foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

العَوَامِلُ النّحويّة وعِلَلُهَا في ضوء آراء ابن مضاء وابن جنّيّ

0

العَوَامِلُ النّحويّة وعِلَلُهَا
في ضوء آراء ابن مضاء وابن جنّيّ

د. عبد القادر يوسف ترننيّ*

المقدّمة

منذ أن وضع العلماء نحو العربيّة، جاءت قواعدُه قائمة على فكرة العامل؛ هذه الفكرة التي تَطَوَّرَتْ بتطوُّرِ الزمان وتقدُّمِ العلوم وتجديد المناهج؛ وانطلاقًا من هذه النظريّة كانت المذاهب النّحويّة التي فرعت مسائلها، واصطدمت في تعليلاتها مع أخواتها…

ومتى ذكر العامل فإنّه لا بدّ من الحديث عن علل النّحو التي تشرح الأسباب الموجبة للعمل رفعًا، ونصبًا، وجرًّا، وجزمًا… وبالعلل يُثبت علماء النّحو صحّة مذهبهم، وينتصرون بذلك على غيرهم.

وإذا كانت فكرة العامل قد ولدت مع ولادة النّحو، ثمّ كانت العلل، والاستنتاجات، والاجتهادات مرافقة لها لا تنفكّ عنها، فإنّ من النّحاة من حاول الخروج على هذه التقعيدات، وإلغاء العوامل التعقيديّة؛ وما إن وقع الباحثون المحدثون على عالم من علماء العربيّة ينتقد نظريّة العامل، حتّى وَجَدَتْ كلماته التي لم تجد لها صدى في زمانه أقلامًا متتابعة تحلّل آراءه من دون تحقّق، وتتبّع لجذور الكتابات التي اعتمد عليها…

وهذا ما حدث في ما خطَّه ابن مضاء القرطبيّ الذي نقد نظريّة العامل، معتمدًا على خصائص ابن جنّيّ اعتمادًا موهمًا، حتّى رأى الدارسون أنَّ استدلالاته صحيحة؛ وأنّ نظريّته محلّ دراسة، وأنّ ما خطّه في أوّل كتابه دليل على ثورته على العامل؛ والذي زاد الطين بِلّة أنّ كبار الدارسين والمحقّقين أخذوا كلامه ونقولاته كلَّها على محمل الثقة، مع أنّه هو نفسه لم يكن مقتنعًا بإلغاء نظريّة العامل، والعلل إلغاء تامًّا كما ظن الدارسون المحدثون لنظريّته؛ وإن بدا ابن مضاء للوهلة الأولى مقتنعًا بها في مقدّمة كتابه… ولقد عبر عن ذلك صراحة بعد أن انتقد النّحاة انتقادًا إجماليًّا، ثمّ عند تفصيل نظريّته الجديدة، وآرائه التجديديّة، وجدنا ثورته على التّفريعات الجدليّة، والعوامل التّقديريّة التي لا طائل منها، والعلل التي استنتجوها – معتمدين على علوم المنطق والفلسفة – محاولة منهم معرفة الأسباب التي قرّرها علماء النّحو عندما عقَّدوا على الدارسين بدل أن يقعِّدوا ما يسهِّل دراسة علوم العربيّة ونحوها…

التعريف بالعامل

لعلماء اللغة والنّحاة تعريفات كثيرة للعامل النّحويّ، ولم يختلفوا في أنّه الاسم، أو الفعل، أو الحرف الذي يؤثّر في ما بعده رفعًا، ونصبًا، وجرًّا، وجزمًا؛ وقد عرف الجوهريّ العامل بقوله: “العامِلُ فِي العربيّة: مَا عَمِلَ عمَلًا مَا، فَرَفَعَ، أَو نَصَبَ، أَو جَرَّ، وَقد عَمِلَ الشيءُ فِي الشيءِ: أَحْدَثَ فِيهِ نوعًا من الْإِعْرَاب”([1]).

وعرفه التّهانويّ بقوله: “هو عند النّحاة ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب”([2]). أمّا الفاكهيّ فيعرّفه بقوله: “العامل الجالب للإعراب: ما أثَّر رفعًا، أو نصبًا، أو جرًّا، أو جزمًا في آخر الكلمة المعربة، من اسم، أو فعل، أو حرف؛ والأصل فيه أن يكون من الفعل، ثمّ من الحرف، ثمّ من الاسم”([3]).

ولقد عدّ الجرجانيّ العوامل مائة، وقسّمها إلى قسمين: لفظيّة ومعنويّة؛ ثمّ قسّم العوامل اللفظيّةِ إلى قسمين: سماعيّة، وقياسيّة؛ وعدّ للسماعيّةُ منها أحدًا وتسعين عاملًا، وللقياسيّة منها سبعة عواملٍ؛ أمّا العوامل المعنويّةُ فاثنان؛ فالجملةُ مائةُ عاملٍ([4]).

نظريّة العامل: بروزها وأهمّيّتها

تعتمد نظريّة العامل على العقل في أصولها وفروعها؛ ولعل هذا المنهج العقلانيّ قد تسرّب إليها من العلوم الدينيّة والفلسفيّة التي نشأ علم النّحو في كنفها، فتأثرّ بها تأثّرًا لا يُستهان به.

وتُعّدُّ فكرة العامل محور علم النّحو، حيث استقرّت في أذهان الدّارسين بعد الخليل الذي ثبّت أصول نظريّة العوامل، وتوسّع فيها، وأحكمها إحكامًا دقيقًا إلى أن استقرّت قاعدة ثابتة في الأذهان([5]).

ولقد ارتبط بروز نظريّة العامل بثلاثة أسباب رئيسة: وضع علوم النّحو؛ والأسباب التي حملت العلماء على وضعها؛ وصيانة لغة القرآن من العبث.

ويعدُّ تفشي اللحن السبب الوجيه الذي قاد الأمّة إلى التّفرغ لوضع قواعد تضبط لغتهم، بل يُعدُّ “الباعث الأوّل على تدوين اللغة وجمعها، وعلى استنباط قواعد النّحو وتصنيفها؛ فقد كانت حوادثه المتتابعة نذير الخطر الذي هبّ على صوته أولو الغيرة على العربيّة والإسلام”([6]).

أمّا ابتكار هذه النظريّة فكان من وحي البيئة العربيّة التي كان فيها الدارسون يهتمون بعلوم النّحو في حِلَق العلم التي يتلقّون فيها العلوم المتعددة، كالقرآن والتفسير والفقه والحديث وعلم الكلام…

هذا ويعتقد د. دمشقيّة – رحمه الله – أنّ تعليم القرآن، وتوجيه إعرابه، والبحث عن تعليلات مقنعة لطلاّب العلم نشأ عنها ما سمّاه الزّجاجيّ([7]) بالعلل التّعليميّة، وما عُرِف في أوائل العهد بنشأة النّحو باسم: العوامل والمعمولات([8]).

والأخذ بفكرة العامل قاعدة متّفق عليها عند البصريّين والكوفيّين، إلاّ أنّهم اختلفوا في التّفاصيل بسبب ما بين المنهجين من اختلاف؛ فمنهج أهل البصرة يعتمد على منهج أصحاب الكلام، ومنهج أهل الكوفة، يعتمد على منهج أصحاب الحديث ورواة الأدب؛ وهذا الأمر جعل صلتهم بالمنهج النّحويّ المبنيّ على التتبُّع اللغويّ، أقوى من صلة البصريّين، كما أنّهم كانوا يحتكمون إلى الرّواية أكثر ممّا يحتكمون إلى قضايا المنطق، وأصول علم الكلام.

ولقد كان العامل محور جدل الفريقين واختلافهم؛ وكثيرٌ من المسائل الخلافيّة بينهما يرجع إلى اختلاف وجهة النَّظر فيه([9]).

العامل والإعراب

لنظريّة العامل عند علماء النّحو أهمّيّة بالغة، لما ينتج عنها من حركات إعرابيّة تغيّر في أواخر الكلمات، وتتغيّر المعاني في إثرها، إذ الإعراب: “هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ؛ وأمّا لفظه – أي: الإعراب – فإنّه مصدر: أَعْرَبْتُ عن الشّيء، إذا أوضحت عنه؛ وفلان معرب عمّا في نفسه، أي: مبيّن له وموضح عنه… وأصل هذا كلّه، قولهم: العرب؛ وذلك لما يُعزى إليها من الفصاحة والإعراب والبيان”([10]).

ويعرِّف ابن فارس الإعراب أنّه: “الفارق بين المعاني المتكافئة في اللّفظ، وبه يُعرف الخبر الذي هو أصل الكلام، ولولاه ما مُيِّز فاعل من مفعول، ولا مضاف من منعوت، ولا تعجّب من استفهام…”([11]).

أمّا الزّجاجيّ فأشار إلى الفائدة التي تنتجها العلاقات الإعرابيّة في أواخر الكلمات، فقال: “فلو جُعل الإعراب وسطًا لم يدرِ السّامع أحركة إعراب هي أم حركة بناء؛ فجُعل الإعراب في آخر الاسم لأنّ الوقف يدركه فيسكن، فيُعلم أنّه إعراب؛ وإذا كان وسطًا لم يمكن ذلك فيه”([12]).

ويزيد مازن المبارك على الفوائد التي أوردها الزّجاجيّ فائدة جليلة مفادها أنّ الحركات الإعرابيّة التي تحدثها العوامل ضربٌ من الإيجاز بحيث يمكننا الاستفادة – إضافة إلى معنى المادّة اللغويّ، وإلى قالبها الصّرفيّ – من معنى جديد، يتمثّل في وظيفتها النّحويّة، وضَرَبَ لنا مثالًا على ذلك بقولنا: “جاء صاحب الدار؛ فإنّما ندلّ بضمّ الباء على معنى غير المعنى اللغويّ المستفاد من مادّة (صحب)، وغير معنى اسم الفاعل المستفاد من صيغة (صاحب)، وهو معنى إسناد المجيء إلى الصاحب، أي معنى الفاعليّة، وذلك هو المعنى المستفاد من الضّم”([13]).

ويعدُّ الدكتور المبارك الإعراب لغة ثانية، لذلك قال في معرض حديثه عن فائدة الإعراب: “إنّ الإعراب في مبدئه القائم على الحركات، لغة ثانية نضيفها إلى لغتنا الأولى التي هي الألفاظ، فإذا نحن أمام ثروة لغويّة لا نفاذ لها؛ وإذا كانت بعض اللّغات مجبرة على أن تبتدع لكلّ معنى من المعاني لفظًا خاصًّا به، فإنّ العربيّة تستغني عن الكثير من الألفاظ بتلك الحركات التي تضعها على الألفاظ القديمة لتصبح لها مدلولات جديدة… إننّا بالحركة وحدها نميّز بين القِرى والقُرى، وبين المِقَص، والمَقصّ، وبين العالِم والعالَم… إنّ مجرّد الاعتماد على الحركات في تغيير المعاني ضربٌ من ضروب الإيجاز لا نظير له”([14]).

وللإعراب وظيفة مُهِمَّة في تبيان وظيفة الكلمة اللغويّة ضمن الجملة “كونها مسندًا إليه، أو مضافًا إليه، أو فاعلًا، أو مفعولًا، أو حالًا، أو غير ذلك من الوظائف التي تؤدّيها الكلمات في ثنايا الجمل، وتؤدّيها الجمل في ثنايا الكلام أيضًا”([15]).

من خلال ما سبق نستدلّ على أنّ “نظريّة العامل التي ابتكرها النّحاة نظريّة بارعة عظيمة، ودليل نبوغ وعبقريّة”([16]).

موقف ابن مضاء القرطبيّ من العوامل النّحويّة

حمل ابن مضاء في الفصل الأوّل من كتابه الرّد على النّحاة حملة شعواء بدأها بنقد كتاب سيبويه وعدّ ما ذكره سيبويه في كتابه حول العامل؛ وأنّه هو من أحدث الرفع، والنصب، والجزم أمر ظاهر الفساد، كما صرح أنّ هدفه من كتابه حذف كلّ ما يمكن أن يستغني النّحويّ عنه ممّا أجمعوا على الخطأ فيه؛ فقال: “قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النّحو ما يستغني النّحويّ عنه، وأنبّه على ما أجمعوا على الخطأ فيه”([17]).

بعد أن أعلن ثورته على النّحاة أخذ يعطي الأمثلة على ما يعتقده خطأ وفسادًا فقال: “فمن ذلك ادّعاؤهم أنّ النّصب، والخفض، والجزم لا يكون إلاّ بعامل لفظيّ، وأنّ الرفع منها يكون بعامل لفظيّ وبعامل معنويّ، وعبّروا عن ذلك بعبارات توهم في قولنا “ضرب زيدٌ عمروًا” أنّ الرّفع الذي في “زيد”، والنصب الذي في “عمرو” إنّما أحدثه فعل “ضرب”؛ ألا ترى سيبويه – رحمه الله – قال في صدر كتابه: “وإنّما ذكرت ثمانية مجارٍ، لا فرق بين ما يدخله ضَرْبٌ من هذه الأربعة لما يحدثه فيه العامل، وليس شيء منها إلاّ وهو يزول عنه، وبين ما يبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه؟”([18])؛ فظاهر هذا أنّ العامل أحدث الإعراب، وذلك بيَّن الفساد”.

ابتكر النّحاة نظريّة العامل استقراءً من كلام العرب وفق أصولهم التي كانت عندهم سليقة لا تحتاج إلى عناوين وأسماء خاصّة دالّة على قوانينهم التي تعارفوا عليها بالفطرة؛ وهذا الجهد الذي قام به النّحاة قد سدّوا به ثُغَرًا تهدّد كِيان العربيّة؛ لذلك كان”لنظريّة العامل والمعمول شأن كبير في النّحو العربيّ، بل هو، أي: العامل، عموده ومحوره، ويحتلّ الحديث عنه وعن أحكامه بصورة مباشرة وغير مباشرة، مساحة واسعة من قواعد النّحويّين”([19]).

ثمّ إنّ اختلاف النّحاة في إعمال عامل أو إهماله، يعود في الحقيقة إلى اختلاف العرب أنفسهم في ذلك، ومن ذلك اختلافهم في (ما) النّافية التي تدخل على الجملة الاسميّة، حيث أعملها أهل الحجاز، وأهملها بنو تميم، “فكأنّ أهل الحجاز لَمّا رأوها داخلة على المبتدأ والخبر دخول (ليس) عليهما، ونافية للحال نفيها إيّاها، أجروها في الرّفع والنصب مجراها، إذ اجتمع فيها الشّبهان بها، وكأنّ بني تميم لما رأوها حرفًا داخلًا بمعناه على الجملة المستقلّة بنفسها، ومباشرة لكلّ واحد من جزءيها… أجروها مجرى (هل)، ألا تراها داخلة على الجملة لمعنى النّفي دخول (هل) عليها للاستفهام؟”([20]).

ومع أنّ اختلاف النّحويّين أساسه اختلاف العرب أنفسِهم في تلك المسألة، إلاّ أنّ خلاف العلماء أعمّ وأكبر، لأنّهم كانوا يبحثون عن علّة الخلاف الواقع بين العرب في إعمالٍ عاملٍ، أو إهماله كما هو الأمر في (ما) النافية التي تدخل على الجملة الاسميّة، ولقد نصّ ابن جنّيّ على ذلك قائلًا:” فالخلاف إذًا بين العلماء أعمّ منه بين العرب، وذلك أنّ العلماء اختلفوا في الاعتلال لما اتّفقت العرب عليه، كما اختلفوا أيضًا في ما اختلفت العرب فيه، وكلٌّ ذهب مذهبًا، وإن كان بعضه قويًّا وبعضه ضعيفًا”([21])؛ وهذا يعني أنّ علماء العربيّة لم يقبلوا عمل العامل من دون علّة ظاهرة، أو مستنبطة من القرائن المشابهة لها؛ لأنّهم أرادوا جمع المادّة النّحويّة في أبواب ثابتة ومقعدة.

وإذ يعترض ابن مضاء على نظريّة العامل يعدُّ أنّ العوامل المحذوفة في صناعة النّحويّين ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: “قسم لا يتمّ الكلام إلاّ به؛ حذف لعلم المخاطب به، كقولك لمن رأيته يعطي الناس: “زيدًا”؛ أي: أعط زيدًا؛ فتحذفه وهو مراد، وإن أظهر تمّ الكلام به”([22])؛ وهذا النّوع من العوامل لا يعيبه ابن مضاء؛ بل يعدّه حذفًا فصيحًا بليغًا مقبولًا لمعرفة المخاطب بها؛ وفي ذلك يقول: “والمحذوفات في كتاب الله تعالى – لعلم المخاطبين بها- كثيرة جدًّا، وهي إذا أظهرت تمَّ بها الكلام، وحذفها أوجز وأبلغ”([23]).

والقسم الثاني: هو العامل المحذوف عند النّحاة والذي لا حاجة بالقول إليه لأنّه تامّ من دونه، ولأنّه إن ظهر كان عيبًا في الكلام؛ وذلك كقولهم: “أزيدًا ضربته؟؛ قالوا إنّه مفعول بفعل مضمر تقديره أضربت زيدًا”([24]).

وبعد أن يضرب مثالًا على هذا النوع من العوامل، لا يجد مناصًا من أن يعدّه ضربًا من التكلّف؛ ويحسب هذا التقدير “دعوى لا دليل عليها، إلاّ ما زعموا من أن (ضربت) من الأفعال المتعدّية إلى مفعول واحد، وقد تعدّى إلى الضمير، ولا بدّ لزيد من ناصب: إن لم يكن ظاهرًا فمقدّر؛ ولا ظاهر، فلم يبقَ إلاّ الإضمار؛ وهذا بناء على أنّ كلّ منصوب فلا بدّ له من ناصب!”([25]).

ولكي يثبت ابن مضاء فساد ما ذهب إليه النّحويّون وصحّة رأيه، يتساءل بقوله: “ويا ليت شعري ما الذي يضمرونه في قولهم: (أزيدًا مررت بغلامه)؟ وقد يقول القائل منّا، ولا يتحصَّل له ما يضمر! والقول تامّ مفهوم، ولا يدعو إلى هذا التّكلّف إلاّ وضع: كلّ منصوب فلا بدّ له من ناصب”([26]).

وفي هذا القسم يقرّر أنّه من الخطأ بمكان أن نبحث عن ناصب لكلّ منصوب؛ واجتهاده في هذا المضمار فيه من تخفيف الأعباء على المتعلّمين، وفيه من إلغاء التّكهّنات التي يعمد إليها النّحاة ليعرفوا سبب نصب الكلمات، حيث يقولون: الكاتب، أو المتكلّم ما لم يقصد إليه ليوجهوا إعراب كلمة من الكلمات، وليبرِّروا سبب نصبها.

أمّا القسم الثالث؛ فهو “العامل المضمر عند النّحاة، و”إذا أُظهر تغيّر الكلام عمّا كان عليه قبل إظهاره، كقولنا: (يا عبد الله)، وحكمُ سائر المناديات المضافة والنكرات حكمُ “عبد الله”، و”عبد الله” عندهم منصوب بفعل مضمر تقديره أدعو، أو أنادي”([27]).

هذا النوع من العوامل رفضها ابن مضاء رفضًا قاطعًا لأنّها تُغَيِّر المعنى متى ظهرت، وفي ذلك يقول: “وهذا إذا أُظهر تغيّر المعنى وصار النداء خبرًا”([28]).

وإنّ اجتهاده في هذا المضمار جدير بالدّراسة والبناء عليه، خصوصًا وأنّ التكلّف الذي تواضع عليه النّحاة لا يخفى على دارس، فلو تأمّلنا في قاعدة المنادى عند النّحويّين، وكيف أنّ المنادى يكون منصوبًا حينًا، ويكون مبنًّا على ما يرفع به في محلّ نصب في أحايين أخرى، لوصلنا إلى حقيقة تفرض علينا الخروج على ما سطَّروه وقعَّدوه.

فما الذي كان يضير النّحاة لو أنّهم قاموا بتوصيف المادّة التي بين أيديهم ليقرّروا بأنّ المنادى – مثلاً – يكون منصوبًا متى كان مضافًا وشبيهًا بالمضاف…؛ ويكون مرفوعًا إذا كان اسم علم، أو نكرة مقصودة بالنّداء…؟؟! وذلك بناء على الطريقة التي أرادها ابن مضاء.

إنّ سبب عدم قبول الاجتهادات البنَّاءة، وعدم تفكير النّحاة بمثل هذه التّخريجات، يعود إلى القاعدة التي ذكر ابن مضاء، أنّ النّحاة تواضعوا عليها، والتي تنصّ على أنّ: “كلّ منصوب لا بدّ له من ناصب لفظيّ”([29]).

ولو أنَّ النّحاة التّقليديّين الغيورين على العربيّة رجعوا إلى ما سطَّرَهُ أستاذُ سيبويه “واضعِ الكتاب” الخليلُ بن أحمد الفراهيديّ، لَتَبَيَّنَ لهم أنَّ الخليل نفسَه عدَّ المنادى المفرد من المرفوعات([30])، وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ فإنَّما يدلُّ على الأفُق الواسع الذي كان الخليلُ يتمتَّعُ به؛ ولو أنَّ العلماء اقتفوا أثر هذا الأفق، لَسَهَّلُوا الكثيرَ من القضايا النّحويّة التي آلت إلى التَّعقيدِ والخلاف.

موقف ابن مضاء القرطبيّ من العلل النّحويّة

كما انتقدَ ابنُ مضاء نظريّة العامل عند النّحاة، انتقدَ بعضَ العلل النّحويّة التي اعتمدوها، وقَبِلَ البعضَ الآخر، حيث قسّم العلل إلى ثلاثة أنواع: علل أُوَل وعلل ثوانٍ وعلل ثوالث، فَقَبِلَ بالعلل الأُوَلِ والثواني، ورفض العلل الثوالث، ولقد ضرب لكلّ من العلل مثالًا واضحًا يظهر ما قبله وما رفضه:

  • أمّا العلل الأُوَل، فكإجابتنا عن رافع زيد في قولنا: قام زيد، بقولنا: رُفع لأنّه فاعل، وكلّ فاعل، مرفوع، وهذه العلل لا بدّ من معرفتها عند ابن مضاء، إذ بمعرفتها تحصل لنا المعرفة بالنطق بكلام العرب المدرَك منّا بالنّظر([31]).
  • وأمّا العلل الثواني، فكإجابتنا عن سؤال السائل، لِمَ رُفع الفاعل؟ بقولنا: للفرق بين الفاعل والمفعول، وابن مضاء يرى أنّ الصواب أن يُقال له: كذا نطقت به العرب، ثبت ذلك من الكلام المتواتر([32]).
  • ثمّ العلل الثوالث، فكإجابتنا عن سؤال: لِمَ لَمْ تعكس القضيّة بنصب الفاعل ورفع المفعول؟ بقولنا: لأنّ الفاعل قليل، لأنّه لا يكون للفعل إلاّ فاعلٌ واحدٌ، والمفعولات كثيرة، فأُعطيَ الأثقل الذي هو الرّفع للفاعل، وأُعطيَ الأخفّ الذي هو النصب للمفعول، لأنّ الفاعل واحد والمفعولات كثيرة…، وهذا التّعليل وما شابهه لا يرتضيه ابن مضاء، لأنّ الجهل به لا يضرّ، ولا يزيد على علمنا كون الفاعل مرفوعًا بالاستقراء المتواتر([33]).

وخلاصة الأمر أنّه تقبّل فكرة العلل الأُوَل، ولكنّه لم يتقبّل فكرة العِلل الثّواني من دون ضوابط، خصوصًا عندما نعرف أنّه قسّم هذه العلل الثواني إلى ثلاثة أقسام يمكننا الاستغناء عن جميعها، ولا تفيدنا – في بعض الأحيان -، وهذه الأقسام هي:

  1. قسم مقطوع به، مثاله: قول القائل: كلّ ساكنين التقيا في الوصل وليس أحدهما حرف لين؛ فإنّ أحدهما يُحرّك، مثل قولنا: أكْرمِ القوم، فهذا وأمثاله لا يمكن فيه إلاّ التّحريك، فيُقال: لِمَ حُرِّكت الميم من (أكرم)، وهو أمر؟

فيُقال له: لأنّه لقي ساكنًا آخر، وهو لام التّعريف، وكلّ ساكنين التقيا بهذه الحال فإنّ أحدهما يُحرّك، فإن قيل: ولِمَ لم يُتركا ساكنين؟ فالجواب: لأنّ النّطق بهما ساكنين لا يمكّن النّاطق، فهذه قاطعة، وهي ثانية([34]).

  1. قسم فيه إقناع، مثاله: (ميعاد وميزان) وما أشبههما، يقال: إنّ الأصل فيهما: مِوْعاد ومِوْزان، والدليل على ذلك أنّهما من (وعد) و(وزن)، ففاء الفعل (واو)، ويُقال في جمعها: (مواعيد وموازين)، فأبدل من الواو ياءٌ لسكونها، وانكسار ما قبلها، وكلّ واو سكنت وانكسر ما قبلها، فإنّها تُبدل ياء، فان قيل: لِمَ أُبدل منها ياءٌ ولم تُترك على حالها؟ قيل: لأنّ ذلك أخفّ على اللّسان، فهذه علّة واضحة أيضًا، ولكن يُستغنى عنها([35]).
  2. قسم مقطوع بفساده، مثاله قول من قال: إنّ نون الإناث في نحو: ضربْنَ ويضربْن، حُرِّكت لأنّ ما قبلها ساكن، وقال في الحرف الذي قبلها: إنّه أُسكن لئلاّ يجتمع أربعُ متحرّكات، وهكذا جعل حركة النّون لسكون الحرف الذي قبلها، وجعل إسكان الحرف قبلها من أجل حركتها، فصارت العِلّة معلولة بما هي علّه له([36]).

وهكذا نرى أنّ ابن مضاء قبل من العلل الثّواني قسمين، ولم يقبل بالقسم الثالث؛ أمّا العلل الثوالث فهي ما لا يقبلها القرطبيّ بحال من الأحوال.

لماذا استنبط النّحاة العلل النّحويّة؟

إنّ العلل التي هي المسوِّغات الموضوعة لعمل العامل أو عدمه، لم يكن استنباطها من لغة العرب بلا قواعد، أو ضوابط، بل كان انطلاقة دقيقة للغوص في أعماق بحر العربيّة المتّسعة، ولإبراز الوعيّ الفطريّ الذي تميّز به العرب، ولمعالجة الظواهر التي يتساءل عنها المتعلّمون بأسلوب منطقيّ.

ومن أجل ذلك فإنّ النّحاة اعترفوا أنّ العلل ليست موجبة، وإنّما استنبطها العلماء استنباطًا من أوضاع اللغة ومقاييسها، ولذلك قسّموها إلى ثلاثة أنواع:

أوّلها: العلل التّعليميّة، وثانيها: العلل القياسيّة؛ وثالثها: العلل الجدليّة نظريّة([37]).

وعندما نتعرف إلى هذا التقسيم، يتأكّد لنا أنّ العلل التي تعلَّل بها العلماء ليست ذات قيمة إلاّ بمقدار ما نستعين بها على تدريس قواعد اللغة بُغْيَة تبسيطها، وليس بهدف تعقيدها.

موقف الفراهيديّ من العامل والعلل النّحويّة

وإذا نحن تتبّعنا كتاب الجمل في النّحو للخليل بن أحمد الفراهيديّ، وجدناه زاخرًا من أوّله إلى آخره بعوامل مقدّرة، وبتعليلات تبيّن أسباب عمل العامل وتقديره؛ ففي أوّل كتابه وكلامه على وجوه النّصب نجده يقول: “وقد يضمرون في الفعل الهاء، فيرفعون المفعول به، كقولك: زيدٌ ضربتُ، وعمرٌو شتمتُ، فيُرفع “زيدٌ” بالابتداء، ويوقَعُ الفعل على المضمر”([38]).

وفي تفصيله وتفريقه بين المفعول به والحال، يعلل ذلك بقوله: “وإنّما صار الحال نصبًا لأنَّ الفعل يقع فيه؛ تقول: قدِمْتُ راكبًا، وانطلقتُ ماشيًا، وتكلّمتُ قائمًا؛ وليس بمفعول في مثل قولك: لبست الثوب؛ لأنَّ الثوبَ ليس بحالٍ وقع فيه الفعل؛ وَلَو كَانَ الْحَال مَفْعُولا كَـ “الثَّوْبِ” لم يَجُزْ أَنْ يُعَدَّى الانطلاق إِلَيْهِ، لِأَنَّ الانطلاقَ انفعال، والانفعالُ لَا يتَعَدَّى أبدًا، لِأَنَّك لَا تَقول: انْطَلَقت الرجل؛ وَالْحَال لَا يكون إلاّ نكرَة، وَالْحَال فِي الْمعرفَة والنكرة بِحَالَة وَاحِدَة؛ تَقول: قدم عَليّ صَاحب لي رَاجِلا”([39]).

وكذا في كلامه على الرَّفْع على فُقدان النّاصب، ضرب على ذلك مثالًا بقوله تعالى: ﴿وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إلاّ الله﴾؛ ثمّ علَّل ذلك بقوله: “مَعْنَاهُ ألاّ تعبدوا إلاّ الله، فَلَمَّا أسقط حرف الناصب ارْتَفع فَقَالَ: “لَا تَعْبدُونَ”…”([40]).

عند الحديث عن العامل والعِلّة النّحويّة، لا بدّ من تسجيل موقف لإمام كبير من أئمة هذا الفنّ، هو الخليل بن أحمد الفراهيديّ الذي سئل عن العِلل التي يعتلُّ بها في النّحو، فقيل له: “عن العرب أخذْتَها، أم اخترعْتَها من نفسك؟ فقال: إنّ العرب نطقتْ على سجيّتها وطباعها، وعرفتْ مواقع كلامها، وقام في عقولها علله – وإن لم يُنقل ذلك عنها – واعتللتُ أنا بما عندي أنّه عِلّة لِما علَّلْتُهُ منه، فإنْ أكن أصبت العِلّة، فهو الذي التمست، وإن تكن هناك علّة له، فمثَلي في ذلك مثَلُ رجلٍ حكيم دخل دارًا محكمة البناء، عجيبة النّظم والأقسام، وقد صحّت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق، أو بالبراهين الواضحة، والحجج اللائحة، فكلّما وقَفَ هذا الرّجل في الدّار على شيء منها قال: “إنّما فُعل هذا هكذا، لعِلّة كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا”([41]).

فالعلة عند الخليل أمرٌ اجتهاديٌّ محض، يتوصّل إليه النّحويّ بالجهد والتتبّع للغة العرب وأحوالها، ولذا كان احتمال بلوغ الصواب معقولًا، ومن أجل ذلك قال: “فجائز أن يكون الحكيم الباني للدّار فعل ذلك للعِلّة التي ذكرها هذا الذي دخل الدّار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العِلّة، إلاّ أنّ ذلك، ممّا ذكره الرّجل، محتمل أن يكون عِلّة لذلك؛ فإن سَنح لغيري عِلّة لما اعتللته من النّحو هو أليق ممّا ذكرته بالمعلول فليأت بها”([42])، ثمّ عقّب الزّجاجيّ على كلام الخليل بقوله: “وهذا كلام مستقيم، وإنصاف من الخليل رحمه الله”([43]).

هذا ويخلص دكتور دمشقيّة إلى تحليل منطقيّ حول ارتباط نظريّة العوامل بالعلل النّحويّة يؤكّد عبرها أنّ الصلة بينهما وثيقة “لأنّهما نابعتان من معين العقل البشريّ الذي من طبيعته التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء ظواهر الأشياء”([44])، ويصل في نهاية المطاف إلى أنّ نظريّة العامل “قد رافقت العلل، وامتزجت بها امتزاجًا يجعل من الصّعب التّمييز بينهما، لأنّ الهدف منهما واحد؛ ونحن عندما نتحدّث عن العلّة النّحويّة، لا نقصد ما آلت إليه هذه النظريّة من التباس بمفروزات المنطق الفلسفيّ التي ناءت بها كتب النّحو واللغة”([45]).

وما ذكره د. دمشقيّة واضح في كتب النّحو والمطوّلات، مع أنّ العلماء أفردوا كتبًا في علل النّحو، إلاّ أنّه لا يخلو كتابٌ نحويٌّ من تعليلٍ لقاعدة من القواعد.

موقف ابن جنّيّ من العوامل والعلل النّحويّة

ولقد أفردَ ابنُ جنّيّ في خصائصه بابًا في هذا الموضوع، عنوانه: “باب في أنّ العرب قد أرادت من العلل والأغراض ما نسبناه إليها وحملناه عليه” ومن عنوان الباب نعرف رأي ابن جنّيّ في قضيّة العامل، وكلّ ما يتّصل بهذه القضيّة؛ ثمّ إذا تتبّعنا ما كتبه في هذا الباب، وجدناه يناقش الأمور بعقلانيّة تهدف إلى التقعيد لا التعقيد؛ يقول ابن جنيّ:”اعلم أنّ هذا موضع في تثبيته، وتمكينه منفعة ظاهرة، وللنفس به مُسكة وعِصمة، لأنّ فيه تصحيح ما ندّعيه على العرب من أنّها أرادت كذا لكذا، وفعلت كذا لكذا، وهو أحزم لها وأجمل بها، وأدلّ على الحكمة المنسوبة إليها من أن تكون تكلَّفَت ما تكلَّفَتْه من استمرارها على وتيرة واحدة، وتقرّيها منهجًا واحدًا، تراعيه وتلاحظه، وتتحمّل لذلك مشاقّه وكُلَفَه، وتعتذر في تقصيره إن جرى وقتًا منها في شيء منه، وليس يجوز أن يكون ذلك كلّهُ في كلّ لغة لهم، وعند كلّ قومٍ منهم، حتّى لا يختلف ولا ينتقض ولا يتهاجر على كثرتهم، وسعة بلادهم، وطول زمان هذه اللّغة لهم، وتصرّفها على ألسنتهم، اتّفاقًا وقع حتّى لم يختلف فيه اثنان… ألا ترى إلى اطّراد رفع الفاعل ونصب المفعول، والجرّ بحروف الجرّ… فهل يحسن  بذي  لبّ أن يعتقد أنّ هذا كلّه اتّفاق وقع، وتواردٌ اتّجه!؟”([46]).

ابن جنّيّ يقرّر في هذا الباب قواعد عديدة مُلخَّصُها في ما يلي:

أوّلًا: إنَّ العرب لم يلجأوا إلى الاعتلال في أبواب النّحو واللّغة، لأنّهم لم يكونوا بحاجة إلى ذلك، ولا مضطرّين إليه، ومعرفتهم به ضرب من ضروب البداهة؛ ثمّ إنّ كلّ ما نسبه النّحاة إلى العرب من عِلل، وأغراض ذات صلة بكلامهم، لم يكن فنًّا خارجًا عن معاييرهم، أو عملًا ينسب إليهم وهم منه براء.

ثانيًا: أنْ نعلل للعرب كلامهم، خير من أنْ نجعل ذلك من باب الصّدفة؛ والتعليل هذا فيه منافع كثيرة ظاهرة لمن يتعلّم لغتهم، فالنفس البشريّة من طبيعتها عدمُ تقبُّل الظّواهر العاديّة، من دون أسباب تحمل الإنسان على الاقتناع بها.

ثالثًا: تعليل كلام العرب يدلّل على كون هذه الأمّة حكيمةً لم تتكلّف طريقةً مطّردةً في أساليب كلامها عبثًا، إذ كيف يعقل هذا وقد جاءت عباراتها على وتيرة واحدةٍ ومنهج واحدٍ، لا تخرج عليه إلاّ اضطرارًا وفي حالاتٍ نادرةٍ؟

رابعًا: عدم اختلاف القبائل العربيّة بلهجاتها المتعدّدة على قوانين جامعة، ساعدت على تيسير سبل الحوار؛ حيث تصرّفَتِ اللغة على لُسُن أبناء كلّ قبيلة تصرّفًا لا يتعارض مع سعة البلاد وطول الزّمان؛ لم يكن اتّفاقًا اعتباطيًّا أو تواردًا عاديًّا.

خامسًا: خير مثال مقنع، وشاهد على ما سبق، اطّراد رفع الفاعل، ونصب المفعول، والجرّ بحروف الجرّ عند العرب كافّة.

ابن جنّيّ يعتمد الكلام المنطقيّ في تحليل الظواهر الإعرابيّة، وفي تحليله تقدير وتعظيم للّغة العربيّة التي خُطّت قواعدها وأصولها استنباطًا من كلام العرب، ولقد أراد بذلك أن يجيب عن تساؤلات من يتساءل عن العوامل والعلل، بأنّه ليس من الممكن أن تكون القبائل العربيّة قاطبة قد اتّفقت على رفع الفاعل، ونصب المفعول، والجرّ بحروف الجرّ بطريق الصّدفة؟

ولا شكّ في أنّ من يدّعي أنّ كلام العرب جميعهم على نسق واحد كان مجرّد صدفة فهو – عند ابن جنّيّ – بعيد كلّ البعد من هذه اللغة، وفهم أصولها وتراكيبها وأوضاعها.

إنّ التّعليل موجود في كلّ العلوم، ليس بالإمكان إغفاله، إن كان السّعي إلى تحقيق المعرفة بها هو المقصد المنشود؛ إلاّ أنّ هذه العلل منها ما يكون واجبًا على المرء معرفته بها، لأنّها أمرٌ لا بدّ مِنْه في بديهيّات العلوم، ولأنّ العقول كافّةً تصل بالفكر والعقل إليها لا إلى سواها، ومنها ما يقبله الإنسان، ولكنّ العقول لا تتّفق على الإقرار بها، وإلى ذلك أشار ابن جنّيّ بقوله: “إنّ عِلل النّحويّين على ضربين: أحدهما واجب لا بدّ منه، لأنّ النّفس لا تطيق في معناه غيره، والآخر ما يمكن تحمّله، إلّا أنّه على تجشّم واستكراه له”([47]).

ابن جنّيّ عندما يخوض هذا الخِضمّ يخوضه بوعي ومنطق؛ ولقد نبّهت الدكتورة منى إلياس إلى أنّ “الكلام في العلل تكامل على يديه حيث كان يعمل على هدي توجيه شيخه أبي عليّ الفارسيّ في هذا الباب، ولم يقتصر ابن جنّيّ على بيان العلل وانتزاعها من كلام المتقدّمين عليه من علماء النّحو، وما قد يعنُّ له من تقليب وجوه النّظر في المأثور من كلام العرب، وإنّما تجاوز ذلك كلّه إلى ما يمكن أن يُسمّى: فلسفة العلل، وذلك في كتابه: الخصائص([48]).

وسواء أكانت العلل التي استنبطها ابن جنّيّ ممّا لا بدّ منها، أم ممّا تستكرهه النّفس ولا تطيقه بسبب الإغراق في فلسفة العلل، فإنّه يرى أنَّ كلّ علّة يستفاد منها في الكشف عن أسباب عمل العامل من أجل إفادة الدّارسين لا بدّ من اعتمادها في تسهيل علوم النّحو ودراستها؛ وهذا الإطار الذي حدّده ابن جنّيّ كفيل بألاّ يجعل من العلل النّحويّة أساسًا موجبًا وهدفًا بحدّ ذاته.

موقف عبد القاهر الجرجانيّ من العامل والعلل النّحويّة

لم يختلف موقف عبد القاهر الجرجانيّ من العامل عن موقف ابن جنّيّ، فهو يرى جهل من يظن أنّ معرفة أسباب الرفع، والنصب، والجرّ ممّا لا يجدي نفعًا، حيث يقول في دلائل الإعجاز: “وأمّا النّحو فظنّته (أي طائفة) ضربًا من التكلُّف، وبابًا من التّعسُّف، وشيئًا لا يَستند إلى أصل، ولا يُعتمد فيه على عقل، وأنّ ما زاد منه على معرفة الرّفع والنّصب، وما يتّصل بذلك ممّا تجده في المبادئ، فهو فَضْلٌ لا يجدي نفعًا، ولا تحصل منه على فائدة؛ وضربوا له المثل بالملح كما عرفت؛ إلى أشباه لهذه الظنّون في القبيلين؛ وآراء لو علموا مغبّتها، وما تقود إليه لتعوّذوا بالله منها، ولأنِفوا لأنفسهم من الرّضا بها، ذاك لأنّهم بإيثارهم الجهل بذلك على العِلم، في معنى الصّادّ عن سبيل الله، المبتغي إطفاء نور الله تعإلى”([49]).

ولعل الجرجانيّ؛ في معرض كلامه؛ يومئ إلى أدقّ الخلافات التي كانت سببًا في تعدّد الآراء النّحويّة، وعاملًا مساعدًا في تأجيج نزاعات النّحويّين، فينظر إليها نظرة بعيدة الأغوار، ويراها مبنيّة بطريقة محكمة على الأدلّة التي استقاها العلماء من صميم اللغة، فالعوامل والعلل وما كان أصلًا في المناظرات، والمشاحنات، والمناحرات، إنّما هو ضرب من ضروب العلم، والذي يستهين به ويقلّل من شأنه، يؤثر الجهل على العِلم، والجهالة هذه خطيرة؛ لأنّها لا تمسّ النّحو العربيّ فحسب، بل تهدف إلى إبعاد الخلق عن القرآن الكريم، والذي يشكّك أو يحاول الطّعن بأوضاع النّحو كافّة، إنّما يطعن – في نظره – بالقرآن، إذ إنّ علم النّحو واستقراء القواعد، واستنباط الأحكام، مَنَعَ العابثين من أن تمتدَّ أيديهم إلى هذه اللغة، فكان الحفظ لها بكتاب الله، وكان الحفظ بها لكتاب الله.

والجرجانيّ يرى أنّ انتشار علوم اللغة والنّحو في الأقطار جميعها، كانت دومًا مقترنة بعلوم القرآن الكريم، ولم تنفكّ ساعة عن ارتباطها الوثيق به، ولا سيّما أنّها الآلة التي تفسّره تفسيرًا دقيقًا؛ كما أشار إلى هذا المعنى في موضع آخر فقال: “وأمّا زهدهم في النّحو، واحتقارهم له، وإصغارهم أمره، وتهاونهم به، فصنيعهم في ذلك أشنع وأشبه بأن يكون صَدًّا عن كتاب الله وعن معرفة معانيه”([50]).

ومع جلالة الجرجانيّ وعلمه الغزير، نجده من خلال محبّته لِلُغة القرآن الكريم، يحسب قواعد هذه اللغة صرحًا مقدّسًا كما هو شأن النُّصوص الدّينيّة المقدّسة.

إلاّ أنّ ما ذهب إليه الجرجانيّ كان محلّ نقد عند الدارسين الذين رأوا من الأخطاء الكبيرة تشبيه العلّة الموجبة في القضايا الدينيّة بالعلّة غير الموجبة في النّحو؛ وشتّان شتّان ما بين علّة موجبة، وعِلّة غير موجبة؛ إذ “النّحو يعتمد شواهد من كلام النّاس، لا نصوصًا مُقَدّسة، ويقوم على جمع ما تشابه من ظاهرات اللغة تحت أحكامٍ عامّة، ثمّ يحاول بعد ذلك أن يتلمّس العِلّة لأحكامه، وليست علّته – إذا ثبتت – إلاّ علّة مستنبطة، وليست هي علّة موجِبة كالعلة الفقهيّة المعتمِدة على النصّ المقدّس؛ ولو كانت علل النّحو موجِبة، لما كان هناك وجه لتعدُّد العلل في تعليل الأمر الواحد”([51]).

غاية ما في الأمر أنّ عِلل النّحاة غير مقدّسة، ولا تستدعي منّا التّعصّب لها مهما كانت القناعة بجوانبها كبيرة، وأنْ نشبّه الصادَّ عنها، والرّافض لها، بِمَن صدَّ عن دين الله، ورفَضَ كُتُبَه، وأهملَ أحكامه، وعطّل أوامره، فليس من باب تعظيم كتاب الله تعالى في شيء؛ فالقرآن الكريم كان قبل وضع علم النّحو، واستنباط علله، وامتداد فروعه؛ والارتفاع بنحو العربيّة إلى مستوى الكتاب الْمُنزل – لأنّها لغته – فيه من الإساءة إلى هذا الكتاب ما لا يخفى على أحد، حيث يرتفع غير المقدّس إلى مستوى القداسة؛ إلاّ أنّ يكون الجرجانيّ قد قصد أولئك الّذين يسيئون إلى العربيّة لأنّها لغة القرآن، ويعملون على إبعاد الناس من منهاجه.

ولعلّ هذا المعنى هو الذي قصد إليه الجرجانيّ هنا، لذلك فصّل في المسألة، بعد إعطائه حكمًا عامًّا، فقال: “فإن قالوا: لم نأبَ صِحَّة هذا العلم، ولم نُنكر الحاجة إليه في معرفة كتاب الله تعالى، وإنّماا أنكرنا أشياء كثّرتموه بها، وفُضولَ قولٍ تكلّفتموها، ومسائل عويصة تجشمتم الفِكر فيها، ثمّ لم تَحصلوا على شيءٍ، أكثرَ من أن تُغرِبوا على السّامعين؛ كمسائل التّصريف التي يضعها النّحويّون للرّياضة، ولضربٍ من تمكين المقاييس في النّفوس؛ فإن قالوا: أتَشُكّون في أنّ ذلك لا يُجدي إلاّ كدَّ الفكر، وإضاعةَ الوقت؟ قلنا لهم: أمّا هذا الجنس، فلسنا نَعيبُكم إن لم تنظروا فيه، ولم تُعنَوا له، وليس يَهمُّنا أمرُه، فقولوا فيه ما شئتم، وضعوه حيث أردتم”([52]).

وهكذا قَبِلَ الجرجانيّ ممَّن اعترض على التعليلات التي لا طائل منها، لكنّه لم يقبل ممّن اعترض على علم النّحو جملة وتفصيلًا، فقال: “فإن تركوا ذلك وتجاوزوه إلى الكلام على أغراض واضِع اللّغة، وعلى وجهِ الحكمةِ في الأوضاع، وتقرير المقاييس التي اطّردت عليها، وذكر العِلل التي اقتضتْ أن تجريَ على ما أُجريت عليه… ككلامِنا مثلًا على التثنية وجمع السلامة: لِمَ كان إعرابُهما على خِلاف إعراب الواحِد؟ ولِمَ تِبعَ النّصبُ فيهما الجرَّ؟ … قلنا: إنّا نسكت عنكم في هذا الضّرب أيضًا، ونعذُركم فيه، ونسامحكم على عِلمٍ منّا بأن قد أسأتم الاختيار… فدعوا ذلك، وانظروا في الذي اعترفتم بصحّته وبالحاجة إليه، وهل حصّلتموه على وجهه؟ وهل أحطتم بدقائقه…؟

هذا، ولو أنّ هؤلاء القوم إذ تركوا هذا الشأن، تركوه جملةً، وإذ “زعموا أنّ قدر المفتقَر إليه، القليلُ منه، ولم يخوضوا في التفسير، ولم يتعاطوا التأويلَ، لكان البلاءُ واحِدًا، ولكانوا، إذ لم يبنُوا لم يهدِموا، وإذا لم يُصلحِوا، لم يكونوا سببًا للفساد، ولكنّهم لم يفعلوا…”([53]).

لقد بدا الجرجانيّ في تعاطيه مع الآخرين يناقش من دون تعصّب لرأي؛ ولكنّه يدرك خطورة الكلمات التي يلقيها الآخرون بلا وعي؛ لذلك لم يعِب على الثائرين ثورتهم، وإنّما عاب عليهم أنّهم حجّموا أنفسهم، ولم يصلوا إلى معرفة الفائدة من هذا العلم – ولا يريدون المعرفة لأحد – وهذا بالنسبة إليه جهل، بل كون إلى الجهل؛ والمستغرب أنّ الجهل لم يقف بهؤلاء عند هذا الحدّ، وإنّما أرادوا الخوض في تفسير القرآن الكريم، فغيّروا المعاني وبدّلوا المقاصد، وهدموا مع أنّ الجرجانيّ لم ينتظر منهم البناء؛ وأفسدوا مع أنّه لم ينتظر منهم الإصلاح.

ولو كانت الأمور كما ظنّ هؤلاء، لما قال ذلك الأعرابيّ عندما سئل “أما بمكان كذا وَجْذٌ[54]؟ فقال: بلى وِجاذا؛ أي أعرف بها وجاذا”([55]).

ثمّ إنّ القضيّة عند الأعراب تبدو أجلى ما يكون في القصّة الأخرى التي ذكرها سيبويه في كتابه؛ أيضًا؛ حيث قال: “سمعنا بعضهم – أي بعض الأعراب – يدعو على غنمِ رجلٍ، فقال: اللهمّ ضبُعًا وذئبًا، فقلنا له: ما أردت؟ فقال: أردت: اللهمّ اجمع فيها ضبُعًا وذئبًا”([56])، قال سيبويه بعد هذه القصّة: “كلّهم يفسّر ما ينوي”([57])؛ أيْ: إنّ الأعراب يختصرون الكلام، ويضمرون بعضه في أنفسهم؛ يدلّ على هذا الاختصار علامات الإعراب التي تحدثها العوامل المنويّة التي يُبيّنها الإعراب للآخرين إن وقعوا في لَبْسٍ.

علل النّحو – إذًا – ليست لتعقيده، وإنّما لتوضيحه، ولإظهار جماليّة اللغة التي لم ينطق بها أصحابها بهذه الطريقة عبثًا؛ والذاهب هذا المذهب، يُغرق كلَّ الإغراق في مسخ القواعد النّحويّة، ويُقفل أمام العلماء أبواب الاجتهاد في هذا المضمار، موصدًا كلّ الطرق المؤدّية إلى التّحليل المنطقيّ لبنية الجملة العربيّة وفق أصول النّحو العربيّ.

ولا يُقصد من هذا الكلام أنّ ابن مضاء أراد ذلك، بل على العكس تمامًا، فهو إذ يعرض لقضيّة العلل في النّحو، يتقصّاها بالنّوعيّة وبالأهمّيّة، ثمّ يغربلها بما يراه متناسبًا مع طبيعة اللغة العربيّة، مقبولًا عند أهلها، عِلّةً للإقبال عليها بدلًا من النّفور منها.

وأعرِّجُ في ما يلي على قضيّة الثورة على العامل التي نادى بها ابن مضاء القرطبيّ، ومكانة هذه الثورة الفعليّة في نحونا العربيّ.

ثورة ابن مضاء على نظريّة العامل

منذ أن وضع أبو الأسود الدؤليّ قواعد النّحو، اعتمد على وجود العامل، ثمّ اجتهد العلماء من بعده مقتفين طريقه الذي أضاءه لهم، إلى أن جاء الخليل، ثمّ تلميذه سيبويه اللذان أرسيا القواعد النّحويّة، وجعلاها بناءً قويًّا لا يتهدّم.

وفي ذلك يقول الأستاذ أحمد أمين: “وضع الخليل وتلميذه سيبويه بناءً في النّحو قويَّ الدّعائم، لم يسْهُلْ هزُّه ولا نقضُه”([58]).

واستمرّ العلماء في نهلهم من المعين الأساس، يجدّدون ويطوّرون ويهذّبون، لا يخرجون عن الخطوط العريضة التي رسمها الخليل وسيبويه، إلى أن جاء ابن مضاء القرطبيّ، فخرج على أصول النّحويّين، وأراد نقض مذاهبهم، وطرقهم في الاستنباط، وثار على كلّ الاجتهادات السابقة عليه، كما ثار الدارسون على الفقهاء المتَّبعين، والمذاهب التي يُقلِّدها الناس، ودعا إلى الاجتهاد المطلق، وذلك نابع من طبيعة البيئة التي كانوا يعيشونها؛ خصوصًا وأنّه كان في زمان الموحّدين “فقد كان  هؤلاء الموحّدون مجتهدين، لم يرضوا عن مذاهب الفقه المتعدّدة… فلمّا شُرِّع الاجتهاد في الفقه، ظهر مجتهد يريد هدم كتاب سيبويه، كما اجتهد قوم في هدم المذاهب الأربعة، ووضع مذهب جديد في النّحو”([59]). وكان هذا المجتهد الثائر قد نظر إلى نحو سيبويه فرآه “مبنيًّا على نظريّة العامل، فلا يُرفع فاعل إلاّ بعامل، ولا تُنصب كلمة إلاّ بعامل، ولا تُجرّ إلاّ بعامل، فإن لم يكن العامل ظاهرًا، فهو عامل مؤوّل، فنادى ابن مضاء بأنّ الذي يصنع الظّواهر النّحويّة في الكلمات، من رفع، ونصب، وجرّ، إنّما هو المتكلّم نفسه، لا ما يزعمه النّحاة من الأفعال وما شاكلها”([60]).

ابن مضاء يحسب نفسه مجدّدًا في ميدان الدراسة النّحويّة، حاول الخروج على القيود التي رسخت في عقول الدارسين، وتمكنّت من أفكارهم، وهو مع نظريّته الجديدة، لم يتعرّض للنّحو العربيّ كمادّة منقولة عن العرب يحاوِل تغييرها؛ وإنّما أراد التخلّص من ربقة التقليد الذي جرى عليه النّحاة في تقعيداتهم وتعليلاتهم، وإلى ذلك أشار في كتابه الردّ على النّحاة حيث قال: “قصدي في هذا الكتاب أن أحذفَ من النّحو ما يستغني النّحويّ عنه، وأنبّهَ على ما أجمعوا على الخطأ فيه، فمن ذلك: ادّعاؤهم أنّ النّصب، والخفض، والجزم، لا يكون إلاّ بعاملٍ لفظيّ…”([61]).

ويؤكّد ما ذهب إليه بدليلٍ من الكتاب لسيبويه فيقول: “ألا ترى أنّ سيبويه – رحمه الله – قال: وإنّما ذكرتُ ثمانية مجارٍ، لأفرّق بين ما يدخله ضَرْبٌ من هذه الأربعة، لما يُحدثه فيه العامل، وليس شيء منها إلاّ وهو يزول عنه، وبين ما يُبنى عليه الحرف بناءً لا يزول عنه لغير شيء أَحْدَث ذلك فيه”([62]).

فبعد أن بيّن وجهة نظره، وفساد ما ذهب إليه النّحاة، وعلى رأسهم سيبويه، ساق حُجّةً من كلام ابن جنّيّ، ليشعر القارئ أنّه ليس وحيدًا في دعواه، وإنّما هو واحد من الذين انقلبوا على مذاهب النّحويّين، وقد سبقه إلى ذلك غيره؛ وها هو بعد أن نقل كلام سيبويه، ينقده ويستدلّ بكلام مجتزأ من خصائص ابن جنّيّ فيقول: “فظاهر هذا أنّ العامل أحدث الإعراب، وذلك بيّن الفساد، وقد صرّح بخلاف ذلك أبو الفتح ابن جنّيّ وغيره؛ قال أبو الفتح في خصائصه بعد كلام في العوامل اللفظيّة والعوامل المعنويّة: وأمّا في الحقيقة ومحصول الحديث، فالعمل من الرّفع، والنصب، والجرّ، والجزم، إنّما هو للمتكلّم نفسه، لا لشيء غيره”([63]).

ولئن أخذ العلماء المحدثون كلام ابن مضاء على محمل الجدّ من دون الرجوع إلى ما سطَّره ابن جنّيّ في كتابه، فلن نُوفَّقَ إلى المنهجِ العلميّ الواجبِ اتِّباعُه؛ من هذا المنطلق وجب العودُ إلى ما سطَّره ابنُ جنّيّ في ثنايا كُتُبِه، لنحلِّل منقولات ابن مضاء، ونكون على يقين من مصداقيّة الكلام الذي نقله عن ابن جنّيّ؛ وذلك عملًا بالبحث العلميّ وقواعده التي تفرض على الباحث التثبّت، والتحقّق من المنقولات من خلال الرجوع إلى مصادرها.

نظريّة العامل بين ابن مضاء وابن جنّيّ

عند تَتَبُّعِ كلام ابن مضاء، لنستخلص منه مذهبه الجديد، نجده مؤمنًا بالنّحو العربيّ الذي وضعه علماء النّحو، وبالحركات الإعرابيّة، لا بل إنّه يتّفق مع النّحاة في النّقاط الجوهريّة بِرُمَّتِها، لكنّه يرفض أن يكونَ كلُّ تغيُّرٍ في أواخر الكلمات بعامل لفظيّ؛ وهنا مكمن الخلاف؛ لكنّه في بداية الأمر بدا رافضًا نظريّة العامل رفضًا كاملًا، وعندما وجد نفسه وحيدًا في هذا الخِضمّ المتلاطم، بحث عن عنصر مؤيّدٍ له، يسعفه من أيّ انتقاد يوجَّه إليه، فاختار ابن جنّيّ – ولم يختر ابنُ جنّيّ نفسَه لذلك – وأتى ببعض العبارات المجتزأة التي توهّم أنّ ابن جنّيّ كان يرى رأيه.

ولعلّ الباحث لن يجد مهربًا من الاعتراف أنّ الحجة التي استند إليها ابن مضاء، من كلمات ابن جنّيّ المقتطعة، كانت ضعيفة جدًّا؛ بل لقد عمل على اجتزاء كلام ابن جنّيّ اجتزاء غيَّر حقيقته ودلالته، ثمّ أوهم القراء أنّ بين ابن جنّيّ، وبين سيبويه خلافًا حول نظريّة العامل، مع أنّ ابن جنّيّ لم يكن غير شارح لكلام سيبويه ومن سبقه من النّحاة، ناهجًا على طريقتهم، غير جانح عن سبيلهم قيد شعرة؛ ثمّ إنّه في كتبه كلّها، كان مثال النّحويّ المؤمن بهذه النظريّة، وإلاّ فما الدّاعي لأن يعدَّ كون الواو العاطفة عاملةً بما بعدها بعامل مقدّر، وإنّما أُتِيَ بحرف العطف ليحلَّ محلّ العامل اختصارًا؟!

قال ابن جنّيّ في سرّ صناعة الإعراب: “حرف العطف فيه ضرب من الاختصار، وذلك أنّه قد أقيم مقام العامل، ألا ترى أنّ قولك: قام زيدٌ وعمروٌ، أصلُه: قام زيدٌ وقام عمروٌ، فحذفت (قام) الثانية، وبقيت الواو كأنّها عِوَض منها”([64])؛ فعلام تدلّ هذه الكلمات: على من ينكر عمل العامل، أم على من يؤمن بنظريّة العامل؟‍‍!

وابن جنّيّ نفسه في موضع آخر من كتابه، في سياق حديثه عن (واو رُبَّ) يرى أنّ الواو هذه ليست هي الجارّة، وإنّما الجرّ بالعامل المحذوف، والذي هو (رُبّ)، وفي ذلك يقول: “فإن قيل: فَبِمَ الجرّ في ما بعد (واو ربَّ) أبـِ (ربَّ) المحذوفة، أم بالواو النائبة عنها، فالجواب: أنّ الجرّ بعد هذه الواو إنّما هو بـ (ربّ) المرادة، المحذوفة تخفيفًا، لا بالواو، ويدلّ على ذلك أنّها في غير هذه الحال من العطف، إنّما هي نائبة عن العامل، دالّة عليه، وليست بمتولّية للعمل من دونه، وذلك قولك: قام زيدٌ وعمرو، ورأيتُ زيدًا وبكرًا، ومررتُ بسعيدٍ وخالدٍ، فلو كانت ناصبةً، لم تكن جارّةً، وهي بلفظ واحدٍ؛ وكذلك لو كانت الواو رافعة لم تكن جارّة”([65]).

ابن جنّيّ يحلّل الأمور بمنطقيّة ليصل بمن يتتبّع آراءه إلى هدف بعيد، هذا الهدف هو إقناع الآخرين بما هو عليه من التسليم المطلق بنظريّة العامل؛ فرأيه واضح صريح، ولا داعي لأن نضع نصب أعيننا الأوهام والشكوك، مدّعين رفض ابن جنّيّ تلك النظريّة، وهو الذي كان يرى أنّ العامل يعمل لِعِلّةٍ؛ وقد استطاع النّحويّون الذين سبقوه؛ بذكائهم وتتبّعهم أساليب كلام العرب؛ تحديد العلّة التي تُعدُّ السّبب الحقيقيّفي إعمال العامل، حتّى جعلها الرجلُ أصلًا لمن أراد الولوج في ميادين علوم النّحو، والخوض في حقيقته، والوقوف على أسرار معاني العربيّة.

ولقد أفرد ابن جنّيّ لهذا الغرض بابًا خاصًّا ضمّنه خصائصه، وجعل عنوانه: “الردّ على من اعتقد فساد عِلل النّحويّين لضَعفِه هو في نفسه عن إحكام العِلّة”([66])، والمكتوب يُعرف من العنوان، ولا يَتَطَلَّبُ منَّا غوصًا في ما بعده؛ مع الإشارة إلى أنّ هذا الباب الذي يَظهر من خلال عنوانه موقفُ ابن جنّيّ، هو نفسه الباب الذي استقى منه ابن مضاء أنّ ابن جنّيّ رفض نظريّة العامل.

ولئن أردنا التّيقُن من رأي ابن جنّيّ بالعامل النّحويّ في هذا الباب، فلنرجع إلى ما سطّره من غير اجتزاء للكلام إذ قال: “اعلم أنّ هذا الموضع هو الذي يتعسّف بأكثر من ترى، وذلك أنّه لا يعرف أغراض القوم، فيرى لذلك أنّ ما أوردوه في العِلّة ضعيف واهٍ، ساقط غيرُ متعالٍ؛ وهذا كقولهم: يقول النّحويّون: إنّ الفاعل رفع، والمفعول به نصب، وقد نرى الأمر بضدِّ ذلك، ألا ترانا نقول: ضُرِب زيدٌ، فنرفعُه، وإن كان مفعولًا به، ونقول: إنّ زيدًا قائم، فننصبه، وإن كان فاعلًا… ومثل هذا يُتعب مع هذه الطائفة، لا سيّما إذا كان السّائل عنه مَنْ يلزم الصبر عليه؛ ولو بدأ الأمر بإحكامِ الأصل، لسقط عنه هذا الهوس، وذا اللّغو؛ ألا ترى أنّه لو عرف أنّ الفاعل عند أهل العربيّة، ليس كلَّ من كان فاعلًا في المعنى، وأنّ الفاعل عندهم، إنّما هو كلّ اسم ذكرته بعد الفعل، أسندت، ونَسَبْتَ ذلك الفعل إلى ذلك الاسم، وأنّ الفعل الواجب، وغير الواجب في ذلك سواء، لسقط صداع هذا المضعوف السؤال”([67]).

ابن جنّيّ من ينتقد من خلال العنوان، ويقرّر منذ البَدء أنّ التهجّم على النّحويّيّن أجل تعليلاتهم المستنبطة، سببه ضَعف المنتقدين، وقصورهم عن فهم هذه الأساسيّات، لأنّهم لم يتمكّنوا من ضبط الأصول قبل الخوض في الجزئيّات الدقيقة التي كُتب فيها وصُنّف، ليستمتع بها أهل الفنّ والشّأن.

لست الآن بصدد سرد كلّ ما جاء عن ابن جنّيّ في هذا الموضوع، لأنّ كتب الرجل مليئة بالشواهد الغزيرة الدّالة على عدم تهاونه بنظريّة العامل، وليس من شأني تتبّع المواضع الدالّة على ذلك كافّة، فما سبق فيه كفاية لمن أراد وجه الحقيقة، ولكن لا بدّ من التّعرّض لحرفيّة النّصّ الذي استقاه ابن مضاء من كتاب الخصائص – دعمًا لرأيه – سيرًا على خطى المنهج العلميّ الصّحيح، البعيد من التحيّز لفريق ضدّ آخر، لنصل بعد ذلك إلى الغاية المنشودة، التي تبدو عندها الأمور ظاهرة جليّة لكل سالك ومسترشد…  فهل كان ابن مضاء مُحِقًّا في ما نقله عن ابن جنيّ؟ وهل كان لابن جنّيّ رأيٌ متعارض مع كافّة ما في كتبه من آراء؟

ابن جنّيّ هو الذي يحدّثنا عن نفسه إذ يقول في خصائصه: “… وإنّما قال النّحويّون عامل لفظيّ، وعامل معنويّ، ليروك أنّ بعض العمل يأتي مسبَّبًا عن لفظ يصحبه، كمررتُ بزيدٍ، وليت عمروًا قائم؛ وبعضه يأتي عاريًا من مصاحبة لفظ يتعلّق به، كرفع المبتدأ بالابتداء، ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم؛ هذا ظاهر الأمر وعليه صفحة القول؛ فأمّا في الحقيقة ومحصول الحديث، فالعمل من الرّفع، والنّصب، والجرّ، والجزم، إنّما هو للمتكلّم نفسه، لا لشيءٍ غيره؛ وإنّما قالوا لفظيّ، ومعنويّ، لـمّا ظهرت آثار فعل المتكلّم بمضامّة اللفظ للّفظ، أو باشتمال المعنى على اللفظ، وهذا واضح”([68]).

كلام ابن جنّيّ واضح، لا يحتاج إلى كثير من العناء حتّى يستطيع المنصف فهمه كما أراد صاحبه؛ لا كما يريد الهوى؛ فالعامل اللفظيّ، والعامل المعنويّ – عنده – من الثّوابت والمسلّمات التي لا جدال فيها، إلاّ أنّه لا يقف عند الأمور الظاهرة المعلومة لدى معظم النّاس، وإنّما يتعدّاها ليغوص في جذور الظّواهر، وهذا ما قرّره عندما رأى أنّ العامل لا يعمل شيئًا بمفرده، وإنّما يصبح عاملًا عندما يستخدمه المتكلّم بإزاء كلمات أخرى منشئًا معنىً معيّنًا.

فالألفاظ العاملة: إذا نظرنا إليها بمعزل عن الألفاظ الأخرى، فإنَّنا لا ندرك لها قيمة، ولا يظهر لها أيّ تأثير، ما لم تنضمَّ إلى غيرها من الكلمات؛ فمن ذا الذي يضمُّ الكلمات بعضها إلى بعض؟

إنّه المتكلَّم، فالمتكلّم – أصالةً – هو الذي يرفع، وينصب، ويجرّ، من خلال ما يسوق من معانٍ؛ وأمّا عمل الكلمات ببعضها، فهو عمل ظاهريّ، فرعيٌّ، لم يحدثه في الحقيقة سوى المتكلّم الذي قصد إلى تنسيق الكلمات، وترتيبها للوصول إلى المعاني المفهِمة.

فهل من العدل والإنصاف الذي يدعونا إليه البحث العلميّ أن نقتطف بعض الكلمات والعبارات المجتزأة، ونترك ما يُكملها، لنأخذ منها دليلاً، وبرهانًاعلى ما نريد، ولندعم الرأي الذي اخترنا؟!

الواقع أنّ ابن مضاء فعل ذلك عندما أراد الخروج على قواعد السابقين – وله الحقّ بالخروج – لكن، عندما أدرك أنّه متى خاض معركته منفردًا فسوف يبوء بالفشل؛ بحث عن عَلَمٍ من أعلام اللغة يعينه بكلام مبتور، أو بجملةٍ موهمة، ليُظهر للآخرين أنّه ليس الوحيد في هذه الحلبة القائل هذا القول، الذاهب ذلك المذهب؛ وهذه المنهجيّة التي تبعها ابن مضاء تَنُمُّ عن ذكاء متوقِّد، لأنّه لا يريد أن يُلقي عليه الآخرون اللَّوم، فيصبح غرضًا لكلّ صغير وكبير؛ ولقد وجد بغيته عند ابن جنّيّ، لا من طريق الصّدفة، ولكن ليقف معارضوه موقف الضّعيف الذي يُسوِّغ ويؤوّل قول ابن جنّيّ، إمامِ النّحاة، إذ لا يستطيع أن ينتقص قدره في هذا المجال أحدٌ ممّن جاءوا بعده، خصوصًا وأنّ الكلّ يعترف بقدره، وطول باعه في علوم العربيّة.

ولقد كان انتقاء ابن مضاء لابن جنّيّ صدمة كبيرة لكلّ من أخذ نقله على محمل الصحّة والدّقّة، حتّى إذا ما رجع الباحث إلى النّصّ نفسِه، من أوّله إلى آخره، وجده يتحدّث عن أمرٍ ليس له علاقة بالعامل إثباتًا وإلغاءً، ولكنه يبيّن قوّة عامل وضَعف آخر، فها هو ابن جنّيّ يقول عن: “مقاييس اللّغة: وهي ضربان: أحدهما معنويّ، والآخر لفظيّ، وهذان الضربان، وإن عمّا وفَشَوَا في هذه اللغة، فإنّ أقواهما وأوسعَهما هو القياس المعنويّ”([69])، ثمّ ضرب على ذلك مثالًا مفاده: أنّك إن “رفعت هذا لأنّه فاعل، ونصبت هذا لأنّه مفعول، فهذا اعتبار معنويّ، لا لفظيّ؛ ولأجله ما كانت العوامل اللفظيّة راجعة في الحقيقة إلى أنّها معنويّة”([70]).

إنّه ليعود إلى أصل المسألة وجذرها، فلا يُلغي العامل المعنويّ الخفيّ الذي هو المتكلّم، كما أنّه لا يُلغي بحال من الأحوال آثار المتكلّم من ألفاظ عاملة، وعلل ناتجة عن تركيب لفظيّ معيَّن.

إنّه لمن العدل والإنصاف ألاّ نتّهم ابن جنّيّ بالتّناقض والتخبط بسبب عبارة قصيرة مقتطعة، من دون النّظر إلى ما قبلها وما بعدها من معانٍ تربط ما بين العِبارات، ولعلّ الكلام الفصل في هذه المسألة هو أنّ ابن جنّيّ درس مسألة قوّة العامل، وكان مقتنعًا أنّ العامل المعنويّ في الأصل من أقوى العوامل، لكنّه لا يجد مناصًا من الإقرار بأنّ العامل اللفظيّ أقوى من العامل المعنويّ، وذلك لضبط قواعد الكلام، وإلى ذلك أشار في موطنٍ آخر من كتابه فقال: “فأقواهنّ: الدّلالة اللفظيّة، ثمّ تليها الصّناعيّة، ثمّ تليها المعنويّة”([71]).

بعد الذي ذُكر نقلًا عن ابن جنّيّ نفسه، هل يُعقل أن يُنسب إليه ما هو منه براء، فها هي النصوص التي بين أيدينا بِرُمَّتِهَا تحكي عكس ما يُتّهم به؟

كلام ابن جنّيّ السابق فهمه على حقيقته كلّ من درس علوم العربيّة بوعي وعمق، فها هو الرضيّ([72])؛ في شرحه على الكافية في النّحو؛ يشرح كلام ابن جنّيّ في العامل وحقيقته، ولكن على طريقته القائمة على الشّرح والتّحليل فيقول: “المعاني الموجبة للإعراب إنّما تحدث في الاسم عند تركيبه مع العامل، والتّركيب شرط حصول موجِب الإعراب… ثمّ اعلم إنّ محدث هذه المعاني في كلّ اسم هو المتكلّم، وكذا محدث علاماتها؛ لكنّه نُسبت إحداث هذه العلامات إلى اللفظ الذي بوساطته قامت هذه المعاني بالاسم، فسُمّيَ عاملًا لكونه كالسبب للعلامة، كما أنّه كالسبب للمعنى المعَلَّم، فقيل: العامل في الفاعل هو الفعل، لأنّه به صار أحدَ جزءي الكلام”([73]).

ولا يكتفي الرّضي بما قاله، لذا أضاف بعد ذلك خلاصة رأيه في العوامل قائلًا: “فالموجد – كما ذكرنا – لهذه المعاني هو المتكلّم؛ والآلة: العلل، ومحلّها الاسم؛ وكذا الموجد لعلامات هذه المعاني هو المتكلّم؛ لكنّ النّحاة جعلوا الآلة كأنّها هي الموجدة للمعاني ولعلاماتها – كما تقدّم – فلهذا سُميت الآلات عوامل”([74]).

ليس بين العلماء خلاف – إذًا – في مسألة العوامل، ولئن كان ابن مضاء معذورًا في ما ساقه من عبارات موهمة يثبت بها صحّة مذهبه، ويقتطفها من بين كتب النابهين والنّابغين في ميدان النّحو، قاصدًا من عمله قبول الفكرة الجديدة التي تناقض ما عليه علماء العربيّة أجمعين، فإنّ الذي لا يُعذر هو كلّ من نقل كلام ابن مضاء من دون تثبُّتٍ، وتحقّق من هذه النقولات؛ والتثبّت إنّما يكون بالعودة إلى المصدر الأساس الذي استقى منه حجّته؛ وإلا فكيف نفسّر كلام الأستاذ أحمد أمين إذ قال: “وجاء ابن جنّيّ يريد تأسيس نحوٍ آخر، ولكن مع الأسف لم يجد سميعًا، فظلّ النّحو معتمدًا على العامل، فإذا لم يجدوه تأوّلوه؟؟!”([75]).

إنّ الباحث في كتب ابن جنّيّ لا يمكن أن يعثر، من خلال آرائه المنثورة في مصنفاته ما يدعو لأن نرميه بالرغبة في صناعة نحويّة جديدة، اللهمّ إلاّ إذا اجتهدنا بناءً على ما ذكر ابن مضاء في كتابه؛ وقد تبيّن بطلان هذا الكلام، وعدم صحّته من كلّ الجوانب.

العلل النّحويّة بين ابن مضاء وابن جنّيّ

لقد بدا ابن مضاء مؤمنًا بالعلامات الإعرابيّة كافّة، وبالعِلل الأُوَل، لكنّه لا يرتضي الإغراق في السؤال عن أسباب الرّفع، والنّصب، والجرّ، إذ النّحاة، برأيه، ليسوا سوى ناقلين عن العرب لغتَهم بالتتبُّع والاستقراء؛ وهكذا يتّضح لنا أنّ خلاف ابن مضاء مع النّحاة بداية لم يتعدَّ اللفظ، وذلك من حيث نسبة العمل إلى العوامل اللفظيّة الظاهرة، أو إلى المتكلّم الذي هو النّاطق الحقيقيّ بهذه العوامل، لذا يرى أنّ الجواب غير المتكلّف فيه، هو كون العرب نطقت كذلك، ولكن سرعان ما صار الخلاف عميقًا – في الظاهر – خصوصًا عندما أراد الوقوف عند نقل الظاهرة اللغويّة كما هي، من دون الغوص في عمق أسباب العمل النّحويّ، علمًا أنّه كان يتّفق منهجًا مع الكثير من النّحاة الذين لم يُغرقوا في  التعليلات المنطقيّة الواضحة التي من شأنها شرح الظواهر اللغويّة وتبسيطها للمتعلّمين؛ وابن جنّيّ كان واحدًا من  أولئك الذين خاضوا في التعليلات الهادفة، دونما تعسّف أو إغراب.

وإذا نقّبنا عند ابن جنّيّ عن كلام في الموضوع نفسه، وجدناه يقول في باب عنوانه: “في العِلّة وعلّة العِلّة: ذكر أبو بكر في أوّل أصوله([76]) هذا، ومثّل عنه برفع الفاعل، قال: فإذا سُئلنا عن رفعه، قلنا: ارتفع بفعله، فإذا قيل: ولِمَ صار الفاعل مرفوعًا؟ فهذا سؤال عن عِلّة العِلّة؛ وهذا موضع ينبغي أن تعلم منه أنّ الذي سمّاه عِلّة العلّة، إنّما هو تجوّز في اللفظ، فأمّا في الحقيقة، فإنّه شرح وتفسير وتتميم للعِلّة، ألا ترى أنّه إذا قيل له: فلِمَ ارتفع الفاعل، قال: لإسناد الفعل إليه، ولو شاء لابتدأ هذا، فقال في جواب رفع زيد من قولنا: قام زيدٌ، إنّما ارتفع لإسناد الفعل إليه، فكان مغنيًّا عن قوله: إنّما ارتفع بفعله، حتّى تسأله في ما بعد عن العِلّة التي ارتفع لها الفاعل؛ وهذا هو الذي أراده المجيب بقوله: ارتفع بفعله، أي: بإسناد الفعل إليه، فقد ثبت – إذًا – أنّ قوله: عِلّة العِلّة، إنّما غرضه فيه أنّه تتميم وشرح لهذه العِلّة المقدّمة عليه”([77]).

فابن جنّيّ يحسب أنّ الاسم عندما يرتفع، فإنّما يكون ذلك لعِلّةِ كونِه فاعلًا، وإذا ما أردنا معرفة سبب رفع الفاعل، فهذا شرح للعِلّة ليس إلاّ؛ فالتعليلات عنده ما هي إلاّ تفسيرات بنّاءة لعمل العامل، لذا يجب عدم الانتقاص من شأن العلل، وحسبانها أمرًا خارجًا عن العامل بعيدًا منه.

وهكذا لم يثُر على علل النّحويّين، ولا على علّة العِلّة عندهم، وإنّما تفهّم كلامهم، وترجم معانيهم بما يتلاءم ولغة عصره. ومن خلال ما تقدّم يظهر لنا أنّ الخلاف في مسألة قبول علل النّحويّين ورفضها، لم يتعدّ اللفظ، أمّا من حيث الجوهر فالاتّفاق بيّن.

ثمّ إنّ ابن مضاء نفسه فصَّل هذه المسألة أكثر من ابن جنيّ، ولم يكن مضمون تفصيلاته مخالفًا لفكر ابن جنّيّ، لكنّه تحامل على النّحويّين، وهاجمهم في ما لم يتّفقوا عليه، وأكبر دليل على ذلك ما نطق به ابن مضاء، في موطن آخر من كتابه، بأسلوب سلس، بعيد عن القدح والذمّ، معترفًا بفضل العلماء السابقين، ومقدّرًا مساعيهم التي قاموا بها، مفصِحًا عن نقاط النقد التي وجّهها إليهم، والقائمة في التزامهم بما لا يلزمهم؛ قال ابن مضاء: “وإنّي رأيت النّحويّين – رحمة الله عليهم – قد وضعوا صناعة النّحو لحفظ كلام العرب من اللحن، وصيانته عن التغيير، فبلغوا من ذلك إلى الغاية التي أمُّوا، وانتهَوا إلى المطلوب الذي ابتغَوا؛ إلاّ أنّهم التزموا ما لا يلزمهم، وتجاوزوا فيها القدر الكافي في ما أرادوه منها، فتوعّرت مسالكها، ووهنت مبانيها، وانحطّت عن رتبة الإقناع حُجَجُها… على أنّها إذا أُخِذت المأخذَ المبرّأَ من الفضول المجرّد عن المحاكاة والتخييل، كانت من أوضح العلوم برهانًا، وأرجح المعارف عند الامتحان ميزانًا، ولم تشتمل إلاّ على يقين، أو ما قاربه من الظنون”([78]).

فماذا يعني أن يثور ابن مضاء على علماء النّحو، ثمّ يردّد كلامهم، ويعلِّل عللهم؟؟! ولئن رفض فإنّما يرفض بعضًا منها كما رفضوا هم أنفسهم الكثير من التعليلات؛ ومن أجل ذلك كانت الخلافات بين النّحاة الذين حاولوا اكتشاف العلل.

ولقد نقل الورّاق في كتابه علل النّحو، جملة من استدلالات النّحويّين، واستنباطاتهم عللَهم وخلافاتهم فيها؛ من ذلك نقلُه السبب الذي من أجله ارتفع الفعل المضارع؛ فهو عند الفرّاء مرتفع بسلامته من النّواصب والجوازم، وعند الفرّاء مرتفع بما في أوّله من الزوائد؛ ثمّ ينتقد الرّجلين حاسبًا أنّ كلام الكسائيّ ظاهر الفساد لأنّ هذه الزوائد لو كانت عاملة رفعًا لما جاز أن يقع الفعل منصوبًا، ولا مجزومًا، وهي موجودة فيه، لأنّ عوامل النّصب لا يجوز أن تدخل على عوامل الرفع، ولو جاز ذلك لوجب أن تبقى في حكمها، وهذا يؤدّي إلى أن يكون الشيء مرفوعًا منصوبًا في حال، وهذا محال؛ ويضيف أنّ النّحاة عندما وجدوا الفعل يُنصب ويُجزم، والحروف في أوّله موجودة، علموا أنّها ليست علّة في رفعه…

ولئن عدّ الورَّاقُ العِلَّةَ التي ذكرها الفرّاء أقربَ إلى الصَّوابِ، إلاّ أنّها لا تسلم عنده من نقد، لأنّ الفرّاء جعل النصب والجزم قبل الرفع، لأنّه يرتفع بسلامته من النّواصب والجوازم؛ والمعلوم أنّ الرّفع هو أوّل أحوال الإعراب، وما استدلّ به الفرّاء يوجب أن يكون الرفع بعد النّصب والجزم؛ وهذا ما جعل العلّة التي استدلّ بها فاسدة([79]).

نتبيّن ممّا تقدّم أنّ ابن مضاء كغيره من النّحاة الذين اتَّفَقُوا في قضايا، واختلفوا في أخرى؛ ولا سيّما التعليلات التي يستدلّون بها بغية إقناع الدارسين بواقع القاعدة المتّفق عليها؛ فما قَبِلَهُ ابن مضاء من تعليلات قد نجد مَنْ قَبِلَهُ قَبْلَهُ، وما رفضه من علل قد نجد من رفَضَه غيره؛ وهذا الأمر يُثبت أنَّ ثورته لم تخرج على القواعد النّحويّة، حيث بقيت في الإطار الذي انتقد بعض تعليلاته وقبل بعضها الآخر.

حقيقة ثورة ابن مضاء على نظريّة العامل والعلل

إذا كان ابن مضاء قد اتّفق مع النّحويّين على أمور واختلف على أخرى؛ كحال جميع النّحاة قبله وبعده؛ فماذا تعني ثورته؛ ولا سيّما بعد أن دار ثمّ رجع إلى الدائرة نفسها التي انتقدها؟!

إنّ المدقِّق في حقيقة ثورته على العوامل والعِلل سيجدها في الأصل ثورة خاصّة على علماء عصره الذين كانوا مولعين بهذه العِلل، حيث قامت المناظرات في ما بينهم لهذا الغرض؛ ولقد ضمّن كتابه اسم رجلين من أشهر العلماء الذين عُرفوا بغزارة علمهم، ووَلَعِهم بعِللِ القوم، وهما: الأعلم الشنتمريّ، أبو الحجّاج يوسف بن سليمان (410 – 476هـ)([80])، والسُّهيليّ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله (508 – 581هـ)[81]؛ ما يدلّ على مدى استيائه ممّا وصل إليه النّحو في زمانه، ولا سيّما أنّه أقرّ بصحّة البدايات، وتبرّأ من فساد النهايات المتوعّرة المسالك، الممتلئة بالفضول، والتخيُّل الذي لا يُجدي نفعًا.

وأمّا بالنسبة إلى قضيّة العامل، فإنّه في أثناء معالجته لهذه القضيّة، اختزل من نصوص ابن جنّيّ عبارات كثيرة لتتلاءم المعاني المنتقاة مع نظريّته الجديدة التي دعا إليها، سالكًا في ذلك طريقًا غير منهجيّ – بل غير مقبول علميّا – لأنّه ادّعى على ابن جنّيّ دعاوى تشهد كتبه كلّها على براءته منها.

وعلى أيّ حال فابن مضاء مع دعوته الجديدة لم ينكر أهمّيّة الحركة الإعرابيّة “ولم يبلغ بآرائه الجديدة في النّحو، حدّ إنكار ما للحركة الإعرابيّة من مدلول، بل كان – على العكس من ذلك – يرى أنّ فقدان هذه الحركة في كلمة ما، لا بدّ أنّ يؤثّر في توجيه فهمها، حتّى ليوشك أن يعدُّ الحركات الإعرابيّة جزءًا من بنية الكلمة”([82]).

ولو أنّه فصّل في قضيّة العلل قاعدة وتعليمًا؛ على كلّ المستويات؛ لقارب الصّواب، إلاّ أنّه بثورته على العوامل بدايةً – مع أنّه فصل في المسائل المقبولة، وغير المقبولة عنده بعد مقدّمته التي استدلّ فيها بكليمات لابن جنّيّ – لم يترك مجالًا أمام الآخرين للحوار؛ ولو أنّ الآخرين كذلك نظروا بعين البحث والنقد العلميّ إلى تفصيله الذي ساقه في ما بعد من قبوله لبعض أنواع العلل الثواني، التي لا تضرّ باللغة ولا بطلاّبها، ولا تُحدث خرقًا لقوانينها، ولا تسوق الإعياء لأهلها؛ لو نظر الباحثون في كلامه تحقيقًا، لأيقنوا كما يرى الباحثون المتخصّصون” أنّ كثرة التعليل لا بدّ مفضية إلى شيء من الإفراط، يكون بدوره سببًا في افتراض فروضٍ مسبّقة، تنـزلق بالباحث إلى طرق الزّيف، وتسدّ عليه المنافذ إلى النّهايات والنّتائج السّليمة”([83]).

أمّا بالنّسبة إلى الثورة الكبرى على العوامل، فهذا ما يرى الباحث فيه شيئًا من التّعنّت، ولا سيّما أنّ ابن مضاء ظهر وكأنّه يريد إلغاء كلّ ما يُسمّى عاملًا، وبالتالي، الإغضاء من أهمّيّة علماء النّحو القدامى، وواضعي فروعه وأصوله، وإلاّ فما معنى قوله: “وأمّا القول بأنّ الألفاظ يحدث بعضُها بعضًا، فباطل عقلًا وشرعًا لا يقول به أحد من العقلاء…”([84]).

إذا كان عمل الألفاظ ببعضها ممنوعًا عقلًا – عنده – فما علاقة الشّرع بهذا الأمر الذي يبحث قضيّة لغويّة لم يمنع الشّرع من بحثها، ولم يتدخّل في تفاصيلها؛ إنّ هذا التهويل باسم الشّرع والدّين، يبعث الذّعر والرّعب في قلوب المفكّرين من أهل اللغة، فيشلّ عقولهم، ويوقفها عن الاجتهاد في أيّ أمرٍ يعود على اللغة بالخير.

فكما وقف النّحاة موقف المكتشف للعامل وللعلل، وكما تكلّفوا في تقديرها تكلُّفًا بيِّنًا؛ وقف ابن مضاء من علماء النّحو الموقف المتكلَّف نفسَه، إذ حرّج عليهم من خلال ما ذهبوا إليه بموقف سلبيّ ربط بين اجتهاداتهم وبطلانها دينًا وشرعًا.

توصيات

لئن كانت نظريّة العامل عائقًا يواجهه دارسو النّحو العربيّ لكثرة العلل التي ترافق هذه النظريّة، فإنّ المراد في هذا القسم من الدراسة توضيح أمرٍ لا بدّ منه، وهو أنّ المعرفة بأصول هذه النظريّة أمرٌ متفاوت بين دارسي اللغة العربيّة؛ فليس مطلوبًا ممّن يريد تعلّم النّحو العربيّ تقديرَ عوامل وتأويلها في كلّ موضع من المواضع، ومعرفة كلّ العلل: الأُوَل، والثّواني، والثوالث، التي تفلسف النّحو، أو تلك التي تُعمّق الفهم بسبب عمل العامل، وغير ذلك ممّا قد يجعل نفورًا بين الدارس المبتدئ ونحو العربيّة؛ فالعامل مهمّ بمقدار ما يوضح ويشرح، وليس بمقدار ما يُعَقِّدُ؛ والمقصد من تسليط الضوء على أهمّيّة نظريّة العامل، تهدف في الباب الأوّل إلى تسهيل فهم التّراكيب النّحويّة، وقواعدها، ومعرفة مقاصدها، وكلّ ما يضمن بقاءها، وفق أصولها الطّبيعيّة التي لا تنفكّ عنها بحالٍ من الأحوال.

وأن نطلب من المبتدئين في تعلّم النّحو معرفةَ العلل النّحويّة، فهذا ما لا يقبله عقل، ولا يرتضيه منطق؛ كما أنّ رفض العلل جملةً وتفصيلًا أمرٌ لا يَسمح به من عنده أدنى اهتمام بلغة العرب، فالحلّ – إذًا – هو التوسّط، مع الإبقاء على أهمّيّة العامل والعلل؛ ويكون التّوسّط في إعطاء الجرعة المناسبة من هذا العلم لكلّ متعلّم حسب مستواه؛ فالمبتدئ يتعلّم ما لا بدّ منه من العلل الأُوَل، والمتخصّص يخوض في أنواع العوامل وعللها، وحذفها وتقديرها… وكلّ ما يتعلّق في هذه المسائل التخصُّصيّة من قريب أو بعيد، لتتمّ لديه المَلَكَة النّحويّة البارعة التي تخوّله حَمْلَ لَقَبِ: نحويّ؛ وهذا النمط من التّخصّص هو المتّبع في شتّى المجالات؛ وإلاّ فما المعنى لأن يكون النّاس جميعهم على مستوى واحدٍ من التفكير، والتصرّف، والعلم؟ ولو كان الأمر كذلك لما احتجنا إلى أطبّاء متخصّصين، ومهندسين متخصّصين، ولغويّين متخصّصين…

إنّ علماء العربيّة قديمًا لم يطلبوا من كلّ المتعلّمين معرفة العلل النّحويّة ودراستها، فلقد جاء في كتاب الإيضاح للزّجاجيّ قوله: “إنّ علل النّحو ليست موجبة، وإنّما هي مستنبطة أوضاعًا ومقاييس، وليست كالعلل الموجبة للأشياء المعلولة بها… وعلل النّحويّين على ثلاثة أضرب: علل تعليميّة، وقياسيّة، وجدليّة نظريّة.

فأمّا التعليميّة فهي التي يُتَوَصَّلُ بها إلى تعلُّمِ كلام العرب… فمن هذا النّوع من العلل قولنا: “إنّ زيدًا قائم، إنْ قيل: بم نصبتم زيدًا؟ قلنا بـ (إنّ)، لأنّها تنصب الاسم وترفع الخبر، لأنّا كذلك علِمناه ونعلِّمه… فهذا وما أشبهه من نوع التعليم، وبه ضبط كلام العرب”([85]).

وعليه فإنّ الدّعوة إلى التخلُّص من هذه العِلل تضيّع كلام العرب، ولا تضبطه، أو تحفظه حسب رأي الزجاجيّ؛ ثمّ أضاف قائلًا: “وهذا أيضًا تعليل بسيط كما هو ظاهر، لا يعقّد النّحو، وإنّما يسهُل وصولُه إلى الأذهان بكلّ وسيلة معتَبَرة”؛ ثمّ قال: “وأمّا العِلّة القياسيّة: فأن يقال لمن قال: نصبتُ زيدًا بـ (إنّ) في قوله: إنّ زيدًا قائم، ولِمَ وجب أن تنصبَ (إنّ) الاسم؟ فالجواب في ذلك أن يقول: لأنّها وأخواتها ضارعت الفعل المتعدّي إلى مفعول، فحُملت عليه، فأُعملت إعماله لَمّا ضارعته؛ فالمنصوب بها مشبّه بالمفعول لفظًا، والمرفوع بها مشبّه بالفاعل لفظًا، فهي تشبه من الأفعال ما قُدِّم مفعوله على فاعله، نحو: ضرب أخاك محمّد وما أشبه ذلك”([86]).

“وأمّا العِلّة الجدليّة النظريّة، فكلُّ ما يُعتلُّ به في باب (إنّ) بعد هذا، مثل أن يُقال: فمِنْ أيِّ جهة شابهت هذه الحروف الأفعال، وبأيّ الأفعال شبهتموها؟… وكلّ شيءٍ اعتلّ به المسؤول جوابًا عن هذه المسائل فهو داخل في الجدل والنّظر…”([87]).

فمن أحبّ تعلّم قواعد العرب فعليه بالعلل التّعليميّة، لا يتخطّاها شبرًا واحدًا – إن أراد – ومن كانت القواعد بأصولها وفروعها همّه، فلا يسعه إلاّ أن يدخل في مجال الاختصاص، والتّعرّف إلى العلل القياسيّة، والجدليّة النظريّة؛ وقد أشار شوقي ضيف إلى هذا الأمر، وشدّد على أهمّيّته قائلًا: “ومع أنّنا نؤمن في عصرنا بأنّ النّحو ينبغي أن يُيَسَّر على النّاشئة، وأن تخرج منه هذه العِلل المعقّدة، نرى من الواجب أن يُعنى المتخصّصون فيه بدراسته في صورته القديمة، وكلّ ما داخَلها من فلسفة العِلّة، حتّى يتبيّنوا تَطَوُّرَه، وما شُفِعَ به هذا التّطوّرُ من جهود عقليّة خصبة، جعلت بعض المستشرقين يُشيد بما تمّ لهذا العِلم على أيدي أسلافنا من نضج واكتمال يحقّ للعرب أن يفخروا به؛ ولعلّي لا أبعُدُ إذا قلت: إنّ واجبًا على من يحاولون تيسير نحونا أن يُحْيُوا نصوصه القديمة حتّى يضطلعوا بما يريدون من هذا التّيسير عن علم وبصيرة”([88]).

لذا، فإنّنا متى أردنا إحياء علوم العربيّة فعلينا أن نسير وفاقًا لحاجة العصر ومتطلباته وكلّ ما فيه خدمة النّاشئة، بحيث يجب تعليمهم النّحو بعيدًا من كلّ تعقيد يجعل بينهم وبين لغتهم هوّة، وحاجزًا يؤول مع الأيّام سورًا عظيمًا يصعب هدمه؛ فاللغة تُتعلّم برفق ولين، حتّى إذا ما قوي عود المرء، ورأى من نفسه القدرة على الغوص في أعماق ميادين القواعد والأصول، تعرّف إلى الكتب القديمة، وفلسفتها، وطريقة تفكير أصحابها، ليكوّن فكرة واضحة عن طريقة تطوّر النّحو، فيستعين بِمَا دوّنوه على تدوين هذا العلم بالطرق الحديثة التي تلائم العصر الجديد، من دون الخروج على روح القواعد، ولا سيّما أنّ كلّ عمل يجب أن يُبتدَأ به عن علم وبصيرة تمكِّنُ الدارسين من الاجتهاد، ولا تضع أمامهم العقبات بسبب التحجُّر، والتعصُّب للتعليلات القديمة، وبذلك نكون قد وجدنا طرقًا تسهِّل قواعد النّحو على المتعلّمين الناشئة وغير العرب، وكذا على من أرادوا التّخصص والاجتهاد.

عندما أدرك العرب عظمة لغتهم، أقبل على تعلّمها معظم شعوب الأرض غير مبالين بما يواجهونه من مَشَقَّات، فكان للأعاجم أن أتقنوا هذه اللغة، وكان لأحدهم السبق في وضع كتاب لا يزال نبراسًا للعرب كافّة، إنّه سيبويه، هل كان غير أعجميّ آمن بعظمة العربيّة؟ وهل كان إيمانه ذلك إلاّ نتيجة اهتمام أهل ذلك الزّمان بلغتهم؟

لغتنا عظيمة، وواضعو قوانينها مفكّرون بارعون متفنّنون، ونحونا جميل وجدير بإعادة النظر فيه، وبدراسة كلّ العوامل التي تساعد على تسهيله ليسابق اللغات الدّخيلة التي باتت تشكِّل خطرًا كبيرًا على العربيّة، خصوصًا، وأنّها باتت اليوم تحلّ محلّ لغتنا بسهولة، وبرضى من أبناء العربيّة، وبعدم إيلاء هذه المشكلة العناية اللازمة من قبل المسؤولين.

الخاتمة

نظريّة العامل رافقت النّحو العربيّ منذ نشأته، عليها قامت علوم قواعد العربيّة ومعها تطوّرت، إلاّ أنّ الغلو في تقدير العامل النّحويّ والعلل النّحويّة؛ ولا سيّما بعد أن تأثّرت العلوم الناشئة بالمنطق والفلسفة؛ حمل العلماء على التباري في تقدير العوامل، والتسابق إلى تبيان الأسباب والعلل الموجبة لتغيير علامات الإعراب؛ فـ “لا” النافية للجنس – مثلاً – تعمل عمل “إنَّ” فتنصب الاسم، وترفع الخبر؛ لكن اسمها إذا كان مفردًا فإنّه يكون مبنيًّا على ما نُصب به، والسبب الوحيد الذي جعله مبنيًّا لا منصوبًا أنّه لم يُنَوَّن؛ فعدم تنوين الاسم حسبه علماء العربيّة بناء، بحيث يبنى اسم “لا” على الفتح إذا كان مفردًا، وعلى الياء إذا كان مثنّى أو جمعًا؛ ولو أنّهم أراحوا الناس من هذا التفصيل الذي لا طائل من ورائه، ولو أنّهم أقرّوا بأنّ العلامة علامة نصب لا بناء؛ بدليل علامة التثنية والجمع؛ لما خالفوا الواقع، ولقدَّموا خدمة للعربيّة وطلاّبها.

كما أنّ إصرار العلماء على تقدير فعل ناصب للمنادى، جعل الاسم المنادى تارة مبنيًّا على ما يرفع به، ومحلّه النّصب؛ وتارة أخرى جعلوه منصوبًا؛ وكان بإمكانهم التخلّصُ من تقدير العامل النّاصب في المنادى، وعدّه تارةً مرفوعًا، وتارةً منصوبًا بعامل النداء؛ خصوصًا وأنّ تقدير العامل يغير في المعنى الذي قصد إليه المتكلّم، فيتحوّل الكلام إلى كلام خبريّ بعد أن كان إنشائيًّا، والغرض منه طلب الاستجابة.

فماذا كان يضير النّحاة لو أنّهم حسبوا الاسم المنادى المفرد، والاسم المنادى النكرة المقصود بالنداء مرفوعًا، والمنادى المضاف والشبيه بالمضاف منصوبًا؟!

ولئن عجب الباحث من هذا الطرح فإنّه سيعجب أكثر عندما يعرف أنّ الفراهيديّ في جُمَلِهِ قد جعل من وجوه الرفع الواحد والعشرين المنادى المفرد([89]).

إذا كانت ثورة ابن مضاء على العامل في كتابه “الردّ على النّحاة” قد شابها بعض الأخطاء، ولا سيّما في عرض الاستدلالات التي استعان بها، واعتماده على كلام مجتزأ لابن جنّيّ؛ فإنّنا متى حكمنا على بداية ما سطّره، وجدناه منافيًا للحقيقة والواقع.

وإذا تركنا استدلالاته جانبًا، ثمّ استعرضنا نظريّته في الثورة على بعض العوامل، وبعض العلل النّحويّة، وجدنا أنّه فتح أمام علماء العربيّة كوة اجتهاد في جدار لا يتصدّع؛ ومع أنّه قدم نماذج معدودة ومحدودة، إلاّ أنّه حاول أن يذهب بالنّحو إلى المنهج الوصفيّ الذي يعتمد على دراسة الظاهرة النّحويّة كما توجد في الواقع، ويهتمّ بوصفها وصفًا دقيقًا، ويعبّر عنها بوصفها، ويوضح خصائصها، ثمّ يعمد إلى تسهيل واقع الظاهرة وعدم تعقيدها.

إنَّ ابنَ مضاء القرطبيّ في ثورتِهِ على نظريّةِ العاملِ؛ على الرغمِ منَ الجَلَبَةِ الكبيرةِ التي أحدَثَهَا المحدَثون؛ لم تكنْ ثورته دعوة إلى إلغاء العامل كما يتوهَّم من يقرأ مقدِّمَةَ كتابِهِ، وإنّما كان يدعو إلى إلغاء بعض العوامل والعلل.

ومتى دقَّقْنا في حقيقة دعوته، وجدنا السبب الرئيس، والدافع القويّ لهذه الثورة هو تفنُّن علماء عصرِهِ المغرِبين في عرض المسائل النّحويّة؛ وقد كان يقبل ما يخدم اللغة، ويرفض ما يورث طلاّبها المشقّة؛ وهو، وإن بدا رافضًا فكر النّحاة جميعهم، ثائرًا على ما توارثوه؛ إلاّ أنّه فصَّل مذهبه، وأوضح المشكلة التي يعرضها، فكان حقيقةً موافِقًا للعلماء في كلّ ما فصَّلوه ممّا يوصل إلى الاستفادة، وتسهيل القواعد النّحويّة، وتقريبها إلى الأذهان.

إنّ الخروج بمثل هذا الحكم عند القراءة الأولى لكتاب ابن مضاء قد يكون من الصعوبة بمكان؛ لأنّ ذلك يحتاج إلى قراءة متأنّية تنظر إلى النتائج، لا إلى المقدّمات، ولا سيّما أنّ القرطبيّ تحامل في مقدّمة الكتاب على النّحاة بشدّة؛ ولكن سرعان ما زالت هذه السحابة، وعادت المياه إلى مجاريها، وانتهت نظريّته عند الاعتدال الذي لا يرفضه معظم النّحويّين – إن لم نقل كلّهم – مع اختيارات خاصّة لا تضرّ باللغة ولا بأهلها.

وختامًا فإنّ هذا البحث، وكلّ مبحث يسلّط الأضواء على القضايا النّحويّة المُهِمَّة؛ بغية الاستفادة منها في تجديد قواعد العربيّة؛ يُعدُّ دعوة للعاملين، والدارسين لهذه اللغة تهدف إلى تطوير دراسة نحو العربيّة وتدريسها وفق المعايير الوصفيّة المتقدّمة، وهذه المسؤوليّة الكبرى ملقاة على عاتق علماء العربيّة، خصوصًا، وأنّ العربيّة باتت غريبة في أهلها، منبوذة في عقر دارها، قلَّ ناصروها، وتبعثر محبّوها، حتّى غرقت المجتمعات العربيّة بلهجات أعجميّة، ضيّعت اللغة ورونقها، وغيّرت صفاءها، ثمّ شتّتت أهلها؛ فلا أبناء العرب في الأقطار المتعدّدة يقدِرون على التّواصل بمعناه الحقيقيّ، ولا أبناء الوطن الواحد المترامي الأطراف يفكّون عبارات إخوانهم الذين نأت بهم الديار؛ وهكذا ضعف الإحساس القوميّ والوطنيّ عند أبناء العرب، في حين تسعى دول العالم الأخرى إلى تثبيت نفسها، وتعزيز كِيانها، وذلك من خلال نشر لغاتها في شتَّى الصعُد، حتّى صار العربيّ يخجل من لغته، ومن التحدّث بها، أو سماعها؛ ثمّ انقلبت وسائل الإعلام رأسًا على عقب، تسعى إلى مجاراة هذه الحملة – إن لم تكن حملة أخرى من نوعٍ جديد – فبثّت برامجها باللغة العامّيّة، وكرّست لغة العجمة والرطانة تكريسًا عمليًّا؛ وها نحن اليوم نتخلّى عن لغتنا شيئًا فشيئًا، نبيعها بثمن بخسٍ، مع أنّ الأجدر بنا أن نستفيقَ، ونعيَ، ونعزّز في أنفسنا، وأبناءَنا الشعور بالانتماء الوطنيّ، والقوميّ من خلال اعتنائنا بالعربيّة، وجعلها لغة رسميّة للأقطار العربيّة كافّة.

المصادر والمراجع

– ابن السراج محمّد بن السريّ بن سهل. (1408ه – 1998م). الأصول في النّحو. (عبد الحسين الفتليّ، المحرّر) بيروت: مؤسّسة الرسالة.

– ابن جنّيّ أبو الفتح عثمان. (ط2، 1413هـ – 1993م). سرّ صناعة الإعراب. (حسن هنداويّ، المحرّر) دمشق: دار القلم.

– ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان. (بلا تاريخ). الخصائص. (محمّد عليّ النجّار، المحرّر) مصر: دار الكتب المصريّة.

– ابن فارس أبو الحسين أحمد. (ط1، 1414هـ – 1993م). الصاحبيّ في فقه اللغة. بيروت: دار النفائس.

– ابن فارس، أبو الحسين أحمد. (ط1، 1414هـ – 1993م). الصاحبيّ في فقه اللغة. (عمر فاروق الطبّاع، المحرّر) بيروت: مكتبة المعارف.

– ابن مَضَاء القرطبيّ أحمد بن عبد الرحمن. (1399هـ – 1979م). الردّ على النّحاة. دار الاعتصام.

– ابن مَضَاء؛ أحمد بن عبد الرحمن. (ط1، 1399هـ – 1979م). الردّ على النّحاة. (محمّد إبراهيم البنّا، المحرّر) مصر: دار الاعتصام.

– الأفغانيّ سعيد. (بلا تاريخ). في أصول النّحو. بيروت: دار الفكر.

– التهانويّ محمّد بن عليّ. (ط1؛ 1996م). كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم. (د. عليّ دحروج، المحرّر) لبنان: مكتبة لبنان – ناشرون؛.

– الجرجانيّ عبد القاهر. (ط1، 1983م). العوامل المائة النّحويّة في أصول علم العربيّة للجرجانيّ. (الشيخ خالد الأزهريّ؛ البدراويّ زهران، المحرّر) مصر: دار المعارف.

– الجرجانيّ عبد القاهر. (ط2، 1407هـ – 1987م). دلائل الإعجاز. (محمّد رضون الداية وفايز الداية، المحرّر) دمشق: مكتبة سعد الدين.

– الحسينيّ، الزَّبيديّ محمّد بن عبد الرزّاق. (1984م). تاج العروس من جواهر القاموس. (مجموعة من المحقّقين، المحرّر) دار الهداية.

– الرضيّ الإستراباذيّ محمّد بن الحسن. (ط1، 1395هـ – 1975م). شرح شافية ابن الحاجب. (محمّد نور الحسن؛ محمّد الزفزاف؛ محمّد محيي الدين عبد الحميد، المحرّر) بيروت: دار الكتب العلميّة.

– الزجاجيّ، عبد الرحمن بن إسحاق. (ط6، 1416هـ – 1996م). الإيضاح في علل النّحو. (مازن المبارك، المحرّر) بيروت: دار النفائس.

– الزركليّ محمود بن محمّد بن عليّ. (ط15، 2002 م). الأعلام. بيروت: دار العلم للملايين.

– الصالح صبحي إبراهيم. (ط13، 1379هـ – 1960م). دراسات في فقه اللغة. بيروت: دار العلم للملايين.

– الفاكهيّ، عبد الله بن أحمد. (ط1، 1417ه – 1996م). الحدود النّحويّة. (محمّد الطيّب الإبراهيم، المحرّر) بيروت: دار النفائس.

– الفراهيديّ الخليل بن أحمد. (ط5، 1416ه – 1995م). الجمل في النّحو. (فخر الدين قباوة، المحرّر) دمشق: دار الفكر المعاصر.

– الفيروزآباديّ محمّد بن يعقوب. (ط1، 14306هـ – 1986م). القاموس المحيط. بيروت: مؤسّسة الرسالة.

– المبارك مازن. (ط2، 1406هـ-1985م). نحو وعي لغويّ. بيروت: مؤسّسة الرسالة.

– المخزوميّ مهديّ. (ط3، 1406هـ – 1986م). مدرسة الكوفة. بيروت: دار الرائد العربيّ.

– الورّاق محمّد بن عبد الله. (ط1، 1421هـ – 2000م). العلل في النّحو. (مها المبارك، المحرّر) بيروت: دار الفكر المعاصر.

– إلياس منى. (ط1، 1405هـ – 1985م). القياس في النّحو. دمشق: دار الفكر.

– أمين أحمد. (ط5، بلا تاريخ). ظهر الإسلام. مصر: دار الكتاب العربيّ.

– بكّار، عبد الكريم. (ط1، 1408هـ – 1987م). الصفوة من القواعد الإعرابيّة. دمشق: دار القلم.

– حسن عبّاس. (ط15، بلا تاريخ). النّحو الوافي. بيروت: دار المعارف.

– دمشقيّة عفيف. (ط1، 1976م). تجديد النّحو العربيّ. بيروت: معهد الإنماء العربيّ.

– دمشقيّة عفيف. (ط1، 1978م). المنطلقات التأسيسيّة والفنّيّة إلى النّحو العربيّ. بيروت: معهد الإنماء العربيّ.

– سيبويه عمرو بن عثمان. (ط3، 1408هـ – 1988م). الكتاب. (عبد السلام هارون، المحرّر) القاهرة: مكتبة الخانجيّ.

ضيف، شوقي. (ط6، بلا تاريخ). المدارس النّحويّة. مصر: دار المعارف.

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانيّة، كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة.

– [1] الزبيديّ؛ محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسينيّ، الملقّب بمرتضى؛ تاج العروس: دار الهداية؛ مادّة (عمل)؛ باب اللام، فصل العين.

 – [2] التهانويّ؛ محمّد بن عليّ؛ كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم: تحقيق: د. عليّ دحروج؛ مكتبة لبنان – ناشرون؛ الطبعة الأولى: 1996م؛ مج2 ج2؛ (2/ 1160).

[3] – الفاكهيّ؛ عبد الله بن أحمد: تحقيق: د. محمّد الطيّب الإبراهيم؛ دار النفائس؛ الطبعة الأولى (1417 ه – 1996م)؛ مج1 ج1؛ ص: 132.

[4] – الجرجانيّ؛ عبد القاهر؛ العوامل المائة النّحويّة في أصول علم العربيّة للجرجانيّ: شرح الشيخ خالد الأزهريّ؛ تحقيق: البدراويّ زهران؛ دار المعارف، مصر؛ الطبعة الأولى 1983؛ مج1ج1؛ ص: 99.

 – [5] للتّوسّع ينظر:

  • دمشقيّة، عفيف، تجديد النّحو العربيّ: معهد الإنماء العربيّ، بيروت، الطبعة الأولى (1976م)، مج1 ج1، ص 158.
  • ضيف، شوقي، المدارس النّحويّة: دار المعارف مصر، الطبعة السادسة د.ت، مج1 ج1، ص 38.
  • المخزوميّ، مهديّ، مدرسة الكوفة: دار الرّائد العربيّ، بيروت، الطبعة الثالثة (1406هـ – 1986م) مج1 ج1، ص 276.

 – [6]الأفغانيّ، د. سعيد، في أصول النّحو: طبعة مصوّرة عن دار الفكر، د.ت. مج1 ج1، ص 7.

[7] – هو عبد الرحمن بن إسحاق النهاونديّ الزجاجيّ شيخ العربيّة في عصره: له مؤلّفات قيّمة منها: الإيضاح في علل النّحو. ولد في نهاوند، وتوفي في طبريّة سنة (337هـ – 949م). الأعلام، الزركليّ 3/299.

[8] – دمشقيّة، عفيف، تجديد النّحو العربيّ: ص 160، بتصرّف وإضافة.

 – [9]المخزوميّ، د. مهديّ: مدرسة الكوفة، ص 276، بتصرّف يسير.

[10] – ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان، الخصائص: تحقيق: محمّد علي النجار، طبعة مصوّرة عن دار الكتب المصريّة، د.ت، دار الكتاب العربيّ، مج3 ج3، 1/35 – 36.

 – [11]ابن فارس، أبو الحسين أحمد، الصاحبيّ في فقه اللغة: تحقيق: د. عمر فاروق الطبّاع، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الأولى (1414هـ – 1993م) مج1ج1، ص 75.

[12] – الزجاجيّ: عبد الرحمن بن إسحاق، الإيضاح في علل النّحو: تحقيق: د. مازن المبارك، دار النفائس، بيروت، الطبعة السادسة (1416هـ – 1996م) مج1ج1، ص 76. وقد أورد هذا الكلام نقلًا عن أبي بكر بن الخيّاط.

 – [13]المبارك، د. مازن: نحو وعي لغويّ، مؤسّسة الرسالة، الطبعة الثانية (1406ه ـ – 1985م) مج1 ج1، ص 62 – 63.

[14] – المبارك، د. مازن: نحو وعي لغويّ، المصدر السابق 95  – 96.

[15] – المخزوميّ، د. مهديّ: في النّحو العربيّ نقد وتوجيه، دار الرائد العربيّ، بيروت، الطبعة الثانية (1406هـ – 1986م) مج1 ج1، ص 67.

[16] – حسن، عبّاس، النّحو الوافي: المسألة (148) 4/277.

[17] – ابن مَضَاء؛ أحمد بن عبد الرحمن؛ الردّ على النحاة: تحقيق: الدكتور محمّد إبراهيم البنّا؛ دار الاعتصام؛ (1399 هـ – 1979 م) (ص: 69).

 – [18]سيبويه عمرو بن عثمان؛ الكتاب: تحقيق: عبد السلام هارون؛ مكتبة الخانجيّ القاهرة؛ ط3 (1408 ه – 1988م)؛ مج4 ج4؛ 1/13.

 – [19]بكّار، عبد الكريم، الصفوة من القواعد الإعرابيّة: دار القلم، دمشق، ودار العلوم، بيروت، الطبعة الأولى (1408هـ – 1987م) مج1 ج1، ص 115.

[20] – ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان: الخصائص، 1/167.

[21] – ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان: الخصائص، 1/168.

[22] – ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: تحقيق: د. شوقي ضيف، دار الفكر العربيّ، الطبعة الأولى (1366هـ – 1937م) مج1 ج1، ص: 88.

[23] – المصدر السابق.

 – [24]المصدر السابق.

[25] – ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: المصدر السابق؛ ص 89.

[26] – المصدر السابق.

[27] – ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: تحقيق: د. شوقي ضيف، دار الفكر العربيّ، الطبعة الأولى (1366هـ – 1937م) مج1 ج1، ص 89.

[28] – المصدر السابق.

 – [29]ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: تحقيق: د. شوقي ضيف؛ ص: 106.

[30] – الفراهيديّ؛ الخليل بن أحمد؛ الجمل في النّحو: ص: 161

[31] – ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: مصدر سابق؛ ص 151، بتصرّف.

[32] – المصدر السابق.

[33]ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: مصدر سابق؛ ص 150 – 151.

 – [34]ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة، ص 152 – 153.

[35] – المصدر السابق، باختصار، ص 153 – 154.

[36] – ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: ص 159 – 160.

[37] – الزجاجيّ: عبد الرحمن بن إسحاق، الإيضاح في علل النّحو: تحقيق: د. مازن المبارك، دار النفائس، بيروت، الطبعة السادسة (1416هـ – 1996م) مج1ج1، ص 65.

[38] – الفراهيديّ؛ الخليل بن أحمد؛ الجمل في النّحو: تحقيق: د. فخر الدين قباوة؛ توزيع دار الفكر المعاصر – دمشق؛ الطبعة الخامسة (1416ه – 1995م)؛ مج1ج1؛ ص: 65.

 – [39]المصدر السابق: ص: 70.

[40] – الفراهيديّ؛ الخليل بن أحمد؛ الجمل في النّحو: ص: 164.

 – [41]الزجاجيّ، عبد الرحمن، الإيضاح في عِلل النّحو: ص 65 – 66.

[42] – الزجاجيّ، عبد الرحمن، الإيضاح في عِلل النّحو: ص 66.

[43] – المصدر السابق: ص 66.

 – [44]دمشقيّة، د. عفيف، تجديد النّحو العربيّ: ص 160 و161.

[45] – باختصار عن: دمشقيّة، د. عفيف، تجديد النّحو العربيّ: ص 160 و161.

[46] – ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان، الخصائص: 1/237 – 238.

[47] – ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان، الخصائص، 1/87.

[48] – إلياس، منى، القياس في النّحو: دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى (1405هـ – 1985م) مج1 ج1، ص 64.

 – [49]الجرجانيّ، عبد القاهر، دلائل الإعجاز: تحقيق: د. محمّد رضون الداية ود. فايز الداية، مكتبة سعد الدين، دمشق، الطبعة الثانية (1407هـ – 1987م) مج1 ج1، ص 61، باختصار.

 – [50]الجرجانيّ، عبد القاهر، دلائل الإعجاز: تحقيق: د. محمّد رضون الداية ود. فايز الداية، مكتبة سعد الدين، دمشق، الطبعة الثانية (1407هـ – 1987م) مج1 ج1، ص 80، باختصار.

[51] – دمشقيّة، د. عفيف، تجديد النّحو العربيّ: ص 159، نقلًا عن الدكتور مازن المبارك، تجديد النّحو العربيّ، ص 86. بتصرّف يسير.

[52] – الجرجانيّ، عبد القاهر، دلائل الإعجاز: ص 80 باختصار.

 – [53]الجرجانيّ، عبد القاهر، دلائل الإعجاز: ص 80 إلى 83، باختصار وتصرّف يسير.

 – [54]جاء في القاموس: “الوَجْذُ: النُّقرةُ في الجبل تُمسِك الماء، والحوض؛ ج: وِجذان ووِجاذ بكسرهما”. الفيروزآباديّ، محمّد بن يعقوب، القاموس المحيط: مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى (1406هـ – 1986م) مج1 ج1، مادّة (و ج ذ)، ص 433.

 – [55]سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب: تحقيق: عبد السلام هارون، عالم الكتب، طبعة د.ت. مج 5 ج5، 1/129.

 – [56]المصدر السابق، 1/129.

 – [57]المصدر السابق.

[58] – أمين، أحمد، ظهر الإسلام: دار الكتاب العربيّ، الطبعة الخامسة، د.ت. مج2ج4، 3/95.

 – [59]المصدر السابق، 3/95. ويمكن العودة إلى كتاب الردّ على النحاة لابن مضاء القرطبيّ، وقراءة تعليق المحقّق، ص 11 – 12.

[60] – أحمد أمين، ظهر الإسلام، 3/96. ويمكن العودة إلى كتاب ابن مضاء: الردّ على النحاة : ص 85.

 – [61]ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: ص 85.

[62] – المصدر السابق، ص 85 – 86. ويمكن العودة إلى: سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب: تحقيق: عبد السلام هارون، عالم الكتب، د.ت، مج5 ج5، 1/13.

 – [63]ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النحاة: ص 86 – 87.

[64] – ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان، سرّ صناعة الإعراب: تحقيق: د. حسن هنداويّ، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية (1413هـ – 1993م) مج2 ج2، 2/636.

 – [65] المصدر السابق: 2/237 – 238.

 – [66]ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان، الخصائص: 1/184 – 185.

 – [67]المصدر السابق، 1/184 – 185.

[68] – ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان، الخصائص: 1/ 109 – 110.

 – [69]ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان، الخصائص: 1/109.

 – [70] المصدر السابق: 1/109.

[71] – المصدر السابق: 3/98.

 – [72]هو محمّد بن الحسن الرضيّ الأستراباذيّ نجم الدين، عالم بالعربيّة: توفي حوالي سنة (686هـ – 1287م) الزركليّ: الأعلام 6/86.

 – [73]الرضي الأستراباذيّ، محمّد بن الحسن، شرح الرّضيّ لكافية ابن الحاجب: القسم الأوّل، المجلّد الأوّل، تحقيق: د. حسن الحفظيّ، جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة: الطبعة الأولى (1414هـ – 1993م) ص 41 و52.

[74] – الرضي الأستراباذيّ، شرح الرّضيّ لكافية ابن الحاجب: ص 64.

[75] – أمين، أحمد، ظهر الإسلام: 2/118.

[76] – ابن السراج، محمّد بن سهل، الأصول في النّحو: تحقيق: د. عبد الحسين الفتليّ، مؤسّسة الرسالة، بيروت (1408هـ – 1998م) مج3 ج3، 1/9. ونصّ الكلام من الأصول: “واعتلالات النّحويّين على ضربين: ضرب منها هو المؤدّي إلى كلام العرب، كقولنا: كلّ فاعل مرفوع، وضرب آخر يسمّى عِلّة العِلّة، مثل أن يقولوا: لِمَ صار الفاعل مرفوعًا، والمفعول به منصوبًا… وهذا لا يكسبنا أن نتكلّم كما تكلّمت العرب، وإنّما نستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها…”.أ.هـ.

 – [77]ابن جنّيّ، أبو الفتح عثمان، الخصائص: 1/173 – 174.

 – [78]ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النّحاة: ص 80 – 81.

 – [79]الوراق؛ محمّد بن عبد الله؛ العلل في النّحو: تحقيق: مها المبارك؛ دار الفكر المعاصر، بيروت؛ الطبعة الأولى (1421ه – 2000م)؛ مج1 ج1؛ ص: 70 – 71.

 – [80]هو يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري الأندلسي، عالم باللغة والأدب: (410هـ – 1019م – 476هـ – 1084م). الزركليّ، الأعلام: 8/233.

 – [81]هو عبد الرحمن بن أحمد الخثعميّ السُّهيليّ، حافظ، عالم بالعربيّة، ضرير: له كتب كثيرة ذات قيمة، ولد في مالقة سنة (508هـ – 1114م) وتوفّي في مراكش سنة (581هـ – 1185م). الأعلام، الزركليّ: 3/313 – ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، كتاب الردّ على النّحاة، ص 160، ولمزيد من التوسّع يُرجع إلى: ضيف، د. شوقي، المدارس النّحويّة، ص 292 وما بعدها.

 – [82] الصالح، د. صبحي، دراسات في فقه اللغة: دار العلم للملايين، الطبعة الثالثة عشرة، (1997)، مج1 ج1، ص 136.

[83] – دمشقيّة، عفيف، المنطلقات التأسيسيّة والفنّيّة إلى النّحو العربيّ: معهد الإنماء العربيّ، بيروت، الطبعة الأولى(1978م) مج1 ج1، ص 137.

[84] – ابن مضاء القرطبيّ، أحمد بن عبد الرحمن، الردّ على النحاة: ص 87.

[85] – الزجاجيّ، عبد الرحمن بن إسحاق، الإيضاح في علل النّحو: ص 64.

 – [86]المصدر السابق: ص 64 – 65.

[87] – الزجاجيّ، عبد الرحمن بن إسحاق، الإيضاح في علل النّحو: ص 65.

[88] – الزجاجيّ، عبد الرحمن بن إسحاق، الإيضاح في علل النّحو: ص 64 – 65.

 – [89]الفراهيديّ؛ الخليل بن أحمد؛ الجمل في النّحو: ص: 161.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website