foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

أدب الأطفال وآفاق المستقبل

0

أدب الأطفال وآفاق المستقبل

أ. د. رحيم خريبط عطيّة الساعدي ([1])

ملخّص البحث

درس هذا البحث موضوع ” الطفولة ” لما له من أهميّة قصوى في تطوّر المجتمع، وقد عرّج على تعريف الطفولة لدى علماء التربية وعلم النفس، وقد سبق القرآن الكريم إلى ذلك أنْ حدّد مرحلة الطفولة تحديدًا دقيقًا استطاع أنْ يتلافى الفروقات الفرديّة والبيئيّة والمجتمعيّة من خلاله. وعرض لأدب الأطفال وما المقصود به، كما تحدّث عن نشأة أدب الطفولة والمراحل التي قطعها ونشأته في الدول الإسلاميّة كافّة. وقد بذل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون جهودًا عظيمة في مضمار تنشئة الأطفال والحضّ على تربيتهم تربية سليمة. كما أولى البحث أهميّة لما بذله العرب في تحديد المصطلحات الخاصّة بكلّ فئة عمريّة وهذا التحديد من الأهميّة بمكان في تسليط الضوء على كلّ مرحلة عمريّة وكيفيّة التعامل معها.

لقد شمل أدب الأطفال قصص الطفولة والقصّة الشعريّة والشعر، وقد استعان أدب الطفولة بالحيوانات التي وجد فيها من التشويق والإثارة الشيء الكثير. وخلص إلى نتائج تتعلّق بسبق العرب والمسلمين الدول الغربيّة في موضوع تنشئة الأطفال والعناية بهم، إلّا أنّ الغرب – بعد نهضتهم – راحوا يضعون أُسس التربية التي تعتمد على قواعد رصينة خضعت للتجربة والتطبيق. واستنتج البحث ماقام به أمير الشعراء أحمد شوقي من جهود كبيرة في موضوع الطفولة وما قدّمه من مسرحيات شعريّة وشعر على ألسنة الحيوانات وكان يجتمع بالإطفال ويرى السعادة على وجوههم متأثّراً جزئيّاً بـ ” لافونتين ” كما تأثّر بهذا الأديب الكبير عدد من التربويين المسلمين في الهند وباكستان. ثم خفت أدب الطفولة بعد شوقي وأخذ ينهض من جديد على أيدي تربويين قدّموا خدمات جليلة للطفولة. وتوصّل البحث إلى أنّ الأطفال يحبّون تقديم الأدب الخاص بهم بالفصحى وينفرون من اللهجات المحليّة، فاللغة الفصحى جاذبة في هذا المجال، كما أنّهم يحبّذون أنْ يشرك الحيوان في القصص الخاصّة بهم، والجدير بالذكر هنا أنّ هؤلاء الأطفال ينبغي أنْ يقدّم الأدب الخاص بهم تبعًا للفئة العمريّة لكلّ طفل، فما يرغب به طفل الأربع سنوات قد يسخر منه طفل العاشرة مثلًا، فينبغي للأديب إدراك الفئة العمريّة التي يريد توجيه الأدب لهم. وتوصّل البحث أيضًا إلى أنّ قصص الأطفال هو الموضوع الأنسب للأطفال في توجيههم وتربيتهم ولا سيّما إذا ما قُرن بالحيوانات، فالأطفال يحبّونها حبًّا جمًّا.

Research Summary

This research studied the subject of “childhood” because of its paramount importance in the development of society, and it referred to the definition of childhood for scholars of education and psychology, and the Holy Qur’an preceded that by specifying the childhood stage in a precise way that was able to avoid individual, environmental and societal differences through it. He presented children’s literature and what it meant. He also spoke about the emergence of childhood literature and the stages it crossed and its upbringing in all Islamic countries. The Messenger of God, may God’s prayers and peace be upon him and his family, and the Muslims made great efforts in the field of raising children and urging them to have a sound upbringing. The research also attached importance to what the Arabs have done in defining the terms specific to each age group, and this determination is of great importance in shedding light on each age stage and how to deal with it. Children’s literature included childhood stories, poetic stories and poetry. Childhood literature used animals in which it found a lot of suspense and excitement. He concluded with results related to the precedence of Arabs and Muslims in the Western countries in the matter of raising children and taking care of them, but the West – after their renaissance – began to lay the foundations of education that depended on solid rules that were subjected to experiment and application. The research concluded what the Prince of Poets Ahmed Shawqi made of great efforts in the subject of childhood and his poetic plays and poetry on the tongues of animals. He used to meet with children and see happiness on their faces, partially influenced by “La Fontaine”, as was influenced by this great writer a number of Muslim educators in India and Pakistan. Then childhood literature faded after Shawky and began to rise again at the hands of educators who provided great services for childhood. The research concluded that children like to present their literature in Standard Arabic and are alienated from local dialects, as the classical language is attractive in this field, and they like to involve animals in their stories. It is worth mentioning here that these children should present their own literature according to the age group of each A child. What frightens a four-year-old child may be mocked by a ten-year-old, for example, so the writer should be aware of the age group he wants to direct literature to. The research also concluded that children’s stories are the most appropriate subject for children in guiding and raising them, especially if they are paired with animals, as children love them very much.

المقدّمة

يعدّ موضوع “الطفولة” من الموضوعات الحيويّة والمتجدّدة؛ لأنّ الأطفال – ببساطة – هم عماد المجتمع والعناية بهم هي عناية بالمجتمع بشكل مبكّر نافعة في هذا المجال فحين تعدّ طفلًا ناجحًا، فإنّك تضمن رجلًا ناجحًا أو امرأةً ناجحة. والمعلوم أنّ الأُسرة تتكوّن من رجل وامرأة ومجموع الأُسر هو الذي يكوّن المجتمع. ومعنى ذلك أنّنا نحصل على مجتمع ناجح بالنّهاية ؛ لذا يكتسب البحث في الطفل وأدب الطفل أهميّة بالغة، وركّزت فيه على الجوانب الآتية: تناولت في الجانب الأوّل تعريف الطفولة ومراحلها العمريّة ثمّ تحديد مرحلة الطفولة، معتمدًا على الآيات القرآنيّة في تحديد هذه المرحلة وعلى دقّة العرب في تسمية كلّ مرحلة دلالة على نضجهم اللغوي ونضجهم في التحديد. في الجانب الثاني تناولت أدب الطفل وما المقصود به وما خصائصه التي تميّزه عن أدب الكبار، وأنّ هذا الأدب استعان بقوّة في الاعتماد على الحيوانات، لما لها من تأثير وتشويق على الأطفال. ومرّ البحث على المراحل التي تطوّر فيها أدب الطفولة، وعرّج على نشأة أدب الطفولة في الدول الإسلاميّة كافّة، بعد أنْ عرض لنشأة هذا الموضوع منذ قديم الزّمان وركّز البحث على ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون من جهود في هذا الصدد مستعينًا بآيات القرآن الكريم التي حضّت على توجيه الطفل والعناية بتربيته. وقد شمل أدب الطفل: القصّة والقصّة الشعريّة والشعر والحكايات وغيرها. ثم تناولت جانبًا يخص طرق التربية ومراحل التعلّم. أسأل الله تعالى التوفيق والسّداد وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين.

أوّلًا: الطفل

عرّف العلماء الطفل في اللغة: هو الصغير من كلّ شيء، أو المولود (ابن منظور:2003:مادة طفل). والطفل هو الولد حتّى البلوغ، ويستوي فيه الذكر والأُنثى. قال الأصمعي: غلام طفل وجارية طفلة، ثمّ هو شدخ صغير إذا كان رطبًا، فإذا نما شيء، ويظهر سمنه قيل: قد تضبّب وتحلّم (ابن أبي ثابت 1965 ص15). وسمّى العرب الغلام الذي لم يبلغ الحلم يافعًا، وإذا احتلم قالوا: محتلم وحالم، ثمّ ناشئ بعد ذلك، ثمّ طارّ (ابن أبي ثابت 1965 ص18-19).

وأنت إذْ ترى أنّ العرب عُنيت باللفظ، ومدلوله وكانت من الدّقة بمكان بحيث تطلق على كلّ مرحلة زمنيّة اسمًا أو مصطلحًا يناسبه بدقّة فتقول: الصبي، والشدخ، والحالم، والطفل، واليافع، والحزوّر، والمترعرع، والفتى، والرجل، والكهل، والشيخ. وهذه مسمّيات كثيرة لنوع واحد هو الإنسان، وينطبق الأمر على الحيوان فله مسمّيات كثيرة أيضًا. وما ذاك إلّا لثراء لغة العرب وتطوّر هذه اللغة ويدلّ أيضًا على تنوّع العرب الثقافي ورقيّهم. فاللغة تعبّر عن فكر القوم ومستوى علومهم.

ولكن الذي يمكن الاطمئنان إليه أنّ الطفولة هي المرحلة الأولى من مراحل عمر الإنسان وتبدأ من الولادة إلى البلوغ، قال تعالى: ﴿وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم﴾ النور: 29. وقال تعالى: ﴿ثمّ نخرجكم طفلاً ثمّ لتبلغوا أشدّكم﴾ الحج:5. وهذا يعني أنّ الله تعالى حدّد مرحلة الطفولة قبل البلوغ وهذه المرحلة لا يحاسب الله تعالى عليها الأطفال إذا ماتوا وفضلًا عن ذلك يأخذون بيد آبائهم إلى الجنّة حتّى لو كانوا مذنبين تحنّنًا منه تعالى وإكرامًا لهؤلاء الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم؛ لأنّ عقلهم لم يكن قادرًا على تحمّل أعباء الشرع وأنّه تعالى لا يكلّف نفساً إلّا وسعها.

وتجسّد ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: إنّ الطّفل يجرّ بأبويه إلى الجنّة (النيسابوري 2006 ج2 ص948). وفي خبر آخر: إنّ الأطفال يجتمعون في موقف القيامة عند عرض الخلائق للحساب فيقال للملائكة: اذهبوا بهؤلاء إلى الجنّة، فيقفون على باب الجنّة فيقال لهم: مرحبًا بذراري المسلمين، ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون: فأين آباؤنا وأُمهاتنا؟ فيقول الخزنة: إنّ آباءكم اُمهاتكم ليسوا مثلكم، إنّه كانت لهم ذنوب وسيّئات فهم يحاسبون عليها ويطالبون. قال: فيتضاغون ويضجّون على أبواب الجنّة ضجّة واحدة، فيقول لهم سبحانه: ما هذه الضجّة؟ فيقولون: ربّنا أطفال المسلمين قالوا: لا ندخل الجنّة إلّا مع آبائنا، فيقول الله تعالى: تخلّلوا الجمع فخذوا بأيدي آبائهم فادخلوهم الجنّة. وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: صغارهم دعاميص الجنّة، يتلقّى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده – كما آخذ بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى أو قال: فلا ينتهي حتّى يُدخله وأباه الجنّة (النيسابوري 2006 ج2 ص949). وفي القرآن الكريم أنّ من إحسان الله تبارك وتعالى بهم: الحاقهم بذرياتهم، قال تعالى: ﴿وألحقنا بهم ذريّاتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء﴾ الطور:21 و(بريغش 1997 ص20-21).

وفي علم النفس لكلمة “طفل” مدلولان:

أ- عام: ويطلق على الصغار من سنّ الولادة حتّى النضج الجنسي.

ب- خاص: ويطلق على الصّغار من فوق سنّ المهد حتّى سنّ المراهقة (موسى 2010 ص19). وقسّمت مراحل الطفولة عمومًا على مراحل أربع هي:

1- مرحلة الطفولة المبكّرة، وهي من السّنة صفر إلى سنّ السادسة، وتنقسم هذه المرحلة بدورها إلى مرحلتين: مرحلة الشيئيّة، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل باكتشاف الأشياء المحيطة به وتمتد من السنة صفر إلى ثلاث سنوات. ومرحلة الذاتيّة التي يبدأ فيها الوعي بذاته، وتمتد من ثلاث سنوات إلى ستّ سنوات.

2- مرحلة الطفولة المتوسّطة، وتمتدّ من السنة السادسة إلى التاسعة.

3- مرحلة الطفولة المتأخّرة، وتمتدّ من السنة التاسعة إلى الثانية عشرة.

4- مرحلة المراهقة أو الفتوّة، وتمتدّ من سنّ الثانية عشرة الى الثامنة عشرة (ظ موسى 2010 ص19). وفي الحقيقة أنّ العلماء الذين حدّدوا هذه المراحل بدقّة لا يمكن أنْ تنطبق على الأطفال كلّهم فالقضيّة تخضع للفروق الفرديّة وتخضع أيضًا للبيئة، فنضج الأطفال يختلف من مكان إلى مكانٍ آخر، فمن المعروف أنّ النضج الجنسي يكون في إفريقيا في حدود السنة الثانية عشرة، بينما يتأخّر في أوروبا إلى سنّ الثامنة عشرة، فكيف يكون القياس إذًا؟ ثمّ إنّ الاستيعاب يختلف من مكان إلى مكان ومن أُسرة إلى أُسرة، وكذلك تتفاوت نسب الذكاء بين الأُسر وبين الشّعوب. وقد اختلف العلماء في تقدير وراثة الذكاء فمنهم من قال تصل إلى 30% ومنهم من ال إنّها تصل إلى 40% ومعنى ذلك إذا كان لدينا طفلين بعمر واحد ومن بيئة واحدة إلّا أنّ الأوّل لديه وراثة بنسبة كاملة أيْ 40% والآخر يفتقدها، فعند انطلاقهما في صفّ واحد سيكون الأوّل ضامنًا للتفوّق على الثاني. فينبغي الإلتفات إلى هذه القضيّة المهمّة. وينبغي الإلتفات أيضًا إلى قضيّة مهمّة أُخرى وهي توقّع التفاوت بين المستويات العلميّة، وإتقان بعض الأعمال دون أعمال أُخرى، فنحن نلاحظ – بوضوح – أنّ جميع الآباء والأُمّهات يريدون أنْ يتخرّج أبناءهم من الكليّة الطبيّة، ولا سيّما الأثرياء، والذي ثبت فعلًا أنّ أكثر أبناء الفقراء هم من يحصل على هذه الكليّة وعلى الدرجات العامة في “السادس العلمي” مع أنّ الأثرياء قد وفّروا أشياء لم يستطع الفقراء توفيرها لأبنائهم. وينبغي النظر هنا إلى أنّ المجتمع به حاجة إلى كفاءات مختلفة فالطبيب مهم والفلّاح مهم والمهندس مهم والمعلّم مهم… الخ فليس من المعقول أنْ يكون أبناء المجتمع أطبّاء جميعًا فمن يقوم بالأعمال الأُخرى! ومع ذلك فالدعم مطلوب من الأُسرة لأبنائها مهما كانت درجة ثرائهم.

ثانيًّا أدب الطفل

المقصود بـ”أدب الطفل” ذلك الأدب الذي يقصد الفئة العمريّة دون سنّ النضج، ومن الجدير بالذكر أنّ نهاية الطفولة أمرٌ مُختَلَف فيه بين القانون والعرف وبين التشريع، وتفاوت النضج بين سنة 13 إلى 18 سنة، ومع هذا فالاختلاف ليس جذريًّا، بل الأكثر أهميّة من هذا أنّ الأدب الموجّه لهذه الفئة له خصوصيّة تتعلّق بالعمر، وتتعلّق بمستوى الفهم وتتعلّق بالطريقة التي يُصاغ فيها الأدب. ومن ملاحظاتي وجدت أنّ الأديب الذي يصوغ أدبه على شكل ” قصّة ” ولا سيّما إذا أدخلت البهائم في هذه القصّة يكون ناجحًا، ولعلّ أدب الأطفال قديم والحكايات التي تجري على ألسنة البهائم قديمة أيضًا. ومن الأمثلة الأكثر شيوعًا كتاب ” كليلة ودمنة ” الهندي الأصل الذي ترجمه ابن المقفّع إلى العربيّة، قال في مقدمته:

        هذا كتاب أدبٌ ومحنه       وهو الذي يُدعى كليلٌ دمنه

         فيه حكاياتٌ وفيه رشدُ      وهو كتابٌ وضعته الهنــــــــــدُ

والسّبب من وراء انطاق الحيوانات هو الخوف من السلطان، فيستطيع الأديب أنْ يبثّ أفكاره من خلال ذلك من دون أنْ يلفت الإنتباه إليه. ودرج على هذا المنوال أمير الشعراء في العصر الحديث ولديه شعر كثير يجريه على ألسنة الحيوانات من مثل “الأسد ووزيره الحمار” و”الحمامة” فضلًا عن أنّ له أدب في “مرقّصات الأطفال”.

وتعريف أدب الأطفال اصطلاحًا: فن من الفنون الإنسانيّة الرفيعة يحقق هدفه بوساطة العبارة… و الأدب تعبير عن الحياة وسيلته اللغة (مندور 1974 ص11)، ويعرّفه باحث آخر أنّه: الأدب الموجّه إلى الصّغار بالتعبير الإصطلاحي (موسى 2010 ص9). فهذا الأدب يتوجّه بصورة عامّة إلى مرحلة الطفولة من دون الاختلاف في روح الأدب نفسه. فحين نقول “أدب” فإنّنا نعني به الأدب الموجّه إلى الراشدين من سنّ الثامنة عشرة فما فوق بينما للأطفال أدبهم “الخاص” إذْ يراعي فيه الأديب المستويات الفكريّة والمعرفية لجمهوره، فتبعًا لذلك عليه أنْ يحدّد منذ البداية “قاموسه” المعرفي واللغوي وتركيبه “البيولوجي” لتحديد ميوله الفكريّة فيستعيد ذاكرته وغرائزه الطفوليّة بفكر واعٍ وبهذا يكون مصطلح “أدب الأطفال” متميّزًا بملاءمته مراحل الطفولة المتعدّدة. فما يميّز أدب الأطفال من أدب الكبار “فكرة التناسليّة” أي مراعاة المرحلة العمريّة التي يمرّ بها الطفل كما أنّ الطفولة ليست مرحلة واحدة، فما يُضحك طفل العاشرة قد يثير رُعْبًا أو خوفًا في طفل الخامسة؛ ولذا يراعي الأديب ذلك في مضامين أعماله ولغته وأُسلوبه وتراكيبه، وصوره وتفاصيل الجنس الأدبي الذي يقدّمه للطفل (ظ موسى 2010 ص9-10). فنجد أدب الكبار مختلفًا في درجة الإقبال عليه، فهناك أدب يتعلّق بـ”الرومانسيّة” فهو يستهوي فئة الشّباب، وهناك أدب يستهوي المثقفين والفئة الناضجة من المجتمع، وهناك أدب محافظ وآخر منفتح فليس مرحلة الطفولة تتميّز بهذا، ونرى الآن أنّ الروايات مثلًا أكثر مبيعًا ورواجًا من الكتب الأدبية الأُخرى، بل الأغرب من هذا يتغيّر الإنسان نفسه من عمر إلى عمر فبالأمس كان مراهقًا، واليوم أصبح شيخًا تميّزه الرصانة ويحيط به الوقار.

ورأيت من خلال تجاربي أنّ الأطفال يحبّون أنْ يسمعوا القصص أو يشاهدوا ” أفلام الكارتون المدبلجة ” باللغة العربية الفصحى في حين أنّهم ينفرون من اللهجات الدارجة كالمصريّة مثلًا إذْ لا نرى استمتاع الأطفال بها بالدرجة نفسها التي يحبونها باللغة الرسمية الفصحى نافعة هنا، فالتربويّون حين يُعنون بالطفل إنّما يستبقون الزمن في وضع الحلول الناجعة له بأنْ يعدّوا جيلًا خضع لتربية صحيحة فهو قادر – تبعًا للنظريّات العلميّة – ومن جانب آخر نرى أنّ عناك نتاجًا صدر من لدن أناس ربما لم يكونوا متخصصين بمعنى الدّقة وأعني به طبقة الأدباء من قصاصين وشعراء ومسرحيين وروائيين. قد أخذت القصة مكان الصدارة في أدب الطفولة. وأول القصص المكتوبة في التي عرفتها البشرية هي القصص المصرية المكتوبة على الورق البردي (أبو معال 1988 ص31).

بدأت ملامح أدب الطفولة تتضح مع حقبة السبعينيات من القرن الماضي وعدّت سنة 1979م سنة صدمة العام الدولي للطفل. وقد نوّه بعض من كتب عن الطفل بسعادته عن ذلك ويرى فيما يقوم به مصدرًا لسعادته ؛ لأنّه يشعر شعور الأطفال، ولكنّنا لا نرى هذه السّعادة مطّردة من النّاحية العلميّة، إذْ ترى “آنا فرويد” وهي الابنة الكبرى لعالم النفس الكبير فرويد: أنّ أكبر الأخطاء التي وقع فيها: والدها أنّه كان يضع عقله في عقل الأطفال، ثم يذهب في تفسير حركاتهم، وسكناتهم ويرصد خطراتهم وأنفاسهم… بذلك لم يستطع وهو العالم النفسي الكبير أنْ يتصوّر أنّ الأطفال يمكن لهم أنْ يعبثوا وأنْ يلعبوا… وتلك هي من أكبر مشكلاتنا التربوية دقّة وأعقدها (نجار 1994 ص7). ويرى “طاغور” فيلسوف الهند وشاعرها الكبير الذي حصل على جائزة نوبل للأدب: أنّنا لا يجب أنْ نحرم الأطفال من اللعب في التراب، فتلك مملكة الطفل، والتدخّل فيها أمرٌ غير محمود، وكان الإمام الغزالي العالم العربي الكبير يلحّ على مسألة اللعب ويقول: إنّ الدخول إلى مملكة اللعب لن يكون إلّا بالسماح لهم باللعب، وإن منعناهم عنه فسنرهقهم في التعلم، وسنميت قلوبهم الصغيرة، ونبطئ ذكاءهم، وننغّص عليهم العيش حتى يطلبوا منه الخلاص  (الغزالي 2005 ص87 وظ نجار 1994 ص8). وهذه توجيهات قيّمة من عالم خبر عالم الطفل، وراقب سلوكه، وخلص إلى هذه النتائج المهمّة في بابها، ولم تأت القضيّة اعتباطًا، والغزالي سبق بقوله هذا نظم التربية الحديثة كلّها والنظريات المعاصرة أيضًا (نجار 1994 ص8).

نشأة أدب الأطفال

إذا أُريد بأدب الأطفال كلّ ما يُقال بقصد توجيههم، فإنّه قديم قدم التاريخ البشري حيث وجدت الطفولة، أمّا إذا كان المقصود به ذلك اللون الفنّي الجديد الذي يلتزم بضوابط فنيّة ونفسيّة واجتماعيّة وتربويّة، ويستعين بوسائل الثقافة الحديثة في الوصول إلى الأطفال ففي هذه الحالة ما يزال من أحدث الفنون الأدبيّة  (موسى 2010 ص33). وهذا طبيعي فمن أين نأتي بوسائل الثقافة الحديثة لزمن قديم؟! لكنّ المقبول أنّ لكلّ عصر هناك من يُعنى بتوجيه الآخرين، ففي مصر القديمة عُثر على صور ونقوش سجّلت على جدران القصور، والقبور وكتبت على البردي  (الحديدي 1988 ص50). وفي عهد المصريين القدماء كانت مدّة رعاية الطفولة أطول ممّا هي الآن، فكان على الأم السعيدة أنْ لا تترك طفلها يغيب عن ناظرها مدّة ثلاث سنوات متتاليات تحمله على كتفيها أينما توجّهت ومن ثَمَّ كانت تملأ وقته باللعب والحكايات، وإذا ما ظهرت عليه أعراض المرض ظنّت أنّ هناك عفريتًا تسبّب في هذا المرض فإذا ما صرخ ابنها من آلام المرض قامت تخاطب العفريت، وهي تنتقل في الغرفة جيئةً وذهابًا وتقول له: هل أتيت لتقبّل طفلي؟ أنا لا أسمح لك بأنْ تقبّله. هل أتيت لتؤذيه ؟ أنا لا أسمح لك بأنْ تؤذيه. هل أتيت لتخطفه منّي؟ أنا لا أسمح لك بأنْ تخطفه (بايكي 1932 ص6 وظ: موسى 2010 ص34).

وهناك من الباحثين من يعتقد أنّ أدب الأطفال يعود إلى عصور قديمة، فالحفريّات في العراق تشير إلى أنّ الحضارة السومريّة التي نشأت في الجزء الجنوبي منه قبل نحو خمسة آلاف عام خلّفت وراءها نصوصًا أدبيّة كتبت للأطفال، وصنّفت بأنّها غاية في الروعة والبساطة ومرتبطة بالبنية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، منها قصص الحيوانات وقصص الأساطير والقصص المدرسيّة وقصص المغامرات ( باداود 2003 ص43).

ويرى باحثون أنّ النّواة الحقيقيّة لأدب الأطفال في التاريخ عند الإنسان الأوّل قصص لمغامراته، والصعوبات التي كانت تعترضه بسبب قسوة الطبيعة من برد وحرّ وجبال وأنهار ثم الصعوبات التي يواجهها من الحيوانات، التي يستفيد منها ثمّ تطوّر أدب الأطفال لكي يتحدّث فيه الأب لأطفاله عن المزروعات، التي كان يستفيد منها ثمّ بدأ يحدّثهم عن المنطقة التي يعيش فيها حتّى يعرّف ابنه عليها، وعندما تشكّلت القبائل أخذ أدب الأطفل يجاري طبيعة هذا اللون الجديد قصص عن الشجاعة والفروسيّة والحروب (أبو معال 1988 ص28). وفي الجاهليّة هناك الحكماء مثلًا فهم يوجّهون الناس ومن ضمنهم الأطفال. وفي الإسلام جاء القرآن الكريم بتعاليم تخصّ الناس جميعاً ومنهم الأطفال، فقد نزلت تشريعات في قضيّة دخول الأطفال على الآباء في أوقات معيّنة ولا يمكنهم الدخول عليهم في أوقات أُخرى، قال تعالى:﴿ وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطفَاٰلُ مِنكُمُ ٱلحُلُمَ فَليَستَ‍ٔذِنُواْ كَمَا ٱستَ‍ٔذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبلِهِم كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُم ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم﴾ النور59. ومعلوم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعدّ من تجاوز 15 سنة رجلًا يشارك في الجهاد وتجري عليه التكليفات الشرعيّة (موسى 2010 ص110). ومعلوم أيضًا أنّ علماء النفس والتربية يختلفون في ما بينهم في تقسيمات موحّدة لمراحل النموّ إذْ لا توجد حدود فاصلة بين كلّ مرحلة وتاليتها (موسى 2010 ص110). والملاحظة الجديرة في الأخذ بالحسبان أنّ القرآن حدّد تحديدًا واضحًا قضيّة الاستئذان ببلوغ الحلم وهذه قضيّة “بيولوجيّة” تنفع مع جميع البيئات ولم يذكر سنًّا معيّنة مثلما ذكره في مواضع أُخرى كثيرة. ونشأة أدب الطفل في الإسلام ترتبط بتعليمه أوّلًا القرآن الكريم الذي حفلت آياته بهذا التوجّه، قال تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ لُقمَٰنُ لِٱبنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشرِك بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيم وَوَصَّينَا ٱلإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمُّهُۥ وَهنًا عَلَىٰ وَهن وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَينِ أَنِ ٱشكُر لِي وَلِوَٰلِدَيكَ إِلَيَّ ٱلمَصِيرُ وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِۦ عِلم فَلَا تُطِعهُمَا وَصَاحِبهُمَا فِي ٱلدُّنيَا مَعرُوفا وَٱتَّبِع سَبِيلَ مَن أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرجِعُكُم فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثقَالَ حَبَّة مِّن خَردَل فَتَكُن فِي صَخرَةٍ أَو فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَو فِي ٱلأَرضِ يَأتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأمُر بِٱلمَعرُوفِ وَٱنهَ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَٱصبِر عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِن عَزمِ ٱلأُمُورِ وَلَا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمشِ فِي ٱلأَرضِ مَرَحًا إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُختَال فَخُور وَٱقصِد فِي مَشيِكَ وَٱغضُض مِن صَوتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصوَٰتِ لَصَوتُ ٱلحَمِير﴾ لقمان: 13-19. فأوّل ما بدأ لقمان الحكيم (عليه السلام) بوعظ ابنه أنْ لا يُشرك بالله شيئًا، ولم يبدأ بأنْ يحض ابنه على طاعته من أجل المصلحة سواء أكانت مصلحة الأب أو مصلحة الابن بناء على ما نرى اليوم، فالشرك إنهاء للإنسان إذْ لا يغفر الله تعالى للمشركين أبدًا وعلى الولد أنْ لا يطيع أبويه إذا دفعاه إلى الشرك فليس طاعة الو الدين بالمطلق ؛ لأنّهما بشر يصيبان ويُخطئان ! وبعد أنْ أخبر لقمان ابنه بأنّ الله تعالى مطلع على كلّ شيء أمره بالتزام آداب معيّنة هي: الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر والتواضع، والاقتصاد في المشي والغض من الصوت. هذه هي قمّة مايصل إليه الإنسان من رقيّ في الأخلاق. فإذا تجسّدت هذه الأخلاق في مجتمع فعندها وصل إلى مراتب عجيبة في هذا المضمار. ويمكن للطفل أن يُفيد من هذا النصّ على أنّه قصّة وأنّه منهج تربية وهكذا فإنّ العقيدة وترسيخها وتوضيحها بالطرق والأساليب المناسبة من الأُسس المهمّة للتربية الإسلاميّة وتأتي العقيدة عن طرق كثيرة، لا عن طريق التلقين الآلي وحفظ النصوص الجاهزة فقط بل بطرق عديدة، مثل ربط الطفل بالعبادة، وبتلاوة القرآن الكريم، وتعويده على ارتياد المساجد وعلى ذكر الله والتوجّه إليه بالدعاء والتقرّب إلى الله بالنوافل، والإلتجاء إليه في الملمّات وفتح بصره على آثار قدرة الله في الكون وفي الإنسان وتنبيه العقل، والقلب لمراقبة الله تعالى في السرّ والعلن وبيان الصفات التي تصوّر الله عزّ وجلّ في حالة قريبة من الإنسان بحيث يراه ويرعاه، واستخدام الأدلّة البديهيّة في الإقناع واستخدام الحقائق والمكتشفات العلميّة الحديثة أيضًا، وتكوين العاطفة الإيمانيّة القويّة (يالجن 1406ه 175، وظ بريغش 1997 ص 30، وظ الغزالي 2005 ص 1/94). ولا ينكر أحد أنّ أدب الأطفال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأُسرة ولا ينقض هذا ما درج عليه المؤرخون من تجاهل يكاد يكون تامًّا لأدب الأطفال شعرًا ونثرًا، فلمْ يُحفظ قديماً بالدراسة والتسجيل والتبويب. خاصّة وأنّ أدب الأطفال في السنوات الأولى كان من واجبات الأسرة،الجدّة أو الأُم أو الأب وغيرهم من أفراد المنزل، ولذلك كان خاضعًا للإجتهاد الشخصيّ والتقليد وتوارث التراث جيلًا بعد جيل (الكيلاني 1991 ص12-23).وهؤلاء كانوا يُنشدون لأطفالهم؛ لآنّ هذه الأناشيد ترتبط ارتباطا وثيقا في بمهام التربية (بريغش 1997 ص43). وكانت السيّدة فاطمة (عليها السلام) تُرقّص الحسين وتقول:

       وا بأبي شبه النبي        ليس شبيهًا بعلي  (الأندلسي 1404ه ج1 ص278)

وكان الزبير يرقّص ابنه عروة ويقول له:

أبيض من آل أبي عتيقِ         مباركٌ من ولد الصديقِ

                     ألذّه كما ألذّ ريقي    (الماوردي 2006 ص118)

ومعروف أنّ الأطفال خرجوا لاستقبال رسول الله تعالى صلّى الله عليه وآله وسلّم في هجرته من مكّة إلى المدينة وهم ينشدون:

 طلع البدر علينا        من ثنيّات الوداعْ

وجب الشكر علينا       ما دعا لله داعْ

وقد أدرك العلماء المسلمون القدماء أنّ المنهج التربوي الشامل للطفل لا يتمّ اكتماله إلّا إذا راعى النواحي المتعدّدة الآتية:

1- العقيدة الدينيّة (الإسلام طبعًا).

2- المنجزات والحقائق العلميّة.

3- الجوانب الترفيهيّة والفكاهيّة.

4- الالتزامات الأخلاقيّة.

5- تنمية المهارات الرياضيّة.

6- تنمية المواهب أو المهارات والإبداعات الفنيّة.

7- إثراء الحصيلة الثقافيّة (كيلاني 1991  ص28-29).

وفي ما يتعلّق الأمر بجوانب الترفيه ينبغي أنْ لا يأنف المربون المسلمون، فقد الرسول يمازح الصغار ويتودّد إلى الناس، وقد أفاضت كتب الأدب العربي ككتب الجاحظ وغيره بمختلف اللطائف والفكاهة، وما ذاك إلّا لأهميته القصوى في الترغيب. ويمكن إيجاز أدب الطفولة بالآتي:

  • قصص الأخبار والمغازي والمثل والحكايات.
  • قصص القرآن الكريم.
  • قصص الأحاديث النبويّة الشريفة.
  • قصص الفتوحات الإسلاميّة.
  • قصص الأسفار والتجار والرحلات.
  • قصص الجن والملائكة والسحر.
  • الأساطير.
  • الأناشيد والأغاني والأشعار.
  • الحكم والأمثال والخطب.
  • الألغاز الشعرية والنثريّة.

ثمّ جاء العصر الحديث وظهرت علوم النفس والتربية والاجتماع والمدارس الفكريّة والفنيّة وبدأ أدب الأطفال يظهر بصورة “مبلورة” في القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا وقد سبق العلماء المسلمون إلى ذلك. (كيلاني 1991 ص29-31)

قصص الأطفال

ومعلوم أنّ القرآن الكريم حفل بالقصّة؛ لما لها من تأثير عظيم في تقبّل الموضوع الذي تتناوله القصّة، فالقصّة لها أُسلوب مؤثّر وتتميّز بإقرار النتيجة أو العبرة صراحة: وهو أمرٌ تخالفه معظم مدارس القصّة الغربيّة المعاصرة، إذْ لا تحفل بإثبات أو تبيان الهدف أو الغاية من القصّة حتّى تترك المتلقّي يفهمها وحده، أو يستنتج منها ما يشاء طبقًا لمقدرته ومزاجه وهواجسه، ذلك كنوع من الإثارة والإمتاع والمشاركة، وذلك ما جعل عالمًا كبيرًا كالشيخ محمد متولّي الشعراوي يقول: إنّ القصص القرآني قصص متميّز له قداسته وتفرّده وليس مثل القصص الذي نقرؤه اليوم (كيلاني 1991 ص52). وفي الحقيقة أنّ الشعراوي أو غيره من العلماء لم يكونوا مختصّين بالقصّة أو الرّواية والأمر الذي ينطبق على القصّة القرآنيّة، هي أنّ الخيال لا ياخذ طريقه إليها مثل الرّواية، فكاتب القصّة أو الرّواية يعتمد في بنائها على عناصر منها: الخيال. فالقصّة القرآنيّة دقيقة للغاية ولم يكن الإتيان بها يهدف إلى الإثارة أو ما يقترب منها بقدر ما يكون الإتيان بها يهدف إلى العظة والاعتبار ؛ لذلك قال تعالى: ﴿نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ ٱلقَصَصِ بِمَآ أَوحَينَآ إِلَيكَ هَٰذَا ٱلقُرءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِۦ لَمِنَ ٱلغَٰفِلِينَ﴾ يوسف: 3. فقال: أحسن، وكلمة أحسن معناها أنّها تغاير القصص الآخر بما عُرف عن القصص الآخر من تأليف صاحب القصّة وما يضيفه الناقلون لها، فالقرآن الكريم أصدق ترجمة وأصدق مصدر ينقل الواقع الذي حدث، فضلًا عن أنّ قصّة يوسف (عليه السلام) تتحدّث عن نبي ابن نبي، والنبوّة أفضل شيء ينقل الناس من الظلمات إلى النّور. وعناصر القصّة للأطفال: لا تخرج عن مثيلاتها في القصّة كعمل أدبي مع مراعاة ما يناسب الطفل عند تطبيق القواعد  (كيلاني 1991 ص58). وتجاوزت الكتب التي صدرت للأطفال في البلدان الإسلاميّة أربعة آلاف كتاب (يوسف 2017 ص30) منها مخصّصة للقصص. فكتب (مولاي نزار أحمد) رواية “مرآة للعروس” وهي أوّل عمل روائي للإطفال في باكستان باللغة الأورديّة وفي الهند أصدر الشيخ أبو الحسن الندوي عددًا من الكتب، تعرض لقصص الأنبياء وللسيرة النبويّة. وكتب علماء هنود لندوة العلماء في تعليم الأطفال الهنود اللغة العربيّة مجموعة من الكتب منها: القراءة الرّاشدة وهو كتاب ضمّ مجموعة من القصص الجميلة المعبّرة، وقصّة ” سفينة على البرّ ” وقصّة ” والضيف الجائع ” وقصّة “من دون أحد” وقصّة “شهامة اليتيم”.

الشّعر

وقد ألّف الشاعر أحمد إقبال عددًا من القصائد الخاصّة بالأطفال من أهمّها: (عنكبوت وذباب) و(جبل وسنجاب) و(بقرة وغنم) و(دعاء الطفل) و(التعاطف) وغيرها (وعنيت كتب في ذلك منها: أدب الأطفال ومكتباتهم لهيفاء شرايحة، وأدب الأطفال لهادي الهيتي، وأدب الأطفال في الهند بين النظرية والتطبيق لمحسن عثمان الندوي). وقام رفاعة الطهطاوي في مصر بترجمة كتاب للأطفال عن الإنجليزيّة، وأكثرخطوة أهمّيّة في هذا المجال ما قام به أمير الشعراء أحمد شوقي من كتابة للأطفال؛ لأنّه أوّل من ألّف باللغة العربيّة وأفاد من قراءاته لـ”لافونتين”، ولا سيّما حكاياته الشهيرة (الحديدي 1988 ص241 وهناك من سبق شوقيًّا، إلّا أنهم كانوا متأثرين بالغرب). وكان شوقي قد كتب أكثر من خمسين قصّةً شعريّة للأطفال، ونظم أكثر من عشرة أناشيد أو أُغنيات اتّسمتْ كلّها بسهولة الأُسلوب وتسلسل الأحداث ووضوح الهدف التربوي إلى جانب التسلية والترفيه (ظلام 1986 ص6). وقد تحدّث شوقي نفسه عن الحكايات والأُغنيات التي كتبها للأطفال بقوله: وجرّبت خاطري في نظم الحكايات على أسلوب (لافونتين) الشهيرة وفي هذه المجموعة شيء من ذلك، فكنت إذا فرغت من وضع اُسطورتين أو ثلاث أجتمع بأحداث المصريين وأقرأ عليهم شيئًا منها، فيفهمونه لأوّل وهلة، ويأنسون إليه ويضحكون من أكثره، وأنا أستبشر لذلك، وأتمنى لو وفّقني الله لأجعل الأطفال المصريين مثلما جعل الشّعراء للأطفال في البلاد المستحدثة منظومات قريبة المتناول يأخذون الحكمة من خلالها على قدر عقولهم (شوقي 1988 ص المقدمة). واستطاع أحمد شوقي أنْ يقدّم للطفال مادة مشوّقة ومفيدة في الوقت نفسه، وهو بحقّ رائد أدب الطفولة في العالم العربي، وحرصًا منه على التشويق قدّم مادته عن طريق قصص الحيوانات بأُسلوب محكم ورصين وقد راعى مستوى الأطفال ؛ لذلك تراه يقدّم المادة بعيدًا من الفلسفة وكلّ ما يمتّ بصلة إلى التعقيد. وبعد شوقي نلاقي فتورًا في أدب الطفال ثمّ عمد محمّد عثمان جلال إلى ترجمة كثير من حكايات لافونتين بأسلوب شعري محاولًا إضفاء الطابع المصري عليها وبعده ألّف إبراهيم العرب كتاب خرافات على لسان الحيوان سمّاه  (آداب العرب) قلّد فيه لافونتين وفي سنة 1914 ترجم أمين خيرت الغندور مجموعة قصص “كنوز سليمان” للكاتب الإنكليزي راندر هاجرد. وكتب علي فكري ” النصح المبين في محفوظات البنين “وردت فيه أنشودة” في طاعة الوالدين جاء فيها:

 أطع الإله كما أمر             واملأ فؤادك بالحذر

وأطع أباك لأنّــــــــــــــــــه            ربّاك من عهد الصغر

واخضع لأمّك وارضها         فعقوقها إحدى الكبر

فإذا مرضتَ فإنّهــــــــــــا        تبكي بدمعٍ كالمطر

وخطا محمّد الهراوي وكامل الكيلاني خطوات مهمّة في هذا الإتجاه، فأوّل ما كتبه الهراوي منظومات قصصيّة بعنوان “سمير الأطفال للبنين” في سنة 1922م و”سمير الأطفال للبنات” في سنة 1924م، يقول في بعضها:

أنا في الصبح تلميذٌ      وبعد الظهر نجّارُ

فلي قلمٌ وقرطــــــاسٌ      وإزميلٌ ومنشارُ

وعلمي إنْ يكن شرفاً    فما في صنعتي عارُ

فللعلمـــــــــــــــــاء مرتبةٌ     وللصناع مقـــــــــــــدارُ

ثمّ توالى العلماء والأدباء والتربويّون يقدّمون للأطفال ما ينفعهم وألّفت الأبحاث العلميّة، وطبعت المجلّات في البلدان العربيّة كافة، لما للأطفال من أهميّة كبرى، فهم رجال المستقبل ونساؤه. وقد تفنّن التربويّون وعلماء الإجتماع وعلماء النفس بتقديم ماهو أفضل للأطفال، حتّى في مسألة النصح فهو وسيلة مخفقة للأطفال، والدخول إلى مملكتهم صعبٌ غير ميسور فكيف العمل؟! إنّ الطفل يريد الحريّة كأيّ مخلوق في الكون ونحن حين نفهم عالمه نكون بذلك قد أعددنا للإفادة من حرّيته بشكل صحيح. إنّ فهم الأطفال لا يأتي عن طريق الإرشادات والنصائح المملّة المكرورة المستمرّة طوال الليل والنهار  (نجار 1994 ص7). ومع هذا ينبغي أنْ يُلتفت إلى أهميّة النصح بطريقة صحيحة، فالناصح يجب عليه اختيار الأوقات الملائمة لكي يُدلي بنصحه، ونحن نعلم – كما مرّ علينا – نصح لقمان الحكيم (عليه السلام) لابنه ولا يستهان بذلك. فلا يصحّ ترك العمل بالنصح فاللعب ينبغي أنْ يكون تحت أنظار الآباء أو مَنْ يقوم بهذا الأمر. مع الأخذ بالحسبان إيلاء مسألة اللعب أهميّة من باب الفائدة، وتفريغ الطاقة الزائدة بشكل إيجابي وليس المقصود العبث المحض. ونحن نعلم أنّ عرب الجاهليّة كانوا يُرسلون أبناءهم إلى البادية ليكتسبوا صلابتها ويتعلّموا أخلاق البادية، وقد أُرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهذا ثابت في سيرته العطرة، و: طيلة التاسع عشر والنصف الأوّل من القرن العشرين كان يُرسل الأطفال الصغار الذين تحضنهم مصلحة المساعدة الحكوميّة إلى أماكن احتضان عائليّة ذات طابع ريفيّ، وكان هؤلاء يُرسلون إلى هذه الأماكن بعد إقامة تكاد تطول في دار أو في مكان تجمّع. هذا النظام البسيط كان يعبّر عن ثقة لا حدود لها بمزايا الحياة الريفيّة  (شازال 1983 ص23، وظ:ابن اسحاق:2004: ص162 فقد ذكر نسب حليمة السعدية مرضعة النبي (ص)ونسب أبيها، وذكر أبا النبي (ص) من الرضاعة وأخوته من الرضاعة، وذكر ذلك ابن هشام أيضًا (د. ت) 1/168، كما ذكر ابن هشام أيضًا سبب خؤولة بني عدي بن النجار لرسول الله (ص) وهم يسكنون البادية؛ لذلك قال النبي (ص): أنا أعربكم، أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر (ابن هشام (د.ت) ج 1/ ص167).

الخاتمة

توصّل البحث إلى النتائج الآتية:

  • إنّ موضوع الطفولة قديم قدم الإنسان، إذا ما قصد به العناية بالطفل كما أثبتت الحفريّات في جنوب العراق.
  • إنّ المسلمين قد سبقوا الغرب بقرون عديدة، وقد أفاد الغربيّون من جهود العلماء المسلمين في موضوع الطفولة.
  • بيّن القرآن الكريم انتهاء مرحلة الطفولة بشكل دقيق وحاسم، وأنهى النقاش حول المراحل العمريّة متجاوزًا التفاوت البيئي والمجتمعي في هذا الإطار.
  • قدّم الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون أُسسًا ناجعة في تربية الطفل وتنشئته.
  • كان أحمد شوقي رائدًا لأدب الطفولة عند العرب وقد تأثّر بـ”لافونتين” في بعض أعماله.
  • تأثّر العلماء العرب والتربويّون بـ”لافونتين” في موضوع الطفولة.
  • مع أنّ المسلمين أثّروا في الغرب في موضوع أدب الطفولة، إلّا أنّ الغربيين أدخلوا أُسس التربية الحديثة ووسائل التكنولوجيا الحديثة، وطبّقوا على نظريّاته ما أكسبوهم مقدرة عظيمة في تنشئة الأطفال والدّفاع عن الطفولة بقوانين دقيقة.
  • كانت القصّة مادة مشوّقة للأطفال استطاع الديب من خلالها أنْ يقدّم مادة ناجحة في تربية الأطفال وتنشئتهم.
  • قدّم الأديب العربي والمسلم كثيرًا من قصص الأطفال والقصائد الشعريّة في تربية الأطفال.
  • أُلّفت العشرات من القصائد الشعريّة والقصص الإسلامي للأطفال على أيدي الأدباء المسلمين، كما طبعت العشرات من الكتب والمجلّات العلميّة التي تختصّ بالأطفال في الدول الإسلاميّة كافّة.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن إسحاق، السيرة النبويّة، تحقيق أحمد فريد المزيدي، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 2004م، ص162.
  • الأندلسي، ابن عبد ربه، العقد الفريد، تحقيق الدكتور مفيد محمد قميحة، ط1، بيروت، 1983م، ج1، ص278.
  • باداود، سعيد بن عمر، أدب الطفل العربي، ط1، الكويت، دار سعاد الصباح، ص43.
  • بايكي، جيمس، مصر القديمة، ترجمة نجيب محفوظ، ط1، القاهرة، 1932، ص6.
  • بريغش، محمد حسن، أدب الأطفال أهدافه وسماته، ط3، مؤسسة الرسالة، 1997م، ص20-21.
  • ثابت، أبو محمد ابن أبي ثابت، خلق الإنسان، تحقيق عبد الستّار أحمد فراج، ط1، الكويت، وزارة الإرشاد والانباء، 1965م، ص15.
  • الحديدي، د. عليّ، في أدب الأطفال، ط4، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1988م، ص50.
  • شازال، جان، حقوق الطفل، ترجمة ميشال أبي فاضل، ط1، عويدات، 2016م، ص23.

10- شوقي، أحمد، الشوقيات، ط1، القاهرة، 1926م.

11- ظلام، د. سعيد، شوقي والطفولة، العدد الرابع،جامعة الأزهر، مجلة كلية اللغة العربية، 1986م، ص6.

12- الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، ط2، بيروت، دار المعرفة، 1998م، ص8.

13- الكيلاني، د. نجيب، أدب الأطفال في ضوء الإسلام، ط3، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1991م، ص12-23.

14- الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، ط1، أدب الدنيا والدين، بيروت، دار الكتب العلمية، مكتبة الايمان، 2006م، ص118.

15- أبو معال، عبد الفتاح، أدب الأطفال دراسة وتطبيق، ط2، دار الشروق، الأُردن، ط2، 1988م، ص31.

16- موسى، د.أنور عبد الحميد، أدب الأطفال… ” فنّ المستقبل “ط1،بيروت،. دار النهضة العربية. 2010م.ص 20.

17- مندور، د محمد، الأدب وفنونه، ط1، القاهرة، دار نهضة مصر، 1974م، ص11.

18- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ط3، القاهرة، دار الحديث، 2003م، مادة طفل.

19- نجار، نزار، في أدب الأطفال، منشورات اتّحاد الكتّاب العرب، 1994م، ص7.

20- الندوي، د. محسن عثمان، أدب الأطفال في الهند بين النظريّة والتطبيق، نيو دلهي، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي  (ندوة الطفل المسلم).

21- النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم، تحقيق نظير بن محمد الفاريابي، ط1، دار طيبة، 2006، ج2، ص948.

22- يالجن، د. مقداد، جوانب التربية الإسلامية، ط1، 1406ه.

23- يوسف، عبد النواب، الأطفال في عالمنا المعاصر، ط1، دار الكتاب اللبناني، 2017م، ص30.

[1] – جامعة الكوفة- مركز دراسات الكوفة-raheem.alsaedi@uokufa.edu.iq

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website