تقويم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي
Evaluation of economic and social crises in the Islamic economy
Dr. Ahmad Ali Al Sabeaa د. أحمد علي السّبع[1]
ملخص
يعيش الإنسان منذ سنوات حياة صعبة ومتشابكة ومعقدة وذلك نظراً للتشابك والتّعقيد الذي يشهده العالم في مختلف المجالات لاسيما أهمّها الاقتصادية التجارية والاجتماعية، وهذه المشاكل تؤثّر على مختلف مجالات الحياة وتؤدّي إلى تخبّط بالحياة اليوميّة سواء بالنسبة للأفراد أو المؤسسات أو المجتمع. ويعتبر حل هذه الأزمات تحدياً للإنسان وهو العنصر الأساسي الذي يتأثّر فيها، مع العلم أنّه ليس بالضرورة أن يكون سبباً في نشوء هذه التّحديات وتصاعدها بل تكون في معظم الأحيان من خلال العلاقات التجارية الدولية التي تكون قائمة بين الدول في المعاملات الاقتصادية، وهنا يلعب دور الإنسان الذاتي الذي يعتبر إحدى العناصر الاقتصادية الأساسيّة ويتوسّع ليشمل العائلة والمجتمع والدولة للتّعامل معها ومعالجتها وخاصة أنّ هذه الأزمات تتفاوت في طبيعتها وتشعّبها وخطورتها ومدى تأثيرها على حياة الإنسان. فمن هنا يأتي دور العنصر البشري لتقويم هذه الأزمات ومعالجتها من خلال الأدوات الاقتصادية الوضعيّة مدموجة بالعنصر الديني الذي يعتمد على الشّريعة الإسلاميّة والتي لا يمكن أن يصعب عليها معالجة المشاكل والأزمات في كل زمان ومكان وذلك من خلال دعائمها القرآن الكريم والسنّة النّبويّة الشّريفة.
الكلمات المفتاحية: الأزمة، الإنسان، المجتمع، السنّة النّبويّة، معالجة.
Abstract
Evaluation of financial crises in the Islamic economy
Man has lived for years, a difficult, interrelated and complex life, due to the intertwining and complexity that the world is witnessing in various fields, especially the most important of which is the commercial and financial economic and financial, and these problems affect various areas of life and lead to a conjunction with daily life, whether for individuals, institutions or society. The solution to these crises is a challenge to the human being and it is the primary element in which it is affected, knowing that it is not necessarily the cause of the emergence and escalation of these challenges, but rather they are in most cases through international trade relations that exist between countries in economic transactions, and here he plays the role of self. Which is considered one of the main economic elements and expands to include the family, society and the state for dealing with and dealing with it, especially since these crises vary in their nature, popularity, gravity and extent of their impact on human life.
Hence the role of the human element to evaluate these crises and address them through positive economic tools is integrated with the religious element that depends on the Islamic law that cannot be difficult to address problems and crises in every time and place, through its pillars of the Holy Qur’an and the noble prophetic Sunnah.
Keywords: Crisis, Man, Society, the Prophetic Sunnah, Processing.
المقدمة
“الأزمات” موضوع قديم جديد في آنٍ معاً، متواجدة من بداية الخليقة قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ(4)﴾ [سورة البلد]، أي في تعب وشدّة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة. فمنذ الأزل يعيش الإنسان في سلسلة لا متناهية من الأزمات والكوارث رغم التطوّر والحداثة. إنّ الأزمات لا تأتي فرادى، فهي تنشأ وتتطوّر على نحو دوري، ولا تخضع لنظام ترتيب فإنّ دورة الأزمة تجعل من الصّعب معرفة النقطة التي تنتهي عندها الأزمة ومتى تبدأ أزمة أخرى. لذا لا بد من مواجهتها والتعامل معها وإدارتها بحكمة في أسرع وقت والخروج منها بأقل قدر من الخسائر المادية والمعنويّة. شهد الاقتصاد العالمي أزمة مالية حادة كان منبع حدوثها القطاع المالي الأمريكي وبالتحديد الاستثمارات المالية في قطاع العقار. أدت هذه الأزمة إلى حدوث اختلالات اقتصادية كبيرة ليس فقط في الاقتصاد الأمريكي وإنما الاقتصاد العالمي ككل، ومن بين هذه الاختلالات نجد، انتشار البطالة وإفلاس المؤسسات الكبرى والبنوك وحدوث ركود وانكماش في الاقتصاد العالمي.
يبدو أن أغلب الباحثين الاقتصاديين لم ينجحوا في التنبؤ بهذه الأزمة المالية العالمية بدرجة كافية، ولم يتوقعوا أن تقع هذه الأزمة بهذا الحجم الكارثي، وأن تتسبب بهذا الانهيار الهائل في الأسواق المالية العالمية. وقد وقف كثير من المحلّلين والباحثين الاقتصاديين والماليين أمام إعصار الأزمة المالية العالمية وغير قادرين على تقديم الحلول الناجحة القادرة على وقف الآثار الكارثية لهذه الأزمة المالية. إن للأزمات المالية آثاراً واضحة على المتغيّرات الكليّة للإقتصاد وبالتالي التأثير على المتغيرات الجزئيّة. وإن أقل ما يمكن أن يقال عن الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، أنها تركت آثارا سلبية واضحة على مستوى الناتج وعلى مستوى التوظيف وعلى مستوى الدخل الفردي، ناهيك عن الأثر الأشدّ فتكاً على الأسواق المالية عموماً، ممّا دفع الكثيرين لمحاولة البحث عن الأسباب الحقيقية لها لاسيما أن عدوى الأزمة أخذت تجتاح معظم مناطق العالم.
تعبّر الأزمة عن موقف وحالة وعملية وقضية يواجهها متّخذ القرار في أحد الكيانات الإدارية، تتلاحق فيها الأحداث بالحوادث وتتشابك معها الأسباب بالنتائج، وتختلط الأمور وتنعقد ويفقد معها متخذ القرار قدرته على الرؤية والسيطرة عليها. فالأزمة “لحظة حرجة وحاسمة تتعلّق بمصير الكيان الاداري الذي أصيب بها، مشكّلة بذلك صعوبة حادة أمام متخذ القرار تجعله في حيرة بالغة، فأي قرار يتّخذ في ظل دائرة عدم التأكّد، وقصور المعرفة، وقلّة البيانات والمعلومات واختلاط الأسباب بالنتائج وتداعي كل منهما بشكل متلاحق، ليزيد من درجة المجهول عن تطورات الأزمة في ظل مجهول متصاعد عن احتمالات ما قد يحدث مستقبلا“ من الأزمة وفي الأزمة ذاتها”([2]). فضلاً عن أنّها “خلل مفاجئ نتيجة لأوضاع غير مستقرة يترتب عليها تطورات غير متوقعة نتيجة عدم القدرة على احتوائها من قبل الأطراف المعنية وغالبا ما تكون بفعل الإنسان”([3]).
أمّا الأزمة الاقتصاديّة فتعرّف بأنّها “حالة حادّة من المسار السيء للحالة الاقتصادية لبلاد أو لإقليم أو للعالم بأسره تبدأ عادة من جراء إنهيار لأسواق المال وترافقها ظاهرة جمود أو تدهور في النشاط الاقتصادي، تتميّز بالبطالة والإفلاس والتوتّرات الاجتماعية وانخفاض القدرة الشرائيّة”([4]).
المبحث الأول: أسباب حدوث الأزمات وفوائدها
المطلب الأول: أسباب حدوث الأزمات
إن النظام الاقتصادي الرأسمالي يقوم على بعض المفاهيم والقواعد التي هي أساس تدميره إذا لم تعالج وتصوب تصويبا عاجلا” ([5])، كما أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد يقوم على مبادئ تقود إلى إفلاسه، نذكر من تلك الأسباب:
– انهيار السوق المالية يمكن أن يكون نتيجة للتدهور المفاجئ في قيمة الأصول المالية، مثل الأسهم والسندات والسلع، سبب تقلبات سوقية كبيرة، أزمات بنكية، أو فشل في الإدارة المالية.
– تباطؤ النمو الاقتصادي يمكن أن يتسبب في زيادة البطالة وتراجع الإنتاج وتراجع الاستثمار، ما يؤثر على الأعمال التجارية والمستهلكين ويؤدي إلى أزمة اقتصادية.
– انتشار الفساد الأخلاقي الاقتصادي كالاستغلال والكذب والشائعات المغرضة والغش والتدليس والاحتكار والمعاملات الوهمية، تلك الموبقات تؤدي إلى الظلم، الأمر الذي يودي إلى تذمّر المظلومين وحدوث الثورات الاجتماعية للمطالبة بحقوقهم.
– تفشي الطغيان، والسيطرة على السياسة واتخاذ القرارات السيادية في العالم، وأصبح المال “معبود الماديين”.
– التراخي بإعتماد مبادئ الاقتصاد الإسلامي الذي يشجع على التضامن والتعاون الاقتصادي بين الأفراد والمجتمعات، وتعزيز الشفافية والعدالة الاجتماعية.
– يقوم النظام المصرفي الربوي على نظام الفائدة، ويعمل في إطار منظومة تجارة الديون شراء وبيعاً ووساطة، وكلما ارتفع معدل الفائدة على الودائع كلما ارتفع معدل الفائدة على القروض الممنوحة للأفراد والشركات والمستفيد هو البنوك والمصارف والوسطاء الماليين والعبء والظلم يقع على المقترضين الذين يحصلون على القروض سواء لأغراض الاستهلاك أو لأغراض الإنتاج.
– عدم اعتماد الاقتصاد الإسلامي الذي يشجّع على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية وتعزيز ريادة الأعمال وتوفير فرص العمل.
– عقوبة الله بسبب المعاصي، قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)﴾ [سورة الروم]. فالمعصية لها شؤم على مستوى الفرد والمجتمع.
– إبتلاء الله لعباده، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ(31)﴾ [ سورة محمد].
– تجاوز سنن الله الكونية المتغيرات التي تحصل عند البعد عن دين الله، بقوله تعالى﴿هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ(38)﴾ [ سورة محمد].
المطلب الثاني: فوائد الأزمات
حيث أن الأزمات تخلق إلي جانب التحديات فرصاً لا تكون متاحة في أي وقت آخر ويعود السبب في أنها تسمح بدرجة من التغيير لا تناظرها درجة أخرى في الأوقات العادية، فكل أزمة تحدث فيها مجموعة من الفوائد التي تفيدنا عند حصول الأزمة منها:
– إن الأزمات يمكن أن تخلق القادة، فالأشخاص الموهوبون الذين يحصلون على فرص يحطمون قيود البيروقراطية ويبرهنون على قدراتهم على الإنجاز، وحتى بالنسبة للمدير في الإدارة الوسطى أو الدنيا.
– في الأوقات العادية يكون من الصعب إدخال تغييرات هامة على قوة عمل الشركة وصفوف الإدارة بها، دون إثارة القلق والاستياء ومعارضة النقابات العمالية، ومن ثم فإن الأزمة توجد بيئة جيدة للتغيير. إن الأزمة يمكن أن تفرض إجراء تغييرات في الأفراد عندما تحاول الإدارة إيجاد الحلول.
– يعدّ ســوء التقــدير والتقيــيم مــن أكثـر أسـباب نـشوء الأزمـات وخاصــة فـي حالـة الإصـطدام العــسكري الناشـئ عـن الإفـراط فـي الثقـة غيـر الواقعيـة واسـتمرار خـداع الـذات بـالتفوّق فـضلاً عـن سـوء تقـدير قـدرات الطرف الآخر والتقليل من شأنه، ما يسفر عن سوء تقـدير للموقـف برمتـه وتـزداد التوازنـات إخـتلالا إذا أسـتغل الطـرف الأخـر نظيـره فعمـد إلـى حـشد طاقاتـه والاسـتعداد الجيـد للمواجهـة التـي يختـار توقيتهـا الملائـم ويحقـق المفاجـأة التـي تفقـد الطـرف الأول توازنـه فيختـل تفكيـره ويلجـأ إلـى أسـاليب عـشوائية تـتمخض بأزمـة مـدمرة يصاحبها غالبا ضغوط عنيفة تطيح الكِيان([6]).
– الإدارة العـشوائية التـى يمارسـها متخّـذ القـرار وفقًا لمـا يمليـه الموقـف وتبعـاً لرؤيتـه الشخـصية ودون أي تخطـيط، وينـشأ عـن هـذا النـوع مـن الإدارة العديـد مـن الأزمـات العنيفـة التـى تهـدد الكِيـان الإداري بأكمله.
– تقوم الرغبة في الإبتزاز بالـسيطرة علـى متخّـذ القـرار فـي الكيـان الإداري وإيقاعـه تحـت ضـغوط نفـسيّة وماديّـة واسـتغلال، مجموعـة مـن التـصرفات الخاطئـة الـسرية التـي قـام بهـا فـي الماضـي والتـي لا يعلمهـا أحد من العاملين معه والتي أمكن معالجتهـا لإجبـاره علـى القيـام بتـصرفات أكثـر خطـأ وأشـد ضـرراً، ولتـصبح هـذه التـصرفات الجديـدة مـصدراً لتهديـد وإبتـزاز جديـد لـه ولإجبـاره بالقيـام بتـصرفات تكـون شـديدة الخطـأ والضرر.
– إن الأزمة تفرض إعادة النظر في الخطط التي تبدو ثوابت لا يمكن التزحزح عنها، فالتهديد الذي يواجه ازدهار الشركة وعلم التأكد والضغوط وفقدان السيطرة كلها أمور تسمح بظهور أفكار جديدة ودراسة اتجاهات جديدة، وتعزّز استنهاض الهمم وروح التحدي في قلوب الناس.
– التقرّب من الله واللجوء إليه والزيادة في الابتهال والذلّ لله سبحانه، كما في حديث عمر بن الخطاب (رض)، قال: “لمّا كان يوم بدر، نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا. فاستقبل نبيّ اللّه (ص) القبلة. ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه: «اللّهمّ! أنجز لي ما وعدتني. اللّهمّ! آت ما وعدتني. اللّهمّ! إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربّه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتّى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر. فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه”. ثمّ التزمه من ورائه. وقال: يا نبي الله! كذاك مناشدتك ربّك. فإنّه سينجز لك ما وعدك. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ(9)﴾ [ سورة الأنفال] فأمدّه اللّه بالملائكة”([7]).
– تعاظم الأجر والحسنات، بقوله (ص): “ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهم يهمه، إلا كفر به من سيئاته”([8]).
– تمحيص وتنقية الصف من الأكدار والشوائب المخلوطة، بقوله تعالى: ﴿الـم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ(3)﴾ [ سورة العنكبوت].
المبحث الثاني: مخلّفات الأزمات تبعاً للمصالح الاقتصادية والاجتماعية
المطلب الأول: أثر الأزمة على المصالح الاقتصادية
إنّ الأزمة التي عصفت بالاقتصاد العالمي لم تكن وليدة أيّام أو أشهر بل وليدة تراكمات مبنيّة على فلسفة الاقتصاد الرأسمالي التي تقوم على إعطاء الحرية الفردية للأفراد والشركات في اختيار الأسلوب الذي يرونه في الإنتاج والإستثمار، أنّ الدولة لا تتدخل في الأنشطة الاقتصادية إلاّ بمقدار ما يوطّد الأمن ويحفظ النظام العام، وهدفوا من إعطاء هذه الحرية زيادة الثروة الكلية للمجتمع، وفاتهم أن يلاحظوا مقدار ما يلحق عموم الأفراد من هذه الثروة.
تشهد معظم دول المنطقة العربية العديد من الأزمات الاقتصادية تعكس فشلًا يمثل وجهين لحقيقة واحدة، الأولى تتمثّل بالفشل في ممارسة الوظيفة التنموية، والوظيفة التوزيعية للدولة، فضلاً عن الفشل في الالتزام عمليًّا بمنظومة “الحقوق” الواردة بالعهد الدولي([9]) للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ممّا قاد للكثير من الأزمات. كانت الأزمات التنموية نتاجًا لإهدار “الحق في التنمية” الذي يعد أهم الحقوق الجماعية الذي يتضمّن “توفير أسباب العيش للشعوب وتحقيق أهدافها، والتصرّف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية إلتزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة”([10]). فأزمة البطالة تنبع من عدم احترام تطبيق حق العمل، وما يتفرع عنه من أزمات الحصول على الأجر العادل وتكوين التنظيمات النقابية والعمالية، وحق الإضراب وممارسته. كذلك أزمة الضمان الاجتماعي إذ يجب أن توفر الدولة لمواطنيها الحدود الدنيا للعيش الكريم التي تحفظ عليهم حياتهم. يشجع الربا على البطالة ويتضح ذلك في أن المرابي غير مستعد لدفع المال إلا إذا ضمن ثمنا أكبر لهذا المال. فيقدم العامل عمله ويحصل على الأجر، والأجر هو قيمة العمل السابق. وبما أن المرابي يريد الحصول على الزيادة باستمرار، فإن الأجر المدفوع يكون أقل دائما من قيمة العمل السابق، وسيكتشف العمال مع الأيام أنهم خاسرون، يبيعون بأقل، ويشترون بأكبر؛ لذا، يطالبون بزيادة الأجور، فإذا زادت أجورهم رافقتها زيادة الأسعار، وإذا لم تحصل زيادة في الأجور تفشت البطالة([11]). ويخلق الربا فجوة كبيرة بين طبقات المجتمع. يقول الفخر الرازي – رحمه الله -: “الغالب أن المقرض يكون غنياً والمستقرض يكون فقيراً، فالقول بتجويز عقد الربا تمكين للغنى من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالا زائداً، وذلك غير جائز برحمة الرحيم”([12]). ويؤدي الربا إلى التضخم: وهو ارتفاع مستمر في الأسعار أو هبوط متلاحق في القوة الشرائية للنقود([13])، إذ المرابي بما يفرضه من فائدة مرتفعة يرغم أصحاب السلع والخدمات على رفع أثمان هذه السلع والخدمات، فيحدث نقص في القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود من الموظفين والعاملين، ما يوجِد ارتفاعًا في أسعار السلع والخدمات، فيمتنع الناس عن الشراء، إما لعدم المقدِرة على الشراء، أو لأنها ترهق ميزانيتهم، فتكسد البضائع في المتاجر، وتشل حركة التداول في الأسواق([14]). كما يشجع الربا على الاكتناز، إذ الفائدة مكافأة على الاكتناز؛ لأن ثروة المكتنـز تزيد مع الزمن وهي لا تنقص، فالمكتنز الذي تخلّى عن المال فترة من الزمن، هل يكتفي بالفائدة التي تدفع له عن هذا الزمن فقط؟ أم أنه يكون ضامنا بأن يسترد ماله بالإضافة إلى الفائدة التي ولدها([15]). وكلما ارتفع سعر الفائدة كلما قلّ الاستثمار؛ لأن عائد الاستثمار يجب أن يغطي على الأقل فائدة رأس المال المقترض. ولا يزيد الاستثمار إلا إذا انخفض سعر الفائدة([16]). وفضلاً عن كل ذلك فإن الربا يؤدي إلى خراب البيوت المالية والشركات عند اضطراب الأحوال بأزمات كاسدة، أو تضخم. ففي حالة الكساد تعجز الشركات المنتجة عن سداد ما عليها فتتكاثف الربا فيها، ولا يكون كسبها ما ينتج معادلاً للربا المطلوب، فيكون العلاج خفض الديون وذهاب الربا([17]). وقد رأى الرسول (ص) أكلة الربا ليلة أسري به رآهم منتفخة بطونهم؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فآكل الربا يربو بطنه، كما أراد يربو ماله، بأكل ما حرِّم عليه، وامتصاص دماء المُعوِزين والمحتاجين، فمحقت البركة من ماله في الدنيا، وجعلت نفخًا في بطنه في الآخرة.
المطلب الثاني: أثر الأزمة على المصالح الاجتماعية
يتمثل جوهر الأزمات الاجتماعية في عدم الحفاظ على الوحدة الأساسية للمجتمع عبر توفير أساسيات العيش الكريم، إذ تقر الدول الأطراف في العهد الدولي على “وجوب منح الأسرة أكبر قدر ممكن من المساعدة في تكوينها ونهوضها عبر حماية الأمهات والأطفال والمراهقين من الاستغلال الاجتماعي واستخدامهم في أي عمل من شأنه إفساد أخلاقهم أو الإضرار بصحتهم أو تهديد حياتهم بالخطر أو إلحاق الأذى بنموّهم”، ويفرض على الدول حدودًا دنيا لسنّ العمل مدفوع الأجر([18]). فضلاً عن أزمات الغذاء والحصول على السكن المناسب والملائم، وأزمات الصحة والعلاج المترتبة على غياب الحق في العلاج والتأمين الصحي، وأزمات المياه (النابعة من عدم الالتزام بتنفيذ الحق في الحصول على المياه للشرب والزراعة والصرف الصحي)، وأزمات التعليم (الحق في الحصول على التعليم المناسب)، وأزمة المواصلات (الحق في التنقل الحر)،…
لذلك ظهرت مجموعة من التّجار الأغنياء المترفين بينما بقيت طوائف من المجتمع تعيش حالة من الفقر المدقع الذي بدوره يؤدّي إلى حياة إجتماعية جاهلة وأخلاقيّة فاسدة والتي تساهم في إنتشار أمور المنكرة الدنيئة، وإنتشار السرقات بالإضافة إلى جرائم القتل والنّهب التي تزيد من تعقّد الأمور الاجتماعيّة والأخلاقيّة والثقافيّة، فالفقر مرض إجتماعي لا يتحمّله الإنسان وخصوصاً عندما يمس بأموره الأساسيّة: مسكن، مأكل، مشرب، ملبس، نستشهد بقول الإمام عليّ كرّم الله وجهه” لو كان الفقر رجل لقتلته”. فمن هنا تؤكّد الحالة الاجتماعية عند العرب في الجاهلية عندما كانت في الحضيض من حيث الضّعف والعماية، فالجهل والخرافات لها جولة وصولة، والنّاس يعيشون كالأنعام، والمرأة تباع وتشترى، وتورّث كما تورث المتاع أو الدّابة، وكان الخمر والميسر من تقاليد المجتمع الفاشية،… لمّا جاء الإسلام هذّب أخلاق العرب، وجعل الأخلاق الفاضلة من أفضل الأعمال، ولأهميّة الأخلاق قال النبي (ص): »إنّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق([19])«.
ومن جهة ثانية، فإنّ الإسلام قد أصلح الجوانب الاجتماعية السيئة، ومن ذلك قوله (ص): «يا أيّها النّاس، ألا إنّ ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلّا بالتّقوى أبلّغت([20])».
المبحث الثالث: معالجة الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة من منظور إسلامي
المطلب الأول: معالجة الأزمات الاقتصاديّة
يقوم النظام المالي والاقتصادي الإسلامي على منظومة من القيم والمثل والأخلاق مثل الأمانة والمصداقية والشفافية والبينة والتيسير والتعاون والتكامل والتضامن، فلا اقتصاد إسلامي بدون أخلاق ومُثُل، وتعتبر هذه المنظومة من الضمانات التي تحقق الأمن والأمان والاستقرار لكل المتعاملين، وفى نفس الوقت تحرم الشريعة الإسلامية المعاملات المالية والاقتصادية التي تقوم على الكذب والمقامرة والتدليس والغرر والجهالة والاحتكار والاستغلال والجشع والظلم وأكل أموال الناس بالباطل. ويعدّ الالتزام بالقيم الإيمانية والأخلاقية عبادة وطاعة لله يُثاب عليها المسلم وتضبط سلوكه، سواء كان منتجاً أو مستهلكاً، بائعًا أو مشتريًا وذلك في حالة الرواج والكساد وفى حالة الاستقرار أو في حالة الأزمة. ولقد ورد حديث نبوي في منع بيع الدين بالدين، وهو نهيه (ص) عن بيع الكالئ بالكالئ([21])، وهو وإن كان ضعيف الإسناد، إلا أن الإجماع قد انعقد على تحريم بيع الدين بالدين([22]). بيع الدين إما أن يكون لمن في ذمته الدين، أو لغير من عليه الدين، وفي كل من الحالتين إما أن يباع الدين نقدا في الحال، أو نسيئة مؤجلا. وبيع الدين بالدين نسيئة، سواء أكان البيع للمدين، أم لغير المدين، غير مستساغ في الشريعة الإسلامية. أما بيع الدين نقدًا في الحال، فقد اضطَرَب الفقهاء في حكمه على التفصيل الآتي:
أولاً: بيع الدين للمدين: ذهب جمهور الفقهاء(الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة([23])) إلى جواز بيع الدين للمدين، معلّلين جواز ذلك بأن المانع من صحة بيع الدين بالدين هو العجز عن التسليم، ولا حاجة إلى التسليم هنا، لأن مافي ذمة المدين مسلم له.
ثانيَا: بيع الدين لغير المدين: لم يجزه الجمهور، وأجازه المالكية بشروط، وهي: أن يكون الثمن نقداً، وأن يكون المدين حاضراً في البلد، وإن لم يحضر مجلس البيع، وأن يكون مقرا به؛ وأن يباع الدين بغير جنسه، أو بجنسه وكان مساوياً لا أنقص، وإلا كان سلفاً بزيادة، ولا أزيد وإلا كان فيه حط الضمان وأزيدك، وليس عيناً بعين، وليس بين المشتري والمدين عداوة، وألا يكون يمنع بيعه قبل قبضه، كطعام المعاوضة([24]). وتتبدّى الحكمة من تحريم بيع الدين بالدين في منظار الاقتصاد الإسلامي في عدم تحقق ركن رصين من أركان البيع، وهو القبض؛ إذ لا يجوز في البيع الاتفاق على تأجيل تسليم الثمن والسلعة. إن عمليات البنوك في النظام الرأسمالي تقوم على أساس المتاجرة بالديون، فيقترض البنك بفائدة ويقرض بفائدة أعلى، وتزاد الفائدة على من يتأخر في السداد، ويمكن أن يباع الدين إلى شخص ثان وثالث ورابع، وبهذا تنشأ ديون كثيرة متراكمة، بل أكثر من ذلك فإن النظام الرأسمالي يقوم كله على أساس جبال من الديون، فإذا حدث تأخر في التسديد أو امتناع منه، أمكن انهيار هذه الجبال، وأمكن وقوع الأزمات، وكان من أسباب الأزمة الاقتصادية المعاصرة المتاجرة بالديون، وبيعها، والتوسع فيها([25]). وكان بيع الدين بالدين عماد عملية الرهن العقاري التي كان سببا رئيسا في انهيار المؤسسات المالية الغربية من بنوك وبورصات وشركات تأمين. ولما أصبح الاقتصاد المالي لا يستند إلى قاعدة من الأصول الاقتصادية الحقيقية، بل يستند إلى أهرامات من الديون التي ركبت بعضها فوق بعض في توازن هش، ولأجل المزيد من كسب العوائد في صورة فوائد وفروق أسعار، لذا، فإن وجود خلل في إحدى حلقات الديون المركبة كما حدث في توقف المقترضين في سوق التمويل العقاري، عن سداد القروض انهار البناء المالي بكامله وحدثت الأزمة. وإن أي تيّار مالي لابد وأن يقابله تيار سلعي في ربط محكم في الإسلام، ولا يجوز في الاقتصاد الإسلامي جني أرباح من خلال التيارات المالية وحدها، وإلا كان ربا.
شرع الإسلام القرض الحسن الذي يمثل تيارا ماليا من أجل حاجة المقترضين للإنفاق على السلع والخدمات، دون أن يحصل المقرض على زيادة على قرضه، ومجرد التعامل في النقود ذاتها([26]).
وقد أدرك فقهاء الإسلام المخاطر المترتبة على جعل النقود سلعة يتاجر فيها، وبينوا رِبقة الإشكال في ذلك، يقول ابن القيم: ” فالأثمان لا تقصد لأعيانها، بل يقصد التوصل بها إلَى السلع، فإذا صارت في أنفسها سِلَعًا تقصد لأعيانها، فسد أمر الناس، وَهَذَا مَعنى معقول يختص بالنقود لا يتعدّى إلَى سائر الموزونات”([27]).
المطلب الثاني: معالجة الأزمات الاجتماعيّة
تتمّيز التشريعات الإسلامية بالمرونة في أوقات الأزمات والحروب، وهذا يتمثّل جليًّا في مواقف عديدة في السيرة النّبويّة، وقد أكّدت التّوجيهات النّبوية على خصوصية أوقات الكوارث والأزمات، للتّعامل معها ضمن مقاصد الشريعة بما يحفظ على الناس دينهم ونفوسهم وأموالهم ومصالحهم. في ظل الظروف الإستثنائية التي تمر بها المجتمعات حثّت سنّة نبيّنا الأكرم (ص) على عدد من القيم والأخلاق وشرّعت عدداً من الأحكام والتعاملات، كالتعاون والصبر على وقت الشدّة وتوطيد التواصل في التعاملات والسماحة والعفو في التّعامل. تظهر وحدة المجتمعات وتضافرها وقوة تماسكها في أوقات الأزمات، فيكون التّعاون في وقت الشدّة بدفع الظلم والثبات على الحق والتّمسك به والعمل على حل الخلافات والنزاعات التي تقع وسط المجتمع المسلم، فضلاً عن التعاون وحفظ أمن البلاد. كان النبي (ص) يسعى لقضاء حوائج المسلمين ويحب إعانتهم والوقوف معهم فيما يلمّ بهم من نوازل، وكان مجبولاً على ذلك من صغره وقبل بعثته، وقد بينت ذلك أمنا خديجة رضي الله عنها عندما كانت تخفف من روع النبي (ص) عند عودته من غار حراء بعد نزول الوحي عليه، وكان فزعاً، فقالت له: “كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”([28]). دعت القيم الإسلامية إلى الصبر وتحمل الشدائد وقت الأزمات والتضحية، ولقد علّم النبي (ص) صحبه على العمل والصبر في ظروف الصعبة، وكانوا مثالاً للصبر والتحمّل لكافة أشكال المشقة والأذى، عن قيس، “سمعت سعد بن أبي وقّاص يقول: والله! إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله. ولقد كنّا نغزو مع رسول اللّه (ص)، ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة، وهذا السمر. حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة. ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين. لقد خبت، إذا وضل عملي. ولم يقل ابن نمير: إذًا([29])، هذا ما يوثّق عظم التّضحيات والصّبر على الأذى والشدائد لنصرة الحق في سبيل الله وترسيخ القيم الأخلاقيّة الإسلاميّة في نفوس أبنائها. إن اجتماع الناس واتصال بعضهم ببعض يقضي بحاجة كل واحد إلى الآخر بالقيام بالأعمال وعمل الصناعات، والبيع والشراء والنفقات، وغير ذلك من ضروريات الحياة وحاجياتها. والشرع الحكيم وضع لهذا التعامل قواعد وشروطًا تحكم التعامل بين الناس وبالتزام هذه القواعد الشرعية، والأمور المرعية تسير الأمور كما ينبغي أن تكون، ولكن قد تحدث بعض المخالفات التي تؤدي إلى وقوع النزاع والشجار بين الأفراد، لذا شرع القضاء بين الناس والحكم بينهم والعدل، لإزالة الخصومات، وحل المشكلات، وحفظ الحقوق، وتأديتها إلى أصحابها، وقد وضعت الشريعة الإسلامية الوسائل والطرق التي تثبت الحق لأهله وذلك فيما سمي “بطرق الإثبات” وهي الوسائل الظاهرة التي يعتمد عليها الحاكم في إثبات الدعوى أو نفيها: كالشهادات، والإقرار، والإيمان، والوثائق، والقرائن وغيرها. فإذا توفرت هذه الوسائل لدى القاضي حكم بموجبها.
تظهر سماحة الإسلام في هذا الحديث الشريف، فالرسول الكريم (ص) يدعو ربه مبتهلًا إليه، أن يرحم المؤمن السمح في كل معاملاته فيحسن المعاملة في البيع والشراء، كما يحسن المعاملة في قضاء الدين، الذي عليه بالحسنى، واقتضاء الدين الذي يكون له عند الآخرين، فيمهله حتى يستطيع رده، أو يتنازل عنه، فيتصدّق عليه لإعساره، بل هذا خير له، قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280)﴾ [سورة البقرة].
الخاتمة
نعيش اليوم في عالم شديد التّعقّد والتّشابك الإنساني والتكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي، وما لم يتعرّض العالم لكارثة ما تضع نهاية لتقدمه المستمر، فإنّ المتوقّع هو أن يزداد هذا التّشابك والتّعقيد في المستقبل باطّراد منقطع النّظير، الأمر الذي يحفّز ظهور المنظمات العامة والخاصة وفي مقدمتها منظمات الأعمال والكثير من الفرص للنمو والتّطوّر والانتشار.
فهي ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب في جميع مراحل النشوء، والإرتقاء ، والإنحدار، ولقد كات على مر العصور تتوسّط المراحل المهمة في حياة الشّعوب، فبين كل مرحلة مرحلة جديدة ثمّة أزمة تحرّك الأذهان، وتشعل الصّراع، وتحفّز الإبداع وتطرق أبواباً تمهّد السبيل إلى مرحلة جديدة، ولقد كان لنمو واتّساع المجتمعات ونضوب الموارد المتنوعة وشدّة المنافسة السياسية الاقتصادية الكلمة الفصل في طول حياة الأزمات. من هنا فقد نشأت أفكار جديّة من أجل دراسة وتحليل الأزمة، ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر وتأخير الأزمة الاحقة إن تعذّر تعطيلها.
لكن عالمنا المليء بالفرص التي تنتظر من يستغلّها، يحفل أيضاً بالكثير من المخاطر التي تجعل الأزمات الإنسانيّة والتكنولوجيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة أمراً لا يمكن لأي منظمة الإفتراض بأنّها في مأمن منه.
إنّ الاقتصاد الإسلامي يحترم الفطرية البشريّة، ويراعي العدالة الاجتماعيّة، ويحقق المصلحة الخاصة والعامة، ويدرأ المفسدة الراجحة، ويوسع هامش الحلال، ويضيّق من دائرة الحرام، ويرتكز على سوق مالي منظّم من عند الخالق.
إنّ إقتصاداً بهذه المقومات والمبادئ، جدير له بأن يحقق الخير والرفاه للفرد والمجتمع، وذلك متى إلتزم أفراد المجتمع بتعاليم الخالق سبحانه وتعالى: ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ (14)﴾ [سورة الملك].
المصادر والمراجع
– القرآن الكريم
– أبو زهرة، محمد، بحوث في الربا، القاهرة، دار الفكر العربي، دط، دت.
– ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الدمشقي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، بيروت، دار الجيل ، دط، 1973م.
– إرشيد، محمود عبدالكريم، النشاط الاقتصادي الإسلامي وأثر القيم والأخلاق فيه، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 2008 م.
– البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق مصطفى ديب البغا، دمشق، دار ابن كثير، ط5، 1414ه/1993م.
– بلعباس، عبد الرزاق سعيد، الأزمة المالية العالمية: أسباب وحلول من منظور إسلامي، جدة، مركز النشر العلمي، 2009م.
– بن حنبل، أحمد (-241ه)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرناؤوط- عادل مرشد وآخرون، إشراف د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، 1421ه/2001م.
– بن المنذر النيسابوري، محمد بن إبراهيم(-318هـ)، الإجماع، تحقيق أبو حماد صغير وأحمد بن محمد حنيف، مكتبة الفرقان، الإمارات العربية المتحدة، مكتبة مكة الثقافية، ط 2، 1420هـ/1999م.
– البيهقي، أبو بكر (-458ه)، السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، دط، 1424ه/ 2003م.
– حدران، طاهر حيدر، الاقتصاد الإسلامي: المال، الربا، الزكاة، الأردن، دار الأوائل، دط، 1999م.
– الرازي، محمد بن عمر (-606ه)، التفسير الكبير، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1421ه/2000م.
– الصاوي، أحمد بن محمد (-1241هـ)، بلغة السالك لأقرب المسالك، تحقيق محمد عبد السلام شاهين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1415هـ/1995م.
– الطبلاوي، نجوى عبد الله، ثقافة المنظمة والمواجهة الفعّالة للأزمة، المؤتمر السنوي الثاني لإدارة الأزمات والكوارث، جامعة عين شمس، القاهرة، 1997م.
– علي، ماهر جمال الدين، التّخطيط الأمني لإدارة عمليات مواجهة الكوارث، ورقة مقدمة إلى المؤتمر الشرطي الثاني لتطوير العلوم الأمنية، القيادة العامة لشرطة دبي، إبريل 1994م.
– عليوه، حسن رشاد صابر، إدارة الأزمات في قطاع السياحة، ورقــة عمــل مقدمــة إلــى المــؤتمر الــسنوي الــسادس عــشر لإدارة الأزمــات والكوارث، وحدة بحوث الأزمات، كلية التجارة، جامعة عين شمس، ٢٠١١م.
– العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، صكوك حقوق الإنسان، المادة الأولى، أخذت من موقع الأمم المتحدة حقوق الإنسان https://bit.ly/433qCng
– الكاساني، علاء الدين(-587ه)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، بيروت، دار الكتاب العربي، ط2، 1982م.
– المصري، رفيق يونس، الأزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور إسلامي، جدّة، مركز النشر العلمي جامعة الملك عبد العزيز، ط1، 1430ه/ 2009م.
– المطارنة، بشار ووليد الصافي، الاقتصاد الإسلامي في مواجهة الأزمة العالمية بين النظرية والتطبيق المؤتمر العلمي الثالث، “الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على اقتصاديات الدول –التحديات والآفاق المستقبلية- كلية العلوم الإدارية والمالية، جامعة الإسراء الخاصة وبالاشتراك مع كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة – 29-28/4/2009م.
– موريس آليه Maurice Félix Charles Allais (1911م/2010م)، أخذ من موقع المعرفة الإلكتروني https://bit.ly/3pwF3md
– النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج (-261ه)، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، 1374ه/ 1955م.
– ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أخذت من الموقع https://bit.ly/3NMPNpT
[1] – باحث في الشؤون القانونيّة والاقتصاديّة الإسلاميّة
Researcher in Islamic Legal and Economic Affairs Email: Ahmad092@Hotmail.com
([2]) الطبلاوي، نجوى عبد الله، ثقافة المنظمة والمواجهة الفعّالة للأزمة، المؤتمر السنوي الثاني لإدارة الأزمات والكوارث، جامعة عين شمس، القاهرة، 1997م.
([3]) علي، ماهر جمال الدين، التّخطيط الأمني لإدارة عمليات مواجهة الكوارث، ورقة مقدمة إلى المؤتمر الشرطي الثاني لتطوير العلوم الأمنية، القيادة العامة لشرطة دبي، إبريل 1994م.
([4]) بلعباس، عبد الرزاق سعيد، الأزمة المالية العالمية: أسباب وحلول من منظور إسلامي، جدة، مركز النشر العلمي، 2009م، 19.
([5]) موريس آليه Maurice Félix Charles Allais (1911م/2010م)، إقتصادي فرنسي، فاز بجائزة نوبل التذكارية في الاقتصاد عام 1988م “لإسهاماته الرائدة في نظرية الأسواق والإستغلال الكفء للموارد.” أخذ من موقع https://bit.ly/3pwF3md
([6]) عليوه، حسن رشاد صابر، إدارة الأزمات في قطاع السياحة، ورقــة عمــل مقدمــة إلــى المــؤتمر الــسنوي الــسادس عــشر لإدارة الأزمــات والكوارث، وحدة بحوث الأزمات، كلية التجارة، جامعة عين شمس، ٢٠١١م، ١١٩٤ .
([7]) النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج(-261ه)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، 1374ه/ 1955م، ح 1763، حديث صحيح، 3، 1383.
([8]) النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، المصدر نفسه، كتاب البر والصلة والآداب، ح 2573، حديث صحيح، 4، 1992.
([9]) العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: هي معاهدة متعددة الأطراف اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 ودخلت حيز النفاذ من 3 يناير 1976. تلزم أطرافها العمل من أجل منح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأقاليم والأفراد الثقة غير المتمتعة بالحكم الذاتي وبما في ذلك حقوق العمال والحق في الصحة وحق التعلم والحق في مستوى معيشي لائق.
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، أخذت من الموقع https://bit.ly/3NMPNpT
([10]) العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، صكوك حقوق الإنسان، المادة الأولى، أخذت من موقع الأمم المتحدة حقوق الإنسان https://bit.ly/433qCng
([11]) حدران، طاهر حيدر، الاقتصاد الإسلامي: المال، الربا، الزكاة، الأردن، دار الأوائل، دط، 1999م، 120.
([12]) الرازي، محمد بن عمر (-606ه)، التفسير الكبير، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1421ه/2000م، 7، 77.
([13]) حدران، طاهر حيدر، الاقتصاد الإسلامي: المال، الربا، الزكاة، المرجع السابق، 118، 120.
([14]) إرشيد، محمود عبدالكريم، النشاط الاقتصادي الإسلامي وأثر القيم والأخلاق فيه، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 2008 م. 80.
([15]) حدران، طاهر حيدر، الاقتصاد الإسلامي: المال، الربا، الزكاة، المرجع السابق، 126.
([16]) حدران، طاهر حيدر، الاقتصاد الإسلامي: المال، الربا، الزكاة، المرجع نفسه، ص 128 – 129.
([17]) أبو زهرة، محمد، بحوث في الربا، القاهرة، دار الفكر العربي، دط، دت، 26.
([18]) العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المرجع نفسه، المادة 10.
(1) البيهقي، أبو بكر (-458ه)، السنن الكبرى، كتاب الشهادات، باب بيان مكارم الأخلاق ومعاليها التي من كان متخلقا بها كان من أهل المروءة التي هي شرط في قبول الشهادة على طريق الاختصار، تحقيق محمد عبد القادر عطا، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، دط، 1424ه/ 2003م، ح 20783، 10، 323.
(2) بن حنبل، أحمد (-241ه)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، حديث رجل من أصحاب النبي (ص)، تحقيق شعيب الأرناؤوط – عادل مرشد وآخرون، إشراف د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، 1421ه/ 2001م، ح 23489، سند صحيح، 38، 474.
([21]) البيهقي، أبو بكر، السنن الكبرى، مصدر سابق، كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيع الدين بالدين، ح 10316، 5، 290.
([22]) بن المنذر النيسابوري، محمد بن إبراهيم(-318هـ)، الإجماع، تحقيق أبو حماد صغير وأحمد بن محمد حنيف، مكتبة الفرقان، الإمارات العربية المتحدة، مكتبة مكة الثقافية، ط 2، 1420هـ/1999م، 132.
([23]) الكاساني، علاء الدين(-587ه)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، بيروت، دار الكتاب العربي، ط2، 1982م، 5، 184.
([24]) الصاوي، أحمد بن محمد (-1241هـ)، بلغة السالك لأقرب المسالك، تحقيق محمد عبد السلام شاهين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1415هـ/1995م، 3، 264.
([25]) المصري، رفيق يونس، الأزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور إسلامي، جدّة، مركز النشر العلمي جامعة الملك عبد العزيز، ط1، 1430ه/ 2009م، 388، 389.
([26]) المطارنة، بشار ووليد الصافي، الاقتصاد الإسلامي في مواجهة الأزمة العالمية بين النظرية والتطبيق المؤتمر العلمي الثالث، “الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على اقتصاديات الدول –التحديات والآفاق المستقبلية- كلية العلوم الإدارية والمالية، جامعة الإسراء الخاصة وبالاشتراك مع كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة – 29-28/4/2009م، 19، 20.
([27]) ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الدمشقي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، بيروت، دار الجيل ، دط، 1973م، 2، 157.
([28]) النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، مصدر سابق، كتاب الإيمان، ح 160، حديث صحيح، 1، 139.
([29]) النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، المصدر نفسه، كتاب الزهد والرقائق، ح 2966، حديث صحيح، 4، 2277.