foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

الحجاج وتقنياته في خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيليسكي خلال الحرب الروسية الأوكرانية

0

الحجاج وتقنياته في خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال الحرب الروسية الأوكرانية

علي حريري([1])

مستخلص البحث

يمثل الخطاب وسيلة العلوم كلّها للتعريف بموضوعها ولتقديم منهجها وشرح وتفسير نظرياتها، فهو الإطار الذي تنظم فيه الآداب والعلوم فنونها المختلفة. قديمًا ارتبط الخطاب عند اليونان أساسًا بالنّظام الديمقراطي الذي انتشر في العديد من المدن حينها، بوصف أنّ لكل فرد الحق في الكلام وإبداء الرأي، من دون أن يستند ذلك بداية إلى قواعد أو أساليب محددة، لكن اختلاف قدرة الناس على الإقناع والتفاوت بينها أدى إلى وجود قواعد وأصول الخطابة وتعليمها. ثم أصبح مصطلح الخطاب بمفهومه الحالي منتشرًا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد بات يشير غالبًا إلى كل نشاط أو حدث أو عرض كلامي بشكل عام، وأصبح الباحثون يعملون على دراسة الخطابات بوصفها عينة محددة قابلة للدراسة والتفسير.

إن الخطاب السياسي -كأحد أبرز أنواع الخطاب- من منظور التّحليل النّقدي له فهو سلطة تسعى للتأثير في الواقع وتغييره، مستعينة في ذلك بمجموعة من الأدوات والآليات الاستراتيجيّة تتضمن انحيازات وإيديولوجيات تتستر وراء الصور والكلمات، وهي ما يسعى النّاقد في التّحليل النقدي للخطاب إلى تحديدها والكشف عنها، بغية توعية المتلقين وتبصرتهم. وفي هذا السّياق ولدت نظريات تحليل الخطاب لإعطاء وصف صريح ومنظم للوحدات اللغوية المستخدمة فيه من خلال بعدين هما بنية الخطاب المتمثلة بالنّص والسياق الذي يرافقه على المستوى الزّماني والمكاني والموضوعي.

ويتوسل الخطاب السياسي وسائل الحجاج المختلفة للتأثير في المتلقي واستمالته قصد إقناعه بإنجاز فعل ما، أو أخد قرار معين تماشيًا مع إرادة منتج الخطاب أو الجهة التي ينتمي إليها، ولذلك يتسم الخطاب الإعلامي بقوة خطابيّة كبيرة يمكن أن تتلاعب بالعقول من أجل كسب رهانات سياسيّة أو ثقافيّة معينة. ولذلك فهو لا ينطلق من كونه وظيفة تواصليّة يريد المرسل من خلالها إيصال معلومة معينة أو تجربة إلى المتلقي، بقدر ما هي وظيفة تأثيريّة ترمي إلى توجيه المتلقي، وتحديد موقفه، فغايتها الإقناع والتأثير، والتستر والتضليل في كثير من الأحيان.

ينطبق ذلك على أنواع الخطابات السياسية جميعها، بما فيها خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما سنسعى في سياق بحثنا إلى دراسته بشكل تفصيلي ومعمّق، وذلك بعد استخراجنا للمعجم السياسي والأخلاقي الذي استخدمه الرئيس الأوكراني في سياق خطاباته عيّنة البحث.

الكلمات المفتاحية: الخطاب، الاتصال، التحليل النقدي للخطاب، الحجاج، الإقناع، التأثير، الحرب الروسية الأوكرانية، الرئيس الأوكراني، الرئيس الروسي، حلف الناتو، روسيا، أوكرانيا، أميركا.

 

Abstract

The speech represents the means of all sciences to define their subject، present their approach، and explain and interpret their theories. It is the framework in which arts and sciences organize their various components. In the old days، the discourse in Greece was mainly associated with the democratic system that spread in many cities. At that time، it was taken into consideration that everyone has the right to speak and express an opinion without that based initially on specific rules or methods that is regardless the need of teaching the rules and principles of public speaking، rather the different ability of people to persuade and the disparity between them led to the existence and teaching of the rules and principles of public speaking.

Then the term speech in its current sense became widespread since the eighties of the last century، as it often refers to every activity، event or verbal presentation in general، and researchers are working on the study of discourses as a specific sample capable of study and interpretation.

Political discourse – as one of the most prominent types of discourse – from the perspective of critical analysis of it is an authority that seeks to influence and change reality، using a set of strategic tools and mechanisms that include biases and ideologies that hide behind images and words، which is what the critic in critical analysis of discourse seeks to identify and reveal، in order to educate the recipients and their insight.

In this context، discourse analysis theories were born to give an explicit and organized description of the linguistic units used in it through two dimensions: the structure of the discourse represented by the text and the context that accompanies it at the temporal، spatial and substantive levels.

The political speech uses the various means of the pilgrims to influence and entice the recipient in order to persuade him / her to accomplish a certain act or take a certain decision in line with the will of the discourse producer or the party to which he belongs. Therefore، the media discourse is characterized by a great rhetorical power that can manipulate minds in order to win certain political or cultural stakes. Consequently، it doesn’t proceed from being a communicative function through which the sender wants to convey a certain information or experience to the recipient، as much as it is an influential function aimed at directing the recipient، and determining his position، its goal is to persuade and influence، and often cover up and mislead.

This applies to all kinds of political speeches، including the speech of Ukrainian President Volodymyr Zelensky since the beginning of the Russian-Ukrainian war، which we will seek in the context of our research to study in detail and in depth، after we extracted the political and moral lexicon used by the Ukrainian president in the context of his speeches، the sample of the research.

Keywords: speech، communication، critical analysis of discourse، arguments، persuasion، influence، Russian-Ukrainian war، Ukrainian president، Russian president، NATO، Russia، Ukraine، USA.

  • مقدمة

تتعدد جذور الحرب الروسية الأوكرانية وأسبابها، التي بدأت بتاريخ 24 شباط 2022 بعد خطابٍ أعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  إطلاق “عملية عسكرية تهدف إلى تجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها”. فالقيادة الروسية وعلى الرّغم من أن أوكرانيا نالت الاعتراف الدولي باستقلالها العام 1991، إلا أنّها لا تزال تنظر إليها بوصفها جزءًا من مجال نفوذها الحيوي وامتدادها التاريخي، وهو ما أدى إلى بقاء العلاقة بين الدولتين عرضة للتجاذبات السياسية والتوترات الأمنيّة والعسكريّة، التي تكررت ووصلت في العام 2014 إلى دخول القوات الروسيّة إلى جزيرة القرم وإعلان ضمها إلى الاتحاد الروسي، ثم إلى اندلاع الحرب في إقليم دونباس ذو الأكثرية المتكلمة بالروسية والمدعومة من روسيا في العام نفسه، إذ كانت حينها أولى المساعي الجدية لاستقلال دونيتسك ولوهانسك.

ضمن هذا السياق المتوتر أقر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أيلول من العام 2020، استراتيجيّة الأمن القومي الجديدة لأوكرانيا، والتي تنصُّ على “تطويرِ شراكة مميّزة مع الناتو بهدف الحصول على عضويّة داخل الحلف”، ثم وقَّع في آذار من العام 2021 مرسومًا ينص على استراتيجيّةِ “إنهاء الاحتلال (الروسي) وإعادة دمج الأراضي المحتلّة لجمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي ومدينة سيفاستوبول“. عدَّت روسيا أنّ انضمام أوكرانيا المحتمَل إلى الناتو وتوسيع الحلف بشكلٍ عامٍ يُهدّدان أمنها القومي، فاتهمت أوكرانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى المجاورة لروسيا الرئيس بوتين بمحاولة استعادة الامبراطورية الروسية/الاتحاد السّوفياتي واتباع سياسات عسكريّة عدوانيّة.

بدأ في آذار 2021 الحشد العسكري الروسي على الحدود مع أوكرانيا، واستمر بوتيرة متصاعدة حتى شهر شباط  من العام 2022. خلال هذه الحقبة تقدمت روسيا بمطالب للولايات المتحدة والناتو بمشروعي معاهدتين تضمَّنتا طلباتٍ لما وصفته بالضمانات الأمنيّة، بما في ذلك تعهد ملزِمٌ قانونًا بعدم انضمامِ أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي وخفض قوات الناتو والعتاد العسكري المتمركز في أوروبا الشرقية، وهدَّدت بِرد عسكري إذا لم تُلبَ هذه المطالب بالكامل. ثم بدأ الحديث الروسي على لسان الرئيس بوتين عن أعمال التّمييز ضد الناطقين بالروسيّة في الجانب الأوكراني، وعن الخوف من تحول تلك الممارسات إلى خطوة أولى نحو الإبادة الجماعيّة، وقد تطور هذا الخطاب إلى تصعيد سياسي بين روسيا من جهة، ومن جهة ثانية الولايات المتحدة التي عدَّت أن هذه الاتهامات ذريعة روسية لتبرير غزوها لأوكرانيا.

في 21 شباط من العام 2022، وبعد اعتراف روسيا بـ “جمهورتي دونيتسك ولوغانسك الشّعبيتين”، أمرَ بوتين بإرسال القوات الروسية بما في ذلك الآليات الثقيلة إلى إقليم دونباس، في ما وصفته روسيا بمهمّة حفظ السلام. في اليوم التالي صرَّح الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد بدأ، في مَا توقع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ توسع الغزو في الأيام المقبلة. حصل بوتين على موافقة بالإجماع من مجلس الاتحاد الروسي باستخدام القوة العسكرية خارج روسيا، وفي المقابل أعلن الرئيس زيلينسكي حالة الطوارئ في البلاد والتعبئة في صفوف جنود الاحتياط الأوكرانيين. وفي الساعات الأولى من يوم 24 شباط، ألقى زيلينسكي أولى خطاباته بعد بدء العملية العسكرية الروسية، وذلك في خطاب متلفز وُصف بالعاطفي، خاطب فيه مواطني روسيا باللّغة الروسيّة وناشدهم لمنع الحرب، وخلال أيام الحرب تتالت خطاباته الموجهة إلى مواطني أوكرانيا وروسيا وإلى عدة دول وجهات وهيئات دولية، اخترنا منها لبحثنا أربعة خطابات ألقاها زيلينسكي عبر وسائل التواصل الافتراضي على المستوى الدولي، وهي:

  • خطابه أمام البرلمان الأوروبي بتاريخ 1-3-2022.
  • خطابه أمام الكونغرس الأميركي بتاريخ 16-3-2022.
  • خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 20-3-2022.
  • خطابه في مجلس الأمن بتاريخ 5-4-2022.

سنحاول في هذا المقال أن نوضح أبرز الآليات والأدوات التي استعان بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاباته الأربعة المذكورة، للتأثير في الرأي العام الدولي ولدفع الدول والجهات التي خاطبها لاتخاذ القرارات التي يراها المناسبة، والتي ارتكزت على أسلوب المحاججة مدعّمًا بمعجم من المفردات والعبارات الواضحة والصريحة، وأخرى الغامضة والمبطنة التي تخدم خطابه وتحقق هدفه منه.

  • مفهوم الخطاب

يمثل الخطاب وسيلة العلوم كلّها للتعريف بموضوعها ولتقديم منهجها وشرح نظرياتها وتفسيرها، فهو الإطار الذي تنظم فيه الآداب فنونها المختلفة، لذلك لقي الخطاب اهتمامًا من مختلف العلوم وخاصة الإنسانية منها، والفلسفة على وجه الخصوص.

قديمًا ارتبطت الخطابة عند اليونان أساسًا بالنظام الديمقراطي الذي انتشر في العديد من المدن حينها، بوصف أن لكل فرد الحقّ في الكلام وإبداء الرأي، من دون أن يستند ذلك بداية إلى قواعد أو أساليب أو قواعد محددة، لكن اختلاف قدرة الناس على الإقناع والتفاوت بينها أدى إلى وجود قواعد وأصول الخطابة وتعليمها. وقد ربط أفلاطون بين الخطابة والصدق وعلم النّفس بكيفيةٍ تجعل المتقبل يقتنع بما هو صادق، وعدَّ أن الخطاب الحقيقي هو الخطاب الصادر عن المدرّس الذي يُلقن العلم أو الحاكم الذي يزرع النّخوة في النفوس بتذكير الناس بقيمهم([2]).

أمّا مصطلح الخطاب بمفهومه الحالي فقد أصبح منتشرًا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد بات يشير غالبًا إلى كل نشاط أو حدث أو عرض كلامي بشكل عام، وأصبح الباحثون يعملون على دراسة الخطابات بوصفها عينة محددة قابلة للدراسة والتفسير، وصارت أيّ محاولة لتحديد الخطاب تقود بالضّرورة إلى تحديد جملة من العلاقات بينه وبين اللغة والفرد والمجتمع، وكذلك بين اللغة وطريقة ممارسة اللغة في المجمتع([3]).

أمّا الخطاب السياسي من منظور التحليل النقدي له فهو سلطة تسعى للتأثير في الواقع وتغييره، مستعينة في ذلك بمجموعة من الأدوات والآليات الاستراتيجيّة تتضمن انحيازات وإيديولوجيات تتستر وراء الصور والكلمات، وهي ما يسعى النّاقد في التحليل النقدي للخطاب إلى تحديدها والكشف عنها، بغية توعية المتلقين وتبصرتهم ( [4]). في ما تعدُّ ووداك أن وظائف الخطاب السياسي المهمّة هي: استراتيجيات الإقناع، التقديم الإيجابي للذات والسلبي للغير، والبلاغة الشّعبويّة([5]).

2.1- الخطاب وارتباطه بالسياق

تهدف نظرية تحليل الخطاب إلى إعطاء وصف صريح ومنظم للوحدات اللغوية تحت الدراسة، وذلك من خلال بعدين لهذا الوصف، هما النص والسياق.

  • النص: بنية الخطاب الداخلية التي تتألف منها المفردات والتّراكيب والجمل.
  • السياق: وفيه نوعان: سياق لغوي يرتبط ببنية النّص الداخليّة، وسياق غير لغوي، ويعنى بدراسة الخطاب في ضوء الظروف الخارجيّة والمؤثرات المباشرة عليه، وظروف إنتاجه، ويدخل في ذلك خصائص السياق الإدراكيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، والمشاركون في الحدث، وارتباط الخطاب بالمكان والزمان.

ويتبين من ذلك أن تحليل الخطاب يتجاوز البنية السطحيّة إلى دراسة الظروف الخارجيّة، التي أدت إلى إنتاجه، والمقصد منه، وهذا يتلاءم مع الخطاب السياسي، الذي يهتم بالفكرة والمضمون، ويهدف إلى التأثير والإقناع والتوجيه والضغط على المتلقي، ويسعى إلى فرض نفوذه عليه، وذلك من خلال اللغة المباشرة الواقعية والتراكيب البسيطة التي تعبّر عن النّفس وانفعالاتها، وتؤثر في سلوك الآخرين، وتوفر أدوات الإقناع المناسبة، وتتصل بالواقع الخارجي، وتعبّر عنه وتعايشه. وفي هذا الإطار يقول بول ريكور “الخطاب إذن، من حيث هو واقعة أو قضية أو خبر، أي من حيث هو وظيفة متداخلة ومتفاعلة هو شيء مجرد، يعتمد على كل عيني ملموس، هو الوحدة الجدليّة بين الواقعة والمعنى في الجملة”([6])، ولذلك فإنّ ما يفهم من هذا التّعريف هو أن المعنى يتشكل في الخطاب من خلال التّفاعل بين السّياق والملفوظ في الجملة.  أمّا باتريك شارودو فيعدُّ أنّ الخطاب “منتج خاص، يرتبط بمتكلم خاص وبظروف إنتاج خاصة”([7]) ويفهم من ذلك أيضًا أن الخطاب ملفوظ وموقف تواصلي يتفاعل مع ظروفه المحيطة المحددة.

وفي هذا السّياق، يبرز الاتصال الدولي كأحد أوجه الخطاب السياسي المعتمد حول العالم، فهو يتضمن موقفا سياسيًّا أكثر من كونه موقفًا ثقافيًّا، وهو اتصال على مستوى قومي، وجمهوره كبير وعادة هو أممٌ أكثر من كونه اتصال بين جماعات صغيرة أو أفراد.. ويكون المتصل وجمهوره في الاتصال الدولي واعين بمصالح بلادهم، وكلاهما يستعمل تعبيرات معززة لصورة بلادهم”([8]). إذن فإن الاتصال الدولي اتصال صعب ومعقد لأنّه يتجاوز حدود الوطن أو الأمّة ويوجه إلى جماهير ذوي أجناس وأوطان وثقافات وحضارات مختلفة، مثل الخطابات التي توجه إلى شعوب العالم في مجلس الأمن، وأثناء الحروب، ومعاهدات السلام، لخلق رأي عام دولي يتبنى موقف صاحب الخطاب، وهذا النّوع تتعدد لغة المشاركين فيه ودياناتهم وجنسياتهم، ومشاربهم السياسيّة وحضاراتهم، وعلاقتهم بصاحب الخطاب، ولذلك يتطلب هذا الخطاب من المتكلم وعي ودراية كاملة، وحصافة أثناء اتصاله بهذا الجمهور. ويأتي تصنيف الخطابات السياسية التي وجهها زيلينسكي إلى العالم منذ بداية الحرب الروسيّة الأوكرانيّة ضمن هذا النوع من الخطاب.

2.2- الخطاب السياسي والحجاج

يتوسل الخطاب السياسي وسائل الحجاج المختلفة للتأثير في المتلقي، واستمالته قصد إقناعه بإنجاز فعل ما أو أخد قرار معين تماشيًا مع إرادة منتج الخطاب أو الجهة التي ينتمي إليها، ولذلك يتسم الخطاب الإعلامي بقوة خطابية كبيرة يمكن أن تتلاعب بالعقول من أجل كسب رهانات سياسيّة أو ثقافيّة معينة. ويمثل الحجاج أحد الأركان الأساسية في هذا الخطاب بوصفه وسيلة لغوية ومسارًا عقليًّا يمكّن من تغيير مواقف مجموعة بشرية في وقت معين، ولكن نتائج هذا التأثير تمتد في الزّمن ويمكن أن تغير مسار تاريخ شعوب بأكملها([9]).

أمّا الحجاج بحسب فيليب بروتون فمعناه البرهان، الذي يكفل إذعان المتلقين، من خلال اقتراح الرأي على الآخرين أو تقديم الأدلة أو غير ذلك.. فهو موقف تواصل غايته الإقناع بالبرهنة بوصفه فعلًا يسعى إلى تغيير سياق التلقي، أو آراء المتلقي([10])، ويتمثل هذا الفعل الحجاج بانتفاء المظاهر الأساسيّة التي تجعل رأيًا ما مقبولًا عند جمهور معين.  والحجاح أيضًا هو “التأثير في المتلقي واستمالته قصد إقناعه بإنجاز فعل ما، أو أخذ قرار معين تماشيًا مع إرادة منتج الخطاب”([11])، لذلك يعدُّ أحد الأركان الأساسيّة التي تعتمد عليها السلطة في خطاباتها، بهدف إقناع المخاطبين بوجهة نظرها وتغيير مواقفهم لصالحها. علمًا أنه يجب التمييز بين الحجاج والاستدلال لأنّه بنية مخصوصة لإظهار صدق المعطى، أمّا الحجاج فهو محاولة للتأثير في موقف المتلقي، وتحديد موقعه من المعطى ويمكن أيضًا تمييز الخطاب الحجاجي من خلال الروابط المنطقية بين أجزائه([12]).

إذن، فإنّ التحليل النقدي للخطاب يهتم بالكشف عن وسائل الحجاج المختلفة، كطرق الاستدلال والبرهنة والإقناع التي يتوسلها منتج الخطاب من خلال الوسائل اللغوية والمسارات العقلية، وبذلك تبنى هذه الآلية على علاقة بين أمرين، هما:

  • علاقة بين ظاهر النّص وباطنه، أي بين الصريح والضمني.
  • علاقة بين المتكلم وما يضمن خطابه من إشارات لغوية حجاجيّة، والمتلقي الذي يعمل على فهم الضمني في ضوء ما يمليه السياق.
  • أدوات الحجاج وتقنياته في خطاب زيلينسكي

بناء على ما سبق، فإنّ الخطابات الإعلاميّة والسياسيّة لا تنطلق من كونها وظيفة تواصلية، يريد المرسل من خلالها إيصال معلومة معينة أو تجربة إلى المتلقي، بقدر ما هي وظيفة تأثيريّة ترمي إلى توجيه المتلقي، وتحديد موقفه، فغايتها الإقناع والتأثير، والتستر والتّضليل في كثير من الأحيان، فيمارس عليه نوعًا من السلطة والهيمنة، ويجيّر الأحداث والوقائع لتصب في خدمة برنامجه العملي وأهدافه الاستراتيجيّة، وهذا ما يجعل علاقة الخطاب بالسّياق علاقة وظيفيّة دقيقة، وهذا ما ينطبق على زيلينسكي في خطابه عيّنة البحث. ويؤكد التحليل النقدي للخطاب أهميّة الكشف عن التلاعب والحيل والإيديولوجيات المتضمنة في الخطابات سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة، ومواضيع السلطة والهيمنة فيها، وكيف يتشكل الخطاب من خلال مظاهر الاستعمال اللغوي ويعكس التوجهات السياسية والأيديولوجي.

لقد اعتمدنا في دراستنا لخطابات زيلينسكي على استخراج المعجم السياسي، المعجم الأخلاقي، أسماء الجهات والمؤسسات الدولية، إتهامات  زيلينسكي لروسيا وبوتين (تقديم الآخر / العدو)، صفات زيلينسكي وأوكرانيا (تقديم الذات)، الصفات المشتركة مع المخاطَبين. وقد اتضحت من خلال ذلك التقنيات والحيل التي استخدمها الرئيس الأوكراني على مستوى المفردات والعبارات في سياق حجاجه الخطابي، نعرضها على النحو الآتي:

  • الألفاظ والعبارات المنحازة

يظهر التحيز اللغوي في الخطاب الإعلامي في ما يعرف بشحن المفردات وذلك من خلال نسبة الكلمات المستخدمة في التصريحات إلى قائليها، فقد تكشف مدى تحيز رجل الإعلام إلى شخص، أو ضد شخص ما، فمثلًا الفعل “قال” في مدلوله يختلف عن الفعل “زعم” أو “ادّعى”. فالمفردات المستخدمة في أي خطاب إمّا أن تكون واضحة وصريحة، وإمّا أن تحمل دلالات مبطنة ترمي إلى توجيه ذهن المتلقي للتفكير بطريقة معينة تخدم مصالح السلطة، وأهدافها ومن المصطلحات الدالة على الانحياز استخدام الألقاب والصفات، التي تحقق معنى وهدفًا معينًا: مثل انتحاري/استشهادي، مجاهدون/إرهابيون/مسلمون، مقاومون/متمردون، ونحوها من المصطلحات التي تستخدمها وسائل الإعلام بهدف إحداث تأثير معين في الحدث على نحو يخدم الرأي الذي تتبناه. وعلى هذا النحو تقابلها أيضًا المصطلحات المشحونة بالعاطفة للدفاع عن موقف محدد، على الرغم من وجود موقف مناقض له كاستخدام عبارة إرهابي مقابل مقاتل من أجل الحرية([13]).

وبما أن الرئيس  زيلينسكي يواجه حربًا روسية ويعبّر عن عدائه الصريح لروسيا ولشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنّه من الطبيعي أن تكون أولى أدواته في خطاباته كافة هي الألفاظ والعبارات المنحازة، وهو ما كان واضحًا في الصفات التي أطلقها على روسيا في مقابل الصفات التي أطلقها على أوكرانيا، إذ كان يصرّ دائمًا على إظهار روسيا بمظهر “إرهابيين، مجرمي حرب، غارقين في الدّماء، ينفذون مذبحة، يقتلون الأطفال والأبرياء، يمارسون الكذب والتضليل، يدمرون أوركرانيا وأوروبا…”. وفي ما يلي مقتطف مما أورده زيلينسكي في مقدمة خطابه أمام مجلس الأمن الدولي بتاريخ 5-4-2022، وهي مقدمة زاخرة ومليئة بالصفات التي من شأنها تشويه صورة الخصم والعدو، ويمكن عدّها لائحة اتهاميّة متكاملة، والتي وصلت إلى ذروة وظيفتها بسؤال مفتوح حول اختلاف ما تفعله روسيا عما فعله التنظيم الإرهابي داعش، إذ يقول: “من الصعب العثور على جريمة حرب لم يرتكبها المحتلون (الروس) هناك، قام الجيش الروسي بالبحث عن أي شخص يخدم دولتنا وقتله عمدًا، لقد أعدموا النساء خارج البيوت عندما اقتربوا منهم، لقد قتلوا عائلات بأكملها بالغين وأطفال وحاولوا حرق أجسادهم.. إنّني أخاطبكم بالنّيابة عن الأشخاص الذين ينعون فقيدًا لهم كل يوم، من أصيب برصاصة في مؤخرة الرأس أو في العين بعد التّعذيب، الذين أُطلِق النار عليهم في الشوارع. الذين ألقوا في البئر فماتوا هناك في المعاناة. الذين قتلوا في الشقق والمنازل وانفجرت بالقنابل اليدوية. الذين سحقتهم الدبابات في سيارات مدنية وسط الطريق للمتعة، قطعت أطرافه وقطعت حنجرته. الذين تعرضوا للاغتصاب والقتل أمام أطفالهم، تمزقت ألسنتهم فقط لأنّهم لم يسمعوا منهم ما يريدون سماعه، كيف يختلف هذا عما كان يفعله إرهابيو داعش في الأراضي المحتلة؟”

عمل زيلينسكي في المقابل، على تقديم صورة الشعب الأوكراني أنّهم “مواطنون، محبون للحرية، يدافعون عن بعضهم، يدفعون الثمن، يعيشون مأساة، ويضحون بأفضل الرّجال والنساء لديهم..”، ولم ينس أن يُعرّف نفسه أنّه “قائد للشعب الأوكراني ولأمّة أوكراني إذ صرح خلال خطابه أمام الكونغرس الأميركي بتاريخ 16-3-2022 قائلا: “عمري 45 سنة تقريبًا. اليوم توقف عمري عندما توقفت قلوب أكثر من 100 طفل عن النبض. لا أرى أي معنى في الحياة إذا لم يكن بإمكانها إيقاف الموت. هذه هي مهمتي كقائد لشعبي. وكقائد لأمتي.”

  • الألفاظ والمصطلحات الهلامية

هي مصطلحات توحي أنّها ذات معنى محدد ودلالة واضحة، ومصطلح متفق عليه مثل عبارة “الإرهاب”، لكنها في حقيقتها غير محددة وغير مقيّدة، ولا يخرج منها المتلقي بنتيجة عملية. والغاية منها إسباغ الجدية على النّصوص وإظهار القصد، ووجود أغراض محددة الأهداف، ما يعطي لهذه النصوص قيمة وجاهية، وهي في الحقيقة مجرد اتكاء على مفاهيم ذات دلالات وعبارات فضفاضة تتمثل في عبارات من قبيل السّلام العالمي، الحرب على الإرهاب وما شابه، في عبارات إنشائيّة من الممكن أن تفسر إلى تفسيرات وتؤول تأويلات غير محدودة، تعطي للمخاطِب سلطة إدراج ما يناسبه فيها وإخراج ما لا ينسابه منها.

استخدم زيلينسكي الألفاظ والمصطلحات الهلاميّة في خطاباته الأربعة جميعها، إذ طالب البرلمان الأوروبي باتخاذ “خيارٍ أوروبي لأوكرانيا.. وباتحاد أوروبي أقوى” من دون تحديد خطوات مطلوبة محددة، وعبّر أمام الكونغرس عن الحاجة إلى “تحالفات جديدة” وعن ضرورة “إنشاء تحالف مناهض للحرب.. يدافع عن العالم.. لدعم الإنسانية” وهي مصطلحات مفتوحة على تعريفات وعبارات غير نهائية ومقاصد غير محددة، كما طالب أمام مجلس الأمن “بفرض السلام.. وإصلاح نظام الأمم المتحدة.. وتحقيق تمثيل عادل في مجلس الأمن..” وهي كذلك عبارات إشكاليّة فضفاضة لا تضيف إلى الخطاب سوى وجاهة خطابية وقيمة بلاغية ومعنوية.

  • عبارات التهويل

كثيرًا ما تلجأ خطابات السّلطة إلى استخدام التهويل اللفظي وذلك لتأكيد خطورة الوضع وتهويله([14])، مثل عبارة الحرب على الإرهاب التي تلاعبت بها الولايات المتحدة الأميركية في حربها على أفغانستان، والعراق بهدف زرع المخاوف لدى المتلقين وإقناعهم أنّ الحرب هي بهدف حمايتهم. ومن ذلك أيضًا إطلاق الألقاب والأوصاف التهويليّة على الخصم لكي تضفي الشّرعيّة على قتله أو التّخلص منه أو التحريض عليه. فكيف إذا كان المخاطب يتعرض لحرب عسكرية أو غزو كما هو الحال بالنسبة إلى أوكرانيا؟ إذن من الطبيعي أن يلجأ الرئيس الأوكراني إلى استخدام عبارات التهويل في خطاباته لإظهار حجم الخطر الذي تمثله روسيا بالنسبة إليه، وقد أجاد في خطاباته الأربعة استخدام هذه التقنية مستعينًا بمجموعة من المفردات والمصطلحات التي من شأنها تحريك الدّوافع لدى المخاطَبين بالتّحرك لمناصرة أوكرانيا في وجه “الهجوم الوحشي” الذي تشنه عليه روسيا.

لقد حاول زيلينسكي في خطاباته كلها التركيز على أنّ العملية العسكريّة الروسيّة لا تستهدف أوكرانيا فحسب، وإنما تستهدف تدمير أوروبا كلها وتهدد الأمن الدولي في كل العالم، إلى درجة أنّه ربطها ببقاء كوكب الأرض على قيد الحياة، وقد قال في معرض خطابه أمام الكونغرس: “اليوم يدافع الشّعب الأوكراني ليس عن أوكرانيا فقط. نحن نناضل من أجل أوروبا والعالم وحياتنا باسم المستقبل.. لهذا السبب لا يساعد الشّعب الأمريكي اليوم أوكرانيا فحسب ، بل يساعد أوروبا والعالم في الحفاظ على كوكب الأرض على قيد الحياة. للحفاظ على العدالة في التاريخ”. كذلك قال زيلينسكي في خطابه أمام مجلس الأمن أن الرئيس الروسي “يدمر الوحدة الداخليّة للدول.. ينكر حقّ أكثر من عشرة شعوب في قارتين في تقرير المصير وحياة الدولة المستقلة، يتبع سياسة ثابتة لتدمير التنوع العرقي والدّيني.. يثير أزمة غذاء عالميّة قد تؤدي إلى مجاعة في إفريقيا وآسيا، وستنتهي بالتأكيد بفوضى سياسيّة واسعة النطاق في البلدان التي يشكل فيها استقرار أسعار الغذاء عاملًا رئيسًا في الأمن الدّاخلي”. إذن الحرب الروسية على أوكرانيا بحسب زيلينسكي هي حرب ضد الدول كلها، وحرب على الأمن والغذاء في العالم، ما يعني أنّه على العالم أجمع أن يتحرك من أجل وقف هذه الحرب.

  • الإيحاء والتلميح

هو قيمة دلاليّة مضافة إلى المضمون المعلن من صاحب الخطاب، ويمثل عددًا لا محدودًا من المعاني الثانية له ولكنها في الوقت نفسه، ليست ثانوية وإنما يمكن أن تكون هي المعنى الأول من وراء استعمالها. وعليه، لا يختلف التلميح عن المنطوق والمعلن من حيث الهدف والمضمون، إلّا أنّ الأول يخلق نوعًا من الحميميّة مع المخاطَب الذي يحس أنّه يتقاسم سرا مع المخاطِب، ويستعمل السياسيون في خطبهم عبارات من قبيل “ونحن نعلم جميعًا ما يعنيه هذا”، وهي مقصودة لكسب الثقة والدّعوة إلى الإحساس بالحميميّة.

في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي قال زيلينسكي: “أذكركم بكلمات امرأة عظيمة من كييف، تعرفونها جيدًا، كلام جولدا مئير.. نحن عازمون على البقاء على قيد الحياة”، قبل أن يكمل قائلًا: “لست بحاجة إلى إقناعكم بمدى تشابك قصصنا”، ملمحًا إلى وجود تهديد وجودي يهدد أوكرانيا كما أنّه يوجد تهديد وجودي يهدد إسرائيل. إنّ من شأن هذا التلميح أن يقرب المسافات بين أوكرانيا و”إسرائيل”، وأن يجعل خطاب “النضال من أجل البقاء على قيد الحياة” قاسمًا مشتركًا جوهريًّا يضع الطرفين في جبهة واحدة، ويخلق لديهما مشاعر التكامل والتّشابه معًا ضد عدو ما يريد إزالتهم من الوجود!

أمّا عبارة “I have a dream”، لديّ حلم، التي استخدمها زيلينسكي خلال خطابه أمام الكونغرس، والتي تحمل في وجدان الشّعب الأميركي دلالات تاريخيّة وإنسانيّة، وأبعاد عاطفية منذ أطلقها مارتن لوثر كينغ في مسيرة الحرية العام 1963، فإنّها أيضًا تعدُّ تلميحًا إلى التشابه بين الشعبين الأميركي والأوكراني في طلب الحرية، وكذلك تلميحًا إلى تشابه زيلينسكي شخصيًا كـ “قائد لشعب أوكرانيا” مع المناضل الأميركي مارتن لوثر كينغ، وهو ما من شأنه أن يخلق حميميّة بين المخاطِب وما يمثله والمخاطَب وما يمثله إن على المستوى الإنساني والعاطفي والأخلاقي، أو على المستوى السياسي والتاريخي، ليكون هذا التعاطف مقدمة لالتزام أخلاقي وسياسي بمطالب الجانب المخاطِب المتمثل بالرئيس الأوكراني.

  • الألفاظ التي توحي بالإدانة

وتكون باستخدام المخاطب ألفاظًا تفسر بالإدانة، كأنّ يستخدم عبارة أطالب أو نطالب، بدلًا من نسأل أو نقترح، ما يجعل المخاطب في موقع الإدانة والمطالب بالتحّرك وباتخاذ القرارات من باب تحميله المسؤولية السياسيّة والأخلاقيّة إذا لم يتخذ القرارات التي ستصب في مصلحة المخاطِب. وهي أداة استخدمها الرئيس الأوكراني في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 20-3-2022، وقد بالغ فيها لدرجة أنّها ولّدت ردة فعل سلبية في الأوساط الإسرائيليّة، إذ قال: “أنا متأكد من أن كل كلمة في خطابي يتردد صداها مع الألم في قلوبكم. لأنّكم تشعرون بما أتحدث عنه. لكن هل يمكنكم أن تشرحوا لماذا لا نزال نلجأ إلى العالم بأسره، إلى العديد من البلدان للحصول على المساعدة؟ نطلب منكم المساعدة.. ما هذا؟ لا مبالاة؟ مع سبق الإصرار؟ أم وساطة من دون اختيار طرف؟ سأترك لكم خيارًا للإجابة على هذا السّؤال. وسأذكر شيئًا واحدًا فقط، اللامبالاة تقتل.. الوساطة يمكن أن تكون بين الدول لا بين الخير والشر”.

الأمر نفسه استخدمه زينلسكي في خطابه أمام الكونغرس الأميركي حين قال: “هذا رعب لم تشهده أوروبا منذ 80 عامًا ونحن نطلب ردًا على هذا الإرهاب من العالم. هل هذا كثير لطلبه؟ إنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا لإنقاذ الناس، هل هذا كثير لنطلبه؟.. إذا كان هذا طلبًا كبيرًا ، فنحن نقدم بديلًا. أنتم تعرفون نوع أنظمة الدّفاع التي نحتاجها، أنتم تعرفون كم نحتاج لاستخدام الطائرات لحماية شعبنا وحريتنا، الطائرات يمكن أن تساعد أوكرانيا وأوروبا، ونحن نعلم أنّها موجودة لديكم”. وكذلك في خطابه أمام مجلس الأمن، وقدّ أنّب ما يسمى بالمجتمع الدولي على عدم اتخاذ القرارات المناسبة لوقف الحرب، قائلًا: “هل أنتم مستعدون لحل الأمم المتحدة؟ هل تعتقدون أن زمن القانون الدولي قد ولى؟ إذا كانت إجابتكم لا عليكم التّصرف الآن وعلى الفور.. إذا كانت جهودكم الحاليّة غير قابلة للتغيير ولا يوجد أيّ مخرج ببساطة فسيكون الخيار الوحيد هو حل نفسك تمامًا”.

وهكذا يكون الرئيس الأوكراني قد وضع الجهات التي خاطبها تحت مسؤولية مباشرة على عدم التصدي لوضع حدٍّ للحرب على بلاده، أو بالحد الأدنى على عدم اتخاذ الإجراءات التي طالب بها كإقرار حظر طيران دولي فوق أوكرانيا أو كتزويده بالطائرات وبالصواريخ المناسبة والتي تشكل خطًا أحمر بالنسبة إلى روسية. وهو بذلك قد سعى إلى تحقيق هدفين أساسيين، الأول محاولة دفع الأطراف الحليفة له إلى اتخاذ خطوات متقدمة لصالحه، والثاني إيجاد المبررات للهزيمة في حال حصلت والمتمثلة بعدم تلبية حلفائه لطلبات أوكرانيا الضرورية.

  • الخاتمة

حاولنا في هذه المقالة الإضاءة على مفهوم الخطاب من خلال شرحه وتقديمه منذ العصر اليوناني قديمًا وصولًا إلى تبلوره بصورته الحاليّة منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما تحوّل إلى مادة محددة وعينة محصورة قابلة للدارسة والتفسير. وبيّنا كيف أن الخطاب السياسي من منظور التّحليل النقدي له، هو سلطة تسعى للتأثير في الواقع وتغييره من خلال مجموعة من الأدوات والآليات الاستراتيجيّة التي تتضمن انحيازات وإيديولوجيات تتستر وراء الصور والكلمات، وهي ما يسعى الناقد في التحليل النقدي للخطاب إلى تحديدها والكشف عنها، بغية توعية المتلقين وتبصرتهم، وبيّنا كيف أن وظائف الخطاب السياسي المهمّة هي استراتيجيات الإقناع من خلال المحاججة، وكيف أن تحليل الخطاب يتجاوز البنية السطحية إلى دراسة الظروف الخارجيّة التي أدت إلى إنتاجه، والمقصد منه، خصوصًا في الخطاب السياسي الذي يهتمّ بالفكرة والمضمون، والذي يهدف إلى التأثير والإقناع والتّوجيه والضغط على المتلقي، كما هو الحال في خطابات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وقد تناولنا خطابات زيلنسكي الأربعة التي ألقاها خلال الحقبة الأولى من بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أمام كل من الاتحاد الأوروبي والكونغرس الأميركي والكنيست الإسرائيلي ومجلس الأمن، فأوضحنا السياق العام لها من خلال شرح مقتضب حول جذور وأسباب الحرب الأوكرانية الرّوسية وتصاعد حدّتها منذ استقلال أوكرانيا وحتى يومنا هذا، ثم عملنا على تفنيد أبرز الأدوات والآليات التي اعتمدها الرئيس الأوكراني في خطاباته هذه والتي تقوم على أساس الحجاج والمتمثلة باستخدام العبارات المنحازة، الألفاظ والمصطلحات الهلامية، عبارات التهويل، الإيحاء والتلميح، العبارات التي توحي بالإدانة.

إن كل ما قاله الرئيس الأوكراني خلال خطاباته الأربعة، هو اعتماد موصوف لتقنيات المحاججة على مستوى الخطاب السياسي المتبع منذ ولادة مهارة المحاججة في الخطاب، وقد أدى من خلالها وظيفته على أكمل وجه كـ “قائد لشعبه” كما وصف نفسه، لكن وعلى الرّغم من ذلك، فإنّ حقائق كثيرة أغفلها زيلينسكي في سياق خطاباته الأربعة عندما غيّب كليّا الأسباب الخفية والظاهرة الأخرى للحرب الروسية على أوكرانيا، تلك الأسباب المرتبطة بالأمن القومي الروسي وهواجسه الوجودية تجاه الناتو والنّفوذ الأميركي في المجال الحيوي الروسي، وهي حيلة تستحق لوحدها دراسة منفردة. فهل ما قاله زيلينسكي هو كل الحقيقة؟ أم أنّ ما لم يقله هو أكثر أهمّيّة وأخطر وأقرب للحقيقة مما قاله؟

المصادر والمراجع

1-أبو أصبع صالح، العلاقات العامة والإتصال الإنساني، دار الشروق، عمان الأردن، 1998، ص 41.

2-إيزابيلا فيركلاو ونورمان فيركلاو، تحليل الخطاب السياسي، ترجمة: عبد الفتاح عمورة، دار الفرقد، الشارقة، 2016، ص208.

  • باتريك شارودو ودومينيك مونغنو، معجم تحليل الخطاب ص 180-181، ترجمة عبد القادر المهيري وحمادي صمود، دار سيناترا، تونس 2008.
  • بول ريكور، نظرية تأويل الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد الغانمي، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط2، 20016م)، ص 37.
  • بن الدين بخولة، الإسهامات النصية في التراث العربي، أطروحة دكتوراه غير منشورة. (جامعة وهران: كلية الآداب واللغات. 2015/2015م) ص 33.
  • توين فان دايك، الخطاب والسلطة، ترجمة: غيداء علي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2014
  • فيليب بروتون، الحجاج في التواصل، ترجمة محمد مشبال وعبد الواحد التهامي، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 2013، ص33-37،
  • عبد الله حسن عبد الله القايد، التحليل النقدي للخطاب: الخطاب العالمي للدول المحاصرة لقطر، ، قطر 2019، جامعة قطر.
  • العبيدي منية، التحليل النقدي للخطاب: نماذج من الخطاب الإعلامي، دار كنوز المعرفة، عمّان، 2016، ص274-279.
  • سيلفار أورو، تاريخ التفكير اللساني، ترجمة عبد الرزاق بنور ، ص 264.

 

  • Ruth Wodak، Pragmatique et Critical Discourse Analysis ∫ un exemple d’une analyse à la croisée des disciplines Traduction assurée par Adèle Petitclerc، assistée de Philippe Schepens، http://semen.revues.org/85
  • Adriana Gertruda Romedia، les types de discours، p25، goldenideashome.com/archiv/2005-1/2Adrianaromedia2005.pdf

contact.hariri@gmail.comطالب في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية- إختصاص علوم الإعلام والإتصال- – [1]

[2] -سيلفار أورو، تاريخ التفكير اللساني، ترجمة عبد الرزاق بنور ، ص 264.

[3] – معجم تحليل الخطاب ص 180-181، باتريك شارودو ودومينيك مونغنو، ترجمة عبد القادر المهيري وحمادي صمود، دار سيناترا، تونس 2008.

[4] -التحليل النقدي للخطاب: الخطاب العالمي للدول المحاصرة لقطر، عبد الله حسن عبد الله القايد، قطر 2019، جامعة قطر.

[5]– Ruth Wodak، Pragmatique et Critical Discourse Analysis ∫ un exemple d’une analyse à la croisée des disciplines Traduction assurée par Adèle Petitclerc، assistée de Philippe Schepens، http://semen.revues.org/85

 

[6] – بول ريكور، نظرية تأويل الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد الغانمي، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط2، 20016م)، ص 37.

[7] – بن الدين بخولة، الإسهامات النصية في التراث العربي، أطروحة دكتوراه غير منشورة.(جامعة وهران: كلية الآداب واللغات. 2015/2015م) ص 33.

[8]  -أبو أصبع صالح، العلاقات العامة والإتصال الإنساني، دار الشروق، عمان الأردن، 1998، ص 41.

[9] -العبيدي منية، التحليل النقدي للخطاب: نماذج من الخطاب الإعلامي، دار كنوز المعرفة، عمّان، 2016، ص274-279.

[10]– فيليب بروتون، الحجاج في التواصل، ترجمة محمد مشبال وعبد الواحد التهامي، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 2013، ص33-37،

[11]– العبيدي منية، مصدر سابق، ص117.

www.goldenideashome.com/archiv/2005، les types de discours p25 ،[12] -Adriana Gertruda Romedia

[13] -إيزابيلا فيركلاو ونورمان فيركلاو، تحليل الخطاب السياسي، ترجمة: عبد الفتاح عمورة، دار الفرقد، الشارقة، 2016، ص208.

[14]  -توين فان دايك، الخطاب والسلطة، ترجمة: غيداء علي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2014.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website