foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

خِيار المقاومة من ثورة 1920 إلى انتصارات 2020 (مئة عام مقاومة في فلسطين)

0

خِيار المقاومة من ثورة 1920 إلى انتصارات 2020 (مئة عام مقاومة في فلسطين)

د. هيفاء سليمان الإمام([1])

مقدمة

في زمن التّدويل واعلان قبلتنا عاصمة لعدونا أبحث عنكم عن بطولاتكم عن من ما يزال قابضًا على جمر الكرامة الوطنية، أبحث عن ماضّ لأمّة عريقة الحضارة والتّاريخ، عن جذور أطفال عزل مغتصبة حقوقهم، مقتولة أيامهم ولياليهم مظلم مستقبلهم يائسة أحلامهم.

إشكاليات البحث: ففي خضم هذه الأوضاع ، لا بدّ من طرح التّساؤلات المصيرية الآتية:

  • هل شاخ خِيار المقاومة عند العرب في فلسطين بعد 100 عام من تاريخ اغتصابها بالقوة؟ أم أصبح أكثر نضجًا وأقدر على النّصر؟
  • هل ما تزال القدس مقدسة في ضمير أمّة محمد ؟ أم اعتدنا خسارتها وأصبح التّطبيع مع المغتصب هو الخِيار؟
  • هل ما زلنا نمتلك خِيار بين الاستسلام بالتّسويات المذلة، أو المقاومة المسلحة؟
  • هل أصبحنا في زمن الاعتراف والصلح والمفاوضات المفروضة النتائج سلفًا بدلًا من استرجاع القدس بالقوة كما أخذت؟

هدف الدّراسة: تهدف هذه الدّراسة إلى تعزيز خيارات الأمة المصيريّة الواضحة النتائج، أيّ أنّ أيّ حلّ لا تخطه سواعد مقاومة، هو أزمة جديدة لأن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغيرها.

أهمّيّة الدراسة: أنّ لهذه الدّراسة أهمّية كبرى في تنشيط ذاكرة الانتماء، وتعزيز أهمّية خيار المقاومة التي تعيد كرامة الأمة، إذ إنّنا أصبحنا في زمن محوّ للذّاكرة الوطنيّة في قضية فلسطين، فالقدس وقعت الآن بين سدان الأعداء المغتصبين ومن يسمون بأهل القضية الخونة المطبّعين.

منهجيّة البحث: اعتمدت في هذه الدراسة على المنهج التّحليليّ إذ يعمل على عرض وتفكيك العناصر الأساسيّة لموضوع الدّراسة، ومن ثم دراستها بأسلوب متعمق، ليُستنبَط بعدها أحكام أو قواعد.

المتن

1- العصر الإسلامي الأول (636 إلى 1072م)

دخل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة القدس سنة (15هـ أو 636 – 638م) على اختلاف في المصادر) بعد أن انتصر الجيش الإسلاميّ بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، واشترط لبطريرك صفرونيوس أن يتسلم عمر المدينة بنفسه فكتب معهم “العهدة العمرية”([2]) وهي وثيقة منحتهم الحريّة الدّينيّة مقابل الجزية. وغيّر اسم المدينة من إيلياء إلى القدس، ونصت الوثيقة ألا يساكنهم أحد من اليهود. واتّخذت المدينة منذ ذلك الحين طابعها الإسلاميّ واهتمّ بها الأمويّون (661 – 750م) والعباسيون (750 – 878م) وقد شهدت نهضة علميّة في العديد من الميادين.

ومن أهم الآثار الإسلاميّة في تلك الحِقبة مسجد قبة الصخرة الذي بناه عبد الملك بن مروان في المرحلة من 682 – 691م، وأعيد بناء المسجد الأقصى العام 709م. فالقدس هي عاصمة الإسلام والمسلمين قبل أن تكون عاصمة فلسطين، القدس لها مكانة في قلوب المسلمين لما تحمله من مكانة تاريخيّة وإيمانيّة فهي مسرى الرّسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهي بلاد المسجد الأقصى الشّريف ثالث الحرمين الشريفين وفيها قبة الصخرة. وللمسلمين علاقة كبيرة بالقدس لن تستطيع أمريكا ولا إسرائيل ولا العملاء من ملوك وزعماء العرب أن يحولوا بين المسلمين وبين هُوية وانتماء المسلمين إلى القدس. فلقد تزامنت المقاومة الفلسطينيّة مع بدايات الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين في نهايات القرن التّاسع عشر، وتصاعدت المقاومة مع تزايد الهجرة، ثم تحولت إلى عمل سياسيّ وعسكريّ، وثورات ومظاهرات مع فرض الانتداب البريطانيّ، وتواصلت المقاومة الشّاملة بعد قيام دولة إسرائيل، ولم تتوقف بعد.

2- بداية المقاومة الفلسطينيّة للوجود الصهيونيّ

تعود بداية المقاومة الفلسطينيّة للوجود الصهيوني إلى أكثر من مائة عام، ففي العام 1891 قدم عدد كبير من وجهاء القدس مذكرة احتجاج إلى الصدر الأعظم في الأستانة يطالبونه بالتّدخل لمنع الهجرة اليهودية وتحريم امتلاك اليهود للأراضي الفلسطينيّة.

بدأت المقاومة الفلسطينيّة المسلحة بعد عام واحد فقط من المؤتمر الصهيونيّ الأول في بازل بسويسرا.
حيث كان انعقاد هذا المؤتمر العام 1897 مقدمة لتأجيج المشاعر العربيّة، إذ وضع هذا المؤتمر الصهيونيّ القضية الفلسطينيّة في بؤرة القلق العربيّ.

ولأن الأطماع الصهوينيّة لم تقتصر على فلسطين وحدها بل امتدت إلى شرق الأردن ، لذلك كان لا بدّ من مقاومة مسلحة رادعة، فقد قام الأهالي هناك العام 1898 بشن أول هجوم على مستوطنة أقيمت في منطقة جرش ضد الوجود الصهيونيّ، وكان هذا الهجوم أول عمل عسكري ضد الوجود الصهيونيّ في فلسطين. وشهد العام 1900 حملة ضخمة لجمع التوقيعات على عرائض تمنع بيع الأراضي للمهاجرين اليهود.
تنوعت مظاهر المقاومة في تلك الحقبة فأنشئت الجمعيات والأحزاب التي وضعت مقاومة الهجرة اليهوديّة على رأس برامجها، واختص بعض هذه الجمعيات في المقاومة الاقتصاديّة عن طريق تشجيع الاقتصاد الفلسطينيّ وشراء الأراضيّ المهددة بالانتقال إلى اليهود، في حين اهتم بعضها الآخر بالجوانب السياسيّة وعقد المؤتمرات الجماهيريّة وتنظيم المظاهرات والقيام بهجمات على المستوطنات الصهيونيّة. من هذه الجمعيات:

  • الجمعية الخيرية الإسلاميّة.
  • جمعية الإخاء والعفاف.
  • شركة الاقتصاد الفلسطيني العربي.
  • شركة التجارة الوطنيّة الاقتصاديّة. إلخ. ومن بين الأحزاب التي تأسست متأثرة بالمناخ العام المعادي للتحركات الصهيونية في فلسطين، الحزب الوطني العثمانيّ (1911) الذي أنشأ لجانًا تشرف على منع بيع الأراضي لليهود.

3- وعد بلفور وانفجار الثورات العربيّة

بعد صدور وعد بلفور العام 1917 والذي تعهدت فيه الحكومة البريطانيّة بالعمل على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، اتخذت المقاومة أشكالًا أكثر شمولًا وأكثر عنفًا، وكثرت المؤتمرات الشّعبيّة خاصة بعد عقد المؤتمر الإسلاميّ الأول العام 1919، إذ انعقد في الحقبة 1919 – 1929 أكثر من سبعة مؤتمرات تؤكد جميعها على ضرورة الوحدة العربيّة لدرء المخاطر الصهيونيّة والسّعي لنيل الاستقلال الوطنيّ. وقد اندلعت احتجاجًا على وعد بلفور، وبدأت أحداثها في القدس ثم امتدت إلى مختلف المدن الفلسطينيّة وعلى الرّغم من منع السّلطات البريطانيّة للمظاهرات احتفل الفلسطينيون كعادتهم بمناسبة موسم النبي موسى في شهر أبريل/ نيسان 1920 وألقى عدد من وجهاء الحركة الوطنيّة خطابات حماسية كان من أهمها خطابات الحاج أمين الحسينيّ وموسى كاظم الحسينيّ وعارف العارف، وبعدها سارت جموع حاشدة في مظاهرات صاخبة طافت شوارع القدس وهي رافعة صورة فيصل بن الحسين بصفته ملكًا لسوريا وفلسطين. وحينما وصلت المظاهرة باب يافا في القدس وقع انفجار قويّ، واشتبك المتظاهرون مع اليهود ثم مع الإنجليز الذين هرعوا لحمايتهم وارتكبوا الكثير من الفضائع. وكانت تلك الأحداث بداية الهبة الشّعبية التي استمرت أسبوعًا لم تستطع السلطات البريطانيّة إخمادها على الرّغم من إعلان الأحكام العرفيّة، وبلغت حصيلة الشّهداء والجرحى من الجانب الفلسطيني تسعة شهداء و251 جريحًا وأسر الإنكليز 40 جريحًا عربيًّا، وجاؤوا بهم إلى مستعمرة مبلس وعهدوا بهم إلى اليهود الذين أجهزوا عليهم بالتّعذيب ثم قتلوهم.

ترجع أهمية ثورة 1920 إلى كونها بداية الانتفاضات الشّعبيّة الكبرى على الوجود البريطانيّ، والتّغلغل الصّهيونيّ منذ العشرينات من القرن العشرين وحتى الآن.

شهد العام 1929 مظاهرة عنيفة اشتبك فيها المسلمون مع الصهاينة الذين أرادوا اقتحام المسجد الأقصى وإقامة احتفالات دينيّة عند حائط البراق فعرفت بثورة البراق ، وأسفرت تلك المظاهرات عن إنشاء جمعيّة حراسة المسجد الأقصى التي انتشرت فروعها في معظم المدن الفلسطينيّة، واشترك المسيحيون مع قادة الحركة الوطنية للدّفاع عن الأراضي الفلسطينيّة، فانتخبت في تلك الحقبة اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي المسيحيّ التي قامت بعدة زيارات خارجية للدّول العربيّة وبعض العواصم الأوروبية.

من أهم أحداث تلك الحقبة انعقاد المؤتمر الإسلامي الأول العام 1931 وثورة 1936، حيث دعا الحاج أمين الحسيني إلى مؤتمر إسلامي حضره كبار علماء المسلمين في تلك المدّة  وأصدر المؤتمر عدة قرارات منها:

  • تأليف دائرة معارف إسلامية.
  • إنشاء جامعة أطلق عليها جامعة المسجد الأقصى.
  • تكوين شركة لإنقاذ الأراضي الفلسطينيّة. وكانت قرارت هذا المؤتمر دون طموحات الجماهير التي خرجت في مظاهرات عفوية كبيرة عامي 1931 و1933 عمت معظم المدن الفلسطينيّة وواجهتها السلطات البريطانية بالقمع الشّديد ، وتطورت تلك المظاهرات العام 1935 إلى إضراب شامل دام أكثر من ستة أشهر، حيث أشرفت عليه لجان قومية لتضمن تطبيقه في كل المدن الفلسطينيّة.

في هذه الأثناء تكونت خلايا مسلحة كانت تطلق على نفسها خلايا “الكف الأخضر”، ولم تظهر عملياتها ضد الاحتلال البريطانيّ والمهاجرين اليهود إلا في العام 1935، حينما انتقل قائد تلك الخلايا الشّيخ عز الدين القسّام إلى الريف وبالتحديد إلى منطقة جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك، ولم يمهله القدر ليواصل جهاده، فقد اكتشفت القوات البريطانيّة مكان اختبائه فحاصرته وطالبته بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات حتى سقط هو وأتباعه المحاصرون شهداء. وزاد من لهيب المشاعر الفلسطينيّة رفض المندوب السامي البريطاني مطالب قادة الحركة الوطنيّة بوقف الهجرة اليهودية وتشكيل حكومة وطنية ومنع انتقال الأراضي لليهود، فاشتعل بذلك فتيل ثورة 1936.

4- الثورة الفلسطينيّة الكبرى (1936 – 1939)

عم الإضراب الشّامل الأراضيّ الفلسطينيّة، ونشطت خلايا عز الدين القسام ومعها الجماهير الغاضبة في إثارة الرّعب في المعسكرات البريطانية والتّجمعات اليهوديّة. وما زاد من توتر الأجواء اعتراض الصهيونيين على إقامة مؤسسات للحكم الذاتيّ الفلسطيني. وفي فبراير/ شباط 1936 تعاقدت الحكومة البريطانيّة مع أحد المقاولين اليهود لبناء ثلاث مدارس في يافا، فقام بعض العمال العرب بتطويق موقع إحدى هذه المدارس ومنع اليهود من الوصول إليه، فكان ذلك البداية التي فجرت الوضع. ثم توالت سلسلة من الحوادث والاصطدامات في مختلف المدن الفلسطينيّة، أعلنت الحكومة على إثرها منع التجول في يافا وتل أبيب، ثم عممته بعد ذلك في البلاد كلها.

شُكّلت في العشرين من أبريل/ نيسان في نابلس اللجنة القوميّة العربيّة التي قررت إعلان الإضراب العام في البلاد كلها، وفي اليوم التالي شكلت لجنة مماثلة في كل من يافا وحيفا وغزة، وأعلنت جميعها الاستمرار في الإضراب حتى تستجيب الحكومة البريطانيّة لمطالبها المتمثلة في منع الهجرة اليهودية، وإقامة حكومة وطنية ووقف عمليات بيع الأراضي لليهود، وسارعت الأحزاب الفلسطينيّة على اختلاف توجهاتها السياسيّة إلى الإعلان عن تأييدها للإضراب. وفي 25 أبريل/ نيسان عقد اجتماع ضم جميع الأحزاب العربيّة وشكلت لجنة عرفت في ما بعد باللجنة العربيّة العليا. وشددت السلطات العسكرية من قمعها للثّوار فهدمت منازل المشتبه فيهم، وفرضت غرامات جماعيّة على القرى التي عرفت أنّها تقدم مساعدات للثوار. وشارك في هذه الثورة ضباط وثوار عرب كان من أشهرهم الضابط السوري فوزي القاوقجيّ الذي دخل فلسطين بصحبة مجموعة مسلحة. وبينما كان الثّوار منشغلين بتأجيج ثورتهم والشّعب الفلسطينيّ يؤيدهم، كان القادة السياسيون متلهفين للتوصل إلى تسوية سلمية مع الحكومة البريطانيّة.

  • وقف الانتفاضة

توجه وفد من اللجنة العربيّة العليا في أواخر سبتمبر/ أيلول للاجتماع بالملك عبد العزيز آل سعود والملك غازي والأمير عبد الله، ونتيجة لهذه الاجتماعات والاتصالات بالحكومة البريطانيّة وجه هؤلاء الثلاثة نداء مشتركاً دعوا فيه إلى حل الإضراب ووقف الثورة و”الاعتماد على النيات الطيبة لصديقتنا بريطانيا العظمى التي أعلنت أنها ستحقق العدالة”! وفي اليوم التالي نشرت اللجنة العليا نداءات الملوك والحكام العرب، معلنة أنها حصلت على موافقة اللجان القومية، ودعت الأمة العربيّة والشّعب الفلسطيني للعودة إلى الهدوء ووضع حد للإضراب. سرعان ما توقف الإضراب والثورة، وسمح للعصابات أن تحلّ نفسها بنفسها، كما سمح للثوار القادمين من الدّول العربيّة باجتياز الحدود تدريجيًّا والعودة إلى أقطارهم. وهكذا توقفت ثورة 1936 وانتظرت الشعوب العربيّة ومعهم الفلسطينيون أن تفي بريطانيا بوعودها، وما تزال تلك الشّعوب تنتظر حتى الآن.

كانت ثورة 1937 بداية لسلسلة من الثورات العارمة عمت ريف فلسطين، حيث بدأت أحداث تلك الثورات بعد أن أصدرت لجنة بيل الملكية تقريرًا متحيزًا حول أسباب العنف الذي حدث إبان ثورة 1936، فجاءت معظم توصيات اللجنة لصالح الحركة الصهيونيّة، وكان من بين توصياتها تقسيم فلسطين. وما إن عرف الفلسطينيون بذلك حتى قاموا بثورتهم مستفيدين من خبراتهم في ثورة 1936، فقسموا المناطق بين القادة والتشكيلات وأقاموا جهازًا إداريًّا وقضائيًّا لجباية الضرائب وتنظيم التّطوع والتّموين وفصل الخلافات التي تحدث بين المواطنين. ويمكن القول إنّ ثورة 1936 ثورة مدن دعمها الريف، في حين أنّ ثورة 1937 ثورة ريفيّة آزرها أهل المدن، والسبب في ذلك غياب معظم القيادات الوطنيّة خلف قضبان سجون الاحتلال البريطانيّ، واضطرار الحاج أمين الحسيني إلى مغادرة البلاد. بعد أن قدمت ثورة 1936 أربعة آلآف شهيد و12 ألف جريح عـادت قضية فلسطين إلى دوامة المفاوضات من جـديـد.

بدأت بريطانيا مع اقتراب الحرب العالميّة الثانية تشعر أنّ عليها أن تخفف من قمعها الوحشيّ لتلك الثورة، فأصدرت بيانًا يرضي العرب قليلاً ولكنه لا يحقق مطالب الثوار، فأوعزت إلى الحكام العرب بفكرة الطاولة المستديرة في لندن، تمهيدًا لإصدار الكتاب الأبيض العام 1939، وانتهت بعد ذلك العمليات المسلحة ودخلت حلقة جديدة من دوامة المفاوضات والبحث بعد ذلك في أروقة الأمم المتحدة التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما تزال القضية تراوح مكانها داخل دهاليز المنظمة الدّولية حتى يومنا هذا.

6- المقاومة الفلسطينيّة (1940-1947)

لم تشهد الأراضي الفلسطينيّة في الفترة المذكورة أحداثًا كبيرة بسخونة الأحداث نفسها في المدّة السّابقة، والسبب في ذلك يرجع إلى القبضة الحديدية التي تعاملت بها سلطات الاحتلال البريطانيّ مع الحركة الوطنية وغياب أغلب قادتها إمّا بسبب السّجن أو اضطرارهم للخروج إلى سوريا ولبنان بعد أن ضاقت بهم سبل المقاومة من الداخل.

عاش العرب والشّعب الفلسطيني بعد الحرب العالمية الثانية (1945) آمالًا جديدة، رسم فيها خيالهم قصورًا للحرية والاستقلال نظير وقوفهم مع بريطانيا، لكن أحداث الأيام التي تلت الحرب أحالت تلك الأماني إلى أوهام، فبدأت بوادر العمل المسلح تظهر في الأراضي الفلسطينيّة من جديد.

أعلنت بريطانيا في 29/1/1945 أنها ستبقي باب الهجرة اليهودية مفتوحًا، مخالفة بذلك وعودها التي قطعتها على نفسها من قبل بتنظيم تلك الهجرة، ولكي تخفف من وقع الصدمة على العرب أعلنت عن تشكيل لجنة بريطانية أميركيّة، ووافقت اللجنة العربيّة العليا على التعاون مع اللجنة الأنجلو أمريكية في 20/4/1945، وجاء بيان تلك اللجنة لينص على السماح لمائة ألف مهاجر يهودي جديد بالدّخول إلى فلسطين، وحرية انتقال الأراضي لليهود، وبقاء الانتداب البريطاني على فلسطين.

أدت هذه التوصيات إلى اندلاع المظاهرات في فلسطين وبعض الدّول العربيّة، واستدعى الأمر عقد اجتماع قمة عربي في أنشاص بمصر يومي 28 و29/5/1946 خلص الملوك والرؤساء العرب فيه إلى بيان إنشائي لا تدعمه آليات تنفيذية، وأكدوا على بدهيات لم تكن بحاجة إلى مثل هذا الاجتماع للتأكيد عليها. من ذلك على سبيل المثال “اعتبار القضية الفلسطينيّة قضية العرب جميعاً” و”فلسطين عربية ينبغي مساعدتها للحفاظ على عروبتها”، ومناشدة بريطانيا والولايات المتحدة بأن يكونا أكثر نزاهة في التّعامل مع القضية الفلسطينيّة. وبعد ذلك تشكلت الهيئة العربيّة العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني العام 1946 وأنشأت مكتبًا لها في القاهرة ومكاتب أخرى في فلسطين، ووضعت نظما ولوائح داخلية تضبط عملها.  وقبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين بـ 33 يومًا، قررت الدّول العربيّة إدخال الجيوش النّظاميّة إلى فلسطين، لكن على المستوى الفلسطينيّ الدّاخلي لم تكن هناك بنية تحتيّة عسكريّة مؤهلة لهذه الحرب، فأخذت اللجان القومية تتشكل على عجل وتهتم بتجميع السلاح الذي كانت فلسطين تعاني ندرة شديدة منه.

7- حرب 1948وخسارة فلسطين

نشبت الحرب في 15/ 5/ 1948 بسبب قرار تقسيم فلسطين الصّادر عن الأمم المتحدة في 29/ 12/ 1947، حيث دعت جامعة الدّول العربيّة إلى اجتماع في القاهرة أُعلِن فيه أنّ الحكومات العربيّة ترفض هذا القرار وأنها ستتخذ تدابير كفيلة بإحباطه. وكانت الحركة الصهيونيّة قد تمكنت من بناء قوة عسكرية كبيرة ضمن عدة منظمات عسكرية أهمها الهاغاناه، كما تمكنت بدعم من سلطات الانتداب البريطاني من  إنشاء صناعة عسكرية. أمّا على الجانب الآخر فكان الطرف العربيّ مكونًا من الثوار الفلسطينيين، وجيش الجهاد المقدس، وجيش الإنقاذ، وقوات المتطوعين المصريين. كما تقرر إنشاء جيوش عربية على حدود فلسطين دون دخولها إلى الأراضي الفلسطينيّة والاكتفاء فقط بدعم الفلسطينيين والمتطوعين.

أعلنت بريطانيا في تلك الأثناء عن رغبتها في الانسحاب من فلسطين بتاريخ أقصاه 15/5/1948، وحدث خلال تلك المدّة مجموعة من المذابح قامت بها جماعات صهيونيّة مسلحة، فاتخذت الدّول العربيّة قرارًا بدخول جيوشها إلى فلسطين، وبدأت حشد القوات على الجبهات الرئيسة في مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان. وكانت السّمة البارزة لتلك الحشود هي عدم التنسيق في ما بينها، فقد كان لكل جيش هدف مستقل، كما كانت بداية العمليات أيضًا تفتقد إلى التنسيق، ما حرم الجيوش العربيّة من عامل المفاجأة في تحقيق انتصارات عسكرية. ويضاف إلى هذه الثغرات العسكريّة عامل ضعف أساسي يتمثل في تحكم بريطانيا في تسليح الجيوش العربيّة.

إنّ الجيوش العربيّة حينما دخلت فلسطين وعلى الرّغم من كل تلك الثغرات في 15/5/1948 حققت انتصارات معتبرة، فالقوات المصرية حققت نجاحات ملموسة في القطاع الجنوبي، وتقدم الجيشان الأردني والعراقي قليلًا لكنهما عادا وتوقفا بعد مدّة قصيرة من بدء العمليات ولم يتجاوزا المناطق التي حددت لهما، كما تمكن الجيش السوريّ وجيش الإنقاذ من السّيطرة على معظم الجليل، ولم يكن الجيش اللبناني بعيدًا من عكا.

أرغمت بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية الدّول العربيّة على وقف القتال لمدة أربعة أسابيع وضبط تدفق المتطوعين والسّلاح. وتوقف القتال بالفعل في 11/6 / 1948وعرفت تلك المدّة بالهدنة الأولى. وقد أفادت القوات الصهيونيّة من تلك الهدنة إفادة كبيرة فعززت من قدراتها وزادت من تسلحها في شتى المجالات، ساعدتها في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

تقدمت الولايات المتحدة بمشروع هدنة ثانية قبلته الدّول العربيّة في 18/7/1948، غير أن القيادة الصهيونية خرقت شروط الهدنة في 27 – 28/7 وشنت هجومًا منظمًّا على كل من الفالوجا وعراق المنشية إلا أنّهما باءا بالفشل، فوضعت القيادة الصهيونية خطة جديدة بهدف تحقيق اتصال آمن لها بالجنوب، ولتحقيق ذلك نظمت في أكتوبر/ تشرين الأول 1948 سلسلة من العمليات العسكرية ضد الجيش المصري أبرزها عمليات “الضربات العشر” و”عين” و”حيرام” في الجليل، ونجحت بالفعل في فرض حصار جديد على الفالوجا والتقدم ناحية خليج العقبة، وفرضت سيطرتها على الجليل الأعلى، وأجبرت جيش الإنقاذ على الخروج من فلسطين.

أصدر القادة العسكريون العرب إزاء هذا الموقف العسكري المتدهور، أوامرهم للجيوش بوقف إطلاق النار في 22/10/1948، ولم تلتزم القوات الصهيونية بهذا القرار فتابعت تنفيذ عملية حيرام، كما تابعت تنفيذ عملية أخرى حتى العام 1949 في قرية أم الرشراش المصرية على خليج العقبة والتي أصبحت في ما بعد تعرف باسم ميناء إيلات. انتهت الحرب وبدأ صراع سياسي أسفر عن هدنة مؤقتة في رودس العام 1949.

وكانت النتيجة المروعة لنكبة 1948:

–  ضياع مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينيّة تفوق ما نص عليه قرار التقسيم.

-إقامة الدّولة الإسرائيلية فوق أنقاض الدّولة الفلسطينيّة.

-تهجير آلاف الفلسطينيين إلى الدّول المجاورة وظهور مأساة اللاجئين واستمرار معاناتهم حتى الآن.
– تغيير خريطة الحكم في المنطقة العربيّة وقيام عدة ثورات عقب تلك الهزيمة المرة.

8- العمل المقاوم بعد 1948

دخلت المقاومة الفلسطينيّة طورًا جديدًا بعد حرب 1948، فقد أصبح لزامًا عليها مقاومة دولة ذات مؤسسات أمنية وعسكرية، بعد أن كانت تقاوم عصابات صهيونيّة مدعومة من قبل الاحتلال البريطانيّ.

لم تكد تمر ثماني سنوات حتى شهدت المنطقة عدوانًا ثلاثيًّا، اشتركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر ردًا على تأميمها قناة السّويس على يد الرئيس جمال عبد الناصر، وطال القصف الإسرائيليّ منطقة غزة التي كانت خاضعة للإدارة المصرية آنذاك، بعدها طالبت مختلف القوى السياسية الفلسطينيّة بضرورة إعادة المقاومة المسلحة، فأعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينيّة العام 1964 وحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” التي أعلنت عن أولى عملياتها العام 1965، لكن سرعان ما دخلت المنطقة في حرب أخرى جديدة لم تقل خسائر العرب فيها عن حرب 1948، فقد أخضعت إسرائيل الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقية لسيادتها، واحتلت أجزاء من كل من سوريا والأردن ومصر، وزادت إسرائيل من مساحتها نتيجة تلك الحرب الخاطفة بنسبة 200%.

9- جمال عبد الناصر والمقاومة المسلحة في فلسطين

وهنا لا بدّ من إعادة التأكيد أن فلسطين جزء من الوطن العربي وأنّ الشّعب الفلسطينيّ هو جزء من الأمة العربيّة، وانطلاقًا من هذا كانت رؤية الرئيس العربي جمال عبدالناصر النّظرية لأعماله النّضاليّة العسكريّة في الدّفاع عن فلسطين وفي العمل من أجل تحريرها. ولا ننسى دور القيادة المصرية في عهده في المواقف السياسية وفي المجال الإعلاميّ لدعم القضية الفلسطينيّة حتى أصبح خطاب الرئيس عبد الناصر ينتظره العربي من المحيط إلى الخليج ليكون مرشدًا له في النضال. كان الضباط الأحرار الذين يخططون للقيام بالثورة يفكرون بالعمل الفدائيّ من مصر ضد اليهود في فلسطين ولكن القرار الرسميّ المصريّ بالمشاركة في الحرب سنة (1948) منعهم من تنفيذ خططهم. كان جمال عبدالناصر أحد الضباط الذين قاتلوا في حرب (1948) داخل الأراضي الفلسطينيّة في أسدود والفالوجة وقرى أخرى، وعاش عمليًا تحالف الانتداب البريطاني الصهيونيّ في الاستيلاء على فلسطين (1948)، وانعكس ذلك في رؤيته للقضية الفلسطينيّة وأهمية المقاومة ودعمت فكرة المقاوم في ضرورة التغيير في مصر أولاً والوطن العربي ثانيًّا وقال: “كنا نحارب في فلسطين ولكن أحلامنا كلها كانت في مصر”. إلى جانب عبدالناصر كان كمال رفعت أحد الضباط الأحرار وفي العام (1951) أخذ على عاتقه مع ضباط آخرين مهمة تدريب الفدائيين ضد الاستعمار البريطاني في مصر وهو يعدُّ العقل المدبر للعمليات الفدائيّة في منطقة قناة السويس حتى جلاء آخر جندي بريطانيّ عن مصر، واستخدام خبرته هذه أيضًا في مواجهة العدوان الثلاثيّ، وبعد انتهائه امتد دوره إلى خارج حدود مصر وقد شارك في تدريب الفدائيين الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات فدائية ضد العدو الصّهيونيّ انطلاقًا من الأراضيّ الأردنيّة. بعد الحرب سنة (1948) واحتلال جزء من الأراضيّ الفلسطينيّة تحول العمل الفدائيّ الفلسطينيّ في صراعه مع الاحتلال الصهيونيّ إلى نشاط من الأراضيّ العربيّة: مصر وسوريا والأردن أيّ عابر للحدود إلى داخل فلسطين المحتلة، وبلغ ذروته في المدة ما بين عامي (1949 – 1956) كان مقر الفدائيين الرئيس هو غزة، وقد تشكلت حكومة عموم فلسطين في اكتوبر (1948) التي انتهى دورها على أثر اتفاقيّة رودس في شباط (1948) حيث أخضع قطاع غزة للإدارة المصرية بتكليف من الجامعة العربيّة. وقد تراجع العمل الفدائيّ الفلسطينيّ على أثر العدوان الثلاثيّ على مصر. سنة (1952) أنشأت الحكومة المصرية قوة شرطة فلسطينيّة شبه عسكرية وشرطة الحدود الفلسطينيّة في ديسمبر (1952) ووضعت تحت قيادة اللواء الجويّ المصريّ السّابق عبدالمنعم عبدالرؤوف ورُبِط بعض أفراد الشّرطة بمكتب الحاكم العسكريّ تحت قيادة عبدالمنعم السّحرتيّ لحراسة المنشآت العامة. سنة (1954) أشرفت الحكومة المصرية على إنشاء مجموعات من الفدائيين الرسميين في غزة وشمال شرق سيناء. وكان الجنرال مصطفى حافظ قائد المخابرات العسكرية المصرية هو الذي أسس في قطاع غزة الكتيبة (141) فدائيين لمواجهة الوحدة العسكرية الصّهيونيّة (101) التي شكلها شارون لتنفيذ المهمات الإجراميّة في القرى الفلسطينيّة وفي قطاع غزة. وصلت شعبية هذا الجنرال إلى درجة الهتاف باسمه في قطاع غزة أثناء استقبال عبدالناصر تقديرًا لدوره في تدريب الفدائيين والروح النّضالية التي تمتع بها. اطلق عليه العدو لقب “الشبح” لأنه لم يكن يعرف عنه شيئًا حتى صورته لم تكن معروفة لديهم وعمل الموساد على تصفيته بعد أن أَطلق مكافأة تحت شعار مطلوب حيًّا أو ميتًا بلغت مليون دولار لمن يقدم معلومات عنه واغتِيل بطرد ملغوم. وحسب الوكالة اليهوديّة فإنّه بين (1951 – 1956) لقي (400) صهيونيّ مصرعهم وأصيب (900) آخرين. وقد نفذ الفدائيون في المدّة ما بين أيلول (1955) تشرين الثاني (1956) أكثر من (200) عمليّة فدائيّة: إلقاء قنابل يدويّة وإطلاق نيران على المستوطنات والدوريات العسكرية، والقيام بعمل كمائن للسيارات والآليات ونسف الخزانات وأنابيب المياه وتدمير الطرق والجسور إضافة إلى زرع الالغام والعبوات النّاسفة. أكبر عملية فدائيّة في أيام مصطفى حافظ كانت دخول (300) فدائيّ من قطاع غزة في (6) نيسان (1956) هاجموا مستوطنة “ريشون ليتصيون” وهي تبعد (47كم) عن خط الهدنة و (15كم) عن تل ابيب واستمرت العملية بشكل يومي حتى الثالث عشر من نيسان.

10- انشاء جيش التّحرير الفلسطينيّ

قام عبد الناصر بدور كبير أيضًا في خلق منظمة التّحرير الفلسطينيّة في أيار (1964) أُعلِن في مؤتمر القمّة العربيّ عن إنشائها ورشح احمد الشقيريّ رئيسًا لها وذلك على أثر نشوب صراع بين الاحتلال الصهيونيّ وكل من سوريا والأردن حول استخدام مياه نهر الأردن. وقامت المنظمة بإنشاء جيش التحرير الفلسطينيّ لتقود العمل الفدائيّ ضد الاحتلال وتولت مصر عبدالناصر قيادة ذلك علىأارضها: تدريب وتمويل. وبعد حرب (1967) وعلى أثر معركة الكرامة في آذار (1968) دعم عبدالناصر حركة فتح بالسلاح والمال ونقل قيادة القضية الفلسطينيّة إلى ياسر عرفات. في تشرين الثاني (1969) عقد اتفاق القاهرة بوساطة عبد الناصر بين منظمة التّحرير والجيش اللبناني حيث أعطى الحقّ للفلسطينيين باستخدام الأراضي اللبنانيّة لمهاجمة الاحتلال. جيش التحرير الفلسطينيّ: شكل سنة (1964) على أثر مؤتمر القمة وكان يخضع للدول التي توجد فيها. أول معسكر لجيش التّحرير كان في غزة التي كانت تخضع للسيادة المصرية وذلك في أيار (1964). واشتركت وحدات رمزية في العرض العسكريّ في احتفالات عيد الثورة في (23) تمّوز (1964) باسم جيش فلسطين. وقد فتحت مصر كلّيّاتها ومدارسها العسكريّة لتخريج ضباط متخصّصين ومتمرّسين في فنون القتال واستخدام الأسلحة. وقام جيش التحرير بدور فاعل في حرب (1967) في الدّفاع عن غزة وعرقلة عملية الاحتلال. وفي حرب (1974) قامت قوات عين جالوت بإمرة القيادة المصرية بمهمة الدّفاع خلف منطقة العبور وكانت دورياتها الاستطلاعيّة قد اكتشفت مبكرًا بداية العمليّة الصهيونيّة لاختراق الدّفرسوار وأبلغت عنها وتعاملت معها قتاليًّا حيث صمدت في المواجهة. العلاقة مع الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين: بدأت العلاقة من خلال حركة القوميين العرب برئاسة الحكيم جورج حبش وذلك في مطلع السّتينيات من القرن الماضي. اتُفِق بين الطرفين على تنظيم دورات عسكريّة في “أنشاص” في مصر وكانت تلك الدورات جيدة جدًا حسب وصف الحكيم جورج حبش الذي كان مسؤول الدورة الثانيّة بينما كان وديع حداد مسؤول الدّورة الأولى، وقد شارك أيضًا أبو علي مصطفى بدورة أيضًا ورفاق آخرين. انطلق العمل الفدائيّ لإقليم فلسطين في نهاية (1964) في حركة القوميين العرب وسقط أول شهيد وهو خالد أبو عيشة في (12/11/1964)، كما استشهد كل من محمد اليمانيّ ورفيق عساف وسعيد العبد وأُسر سكران سكران سنة (1966) إذ كان النّضال في إطار “شباب الثأر” التّابع للحركة وإبطال العودة جناح الحركة في منظمة التّحرير الفلسطينيّة، وكانوا نواة الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين. هذه الحقائق تؤكد دور القائد جمال عبدالناصر في دعم العمل الفدائيّ الفلسطينيّ في مقاومة الاحتلال الصهيونيّ على أرض فلسطين ووراء العدو في كل مكان.

وكان والدي سليمان عبد اللطيف الإمام من بين الفدائئين النّاصريين اللذين شاركوا في كثير من العمليات الفدائية داخل فلسطين ، ونال وسام أبطال تشرين ورسالة تهنئة من الرّئيس جمال عبد الناصر.

عادت الجماهير العربيّة تطالب بمحو آثار الهزيمة، ووجدت المقاومة الفلسطينيّة المناخ العربي العام مهيأ لمساعدتها، فتحسنت علاقة الأردن بمنظمة التّحرير وانطلقت من الأراضيّ الأردنيّة بعض العمليات العسكريّة ضد إسرائيل، وقد خشيت المملكة الأردنيّة الهاشميّة من ردود الأفعال الإسرائيليّة إزاء هذا الوضع، فتهيأ المناخ لعمل ما يكون ذريعة لخروج المقاومة الفلسطينيّة من الأردن، فكانت أحداث سبتمبر/ أيلول الأسود العام 1970 التي استدرج فيها بعض المتحمسين الفلسطينيين فاشتبكوا مع بعض الضباط الأردنيين، واشتعل الموقف بدلًا من تدخل العقلاء للتهدئة، واستعمل الجيش الأردنيّ آليته العسكرية الثقيلة، فراح ضحيّة تلك الأحداث الدّامية ألآف الشّهداء والجرحى، في الجانب الفلسطيني.

وأسفرت أحداث أيلول الأسود عن خروج فصائل المقاومة الفلسطينيّة العام 1971 من الأردن على مرحلتين لتكون محطتها التالية في بيروت. وبعد عدة عمليات ناجحة شنتها المقاومة على إسرائيل من الأراضي اللبنانية كان الرد الإسرائيليّ عنيفًا، فقد اجتاح جيش الدّفاع الإسرائيليّ بيروت واشتبك مع المقاومة ودارت بينهما حرب شوارع، وفرض الجيش حصارًا خانقًا على تلك الفصائل اضطرت في نهايته إلى القبول بالشّروط الإسرائيليّة بعد وساطات عربية ودوليّة. وكانت تلك الشّروط قاسية ومؤثرة على نهج المقاومة لأنّها أبعدت المقاومة من الخطوط الأماميّة، فحلت الفصائل وانتقلت المنظمة إلى تونس لتمارس من هناك عملًا آخر ساحته موائد المفاوضات بدلا من خنادق الحروب.

في كشف لملف سري للسفير الروسي إلى القاهرة في أوائل السبعينيات والذي أصبح بعد ذلك نائب وزير خارجية الإتحاد السوفياتيّ ومن ثم وزير خارجية الاتحاد الروسيّ فلاديمير فينوغرادوف، نطلع على أول ركن من أركان ضرب هذه الأمة في الصّميم من خلال اتفاق إسرائيليّ أمريكي مع السّادات لشن حرب تعيد الولايات المتحدة إلى منطقة الشّرق الأوسط وتعزّزّ قوة إسرائيل وتقضي قضاءً مبرًما على الجيش السوري وفق المخطط.

وثّق فينوغرادوف في هذا الملف خيانة السّادات للأسد، ولمصر، والعرب في حرب أكتوبر 1973 وأن هذه الحرب قد خُطِط لها من قِبَل غولدامائير والسّادات بوساطة ورعاية هنري كسينجر.

لقد قام السّادات بعد الحرب بإبعاد أو سجن كل رفاق جمال عبد الناصر، وأخرج الاتحاد السّوفياتيّ من مصر  وأعاد الولايات المتحدة إلى المنطقة كوسيط بين العرب وإسرائيل في مؤتمر جنيف، وبعد ذلك مؤتمر كامب دافيد الذي أخرج مصر من معادلة الصراع العربيّ الإسرائيليّ بعد أن وجه ضربة قوية للجيش السوري الأمور التي نتج عنها ظهور دول الخليج كشريك أساسي للولايات المتحدة ، شريك تبنىّ الدّولار عملة أساسية لبيع النفط وشكّل  بذلك عمليّة إنقاذ للخزينة الأمريكيّة التي وصل احتياطيها من الذّهب إلى أدنى مستوى له في العام ١٩٧١.

وهنا فإن التّاريخ يثبت دون أدنى شك أن كلّ من زرع الخيانة والغدر لأبناء قومه حصد الْخِزْي والعار وسوء العاقبة في الدّنيا قبل الآخرة وأورث بلداننا كلها جميعًا إرثًا صعبًا من الضعف والتشتت والهوان ما تزال جماهيرنا الغفيرة تحصد نتائجه الشائنة إلى يومنا هذا.

زادت قناعة رجل الشّارع الفلسطيني باستحالة التوصل إلى حل للقضية الفلسطينيّة من دون تحرك شعبيّ داخليّ، خاصة في ظل أجواء من انحسار الاهتمام العربيّ بالقضية الفلسطينيّة واكتفاء معظم الدّول العربيّة بتسجيل مواقف خطابيّة إعلاميّة من دون أن يتعدى ذلك إلى تحرك عملي تشعر معه إسرائيل بالضغط عليها، هذا إضافة إلى شعور منظمة التحرير الفلسطينيّة بالعزلة الدّوليّة منذ أن غادرت بيروت العام 1982 متوجهة إلى تونس… كل ذلك مع ازدياد الأعمال الإجراميّة للقوات الإسرائيليّة من قصف للقرى والمخيمات في الجنوب اللبنانيّ وهدم المنازل والاعتقالات العشوائيّة والعقاب الجماعيّ لأهالي الضفة الغربية وقطاع غزة، أدى إلى أن يجد الغضب الجماهيري متنفسًا له في صورة انتفاضة شعبيّة عمت كل المدن الفلسطينيّة. استمرت الانتفاضة حوالي ثلاث سنوات، ظهرت خلالها بطولات فردية، لكن في المقابل كانت القوات الإسرائيليّة ترد بعنف، وابتكرت سياسة تهشيم العظام لتسبب إعاقة دائمة للشّباب الفلسطينيين المشاركين في الانتفاضة. وتحمست الشّعوب العربيّة لما يحدث في الأراضيّ المحتلة، وتحسن الموقف السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينيّة.

ولكن… كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد والتي تعدى تأثيرها السلبي القضية الفلسطينيّة ليمتد إلى النظام العربيّ بأكمله، وهي غزو العراق للكويت وما أعقبه من حشد الولايات المتحدة الأميركيّة الرأي العام الدّولي ضد العراق، وقيام قوات التّحالف الدّوليّ بشن غارات قاسية على الجيش العراقيّ والمدن العراقية أجبرت في نهايتها العراق على الانسحاب من الكويت.

أمّا تأثير ذلك على الانتفاضة فيظهر في سحب حرب الخليج الثانية البساط من تحت أقدامها، وتغييرها لأولويات الاهتمام العربيّ والدّوليّ، فلم تعد القضية الفلسطينيّة تأخذ من الاهتمام ما كانت تحصل عليه قبل الغزو العراقي .وأمّا التأثير الثاني فكان نابعًا من الموقف السياسي الذي اتخذته بعض الدّول الخليجيّة بالاستغناء عن معظم العاملين الفلسطينيين، ردًا على الموقف السياسيّ الذي اتخذته منظمة التّحرير والذي فسرته الدّول الخليجيّة بأنه مؤيد للعراق، وقد حرم ذلك الإبعاد الفلسطينيين في الدّاخل من رافد اقتصاديّ مهم.
بعد انتهاء حرب الخليج دخلت المنطقة العربيّة في طور جديد رسمته الولايات المتحدة الأميركية في ما أطلق عليه بالنّظام العالمي الجديد، فعقد مؤتمر مدريد للسلام، شاركت بعده منظمة التّحرير الفلسطينيّة في مفاوضات سرية مع إسرائيل تمخضت عن التوصل إلى اتفاق أوسلو 1994 وبروز السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة على مسرح الأحداث.

بعد فشل مفاوضات كامب ديفد الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000 اندلعت انتفاضة الأقصى التي أشعل شرارتها الأولى زيارة زعيم حزب الليكود المتشدد أرييل شارون للمسجد الأقصى، في ظل تزايد دعوات بهدمه وإقامة ما يسمى بهيكل سليمان مكانه.  واستعملت القوات الإسرائيليّة مختلف أنواع الأسلحة في إخمادها، فقصفت غزة ورام الله بالطائرات ودمرت بعض مقرات حركة فتح، وطال القصف مكاتب تابعة للرئيس ياسر عرفات نفسه، وسقط من الفلسطينيين مئات الشهداء وآلاف الجرحى. وإن كانت هناك تحركات سياسية تسعى للتوصل إلى حل يوقف حمامات الدم، وربما يحقق بنودًا سرية اتُفِق عليها من قبل.

فقد بقيت الانتفاضة مشتعلة، وذلك لأنّها ذاقت طعم النّصر في لبنان، فتنفست الصّعداء وتأملت بالنّصر القريب بعد أن انسحب جيش الكيان الإسرائيليّ من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة المتمثلة بحزب الله، وبعد مخاطبة الأمين العام لهم بأن النّصر آتٍ وأنّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت ، ولقد شهدنا عبر وسائل الإعلام مطالبة فلسطينيي ال48 كيف استقبلوا صواريخ المقاومة في الـ2006 بالتّرحاب وأخذوا يناشدونها أن تكثّف وتكمل الحرب حتى ولو نزلت الصّواريخ المقاومة على صدورهم وفي هذا دلالة على شوق الفسلطينيين لمثل هكذا مقاومة.

11- الثورة الإسلاميّة في ايران وقضية فلسطين

كان ضمن استراتيجيّة «إسرائيل» التي وضعها بن غوريون في خمسينات القرن الماضيّ محاصرة الدّول العربيّة ومحاربتها عن طريق الدّول الإسلاميّة المحيطة بها خاصة تركيا وإيران، ونجحت «إسرائيل» في صياغة سياسة تحالف استراتيجيّ مع هاتين الدّولتين في عهد شاه إيران محمد رضا بهلوى، والحكام الأتراك العسكريين. واستمرت هذه الحال إلى أن جاءت الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة فقلبت الطاولة على رؤوس الإسرائيليين ومعهم الأميركيين. وأصبحت مدافعًا استراتيجيًّا بالعقيدة والفكر والموقف والكلمة والدّعم المادي والمعنويّ، والعمل والنّشاط السياسيّ والدّبلوماسيّ والتّعبئة الشّعبيّة والسياسة الخارجيّة عن فلسطين والقضية الفلسطينيّة.

بعد أن أخرج السّادات مصر من معادلة الصراع العربيّ الإسرائيليّ، وبسبب رعاية الله عز وجل لهذه القضية المقدسة ، ظهرت إيران على ساحة الأحداث بعد انتصار ثورتها.

فلقد ارتبط الإمام الخميني(ق.س) بالقضية الفلسطينيّة قبيل الثورة المباركة التي قادها للإطاحة بشاه إيران الطاغية المستبدّ، إذ أصدر العام 1968 أول فتوى تصدر من عالم دين إسلاميّ، تحث المسلمين على الدّعم والتبرّع للثورة الفلسطينيّة بأموال الزّكاة وغيرها حتى تستمرّ في مقاتلة العدو الصهيونيّ من أجل تحرير فلسطين ورفع الظلم والحيف الذي حاق بالشّعب الفلسطينيّ، وكان لهذه الفتوى تأثير كبير على المسلمين نظراً لأهمية ومرجعية الرجل الذي أصدرها، أيّ الأمام الخميني الذي هو من أهمّ المراجع الإسلاميّة المعاصرة وبعد نجاح الثّورة رفع الإمام الخميني (ق.س) شعارًا استراتيجيًّا مصيريًّا إذ قال: “اليوم إيران وغدا فلسطين”. قام فورًا بإغلاق السّفارة الإسرائيليّة وطرد الإسرائيليين ووجه دعوة للقائد الشّهيد ياسر عرفات للقيام بزيارة رسمية إلى طهران، ولأول مرة في تاريخ حركات التّحرير في العالم تقوم الطائرات الإيرانيّة المقاتلة بمرافقة طائرة عرفات عند دخولها الأجواء الإيرانيّة، ومعاملته معاملة الرؤساء الكبار وليس كرئيس منظمة فحسب، وأُعِدَّ استقبال رسميّ وشعبيّ كبير لعرفات الرئيس الأول في العالم الذي قابل الإمام الخميني بُعيد انتصار الثورة.
قامت الثورة الإيرانيّة بتسليم عرفات مفاتيح السّفارة الإسرائيليّة التي تحولت إلى سفارة فلسطينيّة، وعيّن هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح كأول سفير فلسطينيّ في عاصمة الثورة الإيرانيّة، ومنذ تلك اللحظة قدّمت الثّورة الإسلاميّة كلّ دعم للفلسطينيين وثورتهم، حتى أنّ الرئيس عرفات كان يفاخر ويردّد في تصريحاته أنّ جبهتي تمتدّ من خراسان في إيران إلى صور في جنوب لبنان، وذلك أيام كانت لبنان قاعدة الثورة الفلسطينيّة. وامتدّ الدّعم الإيرانيّ المتواصل للشّعب الفلسطينيّ على جميع المستويات، انطلاقًا من مبادئ الثورة الإسلاميّة التي ترى أنّ أرض فلسطين هي أرض إسلاميّة يجب على جميع المسلمين المساهمة في تحريرها، وأنّ «إسرائيل» ليست سوى كيان مغتصب خلقه الاستكبار العالميّ في قلب العالم الإسلاميّ، وأنّها بصفتها قاعدة للإرهاب العالميّ وخنجرًا مسمومًا في قلب الوطن العربيّ الإسلاميّ تشكل أكبر تحدّ يواجه العالم الإسلاميّ اليوم وتؤدي دورًا شريرًا وشيطانيًّا في إبقاء العالم الإسلاميّ منقسمًا، وذلك أنّ «إسرائيل» المتحالفة استراتيجيًّا مع الغرب، تريد أن يبقى العالم الإسلاميّ متخلفًا علميًا وتقنيًّا وثقافيًّا وصناعيًّا واقتصاديًّا حتى تكون هي القوة الإقليميّة الكبرى التي ترسم السياسات في المنطقة للسيطرة عليها وإبقائها تحت رحمتها ورحمة الغرب الذي يستمرّ في نهب موارد هذه المنطقة تحقيقًا لمصالحه الحيوية لهذا قامت الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة المباركة بإطلاق ثورة ثقافيّة لتصحيح المفاهيم والمصطلحات التي كانت سائدة قبل الثورة، وبهذا حدّدت الثورة العدو من الصديق وأصبح الحديث عن العدو الصهيوني، الكيان الغاصب، والشّعب الفلسطينيّ المظلوم، “يوم القدس” فلسطين المحتلة، المقاومة الفلسطينيّة، المقاومة الإسلاميّة، الجهاد الإسلاميّ، الاستكبار العالميّ، الشّيطان الأكبر، تحرير فلسطين، الأمة الإسلاميّة، جيش القدس، حكام تل أبيب المجرمين، مجرمو الحرب الصهاينة إلخ… وركز الخطاب السّائد على توحيد ووحدة الأمة الإسلاميّة من دون النّظر إلى الاثنيات أو المذاهب. وتبنّت وسائل الإعلام الإسلاميّة الإيرانيّة المسموعة والمقروءة بكلّ اللغات الفارسيّة والعربيّة والإنجليزية استراتيجيّة إعلاميّة واضحة للدّفاع عن القضية الفلسطينيّة وكشف الوجه الصهيوني الزائف، ومن يشاهد قناتي «العالم» و«الكوثر» الناطقتين بالعربيّة أو قناة Press T.V الناطقة بالإنكليزية، يظنّ أنها قنوات فلسطينيّة خالصة! من حيث حماسها ودفاعها عن القضية الفلسطينيّة والبرامج المخصّصة لهذه القضية المقدّسة، وترسيخًا لسياستها الاستراتيجيّة نحو فلسطين قامت الثّورة الإسلاميّة باتخاذ العديد من الخطوات للدّفاع عن القضية الفلسطينيّة نذكر منها:

  • فتح معاهدها العلميّة للطلبة الفلسطينيين لتلقي العلوم والتدريب في مختلف صنوف المعرفة.
  • احتضان التنظيمات الفلسطينيّة المجاهدة خاصة حماس والجهاد الإسلاميّ، وقدّمت كلّ الدّعم الماليّ والماديّ والمعنويّ الضروريّ من دون أيّ نظرة مذهبيّة ضيقة، بل اتسع قلب الثورة الإسلاميّة لجميع الفلسطينيين بغضّ النّظر عن الدّيانة أو المذهب.
  • الاحتفال بيوم القدس وتسيير التّظاهرات المليونيّة في هذه المناسبة وتعبئة الشّعب الإيرانيّ نحو فلسطين والقدس وأهمية تحريرها وواجب المسلمين جميعًا في تحريرها بصرف النّظر عن المذهبية.
  • تسيير تظاهرات في مختلف المدن الإيرانيّة في المناسبات المختلفة للدّفاع عن الشّعب الفلسطينيّ خاصة أثناء الحرب الصهيونيّة ضدّ قطاع غزة أو الضفة الغربية.
  • الدّفاع في الأمم المتحدة وأمام كلّ المنظمات العالميّة والإقليميّة والأمميّة ومنظمات حقوق الإنسان عن حقّ الشّعب الفلسطيني في العودة والتحرير وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي طردهم منها العدو الصهيوني بقوة السلاح وتعويضهم عما لحق بهم من ظلم وعدوان وتشريد.
  • حث علماء المسلمين بصرف النّظر عن المذهب على تبني القضية الفلسطينيّة والدّفاع عن الشّعب الفلسطيني وحقوقه والوقوف في وجه الاستعمار الصهيوني الاستيطاني العنصري، الاستكبار العالمي الغربي الذي يقف معه.
  • عدّ القضية الفلسطينيّة من المرتكزات السياسة الخارجية الإيرانيّة المهمّة وهذا ما نراه في كلّ اللقاءات والاجتماعات الإيرانيّة مع الدّول الأخرى، حيث تكون القضية الفلسطينيّة حاضرة في البيانات والتّصريحات والتحركات بوصفها قضية إيرانيّة بامتياز من منطلقات مبدئيّة كما أسّسها قائد الثورة الإمام الخمينيّ.
  • الرسالة الشّهيرة التي أرسلها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى الرئيس الأميركي السّابق جورج بوش التي فضح فيها الظلم الفادح الذي ألحقه العدو الصهيونيّ والاستعمار الأميركيّ بالشّعب الفلسطيني، وقد طلب من الرئيس الأميركيّ إعادة حقّ الشّعب الفلسطينيّ وعودته إلى وطنه المغتصب فلسطين، هذه الرسالة التي لم تصدر عن أيّ زعيم أو حاكم عربيّ! بل إنّ الرئيس نجاد تحدّى بوش أن يقابله في مناظرة حول القضية الفلسطينيّة وقضايا أخرى تمسّ كرامة وحرية الإنسان. بل والجرائم التي ترتكبها أميركا باسم الدّيمقراطية والحرية وما أطلقوا عليه اسم «الفوضى الخلاقة» أو «الشّرق الأوسط الجديد»، أو «الكبير»… وما إلى ذلك من تسميات…

– مطالبة المجتمع الدّولي بمحاكمة قادة «إسرائيل» الصهاينة كمجرمي حرب لارتكابهم جرائم حرب ومذابح ضدّ الشّعب الفلسطيني.

– المطالبة بإنهاء الاحتلال ورفع الحصار الإجراميّ الذي تفرضه دولة البغي والعدوان «إسرائيل» الصهيونية بالتواطؤ مع النظام الأميركي وبعض الأنظمة المتعاونة معها.

إنّ إيران سند كبير للشعب الفلسطيني وقضيته وهي قوة الممانعة والمقاومة للمشاريع الاستعمارية والإمبريالية والصهيونية في المنطقة، ويكفي أن ندرك أهمّية الدور الكبير الذي تؤديه إيران في صمود هذه المنطقة بمقارنتها بإيران الشاه التي كانت خادمة للامبريالية. أنّ إيران القوية الممانعة المانعة هي وراء صمود ومقاومة سورية وحزب الله وحماس والجهاد الإسلاميّ، وكلّ قوى الممانعة في منطقتنا وهي في الخندق الأمامي دفاعًا عن أمتها الإسلاميّة والقضية المركزية للأمة الإسلاميّة أيّ القضية الفلسطينيّة.

12- العمل على مراكمة القوة

تتجاوز القوة الفلسطينيّة إلى مراكمة القوة العربيّة والإسلاميّة الدّاعمة للشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته، خاصة الدّول والقوى التي تتبنى فلسطين القضية والمقاومة، فهي جزء أساسيّ من مراكمة القوة استعدادًا لحرب التّحرير،  وهي الرؤية نفسها التي تبنتها منظمة التحرير الفلسطينيّة في ميثاقها الوطني بوصف مسؤولية تحرير فلسطين واجب قوميّ عربيّ إلى جانب أنّه واجب وطنيّ فلسطيني” وهي رؤية حركتيّ حماس والجهاد لتحرير فلسطين كواجب وطنيّ فلسطينيّ وقوميّ عربيّ ودينيّ وإسلاميّ.

تُناسب مُراكمة القوة دول مستقلة أو مجموعة دول مُتحالفة في مواجهة دول أخرى أو مجموعة دول متحالفة أخرى، ولكنها لا تناسب حركات مقاومة وتحرر وطني تحت الاحتلال والحصار، والذي يناسبها أكثر هو مشاغلة العدو بأساليب حرب العصابات، وفي الحالة الفلسطينيّة الخاصة في قطاع غزة بإطلاق الصواريخ كسلاح ردع للعدوان، وضرب للكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني في أمنه واستقراره، وإحداث التّكامل بين المُراكمة والمُشاغلة كنهج ثابت يعني استمرار المواجهة مع العدو الصهيونيّ، واستنزاف طاقاته وقدراته، وزعزعة أمنه واستقراره لإجباره على الرحيل عن أرضنا، وصولًا إلى التّحرير الكامل لفلسطين، بمجهود كل الأمّة العربيّة والإسلاميّة وطليعتها الشّعب الفلسطينيّ.

وتأكيدًا لذلك كتب الشّهيد فتحي الشّقاقيّ “الجهاد يجب أن يستمر بلا توقف لإضعاف العدو… نحن نرى في جهادنا دعوة لاستنهاض الأمّة كي تنهض وتتوحد وتتوجه إلى بيت المقدس… ليس أمامنا من خيار سوى خيار وحيد ألا وهو حشد طاقات الشّعب الفلسطينيّ، ورصّ الصّفوف واستمرار الجهاد والمقاومة واستنهاض الامة العربيّة والإسلاميّة من حول قضيتها المركزية والمقدسة.

عندما نقول إنّ الحلّ هو استمرار الجهاد ندرك أنّ تحرير فلسطين مسألة صعبة ولن تتم غدًا أو بعد غد، هذه رحلة طويلة، لكننا من خلال قناعتنا أنّ الأمة العربيّة والإسلاميّة قادرة على مواجهة الهجمة وتحقيق الانتصار في ما لو انتظمت مفردات القوة الموجودة بالفعل في سياق فعل جاد، في هذه الحالة ستكون الأمّة قادرة على تحقيق النّصر.

رأى ممثل “حركة الجهاد الإسلاميّ” في لبنان إحسان عطايا: “أن الدور المهمّ الّذي يجب أن تتخذه القيادات الفلسطينيّة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ أمتنا هو عقد لقاء جامع على أعلى المستويات، من أجل اتخاذ إجراءات عملية تنقلنا من مرحلة المفاوضات لإقامة حكم ذاتي أو شبه دولة إلى مرحلة التحرر الوطني، كي نستطيع من خلالها أن نحرر كل أرضنا المحتلة”.

وقال عطايا في مقابلة لـ”قناة العهد” على هامش اجتماع المؤتمر الشّعبي الفلسطيني الخارج المنعقد في اسطنبول: “اليوم سقطت مشاريع التسوية، وأثبت مشروع المقاومة جدواه، وما شاهدناه في المواجهات الأخيرة بين المقاومة في غزة والاحتلال الصهيوني أكبر دليل على ذلك”. وأوضح أن “العدو الصهيوني مأزوم جدًا من قدرة المقاومة، وحاول أكثر من مرة نزع سلاحها، ولكنه دائمًا كان يفشل ويصطدم بمقاومة جبارة، واليوم يحلم نتنياهو عبر ما يسمى بصفقة القرن من أجل تحقيق هذا الهدف”.

وطالب عطايا القيادات الفلسطينيّة أن “تعي مخاطر هذه الصفقة، وتتمسك بعناصر القوة التي تمتلكها.

“وأكد على ضرورة عدم السماح بالمس بسلاح المقاومة، وألا نقدم ما تبقى من فلسطين على طبق من فضة للعدو الصهيوني”. وقال: “لا بد من وقفة جدية واتخاذ قرار جريء من قبل القيادات الفلسطينيّة، ولا سيما في ظل الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن”.

وأضاف: أن “رفض السلطة لصفقة القرن هو أمر إيجابي، ولكنه يستلزم خطوات عملية أخرى حتى نخرج من القمقم ومن عنق الزجا جة نحو المشروع الوطني التحرري، وتفعيل انتفاضة شاملة، والمحافظة على استمرار المقاومة بشكل فعَال، لأنّ هذه المقاومة هي الركيزة والضمانة الأساسية لتحرير فلسطين، مدعومة بتلاحم عربي وتضامن كل أحرار العالم من أجل استرجاع كامل الأراضي المحتلة، وعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها”.

13- قادة مقاومين برتبة شهداء على درب فلسطين

في الحديث عن علاقة الشهيد الجنرال قاسم سليماني بفلسطين ، هناك قصص مخبّأة ربما ستظهرها الأيام القريبة. لكن معرفة النزر اليسير منها يكفي لفهم ما كانت تعنيه فلسطين، والقدس خصوصًا، لقائد «فيلق القدس». وإن كانت علاقة سليماني بفلسطين قد بدأت منذ شارك في طلائع الثورة الإسلاميّة في إيران، فإنها أخذت مسارها عسكريًّا وإداريًّا سنة 1998، عندما استلم قيادة الفيلق، وهو جزء من «حرس الثورة»، خَلَفًا لأحمد وحيدي الذي أدار هذا الملف لسبع سنوات. منذ ذلك التاريخ وحتى استشهاده، قاد سليماني الفيلق الشّهير 21 سنة، شهدت خلالها فلسطين انتفاضة الأقصى الثانية (2000) التي تَلَتْها نقلة نوعية في قدرات المقاومة الفلسطينيّة، ما عادت خافية على أحد.

“تقريبًا لا يوجد في فلسطين صاروخ، أو حتى بندقية، ليست عليها بصمة سليمانيّ”، يقول قيادي في المقاومة أنّ “من يعرف كيف كان يتعامل الحاج مع فلسطين لا يرى في هذا الكلام أيّ مبالغة… صحيح أنه يهتمّ بأدق التفاصيل في كلّ خطواته والمعارك التي خاضها، لكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين تصير التفاصيل عشقًا هذه التفاصيل هي التي قادت الشهيد إلى الإشراف شخصيًّا على إيجاد طريق للصواريخ والأسلحة كي تصل القطاع وتُغيّر المعادلات، التفافًا من الخليج إلى البحر الأحمر، فالقرن الأفريقيّ، مرورًا بإريتريا ثمّ السّودان حيث المصانع المُخصّصة لتجميعها، قبل أن تُرسَل إلى المقاومة عبر شبه جزيرة سيناء. كان هذا المسار الأول لرحلة الصواريخ قبل أن يُؤخذ القرار بأن تصنع غزة سلاحها بأنواعه. “عندما كان الوضع صعبًا في سيناء، في مراحل عدة، وكانت المقاومة بحاجة ماسة إلى السّلاح، غامر الحاج بفكرة أن تعبر السّفن قناة السويس وتلقي الأسلحة ببراميل بعد دراسة التّيارات البحريّة الواصلة إلى غزة، يروي القياديّ، مضيفًا أن “المقاومين كانوا يدخلون مسافة قصيرة في البحر ويلتقطون غالبيتها… التوفيق الإلهي عاملٌ أساسي في عمل الشهيد سليمانيّ”.

بعد خروج العدو الإسرائيلي من غزة العام 2005، صارت فكرة «تسلّل» الحاج إليها مطروحة عنده فعليًّا. هل دخل إلى القطاع؟ “ثمة حديث عن دخول الشهيد عماد مغنية مرة. لا أحد يستطيع أن يؤكد هذا الشيء. لكن سليماني كان يذكر هذا الأمر، وأحيانًا ما بين المزح والجدّ. الفكرة كان أمامها موانع كثيرة… عمليًّا لم تَقْوَ شوكة المقاومة وتبسط سيطرة فعليّة على غزة إلا بعد سنوات”، كان الرجل متابعًا دقيقًا لكلّ ما يتعلق بفلسطين، ليس في الشؤون العسكريّة والأمنيّة فقط، بل وأيضًا التّاريخيّة والجغرافيّة وحتى التراثيّة. وقد أنشأ وحدات متعدّدة المهمّات في الملف الفلسطينيّ، مثل الإعلاميّة والسيبرانيّة والحرب النفسيّة… إلخ. “تابع كلّ شاردة وواردة في فلسطين”. وثمة مثال بسيط على عمق العلاقة: “لمّا قرّرَت حماس تعديل ميثاقها السياسي، بادرت بأن أرسلت إليه نسخة للاطلاع عليها بعد أن اعتمدها مكتبها السياسيّ، لكي تأخذ ملاحظاته قبل أن تعلن الميثاق”. لما أعلن ترامب القدس «عاصمة لإسرائيل» سارع سليمانيّ إلى الاتصال بغزة أمّا ما حصل عليه سليمانيّ من تسهيلات كبيرة من القيادة السّورية للمقاومة الفلسطينيّة، فكانت توازي ما أخذته تلك الفصائل تلقائيًّا من دمشق خلال سنوات العلاقة الطويلة بينها. يجزم كلّ العارفين بالعلاقة أن سليمانيّ لم يقطع، حتى في أسوأ مراحل التّوتر بين “حماس” وإيران، التّواصل مع الحركة، ولاسيما جناحها العسكريّ الذي استمرّ في تزويده بالسّلاح والمال من دون تأخير أو منع. كان هذا ثابتًا أساسيًّا لدى سليمانيّ: “لا شيء يمنعنا من أن ندعم فلسطين حتى لو خضنا مواجهة مباشرة مع أيّ فصيل فلسطيني! وبمجرد أن انتهت المعارك الكبرى في سوريا، سارع الجنرال إلى تحسين العلاقات بين أطراف المحور كافة، فأصلح كثيرًا منها وخفّض حدّة التوتر في أخرى، على أن يأخذ الوقت مداه في حلّ ما تبقى”.

حتى الأسابيع الأخيرة، أجرى سليماني لقاءات مع عدد كبير من القياديين الفلسطينيين، العسكريين والسياسيين، دارسًا معهم بالتفصيل احتياجاتهم الملحّة في ضوء الضغوط الاقتصاديّة المتصاعدة على محور المقاومة، ومُقيِّمًا معهم المواجهات الأخيرة مع العدو الإسرائيليّ. يستذكر قياديون أنّه في الشّهر الأخير من العام 2017، لما أعلن دونالد ترامب القدس “عاصمة لإسرائيل”، اتصل سليماني بقيادة “كتائب القسام”، الذّراع العسكرية لحركة “حماس”، و”سرايا القدس”، الجناح العسكري لـ”الجهاد الإسلامي”، في غزة. كان الاتصال مباشرًا و”حميميًّا”، وفيه تأكيد من الحاج لاستمرار “الدعم المفتوح” لفصائل المقاومة كي تكون “جاهزة للدفاع عن المسجد الأقصى”. لم يحدّد لهم الآليات والكيفيّة، كما العادة، بل قال إن “كلّ مقدّراتنا وإمكاناتنا تحت تصرفكم في معركة الدفاع عن القدس”.

استنتاجات

1- واخيرًا يمكننا القول إنّ أسباب فشل المقاومة الشّعبية الفلسطينيّة بعد هذا العرض التاريخي الطويل تعود إلى العوامل التالية:

أولاً: غياب الاستراتيجيّة الملاحظ على مسيرة المقاومة الفلسطينيّة عبر هذه السنين الطويلة أنها تندلع كردود أفعال وليست كاستراتيجيّة منظمة طويلة الأمد، فتختلف قوة المقاومة -سواء أكانت سياسيّة أو هبات شعبيّة- بحسب قوة المثير. يلاحظ ذلك على أول تحرك شعبي فلسطينيّ العام 1898 حينما قام أهالي منطقة جرش بالهجوم على مستوطنة صهيونية أقيمت في منطقتهم، مرورًا بالانتفاضات الشّعبية التي شهدتها المدن الفلسطينيّة في العشرينات والثلاثينات احتجاجًا على أفواج الهجرة اليهودية التي تواصلت دون انقطاع تحت سمع وبصر بل وبمساعدة حكومة الانتداب البريطانية، ووصولاً إلى انتفاضة الأقصى العام 2000 التي أشعل فتيلها زيارة الزّعيم الصهيونيّ المتطرف أرييل شارون للمسجد الأقصى، في ظل دعوات متزايدة بهدمه وإقامة ما يسمى بهيكل سليمان على أنقاضه.

وقد نجم عن هذه الحالة عدم استثمار للغضب الجماهيري في ما يعود بالنفع على القضية الفلسطينيّة، فبعد أيام أو أسابيع تطول أو تقصر من الهبة الشّعبية يسقط خلالها عدد من الشهداء، تتوسط قيادات محلية أو عربية لإعادة الهدوء إلى السّاحة الفلسطينيّة، ويستجيب الشّعب الذي يريد عودة الأمور إلى طبيعتها بعد توقف مرافق الحياة الأساسيّة الخدميّة والإنتاجيّة، وهذا ما ظهر بجلاء في الانتفاضات الشّعبية التي قام بها الفلسطينيون في أعوام 1920، 1921، 1923، 1924، 1929 .

ثانيًا: ضعف القيادة

باستثناء بعض القيادات القليلة التي تعد على أصابع اليد الواحدة، افتقدت المقاومة الفلسطينيّة في صراعها مع الكيان الصهيوني القيادات التّاريخيّة المؤهلة للأخذ بزمام مقاومة طويلة النفس سواء في الداخل أو في الخارج. وتميز فكر قادة الحركة الوطنيّة بالضبابيّة والافتقاد إلى الرؤية الواضحة، فبينما هم يسعون للحصول على حلول سياسية، لا يعملون بالقدر نفسه على تحقيق عناصر قوة تساعدهم في بلوغ أهدافهم السياسية مما جعل تلك الأهداف تتحول إلى أحلام وأمانٍ.

ثالثًا: فقدان الإرادة السياسيّة العربيّة

على الرّغم من الدّعم السياسيّ والاقتصاديّ والعسكريّ الذي تلقته القضية الفلسطينيّة فإنّ ثماره لم تظهر، وكانت لهزيمة الجيوش العربيّة العام 1948 على سبيل المثال أكبر الأثر في ضياع كل الأراضي الفلسطينيّة آنذاك باستثناء الضفة والقطاع. ويقاس على المثال العسكري هذا أمثلة أخرى اقتصادية “الدّعم المالي لمنظمة التحرير الفلسطينيّة” وسياسية “مطالبة المجتمع الدّولي بتطبيق قراري الأمم المتحدة 242 و338 بشأن القضية الفلسطينيّة”. إلا أنّ هذا الدّعم غير كاف من جهة، ويفتقد إلى الإرادة السياسيّة الصادقة لجنيّ ثماره من جهة أخرى، ويُستدل على ذلك من عدم استجابة الأنظمة العربيّة لمطالب شعوبها بقطع علاقاتها العلنيّة والسّرية مع إسرائيل، أو التلويح باستخدام سلاح النّفط أو مقاطعة السلع الأميركيّة -بما فيها صفقات الأسلحة- للحصول على مكاسب سياسيّة للقضية الفلسطينيّة، وساعد على ذلك أيضًا ضعف بنية النّظام العربيّ ذاته نتيجة عوامل داخليّة متراكمة منذ الخمسينيات، والشّرخ الذي لم يندمل بعد إثر غزو العراق الكويت (1990-1991).

رابعًا: تغير الظروف الدّولية

أثر انهيار الاتحاد السوفييتي وسيادة ما سمي بالنظام الدّولي الأحاديّ القطبيّة على القضية الفلسطينيّة، وظهر ذلك جليًّا من التحيز الأميركيّ لصالح إسرائيل، واستعمالها الدّائم لحق النقض (الفيتو) في أي قرار يصدر من مجلس الأمن فيه إدانة لإسرائيل، هذا إضافة إلى الدّعم الماليّ والسياسيّ والعسكريّ الذي يهدف إلى تفوق إسرائيل على نظيراتها من الدّول العربيّة، وهو ما يعدُّ من ثوابت السياسة الخارجيّة الأميركيّة.
ظهرت بوادر المسيرة السلمية في عقد السبعينيات واكتسبت صبغة رسمّية من خلال مؤتمر مدريد للسلام العام 1991، ثم توجتها اتفاقية أوسلو وما نجم عنها من تشكيل سلطة وطنية وحكم ذاتي محدود في الضفة والقطاع، بناء على شروط للتعاون الأمني جعلت من السلطة حائط عزل بين الشّعب الفلسطيني واليهود، ما أثر على المقاومة بشكل كبير.

2- أسباب النصر في حرب 2006 وخلق توازن الرعب في المنطقة

من هنا نستنتج أنّ الدّعم الكبير وغير المحدود- سياسيًّا وعسكريًّا وماديًّا- الذي حظيت به المقاومة والشّعب اللبناني من قبل الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، والجمهورية العربيّة السورية ساهم في نجاحها وفي حرب ال33 يوم سنة 2006 ، لم يتوقف الأمر عند حدود فشل أهداف العدوان فقط . بل كان من نتيجة ذلك إسقاط المقاومة للكثير من المسلمات في الصراع العربي الإسرائيليّ:

1- حيث أسقطت المقاومة زيف ووهم القوة الإسرائيليّة التي زعم أنه لا يمكن قهرها.

2- وأسقِطت نظرية الأمن الإسرائيليّ. إذ طالما كانت هذه النّظرية تشكل عامل قوة لـ”إسرائيل”. فطوال الحروب السابقة كان الداخل الإسرائيليّ بمنأى عن الحرب التي كان الجيش يخوضها في “أرض العدو”. في حرب تموز تمكنت المقاومة من نقل الحرب إلى العمق الإسرائيليّ. بات النزف والتدمير متبادلّا. ونجاح المقاومة في إسقاط نظرية الأمن الصهيونيّة مكّنها من فرض معادلة جديدة من توازن الرّدع والرّعب.

3- أسقط هذا الانتصار كل مبررات وذرائع الأنظمة العربيّة التي وقعت اتفاقات صلح مذلة مع العدو، بحجة عدم القدرة على تحرير الأرض عبر القوة العسكريّة. وكشفت عورات الحكام الذين تنصلوا من المقاومة ووصفوها بالمغامرة. إذا كان ذلك لم يفرح أنظمة الخنوع والاستسلام، إلا أنّه خلق نهوضًا عربيًّا شعبيًّا قلّ نظيره، تجلى ذلك في التظاهرات التي عمّت أرجاء الوطن العربي دعمًا للمقاومة.

وبعد ذلك كانت الحرب الإرهابية بقيادة الولايات المتحدة، ضد سوريا. هدف هذه الحرب طبعاً السعي إلى:

1ـ محاولة قصم ضهر المقاومة وإسقاط إحدى ركائزها وقلاعها الأساسيّة التي شاركت في صنع نصر تموز.

2ـ الثأر لهزيمة الجيش الصهيونيّ، وإسقاط المعادلة الجديدة التي كرسها انتصار المقاومة.

3ـ تشكيل بيئة جديدة لمصلحة المشروع الصهيونيّ الأميركيّ تمكنه من العودة إلى الإخلال بموازين القوى في كل المنطقة. لكن هذا المشروع الصهيونيّ ــ الغربيّ ووجه بالفشل والإخفاق مجددًا، فهو اصطدم بصمود سورية، مدعومة من أطراف حلف المقاومة وروسيا والصين.

لقد أدى هذا الفشل إلى: انفراط الحلف الدّولي الذي شكّل بقيادة أميركا في بداية شنّ الحرب، بواسطة القوى الإرهابية التي جندت فيه وارتداد الإرهاب على الدّول الدّاعمة له.

الخاتمة

وبتأمل لهذا العرض الطويل نستطيع القول إنّ المقاومة الفلسطينيّة التي تشهدها أرض فلسطين حاليًّا هي جزء من هذه السّلسلة الطويلة في هذا التاريخ الممتد، وجزء من سلسلة مقاومة فلسطينيّة خاصة بهذا الشّعب الذي ابتلي بالاحتلال الإسرائيليّ لأراضيه. كما نستطيع استخلاص بعض العوامل التي أدت إلى اندلاع الانتفاضات والثورات الشّعبية الفلسطينيّة، والأسباب التي أدت إلى فشلها في تحقيق الأهداف الوطنية التي قامت من أجلها.

تعددت أشكال المقاومة الفلسطينيّة بتغير الظروف السياسيّة والعسكريّة، فبعضها اكتسب صفة مسلحة سواء على المستوى الشّعبي متمثلًا في صورة انتفاضات تندلع شرارتها في مدينة ثم سرعان ما يمتد لهيب الغضب إلى معظم الأراضي الفلسطينيّة، أو على مستوى العمل العسكريّ “المنظم” كالذي قامت به الجيوش العربيّة عام 1948 وأسفر في نهايته عما اصطلح على تسميته بالنكبة الكبرى، وما نجم عنها من ضياع للأرض وتشرد للشعب.

اتخذ بعضها شكل التّسويات السياسيّة إمّا عن طريق عقد المؤتمرات الجماهيريّة أو تكوين الأحزاب السياسيّة وإنشاء الجمعيات أو البعثات الدّبلوماسيّة، والظهور في المحافل الدّولية للمطالبة بحقوق الشّعب الفلسطيني، وبالأخص حقّه في تقرير مصيره وعودة لاجئيه إلى ديارهم. كما اتخذ بعضها الآخر أشكالًا اقتصاديّةً، كإنشاء بنوك وطنية كالبنك العربي 1934وشركة التّجارة الوطنيّة، والدّعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيليّة والأميركيّة سواء في داخل الأراضيّ المحتلة أو في العالم الإسلامي.

ولكن وعلى الرّغم من هذه الثّقوب السوداء في ثوب المقاومة الفلسطينيّة الأبيض، فإنّ خيار المقاومة سيظل هو السّنة الكونيّة التي تحقق منها الإنسان عبر مئات القرون لنيل حريته واستقلاله.

حتى وإن ذهب ترامب إلى القدس وأعلن نقل سفارته إليها، وأعلن القدس عاصمة للكيان الصهيونيّ فهي سفارة محتلة تم فرضها غصبًا وبدعم سياسيّ من قبل بعض الدّول العربيّة إلا أنّ الشّعوب العربيّة هي سيدة الموقف فهي عبرت عن موقفها ورفضها القاطع لهذا الإعلان الفاقد للشّرعيّة الرّبانيّة والشّرعيّة العربيّة والجغرافيّة والسياسيّة والدّينيّة لولا سطوة وأطماع الغرب وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل..

ما أُعلِن عنه في القدس سفارة مرفوضة غير معترف بها من قبل الشّعوب العربيّة والإسلاميّة وقبل ذلك مرفوضة من قبل الله تعالى والملائكة هي سفارة عدوانية وهي عبارة عن احتلال أمريكي صهيوني للقدس الشريف وهذا كان حلم اليهود منذ زمن بعيد أن يسيطروا على القدس وعلى المسجد الأقصى، واليوم يريدون ذلك بفضل عملاء الدّول العربيّة.

إنّ الحقّ الفلسطيني في أرضه لا يمكن أن يسقط مع مرور الزّمان، وأن الشّعب الفلسطيني متمسك بهذا الحق، وقال كلمته بأن صفقة القرن لن تمر، وقد جسَد اللحمة الوطنية في مسيرات العودة في غزة التي عرقلت تمرير هذه الصفقة، وبالتالي لا يمكن لهذه الصفقة أن يكتب لها النجاح وسنواجهها بالوحدة والمقاومة حتى تحرير كل شبر من فلسطين”.

إنّ علينا ان نتوجه بالشكر إلى الجمهورية الإسلاميّة في إيران على ما قدّمته وتقدمة من دعم إلى أحرار العالم، وخصوصًا القضية الفلسطينيّة، بل علينا ان نهنّئ أنفسنا والشّعب الإيرانيّ والعربيّ والأمة الإسلاميّة بهذه الثورة العملاقة التي انطلقت إلى العلا علماً وتقنية وتقدّمًا، بل انطلقت إلى الفضاء لتقول للعالم هذا هو العقل الإيراني العقل الإسلاميّ المبدع، فالتقدّم ليس حكراً عليكم، إنّنا سنعيد أمجاد الأمة، والثورة الإسلاميّة هي رأس الحربة في ذلك.

إنّ إيران ستنتصر على كل ّأعدائها من صهاينة وامبرياليين واستكباريين في الخارج، وسوف تنتصر أيضًا على ما يحيكونه ضدّها من مؤمرات ودسائس في الداخل ليحرفوها عن مبادئها التي انطلقت من أجلها.

المصادر والمراجع

1.     إسلام أون لاين، ملف فلسطين

  1. ايران والقضية الفلسطينيّة…دعم متواصل ومستمر حتى النصر والتحرير،  محمد شعيتاني ، مقال في جريدة البناء https://www.al-binaa.com/archives/article/123052
  2. البنك الوطني للمعلومات
  3. دراسات منهجية في القضية الفبسطينية محسن محمد صالح ،مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات-بيروت 2002.
  4. الصراع العربي الإسرائيلي مئة سؤال وجواب / بيدرو برييجر/ نشر مركز دراسات الوحدة العربيّة/يعدَ هذا الكتاب أول عمل أكاديمي عن الصراع العربي الاسرائيلي في جمهورية الأرجنتين.
  5. عبدالناصر ودعم المقاومة الفلسطينيّة، محمد محفوظ جابر، مقال نشر في موقع الضفة الفلسطينيّة موقع فلسطيني سياسي ثقافي 2019-09-29
  6. فلسطين الشهيدة : سجل مصور لبعض فضائع الانكليز واليهود بين 1921 و1938.
  7. القدس عاصمة فلسطين وكل المسلمين بقلم /زيد البعوة ،موقع أنصار الله ديسمبر 1, 2019
  8. القضية الفلسطينيّة: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة محسن محمد صالح، ، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات-بيروت.
  9. مستقبل وسيناريوهات الصراع العربي – الإسرائيلي/ اعمال مؤتمرات 48 ، تحرير احمد البرصان، عبد الفتاح الرشدان ونظام بركات، نشر مركز دراسات الشرق الأوسط -الاردن، ط1 /2011
  10. المقاومة الفلسطينيّة…ثورة الإنسان والحجر محمد عبد العاطي،.
  11. https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/a1420287-8fd5-4c2e-9a4c-b54178af1998

13. من وثائق التاريخ, خبايا واسرار تغرة الدفرسوار في حرب تشرين.1973. مقال بقلم رئيس التحرير في موقع إضاءات في 14-8-2019.

  1. الموسوعة البريطانية، مادة فلسطين
  2. الموسوعة الفلسطينيّة

 

 

 

[1] – أستاذة جامعيّة ورئيسة تحرير مجلّة وميض الفكر للبحوث، h_imamomais@hotmail.com.

 

 

[2] – نادر جمعة، العهدة العمرية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقال نشر في مجلة وميض الفكر للبحوث، العدد 4، كانون الثاني 2020 صفحة 31-35.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website