّكرار أن يجعل الطّلب أسير مسمع ابنه، فبسماعه يستطيع امتلاك الوقت، عند ذلك يطمئِن على الحياة التي يريدها له.
ثانيها المستوى البلاغيّ المتمثّل في التّشبيه المرسل المجمل: “ليكن وقتك الآن طفلًا صديقًا كباقي اللّعب”، إذ أقام الشّاعر هذا التّشبيه لوجود شبهًا كبيرًا بين هذه اللُّعب ومرحلة الطّفولة، فكلاهما بلا همّ، فبهذا التّشبيه استطاع الشّاعر التّعبير عن انفعالاته حول جماليّة هذه المرحلة من العمر.
ثالثها المستوى التّركيبيّ، فقد عمد الشّاعر في قوله: (ليكن وقتك الآن طفلًا– ليكن وقتك الآن طفلًا صديقًا- ليكن وقتك الآن مثلك)، إلى تقديم ظرف الزّمان (الآن) على خبر (يكن)، للتّعبير عن جماليّة هذا الوقت وأهمّيّته، فلو قال (الآن ليكن وقتك…) لكانت هذه الجماليّة أقلّ.
وحبّ الشّاعر لأبيه لم يفارقه مع كبر سنّه، يقول في قصيدة “جلسة لأبي” إذ جلس مكان جلوس أبيه: [بحر المتقارب]
أجلس الآن في جلسة لأبي،
كان غادرها لينام هناك على تلّة الموت، غادرها… أجلس الآن في جلسة لأبي، وأحدّق في نقطة قرب هذا الجدار الذي هزّ عطفًا له… أجلس الآن وحدي، كما كان يجلس في كلّ يومٍ. أقول لنفسي: حديقتُنا هذه مهدُنا |
(وأبي ربّما قال ذلك أيضًا)
أقول هي الحضْنُ والحصنُ، والأصل والفرعُ، هذي حديقتُنا حيث عِشنا، وظلّتْ تعيش بنا، أينما قَذَفَتْنا همومٌ وشطّتْ بنا سبٌلٌ. أجلس الآن وحدي، أبي جالس وحده… أجلس الآن بين الشجيرة والبئرِ، هذا أبي جاء من تلّة الموتِ…([46]). |
يُظهر هذا المقطع إحساس الشّاعر بالوحدة عند جلوسه في المكان الذي كان يجلس فيه مع والده. فالشّاعر لم يكتفِ بوصف حاله الوحيدة، بل وصف حال والده الذي يشاركه الوحدة، وكأنّ الرّوح في جسدين.
يعدّ تكرار الجملة (أجلس الآن) نقطة ارتكاز أساسيّة، لتوليد الصّور والأحداث وتنامي حركة النّصّ([47])، فيبقى القارئ مشدود الحواس للوصول إلى المغزى. فقد شكّلت شبكة من العلاقات وألقتْ بظلالها على النّصّ بأكمله، فكانت بمنزلة الكلمة المفتاح التي تُوْلد منها القصيدة وتحدّد مصيرها، فمدار القصيدة كلّها يدور حول موضوع الجلوس، إضافة إلى أنّها مشتقّة من عنوان القصيدة “جلسة لأبي”. فتكراره لجملة (أجلس الآن) لم يكن نتيجة افتعال، بل مناورة للألفاظ لضرورة نفسيّة، وهي الإحساس بأنّ جلوس الشّاعر مكان أبيه لا يقتصر على الهيئة بل على الأشياء المعنويّة، لأنه وريثه وصورة عنه، فهو بالنّسبة إليه مصدر بقاء، ليؤكّد وجود أبيه معه حتّى بعد الموت.
والجناس في قوله: (الحضن، الحصن) لا يقلّ أهميّة عن ما سبق، فقد استعمل الشّاعر هذا الجناس، ليحرّك انفعال القارئ حول ما هو مشترك بين الاثنين، ذلك أنّ تأثير الجناس وبلاغته لا تتأتّى من اللفظ فحسب، وإنّما من ائتلاف اللفظ والمعنى، فعلاوة على التّشابه بالشّكل، فهناك ترادف بالمعنى، فالحضن والحصن يشتركان بصفة الحماية.
وقد استعمل الشّاعر الأسلوب الخبريّ المؤكّد، للإخبار عن حبّه لوالده وعن الذّكريات التي كانا يعيشانها معًا في تلك الحديقة، التي لها قيمة كبيرة في حياتهما، ولعل الشّاعر عمد إلى التّضادّ في قول: (الأصل ≠ الفرع)، لتأكيد دور الحديقة في حياتهما، كما للأشجار جزع وأغصان.
وفي عيد الأمّ سنة 1986، كتب الشّاعر قصيدته “هل أنت بعض السّلام” المهداة إلى والدته: [بحر المتقارب]
كأنكِ أقوى من العصفِ، يُخمدُ روحي
كأنكِ أقوى من اليأسِ، يمضي بأياميَ الخاوياتِ، |
فأنتِ التي: لستُ إلا ضبابًا لسرّك،
لستُ إلا يبابًا لنهركِ([48]). |
في بحث الشّاعر عن الأمل يجد أنّه كامن في أمّه، التي وصفها بأنّها أقوى من اليأس والعصف، فهذه الكلمات تُظهر للقارئ مدى تأثّر الشّاعر بوالدته، التي تُؤمّن له الاطمئنان والرّاحة.
وإن تكرار حرف السّين في قوله: (اليأس– لست- لسرّك)، يجعل القارئ يشعر بالأمل الذي تمنحه إيّاه والدته، ذلك أنّ الصّفير الّذي يحدثه حرف السّين هنا يوحي بتنبيه إلى أمر مهمّ، ألا وهو أنّ الوصول إلى الأمان لا بدّ له من سرّ، والسّر يولّد ألمًا في الدّاخل المتمثّل بكلمة (لستُ) جرّاء الكتمان الموصل إلى (اليأس)، واليأس أحد الطّرق الّتي تؤدّي إلى الأمان.
ثمّ إنّ التّوازي والتّشبيه المرسل المجمل في السّطرين الأوّل والثّاني من هذا المقطع: (كأنّك أقوى من العصف…) (كأنك أقوى من اليأس)، يؤكّدان قوّة تأثير والدته في حياته، التي كانت الأمل الذي يعيش من أجله. وبتأمّل التّوازي الحاصل في السّطرين الأخيرين من هذا المقطع: (لستُ إلّا ضبابًا لسرّكِ) (لست إلّا يبابًا لنهركِ)، يُكتشف الانسجام الصّوتيّ الذي يسهم في إغناء الطّاقة التّخييليّة للقارئ، ويمنح السّطر الشّعريّ نوعًا من الهندسة والبناء الجماليّ.
انفعاليّة الشّاعر في موضوع الطبيعة:
وجد الشّاعر نفسه في الطّبيعة، فأخذ يعبّر عن انفعالاته وعن شخصه في عناصر الطّبيعة، فكانت الطّبيعة المنفس الوحيد للتّعبير عن انفعالاته في الأزمنة جميعها، داخل أرض الوطن وخارجها، ولم يكن ذكره لعناصرها عبثًا، إذ كان في بعض المواقف يذكر تلك العناصر، فيصوّرها وكأنّها ذاته التّعبة والمرهقة من الوضع القائم.
يتحدّث الشّاعر في قصيدة “شمس الخريف” عن جمال الطّبيعة في قريته، واصفًا فيها الشّمس وصفًا دقيقًا، مصوّرًا حالته النّفسيّة الضّائعة، التي كلّما أزاحت عنها الوهم، تعود إلى حالتها، يقول: [بحر المتدارك]
تلسعُ في حقدٍ
ويغيّبها الغيمُ، فترجع كالمكدودِ لتسكبَ غيظًا وهيمًا. |
من يفهم هذا المرض الشّمسيّ سوى الأشجار؟
فتنزعُ حلّتها الخضراءَ وتبكي عارية!([49]). |
المقطع مُمتلئ بالألم الذي يعكس داخل الشّاعر المتعب، وقد تمثّل ذلك في صراخ داخليّ جسّده في الطّبيعة. والنّصّ الأدبيّ هو تجسيد لعقد نفسيّة تشغل فكر الكاتب.
يعمد الشّاعر إلى إظهار “الشّمس” كمريض نفسيّ تفهمها الأشجار وحدها، من خلال ما يلي:
–التّشبيه المرسل المجمل: (ترجع كالمكدود) شبّه الشّاعر شمس الخريف بالإنسان المتعب. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الغموض في الصّورة والتّباعد بين طرفي التّشبيه، لأمرٌ يرفع من إبلاغيّة الصّورة، ويستدعي تأثيرًا أكبر في المتلقّي. إذ اتّكأ الشّاعر في بناء صورته على التّجسيد والتّشخيص، لذلك كانت مادّته التّصويريّة من الطّبيعة، لا بوصفها محسوسات تقع خارج ذاته، وإنّما بوصفها أداة حيّة لها إيقاع خاصّ ينسجم مع إيقاع نفسه لتوقظ لحظة انفعاليّة، ففيها يشير إلى حال الحزن التي تعتريه من تعب الشّمس بفعل حجبها بالغيم من جهة ومن بكاء الأشجار بفعل غيظ الشّمس من جهة أخرى، وهو أمر يدلّ على توحّد الطّبيعة مع البناء الدّاخلي لنفس الشّاعر.
–الاستعارة المكنيّة: (تلسع في حقدٍ) استعار الشّاعر فعل (اللّسع) من الحيّة وأعطاها للشّمس وذلك لاتّحاد الشّمس مع لسع الحيّة من جهة التّأثير في نظر الشّاعر. ثمّ استعار فعل البكاء من الإنسان وأعطاه للأشجار، لقوة الشّبه بين حالها الكئيبة وحال البكاء عند الإنسان.
-حذف المنعوت: (فترجع كالمكدود) عمد الشّاعر إلى التّعبير بأسلوب وصفيّ أسهم في بنيته التّركيبيّة بالإشارة إلى حالةٍ نفسيّةٍ معيّنة، فالفراغ الذي خلفه حذف المنعوت (رجل أو إنسان)، ملأه أحد نعوته، وهو (المكدود) الذي حجب باقي النّعوت، ليبرزه مركّزًا عليه، وليبلّغ المتلقِّي هيئة الشمس عندما ترجع إلى الإشعاع بعد أن حجبتها الغيوم. التّلازم بين النّعت والمنعوت هو ما جعل حذف المنعوت أمرًا غير مخلٍّ، فالنّعت ملتصق بمنعوته، إذ إنّ ذكر هذا النّعت يُغني عن التّصريح بالمنعوت. هذا لجهة ارتباط اللفظ بالمعنى، أمّا لجهة التّأثير، فإنّ ذكر المنعوت قد يخفّف من اهتمام المتلقِّي بالنّعت المذكور، فلو قال: (كالرجل المكدود)، لتوجّه انتباه المتلقِّي أوّلًا إلى صورة الرّجل وما يحمله من معانٍ، ثمّ إلى النّعت الذي سيحدّد بعض ملامح الرّجل. لكن بحذف المنعوت جعل اهتمام المتلقِّي منصبًّا على النّعت وحده الذي تأسّس على عاتقه الصّورة الشّعريّة.
ولا يخفى أيضًا أنّ التّركيب الشّعريّ للسّطر قائم على تشبيه، والمنعوت المحذوف هو المشبّه، يُرى من مرآة النّعت “المشبّه به”، ما أدّى إلى تكوين صورة يتمازج فيها كلا الطّرفين على الرّغم من غياب أحدهما.
وكانت علاقته بالأشجار علاقة وطيدة وودودة، لاسيما شجر الحور الذي يرافقه في مشيه، يقول في “لم أجد غير نفسي”: [بحر المتقارب]
لم أجد غير نفسي
فكيف تنكّرتُ لي! … وكنت أرى كلَّ شيءٍ قصيرًا، فرافقني الحوْرُ، رافقني كأخٍ لي طويلٍ، |
وسرْنا معًا في الصّباح الذي خانني،
ثم سرْنا معًا في المساء الذي لم أخُنْه، وثالثنا كان ثوبَ الضّبابِ الذي لفّنا، وتغلغل ما بيننا…([50]). |
لطول قامة الشّاعر جزء في قصائده، وهذا ما نلمسه في هذه الأبيات، فإحساس الشّاعر بأنّ جميع الأشياء تتنكّر له، سببه طول قامته وكان الحور الشّيء الوحيد الذي يسانده، وكان يشعر بخيانة الصّباح له (أي أوقات السّعادة غير دائمة)، أمّا شعوره تجاه الليل فكان شعور اطمئنان وراحة، وهذا يدلّ على حاله التّعبة التي تجد نفسها في الظّلام، واستنادًا إلى هذا يتبيّن لنا أنّه شخص غامض وكئيب يشعر بالارتياح مع الليل الأسود. ولعلّ هذا الشّيء يظهر من التّضاد في قوله: (في الصّباح الذي خانني) و(في المساء الذي لم أخنه) فهو يخبر القارئ عن علاقته بالصّباح الذي خانه والمساء الذي لم يخنه (الشّاعر)، وكأنّ في كلامه هذا إشارة إلى أنّ علاقته باللّيل قويّة لم يتجرّأ اللّيل على خيانته، لعدم إظهار صورة اللّيل بصورة خائن، وكأنّ الأمر محتوم، بل قال: (لم أخنه)، ليؤكّد أنه هو أيضًا يحبّ اللّيل ولم يخنه.
يكرّر الشّاعر حرف المدّ “ا” (قصيرًا– رافقني– سرنا– معًا– الصّباح– المساء– خانني– لفّنا– بيننا)، والألف شكل منقول عن صور كثيرة في الواقع، فهو الواحد من كلّ شيء، وهو علامة الوحدانيّة لله تعالى، وهو الفرد من الرّجال وكلّ فرد لا شبيه له ألف، وفي حساب الجمل الألف يقابله رقم (1)، والشّكل العموديّ للألف يوحي بتفرّده، وهو يشترك مع الرّقم (1) في شكله ودلالته، فالله واحد لا شريك له، والألف حرف واحد لا شبيه له. وفي تكرار الشاعر دلالة تتمثّل في تناسق طول اللفظ مع طول الشّاعر والحور، فالحور هو الشّبيه الوحيد للشّاعر.
ولرفع مستوى الإبلاغيّة لجأ إلى تكرار كلمة (فرافقني الحور– رافقني كأخ لي)، ليؤكّد مرافقة الحور له ولتوضيح ماهيّته، ثمّ شبّه الحور بأخيه (رافقني كأخٍ لي طويل)، ليظهر مدى قوّة العلاقة والتّشابه بينهما، وضمن ذلك قدّم حرف الجر (لي) على الصّفة طويل، لإظهار دور الحور على ذاته، ثمّ استعار فعل (السّير) من الإنسان وأعطاه للحور (سرنا معًا)، فحذف المشبّه به وذكر شيء من لوازمه وهو السّير على سبيل الاستعارة المكنيّة، وبذلك إشارة إلى كثرة شجر الحور التي تسير معه في الصّباح والمساء.
انفعاليّة الشّاعر في موضوع سنوات العمر:
تناول “جودت فخر الدّين” قضيّة العمر، وكانت مؤلّفاته تدور حول هاجس التّقدم فيه، مبرزًا انفعالاته في كلّ مرحلةٍ من العمر، فوصف طفولته المؤلمة، معبّرًا بكلّ ما يملك من انفعالات عن قساوتها ومرارتها، ولم يكتفِ الشّاعر في وصف مرحلة الطّفولة بل تطرق إلى مراحل العمر الأخرى، فكان الهمّ يعتريها جميعها، لكن يُلحظ بوادر أملٍ في عمر السّتين. فانفعالات الشّاعر مع السّتين كانت انفعالات لأحاسيس تهدس بالخوف والقلق والوهم التي كان يعيشها الشّاعر.
وهنا يمكننا القول إنّ الطّفولة تعدّ المرحلة الأجمل في حياة الإنسان، فهي حقٌّ لكلّ إنسان، حقّ له أن يلعب، وأن يتعلّم، وأن يشعر بالأمان، لكن الشّاعر “جودت فخر الدّين” عاش طفولة حرب قاسية، فوقف وِقفة تحسّر على تلك الأيّام مخاطبًا إيّاها: [بحر المتقارب]
يا بيوتَ الطّفولةِ لا تحزني
أعرف الآن كم كنت تنكمشين اختناقًا، وكم كنتِ تنتحبينَ، وكم كان فيؤكِ ينهلُّ هدرًا، ونحن على الرّمل نكبو، ولا نحسن اللّعبَ، كنّا صغارًا، ومن لِعْبِنا لم نذُقْ غير طعم السّقوطِ |
لماذا كَبَرنا سريعًا؟
وهل كان يُفرحنا كبْوُنا؟. يا بيوت الطفولة لا تحزني أعرف الآن كم آنستك طيور السنونو، ونحن على الرمل نلهو، ويقرع في السمعِ ذاك العويل الدّفين([51]). |
نرى الشّاعر يخاطب بيوت الطّفولة التي عايشت ظروف صعبة، وشهدت الكثير من القتلى. (طيور السّنونو رمز لكثرة الجثث).
تتكّرر جملة (يا بيوت الطّفولة لا تحزني) مرتين في هذا المقطع لرسم مشهد يجعل القارئ يتصوّر ما حدث مع الشّاعر أيّام طفولته، فالغرض العامّ من هذا التَّكرار هو إثارة المتلقِّي وتوجيه ذهنه نحو الصّورة المستحضرة، لتصوير ما يسمّى لحظة التّكثيف الشّعوريّ، أو لحظة التّوافق الشّعوريّ بين المبدع والمتلقِّي، ما يؤدّي إلى أداء المعنى وتوضيحه بصورة مكثّفة فيكون التَّكرار بمنزلة المنبّه للمتلقّي. والشّاعر يظهر التّحسر على الأوقات الضّائعة التي قضاها في بيوت الطّفولة، وعند تكراره لهذه الصّورة يجعل المتلقّي متابعًا له ومستغرقًا بمعاني الصّورة.
ولا يخفى أن في الجملة السّابقة مجاز مرسل علاقته الجزئيّة فقد قال الشّاعر “بيوت” وهو يقصد عالم الطّفولة ككلّ أي أنّه ذكر الجزء وأراد الكل.
وللتّعبير عن شعوره المأساويّ الحزين تجاه أيّام الطّفولة المختنقة، كرّر أسلوب الاستفهام “وكم”، ولجأ إلى الاستعارة في عدّة جملة منها: (كم كنت تنكمشين) (وكم كنت تنتحبين)، فقد استعار الشّاعر فعلي (الانكماش) و(الانتحاب) من الإنسان وحذفه، وذلك لقساوة طفولة الشّاعر، فكأنّها إنسانٌ ينكمش وينتحب من اختناقه. وجملة (وكم كان فيؤك ينهلّ هدرًا)، التي استعار فيها فعل (ينهلّ) العائد للمطر أو لأيّ شيء ديناميكي وأعطاه للفيء.
يطغى الأسلوب الإنشائيّ على القصيدة، فقد استخدم الشّاعر الأسلوب الإنشائي بصيغة النّداء (يا بيوت…) والتّعجب (كم كنت تنكمشين) والاستفهام (لماذا كبرنا سريعًا)، وذلك ليعبّر عن حزنه وحيرته أمام هذه الطّفولة الحزينة، لنخرج بنتيجة مفادها أنّ الشّاعر حُرم من أقل حقوقه.
وكتب الشّاعر قصيدة “ليس بعد…” تجاوزًا لعمر الخمسين، فكان لها الحصّة الكبرى من كتابه المعنون بـ”ليس بعد”، يقول: [بحر المتقارب]
ليس بعدُ… تمهّلْ
فما زلتَ تُخمدُ وهمًا لتُنعشَ وهمًا |
وأيّامك الآن قشٌّ يُغرّدُ في القفرِ،
لم تحترق كلُّها لم يزل يتحرّقُ فيها هزيعٌ من الشّوقِ([52]). |
ما زال الشّاعر وهو في الخمسين من العمر يعاني من شعوره بالهمّ، الذي أصبح ينعش حياته، وهنا دلالة على أنّ كثرة الهموم التي رافقته منذ الصغر، جعلته يعتاد عليها لتصبح جزءًا من سعادته، فهذه هي قمّة الإحباط النّفسيّ. ولإيصال هذا الانفعال يلجأ إلى تكرار كلمة (وهمًا) في قوله: (تُخمدُ وهمًا- لتُنعشَ وهمًا) لأنّه ما زال وهو في الخمسين من العمر يعيش حالة وهمٍ، فالحياة بنظره ممتلئة بالأوهام.
وعن طريق الاستعارة المكنيّة يشخص الأشياء ففي قوله: (وأيامك الآن قشّ يُغرّد في القفر) استعار فعل (يغرّد) من الطّائر، وحذفه وأعطاه للقشّ، فأيّام الشّاعر أصبحت مثل القشّ هشّة. ولا يخفى أنّ الشّاعر في هذه الجملة قدّم ظرف الزّمان (الآن) على الخبر (قشٌّ)، لإعطاء هذه المرحلة العمريّة (الخمسون) أهمّيّة، ولإظهار مأساويّتها.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ النّقط في عبارة (ليس بعد…)، حذف بصريّ أيّ أنّ هناك إشارة على شيء محذوف، ولعلّ العبارة المحذوفة هنا هي (من السّنين)، ليترك للقارىء مجالًا للتّفكير، فيحرّك أفكاره ومشاعره حول الكلام المحذوف، وبذلك يكون الكلام أكثر انفعاليّة منه لو كانت العبارة موجودة.
أمّا أسلوب الجمل الطّاغي في هذا المقطع فهو الأسلوب الخبريّ المنفيّ، لينفي عن أيّام اليأس، مخاطبًا ذاته قائلًا (ليس بعد…) و(لم تحترق كلّها).
وفي أواخر 2016 أصدر الشّاعر مؤلّفًا شعريًّا جديدًا “حديقة السّتين” واللافت أنّ الحزن الذي كان يملأ قصائده أبصر الأمل في هذا الكتاب، وقد بدأه بقصيدة “حديقة السّتين”، يقول في الشّقِّ الأوّل منه تحت عنوان “نجاة”: [بحر المتقارب]
سوف أنجو إذًا،
سوف أنجو إلى قبَسٍ لاحَ لي من وراء السّتارْ. |
قبسٍ خائفٍ يتلألأ كالنّجمْ في العاصفهْ.
قبسٍ يستجيرُ بأياميَ الخائفهْ([53]). |
يلمس قارئ “جودت فخر الدّين” أنّ إحساس الخوف رافق الشّاعر في سنوات عمره جميعها، فشعور الخوف رافقه حتّى في عمره السّتين، فهو لم يشعر بالهدوء والاطمئنان في هذا العمر، كشعوره في السّنين السّابقة، فيلجأ إلى تكرار حرف الألف بشكل ظاهر (لاحَ– وراء– السّتار– خائف– العاصفة– أيامي)، لإيصال شعوره الحزين إلى أقصى مدى، وهو في السّتين، مستبشرًا من بعده أملًا. وكأنّه يسعى إلى حياة مريحة وسعيدة عن طريق مناداة من يخلّصه من خوفه. لكن نراه يسعى بذاته الخائفة إلى قبسٍ من الأمل، وليؤكّد وجود هذا الأمل المتمثّل بالنّور كرّر كلمة (قبس) في قوله: (قبس لاح– قبس خائف- قبس يستجير) والدّليل تكراره جملة (سوف أنجو). لم يقف الأمر عند ذلك بل لجأ لتعزيز ذلك بتشبيه مرسل مفصّل: (قبس خائفٍ يتلألأ كالنّجم في العاصفة)، فقد شبّه هذا القبس بالنّجم في العاصفة، وفي ذلك دلالة على أن أيامه التي يعيشها صعبة كالعاصفة، وأن هناك قبسًا (أمل) سيأتي على أيّامه وينيرها كما ينير النّجم العاصفة.
انفعاليّة الشّاعر في قضية الحياة والموت:
كان لقضية “الحياة والموت” عند الشّاعر نظرة خاصّة غير مفهومة، أخذت حيّزًا كبيرًا من انفعالاته وأحاسيسه، ربما لأنّ موقفه غير واضح من الموت، فأحيانًا ينظر إلى الموت على أنّه الخلاص وحينًا نراه يهابه، أما نظرته إلى الحياة، فكانت نظرة ممتلئة بالانفعالات المتشائمة، فلقد نظر لها نظرة فانيّة مؤقّتة تشبه الخيال.
ونظرة الشّاعر إلى الموت لم تكن نظرة واضحة، فحينًا يرى الموت أنّه الخلاص، وحينًا يخاف منه، وحينًا آخر لا يقتنع به، يقول في قصيدته “ثلاثية الموت”: [بحر المتدارك]
للموت مفاتن لا ندركها
نخشاه لأنا نجهل فتنته، وكثيرًا ما نأخذ غيبته ظلمًا، فهو شقيٌ، لا يملك إلا وحدته العجفاء، ورمحًا، وزهورًا كنباتات الصّخرِ، ويأتي كالمتسوّل، أحيانًا يبكي |
أسمعهُ يترقرق في أوصالي، فأقول هي الأمطارُ
ويهمي أحيانًا في ظنّي كخريف مرتعشٍ، كيف أناقضه؟ أتقصّدُ ذلك يأبى إلا مرضاتي، فأوافقه وكلانا يصبح محكومًا بالآخر، يلزمُهُ، ويُسرّي عنه، ولا يطعنه في الظّهر([54]). |
إنّ نظرة الشّاعر للموت في هذه الأسطر نظرة فرح وسعادة وسرور، فالموت هنا يشعره بالرّاحة والسّعادة التي لا ندركها، واصفًا إيّاه بالذي يريد التّقرب منه بالودّ والمحبّة، ليصبح جزءًا من شخصه، فعلاقة التّراضي واضحة هنا بينه وبين الموت. ولعلّ أكثر ما يظهر هذا المعنى التّضادّ في قوله: (أناقضه ≠ أوافقه)، فبه يؤكّد للقارىء أن علاقته بالموت علاقة تراضٍ، فعندما يناقضه يأبى الموت مرضاته فيوافقه الشّاعر حينها.
وللنظر إلى التّكرار اللافت لصوت التّاء في الكلمات: (للموت– مفاتن– فتنته– غيبته– كنباتات– المتسول– يترقرق– يرتعش– أتقصّد– مرضاتي)، فالتّاء كغيرها من الأصوات تتميّز بصفات تتراوح بين القوّة والضّعف، والصّوت الّذي يتّسم بالقوّة يؤثّر في ما جاوره من الأصوات الضّعيفة، فينتقل الأضعف إلى الأقوى ليقوى الكلام، إذ إنّ دلالة الأصوات اللّغويّة تتأثّر بغيرها من الأصوات، وتؤثّر بها أيضًا. ولقد تكرّر في قول الشّاعر صوت التّاء مسبوقًا بحرف اللّين (الموت- مفاتن- كنباتات- مرضاتي)، وحروف اللّين ليست صوتًا أساسيًّا من وجهة نظر العرب القدماء، وبذلك هو حرف ضعيف، يتأثّر أكثر ممّا يؤثّر. ولمّا كانت التّاء هي الصّوت الأقوى هنا لكونه صوت شديد مهموس، فهذا يعني أنّه هو المؤثّر بحرف اللّين السّابق([55])، وهو تأثّر رجعيّ. وقوّة حرف التّاء تظهر في كلمة (الموت) الّذي هو أقوى من القدرة البشريّة، طالما أنّ الإنسان لا يستطيع التّحكّم به. وكذلك (مفاتن)، فهي قويّة من حيث إنّها تتحكّم بالإنسان الضّعيف. وتكرّرت كلمة (مفاتن) (للموت مفاتن- نجهل فتنته)، وذلك إصرارًا منه على معرفة ماهيّته لأنّه الشّيء الذي يدور في خلده. ولا يخفى أنّ في جملة (للموت مفاتن) تقديم وتأخير، فقد قدّم الشّاعر الخبر (للموت) على المبتدأ (مفاتن) وجوبًا، لأنّ المبتدأ نكرة غير مفيدة خُبِّر عنه بشبه جملة([56]). والتّقديم هنا لم يكن عبثيًّا، وإن جاء وجوبًا، وإنما لغاية قصدها الشّاعر إذ أبرز الخبر بالتّقديم لاهتمامه به من دون سواه، ولأنّ الحديث منصبّ على الموت بوصفه ركيزة أساسيّة تتمحور حوله فكرة القصيدة.
فالشّاعر يصف شعوره الارتياحيّ تجاه الموت، حتّى وصل به الأمر إلى أن يخاطبه كشخص قريب منه، يخبره بأنّه فرد منهم لا يتخلّى عنه، ما يعني أنّ هناك علاقة ثقة واطمئنان بين الشّاعر والموت تظهر في التشابيه الآتية:
-(زهورًا كنباتات الصّخر)، شبّه زهور الموت بالنّباتات التي تنبت على الصّخر، دلالةً على قساوة الموت.
-(يأتي كالمتسوّل) شبّه الشّاعر قدوم الموت بالمتسوّل الذي يلجأ إلى الآخر لمساعدته، لقوّة العلاقة بينهما.
-(ويهمي أحيانًا في ظني كخريف مرتعش): شبّه الشّاعر لجوء الموت إليه بالخريف، دلالةً على حزن الموت، وكأنه يلجأ إلى الشّاعر ليرتاح.
ويقول في قصيدة “القبرات– الغراب” معبّرًا عن عدم اقتناعه بالموت، ولكن بنظرة متشائمة مختلفة عمّا قبلها: [بحر المتقارب]
ليس يقنعني الموت، ذاك الهواء الذّليل، | أنا خائف، ليس يقنعني أن ألوذ بزاوية آمنهْ([57]). |
ترسم هذه الأسطر صورة معاكسة لما قبلها حول إحساس الشّاعر تجاه الموت، فهنا نراه ينظر إليه وكأنّه غريب يخاف منه وغير مقتنعٍ به، ولعلّ هذا التّقلب عند الشّاعر سببه اضطرابات وتقلّبات نفسيّة تحرّك شعوره هذا.
للوصل إلى هذه الإبلاغية يكرّر جملة (ليس يقنعني)، ليؤكّد للقارىء فكرته المتمثّلة في عدم اقتناعه بذلك الموت (الزّاوية الآمنة).
ثمّ يشبّه الموت بمواء الهرّة الذّليل في قوله: (ليس يقنعني الموت، ذاك المواء الذّليل)، وذلك لأنّ الموت بالنّسبة إليه كالمواء الذّليل، أي الضّعيف الذي لا يجد فيه مخلّصًا من حاله هذه.
وقد استخدم الشّاعر الأسلوب الخبريّ المؤكّد (أنا خائف)، ليظهر خوفه من جهل الموت، واستخدم الأسلوب الخبريّ المنفيّ (ليس يقنعني…)، لينفي عدم اقتناعه بأن الموت هو الخلاص لحاله.
خاتمة
عمل هذا البحث على التّفتيش في داخل نصوص الشّاعر جودت فخر الدين عن الشّحنات الإبلاغيّة التي تنعكس على المتلقّي انفعالًا، وقد شكّلت لغة هذه النّصوص على الدّوام أداة فاعلة للخلق والإبداع، توسّلها الشاعر لنقل أفكاره والتعبير عن كوامن نفسه، وجعلها تنطق عن حاله، إذ تفنن في انتقاء ما يناسب حالته الشّعوريّة.
واستخدام جودت فخر الدين للأساليب الإبلاغيّة يعود إلى إحساسه بقيمته التّأثيريّة، وهي عمليّة مقصودة استثمرها في تحقيق وظائف انفعاليّة ترتبط بذاته وتعبّر عن محيطه، كارتباطه مع الطّبيعة، وصراعه مع قضيّة العمر والموت، والأزمات التي عانى منها المجتمع العربي آنذاك… وغيرها، فاستطاع جودت فخر الدّين، من خلال انفعالاته، جذب اهتمام المتلقِّي وإشراكه في العمليّة الإبداعيّة، إذ يفتح له فضاءً واسعًا من التّأويلات. مع العلم أنّ الوقوف على هذه القضايا لم يكن هدفًا منشودًا، بقدر ما كان تعرُّف هيئة تشكيل البنية الإبلاغيّة الانفعاليّة هدفًا رئيسًا يتوخّاه البحث.
وبالمحصلة كشف البحث بعضًا من ملامح شخصيّة أدبيّة شغلت حيّزًا لا بأس به من اهتمام الدّارسين المحدثين. ثمَّ إنه كشف بعض الجوانب الاجتماعيّة والأخلاقيّة والنّفسيّة في حياة هذا الأديب.
المصادر والمراجع
أولًا- المصادر
1- فخر الدين، جودت: الأعمال الشّعرية، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، ط1، 2006.
2- فخر الدين، جودت: حديقة السّتين، دار رياض الريس، بيروت، ط1، 2016.
3- فخر الدين، جودت: فصول من سيرتي مع الغيم، دار رياض الريس، بيروت، ط1، 2011.
4- فخر الدّين، جودت: ليس بعد، رياض الريس، بيروت، ط1، 2006.
ثانيًّا – المراجع العربية
5-أبو حمدان، سمير: الإبلاغية في البلاغة العربية، منشورات عويدات، باريس وبيروت، ط1، 1993.
6-أسعد أحمد، علي: فن المنتخب العاني وعرفانه، دار النعمان، لبنان، ط1، 1968.
7-أنيس، إبراهيم: الأصوات اللغوية، مصر، مكتبة نهضة مصر، لاط، لات.
8-إيزر، فولفغانغ: فعل القراءة نظريّة جماليّة التّجاوب في الأدب، ترجمة: حميد لحمداني والجلالي الكدية، د.ط، مكتبة المناهل، فاس، د.ت.
9-بن ذريل، عدنان: النّصّ والأسلوبيَّة بين النّظريّة والتّطبيق- دراسة، منشورات اتحاد الكتّاب العرب، دمشق، د.ط، 2000.
10-دمشقية، عفيف: الإبلاغية فرع من الألسنية ينتمي إلى علم أساليب اللغة، مجلة الفكر العربي، بيروت، مج1، العددان 8-9، مارس 1979.
11-دمشقية، عفيف: الانفعالية والإبلاغية في بعض أقاصيص ميخائيل نعيمة، دار الفارابي، بيروت.
12-الزبيدي: تاج العروس، تحقيق عبد الستار فراج، ط2، الكويت، التراث العربي، 1965.
13-سارتر، جان بول: نظرية الانفعال، ترجمة: هاشم الحسيني، دار الحياة، بيروت، 1964.
14-السعدني، مصطفى: المدخل اللغوي في نقد الشعر قراءة بنيوية، منشأة المعارف، الإسكندرية، د.ت.
15-الشّايب، أحمد: أصول النقد الأدبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط10، 1994.
16-عبد العزيز، ألفت محمد كمال: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين من الكندي حتى ابن رشد، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، د.ط، 1984.
17-عبد المطلب، محمد: بناء الأسلوب في شعر الحداثة- المكون البديعي، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1995.
18-عبيد، محمد صابر: القصيدة العربيّة الحديثة بين البنية الدّلاليّة والبنية الإيقاعيّة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، د.ط، 2001.
19-عتيق، عبد العزيز: في النقد الأدبي، دار النهضة العربية، بيروت، ط2، 1972.
20-عزيز ماضي، شكري: في نظرية الأدب، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، ط1، 2012.
21-العسكريّ، أبو هلال: كتاب الصّناعتين- الكتابة والشّعر، تحقيق علي محمّد البجاوي ومحمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة، ط1، 1952.
22-عصفور، جابر أحمد: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط3، 1993.
23-عياشي، منذر: مقالات في الأسلوبية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، القاهرة، 1990.
24-العيسوي، عبد الرحمن: علم النفس العام، د.ط، مصر، دار المعرفة الجامعية، 2000.
25-الغرفي، حسن: حركية الإيقاع في الشّعر العربيّ المعاصر، أفريقيا الشّرق، المغرب، د.ط، 2001.
26-فانوس، وجيه: لمحات من النّقد الأدبيّ الجديد، دار العلم، بيروت، ط1، 2012.
27-فضل، صلاح: علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، دار الشّرق، القاهرة، ط1، 1998.
28-القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 1981.
29-القيرواني، ابن رشيق: العمدة في محاسن الشّعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محي الدّين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1981.
30-كبابه، وحيد صبحي: الصورة الفنية في شعر الطَّائِيَّيْن بين الانفعال والحسّ، منشورات اتحاد كتاب العرب، د.ط، 1999.
31-لشكر، حسن وآخرون: مسالك الكتابة وآفاق التّلقي في اللغة والأدب والحضارة، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2016.
32-محمد زكي العشماوي وآخرون، البلاغة والنقد، د.ط، الكويت، وزارة التربية، 1989.
33-المرتجي، أنور: سيميائية النص الأدبي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، د.ط، 1987.
34-مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 2011.
35-ناجي، مجيد عبد الحميد: الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، ط2، 1948.
36-هلال، محمد غنيمي: النقد الأدبي الحديث، شركة نهضة مصر، القاهرة، ط6، 2005.
37-هيام كريدية، الألسنيّة الفروع والمبادئ والمصطلحات،، د.ن، بيروت، ط2، 2008.
38-ياكبسون، رومان: قضايا الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، دار توقال، الدار البيضاء، ط1، 1998.
3- المراجع الأجنبية
39-Cours de linguistique General, ferdin and Desaussules, Dalila Morsly Ed: ENAG, 1990.
PhD student at the Islamic University – department of Arabic language – Khaldeh – Lebanon – Beirut.Email: hanaaaboalfa93@gmail.com
[2]– الزبيدي: تاج العروس، تحقيق عبد الستار فراج، ط2، الكويت، التراث العربي، 1965، ج22، ص445.
[3]- العسكريّ، أبو هلال: كتاب الصّناعتين- الكتابة والشّعر، تحقيق علي محمّد البجاوي ومحمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة، ط1، 1952، ص6.
[4]– القيرواني، ابن رشيق: العمدة في محاسن الشّعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محي الدّين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1981، ج1، ص244.
[5]– دمشقية، عفيف: الإبلاغيّة فرع من الألسنية ينتمي إلى علم أساليب اللغة، مجلة الفكر العربي، بيروت، مج1، العددان 8-9، مارس 1979، ص203.
[6]– أبو حمدان، سمير: الإبلاغية في البلاغة العربية، منشورات عويدات، باريس وبيروت، ط1، 1993، ص7.
[7]– عتيق، عبد العزيز: في النقد الأدبي، دار النهضة العربية، بيروت، ط2، 1972، ص87-88.
[8] – عزيز ماضي، شكري: في نظرية الأدب، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، ط1، 2012، ص119-120.
[9]– العيسوي، عبد الرحمن: علم النفس العام، د.ط، مصر، دار المعرفة الجامعية، 2000، ص9.
[10] – سارتر، جان بول: نظرية الانفعال، ترجمة: هاشم الحسيني، دار الحياة، بيروت، 1964، ص15-16.
[11]– المرجع السابق، ص17.
[12]– أسعد أحمد، علي: فن المنتخب العاني وعرفانه، دار النعمان، لبنان، ط1، 1968، ص316-317.
[13] – انظر: الشايب، أحمد: أصول النقد الأدبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط10، 1994، ص31.
[14]– كان موقفهم في ذلك على مذهبين؛ الأوّل: ربط العواطف الأدبيّة والانفعالات بالأديب المنشئ، وهذا المذهب يجعل العواطف الأدبيّة هي التي تنتج الفنون الأدبيّة وتوجّهها، فقد قالوا قواعد الشّعر أربعة: الرّغبة وتنتج المدح والشّكر، والرّهبة وتنتج الاعتذار والاستعطاف، والطّرب وينتج الشّوق ورقة النّسب، والغضب ويتنج الهجاء والتّوعد والعتاب. أمّا الثاني: فقد ربط العواطف الأدبيّة والانفعالات بالفنّ الأدبيّ، كقولهم الشّعر نسيب ومدح وهجاء وفخر. فمثلًا عاطفة الحزن قد تصدر عن موضوع الرّثاء، فتكون عاطفة الحزن متأثرة بفنّ الرثاء. انظر: الشايب، أحمد: أصول النقد الأدبي، ص188.
[15]– محمد زكي العشماوي وآخرون، البلاغة والنقد، د.ط، الكويت، وزارة التربية، 1989، ص27، 70.
[16] – عبد العزيز عتيق: في النقد الأدبي، ص89.
[17] – دمشقية، عفيف: الانفعالية والإبلاغية في بعض أقاصيص ميخائيل نعيمة، دار الفارابي، بيروت، د.ط، د.ت، ص99.
[18]– أبو حمدان، سمير: الإبلاغية في البلاغة العربية، ص37.
[19]– كبابه، وحيد صبحي: الصورة الفنية في شعر الطَّائِيَّيْن بين الانفعال والحسّ، منشورات اتحاد كتاب العرب، د.ط، 1999، ص33-34.
[20]– يحدد ابن سينا (ت 824ه) التخييل الشّعري أنّه: “انفعال من تعجب أو تعظيم أو غمّ أو نشاط من غير أن يكون الغرض بالمقول اعتقاد البتة”. انظر: عبد العزيز، ألفت محمد كمال: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين من الكندي حتى ابن رشد، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، د.ط، 1984، ص123.
[21]– المرجع نفسه، ص123.
[22]– المرجع نفسه، ص123.
[23] – ناجي، مجيد عبد الحميد: الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، ط2، 1948، ص18.
[24] – عصفور، جابر أحمد: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط3، 1993، ص362. يقول القرطاجني عن التخييل بـ: “أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها، أو تصور شيء آخر بها انفعالًا من غير روية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض” القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 1981، ص89.
[25] – عصفور، جابر أحمد: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، ص19-21.
[26]– كان أبرز من بحث في الخيال وأثره في اختراع الصور في عهد الرومانتيكيين ووليام ردزورث (William Wordsworth) وكوليردج (Coleridge). ينظر: هلال، محمد غنيمي: النقد الأدبي الحديث، شركة نهضة مصر، القاهرة، ط6، 2005، ص289-291.
[27] – عصفور، جابر أحمد: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، ص17-18.
[28]– حصر شارل بالي (Charles Bally) مدلول الأسلوب في تفجّر طاقات التّعبير الكامنة في اللغة، ويعرّف ماروزو (Jules Marouzeau) الأسلوب أنّه: اختيار الكاتب ما من شأنه أن يخرج بالعبارة من حالة الحياد اللغويّ إلى خطاب متميّز بنفسه، ويعرّفه بيير جيرو (Pierre Guiraud) أنّه: مظهر القول النّاجم عن اختيار وسائل التّعبير التي تحددها طبيعة الشّخص المتكلّم أو الكاتب ومقاصده انظر: بن ذريل، عدنان: النّصّ والأسلوبيَّة بين النّظريّة والتّطبيق- دراسة، منشورات اتحاد الكتّاب العرب، دمشق، د.ط، 2000، ص43-44.
[29] عبد المطلب، محمد: بناء الأسلوب في شعر الحداثة- المكون البديعي، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1995، ص14.
[30] – فانوس، وجيه: لمحات من النّقد الأدبيّ الجديد، دار العلم، بيروت، ط1، 2012، ص77.
[31]– فضل، صلاح: علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، دار الشّرق، القاهرة، ط1، 1998، ص294.
[32]-عياشي، منذر: مقالات في الأسلوبية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، القاهرة، 1990، ص37.
[33]– أبو بحمدان، سمير: الإبلاغية في البلاغة العربية، ص25.
[34]– الألسنيّة أو اللّسانيّات أو علم اللّغة هو العلم الذي يتخذ اللّغة موضوعًا له،قال مؤسّس هذا العلم فرديناند دو سوسير (Ferdinand De Saussure) في محاضرات في علم اللّغة العامّ: “إنّ موضوع علم اللّغة الوحيد والصّحيح هو اللّسان معتبرًا في ذاته ولذاته” انظر: كريدية، هيام: الألسنيّة الفروع والمبادئ والمصطلحات، بيروت، د.ن، ط2، 2008، ص2.
[35]– سمير أبو حمدان، الإبلاغية في البلاغة العربية، ص8.
[36]– المرجع نفسه، ص126.
[37]– Cours de linguistique General, ferdin and Desaussules, Dalila Morsly Ed: ENAG, 1990, p: 30,31.
[38]– السعدني، مصطفى: المدخل اللغوي في نقد الشعر قراءة بنيوية، منشأة المعارف، الإسكندرية، د.ط، د.ت، ص21.
[39] – ياكبسون، رومان: قضايا الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، دار توقال، الدار البيضاء، ط1، 1998، ص28.
[40] – المرتجي، أنور: سيميائية النص الأدبي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، د.ط، 1987، ص26.
[41] – لشكر، حسن وآخرون: مسالك الكتابة وآفاق التّلقي في اللغة والأدب والحضارة، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2016، ص346.
[42]– إيزر، فولفغانغ: فعل القراءة نظريّة جماليّة التّجاوب في الأدب، ترجمة: حميد لحمداني والجلالي الكدية، د.ط، مكتبة المناهل، فاس، د.ت، ص5.
[43] – فخر الدين، جودت: الأعمال الشّعرية “للرؤية وقت”، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، ط1، 2006.
ص222.
[44] – أنيس، إبراهيم: الأصوات اللغوية، مصر، مكتبة نهضة مصر، لاط، لات، ص53.
[45] -التّكرار الاستهلاليّ “يستهدف، في المقام الأوّل، الضّغط على حالة لغويّة واحدة، وتوكيدها مرّات متعددة بصيغ متشابهة ومختلفة من أجل الوصول إلى وضع شعريّ معيّن قائم على مستويين رئيسيّين: إيقاعيّ ودلاليّ”. انظر: عبيد، محمد صابر: القصيدة العربيّة الحديثة بين البنية الدّلاليّة والبنية الإيقاعيّة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، د.ط، 2001، ص190.
[46] – فخر الدين، جودت: حديقة السّتين، دار رياض الريس، بيروت، ط1، 2016، ص81-84.
[47] – الغرفي، حسن: حركية الإيقاع في الشّعر العربيّ المعاصر، أفريقيا الشّرق، المغرب، د.ط، 2001، ص84.
[48]– فخر الدين، جودت: الأعمال الشّعرية “قصائد خائفة”، ص247.
[49] – فخر الدّين، جودت: الأعمال الشّعرية “أوهام ريفية (1)”، ص77-78.
[50] – فخر الدين، جودت: فصول من سيرتي مع الغيم، دار رياض الريس، بيروت، ط1، 2011، ص11-12.
[51] – فخر الدين، جودت: الأعمال الشّعرية “قصائد خافتة”، ص267-268.
[52]– فخر الدّين، جودت: ليس بعد، رياض الريس، بيروت، ط1، 2006، ص63.
[53] – فخر الدين، جودت: حديقة السّتين، ص12-13.
[54] – فخر الدين، جودت: الأعمال الشّعرية “أوهام ريفية”، ص107.
[55]– تأثّر الأصوات المجاورة بعضها ببعض نوعان: رجعيّ: وفيه يتأثّر الصّوت الأوّل بالثّاني. وتقدّميّ: وفيه يتأثّر الصّوت الثّاني بالأوّل. انظر: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، ص109.
[56]– مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 2011، ج2، ص345.
[57] – فخر الدين، جودت: الأعمال الشّعرية “للرؤية وقت”، ص181-182.