foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

دراسة تحلیلیّة لأصناف عُمّال حكومة أمیر المؤمنین عليّ (ع) علی ضوء نصوص نهج البلاغة، وإحصاء خصائص صلاحیّتهم أو عدمها (تقدیم نماذج)

0

دراسة تحلیلیّة لأصناف عُمّال حكومة أمیر المؤمنین عليّ (ع) علی ضوء نصوص نهج البلاغة، وإحصاء خصائص صلاحیّتهم أو عدمها (تقدیم نماذج)

سيّد محمّد مهدي اَبطحي/ الدكتور محسن صمدانیان••/ الدكتور رضا شُكراني•••

الملخّص

تُعدُّ مدة حكومة أمیر المؤمنین عليّ (علیه السلام) إحدی فترات تاریخ الإسلام المُهِمَّة التي نجدُ فیها أبلغَ العِبَر والدروس. فلربّما یظن البعض. نظرًا لما أنّه كان في رأس الحكومة وصدارتها إنسان كامل وإمام معصوم ـ فلا جَرَم أن یكون كلّ أركان حكومته صالحین وكل مدیروها ومسؤولیها قد اتّسقوا علی نسق الإمام، بیدَ أنَّ الباحث عبرَ دراسة الروایات والتاریخ، ولا سیّما نهج البلاغة، یجدُ هناك بونًا شاسعًا بین التطبیق المفروض والواقع المُعاش.

وفي تفسیر صبحي الصالح، قد أشیر في نصوص نهج البلاغة وفي هامشها إلی خمسة وثلاثين من عمّال حكومة أمیر المؤمنین (علیه السلام). وبدراسة تشریحیّة وتحلیلیّة بوسعنا أن نَستشّفّ بأنَّ عمّال حكومة عليّ(ع) لم یكونوا بأجمعهم علی نسقٍ واحد في أداء واجباتهم المحوَّلة إلیهم، وإنَّما ینقسمون إلی خمسة أصناف علی ما یلي:

1 ـ المدیرون المعیار في الحكومة العلویة.

2 ـ الصالحون الواهنون.

3 ـ مَن تمّت استحالتهم.

4 ـ المنافقون الخدّاعون.

5 ـ المفروضون قسراً علی الحكومة من قِبَل الناس.

إننا لدی دراسة خصائص هذه الأصناف الخمسة حصلنا علی خمس عشرة أمارة وعلامة من معالم صلاحیة المدیرین في الحكومة العلویة، إذ یمكن تصنیفها في الشرائح الآتیة:

1 ـ الفكریة والاعتقادیة: «الإیمان والالتزام»، «العلم والمعرفة»، «حسن التدبیر والإدارة»، و«البصیرة السیاسیة والرؤیة السیاسية».

2 ـ العلمیّة والتنفیذیّة: «حُسنُ السابقة»، «التجربة»، «القدرة والنجاعة»، «الجهاد والتضحیة»، و«الفصاحة والبلاغة».

3 ـ  الأخلاقیّة والتّربویّة: «الشجاعة»، «حفظ الأمانة»، و«الاهتمام بالتربیةالأسریة».

4ـ المقبولیّة: «عند المسؤولین في المراتب العلیا»، «عند الناس والقوات التابعة»، و«اختیارالعمال المحلیین».

المفردات المفتاحیّة: عمّالُ حكومةِ أمیرالمؤمنین (ع)، معاییرُ صلاحیة المدیرین، الحكومة العلویّة، نهج البلاغة.

Analytical study of different types of agents of Amir al-Mo’menin (AS) government based on Nahj al-Balaghah

And to recognize their competent or incompetent characteristics (template presentation)

Sayed Mohammad Mahdi Abtahi·

Dr. Mohsen Samadanian··

Dr. Reza Shokrani···

Abstract

Governing period of Amir al-Muminin (peace be upon him) is one of the most instructive periods in the history of Islam. since this hewas a perfect human being and an infallible Imam, some may believe all the pillars of the government were worthy and all managers and officials were in compliance with His standards.  But what has been achieved by examining the narratives and history, and particularly by studying Nahj al-Balaghah, there has been a gap between his standards and realities.

In the text or border of Nahj al-Balaghah there are names of 35 governmental agents of Amir al-Muminin (peace be upon him). An analytical study reveals that according to Nahj al-Balaghah, the agents of the government of Ali (peace be upon him) are divided into 5 categories and this article describes the characteristics of these 5 groups:

1) managers in real level of Alawi government

2) partly weak competencies

3) permutated

4) Deceitful hypocrites

5) Impositions of the people on the government

By studying the characteristics of these 5 groups, 15 criteria for the competence of managers in the Alawite government were found, which are classified into the following 4 categories:

1) Intellectual and doctrinal: “Faith and Commitment”, “Science and Knowledge”, Management” and “Political Insight”

2) Practical and executive: “bright background”, “experience”, “power and efficiency”, “jihad and sacrifice” and “eloquence and rhetoric”

3) Moral and educational: “courage”, “fiduciary” and “family”

4) Acceptability: “in the eyes of superiors”, “in the eyes of the people and the forces under their command” and “being native”

Keywords: Types of Managers, Alawite Government, Nahj al-Balaghah, Agents of the Government of Amir al-Mo’menin (AS).

المقدمة

معاییرُ قیّمة لتعیین المدیرین والمسؤولین علی ضوء القرآن الكریم، وروایات المعصومین (علیهم السلام) إذ توجِبُ رعایتها إدارة البلد علی یدِ أشخاص یحظون بصلاحیات علمیة وعملیة. وبعض هذه المعاییر معالمٌ واضحةُ العیان یمكن العثور علیها في القرآن الكریم؛ كالآیة 55 من سورة یوسف (ع) “وقضیة وصوله إلی من غلام أسیر إلیكونهالخزائن في مصر” والآیة 247 من سورة البقرة “قصة قیادة طالوت” وكذلك المعاییر التی بیّنها أمیرالمؤمنین (ع) في الرسالة 53 مخاطبًا بها مالك الأشتر لتعیین عمّال الحكومة.

لكن في الحقبات المتعدّدة للحكومة الدّینیّة بقیادة الأنبیاء والأولیاء (علیهم السلام)، بما فیها أعلی درجات النّماذج الصّالحة، وهي الحكومة العلویّة؛ أي حكومة نفس أمیرالمؤمنین (ع) فإنّ ما حدث لیس دائمًا كان هو اختیار أشخاص صالحین وأكفياء لسِدة الحُكم، بل في أماکن متعددة وشتّی هناك بَونٌ شاسعٌ بین المطلوب المأمول من جهة، وبین الواقع المُعاش لدی التطبیق مِن جهة أخری.

ومن هذه الجهة بعنایة دراسة سیرة أمیر المؤمنین (ع) والبحث في سِفرِ نهج البلاغة نقوم بدراسة خصائص مدیري حكومته ومسؤولي أیام إمارته وعمّاله علی الأمصار الإسلامیّة، وذلك بوصفنا نسخة نهج البلاغة لـ(صبحي الصالح) المبنی لهذا البحث. وقد وجدنا أسماء خمسة وثلاثين عاملًا من عمّال حكومة خاطبهُم الإمام إمّا في نهج البلاغة وإمّا أن تمّت الإشارة إلیهم في هوامش شروح نهج البلاغة.

ومن بین أولئك المذكورین جاء ذکر عشرين شخصًا في نهج البلاغة، وتمّت الإشارة إلی خصائصهم الإیجابیة المحمودة أو السلبیة المذمومة نصنّفهم في «الجدول رقم (1)». ومن الجدیر بالذكر، أننا نذكر اسمَ هؤلاء الأفراد في هذا الجدول علی غرار نفس الترتیب الموجود في نهج البلاغة ـ حسب التوالي:

 الجهة المعنیّة العنوان     عنوان المسؤولیة      عدد موارد

تكرار  الإسم

اسم العامل   توالي  الأسماء حسب نهج البلاغة
في بعض الموارد الخطبة 19، 121 و224

الحِكمة 291 و414

عامل آذربایجان 6 أشعث بن قیس 1
الخطبة 25

الرسالة 41

عامل الیمن، ومن المحتمل البصرة 2 عبید الله بن العباس  2
الخطبة 25 عامل الیمن 1 سعید بن نمران 3
  الخطبة 180 و26

الرسالة 53 و35، 34

عامل مصر 7 محمد بن أبي بكر 4
في بعض الموارد الخطبة 31،33،240

الرسالة 18،22،35،41،66،72،76و77

الحكمة 321 و 476

ممثله (ع) لنصیحة الزبیر،

ممثله (ع) لنصح الخوارج، عامل فارس

13 عبد الله بن عباس 5
الخطبة 35،177،178و238

الرسالة 63و78

ممثله في حكمیّة عامل الكوفة 6 أبو موسی الأشعري 6
الخطبة 44

الرسالة 43

عامل اردشیرخرّه 2 مصقلة بن هبیرة الشیباني 7
الخطبة 68 المقترح لولایة مصر 1 هاشم بن عتبة 8
في مورد واحد الخطبة 182و233 والي خراسان 2 جعده    بن هبیره المخزومي 9
الخطبة 182

الحكمة 405

ممثله (ع) في الأمور السیاسیة 2 عمار بن یاسر 10
الرسالة 3 قاضي الكوفة 1 شریح بن حارث الكندي 11
في مورد واحد الرسالة 4 و45 عامل البصرة 2 عثمان بن حنیف 12
الرسالة 13، 34، 38، 46، 53، 62

الحكمة 443

قائد عسكري

عامل مصر

7 مالك بن حارث الأشتر 13
الرسالة 19 عامل فارس 1 عمر بن أبي سلمة الأرحبي 14
في مورد واحد الرسالة 20،21 و44

الحكمة 476

ممثل عامل البصرة

عامل فارس

4 زیاد بن أبیه 15
الرسالة 42 عامل البحرین 1 عمر بن أبي سلمة المخزومي 16
الرسالة 61

الحكمة 147و257

عامل هیت 3 كمیل بن زیاد النخعي 17
الرسالة 70

الحكمة 111

عامل المدینة 2 سهل بن حنیف

 

18
الرسالة 71 عامل 1 المنذر بن الجارود العبدي 19
الحكمة 311 ممثله (ع) لنصح طلحة والزبیر 1 أنس بن مالك 20

الجدول رقم (1)

كما جاء ذكر أسماء: محمد بن الحنفیة، ومالك بن كعب، وجریر بن عبد الله البجلي، وصعصعة بن صوحان، وقیس بن سعد، وأبي أیوب الأنصاري، وزیاد بن النصر الحارثي، وشریح بن هاني، ومعقل بن قیس الریاحي، ومخنف بن سلیم، وقثم بن العباس، والنعمان بن عجلان الزرقي، وعمران بن حصین الخزاعي، والأسود بن قطبة، وأبي جحیفةوهب بن عبد الله، كعمّال حكومة أمیر المؤمنین (ع) دون ذكر بیان الجهة الخاصة لهم من إیجاب أو نفي في نهج البلاغة.

خطّةُ البحث

بما أنّ عمّال الحكومة العلویة ینقسمون إلی عدة أصناف، فالسؤال المطروح أمام الباحثین: ما هي معاییر المسؤول الصالح في حكومة أمیرالمؤمنین (ع) من منظور نهج البلاغة؟ كما لا بدَّ وأن نتمكن مِن خلال سبر أغوار نهج البلاغة أن نعرّف نماذج للمدیرین والمسؤولین الصالحین في نظام الحكومة الإسلامیة.

سابقة البحث

هنا ككتبٌ، ورسائل، ومقالات اعتنت بتعریف عمّال حكومة أمیر المؤمنین (ع)؛ منها:

1ـ كتاب «كارگزاران حكومت أمیر المؤمنین (ع) [عُمال حكومة أمیر المؤمنین علي (ع)]، لـ(علي أكبر ذاكري)، طُبع في (انتشارات دفتر تبلیغات اسلامي [مكتب الإعلام الإسلامي].

2ـ كتاب «كوفه و نقش آن در قرون نخستین إسلامي [الكوفة ودورها في القرون الإسلامیّة الأولی]» لـ(محمد حسین رجبي دواني)، نُشِر من قِبَل (انتشارات دانشگاه امام حسین (ع) [جامعة الإمام الحسین(ع)].

3ـ رسالة ماجستیر عنوانها: «چگونگی مواجهۀ امیر المؤمنین (ع) با تخلفات كارگزاران [كیفیة مواجهة أمیر المؤمنین (ع) مع عُمّاله المتخلّفین)» لـ(علیرضا مصباحي پور)؛ دانشگاه قرآن وحدیث [جامعة القرآن والحدیث].

  1. مقال «كارگزاران وموقعیت جغرافیایي حكومت علی (ع) [عُمال حكومة علي (ع)، ومواقعهم الجغرافیة]»؛ فصلنامۀ حكومت اسلام [فصلیة حكومة الإسلام]؛ العدد 18.

5 ـ مقال «بررسی ویژگي های مدیران و مهمترین راهكارهاي اجرایی در ایجاد انگیزه و كارآیي در كاركنان از دیدگاه امام علی (ع) [تبیین خصائص المدیرین وأهم الاستراتیجیات التنفیذیة لخلق الدوافع والكفاءة من منظور الإمام علي (ع)]؛ مجلۀ مصباح [مجلة مصباح]؛ آذر و دي 1384هـ. ش [دیسمبر وینایر 2005]؛ العدد 60.

ولكن، فإنّ في أيٍّ من المصادر المذكورة أعلاه لم یصنَّف البحث كما في هذا المقال، بل أكثر التصنیفات انصبّ عملها علی أساس المنطقة والقُطر، أو نوع المسؤولیة أو عدم كفاءة العمّال. كما أنّ تلك المصادر أعلاه لم تتعرّض لعدّ خصائص صالحي مسؤولي حكومته مِن منظور نهج البلاغة.

أصناف المدیرین في حكومة أمیر المؤمنین (ع) وأقسام عمّاله

إننا بعنایة دراسة العمّال الذین ذكرناهم في «الجدول رقم1» وصفاتهم الإیجابیّة والسلبیّة التي وجدناها في نهج البلاغة، یمكننا أن نصنفهم إلی خمس شرائح، ونشیر إلی مصادیق في كلّ شریحة منها:

1 ـ المدیرون المعیار في الحكومة العلویّة

وهم هؤلاء الذین كانوا یمتلكون كلّ المعاییر الفكریة والاعتقادیة؛ أي: «الإیمان والالتزام»، و«العلم والمعرفة»، و«حسن التدبیر والإدارة»، و«البصیرة السیاسیة والرؤیة السیاسية»؛ والتي هي خلیقة بعامل الحكومة الإسلامیّة. وهم الذین قاموا بالمسؤولیة التي أُحیلت إلیهم في النّظام الإسلامي بأحسن وجه وأعلی درجات الطاقة التي یمتلكونها، وقاموا بما أمّله أمیر المؤمنین (ع) فیهم. هؤلاء المدیرون والمسؤلون هم میزان الحكومة العلویة ومعیار الإدارة العلویة، والتي ینبغي لكلِّ مسؤولي الحكومة أن یكونوا علی هذا الروال والمنوال. وهذا الصنف من الأفراد كانوا من مبغوضي أعداء أمیر المؤمنین (ع) ولا سیّما معاویة، ووقعوا ضحیّةَ اغتیالاته الشّخصیّة، والاستخفاف والاحتقار عسی أن یسقطوا من أعین الناس، فلا تُحال لهم المسؤولیة، وكثیرًا ما لاقوا حتفهم، واستُشهدوا في هذا السبیل. إنّ الإمام علي (ع) في خطبه ورسائله وكذلك في المجامع الخاصة والعامة ذكرهم بالإكبار، ونعی فقدهم واستشهادهم بإجلال وتعظیم. وممن یمكن ذكره من هؤلاء الأمجاد هم: عمار بن یاسر، ومحمد بن أبي بكر، وعمر بن أبي سلمة المخزومي (رضوان الله علیهم أجمعین).

1 ـ 1 ـ عمار بن یاسر: هو العضو الوحید من الأركان الشّیعیّة الأربعة (الخوئي، 1369هـ. ش: 265/12) فإنّ الأركان الثلاثة الأخری هم سلمان، وأبو ذر، والمقداد، قد انتقلوا إلی رحمة الله، وتوفَّوا خلال مدّة 25 سنة قبل حكومته (ع). كان عمار من كبار صحابة رسول الله (ص)، وأصفیائهم، وهو ابن أول شهیدَي الإسلام؛ (یاسر)، و(سمیة)» (المجلسي، 1404هـ. ق: 32/19) وکان من صحابة أمیر المؤمنین (ع). وقد بَشّره رسول الله بالشهادة، وقد استُشهد في حرب صفین، ووصل إلی ذلك الفوز العظیم (الخوئي، 1369هـ. ش: 267/12) كما هو من هؤلاء الذین أعلَمَه نبّي الإسلام (ص) بأنّ الجنةَ تشتاق لهم. وقد قال فیه رسول الله: «عمار مع الحقّ والحقّ مع عمار؛ یدور معه حیث دار». (الصدوق، 1386هـ. ق: 1) وهذا التعبیر علی لسانه (ص) إنما اختصّ به أمیر المؤمنین (ع) فحسب، إذ قال فیه رسول الله (ص) «عليٌّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ؛ یدور معه حیث دار». (المعتزلي، 1404هـ. ق 72 / 18) وإنها عبارة خاصة حول صاحب الفخامة عمار بن یاسر، ویمكن أن یكون منشأُها من هذه الانطلاقة إذ إنّه العضو الوحید من الأركان الأربعة التي أدرك حقبة حكومة أمیر المؤمنین (ع)؛ لأنّه أولًا: قال رسول الإسلام (ص) لعليٍّ (ع): «عمار بن یاسر یشهد معك مشاهد غیر واحدة لیس منها إلّا وهو كثیر خیره ضیّئٌ نوره عظیمٌ أجره». (الفتّال النیسابوري، 1386هـ. ق: 286/2)، وثانیًّا: قول عمار عن لسان رسول الله (ص): «يا عمّار سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتّبع عليّا وحزبه؛ فإنّه مع الحقّ والحقّ معه. يا عمّار إنّك ستقاتل بعدي مع عليّ صنفين؛ النّاكثين والقاسطين ثمّ يقتلك الفئة الباغيّة. قلتُ يا رسول الله: أليس ذلك على رضا الله ورضاك؟ قال: نعم على رضا الله ورضاي ويكون آخر زادك شربة من لبن تشربه». (الخزّاز القمي، 1401هـ. ق: 120). أمّا الإمام الهادي (ع) في (الزیارة الغدیریّة) لأمیر المؤمنین (ع) یشیر إلی الروایة المذكورة أعلاه، ویوضح  شهادة عمار في حرب صفين: «عمّار يجاهد وينادي بين الصّفّين الرّواح الرّواح إلى الجنّة. ولمّا استسقى فسقي اللّبن، كبّر وقال: قال لي رسول اللّه (ص) آخر شرابك من الدّنيا ضياح من لبن، وتقتلك الفئة الباغيّة فاعترضه أبو العادية الفزاريّ فقتله.» (المجلسي، 1404هـ. ق: 366/97) ومن هذا المنّظور الواضح فإنَّ عمارًا یصل إلی مقامٍ یكون معیارًا للحق، وعداوته تمسي عداوة الله، وبغضه بغض الله وسبّه سبّ الله». (الكشي، 1348هـ. ش: 35) فالروایات في مدح عمار وجلالة شأنه بلغت من الكثرة إلی حدٍّ كأنَّ فیها تواترًا اجمالیًّا» (الخوئي، 1369هـ. ش: 271/12). وفي مدّة حكومة أمیر المؤمنین (ع) لم تُنقل أقل مقدار من المذمة والمثالب في عمار. فقد كان في ركابه (ع) حینما استشهد وكان ما یزال مطیعًا لحضرته، ومؤتمرًا بأوامره ومنشغلًا بإطاعته ونُصرته، ومناضلًا مِن أجل ازدیاد بصیرة المجتمع لكي یلحقوا بركبِ علي (علیه السلام). وبتعبیر الإمام الخامنئي: «إنّ عظمة أمثال عمار في مثل هذه المواقف؛ وهي عظمة خُلَّصِ أصحاب أمیر المؤمنین (ع)، أنهم لم یخطئوا في كلّ الملابسات، ولم یضلّوا طریق ساحة النضال… وذلك في كثیر من المقامات التي حصل فیها خطأٌ لجمع من المؤمنین فكان الذي یأتي ویدرأ الشُبهة ببصیرة نافذة وبیان واضح هو عمار بن یاسر. ففي كثیر من القضایا والمواقف المتعددة لأمیر المؤمنین، منها في صفین. نری معالم بصیرة هذا المرء العظیم القدر». (خامنئي، 26/4/1395). وكانت إحدی وظائف عمار ومهامّه في مدّة حكومة أمیر المؤمنین هي ممثلیته عنه (ع) في دعوة أهل الكوفة للاشتراك في حرب الجمل، وقد قام بهذا الأمر علی النّحو الأحسن كسائر وظائفه. وقد خطب في مسجد الكوفة خطبتین أوجبتا مظاهر الحضور المشرِّف لأهل الكوفة لنُصرة أمیر المؤمنین (ع) في حرب الجمل. على الرّغم من الخطبة المضادّة في هذا المضمار لأبي موسی الأشعري». (المفید، 1413هـ. ق: 262ـ 263). وقد ذُكر اسم عمار في نهج البلاغة مرتان: مرةً في الحكمة 405 حینما تشاجب في الحدیث مع المغیرة بن شعبة حول الإیمان والنفاق فحذَّره (ع) عن تجاذب الحدیث مع هذا الإنسان الدنیوي الذي یتعمَّد المصارعة مع الحق». (الهاشمي الخوئي، 1400هـ.ق: 486/21) وهذا النّهي من معالم حقانيّة عمار؛ ومرة ثانیة في الخطبة 182 بعد استشهاده في آخر أسبوع حیاة الإمام (ع) وقد كان (ع) یشكو قلّة وفاء بعض أصحابه، وینادي أصحابه الأوفیاء، حتی قال (ع): «أین عمار؟» (السیّد الرضي، 1380هـ. ش: 350)

2 ـ 1 ـ مالك الأشتر: هو مالك بن الحارث الأشتر النخعي، وأنموذج آخر من المسؤولین الأكفّاء. وكان الرسول الأكرم (ص) قد خاطبَ أبا ذر قائلًا: «یا أباذر تعیش وحدك وتموت وحدك، وتدخل الجنّة وحدك. يسعد بك قوم من أهل العراق يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك». (الصدوق، 1413هـ. ق، 375/4) فحینما انتقل أبو ذر إلی رحمة الله وتوفيّ في الربذة وصل هنالك الجماعة الذین كانوا عازمین إلی الحج، فغسلوه وكفنوه وصلوا علیه ودفنوه وحظَوا بمسیر الحق ببركة حضور مراسیم هذا الصحابي المظلوم، صاحب رسول الله وأمیر المؤمنین (صلوات الله علیهما وآلهما أجمعین). وكان قائدُ هؤلاء الجماعة هو مالك الأشتر؛ أي أنّ الرسول (ص) كان قد تحدّث عن كون مالك سعیدًا.(الخوئي، 1369هـ. ش: 162/14). وحینما نصّبَ الإمام أمیر المؤمنین (ع) مالكًا لقیادة أمراء عسكره عرّفه في الرسالة رقم 13 علی هذا النحو: «فإنّه ممّن لا يُخاف وهنه، ولا سقطته، ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل». (السید الرضي، 1380هـ. ش: 492) كما في الرسالة رقم 38 حینما نصبه لحكومة مصر خاطب أهلها بقوله: «فقد بعثت إليكم عبدًا من عباد اللّه لا ينام أيّام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الرّوع، أشدّ على الفجّار من حريق النّار وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره في ما طابق الحقّ، فإنّه سيف من سيوف الله لا كليل الظّبة ولا نابي الضّريبة، فإن أمركُم أن تنفروا فانفروا وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنّه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخّر ولا يقدّم إلّا عن أمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدّة شكيمته على عدوّكم». (نفس المصدر: 544) وهذا التّعبیر والتّعریف یشیر إلی أنَّ تصرفات مالك كانت مؤیدة مقبولة من قبل الإمام أمیر المؤمنین (ع). وبما أنّ الإمام (ع) صرّح بكمال الصلاحیّة وجدارة المدیریة لمالك الأشتر النخعي، عهد إلیه بأشمل دُستور المدیرين في الرسالة 53 من نهج البلاغة لإدارة مصر. على الرغم من أنّ مالكًا لم یصل إلی حكومة مصر قط إذ فاز بالشّهادة في الطریق». (الخوئي، 1369هـ. ش: 163/14» ولكن هذا العهد بقي وثیقة متقنَة للقیادة والإدارة علی مدی التاریخ: «لما جاء هلاك الأشتر إلى علي بن أبي طالب (ع) صعد المنبر فخطب الناس ثم قال: ألا إنّ مالك بن الحارث قد مضى نحبه، وأوفى بعهده، ولقي ربه. فرحم الله مالكًا لو كان جبلًا لكان فذا (فندا)، ولو كان حجرًا لكان صلدًا. لله مالك وما مالك وهل قامت النّساء عن مثل مالك، وهل موجود كمالك. قال فلما نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش فقالوا لشد ما جزعت عليه ولقد هلك. قال: أما والله هلاكه فقد أعز أهل المغرب وأذل أهل المشرق. قال وبكى عليه أيامًا وحزن عليه حزنًا شديدًا وقال: لا أرى مثله بعده أبدا». (المفید، 1413هـ. ق الف: 81) وقد ذُكر قسطٌ من هذا الكلام في الحكمة 443 من نهج البلاغة. كما في رسالة إلی محمد بن أبي بكر (الرسالة رقم 34 من نهج البلاغة) یذكر الإمام مالكًا: «إنّ الرّجل الّذي كنتُ ولّيته أمرَ مصر كان رجلًا لنا ناصحًا، وعلى عدوّنا شديدًا ناقمًا، فرحمه الله. فلقد استكمل أيّامه، ولاقى حمامَه، ونحن عنه راضون. أولاه الله رضوانه، وضاعف الثّواب له». (السید الرضي، 1380هـ. ش:540). کان مالك الأشتر یحب أن ینال الشهادة في سبیل الله، وکان یذرف الدموع مخافة أن لا یناله، فبشّره أمیر المؤمنین (ع) بأنّه سیقتل في هذا السبیل.(ري شهري، 1421هـ.ق: 51/7) وقد وصف الإمام أمیر المؤمنین (ع) في كلام بدیع مالكاً بهذه الأوصاف: «رحم الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلّی الله علیه وآله.» (المعتزلي، 1404هـ.ق: 98/15).

3 ـ 1 محمد بن أبي بكر: كان نموذجًا بارزًا آخرَ من المسؤولین المتّشحین بكمال الصلاحیّة في مدة حكومة أمیر المؤمنین(ع). وهو ابن أبي بكر وأسماء بنت عمیس؛ أسماء التي كانت من النّساء المؤمنات والمثالیات، ومن محبي وموالي السیدة فاطمة الزهراء (س). فبعدَ موت أبي بكر تزوجت بأمیر المؤمنین علي (ع) وجاءت بمحمد إلی بیته (ع) وعلی هذا ترعرع وتربّی محمد في أحضان عطف مولی المتقيین وحوض حنانه. وقد بلغ من تربیته في هذه المدرسة إلی حدٍّ عدّهُ الإمام الرضا (ع) فیمن عدّه من الشّیعة الحقة لعلي (ع) إلی جانب الإمام الحسن (ع)، والإمام الحسین (ع)، وسلمان، وأبي ذر، والمقداد، وعمار؛ أولئك «الذین لم یخالفوا شیئًا من أوامره، ولم یركبوا شیئًا فنون زواجره». (الطبرسي، 1403هـ. ق:440/2).

وحینما أمّرَ مولی المتقين عليٌّ (ع) محمدَ بن أبي بكر علی إمارة مصر كتب إلی أهلها: «أحسنوا أهلَ مصر موازرةَ محمد أمیركم، وأثبتوا علی طاعته تردوا حوض نبیِّكم». (المفید، 1413هـ. ق: ج 269). إنّ الرسالة رقم 27 من نهج البلاغة عهدٌ أعطاه أمیر المؤمنین (ع) لمحمد بن أبي بكر حینما أمّره علی مصر، حتی یحكم علی أساسه، ویحقّ حقّ الله وحقّ النّاس معًا. وبعد وقعة صفین، حیثما توتّرت الأوضاع في مصر وتعالت نعرات العصیان والفتن، تعکّرت الأوضاع علی القائد محمد بن أبي بکر وجمع غفیر بقیادة معاویة بن حدیج ثاروا ضدَّه. (ثقفی،1355ش: 256/1). وأمّا بعد قضیة التحكیم والتي وصل فیها عمرو بن العاص إلی ولایة مصر بعنوانها جائزةً له من معاویة، وشدّ الرحال إلیها، عندها فقد اختار الإمام أمیر المؤمنین (ع) لمصادمة فتن عمرو بن العاص ومجابهته مالكًا الأشتر، وعزل محمد بن أبي بكر. وتكدّر محمد بن أبي بكر من اتخاذ هذا القرار خشیة أن یكون ذلك لتقصیره في أداء وظائفه. فهنالك كتب إليه الإمام (ع) كتابًا (هو الكتاب رقم 32 من نهج البلاغة) وبرّؤه بصورة كاملة من هذا الاتهام: «أمّا بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك وإنّي لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهد ولا ازديادًا لك في الجدّ، ولو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لولّيتك ما هو أيسر عليك مؤنة وأعجب إليك ولاية.» (السید الرضي، 1380هـ. ش: 540) وفي باقي الرسالة عدَّ الامام علي (ع) خصائص مالك الأشتر ونبأ شهادته، وأبقي محمد بن أبي بكر علی ولایة مصر، وأمره بالاستقامة في قبال العدو». (المصدر نفسه). وأخیرًا؛ فإنّ عمرو بن العاص وصلَ مصر، وبالفعل قبض علی محمد بن أبي بكر علی یدِ أحد قوّاده (محمد بن جدیح)، وأدخلوا جسده الطاهر في جوف حمار میت وأحرقوه». (الثقفي، 1355هـ. ش: 274/1) أمّا بعد استشهاد هذا الناصر الوفي فكتب أمیر المؤمنین (ع) في الرّسالة رقم 35 إلی عبدالله بن عباس قائلًا: «أمّا بعد فإنّ مصر قد افتتحت ومحمّد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد فعند اللّه نحتسبه ولدًا ناصحًا وعاملًا كادحًا وسيفًا قاطعًا ورُكنًا دافعًا». (السید الرضي، 1380هـ. ش:540) وكذلك في الحكمة رقم 325 قال (ع) حول استشهاده: «إنّ حزننا علیه علی قدر سرورهم به إلّا أنهم نقصوا بغیضًا ونقصنا حبیبًا». (نفس المصدر: 706). وفي الخطبة 68 ضمن تبجیل بسالة هاشم بن عتبة یعلن رضایته (ع) عن محمد بن أبي بكر: «بلا ذمّ لمحمد بن أبي بكر فلقد كان إليَّ حبیبًا وكان إليَّ ربیبّا». (المصدر نفسه: 116).

4 ـ 1 عمر بن أبي سلمة المخزومي: عَدَّوه صحابيًّا وممن تربّی في أحضان رسول الله (ص) ». (النعماني 1397هـ. ق:97) وهو بن أمّ سلمة زوجة الرسول (ص)، وكان طفلًا حین زواج رسول الله (ص) بها». (الكلیني، 1365هـ. ش: 391 /5) وهو من رواة حدیث الغدیر (ابن شهر آشوب، 1379هـ. ق: 26/3) وكذلك ممن شهد الحدیث الذي ذكر فیه رسول الله (ص) الأئمةَ الإثني عشر بأسمائهم. (الطوسي، 1411هـ. ق: 137). وأمُّ سلمة منذ انقداح فتنة الجمل، لم تُوفَّق كي تصرف عائشة عن الحرب كتبت كتابًا لأمیر المؤمنین (ع) وأخبرت فیه عن وقوع الفتنة، واعتذرت فیه عدمَ كونها في ركابه استنادًا للآیة 33 من سورة الأحزاب «وقرنَ في بیوتكن» إذ أمر الله نساء النبي بالاستقرار في بیوتهن. فأرسلت نیابة عنها ابنها عمر بن أبي سلمة. فكرّمه أمیر المؤمنین (ع)، وهو أیضًا بدوره حضر معه في جمیع حروبه». (المعتزلي، 1404هـ. ق: 218/6). وقد ولّاه علي (ع) علی البحرین، غیر أنه بعد برهة من الزّمن عزله ونصب غیره مكانه. حینها كتب الرسالة 42 من نهج البلاغة (ع) لاستحضاره: «أمّا بعد فإنّي قد ولّيت النّعمان بن عجلان الزّرقيّ على البحرين ونزعت يدك بلا ذمّ لك ولا تثريب عليك. فلقد أحسنتَ الولاية وأدّيت الأمانة، فأقبل غير ظنين ولا ملوم ولا متّهم ولا مأثوم فلقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشّام، وأحببت أن تشهد معي فإنّك ممّن أستظهر به على جهاد العدوّ وإقامة عمود الدّين إن شاء الله». (السید الرضي، 1380هـ. ش: 550).

2 ـ الصالحون الواهنون

إنّ هولاء العمّال المسؤولین كانوا من الجهة الفكریّة والاعتقادیّة وفي كثیر من اتخاذ القرارات «العلمیّة والتنفیذیّة»، و«حسن السّابقة»، و«التجربة»، و«القدرة والنجاعة»، و«الجهاد والتضحیة»، و«الفصاحة والبلاغة»؛ والقضایا «الأخلاقیة والتربویّة» كانوا صالحین، ومواقفهم مشنّفة للأسماع غیر أنهم في بعض ما أُحیل إلیهم من أمور لم یحققوا أملَ أمیر المؤمنین (ع) فیهم، وقد بدرَ منهم خطأ وخبطٌ لا یلیق بمسؤول الحكومة الإسلامیّة. وهؤلاء الأفراد لكثرة صلاحیتهم لم یقعوا في واجهة اللوم وهتك ماء الوجه سوی أنهم (ع) في رسائله، ولربما یمكن أن یقال إنه علی وجه خاصة أُخذوا بذلك الوهن، وذُكروا بصورة جادّة وقویمة من هذا الصنف الذي یمكن أن یُمثَّل بكمیل بن زیاد وعثمان بن حنیف (رحمهما الله).

2 ـ 1 ـ كمیل بن زیاد النخعي: 

كان كمیل من خیرة شیعة الإمام علي (ع) ومواليه. (الدیلمي، 1412هـ. ق: 2/226) وقد بشّره أمير المؤمنين (عليه السلام)، بالشّهادة على يد الحجاج. (الهاشمي الخوئي، 1400هـ. ق: ۲٠/۳۵۳) أمّا جلالة كميل وقربه من أمير المؤمنين عليه السّلام، فمن الواضحات التي لا سبيل للشك فيها. (الخوئي، 1369هـ. ش: ۱۴/۱۲۹) فقد وقع كمیل طرفَ الخطاب في بعض نصوص الإمام علي (ع)، خاصّة العرفانيّه منها؛ كـ(دعاء كميل)، والحكمة ۱۴۷ و۲۵۷ من نهج البلاغة. أمّا ما يثير العجب في نهج البلاغة الرسالة رقم 61 في ظلّ القرارات الخاطئة لكميل في قبال عساكر معاوية في الوقت الذي كان عامل حكومة الإمام علي (عليه السلام) في (هيت) وهي قرية على هامش نهر الفرات حوالي بغداد وقرب الأنبار، والتي فيها نخيل كثير وإمكانيات واسعة (التستري،۱۳۷۶هـ. ش: ۱۳/۵۸٠). وكميل الذي كان واليًا على هذه القریة، إذ لم يتمكّن من المقاومة في قبال عساكر معاوية فتركها، ولتلافي هذا الضعف شنَّ غارةً على مناطق أخرى على هامش الفرات حيث كانت تحت نفوذ معاوية كـ(قرقیسیا). (المعتزلي، ۱۴٠۴هـ. ق: ۱۷/۵٠) فما كان من الإمام(عليه السلام) في الكتاب رقم ۶۱ حينَ أظهر عدم رضاه عن هذا المسلك إلّا أن يكتب إليه مذكرًا إیاه: «أمّا بعد فإنّ تضييع المرء ما ولّي وتكلّفه ما كفي لعجز حاضر، ورأي متبّر وإنّ تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا وتعطيلك مسالحك الّتي ولّيناك ليس بها من يمنعها، ولا يردّ الجيش عنها لرأي شعاع فقد صرت جسرًا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك، غير شديد المنكب ولا مهيب الجانب ولا سادّ ثغرة ولا كاسر لعدوّ شوكة، ولا مغن عن أهل مصره ولا مجزٍ عن أميره». (السيد الرضي، 1380هـ. ش:  598).

۲ـ۲ـ عثمان بن حنيف

وهو ممن يمكن عدُّه نموذجًا آخر من هذا القبيل علی غرار كمیل بن زیاد الصالحین الواهنین. فقد كان يُعدُّ من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن جماعة الأنصار، ومن جملة المتقدمين الذين لحقوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة الرسول الأعظم (ص)، ولم يغيروا في رأیهم في هذا المسار. وكان من جملة الإثني عشر نفرًا  الذين لم يقبلوا حكمية السّقيفة. (الخوئي، ۱۳۶۹هـ. ش:  ۱٠۷/۱۱) وفي كتاب الاحتجاج ذكر الطبرسي موقفه وكلامه المعارض والباسل مع أخيه سهل بن حنيف في الدّفاع عن حق أمير المؤمنين (عليه السلام) مواجهًا بها حكومة ذلك الوقت. (الطبرسي، ۱۴٠۳هـ. ق:  ۷۹/۱). وقد نصبه الإمام علي (ع) بعد القيام بعهدة الحكومة الإسلاميّه واليًا على البصرة. وفي هذه المدّة شنّت عساكر الجمل الغارة على البصرة، وبعد محاربة شائكة عهدوا معه أن لا يجيموا هجومًا حتى مجیئ  أمیر المؤمنين (عليه السلام)، لكنهم نكثوا العهد فأسروه وضربوه إلى حدٍ أوشك علی الموت وعزموا على قتله لولا خوفهم من أخيه سهل بن حنيف، الذي كان واليًا على المدینة أن يضر عوائلهم فلذا أطلقوا صراحه. فحينما وصل إلى أمير المؤمنين عليه السلام بكى وقال: «يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وجئتك أمرد. فقال: أصبت خيرًا وأجرًا». (المعتزلي،۱۴٠۴هـ. ق: ۳۲۱/۹/ و ۱۸/۱۴). فمن هذا الحدث يتجلى أنه كم كان واجس هذا الصحابي الجليل القدر عزيزًا على الإمام علي (عليه السلام) غير أنّ ما دعانا أن نجعل هذه الشّخصية المرموقة ضمنَ هذه الشّريحة هو نصّ الرسالة 45 من نهج البلاغة خطابًا له. ففي البرهة التي كان على البصرة دُعي إلى وليمة الأعيان، إذ لا سبيل للفقراء إلیها. وبلغ سوء سماع هذا النبأ إلى مولی المتقين عليّ(عليه السلام) إلى حدٍّ أن كتب: «أمّا بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أنّ رجلًا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة، فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ، وغنيّهم مدعوّ فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه». (السيد الرضي، ۱۳۸٠هـ. ش: ۵۵۲).

3 ـ مَن تمّت استحالتهم

إننا بين مسؤولي مدّة حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) وخلافته نلتقي بشخصیات كانوا بداية صالحين وأكفياء للمسؤولية التي أُحيلت إليهم غیرَ أنهم بمرور الأیام والزّمان واختلاف الملابسات والاختبارات المتنوعة لم يتمكنوا أن يخرجوا من الاختبارات مرفوعي الرأس، ولذا وقعوا في شبكة الشيطان، وهوى النفس، والجهالة، والطاغوت. وقد كتب قائد الثورة المعظم في بيان الخطوة الثانية للثورة عن وساوس المال والدّرهم والدینار والمقام وحبّ الرئاسة حتى في أعلى حكومة في التاريخ وأفضلها؛ يعني حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسها إذ زلزلت أشخاصًا. إذن إنّ بروز هذا التّوعد في الجمهورية الإسلاميّة في مدیریها ومسؤولیها في مَن كان يتسابق في الزهد الثوري، وشظف الحياة ليس ببعيد في ما كان أو هو كائن. (خامنه اي، ۱۱/۲/۲٠۱۹) وفي الرسالة 41 من نهج البلاغة، وهي خطابٌ بمثل هذه الخصائص للمسؤول الذي كان ثقة الإمام علي (عليه السلام) وقريبًا منه، بیدَ أنه فارقَ منهجه طمعًا في الدنيا، ودخل في زمرة الخائنين «خنته مع الخائنين». ونص الرسالة 41 یحكي عن عدم رضى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أحد عمال حكومته، فمع وجود ثقته (ع) به، وحسن سابقته، وعلى الرّغم من أنّه كان من ذويه وأرحامه، فقد ابتُلي بطلب الدّنيا وأساء التّصرف من بيت مال المسلمين، فخاطبه الإمام علي (عليه السلام) بقوله: «فإنّي كنت أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن رجلٌ من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي، وموازرتي وأداء الأمانة إليّ فلمّا رأيت الزّمان على ابن عمّك قد كلب، والعدوّ قد حرب وأمانة النّاس قد خزيت وهذه الأمّة قد فنكت، وشغرت قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين وخنته مع الخائنين». (السيد الرضي، ۱۳۸٠هـ. ش:  ۵۴۸) إنّ الشراح والمؤرخین احتملوا أن یكون المخاطب في هذه الرسالة إما عبدالله ابن عباس وإما عبیدالله بن عباس.

1 ـ 3 ـ عبد الله بن عباس

كان ابن عم الرسول (ص)، وابن عمِّ أمیر المؤمنین (ع)، ومفسّرًا للقرآن. وكان یُعَدُّ من كبار بني هاشم. نُصّب في مدّة حكومة الإمام علي (ع) في مناصب عدة؛ یمكن الإشارة إلی ولایته علی البصرة، التي طُرحت مسألته في الرسالة رقم 76 من نهج البلاغة، وممثلیته عنه (ع) في المفاوضة مع الخوارج حیث ذُكر ذلك في الرّسالة رقم 77. كما یُستشفُّ من الحكمة 476 أنه كان والیًا علی (فارس) قبلَ زیاد بن أبیه، وطبقًا للخطبة رقم 238 فإنّه كان الشخص المقترح من قِبل أمیر المؤمنین للمفاوضة في التحكیم. (المصدر نفسه: 474). وقد عُدَّ عبد الله بن عباس في زمرة أنصار أمیر المؤمنین(ع)، وكان یُثیر أحقاد أعدائه، ولذا كان معاویة یلعنه في قنوة الصلاة في من یدعو علیهم، وهم أمیر المؤمنین(ع)، والإمام الحسن(ع)، والإمام الحسین (ع)، ومالك الأشتر (المعتزلي، 1404هـ. ق: 98/15). وقد كتب ابن أبي الحدید في شرح الرسالة 41 عن اختلاف رأي الباحثین في مخاطب هذه الرّسالة، وقال في نهایة المطاف: إنّ الأكثر یرون أنّ المخاطب فیها هو عبدالله بن عباس. واستدل بمقاطع وعبارات من الرسالة نفسها كـ«ابن عمّ»، و«بطانتي وشعاري»، و«لم یكن رجل من أهلي أوثق منك»،و«أشركتك في أمانتي» وقد أضاف ابن أبي الحدید أنّ ابن عباس كتبَ رسالة للإمام في جواب هذه الرسالة معترضًا إیاه:«فقد أتانی كتابك تعظم عليّ ما أصبتُ من بیت مال البصرة، ولَعَمري أنّ حقي في بیت المال أكثر مما أخذتُ، والسلام». (المصدر نفسه: 170/16)

2 ـ 3 ـ عبید الله بن عباس

یری البعض، كالراوندي أنّ عبیدالله بن عباس هو مخاطب الرسالة 41. (نفس المصدر: 170/16) فهو ـ أي عبیدالله بن عباس، من مصادیق هذه الشریحة، وهو الذي كان والیًا علی الیمن وقد ولّاه أمیر المؤمنین(ع)، والذي فرّ في غارة (بسر بن أرطاة) قائد عسكر معاویة، فقُتل ولداه الصغیران (سلیمان) و(داود) علی ید بسر.(ریي شهري، 1421هـ. ق: 137/7). وهذا معناه أنّ عبیدالله والد شهیدین ولا بُدَّ أن یكون مبغضًا لمعاویة أكثر من الآخرین، لكنّ الواقع ینبئ عن وجه معاكس له. فإنّ كان كما ذكر الراوندي أنّه مخاطب الرسالة 41 فهذا یشیر إلی أنّ عبیدالله في هذا المسیر والمسار لم یحظَ بعاقبة حسنة المآل، وأنّه أفلت من طاعة أمیر المؤمنین علي(ع). وإذا كان الأمر كما یقول ابن أبي الحدید إنّ الخطاب فیها لا یعنیه، فیمون الکلام عن الحادث الذي حدث في مدّة إمامة الحسن المجتبی(ع) إذ كان عبیدالله قائد ناصیة الجیش، ولكنه التحق بجیش معاویة مقابلَ أن یهبه ألف ألف درهم، أسلف دفع نصفها معاویةُ قبل التحاقه، ففرّ عبید الله لیلًا إلی معسكر معاویة.(المفید، 1413هـ. ق، ب:2؛ وابن شهر آشوب، 1379هـ. ق:33/4).

فإنّ مثلَ هؤلاء الأفراد الذین غیّروا اتجاههم في حقبة من حقبات حیاتهم ومالوا عن الحق نحو الباطل، فأمسوا أسرى أهوائهم النّفسانیّة أو جهالتهم أو خدعوا بأعدائهم كثیرون ذُكروا في التاریخ الإسلام، ویمكن عدُّ الزبیر بن العوام من النماذج البارزة، بیدَ أننا في هذا القسم اكتفینا بذكر بعض المدیرین والقوّاد الذین عُیّنوا من قِبل أمیر المؤمنین علي(ع) في مدّة خلافته، وهم مَن قد وردَ  ذكرهم أیضًا في نهج البلاغة.

4 ـ المنافقون الخادعون: وهم المسؤولون والعُمّال الذین كانت لدیهم مظاهر حسنة وصالحة لكنّ بواطنهم خائنة وبذیئة، وفي بعض هذه المسالك یظهر هذا النفاق والخبث الباطني. ونظرًا لما أنّ أمیر المؤمنین(ع) أسوة حسنة للبشریة وحكومته نموذج للحكومات الآتیة بعده فالحكم علی ظاهر الأفراد والظروف یُعدُّ أمرًا اعتیادیًّا. فالإمام نظرًا للشرائط الظاهریّة لهولاء الأفراد كان یمنحهم المسؤولیّة، غیر أنّه حینما یفتضح هولاء الأشخاص وتبرز خیانتهم جلیّة كان یوبخهم بل وحتی یعزلهم. ومِن هؤلاء الأفراد المنذر بن الجارود.

1 ـ 4 ـ المنذر بن الجارود العبدي: وُلد في عصر الرسول (ص)، وقد شهد حرب الجمل مع علي (ع)، وعهد إلیه الإمام بإمارة اسطخر (إحدی مناطق فارس [بالفارسیة: استَخر]). (الأمیني، 1359هـ. ش:45) كان المنذر بن الجارود من صحابة رسول الله(ص) من سلالة شریفة ومحترمة. كان الجارود مسیحیًّا جاء للرسول وأسلم وحَسُنَ إسلامه وبعد وفاة الرسول(ص) قام في ما قام به بین قومه بالدعوة إلی الإسلام. (المعتزلي، 1404هـ. ق: 57/18). ومن الطبیعي أن یسعی هكذا إنسان في سبیل تربیة ولده وأن یسلم للمجتمع ولداً صالحًا. وكان ظاهر الأمر كذلك، فابن إبي الحدید یُعِدُّ المنذر بن الجارود أیضًا كأبیه شخصًا شریفًا وكریمًا. (المصدر نفسه) وتشیر الشواهد البارزة إلی أنّ المنذر كان إنسانًا صالحًا، وكان خلیقًا بتقبّل المسؤولیة في حكومة أمیر المؤمنین (ع). فمن هذه الجهة مع وجود الظروف العائلیّة والتّربیة المتناسقة وظاهریّة الصلاح صار معتمدًا عند أمیر المؤمنین (ع) وعیّن لولایة إحدی مناطق فارس (اسطخر) وبعد برهة لإجل خیانة في بیت المال (أربعمائة ألف درهم) أُنَّب تانیبًا شدیدًا وعُزل وحُبس. (الثقفي،1355هـ. ش:522/2). إنّ الإمام علي (ع) في الرسالة 71 من نهج البلاغة یقول مخاطبًا إیاه: «أمّا بعد فإنّ صلاح أبيك غرّني منك وظننت أنّك تتّبع هديه وتسلك سبيله فإذا أنت في ما رقّي إليّ عنك لا تدع لهواك انقيادًا ولا تبقي لآخرتك عتادًا تعمر دنياك بخراب آخرتك وتصل عشيرتك بقطيعة دينك، ولئن كان ما بلغني عنك حقًّا لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك ومن كان بصفتك، فليس بأهل أن يسدّ به ثغر أو ينفذ به أمر أو يعلى له قدر أو يشرك في أمانة أو يؤمن على جباية، فأقبل إليّ حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء الله». (السیدالرضي، 1380هـ. ش:614). هذا فإنّ السید الرضي بعد هذه الرسالة ینقل نصًّاعن أمير المؤمنين (عليه السّلام) حول المنذر بن الجارود، إذ يدل على أنّه كان يحسبه شخصًا أنانيًّا ومتكّبرًا، ولعله يمكن أن يقال إنه من هذا المنطلق یحقُّ له أن يمد يده إلى بيت المال وأن يرى لنفسه وذویه حصةً خاصة. وقد ذکر السيد الرضي:«المنذر ابن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنه لنّظار في عطفیه مختال في برديه تفال في شراكيه». (المصدر نفسه).

۵ ـ المفروضون قسرًا علی الحكومة من الناس قد كان الإمام علي (عليه السلام) يخالف بشدة تعيين بعض الذین یعرف عدم جدارتهم في بناء حكومته، بيدَ أن ما يؤسَف له  الإلحاح الكثير وغير المدروس من الناس لاغتنام الفرصة من اعتقاده (عليه السلام) بلزوم حسن المعاملة مع الناس. وهذا كان يبعثه أن يقوم ابتداءً بتحذيرهم من هذا الخطأ الكبير، وينهض بزيادة التّبصير في المجتمع، فإن لم يجد الفائدة في هذا التبصير، ورأی خطر التشتت وانشقاق الاجتماع أكبر من ضرر تعيين مدير غير صالح عندها يرجّح إراده الناس على إرادته ذات التدبير وبالتأكید فإنه بعد تعيينهم لا ينفك في مخاطبته لهؤلاء المسؤولين وللناس عن الهدايه والتبصير. وكانت مسؤولية أبي موسى الأشعري في ولايته على الكوفه، والتحكيم وكذلك شريح بن الحارث في القضاء في الكوفه من هذا القبيل.

1 ـ 5 ـ أبو موسى الأشعري: هو عبد الله بن قيس المشهور بأبي موسى الأشعري من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله).(الخوئي، ۱۳۶۹هـ. ش:۲۸۶/۱٠)وروی أبو ذر (عليه الرحمه) عن النبي (صلى الله عليه وآله)أنّ أبا موسى الأشعري یعد في جملة الإثني عشر نفرًا الذين هم شرَّ خلق وأنه يلقبه بسامري هذه الأمة فكما كان يقول السّامري«لا مساس…» كان يقول أبو موسى بشعار «لا قتال…» (الصدوق، ۱۴٠۳هـ. ق:۴۵۷/۲) وفي رواية أخرى عن الإمام علي (ع) نقلًا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)أنه عرّفه بعنوان «جاثقیل هذه الأمة…»  (نفس المصدر:۵۷۵/۲) كما نقلت رواية عن أمير المؤمنين (ع) أنه كان يعدّه في جملة الذين هم التابوت الأسفل من النار. (نفس المصدر:۴۸۵/۲)

وبعد سخط أهل الكوفه علی الوليد بن عقبة (الأخ الرضاعي لعثمان ووالي الكوفة) عزله عثمان، وأرسل عوضًا عنه سعيد بن العاص إليها غير أن أهل الكوفة رفضوه، وأرجعوه إلى المدينة لذا اختار عثمان، أبا موسى الأشعري واليًّا على الكوفة إرضاء لهم.(المعتزلي،۱۴٠۴هـ. ق:۱۳۶/۲). فأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وصوله إلى الخلافة عيّن عمارة بن شهاب واليًا على الكوفة وبهذا عزل أبا موسى عن ولايتها، لكن أهلها لم يقبلوه ولم يبايعوا عمارة، والحّوا على إمارة أبي موسى. فقد قال طلحة بن خويلد لعمارة ابن شهاب: «ارجع فإنّ اليوم لا يستبدلون بأبي موسى وإلا ضربت عنقك». (ابن خلدون، ۱۴٠۸هـ. ق:۶٠۴/۲) فالإمام (عليه السلام) من حيث لا مناص أبقى أبا موسى على الكوفة. وكانت إحدى عرقلات أبي موسى قد حدثت في قضية حرب الجمل. فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)أرسل الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وجماعة آخرين كعمار، وقیس بن سعد، ومحمد بن أبي بكر، ومالك الأشتر، ومحمد بن الحنفية لتعبئة الناس إلى الكوفة لكنّ أبا موسى الأشعري أوصاهم بالانعزال عن هذه الحرب، وبقراءته لرسالة عائشة اتهم عليًّا (عليه السلام) بإراقة دماء المسلمين. فأرسل إليه عليٌّ(عليه السلام) رسالة يأمره فيها أن يعبّئ الناس لهذا الحرب. والرسالة رقم ۶۳ من جملة هذه الكتب حیث أنَّبه أمير المؤمنين(ع) في هذه الرسالة على مواقفه السلبیّة وتباطئه في الحرب وأمره فيها بتعبئة الناس للحرب، وقد حذّره السّذج في طوارئ الحكومة ووعده بالعزل.(السيد الرضي، ۱۳۸٠هـ. ش:۶٠۲) وبانتهاءحرب الجمل وانتقال عاصمة حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الكوفة انتهت معها عمليًّا عامليّة أبي موسى الأشعري غیرَ أنّ عرقلاته ما زالت مشهودة في الوقائع بعد ذلك أيضًا. فكلامه في حرب صفين أوجب برودة أهل العراق عن الحرب مع معاوية فقد كان يسعى لصدِّ الناس عن مواکبة أمير المؤمنين (عليه السلام).(ابن مزاحم، ۱۴٠۹هـ. ق: ۳٠۲) وفي قضية التحكيم أيضا لم يَرتضِ أمير المؤمنين(ع) ابتداءً إرسال أبي موسى الأشعري ممثلًا عن حكومته وعن المسلمین. وقد نبّه على هذا الأمر في موارد شتى؛ منها الخطبة ۲۳۸: «إنّما عهدكم بعبد اللّه بن قيس بالأمس يقول إنّها فتنة فقطّعوا أوتاركم وشيموا سيوفكم فإنّ كان صادقًا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره وإن كان كاذبًا فقد لزمته التّهمة فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العبّاس». (السيد الرضي، ۱۳۸٠هـ. ش: ۴۷۴). وقد قال الإمام علي (عليه السلام) فی ما قال للناس: «إنّ أبا موسى الأشعري ضعيف العقل وهواه مع غيرنا». (الديلمي، ۱۴۱۲هـ. ق:۲۴۹/۲)غير أنّ نفس الناس بمخالفتهم البارزة لحكم وليّهم، أصروا على حكمية أبي موسى الأشعري فلم يقبلوا عبد الله بن عباس، ولا مالك الأشتر، ولا أيَّ شخص آخر. (ابن مزاحم، ۱۴٠۹هـ. ق:۵٠٠). فالإمام علي (عليه السلام) بعد التحكيم في الرسالة ۷۸إلى أبي موسى ضمنَ إعلان عدم رضاه عما اتخذه أبو موسى من قرارات، أكّد هذه النقطة أنه من أجل حفظ الوحدة في أمّة محمد (صلى الله عليه وآله) يفي بما عهد. (السيد الرضي، ۱۳۸٠هـ. ش:۶۱۸).

2 ـ 5 ـ  شريح القاضي: يمكن عدَّ شريح بن الحارث الكندي واحدًا من هؤلاء المفروضین قسرًا علی الحكومة العلویة من الناس. وهو من كبار التابعين وحتى أن بعض المؤرخين عدّوه من صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله). (ابن عساكر،۱۴۱۵هـ. ق:۷/۲۳) وهو الذي كان منذ زمن الخليفة الثاني قاضي الكوفة، ومع ما كان يتمتع بمقبوليّة شعبّية كثيرة، فإنه كان طالبًا للدنيا.فحينما وصل أمير المؤمنين (عليه السلام)إلى الخلافة نصب ابتداءً سعيد بن نمران الهمذاني للقضاء في الكوفة، وبذلك فقد عزل شريحًا. ومع عدم رضى الناس عنه نحّی عليٌّ(عليه السلام) سعيدَ بن نمران جانبًا، واستبدل به عبيدة السلماني، لكن هذه المرة أيضًا لم يواكبه الناس إلى أن عيّن شريحًا إلى هذه المسؤولية. (وكيع، د. ت:۳۹۶/۲) وروي أنه نفاه علي (عليه السلام) عن الكوفة لقضائه الشطط، وأرسله لمدة شهرين إلى (بانقيا) حتى يحكم بين اليهود. (المجلسي، ۱۴٠۴هـ. ق:۲۹۴/۳۴) كذلك رويَ أنّ أمیر المؤمنين (ع) عزم على عزله لكنّ الناسَ عارضوه.فقد قال الأربلي:«كان (علیه السلام) ممنوعًا في أيام خلافته عن كثير من إرادته الدّينيّة، حتى إنه أراد عزل شريح وقال عزب ذهنك، وعلت سنك وارتشى ابنك فلم يمكن من عزله والاستبدال به، وكم مثلها ما منع عنه علیه السلام أن يجريه على الحق الذي لا لبس فيه‏». (الأربلي، ۱۳۸۱هـ. ق:۱۳۶/۱) كما جاء في رسالة ۳ من نهج البلاغة إنّ عليًّا(عليه السلام) في قضيه شراء شریح بيتًا أعيانیًا بثمانین دينارًا نظر إليه نظر المغضب، ثم قال له:«يا شريح أما إنّه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ولا يسألك عن بيّنتك حتّى يخرجك منها شاخصًا، ويسلمك إلى قبرك خالصًا فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدّار من غير مالك أو نقدت الثّمن من غير حلالك، فإذا أنت قد خسرت دار الدّنيا ودار الآخرة».(السيدالرضي، ۱۳۸٠هـ. ش:۴۸۲» ومن هذه النّماذج كثير فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لأجل حفظ الوحدة واتقاء الانشقاق في بين جموع المسلمين يفضي عن رأيه وإرادته ویقبل بإرادة الناس وتعیینهم.

وهناك كثیر من هذا القبيل حتى قال لعبيدة السلماني، والذي كان أحد قضاة الحكومة: «اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف». (الأربلي،۱۳۸۱هـ. ق:۱۳۶/۱)

النماذج: في هذا البحث وجدنا أنّ مسؤولي ومديري حكومة أمير المؤمنين عليه السلام، لم يكونوا في مناسبات كثيرة كما یُرام وکما كان يريد منهم الإمام الهمام. ومن حیث المجموع يمكن تقسيمهم إلى خمسة شرائح:«المدیرون المعیار في الحكومة العلویة»؛ «الصالحون الواهنون»؛ «من تمّت استحالتهم»؛ «المنافقون الخدّاعون»؛ و«المفروضون قسرًا علی الحكومة من الناس». ومن هذه الشرائح الخمس، الشريحة الأولى فحَسب لم تنفك في عملها عما يُرضي الإمام، وهم من قد وفّروا للناس سعادة دنياهم وآخرتهم. أما الشّريحة الثانية فمع وجود الأخطاء والهفوات قاموا بصدد التلافي وصاروا ذوي عاقبة حسنة، ولكن بقية الشرائح فقد اتخذوا الانحراف سبيلًا. ولا بدّ من التنبیه الى هذه النقطه أنّه من الممكن أن يكون فرد في الحقبات المختلفة في الحياة والمسؤوليات یُصنَّف في شرائح مختلفة. فعلى أساس المواقف أعلاه، وبما جاء في نهج البلاغة، فإنّ صالح مسؤولي الحكومة العلوية يتمتعون بخصائص نبيّنها على نحو الاقتضاب:

 أ:  المعايير الفكرية والاعتقاديّة

 أ ـ۱- الإيمان والالتزام

كتب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حين تعیين مالك الاشتر لولاية مصر، كتب رسالة لأهل مصر وذكّر في تعريفه أولا، وعبّر عنه بأنه «عبد من عباد الله…» (السيد الرضي، ۱۳۸٠هـ. ش:۵۴۴)

أ ـ۲-  العلم والمعرفة

یشیر الإمام في حكم تنصیب مالك الأشتر لولاية مصر في رسالة  ۵۳ويأمره«بكثرة مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء ويذكر أنّ نتاج  هذا الشيء هو «تثبيت ما صلح عليه أمر بلاده، وإقامة ما استقام به الناس قبله». ( المصدر نفسه:۵۷۲)

 أ ـ۳- حسن التدبير والإدارة

یعدُّ الإمام علي (ع) حسن التدبیر والإدارة قِوامًا لدوام القیادة وتنشیط الرعایا (ري شهري، 1421هـ. ق: 321/4 کما عنده سوء التدبیر موجبًا للانهیار والتبار. (نفس المصدر: 326/4) وقد أشار عليٌّ(عليه السلام) ضمن عدِّ خصائص مالك الأشتر معرِّفًا إیاه بقوله:«فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته ولا بطؤه عما الإسراع إليه أحزم ولا إسراعه إلى البطء عنه أمثل».  (السيد الرضي، ۱۳۸٠هـ. ش:۴۹۲) وبهذا فقد دافع(عليه السلام) عن قدرة مديریة مالك.

أ ـ۴) البصيرة السیاسیّة والرؤيّة السياسيّة

إنّ حرب الجمل كانت أولی الحروب التي نشبت بين فريقين من المسلمين، ولذا أدّى إلى تفشّي الريب في صفوف الناس؛ فبعض الخواص والعوام تساءلوا كيف يمكن قبول حرب مسلم مع مسلم آخر، ولفقر بصيرتهم امتنعوا عن طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبعض آخر لانخداعهم بأهل الجمل وقفوا في صف أعداء الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). وفي بدایة الحرب،وفي الخطبة ۱۷۳ قال (ع) لأصحابه: «قد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق». (نفس المصدر: 328)

ب: المعايير العلميّة والتنفيذيّة

ب ـ۱- حسنُ السابقة

إنّ الإمام علي (عليه السلام) في الرسالة ۵۳لدی بيان سمات قوات العساكر في خطابه إلى مالك الأشتر يأمره أن یُرافق الذين یحظون بـ«السوابق الحسنة…»( المصدر نفسه:۵۷۴)وفي تعريف سمات عمال الحكومة أيضًا يؤكد هذه الخصيصة: «توخَ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة، والقدم في الإسلام المتقدمة». (نفس المصدر:۵۷۸). وقد كان (عليه السلام) كذلك في بعض الأمور يقوم ببيان سوء سَوالف أعداءٍ كمعاوية حتى يریهم أنّ أفرادًا بهكذا سوابق سالبة، وحالكة لا يمكنهم تولّي أمر حاكميّة المجتمع الإسلامي، وأن لا يستندوا على مقام خلافة رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله). وعلى سبيل المثال في الرسالة العاشرة كتب (ع): «متى كنتم يا معاوية ساسة رعية وولاة أمر الأمة بغير قدم سابق ولا شرف باسق ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء». (نفس المصدر: ۴۹٠)

ب ـ۲- التجربة

إنّ أمیرالمؤمنین (ع) في الرسالة ۵۳ في خطابه لمالك الأشتر ضمنَ بيان خصائص عمال الحكومة يرید منه آمرًا ، كما مرّ سابقًا: «توخ منهم أهل التجربة والحياء…» (المصدر نفسه:۵۷۸)كما نجد هذه الضرورة في الرسالة ۳۱ إذ يوصي ابنه بالاستفادة من تجارب الآخرين:«لتستقبل بجدٍّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التّجارب بغيته وتجربته فتكون قد كفيت مؤنة الطّلب، وعوفيت من علاج التّجربة فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه». (المصدر نفسه:۵۲۲) ونفسه (عليه السلام) في الرسالة۷۸ قال لأبي موسى الأشعري: «فإنّ الشقيّ من حرم نفع ما أوتي من العقل والتجربة». (المصدر نفسه:۶۲٠)كما ذكر في الحكمة ۲۱۱: «من التوفیق حفظ التجربة». (المصدر نفسه: 674) وقد بيّن(عليه السلام) ذلك بوضوح تامّ في الخطبة ۱۷۵ علی هذا النّحو: «عباد الله إنّ الدهر یجري بالباقین كجریه بالماضين». (نفس المصدر:۲۹۲). وكان عليٌّ (عليه السلام) في الخطبة القاصعة قد ذكّر ضرورة استخدام التجارب من الوقائع السالفة والاعتبار منها: «فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته، ووقائعه ومثلاته واتعظوا بمثاوي خدودهم ومصارع جنوبهم». (المصدر نفسه: 387).

ب ـ۳-  الاقتدار وطول الباع: إنّ الإمام(عليه السلام)ضمنَ بيان شرائط الحاكميّة في الخطبة ۱۷۳أشار قائلًا: «أيها الناس إنّ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب فإن أبی قوتل». (السيد الرضي، ۱۳۸٠هـ. ش:۳۲۶) حتى أنه (عليه السلام) یعرّف أنبياء الله في الخطبة ۱۹۲ أنهم ذوو قدرة في العزيمه ويقول:«ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم». (المصدر نفسه: ۳۸۸). فمن هذه الجهة كان (عليه السلام) في تدبیره وإدارته وحكمه وقضائه وحكمیته يعتني بمصالح الأمة وسعادتها فمع علاقته الوفيرة بمحمد بن أبي بكر ومع أنه ربّاه في أعطاف أحضانه حينما رأی ضعفه أمام فتن عمروبن العاص عزله وأرسل مالك الأشتر عوضًا عنه إلى مصر ليقبض على الأمور وبأخذ بزمامها وفي الآن نفسه ـومِن أجل رفع القلق من محمد بن أبي بكر كتب إلیه الرسالة ۳۴ وذكره قائلا:«لو نزعت ماتحت یدك من سلطانك لوليتك ما هو أسير مؤونة وأعجب إليك ولاية…» (المصدر نفسه:۵۴٠).

ب ـ۴-  الجهاد والتضحية: كان الأمير (عليه السلام) في موارد متعددة قد أشار إلى ما یمتاز به المجاهدون والمضحون في سبيل الله. وهنا نشير إلى غیض من فیضها. وقد نوّه (عليه السلام) في الخطبة ۲۷ الجهاد في سبيل الله، وقال إنه:«باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه». (المصدر نفسه:۷۴)  في آخر أيام عمره الشريف في ضمن الشكوى من القصور والتقصير الكثير من الناس بأعين مغرورقة بالدموع يذكر من إخوانه أولئك الذين خطوا في سبيل الحق والمجاهدين والمضحين، والذین فدوا أنفسهم في سبیل الله «أين إخواني الّذين ركبوا الطّريق ومضوا على الحقّ؟ أين عمّار؟ وأين ابن التّيّهان؟ وأين ذو الشّهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة وأبرد برءوسهم إلى الفجرة؟» (نفس المصدر:۳۵٠).

 ب ـ۵-  الفصاحة والبلاغة: قال الإمام امير المؤمنين في الحكمة ۳۹۴:«ربَّ قول انفذ من صول.» (نفس المصدر:۷۲۴) فهو(عليه السلام) في الخطبه ۲۳۳ يتحدّث عن نفسه وأهل بيت الرسالة (عليهم السلام) علی هذا النحو، وبهذه الصفات والمواصفات: «إنّا أمراء الكلام وفينا تنشبت عروقه وعلينا تهدّلت عضونه.» (المصدر نفسه:۲۶۴). وهكذا فابن أبي الحديث يذكر عن لسان أمیر المؤمنين (عليه السلام) ضمنَ عدّ خصائص المدير القائد البارز في الحكومة العلوية (يعني مالك الأشتر) يذكر فيها فصاحته وشاعريته.(المعتزلي، ۱۴٠۴هـ. ق: ۱٠۱/۱۵) فالإمام عليّ (ع) بعد الرجوع من حرب الجمل قوبل برسالة خدّاعة وفيه الكثير من الوعيد من معاویة، فردّ الإمام (ع) بجواب رصین وساحق واختار لإبلاغ هذه الرسالة الطرمّاح بن عدي الطائي فإنه «كان أدیبًا لبیبًا فصیحًا لسنًا متكلمًا لا یكلّ لسانه ولا یعي عن الجواب». (المجلسي،  1404هـ. ق :289/33)

ج- المعاییر الأخلاقیة والتربویة

ج ـ 1- الشجاعة: إنّ الإمام أمیرالمؤمنین (ع) والذي في الشجاعة والبسالة نموذج أعلی لدی الناس یعتني في تعیین القادة ومسؤولي العساكر والدولة لهذه الفضیلة عنایة خاصة فهو في تعریف مالك الأشتر إلی أهل مصر یكتب لهم: «فقد بعثت إلیكم عبدًا من عباد الله لا ینام أیام الخوف ولا ینكل عن الأعداء ساعات الروع أشد علی الفجار من حریق النار وهو مالك بن الحارث أخو مذحج…» (السید الرضي، 1380هـ. ش:544)

وفي الخطبة 119 حینما یری وهن عساكره یقول: «إنما یخرج في هذا رجل ممن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم.» (نفس المصدر:228). وفي تهییج عساكره علی الحرب في الخطبة 124 یحثهم قائلًا: «ورأيتكم فلا تميلوها ولا تخلّوها ولا تجعلوها إلّا بأيدي شجعانكم والمانعين الذّمار منكم فإنّ الصّابرين على نزول الحقائق هم الّذين يحفّون براياتهم ويكتنفونها حفافيها ووراءها، وأمامها لا يتأخّرون عنها فيسلموها ولا يتقدّمون عليها فيفردوها.» (نفس المصدر:234) وهكذا نجده في خطابه لمالك الأشتر في الرسالة 53 في ضمن عدّ الخصائص اللازمة للقادة العسكریین یأمره بالالتحاق بأهل الشجاعة. (نفس المصدر:574)

ج ـ 2- حفظ الأمانة: ولقد أکد أمیر المؤمنین علی مبدأ الأمانة کثیرًا، ومنها قال: «أَدُّوا الْأَمَانَةَ إلى مَن ائْتَمَنَكُمْ وَلَوْ إلى قَتَلَةِ أَوْلَادِ الأنْبيَاء…» (ري ­شهري، 1421هـ. ق: 333/4) ومن الخصائص المهمّة التي تطرق إلیها أمیر المؤمنین (ع) في تعیین مدیري حكومته هي حفظهم للأمانة. هو (ع) في الرسالة 5 للأشعث بن قیس عدّ المسؤولیة في الحكومة الإسلامیّة أمانة وقال: «وإن عملك لیس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانه وأنت مسترعی لمن فوقك». (السید الرضي، 1380هـ. ش:484) كما في الرسالة 41 قال لأحد عماله: «فإنّي كنت أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إليَّ». (المصدر نفسه) وكان في أدنی المسؤولیات یعدُّ الصالح فیها من هوأهل الأمانة فیها ـ فحسب. وفي الرسالة 25 قال لأحد عمّال جمع الزكاة حول المواشي التي ترسل زكاة: «ولا توكل بها إلًا ناصحًا شفیقًا وأمینًا وحفیظًا غیر معنف ولا مجحف ولا ملغب ولا متعب». (المصدر نفسه: 506) وقد بلغ من كراهة الخیانة في الأمانة عند أمیرالمؤمنین (ع) أن كتب في الرسالة 71 للمنذر بن الجارود لصدور الخیانة منه ببیت المال فخاطبه علی هذا النحو: «لئن كان ما بلغني عنك حقًّا لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك ومن كان بصفتك، فليس بأهل أن يسدّ به ثغر أو ينفذ به أمر أو يعلى له قدر أو يشرك في أمانة أو يؤمن على جباية». (المصدر نفسه: 614).

ج ـ 3- الاهتمام بالتربیة الأسریة: إنّ أمیر المؤمنین (ع) في الرسالة 53 في خطاب لمالك الأشتر بعد بیان شرائط تعیین القادة، أمر بالمواصلة القریبة مع الذین هم من «أهل البیوتات الصالحة…» (المصدر نفسه: 574) وعلی القطع فإنه (ع) كالقرآن الكریم یشیر إلی عدم التأثر التربوي في بعض الأبناء ببیوتاتهم، ویذكر من بعض الموارد التي خالف فیها الولد مسلكَ والدیه نموذج ذلك، فإن المنذر بن الجارود العبدي الذي كان عنده أبٌ صالح وصادق وحینما خان بالمسؤولیة، التي عهد بها إلیه فإنه كتب إلیه الرسالة 71 من نهج البلاغة قائلًا:«فإنّ صلاح أبیك غرني وظننت أنك تتبع هدیه وتسلك سبیله». (المصدر نفسه: 614) ولا شكّ فإنّ هذا التعبییر یشیر إلی كون هؤلاء الأفراد كاستثناءات، ویعلن أنّ إحدی معاییره(ع) في تعیین المدیرین والعمال المسؤولین هي صلاحیتهم العائلية وتربیتهم الأسریة.

د ـ المقبولیة

د ـ1- المقبولیة عند المسؤولین في المراتب العلیا: إنّ الإمام علي (ع) في بعض المواقف یذكر لزوم رضى المسؤول في المراتب العلیا عن المسؤول في المرتبة الأدنی. فمثلًا حینما وصل (ع) إلی سدة الحكومة طلب منه طلحة والزبیر أن یعهد إلیهما بعض أمور الحكومة فأجابهم، وقال: «واعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضی بدینه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخیله». (الهاشمي الخوئي، 1400هـ. ق: 147/3). وقد قال أمیر المؤمنین في الخطبة 119 في جواب من قال له: «یا أمیر المؤمنین إن سرت سرنا معك…» قال (ع): «أفي مثل هذا ینبغي لي أن أخرج وإنما یخرج في مثل هذا رجل ممن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم». (السیدالرضي، 1380هـ. ش:228).

د ـ 2- المقبولیة عندالناس والقوات التابعة: وقد كتب أمیر المؤمنین (ع) في خطابه لمالك الأشتر في الرسالة 53 فی ما كتب عن أهمیة نظر  الناس الصالحین في اتخاذ المسؤول للقرارات الحاسمة: «إنّ الناس ینظرون في أمورك في مثل ماكنت تنظر فیه من أمور الولاة قبلك، ویقولون فیك ماكنت تقول فیهم وإنما یستدل علی الصالحین بما یجري الله لهم علی ألسن عباده» . (المصدر نفسه:566).

د ـ 3- اختیار العمّال المحلیین: عیّن أمیر المؤمنین (ع) القثم بن العباس بن عبدالمطلب، إذ كان مكیًّا أصیلًا والیًا علی مكة والرسالتان 33 و67 من نهج البلاغة هما خطابان له. وبقي قثم عاملًا علی مكة إلی حین شهادة الإمام (ع). (المصدر نفسه:538)، وقد استخدم (ع) في عاملیة المدینة من أبي أیوب الأنصاري. (ابن خلدون، 1408هـ. ق: 648/2) وكان اسمه خالد بن زید وهو من أهل المدینة ومن قبیلة خزرج. (الطوسي، 1415هـ. ق:62) وإن لم یأت حول ولایة أبي أیوب علی المدینة في نهج البلاغة شيء إلّا أنّ ابن أبي الحدید قد أشار إلیه في شرحه علی نهج البلاغة. (المعتزلي، 1404هـ. ق :8/ 2)

شواهد نهج البلاغة المؤشرة الأبعاد العدد
الخطبة 56 و110؛ الرسالة38

الخطبة 3، 66/122 ـ 124؛ الرسالة16 الحكمة274

 

 

الرسالة 13 و31

 

 

الخطبة 133 و173

الإیمان والالتزام

العلم والمعرفة

 

حسن التدبیر والإدارة

 

 

البصیرة والرؤیة السیاسیة

الفكري والاعتقادي 1
الرسالة 10 و53

 

الخطبة 157و192؛ الرسالة 31، 53 و78؛ الحكمة 211

الخطبة 173و192؛ الرسالة 34

 

 

الخطبة 27 و182

الخطبة 233؛ الحكمة394

حسن السابقة

 

التجربة

 

الاقتدار وطول الباع

 

الجهاد والتضحیة

الفصاحة والبلاغة

العملیة والتنفیذیة 2
الخطبة 119 و124؛ الرسالة 38و53

الرسالة 5، 25، 41 و71

الرسالة 31، 53، 71

الشجاعة

حفظ الأمانة

الأسرة

الأخلاقیة والتربویة 3
الخطبة 68؛ الرسالة 42

 

الرسالة 53

 

الرسالة 33 و67

عند المسؤولین في المراتب العُلیا

 

عند الناس والقوات التابعة

 

استخدام العمّال المحلیین

المقبولیة 4
العلمیة والتنفیذیة
معاییر صلاحیة مدیري الحكومة العلویة

 

الفكریة والاعتقادیة
 

 

المقبولیة

 

 

 

الأخلاقیة والتربویة

 

الجهاد والتضحیة
عند المسؤولین في المراتب العُلیا
حفظ الأمانة

 

 

 

الشجاعة

البصیرة السیاسیة والرؤیة السیاسیة
العلم والمعرفة
الإیمان والالتزام
حسن التدبیر والإدارة
الاهتمام بالتربیة الأسریة

 

التجربة
حسن السابقة
الفصاحة والبلاغة
عند الناس والقوات التابعة
اختیار العمّال المحلیین

 

 

 

الاقتدار وطول الباع

 

 

 

 

المصادر والمراجع

القرآن الكریم.

نهج  البلاغة: السیّد الرضي، 1380هـ. ش، قم، نشر آلطه.

3ـ ابن خلدون، أبو زید عبدالرّحمن، 1408هـ. ق، تاریخ ابن خلدون، بیروت، دارالفكر.

4ـ ابن شهرآشوب المازندراني، رشیدالدّین محمّد، 1379هـ. ق، مناقبُ آل­أبي طالب، قم، مؤسسه انتشارات علامه.

5ـ ابن عساكر، علي بن الحسن، 1415هـ. ق، تاریخُ مدینة دمشق، بیروت، دارالفكر.

6ـ ابن مزاحم، أبوالفضل نصر، 1409هـ. ق، وقعة صفّین، قم، مؤسّسة آل البیت لإحیاء التّراث.

7ـ الأربلي، علي بن عیسی، 1381هـ. ق، كشف الغمّة، تبریز، انتشارات مكتبة بني هاشمی.

8ـ الأمیني، محمدهادي، 1359هـ. ش، أعلام نهج­البلاغه، ترجمةأبوالقاسم إمامي، طهران، بنیاد نهج البلاغه.

9 ـ التستري، محمّدتقي، 1376هـ. ش، بهج الصّباغة في شرح نهج­البلاغة، طهران، انتشارات امیركبیر.

10 ـ الثقفي، إبراهیم بن محمد(ابن هلال)، 1355هـ. ش، الغارات، طهران، انجمن آثار ملي.

11ـ خامنهاي، سیّدعلي، 1395هـ. ش، نرم افزار حدیث ولایت [برمجیات حدیث الولایة]، طهران و قم، دفتر حفظ و نشر آثار حضرت آيتاللهالعظمى خامنهاي (مدّ ظلهالعالي) و مركز تحقیقات كامپیوتري علوم اسلامي.

12ـ الخزّاز القمّي، علیّ بن محمّد، 1401هـ. ق، كفاية الأثر في النّص على الأئمةالإثني عشر عليهم‏السلام، قم، انتشارات بیدار.

13ـ الخوئي، السید أبوالقاسم، 1369هـ. ش،معجم رجال الحدیث، قم، مركز نشر آثار شیعه.

14ـ الدیلمي، حسن بن أبي الحسن، 1412هـ. ق، إرشاد القلوب، قم، انتشارات شریف رضي.

15ـ ري ­شهري، محمد، 1421هـ. ق، موسوعة الإمام علي بن أبی­طالب في الکتاب والسنة والتاریخ، قم، دارالحدیث.

16ـ الصدوق، محمد بن علي، 1403هـ. ق، الخصال، قم، انتشارات جامعه مدرسین حوزه علمیه قم.

17ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ، 1386هـ. ق، علل الشّرائع، النجف، انتشارات كتابخانه حیدریه.

18ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ، 1413هـ. ق، من لا یحضره الفقیه، طهران، انتشارات كتابخانه اسلامیه

19ـالطبرسي، أحمد بن علي، 1403هـ. ق، الاحتجاج، مشهد مقدّس، نشر مرتضی.

20ـالطوسي، أبوجعفر محمد بن الحسن، 1411هـ ق، الغیبة للحجّة، قم، مؤسّسه معارف اسلامي.

21ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ، أبوجعفر محمد بن الحسن، 1415هـ ق،رجال الطوسي، قم، نشر اسلامي جامعه مدرّسین.

22ـ الفتّال النیشابوري، محمّد بن حسن، 1386هـ. ق، روضة الواعظین، قم، انتشارات رضی.

23ـ الكشّي، محمّد بن عمر، 1348هـ. ش، رجال الكشّي، مشهد، انتشارات دانشگاه مشهد.

24ـ الكلیني، محمد بن یعقوب، 1365هـ. ش، الكافي، تهران، دار الكتب الإسلامیه.

25ـ المجلسي، محمّدباقر، 1404هـ. ق، بحارالأنوار، بیروت، مؤسسة الوفاء

26ـ المعتزلی، ابن أبي الحدید، 1404هـ. ق،شرح نهجالبلاغة، قم، انتشارات كتابخانه آیتالله مرعشي نجفي.

27ـ المفید، محمد بن محمد بن نعمان،1413هـ. ق، الف، الاختصاص، قم، كنگره جهانی هزاره شیخ مفید [المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد].

28ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ،1413هـ. ق، ب، الإرشاد، قم، كنگره جهانی هزاره شیخ مفید [المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد].

29ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ،1413هـ. ق، ج، الأمالي، قم، كنگره جهانی هزاره شیخ مفید [المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد].

30ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ،1413هـ. ق، د،الجمل، قم، كنگره جهانی هزاره شیخ مفید [المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد].

31ـ النعماني، محمد بن إبراهیم، 1397هـ. ق، الغیبة، طهران، مكتبة الصّدوق.

32ـ وكیع، محمّد بن خلف، د. ت، أخبار القضاة، بیروت، عالم الكتب.

33ـ الهاشمی الخویي، میرزا حبیب الله، 1400هـ. ق، منهاج البراعة في شرح نهج­ البلاغة، طهران، المكتبة الإسلامیة.

  • طالب دکتوراه بقسم علوم القرآن والحدیث بجامعة أصفهان.smmabtahi@chmail.ir
  • أستاذ مساعد بقسم علوم القرآن والحديث بجامعةأصفهان.m.samadanian@ltr.ui.ac.ir

*** أستاذ مشارک بقسم علوم القرآن والحديث بجامعةأصفهان. shokrani.r@gmail.com

  • PhD student in Quran and Hadith, University of Isfahan
  • · Assistant Professor, Department of Quranic and Hadith Sciences, University of Isfahan
  • ·· Associate Professor, Department of Quranic and Hadith Sciences, University of Isfahan
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website