سيبويه والد النحو

سيبويه والد النحو

د. خديجة عبدالله شهاب^([1])

ما يزال الكثير من العلماء والمفكرين والمثقفين يعودون إلى العصور الثقافيّة والأدبيّة القديمة وبالتحديد إلى الحقبة الذهبيّة حيث” شمس العرب سطعت على الغرب” على حدّ قول المستشرقة الإلمانيّة” زغريد هونكيه”، تلك الحقبة التي شهد فيها العالم بأجمعه للحضارة العربيّة والإسلاميّة بنورها الذي أضاء للبشرية نور العلم، وفتح باب العلوم على مصراعيه لمن يرغب من المبدعين والمخترعين، وما قدّموه للإنسانيّة من اكتشافات واختراعات غيرت وجه العلوم والمعارف، وأعطت للحياة دفعًا نحو الاستمرار في التّقدّم العلميّ والأدبيّ والاجتماعيّ والثّقافيّ.

         لم يترك العرب والمسلمون علمًا إلا وخاضوا فيه، لم يؤمنوا بالتّخصصات الصغيرة التي قد تحجب الكثير من المعارف على بنيّ البشر، فكنتَ ترى الأديب هو نفسه العالم والفلكيّ والطبيب والنّحويّ والرّحالة والكيميائيّ والبَصري (نسبة إلى علم البصريات)… وكل ما يمكنك أن تتصوره، إلّا أنّ العالِم منهم كان يشتهر بعلم دون الآخر،لأنّه كان يضع كل طاقاته الفكرية والجسديّة والعقديّة فيه، ويروح على أساسه يكتب ملاحظاته واكتشافاته. لا نعرف المرحلة الزمنيّة المحددة التي اطُلِق عليه لقبه ذلك، ولكن ما نعرفه أنّه صحبه منذ بدايات تألقه على المستوى النّحوي في البلاد العربيّة؛ وقد سار لقبه إلى حدود الشّمس وعُرف به منذ القديم، إذ لم يُلقّب به أحدٌ قبله . طاف سيبويه في بغداد يطلب العلم من أهلها وعلمائها وفقائها، فصاحب أهل الحديث والفقه وتتلمذ على العديد منهم. كان متوقد الذكاء منطقي متزن، يُحسن التّفريع والتّعليل… طموح لم يرض بحظّه في البصرة، وأنّه شيخها لا ينازعه في مكانته النحوية أحد كان فريد زمانه، نال من الشّهرة من لم يسبقه إليها أحد، إلا أستاذه الخليل بن أحمد، وشهد له بذلك أساتذته، وسائر العلماء الّذين عاصروه، وجمهور الشّعب في الأمّة العربية الذين تأثروا به وقلّدوه.

    إنّه ابن عصره، ففكرته عن الدّنيا لا تختلف عنها لدى الباحثين في الطبيعة والخيميائيين وعلماء الفلك والأطباء العرب ، هو ممثل تفكير بنيوي، ويرتب أشياء عالمه من ناحية علم النحو، ويعتمد على إعمال العقل في وضع اللغة. يطوّع الفكر البشري باتجاه النحو العربيّ، يسهّل تمارينه وتدريباته وتطبيقاته، ليطمئن إلى أنّه سيكون له قدم راسخة في الأمّة العربيّة وليقول أنّ العلوم للأقوى على مستوى النبوغ الذهنيّ والفكري. هو واثق من نفسه، مؤمن بقدراته العلمية والفكريّة والنحويّة. عاد في نهاية مطافه العلميّ والفكريّ إلى الأهواز فتوفى بها، وقيل وفاته وقبره بشيراز تنوّعت مشارب العلوم عنده، وتعدّدت الجهات الذي أخذ عنها، فقد أخذ النّحو عن الخليل وهو أستاذه، وعن عيسى بن عمر وعن يونس… وغيره، وأخذ اللغات عن أبي الخطّاب الأخفش الكبير. كان نهمًا للعلم، فلا يبرح يرتاد مجالس كبار الشّيوخ والأئمة واستكمل علمه منهم.

قدّم اللغة لأهلها على طبق من العقل والمنطق، ما ساهم في بقائها وانتشارها بين أهل أمصار العالم. رحم الله علماءنا الأجلاء الأفاضل، وكانت غاياتهم الأولى خدمة العلم، ورفعة البشريّة.