يوم اللغة العربيّة
د. خديجة عبدالله شهاب*
منذ الثورة التكنولوجية، واللغة العربية تتعرض لهجمة عنيفة عليها. وللأسف لا يتذكر الناطقون بها تصحيح الأخطاء، والاعوجاج الحاصل فيها إلا في يومها. وهنا يأتي دور أبناء اللغة العربية؛ إذ يُغلِّبون في خطابهم اليومي في ما بينهم المفردات الأجنبية، وكأنّهم لا يشعرون بتحضرهم إلا من خلال ذلك، وهذا ما يدعو إلى التعجب إذ إنّه في زمن الانفتاح الاقتصادي من قبل بعض الدّول الأجنبية ككوريا والصين… وغيرها؛ وفي الوقت الذي ينفتح فيه الغرب على لغتنا، وفرضها كلغة ثانية في العديد من الجامعات المُهِمّة والرئيسة في هذه الدول وغيرها، نرى أبناءنا يساهمون في تحريف لغتهم وإبعادها من روحيتها وأَلقِها. يصر الكثير منهم على استخدام الأرقام بدلاً من الحروف، وفي اعتقادهم أنّها أكثر سهولة ومرونة. لهؤلاء نقول إنّ هذا الأمر هو محض وهم، ففي مقارنة بسيطة بين كتابة كلمة في اللغة العربية وأخرى في لغة أجنبية يتبين أن حروفها في اللغة العربية أقل، ما يعني أنّ الجهد أقل في الكتابة، فكلمة “الحمد لله” على سبيل المثال تتألف من ثمانية أحرف، وأمّا كتابتها باللغة الأجنبية hamdoullilah al -فتتألف من أربعة عشر حرفًا، ما يعني ألا توفير للوقت وللجهد في هذا الأمر، ما يُظهر أنّ ادّعاءالخفة والرَّشاقة ساقط وواهٍ.
يساهم الإعلام في انحدار مستوى اللغة العربية لأنّ أكثر البرامج السياسية، والإخبارية يتم ّالتداول فيها باللغة العامّيّة، أضف إلى ذلك عرض المسلسلات المدبلجة باللغة العامية، واقتناعنا أنّ لغتنا لا تسعفنا في الكثير من الإماكن في التعبير عما نريد قوله. وهذا أيضًا وهم وخطأ كبير، لأن العلوم التي وصلتنا من أجدادنا كُتِبت كلها باللغة العربية، ولم يجدوا صعوبة في ذلك ما يشير إلى أننا نقف عاجزين أمام استخدام لغتنا بما يتناسب وكلّ مرحلة من مراحل التطور الثقافي والاجتماعي. يعني أنّنا قاصرون عن مواكبة الجديد في لغتنا، والعيب فينا وليس فيها.
أليس من المعيب لنا ونحن أبناء العربية أن نمتلك لغاتٍ أخرى لنتخاطب بها، غير لغتنا الأمّ؟ وهل الحضارة في مجملها تتوقف على الكمية التي نتقنها من المفردات باللغة الأجنبية، ومن ثَمَّ نتخاطب بها في ما بيننا للتباهي أمام المجتمعات؟ علمًا أن هذا الأمر لا يعني أننا ضد تعلم اللغات، ولكننا ضد أن يأتي هذا على حساب اللغة الأم.
إن لغتنا لغة اشتقاق، ما يضيف إليها الغنى والجمال، ففي كل مفردة روح تنطق بألف معنٍ ومعنٍ، ويمكننا أن نستخرج مئات، بل آلاف المفردات والأوزان من كلمة واحدة؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر فالفعل “درس” يمكن أن نضيف إليه بعض الحروف ليأخذ معاني، وأوزان، وصياغات جديدة ومنها: دارس/ دراسة/ مدروس/ مدرسة/ تدارس/ اندرس… وغيرها الكثير. وإنّ العرب أوجدوا لاسم الآلة “السيف” مئات الأسماء المشتقة، والمأخوذة من الصفات، ومنها: المهنّد/ البتّار/ الحتف/ الصمصام/ البارقة/… كما أوجدوا الكثير من الأسماء “للأسد” ومنها: صارم/ هاصر/ غضنفر/ أهرس/ مهتصر/… بينما لا نجد في اللغات الأجنبية إلا كلمة ” “leonفي الفرنسية، و”lion” في اللغة الإنكليزية. أَوَنقول بعد إنّ لغتنا ضعيفة؟!
هذا رهن بهم فكما ساهموا في ضَعفها نطقًا وكتابة، بإمكانهم أن يجعلوا هذا اليوم يومًا دائمًا، وعلى مدار الزمن، ففي كل وقت لا تُنْتهك فيه اللغة العربية سيكون يومًا نحتفل فيه بقوتها وتفوقها، وهذا يعني أنّ عليهم أن يؤدوا دورهم في المحافظة عليها، وتعزيز موقعها بين لغات العالم أجمع. فهل سيأتي اليوم الذي تصبح فيه اللغة العربية مِيزَة لا يخجل أبناؤها من التدوال بها في شؤون حياتهم اليومية؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، الفرع الخامس، أحد رئيسَيْ تحرير مجلّة أوراق ثقافيّة.