foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

القصّة – إطارًا وتخطيطًا (سهيل إدريس نموذجًا)

0

القصّة – إطارًا وتخطيطًا (سهيل إدريس نموذجًا)

جُهيْنا محمود المصري([1])

الملخص

القصّة من فنون النثر الأدبي الحديث، تمثل الحياة وتجلوها في شتى وجوهها. وإذا كان القصاصون قد نوّعوا في طرائق عرضها؛ فإنهم عنوا أشدّ العناية بطريقة بنائها كبناء متكامل تراصت جزئياته، وترابطت وحداته ترابطًا عضويًّا. وبما أن دراستنا ستتناول أعمال سهيل إدريس، في النقد، وتبيان مدى موافقة أو مخالفة هذه الأعمال لفنيّة القصّة الحديثة؛ نرى أنّه من الضرورة المفيدة أن نبسط أولًا، عناصر فنّ القصّة كما يأتي:

– القصّة في اللغة؛ من قصّ قصصًا عليه الخبر: حدّثه به. وقصّ قصًا وقصصًا أثره: تتبعه شيئًا فشيئًا. تقصّص الكلام: حفظه وتقصّص الحديث: رواه.

– هي، في الاصطلاح، مجموعة من الأحداث يرويها كاتبها، وهي تتناول حادثةً واحدةً أو عدة حوادث، تتعلق بشخصيات إنسانية متعدّدة، تتابين أساليب عيشها وتصرّفاتها في الحياة، ويكون نصيبها في القصّة متفاوتًا من حيث التأثير والتأثر. هي بالتالي ومضة من الضوء يلقيها الكاتب على شريحة من شرائح الحياة، ليصوّر بها حادثة ذات وحدة عضوية، ويكشف بها عما يربط بين أجزائها من معان أو علائق…

ولذلك، نرى أنّ القصّة في الاصطلاح هي كلّ كتابة أدبيّة فنّيّة تصدر عن كاتبٍ واحدٍ بقصد تصوير حالة معينة في التاريخ، أو الأدب، أو الأخلاق، أو الاجتماع… تصويرًا ينزع فيه الكاتب عن شعوره الخاصّ وتفكيره الناشئ عن هذا الشعور… وهي ثلاثة أنواع:

  1. القصّة القصيرة أو الأقصوصة: تعالج جانبًا من الحياة، يقتصر على حادثة معيّنة فيها، ولمدّة زمنيّة محدودة.
  2. القصّة: تتوسط من حيث الحجم، بين الأقصوصة والراوية، وفيها يعالج الكاتب جوانب أرحب مما تعالجه الأقصوصة، فيطول الزمن، وتمتدّ الحوادث، ويتوالى تطوّرها في شيء من التشابك.
  3. الرواية: هي نوع من القصص يتفاوت في الطول. تختصّ بقدر كبير من الحريّة، من حيث الصياغة والموضوع. ويعالج فيها كاتبها موضوعًا كاملًا أو أكثر زاخرًا بحياة تامة أو أكثر، فلا ينتهي القارئ منها إلاّ وقد ألمّ بحياة البطل أو الأبطال في مراحلهم المتعدّدة… ومجمل هذه الأنواع من القصص تكون صورة عن المجتمع، وذات هدف اجتماعيّ… ومن عناصرها المُهمّة:
  • البيئة التي هي مجموع القوى والعوامل الثابتة والطارئة، تلك التي تؤثّر في تصرّفات شخوصها وتوجّهها.
  • الحبكة أو العقدة، وهي نوعان:

– الحبكة المفكّكة التي لا يكون لها سلك ينظّم حوادثها، وفيها أكثر من حادثة لأنّها تشبه الحياة الكبيرة في تنوّعها واختلافها (قصّة “الشارع الجديد” للسحّار، و”زقاق المدقّ” لنجيب محفوظ و”الحرب والسلام” لتولستوي.

– القصّة ذات الحبكة المتماسكة، هي التي تقوم على حوادث مترابطة يأخذ بعضها برقاب بعض، وتسير فيها الأحداث المتنامية في خطّ مستقيم حتّى تبلغ مستقرّها (معظم قصص سهيل إدريس).

  • الحدث، الذي هو اقتران فعل بزمن، ولوجوده في القصّة أهمّيّة كبيرة في تأمين بواعث التشويق وإطراء الأحداث المتنامية.
  • الزمن وشخصيّات القصّة، فالزمن ضابط الفعل، وبه يتمّ، وعلى نبضاته يسجل الحدث وقائعه. وأمّا الشخصيّات فينتقيها الكاتب من عوالم الخيال، والخوارق، أو من واقع الحياة، وما يقاربه في بيئاته، وظروفه الإنسانيّة المتعدّدة.
  • الحوار، الذي هو ركن من أركان الأسلوب في القصّة، يعدّ عن شخصيّاتها في تفاعلها وصراعها.

وكل ذلك بأسلوب ينم عن الصورة التعبيريّة التي يصوغ بها الكاتب قصّته، التي تتضمّن اللغة والعبارات، والصور البيانيّة، وما إليها من عنصار الصياغة الشيّق.

Résumé

Le conte est un récit court en prose et une forme d’art littéraire moderne, il représente la vie et se manifeste de plusieurs manières. le conteurs ont diversifié la façon de sa présentation et ils ont bien traité la manière de sa formation pour qu’il soit parfait.

Notre étude prend en compte les travaux de l’écrivain ‘’Souheil Idris ‘’et précisément dans la critique et nous allons montrer dans quelle mesure il y a un accord ou un désaccord dans les travaux artistiques du conte contemporain, nous remarquons que c’est nécessaire de présenter en premier temps les éléments du conte:

  1. Le conte est l’ensemble des évènements racontés par l’écrivain, c’est le fait de raconter l’histoire, la retenir et même la narrer.
  2. En terminologie, le conte est un ensemble des évènements relatés par le narrateur, il aborde une action ou plusieurs actions relatifs à des personnages, il montre les modes de vie et la façon de se comporter et il a un grand impact sur les lecteurs.

C’est pour cela, le conte en terminologie c’est chaque écriture littéraire et artistique d’un écrivain qui tente à reproduire une situation quelconque dans l’histoire ou la littérature ou bien dans la sociologie…

Il y a 3 types de conte :

  1. Le récit court ; il traite un côté de la vie , il se limite à un évènementprécis et il a un temps limité.
  2. Le conte: il a une forme moyenne, entre le conte et le roman l’écrivain traite des cotes bien développés dans le roman que dans le conte , il prolonge le temps et les évènements .
  3. Le roman: c’est un type d’histoire qui varie par la longueur, il se caractérise par la liberté de la rédaction et même le sujet choisi et son écrivain traite un sujet ou plusieurs, il  ne termine pas l’ histoire  sans connaitre la vie de son héros ou ses héros dans les différentes étapes.

La plupart de ces types d’histoires forment l’image de la société, ils ont un but social et ces principaux éléments sont:

  1. L’environnement; c’est l’ensemble des facteurs constants et urgents et ils ont une influence sur les comportements des personnages.
  2. L’intrigue ou le nœud ; il ya deux types d’intrigues;

-l’intrigue décousue; elle s’agit d’un récit incohérent et qui porte plusieurs actions.

-L’intrigue cohérente; elle porte sur des actions cohérentes et qui suivent l’ordre narratif.

  1. L’action c’est la correspondance entre l’acte et le temps et elle a une importance par la provocation du suspense chez le lecteur et l’élimination d’autres évènements secondaires.
  2. Le temps et les personnages: Le temps dans le récit est le contrôle de l’acte, les personnages sont des individus de l’imagination de l’auteur ou ils se ressemblent a sa vie actuelle.
  3. Le dialogue: ce sont les paroles prononcées par les personnages et rapportées au discours direct .Dans les dialogues, les personnages s’expliquent, discutent et échangent des informations ,ainsi ,ils font avancer l’action.

تمهيد

القصّة هي نوع من الكتابة الأدبيّة الفنّيّة، تصوّر حالة معيّنة تصويرًا يعبّر فيه كاتبها عن شعوره الخاص، وتفكيره الناشئ عن هذا الشّعور، والوجه الذي يتجه إليه حسب ما شعر وفكر. والقصّة من فنون النثر الأدبيّ الحديث، وتعدُّ من أكثرها أهمّية لارتباطها بالحياة، ولكنها لم تكن في العصور الماضية موضع درس وتقويم، لاهتمام الناس بالشّعر، الذي أخذ منهم كلّ جهد وطاقة.

من أجل التنوع الواسع في مادة القصّة أصبحت أكثر الأنواع الأدبيّة أهمّيّة في عصرنا الحالي، لأنها تستطيع، بصورها المتعدّدة، أن تمثل الحياة وتجلوها في شتى وجوهها، إذ لا يستعصي عليها أيّ من خطوطها. وإذا كان القصاصون قد نوّعوا في طرق عرضها، فإنّهم عُنوا أشدّ العناية بطريق بنائها، فلا بدّ أن تغدو كل قصة بناءً متكاملًا تترابط وحداته ترابطًا عضويًّا، تراصّت جزئيّاته فيه كما تتراصّ اللبنات في البناء المحكم، وقد يطول البناء حتّى يصبح مجلّدات.

وإذا كانت دراستنا ستتناول أعمال سهيل إدريس، كان لزامًا علينا أن نبسط عناصر فنّ القصّة عمومًا قبل الدّخول إلى التّطبيق ليكون نقدنا لقصص سهيل إدريس على ضوئها واضحًا. إلى أيّ مدى كان فنّ سهيل إدريس موافقًا أو مخالفًا لفنّيّة القصّة الحديثة؟

القصّة في اللغة والاصطلاح

القصّة في اللغة

من قصّ قصصًا عليه الخبر: حدثه به. وقصّ قصًا وقصصًا أثره: تتبعه شيئًا فشيئًا. تقصّص الكلام: حفظه وتقصّص الحديث: رواه.

والقاصّ: من يأتي بالقصّة، والقصّة جمع قصص، والأقصوصة: أقاصيص: الحديث، الأمر الحادث.

والقصّاص: هو الذي يقرأ القصص في مجتمعات الناس، ليأخذ الجبايّة منهم، إذًا، فكلمة القصّة في اللغة العربية مشتقّة من اقتصاص الأثر: هو التتبع والاقتفاء. وما أصدق هذا التّفسير في انطباقه على خصائص القصص الفنّيّ. فقصّ الأثر يتقصّص الخطأ على بساط الرّمال، وفي مسارب الطّرق حتّى يعرف كيف كان مصير الأقدام، فإذا لم يتتبع القاصّ أبطاله في خطوات الحياة، وفي مسارب العيش، ولم يدامجهم في شتّى ما يمارسون من أعمال، ولم يتّخذ له في طريقه عدّة من التحليل، والتعليل، والمعالجة، كان أهون من قصاص الأثر شأنًا، وكانت قصصه أخبارًا بالغيب، ورجمًا بالظنّ، وافتتانًا على الفن(1).

 قصة

أطلق العرب هذا اللفظ على معانٍ عدّة أحدها قريب من الفن الذي نعرفه اليوم بهذا المعنى، وكان الغرب قديمًا يطلقون عليه أسماء عدّة، مثل الحديث، والخبر، والسّمر، والخُرافة، وأقدم قصص عربيّة مدوّنة ما أورده القرآن عن الأمم الغابرة. ولما عُني المسلمون بالقصص القرآنيّة وتفسيرها وتكملتها، نشأ القصص الدّينيّ الذي اختلط بالقصص المسيحيّ واليهوديّ.

كما عُني الخلفاء الأوّلون بالقصّاص الذي كانت مَهَمَّته الوعظ في السّلم والتّحريض على الاستبسال في الحرب، فعيّنوا لهم الرّواتب، وأباحوا لهم التّحدث بالمساجد. وإذا كان المتشدّدون من رجال الدّين لم يرضوا عنهم لعدم تحرّيهم الصّدق. وبلغ من شأنهم أن استقدمهم معاوية بن أبي سفيان إلى بلاطه، ودوّن قصصهم.

واتّسعت القصص العربية والمعرّبة في العصر العباسيّ، ودوّنت في الكتب التي يحصي منها ابن النديم الكثير بعد أن فتح ابن المقفع الباب المترجمة بـ”كليلة ودِمنة“. وفي القرن الرابع الهجريّ ظهرت المقامات، واتصل التأليف فيها، وكان للعامة قصّاصوهم الذين تجاوبوا معهم، وألقوا ما عبر عنهم من أمثال قصص”ألف ليلة وليلة” و”السّيرة الشعبيّة” التي وجدت إبّان الحروب الصليبيّة. وفي العصر الحديث حاكى الأدباء العرب القصّة الغربية في مختلف ألوانها وفنونها، وتطورت القصّة في مصر خاصة حتى وصلت نماذج منها إلى مستوى القصّة الغربيّة(2).

القصّة في الاصطلاح

هي مجموعة من الأحداث يرويها كاتبها، وهي تتناول حادثة واحدة أو حوادث عدّة، تتعلّق بشخصيّات إنسانيّة متعدّدة، تتباين أساليب عيشها وتصرّفها في الحياة، على غرار ما تتباين به حياة النّاس على وجه الأرض، ويكون نصيبها في القصّة متفاوتًا من حيث التأثير والتأثر.

وعرّفوا القصّة على أنّها ومضة من الضوء يلقيها الكاتب على شريحة من شرائح الحياة – إذا صحّ هذا التّعبير – ليصور بها حادثة ذات وحدة عضوّية ويكشف بها عما يربط بين أجزائها من معانٍ، أو علائق(4)… كما قالوا عنها إنّها تجربة إنسانيّة يصوّر فيها القاصّ مظهرًا من مظاهر الحياة، تتمثّل في دراسة إنسانيّة للجوانب النّفسيّة في مجتمع وبلد خاصين. وتتكشف هذه الجوانب بتأثير حوادث تساق على نحو مقنع يبررها ويجلوها، وتؤثّر الحوادث في الجوانب الإنسانيّة العميقة وتتأثّر بها(5).

وعلى هذا الأساس نرى أنّ القصّة في الاصطلاح هي كل كتابة أدبيّة فنّيّة تصدر عن كاتب واحد بقصد تصوير حالة معيّنة في التّاريخ، أو الأدب، أو الأخلاق، أو الاجتماع، أو غيرها، تصويرًا ينزع فيه الكاتب عن شعوره الخاصّ، وتفكيره الناشئ عن هذا الشّعور والوجد الذي يتجه إليه رأيه حسب ما شعر وفكر، بحيث تتمثل شخصيته في هذا التّصوير مثلًا يفرق بينه وبين غيره ممن كتبوا في ما كتب. مع أنّ هذه الأشياء التي ذكرناها واحدة في ذاتها من حيث النّظرة العلميّة الصرفة، ولكن الذي يختلف، إنما هو نظرة القصّاص الفنان إليها من حيث كيفيّة تصوّرها وتصويرها، وكلّما اتسعت مسافة الخلاف بين نظرات القصّاصين تباعد البون بين التّصويرات، وتراءت الأشياء في أثواب تبعدها عن مرآها العلميّ الثّابت الأصيل، إلى مرأى يخلع عليها ثوب القصّة بوجه عام، سِيّان في ذلك القصّة القصيرة، والصالحة للتمثيل على المسارح، وغير الصالحة. ولكن العرف الجاري خصّ القصّة القصيرة باسم الأقصوصة كما خصّ القصّة الطويلة الصالحة للتمثيل باسم الرّواية، التي غلب عليها عنصر الضحك والهزل فأخذت اسم الملهاة، وإذا غلب عليها عنصر الحزن والألم أخذت اسم المأساة، ولكنّها إذا بقيت بعيدة من هذين العنصرين استمرّت مستأثرة باسم الرواية من دون تقييد مع أن هذا النّوع من الفنّ القصصيّ لم يعرفه كتّابنا القدماء، وإنّما دخل أدبنا في جملة ما دخله بتأثير الحضارة الجديدة. وقد سلكت الرواية في تطوّرها السبيل نفسه الذي سلكته القصّة القصيرة، فظهرت أول أمرها في ترجمات شتّى من الأدب الأوروبيّ، وظلت الترجمة مصدرها الأكبر حتى إلى ما بعد الحرب العالميّة الثانية، علمًا أنّه منذ أوائل قرننا الحاليّ أخذت بعض الأقلام تتجه نحو التأليف، فازدادت حركته نشاطًا بعد الحرب العالمية الأولى، وما تزال حتى بلغت شوطًا بعيدًا في ميدان التّقدّم. وللرواية ثلاثة أوجه: التّاريخيّ، الاجتماعيّ، والفلسفيّ(6).

مهما كان نوع القصّة وفكرتها، فهي “مرآة متعددة السّطوح، وكل قارئ يلقي بناظريه على السّطح الذي يعكس صورته بأمانة ودقّة، أو لعلها كالبناء الضخم ذي الكُوى العديدة، ولكلّ قارئ أن يطلّ من الكوّة التي يختارها ذوقه ومزاجه وطبيعته(7).

والقصّة في نشأتها الطويلة، كانت تختلط فيها الحقائق الإنسانيّة بالأمور الغيبيّة، وكانت تجمع في الخيال فتبعد كثيرًا من واقع الإنسان وقضاياه، كما كان لا يفرق فيها بين ما هو ممكن وما هو مستحيل.

ونرى أن القصّة الخياليّة قد سبقت القصّة الواقعيّة إلى الوجود، إذ إن المرء كان يتخيل، ويصف ما يتخيّل، أيسر ما يصف الواقع ويواجهه. وكان الناس في العصور الأولى يهتمون بالأحداث العجيبة، وبالأخطار الخياليّة، أكثر ما يهتمون بالواقع، وكان الشّاعر والقاص يستلهمان كلاهما من مورد واحد، فظلّت نزعة الغيبيّة أو الأسطوريّة تصبغ القصّة صبغة شعريّة لأن القوّتين الرئيستين في الإنسان، في العهد القديم، هما قوة الفكر، وقوة الخيال.

فالفكر وسيلة التعرّف على الحقائق، وإنما يستعين المرء بالخيال على سدّ ما في الواقع من فراغ، وإكمال ما به من نقص، معتدًّا بأمرين في هذا الخيال: المخاطرة والخوف. فالمخاطرة مجابهة المجهول والتّطلع إلى فرض إرادتنا على الأشياء الأدبيّة المستعصيّة، والخوف: هو التوجّس من المفاجآت التي تتبدى بين مظاهر الأمور المستقرة(8).

وفنّ القصّة، هو الطريقة التي يعالج فيها الكاتب القصصي موضوع قصته بأسلوب فني ويتسجيب لواقع الحياة. وهذان العنصران: العنصر الفنيّ، والاستجابة لواقع الحياة هما الأساسان الضروريان لكل قصّة فنيّة.

فمن حيث الفنّ، نرى المحدثين من كتّاب القصّة يُعْنَوْنَ بأن تكون أكثر إحكامًا وأكثر حرصًا على الانسجام الفكريّ والارتباط العاطفيّ، والتّحليل الباطنيّ، ليجد  القارئ فيها شيئًا غير مجرد الخبر والتسلية الممتعة العابرة.

من حيث استجابتها لواقع الحياة، فيمكن القول إنّ القصّة بهذا المعنى حديثة العهد في جميع الآداب العالميّة. فمؤرخو الأدب لا يرجعون تاريخها إلى أبعد من القرن الثّامن عشر، لأنّها كانت قبل تدور على غرائب من الحوادث التي لا تمت إلى واقع الحياة بصلة، أو على أشخاص خياليين تنسب إليهم من وقائع البطولة، أو المغامرات ما لا يساومه العقل والمنطق(9). حتى أتى “سرفانتس” الاسبانيّ، ألّف قصته “دون كيخوته” وضمّنها من الواقع ما جعلها أول نموذج للقصة الحديثة، وقد تلتها قصصًا كثيرة تصور المجتمع، وتنقل العادات والتقاليد، وبذلك خرجت القصّة من دور الخيال إلى دور الواقع المحسوس، وأخذت تُعنى بتحليل العواطف والنفوس، ولكنها لم تتخلص تمامًا من حكايات المخاطرات. ولا نصل إلى القرن التاسع عشر حتى نجدها تعنى بطبقات المجتمع والفرد وحقوقه المهضومة.. ولمّا تقدمنا في القرن حقبة، تقدمت القصّة خطوة. ولم تلبث أن استوعبت الحياة بجميع صورها السعيدة والشقيّة، وفسحت صدرها للقضايا الاجتماعيّة وللتّحليل النفسيّ، إذ غدت في عصرنا أكثر فرع أدبيّ إنسانيّ أهمّيّة يجلو أعماق الحياة البشريّة، والأحوال النّفسيّة الواعية وغير الواعية، وكأنّها دائرة معارف الإنسان، فهي تجسم إحساسنا به، وبمشاكله وظواهره وبواطنه منفردًا ومتقلبًا في مجتمعه(10).

عناصر القصّة

قبل الكلام عن عناصر القصّة، لا بدّ من الإشارة إلى أنواعها(11)، فقد قسموا القصّة إلى ثلاثة أنواع من حيث الكم، أمّا من حيث النوع فقد قسموها إلى أنواع عديدة.

أ- من حيث الكم، ركزوا على ثلاثة أنواع هي:

1– القصّة القصيرة، وسموّها بالأقصوصة أحيانًا، وهذه القصّة تعالج جانبًا أو قطاعًا من الحياة، ويقتصر فيها على حادثة أو بضع حوادث يتكوّن منها موضوع مستقل بشخصياته ومقوماته، ولكن لمدّة زمنيّة محدودة تفرض عليه أن يكون تامًا وناضجًا من الوجهة التحليليّة والمعالجة.. وهنا تظهر براعة الكاتب لأنّ مجال القصّة القصيرة ضيق ومحدود أمامه، الأمر الذي يتطلب منه الوعي التّام والتّركيز المركز.

2-القصّة: وهي تتوسط بين الأقصوصة والرّواية، وفيها يعالج الكاتب جوانب أرحب مما تعالجه “القصّة القصيرة” فيطول الزمن، وتمتد الحوادث، ويتوالى تطورها في شيء من التشابك.

3– الرواية: “والرواية نوع من القصص يتفاوت في الطول، استخدمت هذه الكلمة لأول مرة في إنجلترا في القرن 16 عندما عرفت فيها القصّة الإيطالية، ومنها قصص الديكاميرون التي كتبها بوكاشيو.

أما الرواية الحديثة فيرجع تاريخها إلى القرن 18 وإلى الروايات التي كتبها كل من دانيل ديفو وصمويل ريتشاردسون. ولما كانت الرواية تختص بقدر كبير من الحرية، من حيث الصياغة والموضوع، كان من الصّعوبة بمكان الوقوف على تعريف دقيق لهذا النوع من التأليف(12). ويعالج فيها كاتبها موضوعًا كاملًا أو أكثر، زاخرًا بحياة واحدة تامة أو أكثر، فلا ينتهي القارئ منها إلا وقد ألّم بحياة البطل أو الأبطال في مراحلهم المختلفة. وميدان هذا النّوع فسيح، إذ يستطيع أن يكشف السّتار عن حياة أبطاله، ويجلو الحوادث مهما تستغرق من الوقت، وقد تتناول أمّة بكاملها، أو جيلًا بكامله.

والقصّة الفنيّة، على إختلاف مضمونها، لا تكون بلا هدف اجتماعي، فهو صورة عن المجتمع.. أما الذي لا يصحّ، فهو أن يكون القصص واعظًا(13).

عناصر القصّة الفنيّة(14)

كل قصة فنيّة لها عناصر تلتزمها، ولا تخلو منها أيّ قصّة جيّدة، وهذه العناصر هي: (الوسط – البيئة – الحبكة – الحدث – الشّخصيّات – الحوار والأسلوب).

1- الوسط أو البيئة

هي مجموعة القوى والعوامل الثابتة والطارئة التي تحيط بالفرد وتؤثّر في تصرّفاته في الحياة، وتوجّهها وجهات معيّنة، وبهذا لم يعد الإنسان سيّد نفسه، كما لا يمكن أن يُعدُّ ظاهرة منبته مفصولة عن أسبابها ونتائجها، بل هو الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة من الأجداد والآباء، وهو عضو في أسرة كبيرة، وآلة تديرها يد ضخمة قويّة هي يد الطبيعة، أو يد القدر، أو يد المجتمع(15).

وللبيئة دور مُهمّ تؤدّيه في تطور الأحداث، والحبكة القصصيّة. وفي حياة الأبطال وصراعهم مع القوى المتعدّدة لهذه البيئة، أو الظروف التي تمليها عليهم، وتكون العنصر السائد عند الواقعيّين لأنّ الواقعيّة التي نريدها للقصّة الفنّيّة الكاملة ليست هي الواقعيّة التي يشهد بصدقها المؤرّخون، وتقدّم الوثائق دليلًا على صحّتها، لكنّها الواقعيّة التي تلقي في روع القارئ أنّها صحيحة(16).

2- حبكة القصّة

الحبكة في القصّة أو العقدة، هي مجموعة الحوادث التي تجري فيها، ويربط “نجم” هذه الحوادث التي تجري فيها بربط السببية، وهي لا تنفصل عن الشّخصيات إلا فصلًا مصطنعًا مؤقتًا، وذلك لتسهيل الدّراسة. فالقاص الذي يعرض علينا أبطاله دائمًا لا يعرضهم إلا متفاعلين مع الحوادث، متأثرين بها، ولا يفصلهم عنها بوجه من الوجوه.

ومهما يكن من أمره، فهناك نوعان متميّزان للحبكة الأصليّة، هما: الحبكة المفككة، والحبكة المتماسكة.

والقصّة ذات الحبكة المفككة، لا يكون لها سلك ينظم كل حوادثها، وليس لها عقدة. ففيها أكثر من عقدة أو أكثر من بطل، وأكثر من حادثة غير متماسكة لأنّها أشبه بالحياة الكبيرة التي تتفاعل فيها الشّخصيات وتتصارع لتتكون الحقيقة الفنيّة التي يهدف إليها كاتبها(18). وعلى سبيل المثال نذكر روايات سهيل إدريس وقصّة “الشّارع الجديد” للسّحّار و”زقاق المدق” لنجيب محفوظ و”الحرب والسّلام” لتولستوي.

يرى تشارلتن وعلى هذا الأساس أن حبكة القصّة ذات أهمّيّة كبرى في صياغتها الفنّيّة، وتعتمد على عناصر عدّة، منها التوقيت والإيقاع والتّشويق. فالتوقيت هو سير الحوادث في بطء أو سرعة تجمعها ثم انطلاقها، وهكذا.

الإيقاع: هو التّنويع والتّفاوت في درجات الانفعال، ومقدمة القاص لنا على هيئة أمواج تتحرك بنظام خاص لتؤدي إلى تأثير معين يشعر القارئ معه أنّ القصّة تسير وفق قانون مرسوم. وهذا التّعبير التّموّجي هو الذي يسمى الإيقاع، وقد يبدو أحيانًا متحركًا مسرعًا.

أمّا عنصر التشويق: فهو كل ما يعمد إليه الكاتب من حيل وما يعرفه من أشياء في القصّة وتطور أحداثها تشد القارئ إليها. ويختلف هذا العنصر باختلاف عرض كل كاتب له وطريق معالجته إياه، مثل إخفاء سر معين على القارئ تدور عليه أحداث القصّة، ويكشف للقارئ شيئًا فشيئًا حتى العقدة أو الذّروة، وهذه الذّروة هي نقطة فاصلة تتدرج الحوادث قبلها صعودًا حتى تصل إلى ذلك التوتر، ثم التصفية والكشف عن الخاتمة(19). القصّة ذات الحبكة المتماسكة هي على عكس ذلك، إذ تقوم على حوادث مترابطة يأخذ بعضها برقاب بعض، وتسير خط مستقيم حتى تبلغ مستقرها… وأكثر القصص سهيل إدريس القصيرة من هذا النوع، مثل العراء، وأشواق. ولا يمكن فصلها عن شخصياتها، فالشخصيات، وسلوكها تؤثر في سير القصّة وتطورها حتى تصل إلى نهايتها الطبيعيّة، وتحل مشاكلها بعد أن ينتهي الصراع بين الشخصيات ويستنفذ كل أغراضه(20).

3- الحدث

الحدث هو اقتران فعل بزمن، ومن الضّروري وجوده في القصّة، لأنّها لا تقوم إلا بهنّ وقد يكتفي بعرض الحدث نفسه من دون مقدمات أو نتائج، كما في القصّة القصّيرة، وقد يعرض هذا الحدث متطورًا مفصلًا في القصّة أو الرواية. تتفاوت القصص في بيان هذا العنصر، فمنها ما يهتم بالحدث، ويؤثر على غيره، ويفتش في عرضه في صور مشوّقة، كما هو الحال في قصص “ألف ليلة وليلة” وفي القصص البوليسيّة.

على أن بعض كتّاب القصّة يعتمدون على افتعال الأحداث لشدّ القراء لقصصهم، ويدخلون عليها عناصر غير طبيعيّة، لزيادة المفاجئة والإغراب. وتضخيم الحوادث، مثل تدخل الجن والمردة في قصص”ألف ليلة وليلة” والقضاء والقدر والمصادفات في قصصنا الحديثة. ولكن الأفضل والأنسب ما قدمه سهيل إدريس من قصص تسير الأحداث فيها طبيعيّ أو كالطبيعيّة.. ولا تخلو قصة من قصصه من تناقض هذا الأسلوب الذي يقودنا إلى الإحساس بواقعيّة الحياة التي يحياها أبطال هذه القصص.

4- الزّمن

والزّمن ضابط الفعل، وبه يتم، وعلى نبضاته يسجل الحدث وقائعه. ونحن، وإن كنا لا نستطيع أن نفصل بين الحدث والزّمن، إلا أنّنا نتبين أثر الزّمن عاملًا فعالًا في كثير من القصص الطويلة والرّوايات… ومن أظهر القصص التي تبرز عنصر الزّمن قصة “تولستوي” الحرب والسّلام، فقد يبدو عامل الزّمن في هذه القصّة في انطواء وزوال الأجيال.

والزّمن يؤدي دورًا كبيرًا في تنوع القصّة. فالقصّة القصيرة، مثلًا لا تحتاج إلى مدّة زمنيّة محدودة عكس الرّواية التي تحتاج إلى زمن قد يستغرق أسرة كاملة أو شعبًا كاملًا أو أجيالًا متتابعة.

5- شخصيات القصّة

إذا أخذنا بالحسبان قصة ما، فأول ما يصادف الكاتب، سواء استمد موضوعه من الحياة التي يحياها أو يراقبها، أو تعدى ذلك غلى عوالم الخيال والخوارق لإيجاد شخصيّاته، وتحرّكاتهم، من رجال ونساء، تحركات الأحياء الذين نعرفهم أو نعلم بوجودهم، ونراقبهم حتى نهاية القصّة على مسرح خاتمتها.

ولكن، من أين يأتي الكاتب بشخصياته(21)؟ ولا شكّ فشخصيّة كل إنسان مشتقة من عناصر أساسيّة لا تتعدى مولده وبيئته وسلوكه أو الظّروف التي تعترض طريقه. والإنسان بصفة عامة له صورتان لشخصيّته: صورة يعرفه النّاس من خلالها، وأخرى خاصة به لا تظهر إلا للأخصّاء أو المقربين العارفين، لذلك نرى أن ششخصيات كل كاتب لا تخرج عن ثلاثة مجالات هي:

1- الملاحظة المباشرة في الحياة المحيطة به والاعتماد على إدراكه لإمكانيّات الشّخصيّة الإنسانيّة، وطلاقتها الكامنة وهذا الادراك يتوقف على فهمه لشخصيته وقدرته على استيطانها والفطنة إلى أحاسيسها الدّاخلية. وخصوصًا أن الإنسان مزيج من الخير والشّر ولا وجود للشّخصيّة الخيّرة كلها، ولا للشّخصيّة الشّريرة كلّها في واقع الحياة، لذلك كان تصوير شخصيّة بيضاء بلا شر، أو سوداء بلا خير تصويرًا يعد بعيدًا من الصدق، ويزخر بالزّيف والافتعال.

2- الاقتباس من أكثر من شخصيّة حيّة، قد يسمع عنها في أحد مجالسه أو من أحد أصدقائه أو حتى يقرأ عنها في صحيفة أو في كتاب، ويعجب بها، فيبني لها عمارة قصصيّة يؤثثها بالأثاث اللائق من الإفعالات والأحداث، عبر مدة زمنيّة محدودة.

3- الخيال: حيث تكون شخصية القصّة خياليّة، لا وجود لها في الحقيقة وليدة الخيال، الذي من خلاله يستطيع الكاتب أن يخلق الشّخصيّة التي يريدها. ويستطيع بوساطتها أن يفعل ما يجب أن يفعله هو عبر الحقيقة، أي يستطيع من خلال هذه الشّخصيّة أن ينفّس عن رغباته الكامنة في أعماقه.

وعلى “العموم” إنّ الشّخصيّة في القصّة تختلف عنها في الحياة. فالفنّ والحياة شيئان متباينان والوجود في أحدهما يختلف عن الوجود في الآخر، فالحياة تفرض علينا وجودًا مستمرًا، بينما الشّخصيّة في القصّة، لا تظهر إلا في الأوقات التي ينتظر منها أن تقوم فيها بعمل ما، بينما نحنا حياتنا الواقعية نعيش أيامًا، بل سنين، من دون أن نعمل عملًا هامًا يلفت النظر(22).

6- ضروب المعالجة الفنية

إذا نظرنا إلى هذا الموضوع بعين يقظة، نجد أنّ لكل كاتب طريقة خاصة به. يقدّم من خلالها أبطال قصصه على مسرح القصّة، ويكشف جوانبهم شيئًا فشيئًا، ونراه يعايشهم بالطريقة التي يريدها لهم، ولكن عن طريق المراقبة لا التّدخل المباشر. وضروب المعالجة الفنيّة، أو طريقة عرض الحوادث أو تطويرها، لم يظهر حتى الآن إلا أربعة أنواع، نلخصها، لإعطاء فكرة إيضاحيّة لبحثنا هذا، وحتى تكون المعالجة كاملة من جميع نواحيها وإن كانت بشكل موجز بسيط.

7- الحوار

الحوار ركن من أركان الأسلوب في القصّة، يستخدمه الكاتب في تكوين الشّخصيّة والتعبير عن آرائها، ونظرتها إلى الحياة، وفي تصارع الشخصيات بعضها ببعض، وفي شرح عواطفها. وهو من الوسائل المهمّة التي يعتمد عليها الكاتب في رسم شخصياته. وعمل الحوار الحقيقيّ في القصّة هو رفع الحجب عن عواطف الشّخصيّة، وأحاسيسها المختلفة، وشعورها الباطن تجاه الحوادث أو الشّخصيّات الأخرى، وهو ما يسمى عادة بالبوح أو الاعتراف، على أن يكون بطريقة تلقائيّة تخلو من التّعمد والصنعة والرّهق والافتعال(23).

والحوار يجب أن يكتب بلغة عربيّة تناسب لغة الشّخوص، فيها سذاجة، وفيها سخرية، وفيها عمق، وفيها خفة، ويكون سببًا مباشرًا في إكمال جو القصّة وإتمام الانسجام.

8- الأسلوب

نعني بالأسلوب: الصورة التّعبيريّة التي يصوغ بها الكاتب القصّة قصته، متضمنة اللغة والعبارات، والصّور البيانيّة، والحوار، وما إليها من عناصر الصياغة. وفي الأسلوب تتجلى براعة القاص في العرض، وفي التّعبير، ولكن للأسلوب مقاييس لا يستطيع القاص أن يتخطاها، فهناك مقاييس نقد الكلمة، ونقد الجملة، والتلاؤم بين اللفظ والمعنى، والمؤاخاة بين الألفاظ والطبيعة، والتّثقيف، والتّكلف، والصّنعة، ووحدة النّسيج، وضعف التّأليف، والإيجاز، والإطناب، وهذه المقاييس مجتمعة تؤدي أغراضها في الشّعر والنّثر، وتنفي دراستها التّعثر في الطريق التّعبيريّة(24). ويحاول نقّاد القصّة الربط بين الأسلوب والمضمون في القصّة، شأن غيرهم من نقاد الشّعر، وهؤلاء هم الغالب في اتباع الاتجاه الواقعيّ. يقول “ليدل” يمكننا القول إنّ الأسلوب لا ينفصل عن المعنى إذا أردنا بالمعنى المعنى الإجمالي، كما ذكره رتشاردز عندما حلله إلى أربعة أقسام: الإدارك والشّعور، والنّغمة، والغرض، ويذكر ما نقله موباسان عن فلوبير أن كل معنى يراد التّعبير عنه لا بدّ له من كلمة للدّلالة عليه، وفعل لحركة، وصفة لبيان ماهيته، لهذا فإنّ على الكاتب أن يبحث حتى يصل إلى تلك اللفظة، والفعل والصفة(25). ولكن شوقيّ ضيف يقول عن الأسلوب القصصي إنّه ذو معنيين: معنى عام يشمل نبأ القصّة كلّه بجميع مواده وعناصره ومعنى خاص يقف عند التّعبير ووسائله اللغويّة وخصائصه اللفظيّة، وقد مرت القصّة بأدوار تميزت فيها أساليبها وافترقت من طور إلى طور، ونحن نستطيع أن نتبين أصولها في الملاحم وفي الأناشيد والتّرانيم الدّينيّة، والأقاصيص الشّعبيّة المختلفة، ولكلّ أمة من ذلك أطيافها التي احتفظت بها(26). من هنا نرى أنّ التّعبير بأسلوب فني يحتاج  إلى الكثير من المران والدربة، وأنّ الصور البيانيّة المشرقة لها خطرها في تقديم العمل الأدبيّ عامة، ولها في القصّة شأن آخر، وهذه الصور تجمع بين الفائدة القصصيّة والروعة البيانيّة. أمّا عن عناصر القصّة الفنية، وانسجامها مع ما أنتجته العبقريّة السهيليّة، فلنا معها وقفة طويلة مع أعماله، وسنرى إلى أي مدى كان سهيل إدريس متجاوبًا ومنسجمًا مع هذه العناصر الفنيّة، وذلك من خلال دراستنا وتحليلنا لبعض أعماله.

أعمال سهيل إدريس

أعمال سهيل إدريس تدل عليه في حياته الخاصة وفي حياته العامة، ولطالما عرفت الحياة بعديد من ألوانها من الآثار الأدبية التي يكتبها الموهوبون(27). وربما يصحّ ما قاله المستشرق الاب ج. جومييه، في صدد دراسته لثلاثيّة نجيب محفوظ، على ما يتعلق بأعمال سهيل إدريس عمومًا، وبراوياته الثلاث خصوصًا. فالأب جومييه يقول: “وما من شك أن كل عمل فني فيه نصيب من الخيال ومن الابتداع الذي خلقه الفنان خلقًا، ولكنّه- فيما عدا حالات نادرة جدًا- يعكس أيضًا جانبًا من الواقع، حتى ولو لم يكن هذا الجانب سوى الفنان نفسه”…(28). فالخيال والواقع يدخلان في كلّ عمل فنيّ، الواقع يمدّ الفنان بالوقائع، والخيال يمده بالصّور التي تنقل الواقع تصويرًا وتطويرًا(29). وسهيل إدريس تأثر بوقائع عاشها ونقلها إلى الدنيا بأعماله لعلّها تحدث أثرًا فتشجع على المثل العليا وتنفّر في الحياة الدنيا(30). إن سهيل إدريس يصوّر الحياة في “الخندق الغميق” وفي “الحيّ اللاتينيّ” وفي “أصابعنا تحترق” ويعطي للواقع ألوانًا من الخيال المصوّر الذي يصوّر به جهاد المفكر العربيّ ليقرّر واقعًا ويغيّره. فسهيل إدريس يقرّر”عمق الخندق الغميق” بين جيلين: جيل متزمت، وجيل يتوق إلى التّحرر(31). وابن”الخندق الغميق” التّائق إلى التّحرر لا يجده في وطنه إنّما يجده في”الحي اللاتيني”، وهنا يشعر بالغصّة، لأنّ الحيّ لاتينيّ” وليس عربيًّا، هذا هو الواقع، فماذا يعمل الإنسان العربي المفكر؟ أيعيش له”الحي اللاتيني”، بعيدًا من تزمت الأب والأم، أم أنّ عليه واجبًا آخر؟ في روايات سهيل إدريس الثلاث، وفي قصصه القصيرة الخمسين وفي مسرحيته، ومحاضراته، ونشاطاته في مجلة الآداب واتحاد الكتّاب أجوبة مختلفة على مضمون هذا السّؤال. يفهم، إجمالًا من لأعمال سهيل إدريس القصصيّة، أنّ على المفكر العربيّ الذي عاش في العالمين أن يصنع شيئًا لحيّه”الخندق الغميق” ليردم جور الأخطاء والتّزمت ويصعد به ليكون” الحيّ العربي”. نعثر في هذه الأعمال صور لهذا التدرج من” الخندق الغميق” إلى” الحيّ اللاتيني” ثم العودة إلى” الخندق الغميق” والكفاح له ليكون الحياة “للخندق العربيّ”… وكل ّهذه الأعمال تؤرخ، بصورة ما، لحياة مؤلفها الصّاعدة من” الخندق الغميق” ممثلة حياة أمّته المكافحة لتصعد من خندقها الغميق إلى”حيّها القومي” المشرق. من هنا أهمية أعمال سهيل إدريس، فقد تُحدث أثرًا في نفوس الشّباب العرب الذين يظن بعضهم أن مهمتهم تنتهي في مقارعة آبائهم وأمهاتهم للتّغلب على تزمتهم والتعويض عن كبت التربية الشّرقية بانحلال جنسي يعيشونه في “الحي اللاتيني” أو ما يشبهه. إن أعمال سهيل إدريس تبشر بالمرحلة الثالثة: وهي مرحلة العودة إلى الأصول واحتضانها لتحيا بنور الفروع فتنفع جيل الشيوخ وجيل الشباب(32). لذلك أبسط هذه الأعمال السهيلية، تحليلًا ونقدًا. فأضع بالتحليل خلاصة موضوعاتها أمام القارئ، ليرى حركة سهيل إدريس الفكريّة في حوالى ربع قرن. ثم ألفت بالنقد إلى قيمتها الفنية والاجتماعيّة..وبالتالي أظهر دور الثّقافة والفن في بناء الإنسان فردًا وجماعة(33). وأرجو، في هذا التّحليل وهذا النّقد أن أساعد قرّاء سهيل إدريس على حسن التأثر به، سلبًا وإيجابًا. أعني بالتّأثر السّلبيّ: الابتعاد مما صوّره مبعدًا من جوهره الفعّال في تغيير ذاته وفي تغيير مجتمعه. وأعني بالتّأثر الإيجابيّ: الاقتراب مما صوّره مقرّبًا إلى جوهر” الإنسان الحقّ” الذي يجاهد الكاتب لصناعة الحياة له، فردًا، وفي أسرة، وفي وطن، وفي أمة، وفي كون إنسانيّ. فهل استطعت ذلك في دراستي هذه؟ أرجو ذلك.

الهوامش

  • أسعد، علي: فن المنتجب العاني– الكتاب الثالث، ص261، ط1، دار الإنسان الجديد، بيروت.
  • المقدسي،أمين: الفنون الأدبية وأعلامها، ص98،بيروت، دار الكتاب العربي،1963.
  • ضيف،شوقي:في النقد العربي،ص225و226،ط2،دار المعارف بالقاهرة،1966.
  • راجع: دراسات في القصّة العربية الحديثة لمحمد زغلول سلام،ص5، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1964.
  • راجع: الفنون الأدبية وأعلامها لأنيس المقدسي، ص499و515،دار الكتاب العربي،بيروت،1963.

وراجع: تاريخ القصّة والنقد، للسباعي بيومي، ص14-16، مكتبة الأنجلو المصرية،1956.

  • نجم، محمد يوسف،فن القصّة،ص9، ط5،دار الثقافة، بيروت،1966.
  • الموسوعة العربية،ص883.
  • راجع:القصص في أدب العرب،ماضيه وحاضره لمحمد تيمور، ص23، مكتبة الآداب، القاهرة.
  • راجع: جدد وقدماء لمارون عبود،ص305،دار الثقافة،بيروت،1954.
  • راجع: فن القصّة عند نجم ودراسات في القصّة العربية، لمحمد زغلول سلام، وفن القصّة القصيرة لرشاد رشدي، والقصّة من خلال تجاربي الذاتية، للسحار.
  • راجع: فن القصّة لمحمد يوسف نجم، ص23ن،ط5،دار الثقافة،بيروت،1966.
  • فنون الأدب لتشارلتون، ترجمة زكي نجيب محمود،ص140.
  • نجم،محمد يوسف: فن القصّة،ص63،دار الثقافة،بيروت،1966.
  • نجم،محمد يوسف:فن القصّة، ص73. وكذلك راجع دراسات في القصّة العربية الحديثة لمحمد زغلول سلام،ص26.
  • فنون الأدب، لتشارلتن، ترجمة زكي نجيب محمود،ص147.
  • راجع: دراسات في القصّة العربية، لمحمد زغلول سلام، ص27و28.3
  • راجع: فن القصّة لمحمد يوسف نجم،ص85، 87، ط5،دار الثقافة،بيروت،1966.
  • المصدر السابق،ص143-147.
  • المصدر السابق،ص9-108.

راجع: دراسات في القصّة العربية الحديثة لمحمد زغلول سلام، ص14-19، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة،1964.

  • نجم، محمد يوسف: فن القصّة،ط5، ص93، دار الثقافة، بيروت،1966.
  • لمزيد من الإطلاع راجع: النقد الأدبي الحديث لمحمد غنيمي هلال، ص550و551، ط4، دار النهضة العربية، القاهرة،1969.
  • المرجع السابق، ص553.
  • لاحظ على سبيل المثال:
  • الحياة العربية في الشعر الجاهلي، للدكتور أحمد محمد الحوفي، القاهرة، مكتبة مصر،ط4، سنة 1962.
  • إبن الرومي حياته وشعره، لعباس محمود العقاد، بيروت، دار الكتاب العربي، ط6، سنة 1965.
  • الإنسان والتاريخ في شعر ابي تمام، للدكتور أسعد علي، بيروت، دار الكتاب اللبناني،ط،1973،2.
  • ثلاثية نجيب محفوظ، الأب ح جومييه، ترجمة الدكتور نظمي لوقا، القاهرة، مكتبة مصر،1959.
  • تظهر الفكرة جلية في”مجتمع العرب وشخصيتهم في البلاغة” للدكتور أسعد علي، بيروت، دار الإنسان الجديد، ص3، ط1، 1974، فقيه درس تطبيقي لاشتراك الواقع والمثال في كل عمل فني.
  • لاحظ الحماسة للمثل العليا وحسن الاستفادة من إثارتها في الأدب عمومًا في مقدمة الإنسان والتاريخ في شعر أبي تمام، ص20، منشورات دار النعمان،ط1، بيروت،1970.
  • قرأت تحليلًا يركز المشكلة تركيزًا نقديًا وتربويًا في:

أ- الطلاب وانسان المستقبل، لأسعد علي، بيروت، دار الرائد العربي، ط1، 1971.

ب- لأنك حبيبتي أو أسطورة الصحراء، المقدمة لأاسعد علي، بيروت، التعاونية اللبناني،ط1،1974، ص2-17.

  • لاحظ الطلاب إنسان المستقبل، قصة الدوامة، أو شجرة للحياة،ص41-44.
  • لاحظ زكي الأرسوزي “ودور اللسان في بناء الإنسان، رسالة ماجستير لخليل أحمد، نوقشت في معهد الآداب الشرقية سنة 1974، ففيها إيضاح لدور اللغة والفن في تربية الإنسان ونهضة المجتمع.
  • خليل أحمد: المصدر السابق،ص58.
  • André le Breton: le roman franҫais en XVII siècle,chapVI,VII,XI,p.200.

F.C Green.french Novolist,230.

  • محمد ضياء الريس: تاريخ الشرق العربي، مطبعة لجنة البيان العربي،1950،ص36.
  • مثل هذه الحوادث وردت تصويرًا لنقلة اجتماعية واضحة في إحدى مدن الريف المصري في مستهل هذا القرن. فقد صور طه حسين في رواية شجرة البؤس مثل تلك العلاقة المتوترة بين جيل الآباء الذي يمثل الماضي وجيل الأأبناء الذي يحاول أن يتكيف مع الحاضر في مستهل هذا القرن، قرن العشرين، التفاصيل في المبحث الأول، الخندق الغميق.
  • صالح مسعود ابو بصير: جهاد شعب فلسطين، دار الفتح للطباعة والنشر، ط3، بيروت، 1970،ص87.
  • المرجع السابق،ص9.
  • المرجع نفسه،ص11.

المصادر والمراجع

  • أحمد، محمد الحوفي: الحياة العربية في الشعر الجاهلي، القاهرة، مكتبة مصر، ط4، سنة 1962م.
  • أسعد، عليّ: فن المنتجب العاني– الكتاب الثالث، ط1، دار الإنسان الجديد، بيروت.
  • ………..: الإنسان والتاريخ في شعر أبي تمام بيروت، دار الكتاب اللبناني، ط2، 1973م.
  • أنيس، مقدسي: الفنون الأدبية وأعلامها، بيروت، دار الكتاب العربي، 1963م.
  • شوقي، ضيف: في النقد العربي، ط2، دار المعارف في القاهرة، 1966م.
  • صالح مسعود أبو بصير: جهاد شعب فلسطين، دار الفتح للطباعة والنشر، ط3، بيروت، 1970م.
  • عبّاس محمود العقّاد: ابن الروميّ حياته وشعره، بيروت، دار الكتاب العربيّ، ط6، سنة 1965م.
  • مارون عبّود: جدد وقدماء، دار الثقافة، بيروت، 1954م.

9- محمّد تيمور: القصص في أدب العرب، ماضيه وحاضره، مكتبة الآداب، القاهرة.

10- محمّد ضياء الريس: تاريخ الشرق العربيّ، مطبعة لجنة البيان العربي،1950م.

11- محمّد زغلول سلام: فن القصّة عند نجم ودراسات في القصّة العربية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1964م.

12- محمّد يوسف، نجم: فنّ القصّة، ط5، دار الثقافة، بيروت، 1966م.

المراجع المعربّة

13- الأب ح جومييه، ثلاثيّة نجيب محفوظ، ترجمة الدكتور نظمي لوقا، القاهرة، مكتبة مصر، 1959م.

المراجع الأجنبيّة

André le Breton: le roman franҫais en XVII siècle, chap VI, VII, XI, p. 200.-14

15- F.C Green. French Novo list, 230.

 

1- طالبة دكتوراه في جامعة الجنان قسم اللغة العربيّة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website