foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

الأزمة اللبنانيّة كِيانيّة أم سياسيّة؟

0

الأزمة اللبنانيّة كِيانيّة أم سياسيّة؟

د. بسام حمود([1])

الملخص

يتناول البحث حقيقة الأزمات المتلاحقة في لبنان، وهل هي أسباب سياسية مرتبطة بسوء الإدارة وفساد السلطة أم أنّها أزمة كِيانيّة مرتبطة بنشأته وتركيبته الطائفيّة والمذهبيّة.

فجذور الأزمة في لبنان بنيوية، وقديمة تسببت في خلق مُشكلات طبقية وغير عادلة بين الطوائف، والإثنيات اللبنانية في ظل غياب زعيم وطني عابر للطوائف يحافظ على تنوعهم وهويتهم ويلمّ شملهم تحت هُويّة وطنية جامعة.

يبدأ البحث بمقدمة تعرض للواقع اللبناني في ظل التناقض الموجود بين أهل الحكم بسبب المحاصصة الطائفيّة، وكيف عجز الكِيان عن تشكيل إطار لوحدة حقيقية تمكن لبنان من الانتقال من صيغة فيدراليّة الطوائف إلى صيغة الوطن الموحد. وكيف أنّ فساد السّلطة السياسيّة إدى إلى تصدّع المؤسّسات الدستوريّة، والانحراف في استعمال السّلطة واستثمار الوظيفة العامة وهدر المال العام، والتّدخل السياسي في شؤون الإدارة والقضاء.

تبِع المقدمة تعريف بالمنهج المتبع، وأهمية اختيار الموضوع في ظل الأزمة الحالية في لبنان، وإشكالية البحث وأهمية الدراسة والكلمات المفتاح في هذا البحث.

وقُسم البحث إلى مبحثين وأربعة مطالب، المبحث الأول تحدث عن الدستور والصلاحيات الرئاسيّة، والمبحث الثاني تناول توازن السلطات والعقد السياسي الاجتماعي.

وخلُص البحث إلى توصيات مهمة تكون – إن طُبقت بالشّكل والمضمون – المدخل الصحيح وبداية الطريق لبناء دولة القانون والمؤسسات وإنقاذ الكِيان اللبناني من التفتت والضياع. وختم البحث بالمصادر والمراجع التي استعنتُ بها.

 مصطلحات البحث: الدولة – الديمقراطيّة – المحاصصة – البوليارشيّة – نظام – كِيان – برلماني – صلاحيات – دستور – قضاء – سياسة – مصلحة – نفعية – فرديّة – اتفاق الطائف – تسويات – حرب أهلية – السلطات – الطوائف – مذاهب – أحزاب – روؤساء – مواطن – عدالة – مساواة.

Abstract

The current research examined the reality of the successive crises in Lebanon and investigated whether they are political causes related to poor governance and corruption of the authority or whether they constitute a crisis of entity related to the country’s origin and factional and sectarian structural mosaic. In fact, the crises in Lebanon, which have structural and ancient roots، have caused class-related and unfair problems to the Lebanese sects and ethnicities in the absence of a national leader who can transcend all sects،preserve the diversity and identity of all Lebanese people and unite them under one national umbrella.

The research started with an introduction which presented the Lebanese reality in light of the existing contradiction between.

Keywords: state, democracy, qouta, polygarchy, system, entity, parliamentary, powers, constitution, judiciary system, politics, interest, expediency (utilitarianism), individualism, Taif Agreement, civil war, compromise, authorities, sects, factions, parties, presidents, citizen, equality, justice.

المقدمة

في ظل الأزمات العاصفة، التي ضربت لبنان في الحقبة الماضية، أصبح لبنان  يعيش أزمة، هي الاسوأ منذ مئة عام، أزمة ثلاثيّة الأبعاد، أزمة سياسية، أزمة اقتصاديّة، وأزمة كِيانيّة. أمّا الرّابط  الأساسي والوحيد بين هذه الأزمات هو التناقض الموجود بين أهل الحكم بسبب المحاصصة  الطائفيّة، فكثر الحديث في الدّاخل والخارج اللبناني عن ضرورة تغيير العقد السياسي والاجتماعي أو تعديله بما يتناسب مع صالح الوطن والمواطن وهذا مدخل جديد لأزمة جديدة كسابقاتها من الأزمات.

فقد عانى لبنان من أزمة مزمنة ذات طبيعة داخليّة عميقة الجذور وهي مولّد دائم للأزمات في لبنان، إنّها أزمة كِيان عجز عن تشكيل إطار لوحدة حقيقيّة تمكّن لبنان من الانتقال من صيغة فيدراليّة الطوائف إلى صيغة الوطن الموحد، وهي أيضًا أزمة نظام سياسي عجز، منذ قيامه، عن حلّ مشكلة التّفاوت في الحقوق والسّلطة بين شتى طوائفه وجماعاته، وعن ضبط الصّراعات لمنع تحولها إلى فتن وحروب أهليّة. وبتعبير آخر عجز النّظام اللبناني” المسمى نظام ديمقراطي” عن تأدية دور صمام الأمان الذي تقوم به المؤسسات الديمقراطية الحديثة لتدارك أيّ مشكلة قد تتطور الى أزمة مستعصيّة، وأدى فساد السلطة السياسيّة الى تصدّع المؤسسات الدّستورية والانحراف في استعمال السّلطة واستثمار الوظيفة العامة، وهدر المال العام والتّدخل السياسي في شؤون الإدارة والقضاء، كل ذلك شكَل أعرافًا تكاد تسمو على النّصوص الدّستورية، وهي عمومًا ذات صلة بجذور تاريخيّة تعود الى زمن السّلطنة العثمانيّة ومتصرفية جبل لبنان والانتداب الفرنسي، إذ شكلت تلك الأعراف الموروثة، مجموعة من القيم الاجتماعيّة والسّيكولوجيّة لمكونات المجتمع اللبناني جعلت من الصعوبة الالتزام بالنصوص والمواد الدستورية التي أحدثها اتفاق الطائف.

أهمية اختيار الموضوع

جذور الأزمة في لبنان بنيوية وقديمة، إذ لم تنشأ بعد إتفاقية الطائف وحسب. وإنما كانت جذورها ضاربة قبل تأسيس “دولة لبنان الكبير” في العام 1943م. وهذا خلق مشكلات طبقيّة وغير عادلة بين الطوائف والإثنيات اللبنانية ما جعل من الصعوبة رتقها، أو العمل على إصلاحها، كما لم يتفق الشّعب اللبناني على زعيم وطني شامل يحافظ على تنوعهم وهويتهم، ويلم شملهم تحت هُويّة وطنية كبرى جامعة، ما اضطرهم إلى قبول زعامات وإرتهانات أوصلتهم إلى حرب أهلية وضرب النّظام الدستوري لا بل مهددًا الكِيان برمته. ومن هنا جاءت أهمية هذه الدّراسة بأن ما يعيشه لبنان أزمة نظام أم أزمة كِيان؟

الإشكالية

جاء الدستور اللبناني مبني على دوافع منها اجتماعيّة وسياسية إذ نظّم الدّستور مسألة النّظام البرلماني الديمقراطي وحدد صلاحيات واختصاصات الروؤساء الثلاثة وبشكل خاص صلاحيات رئيس الجمهورية. إن عدم الالتزام بالدّستور وما نص عليه والاستئثار بالمحاصصة والطائفيّة والحزبيّة هدد النّظام والكِيان برمته. وهنا تثار إشكالية البحث بالأزمة اللبنانية ودراستها، هل هي أزمة نظام أم أزمة كِيان؟

أهمية الدراسة

تبرز أهمية الدّراسة في تحول الدّولة من دولة برلمانية ديمقراطيّة إلى دولة محاصصة وطائفية، ما يقتضي تسليط الضوء على التّحولات الدّستورية من جهة ومن جهة أخرى نتائج الطائفيّة والمحاصصة، وتوزيع المغانم والأدوار وفقًا للمصالح الضيقة. وهذا ما يهدد كِيان الدولة وقوتها واستقلالها في إدارة شوؤنها الدّاخليّة وحتى الخارجيّة منها.

منهج البحث

وفق المنهج الوصفي المستند إلى الطريقة الاستقرائية في البحث العلمي، لأنّ هذه المنهجيّة هي الأنسب في تحقيق الأهداف المرجوة.

المبحث الأول: الدستور والصلاحيّات الرئاسيّة

المطلب الأول: الدّستور والنّظام السّائد

إن شكل النّظام السياسي في لبنان، هو نظام برلماني، قائم على مبدأ الفصل بين السّلطات والتعاون في ما بينها، وقد أرسى دستور العام 1990 (الطائف) قواعد دستورية جديدة، ساهمت في إعادة التّوازن بين السّلطات الدّستورية التي كانت قائمة قبل مؤتمر الطائف، الذي وضع حدا للحرب الأهليّة التي “دامت زهاء خمسة عشر عامًا متوالية، وإنّ طبيعة هذا النّظام الدستوري الجديد تقوم على توافقيّة تعددية ذات طابع طائفي ومذهبي. فمنذ الاستقلال، لا يحكم لبنان بدستوره فقط، وإنّما بالأعراف في الكثير من الأحيان، والصيغة الطائفية التي تدل على الاتفاق الضمني بين الطوائف على تقاسم السلطة والمراكز في الإدارات والمؤسسات العامة تبعًا لمعايير عددية واقتصاديّة واجتماعيّة وتاريخيّة وسياسيّة. واستنادًا لهذه الصيغة أسندت رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة الحكومة للسنة، ورئاسة المجلس النيابي للشيعة.

إن تقاسم السّلطة المبني على الصيغة الطائفية ارتد سلبًا على الدستور، وذلك لأنه جعل من المحال على رئيس السّلطة التّشريعيّة، مثلًا، – بما يمثل من مرجعيّة سياسية لطائفة – الامتناع عن التّدخل لمصلحة طائفته في عمل السّلطة التّنفيذيّة على الرّغم من النّص على فصل السّلطات في الدستور، وهذه الصيغة تؤدي إلى وقوف رأسيْ السّلطة التّنفيذيّة، لأنهما رأسان سياسيان لطائفتين، أحدهما في وجه الآخر، وتدخلهما في تجاذب متكرر كانت نتيجته تأخير الحلول أو تجميدها أو مقايضة بين قرار يرجح كفة بقرار يرجح كفة أخرى. وهذا التّداخل بين الدّستور والميثاق والأعراف والصّيغة يدل على أنّ البنية الدّستورية الحديثة في لبنان لم تنشأ وتتطور في سياق تاريخيّ، ونتيجة لتحولات عميقة في مؤسساته المختلفة على غرار ما حدث في المجتمعات الغربية، وإنما جاءت “كرغبة في التّحديث” التي تُعنى بدراسة مشكلات المجتمعات المكونة من عدة مجموعات بشرية وعدة مراكز” وقامت على بنية مجتمعيّة تقليديّة. وبالرجوع إلى هذا النموذج يمكن شرح خصائص النظام اللبناني، بأنّه يقوم على توازن دقيق بين قوى متعدّدة وهي: التوازن بين الطوائف الذي يتحقق عن طريق قانون الانتخاب، التّوازن الشّخصي بين الزّعماء، توازن المناطق، والتّوازن داخل مجلس الوزراء، والتوازن بين الرئاسات الثلاث “الترويكا”، إن هذا التّوازن يفرض ضرورة التّعاون بين الشّركاء – الخصوم إذ لا يستطيع أي واحد منهم أن يلغي الآخر، كما أنّه لا يسمح لجماعة من الجماعات التي يتكون منها المجتمع أن تفرض نفسها على غيرها بصورة دائمة لأنّها لا تملك، أو لا يسمح لها أن تملك من القوة ما يؤهلها للاستيلاء على السّلطة. وكل خلل في هذا التوازن يؤدي إلى شلل الشراكة. هذه الموازين قابلة للتبدل تحت تأثير معطيات متعددة داخليّة وخارجيّة، إذ يرى كل فريق نفسه مدفوعًا الى تحسين موقعه في هذه الصيغة معتمدًا على قواه الدّاخليّة وأحيانًا على الخارج لاسيما وأن لمعظم الطوائف علاقات تاريخيّة وطيدة مع امتداداتها الخارجيّة، وفي لعبة الموازين هذه تجد القوى الخارجيّة بابًا واسعًا تلج منه إلى الدّاخل، الذي يتحول من ساحة تعج بالتناقضات الدّاخليّة الى ساحة تضاف اليها التناقضات الإقليميّة والدّوليّة. وبذلك تصبح الأطراف الدّاخليّة أسيرة لعبة الأطراف الخارجيّة. وبما أن صيغة الحكم مبنية على توازنات معينة، لذا كان من الطبيعي أن تنمو التناقضات الدّاخليّة عندما تخرق هذه التوازنات أو عندما يفرز التغيير الاقتصادي أو السياسي قوى جديدة تشكك بهذه الصيغة.

إنّ تعدد الأزمات الدّاخليّة على الصعد الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة يدلّ على أن الازدواجيّة بين الدستور والصّيغة الطائفيّة، أي مسألة تقاسم السلطات في الحكم، أدت الى تعطيل قواعد النظام البرلماني، ويدلّ على أنّ الطبقة السياسية التي تحكم البلاد فشلت في إيجاد الحلول لما تعانيه البلاد من أزمات الى درجة يشعر معها المواطن أنّ الدولة ليست أكثر من وسيلة تعمل لحساب زعماء الجماعات الطائفية أو الى مزرعة يتقاسم هؤلاء خيراتها. إن طبيعة البنية السياسية للنظام اللبناني وتركيبتها القائمة على توازنات دقيقة بين الطوائف والزعماء، والقائمة على المحاصصة وتقاسم السّلطات، تفرض أن يكون القرار السياسي قرارًا جماعيًّا لا يعالج المشكلات بشكل جذري، لأنّه يصدر نتيجة مساومات بين مختلف المكونات ذات المصالح والرؤى المتضاربة، الأمر الذي يؤدي الى تعطيل قواعد النظام البرلماني، ويقيد قدرة رئيس الجمهورية في تنفيذ رؤيته لحل صراع داخلي، لأنّه بهذه الصيغة فهو جزء من المشكلة.

هذه البنية أيضًا أفرزت ظاهرة “الترويكا” التي ضمنت لكل من الرؤساء الثلاثة نفوذًا موازيًا للآخر، وارتبطت بموازين القوى الجديدة التي أمنَت للطوائف الثلاث الكبرى (المارونيّة والشيعيّة والسنيّة) مواقع متوازنة من خلال الرئاسات والحقائب الوزارية والمقاعد النيابيّة المخصصة لكل منها.

وهذه الظاهرة أيضًا تقضي على دور مجلس الوزراء كمؤسسة جماعيّة، وتشرك الآخرين في صلاحيات رئاسة الوزراء، وفي هذا منتهى التفريط في موقع رئاسة الوزراء. وتشكل الترويكا حاجزًا في وجه ممارسة البرلمان لرقابته الفعالة على الحكومة، وتنتهك مبدأ فصل السّلطات، وتختزل المؤسسات بمن هم على رأسها، وتربط العلاقة بين السّلطتين بالعلاقة بين الرؤساء، وغالبًا ما تكون العلاقات بينهم متقلبة تستبد بها الأهواء والمصالح، الأمر الذي لا يعالج الأزمات بل يعزز الولاءات الطائفيّة. ولكيلا تعيق المشاركة الطائفيّة عمل المؤسسات الدّستورية فيجب أن تتم على صعيد الحكومة وليس على مستوى الرئاسات الثلاث التي يجب أن تبقى متحررة من القيود الطائفيّة. وهناك أيضًا ظاهرة امتلاك الأقلية “الثلث الضامن” أو “الثلث المعطل” في تشكيلة الحكومة، وهذا الموضوع أثير في العام 2006 بعد استقالة الوزراء الشّيعة من حكومة الرئيس السنيورة، عندما طالبت المعارضة المؤيدة للرئيس لحود بأن تتمثل بنسبة الثلث زائدًا واحدًا لتتمكن من تعطيل قرارات الأكثرية. وفي حال الأخذ بهذا الاتجاه، فسيؤدي ذلك إمّا الى شلل المؤسسات أو يُسقط كل اليات المحاسبة بين أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وهذا من شأنه أن يعطل انتظام عمل المؤسسات الدّستورية، ويقلص دور رئيس الجمهورية في ضبط أعمالها. وهكذا يتبين أن تدخل الرئيس لا يتوقف على أساس دوره كحكم بين السّلطات فقط، بل إن تدخله له علاقة بتركيبة النّظام اللبناني المؤلف من مجتمع طوائفي تحكمه الدّيمقراطيّة التوافقيّة.

ومن هنا يجب على الرّئيس رعاية التّوازنات الطائفيّة، لأنّ نظام لبنان البرلماني لا يعتمد على الأكثريات كما يحصل في الدول الديمقراطية الغربية وإنّما على التوازنات الدّاخليّة.

المطلب الثاني: صلاحيات الرؤساء قبل الطائف وبعده

خصّ الدستور اللبناني، قبل التعديل الدستوري، رئيس الجمهورية بسلطات واسعة وحدد الهيئة التي تمتلك سلطة اتخاذ القرار السياسي وهي السلطة الإجرائيّة. أمّا دور الوزراء فلا يتعدى دور المعاونة في الأعمال.

وتأتي الصلاحيات الأخرى المخصصة لرئيس الجمهورية لتجعل الحكومة مسؤولة أمامه، فهو الذي يعين الوزراء ويسمي منهم رئيسًا ويقيلهم. وصلاحية رئيس الجمهورية لا تتوقف عند الوزارة بل تتعداها إلى البرلمان الذي  لا يسعه البقاء إلا وهو في حالة من التّجاوب الدّقيق مع رغباته؛ وذلك لأنّ له الحق أيضًا بحلّ مجلس النواب قبل انتهاء المدة الدستورية بقرار معلل بموافقة مجلس الوزراء. ولا شيء يمنعه من الناحية القانونية إذا لم يجد أمامه وزارة طيّعة من أن يستبدلها بأخرى تماشيه في رغبته.

بالإضافة إلى صلاحيات رئيس الجمهورية في اقتراح القوانين وإصدارها ونشرها وإعادة النظر فيها، وصلاحيته الاستثنائية بموجب الدّستور بمشاريع القوانين المعجلة، قد ينفرد الرئيس في اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالشؤون الخارجيّة لأنّه يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدّوليّة وإبرامها، ويطلع المجلس عليها حينما تمكنه من ذلك مصلحة البلاد. وعلى الرّغم من تمتع رئيس الجمهورية بهذه الصّلاحيات الواسعة إلا أنّه غير مسؤول ولا يحق مساءلته من قبل أيّ هيئة دستورية أو قضائيّة.

وعلى الرغم من اختلال التوازن بين السلطات لمصلحة السلطة الاجرائية، وعلى الرّغم من اختلال التوازن داخل السّلطة الإجرائية نفسها لمصلحة رئيس الجمهورية بفعل النصوص والممارسة في آن معًا، فإنّ القضايا الأساسية، التي كان يجري الاتفاق بشأنها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأعضائها البارزين، والتي كان مجلس الوزراء يوافق عليها، وكانت تنفذ. هذا الواقع مكّن رئيس الجمهورية والحكومة التي يهيمن عليها من تسيير عمل المؤسسات باستثناء حقبات الأزمات الطائفية الحادة. وبسبب البنية الطوائفيّة اللبنانية القائمة على المحاصصة كانت صلاحيات رئيس الجمهورية الواسعة مصدر شكوى داخلية وعنوانًا بارزًا من عناوين اختلال الحكم وأزماته، لأنّها أدت إلى هيمنة طائفة معينة على مقدرات الحكم وحالت دون مشاركة بقية الطوائف في القرار السياسي.

تعديل الصلاحيات بعد الطائف

كان اتجاه التّعديلات الدستوريّة واضحًا لجهة تغليب الانتقال من دولة الرؤساء إلى دولة المؤسسات ومواءمة المسؤولية للصلاحية، أيّ بجعل مجلس الوزراء مركز قرار السّلطة الاجرائيّة، وإرساء مبدأ الفصل والتوازن والتعاون بين السلطات. إلا أنّ الواقع لم يؤد فقط إلى إقامة توازن جديد في مجلس الوزراء بين الطوائف التي تشترك في رسم سياسة الحكم، بل أدى إلى حصر عملية اتخاذ القرار بالرؤساء الثلاثة، أيّ ما يعرف باسم “الترويكا”. التعديلات الدستورية حولت الثنائيّة التّنفيذيّة من ثنائية يسيطر فيها رئيس الجمهورية إلى ثنائية لمصلحة مجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للدولة، وكذلك حددت صلاحيات رئيس الجمهورية وعددتها حصرًا، بعد أن نصت على أن رئيس الجمهورية هو رئيس ورمز وحدة الدولة والوطن ويسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه… وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء. وبذلك أصبح رئيس الجمهورية رئيسًا للدولة بأرضها وشعبها ومؤسساتها لا رئيسًا للسلطة الإجرائيّة. وبسبب هذه الشّمولية في الدّور أصبح رئيس الجمهورية رمزًا لوحدة الوطن وحكمًا بين البرلمان والحكومة. إنّ هذه الصفات تضفي على مهامه، لأنّه وحده يقسم اليمين الدّستورية، صفة المرجعيّة الحصريّة لمؤسسات الدولة كافة.

هل صلاحيات رئيس الجمهورية تمكنه من ضبط عمل المؤسسات؟

هناك من يرى أن صلاحيات رئيس الجمهورية لم تتبدل جذريًّا بعد التعديلات الدستورية؛ ما يعني إنّ هذه الصلاحيات تمكنه من القيام بدور فاعل في ضبط عمل المؤسسات وقيادة النظام، وهناك فريق من اللبنانيين، أغلبيته مسيحيّة، يطالب بالمشاركة الفعليّة في الحكم لأنّه يرى أن اتفاق الطائف سلب معظم الصلاحيات الأساسية التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية فأصبح دوره شكليًّا.

الواقع أنّ الرئيس لا يتمتع بالصلاحيات التي كانت له قبل التعديل الدستوري، ولم يُجرد منها كاملة، فالتعديل وزّع الصلاحيات بين رئيسي الجمهورية والحكومة بشكل متوازن نسبيًّا. فالأول يتمتع بصلاحيات يمارس معظمها بالمشاركة مع رئيس الحكومة.

إنّ أكثر صلاحية لرئيس الجمهورية أهمّيّة بعد التّعديل الدّستوري هي الموقع الجديد الذي بات يحتله، أيّ أنّه أصبح رئيسًا للدولة لا للسّلطة الإجرائيّة، وهو رمز وحدة الوطن، والسّاهر على احترام الدستور، والمحافظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. وهو بحكم موقعه هذا يجب أن يكون مرجعيّة وطنيّة دستوريّة. ولكي يؤدي هذا الدور يجب أن يتمتع بالقدرة التي تمكنه من ضبط عمل المؤسسات.

إنّ قدرة رئيس الجمهورية تنبع من أمور ثلاثة وهي:

أولًا: ثقة الشّعب به، وهذا يتطلب منه أن يتمتع بصدقيّة لا يرقى اليها الشّك، ويترفع عن الصراعات الطائفيّة والمذهبيّة، ويضع نفسه على مستوى الوطن وليس على مستوى الجماعات المكونة له.

ثانيًا: قدرته على جعل نفسه فوق الصراعات السياسيّة الدّائرة في اطار المؤسسات الدستورية وبينها، إذ يستطيع أن يؤدي دوره كحَكَم وضابط للعبة السياسية، ولا يدخل في مساومات تضعف موقعه لحساب منافع خاصة.

ثالثًا: الصلاحيات التي منحه إياها الدّستور وهي المصدر الأساسي لقدرته، وبما أنّ النّظام اللبناني هو نظام برلماني أناط السّلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعًا، وقلص صلاحيات رئيس الجمهورية التي يمارس معظمها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، لذا ستكون ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته صعبة إذا لم يكن متفاهمًا مع رئيس الحكومة.

ومن بين مظاهر التدخل المؤثر الذي يقوم به رئيس الجمهورية على سبيل المثال لا الحصر دوره في تسمية رئيس مجلس الوزراء وتوقيعه على مرسوم تأليف الحكومة، والذي لا يتم إلا بعد توافقه على التشكيلة الحكوميّة مع رئيس مجلس الوزراء.

المبحث الثاني: توازن السلطات والعقد السياسي الاجتماعي

المطلب الأول: القرار السياسي وتوازن السّلطات

انطلاقًا من هذه البنية نجد أنّ القرار السياسي في لبنان هو قرار جماعي توافقي، وإن اختلف التأثير في فرض القرار بين الزعماء بحسب موقعهم في السلطة، إلّا أنّه يصدر نتيجة المساومات بين القوى الفاعلة، وغالبًا ما يأتي كتسوية بين الآراء المتضاربة، وبالتالي فهو لا يعالج المشكلات معالجة جذريّة، وإن رفض أيّ طرف من الأطراف الأساسيّة لهذا القرار يؤدي إلى تجميده، أو يخرج الرّافضون الممثلون في الحكومة على مبدأ التّضامن الوزاري. ونتيجة لهذا الوضع تغيب التّعديلات الدّستورية الجادة وتتحول الحياة السياسيّة إلى عمليات تجاذب ومساومات تمارسها الجماعات المذهبيّة لتحقيق بعض المكاسب، ولو أدى ذلك أحيانًا إلى خصومات حادّة قد تنتهي باستخدام الشّارع وحتى القوة المسلحة في بعض الأحيان. إنّ دستور الجمهورية الأولى أخذ بمبدأ ثنائيّة السّلطة الإجرائيّة، التي يستند اليها نظريًّا النظام البرلماني، ولكنه أعطى الأولوية في الاختصاص الى رئيس الجمهورية الذي يدير اللعبة السياسيّة، جاعلًا من الوزراء مجرد معاونين له. ولذلك لم يكن رئيس الحكومة شريكًا فعليًّا لرئيس الجمهورية في السّلطة. وعمليًّا يكتفي رئيس الحكومة بالتّوقيع على المراسيم الرّئاسيّة، فالتّوقيع لا يعني سلطة قرار بل يعني سلطة مشاركة في القرار الذي تنحصر المبادرة في اتخاذه برئيس الجمهوريّة. ومع تطبيق وثيقة الوفاق الوطني وإقرار التّعديلات الدّستوريّة تحولت الثنائيّة الإجرائيّة من ثنائية يسيطر فيها رئيس الجمهوريّة الى ثنائيّة لمصلحة مجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للدولة.

إنّ النّظام البرلماني اللبناني ينص على مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، والمقصود بالتوازن هو تمكين المجلس النيابي من مراقبة الحكومة بشكل مستمر، وبإمكانه عند الاقتضاء حجب الثقة عنها، وبالمقابل يمكن للسلطة الإجرائيّة حلّ المجلس النيابي، إلا أنّ التّعديلات الدّستورية قيدت حقّ السّلطة الإجرائيّة في حلّ المجلس النّيابي والاحتكام الى الشّعب إلا بشروط من الصعب جدًا توافرها، ما أدى الى خلل في التّوازن بين السّلطتين لمصلحة السلطة التّشريعيّة. وصلاحيّة حلّ البرلمان أصبحت من اختصاص مجلس الوزراء وفقًا لشروط محددة بناءً على طلب من رئيس الجمهورية، وهذا الطلب يعد شرطًا جوهريًّا لكي يمارس مجلس الوزراء هذه الصلاحيّة خاصة وأنّ الرئيس هو في موقع الحكم بين الحكومة والبرلمان.

إنّ ما نشهده من خلل في علاقات المؤسسات الدستورية يصل أحيانًا الى حدّ الأزمة التي لا تحل إلا من خارج المؤسسات وربما من خارج الدّولة، في حين أن الضابط لهذه العلاقات لا بدّ له أن يكون قائمًا في المؤسسات نفسها. ولذلك يجب تعديل الشروط الدستوريّة المفروضة على السّلطة الإجرائية لحلّ البرلمان، ليتمكن رئيس الجمهوريّة بصفته الحكم بين السلطات من التّدخل الإيجابي، في حال استفحل الخلاف بين الحكومة والبرلمان، لضبط أداء المؤسسات الدّستورية وفقًا للقواعد المعمول بها في الأنظمة البرلمانيّة، وإن عدم قدرة الرئيس على حل المجلس يمنعه من الفصل في المنازعات الكبرى وإنقاذ النّظام.

المطلب الثاني: العقد السياسي والاجتماعي وعلاقته بالأزمة السياسيّة.

إنّ طرح  قضية العقد السياسي والاجتماعي  أو ما سُمّي  ب “المؤتمر التأسيسي الجديد” عبر اسقاط الطائف وإعادة صياغة  دستور لبنان من قبل أفرقاء معينين، أظهر نوايا  كثيرة  متعارضة  ومتناقضة.

فالثنائي الشّيعي المتمثل بحزب الله وحركة أمل يريدان، من خلال هذا التجديد، إعادة رسم موقع الطائفة الشيعيّة في النظام السياسي اللبناني، وذلك عبر إقامة نظام المثالثة بين السّنة والشيعة والمسيحيين، بدل المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، المعمول به حاليًّا حسب اتفاق الطائف.

ويرى المسيحيون إنّ اتفاق الطائف قد انتقص كثيرًا من حقوقهم، وتحديدًا الموارنة، لصالح المسلمين، إذ قلَّص صلاحيات رئيس الجمهورية “المسيحي-الماروني” ووَسّع صلاحيات رئيس الحكومة “المسلم – السّني”، فدعوا الى صيغة مستقبليّة في نظام سياسي  جديد، يعيد ” الحقوق المهدورة ” للطائفة المارونيّة .

يعيش لبنان اليوم أزمة ثلاثيّة الأبعاد، سياسيّة، اقتصاديّة وكِيانيّة، بسبب التناقض الموجود بين أهل الحكم الذي لم يستطع أن يؤمن الاستقرار في الوطن، وكل هذه الأزمات مرتبطة بالمتغيرات التي تشهدها المنطقة. فالأزمة السياسيّة تجلت في عدم تمكن الأفرقاء المتناقضين من التّوافق على حكومة مستقلة، تعيد الأمن والاستقرار وتحفظ الحقوق بعيدًا من المحاصصة الطائفيّة والمناكفات السياسية  والتدخل الدّولي، فخرجت تحركات غاضبة في الشارع ضد أهل السياسة و الحكم في لبنان.

أمّا في الاقتصاد، فقد اشترط المجتمع الدولي تعاون السلطة السياسية معه  لتقديم  المساعدات،  وهذا ما ترفضه الطبقة الحاكمة  نتيجة  الخلافات الدائمة في المحاصصة و المحسوبيّة.

أمّا كِيانيًّا، فأزمة لبنان ليست أزمة حكم وسلطة فحسب ، بل هي أزمة كِيان واستقرار، ومن المستحيل أن يستمر بما هو عليه من مناكفات وتجاذبات ومحاصصات طائفية بعيدًا من المصلحة العامة.

إنّ ما يشهده لبنان اليوم ليس مجرد أزمة حكم أو أزمة نظام سياسي واجتماعي فحسب، إنّما يشهد معركة وجود، وهي معركة مزمنة ومستفحلة ، تتطلب تضافر جميع الجهود لإعادة لبنان الى موقعه ومكانته الطبيعيّة. فالنظام الحالي في لبنان لم يعد قابلًا للاستمرار بما هو عليه ، غير أنّ هذا أيضًا لا يعني استبداله بنظام جديد تتموضع خلاله الطبقة السياسيّة المسيطرة نفسها والتي كانت سببًا أساسيًّا في تحويل النّظام السياسي اللبناني من ديمقراطي برلماني تعددي الى طائفي مبني على مبدء المحاصصة، بل من خلال إطلاق مبادرة وطنية لتأسيس عقد اجتماعي جديد وإعادة تكوين السلطة عبر انتخابات نيابية حقيقية شفافة على أساس “المواطنة”، بعيدًا من الطائفيّة والمذهبيّة والعنصريّة والحسابات الدّوليّة، بالإضافة لاعتماد إصلاحات جديّة في الدستور بمشاركة الشعب اللبناني، بعيدًا من الطبقة السياسية الفاسدة وتبعيتها الخارجيّة .

الخاتمة والتوصيات

إن الاعتراف بأن الأزمة هي أزمة نظام وكِيان في آن – لا أزمة حكومة ولا أزمة أشخاص أيًا يكن دور الأشخاص- هو ما يجب أن يسيطر على مناخ البحث في دور الرئاسات الثلاث وكيفيّة عمل السّلطات، وهذا ما يضع معالجة في مستوى الباحث عن الخلاص الوطني.

إنّ التفكير في تعزيز دور رئيس الجمهورية الذي يعطي الانطباع، وكأنه بحث عن استعادة ماض فقد الكثير من أسسه الدّاخليّة والخارجيّة، هو تفكير لا يتسم بالواقعيّة السياسية. من هنا يجب استبعاد محاولات استعادة الصلاحيات التي كانت ممنوحة للرئيس لما قبل اتفاق الطائف، وأيضًا استبعاد أي نزع لصلاحيات رئاسة الوزراء ومجلس النّواب وإعطائها لرئيس الجمهورية. لأنّ ذلك سيؤدي الى أزمات خطيرة طالما أنّ النظام طائفيٌّ. ولكن هناك حاجة للبحث عن صلاحيات جديدة لم يسبق أن مارسها رئيس الجمهورية في دوره السّابق على الطائف. وهذا يتطلب تعريف الدور المطلوب للرئيس بصفته رئيسًا للنظام وليس مجرد الرئيس الحكم، وليس الرئيس الماروني الأقوى.

وهذه الصيغة الجديدة هي لتقوية دور رئيس الجمهورية ولا تعيد النظام شبه الرئاسي، ولا تعيد صلاحيات غير ممكن إعادتها، لكن لتمنحه هذا الدّور المرجعي للنظام السياسي في ما يكون المرجع المسيحي داخل مجلس الوزراء هم الأحزاب المسيحيّة، التي تفوز في الانتخابات النيابيّة كباقي الطوائف والأحزاب الأخرى.

ويمكن البحث في إجراء الاستفتاء الشّعبي العام حول بعض القضايا الأساسية، إذ يجري تحديد عناوين وماهية هذه القضايا المعتبرة وطنية، واليات ممارسة هذا الحقّ وتوقيته بوضوح لا لبس فيه، والعمل على إقرار قانون انتخابي عابر للطوائف وعلى قاعدة النسبية، وإقرار قوانين جديدة للاحزاب، وتطبيق المادة 95 من الدستور اللبناني بعد إجراء انتخابات على أساس القانون الجديد، واعتماد مناهج تربوية تساهم في تهيئة الأجواء لقيام الدولة المدنية، ليصار على إثرها الانتقال التدريجي نحو قيام دولة القانون والمؤسسات التي هي من أبرز طموحات انتفاضة السّابع عشر من تشرين والملاذ الآمن للبنانيين جميعهم في وطن حر سيد مستقل.

نبذ هذا النظام القديم ومرتكزاته الطائفيّة، والعمل على الخلاص منه من أجل خلاص الوطن من أمراء الحرب والزبائنيّة السياسيّة التي تشبه حالة الإتجار بالطوائف والمذاهب، والإتجار بالبشر، إذ ليس في العالم كلّه نظام سياسي يشبه هذا النّظام المتخلّف عن ركب الحضارة والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، بل هو يساهم في خلق حالة دائمة من عدم الاستقرار والتّدهور المستمر في القطاعات الإنتاجيّة للدولة والمجتمع، وهروب الاستثمارات المنتجة وهجرة الشّباب نحو الخارج.

السعي الى الالتزام بغالبيّة النصوص الطامحة الى إحداث تغييرات جذريّة في طبيعة النظام السياسي، والمتصلة بمغادرة نهج الطائفيّة السياسية والتّوجه نحو الدّولة المدنيّة التي يتوق إليها غالبيّة الشّعب اللبناني للخلاص من فساد السّلطة وقيام الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات.

البعد من النظام الطائفي الذي أسس لنشوء ما يشبه “فيدراليات الطوائف” ذات حدود جغرافيّة معينة، كما أتاح نشوء سلطات سياسية محلية شكلت سلطات موازية للسّلطة المركزية، وذات ارتباط مباشر بسكان تلك المناطق أو الفيدراليات المسلحة التي يحكمها أمراء الطوائف، والذين أصبحوا جميعهم في رأس السلطات المتتالية منذ مؤتمر الطائف حتى اليوم.

حث المنظومات السياسية الى نسج علاقات وطنية لا خارجية، بعيدة من السياسة الخارجيّة للسلطة المركزية للدولة وعدم الاستقواء بالخارج على سلطة الدولة وعدم فرض شروطها في تكوين المؤسسات الدستورية الأساسية وفرض معادلة الثلث الضامن في مجلس الوزراء أو الحصول على أكثرية مطلقة في مجلس النواب، وتجنب المصالح الفئوية للكتل النيابيّة أو السياسيّة على المصلحة الوطنيّة العليا للبلاد، وخلق جوٍّ من التّجانس السياسي والانسجام في تحقيق الخيارات الاستراتيجيّة للوطن من النّواحي السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة وصولًا الى الاستراتيجيّة الدّفاعيّة التي تحمي لبنان من الأطماع والعدوان الخارجي، ومقت الإثارة المذهبيّة وشدّ العصب الطائفي وتغليب المصلحة الوطنية على سواها.

لا خلاص للبنان إلّا بقيام دولة القانون التي يتساوى أمامها المواطنون في الحقوق والواجبات من  دون تمييز بينهم. فالسّلطة الملتزمة حدود القوانين تكتسب شرعية فتزداد قوة وفاعليّة. ودولة القانون هي التي تنظم العلاقات بين المواطنين، وبينهم وبين الدولة، وبين مؤسسات الدولة، في إطار قواعد دستورية تحدد اختصاصات السلطات الدّستورية والعلاقات في ما بينها، إذ تحول دون تجاوز كل سلطة للحدود المرسومة لها، حفاظًا على استقرار النّظام وصونًا للكِيان ولحقوق الأفراد وحرياتهم.

وخلاصة ما يشهده لبنان اليوم، ليس مجرد أزمة حكم أو أزمة نظام سياسي واجتماعي فحسب، لكنه معركة كِيان، تتطلب تضافر جميع الجهود لإعادة لبنان الى موقعه ومكانته الطبيعية. فالنظام الحالي في لبنان لم يعد قابلًا للعيش، وهذا لا يعني استبداله بنظام جديد تتموضع خلاله الطبقة السياسية المسيطرة التي مازالت سببًا أساسيًّا في تحويل النظام السياسي اللبناني من ديمقراطي برلماني تعددي الى طائفي نفعي.

يجب التضافر الهمم وحشدها من خلال إطلاق مبادرة وطنية لتأسيس عقد اجتماعيّ جديد وإعادة تكوين السّلطة عبر انتخابات نيابيّة عصريّة شفافة على أساس ” المواطنة “، بعيدًا من الطائفيّة والمذهبيّة والعنصريّة والحسابات الخارجيّة. هذا بالإضافة لاعتماد اصلاحات جدية في الدستور بمشاركة الشعب بعيدًا من الطبقة السياسية البائسة وارتهانها الخارجي.

نعلم جيدًا أن لا شيء يضمن نجاح هكذا حوار، لكنه يبقى المدخل الأمثل للولوج الى تسوية وطنيّة جامعة تعيد لحمة وطن وبناءه وقد مزقته الحروب الأهليّة وهدّمته طوائفه بمن تمثل من دون احتساب ولا حساب.

المراجع

 

[1]– أستاذ مساعد في جامعة الجنان- قسم العلوم السياسيّة. bassamhd@yahoo.com

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website