foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

التمرّد والخضوع في رواية “نزهة الخاطر” لأمين الزاوي

0

التمرّد والخضوع في رواية “نزهة الخاطر” لأمين الزاوي

إيمان عليّ كركيّ*

تمهيد:

إنّ مشكلة التمرّد من طبيعة التغيّرات السريعة التي يمرّ بها المجتمع في مجالات الحياة كافّةً، خصوصًا في مجال العلاقات الاجتماعيّة والعادات والتقاليد. قد يتجلّى التمرّد بالتمرّد على الذات، أو التمرّد على العادات وسلّم القيم، أو بالتمرّد على السلطة السياسيّة. في مقابل التمرّد، قد نجد الخضوع يأخذ حيّزًا مهمًّا في تلك العلاقات كافّة. سنعالج في هذا البحث ظاهرتي التمرّد والخضوع من خلال الرّاوي البطل “أنزار” الذي أظهر ذلك من خلال تمرّده على ذاته ليثبت وجوده، ومن خلال علاقته بعمّته “فاطنة” التي تمرّدت على العادات والتقاليد. فظهرت في أكبر تجلّيات التمرّد تارةً، والخضوع تارةً أخرى. كما أنّ التمرّد والخضوع برزا من خلال علاقة الرّاوي  بالسلطة.

يظهر الرّاوي في علاقات التمرّد، والخضوع من خلال مشكلات نفسيّة وسلوكيّة، تعود إلى التغيّرات الفسيولوجيّة، والنفسيّة، والانفعاليّة التي أثّرت في سلوكه، فأدّت إلى نشوء صراعات وتوتّرات نفسيّة شديدة الوطأة. لم يستطعْ مجابهتها، فشعر بالغربة والضياع. وقد أدّى ذلك كلّه، إلى تمرّده على القيّم، والعادات، والتقاليد. فنتج عنه نزعات عدوانيّة غير مقبولة.

بَدا الرّاوي يميل إلى التمرّد والثورة، من خلال إظهاره لنزعات الاستقلال، والتمرّد على السّلطة، سواءٌ كانت سلطة الأسّرة، أم المدرسة، أم المجتمع بشكل عامّ.

ظهرت مشاعر الاضطراب عند الرّاوي منذ الطفولة. لقد تمرّد على اسمه الذي حمله وهو ليس له، على الرغم من رفضه من طريق الخجل، والشكّ الذاتيّ، إلاّ أنّ محاولات التمرّد لم تنجحْ في تبديل اسمه وتحقيق ما أراده. أُجبر على الخضوع لواقعه. ظهر ذلك من خلال قوله: “هكذا بدأت مغامرتي مع المدرسة باسم غير اسمي. دخلت المدرسة باسم ميْت وبنسبةٍ إلى عمّي، ولا زلت أحتفظ بذلك حتّى اليوم.”([1])

لقد عاش الرّاوي صراعًا داخليًّا مع ذاته، وصراعًا خارجيًّا مع واقعه. إنّه صراع بين التمرّد والخضوع، تتفرّع منه صراعات أخرى، أبرزها صراع “الهُوَ” و”الأنا الأعلى”، الذي أدّى إلى خضوع الأنا للواقع، ما يؤكّد مدى الإرتباط والتقاطع بين الذات والآخر.

لذا تبدو شخصيّة الرّاوي شخصيّة متمرّدة، انطوائيّة، تنفصل عن العالم الخارجيّ، وتعيش في عالمها الداخليّ. تميل إلى العزلة والوحدة.

لذلك إنّ الأسباب والدوافع التي وقفت وراء جعله شخصيّة انطوائيّة خجولة ناتجة عن أزمات نفسيّة، وحالات عصابيّة وذهانيّة، عائدة إلى منابع طفوليّة وأسريّة جعلته يميل إلى التمرّد.

كما يتّضح أنّ كلّ ما يقوم على صراعات نفسيّة، انتهى بانحراف على الصعيد الجنسيّ، عبر علاقات عدّة غير سويّة مع نساء يكبرنه سنًّا، وهنّ في سنّ أمّه وجدّته: “أحبّ من هنّ في سنّ أمّي وجدّتي”([2]).

قد يكون فعل ذلك، ليلفت نظر الجميع، سواءٌ كان المتلقّي أم الشخصيّات الأخرى، ما يدلّ على عصابيّة الرّاوي واضطرابه. إنّ الأزمات التي تعصف بالعصابيّ تجعل منه متمرّدًا على محيطه وذاته. لكي يؤكّد وجوده يلجأ إلى إقامة علاقات غريبة نوعًا ما، ويهرب من العادات، والتقاليد الاجتماعيّة، والدينيّة. حاول الرّاوي التحرّر من الأسرة والمجتمع، معلنًا عن نرجسيّته، عبر هذه العلاقات. حيث أعلن مرارًا عن أهمّيّته، عادًّا أنّه حقّق شيئًا من شخصيّته وحرّيّته. هو لم يقدمْ على فعل هذا إلاّ تحقيقًا لأشياء مفقودة. خالف المألوف، وحاول إيجاد عالم خاصّ به، لا ينسجم مع الآخرين. ما تدمّر من ذاته وانكسّر، فقد عمل على ترميمه من خلال التمرّد.

يتبيّن لنا أنّ الرّاوي يعمل على تبئير نفسه من خلال هذه العلاقات التي شكلّت لديه صراعًا ذاتيًّا، قد يكون ناتجًا إمّا عن قناعة عقليّة، إمّا عن انجراف أعمى جرّاء الانغماس في البيئة التي تجعلنا نتنمّط بأنماط، يصبح الابتعاد عنها أمرًا صعبًا.

مثلّت العمّة “فاطنة” الشخصيّة المتمرّدة. هي امرأة ضدّ الأخلاق، وضدّ الحياة المنمّطة. هي مغنّية وراقصة، تحبّ الرجال والفنّ. تعشق الجنس. تبدّل الرجال كما تبدّل الألبسة. كانت مثيرة وجذابة. تزوّجت من رجل يصغرها بسبع سنوات، هو سليمان الذي يعزف على الناي. أحبّت بعد ذلك رجلًا بعمر جدّها، سرعان ما تزوّجت به، هو سليمان الطبّال. عبّر الرّاوي عن ذلك عندما قال: “لي عمّة لا كالعمّات ولا كالخالات، عمّتي فاطنة امرأة مطلّقة، تعيش تحت سقف البيت الكبير، امرأة جميلة وجريئة، تحبّ الرجال، ولا تتردّد في تبديلهم كلّما أتيحت لها الفرصة لذلك”([3]).

يتبيّن أنّها تمرّدت على العادات والتقاليد، وثارت على القيّم السائدة والأوامر. عاشت كما يحلو لها، لا تأبه بأحد، ولا سيّما والدها الجدّ مأمون الذي يحمل قدسيّة خاصّة، وله مكانة قيّمة لدى الجميع في المنزل الكبير، وفي القرية. يظهر ذلك من خلال قول الرّاوي: “كانت عمّتي تخرج بمعيّة عازف الناي لترقص، وتغنّي في الأعراس حتّى مطلع الفجر متنكّرة […] خفيةً عن جدّي ووالدي”([4]).

لم تكتفِ العمّة “فاطنة” بالتمرّد على العادات والتقاليد، بل شنّت هجومًا عنيفًا على واقعها، نظرًا إلى اهتزازها من الداخل، واضطرابها في علاقتها مع نفسها من ناحية، ومع الرجال الذين أحبّتهم، من ناحية ثانية.

يعود سبب ذلك إلى الصراع الذي عاشته ما بين التقليد، والتكسير، والانحراف. كانت تعتقد بأنّ شخصيّتها، وكيانها موجودان بجسدها ورقصها. لقد تبعت أهواءها ومزاجها في كلّ التصرّفات التي كانت تقوم بها.

لقد عبّر الرّاوي عن ذلك: “هي عمّتي فاطنة صنعت هكذا، ولا أحد يستطيع أن يغيّر من مزاجها، ومن تصرّفاتها التي تتبع قلبها، واصلت عمّتي حرفتها كراقصة أعراس ومغنّية حفلات عائليّة”([5]).

إلاّ أنّ موانع المجتمع حالت دون الإعلان عن مكبوتاتها بشكل علنيّ، ونظرًا إلى أنّ متطلّبات المجتمع هي الأقوى نتيجة ضَعف الفرد أمام المجموعة. اضطرّت إلى الخضوع لواقعها في وقت من الأوقات. يقول فرويد (Freud) في ذلك: “يتوخّى “الأنا” طريق الرياء الديبلوماسيّ، ويتظاهر باعتبار الواقع، ليشبع رغبات “الهُوَ” التي تبقى في حركة دائمة نحو البحث عن الإشباع، وبالتالي يشبع “الأنا” رغبات “الهُوَ” من خلال توخّي طرق ملتوية، تظهر في الأحلام، وزلاّت اللسان، وهفوات الأفعال، والإبداعات الثقافيّة”([6]).

إنّ الخطورة تتركّز على ما تقدم عليه العمّة “فاطنة” من أجل إثبات نفسها، معلنةً عن رفضها للواقع الراهن، محتميةً بعالمها المتمرّد، لاجئةً إلى الفنّ، والرقص تعويضًا عمّا هو محرّم عليها. إلاّ أنّ نهايتها كانت مأسويّة. أُجبرت على الخضوع، بسبب ضعفها لإصابتها بالشلّل، بعد تعرّضها لحادث. لهذا قرّرت أن تضع حدًّا لحياتها وتنتحر. ويعبّر الرّاوي عن مأساتها: “شعرت بأنّ جسد عمّتي قد انهزم أمام العطب”([7]).

تعمّد الرّاوي الوقوف عند قصّة عمّته “فاطنة” ليبرز التمرّد في أكبر تجلّياته. إنّها شخصيّة ظهرت من خلال الرّاوي الذي هدف إلى لفت نظر الجميع، سواءٌ المتلقّي أم الشخصيّات الأخرى التي تدور في فلكها الرّوائيّ. كما استند إلى قصّة من التراث العربيّ “قيس وليلى” ليصف قصّة عمّته الغراميّة مع أزواجها. يبدو أنّه وصف حقيقة المجتمع من خلال صورة عمّته المومس العاشقة.

أمّا “أنا” الرّاوي، فانبرت تسرد حكاية العمّة “فاطنة”، فسيطر ضمير “الأنا” على السرد. الرّاوي هو العالِم بكلّ شيء، هو الشّاهد، هو الموزّع للسّرد على لسان عمّته في بعض الأحيان. مستندًا في ذلك إلى علاقته الأسريّة التي جعلته يرى عن قرب. هو المحور الرئيس لمعرفة شخصيّة العمّة “فاطنة”.

حاول الرّاوي أن يكشف لنا الأسباب، والدوافع التي وقفت وراء رزوحها تحت أزمات نفسيّة، دفعتها إلى التمرّد على العادات، والتقاليد، والقيم. إنّ الحالات العصابيّة والذهانيّة، التي عانت منها، ربّما تعود إلى منابع طفوليّة وأسريّة، بسبب الكبت الذي كانت تعانيه، سواءٌ في البيت الكبير، أو في المجتمع.

ترجمت هذا الكبت في تصرّفاتها القائمة على صراعات نفسيّة، بيّنها الرّاوي وحاول أن يسوّغ هذه التصرّفات المعيبة الخارجة على المألوف الاجتماعيّ في مجتمع محافظ يرفض ذلك الانحراف، لا سيّما علاقاتها الجنسيّة المتعدّدة.

نرى العمّة “فاطنة” من خلال رؤية الرّاوي أنّها فعلت ذلك لتكشف عن مكبوتاتها المخبّأة من خلال التمرّد، لأنّها كانت مكبوتات غير مقبولة اجتماعيًّا، ودينيًّا. تعود ربّما أسباب هذه المكبوتات إلى الرقابة. التي: “تنشأ عن التصادم بين المواضعات الاجتماعيّة، والغرائز الفطريّة الموروثة خصوصًا، غريزة الجنس”([8]).

يعمل الرّاوي على تبئير أفعال عمّته المنحرفة، والمتمرّدة على القيم، والعادات، والتقاليد. كأنّه يشعر بحالها التي بدت على مشارف الانهيار، ما جعله يتكيّف مع واقع التناقض الذي أدّى إلى تشظّي “أناه” في الواقع وجعلها مفكّكة.

نرى الرّاوي من خلال ما قامت به عمّته “فاطنة”. يعبّر عن حالته، عن “الأنا” في علاقات التمرّد والخضوع، وما نجم عن ذلك من تمزّق “أناه” نتيجة المؤثّرات النفسيّة، والاجتماعيّة التي مارست ضغطها عليه. إذ سوّغ لها تمرّدها على المألوف الاجتماعيّ، فشكّلت “أناه” الحيّز الذي تطلّع إلى حماية ذاته من كلّ اضطراب. كانت عمّته مصدر خطر على “أناه”. دافع عنها. استعمل الأواليّات الدفاعيّة التي “هي وسائل متعدّدة من العمليّات التي يمكن أن يستخدمها “الأنا”، بطريقة لاواعية، لمجابهة كلّ ما يمكنه أن يثير تصعيدًا للقلق ويهدّد أمن الأنا وحماية الذات”([9]). كان دفاعه عنها لاشّعوريًّا، إذ استجابت “الأنا” للصراع الداخليّ الناجم عن نزوات العمّة “فاطنة “، لتحمي نفسها من الأخطار التي هدّدت توازنها.

نستنتج، من ذلك الأمر، وجود اضطراب عصابيّ لأنا الرّاوي. دخلت الصراعات، فتعارضت “الأنا” والأواليّات الدفاعيّة. استخدم الرّاوي طاقاته في صراع دائم تسبّب له بالقلق المضاعف. لجأ إلى أواليّة الكبت التي “هي أواليّة دفاعيّة تحمي “الأنا” من الشّعور بالقلق”([10]). ليواجه القلق، والتوتّر، والإحباط الحادّ.

إنّ هذا التمرّد يدلّ على عصابيّة العمّة “فاطنة” واضطرابها، ما جعلها متمرّدة على محيطها. إذ يشعر العصابيّ “وكأنّه يحقّق شيئًا مفقودًا في حياته”([11]). ولكي تؤكّد أهمّيّة وجودها، تلجأ إلى الرقص، وإقامة علاقات جنسيّة مع الرجال. إنّ هذه المواضيع هي الأكثر حساسيّة في المجتمع، لذلك هي تحاول إخراج نفسها من السجن الذي شيّدته تقاليد، وعوامل، وأعراف اجتماعيّة، ودينيّة. إنّها بذلك تعلن عن أهمّيّتها، وإعجابها بنفسها وبما تقوم به، مؤكّدةً على نرجسيّتها. “يعجب النرجسيّ بنفسه، وهو دائم الرغبة في أن يعجب به الناس”([12]). إنّها منسجمة مع نفسها ما دامت تمشي في طريق مخالف لطرق الآخرين حتّى لو كانت النتيجة إيذاء النفس. يولّد الأمر لديها لذّة ومتعة. إنّ ما تقدم عليه العمّة “فاطنة” يحقّق لها ما هو مفقود. هي إذ تخالف المألوف، إنّما تؤسّس لعالم من المجّد، والإبداع لا ينسجم مع التنميط الذي يراه الآخرون قانونًا. ما تدمّر من ذاتها وانكسر هي تعمل على ترميمه من خلال التمرّد.

استطاعت استبدال ما تبطنه من رغبات عن طريق الجنس الذي أدّى دورًا كبيرًا في تأجيجها بطاقة بنّاءة تمثّلت بالفنّ، والرقّص، والغناء، وهذا ما أشار إليه أحد الكتّاب بقوله: “أعتقد أنّ جزءًا كبيرًا من قوّتي الجنسيّة يتحوّل، وينصبّ من نتاجي”([13]).

هي أثناء القيام بعملها، راقصة، تحقّق ذاتها، وتخرج من أزماتها. إنّ الفنّ بالنسبة إليها، كما يراه فرويد (Freud) تمامًا: “صور محوّلة عن دوافع مكبوتة في اللاشعور”([14]).

تبعًا لهذه الدّوافع تقوم “فاطنة” بممارسة الجنس مع حبيبين هما سليمان الناي، وسليمان الطبّال. إنّها تعاشر الاثنين في الوقت نفسه.

لم تكتفِ بالتمرّد على العادات، والتقاليد، والقيم، بل تمرّدت على ذاتها، عندما رفضت الخضوع للضعف الذي أصيبت به، نتيجة إصابتها بالشلّل. انهزمت أمام ذلك، بعد أن ظهرت ملامح القلق، والانطواء عليها. إنّ “القلق والهرب ظاهرتان متلازمتان: ينشأ القلق حسب (فرويد) عن ردّ فعل “الأنا” في تعرّضها للخطر. إنّه جرس الإنذار الذي يسبق الهرب، ويعلن عنه([15])“. قد رأينا هذا القلق ظاهرًا من خلال الرّاوي الذي عبّر عن وضع عمّته النفسيّ، وصوّر لنا حالتها المرضيّة التي أدّت بها إلى الانتحار.

يستكمل الراوي في إظهار التمرّد من خلال الإشارة إلى مراحل تغلي بالأحداث التي خلّفها الاحتلال مرّة، وأبناء الشعب الواحد مرّة أخرى، “معرّيًا الظاهرة التكفيريّة من جهة، كاشفًا تصرّفات الجهات الحكوميّة من جهة ثانية”([16]). لقد أظهر المواقف التي تسبّبت بموت المواطن. شبّه السّلطة بالتبغ الذي يؤدّي إلى مرض السرطان. “السّلطة والتبغ يلتقيا في شيء أساسيّ هو التسبّب في مرض السرطان للمواطن البسيط”([17]).

تناول الأحداث بعد الاستقلال من الانقلاب ضدّ “بن بلة” وما نتج عنه مع بداية التأسيس “لبولسة” الدولة، ودولة الأمن، إلى بداية تشكّل الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة الأولى، في حلقات، وندوات تدور جميعها حول فكر مالك بن نبيّ.

تابع الرّاوي الواقع، ونقل التغيرّات المتعدّدة التي طرأت على المجتمع، بحكم الظروف والعوامل التي أسهمت في إحداث هذا التغيير. كما اصطبغت الرّواية بصبغة ثورويّة ضدّ الاستعمار. من ثَمَّ دخلت مرحلة جديدة شملت الثورة، والنضال، والانهزام. عبّر الرّاوي من خلال هذه الأحداث عن رؤيته الإيديولوجيّة.

تعرّض الرّاوي لمضايقات عديدة من الجماعات الإسلاميّة أيّام الثانويّة. وأُجبر على الخضوع لهم.

هو، فضلًا عن ذلك، ظلّ شديد التفاعل مع الممارسات الشّاذّة للإسلاميّين الوارد ذكرهم في الرّواية حصرًا: “أذكر أحد التلاميذ، كان يسمّى “مصطفى بن بلة” وكان لاعب كرة قدم ممتاز […] ونظرًا إلى تداول اسمه “بن بلة” المستمرّ […] وللحدّ من ذكر هذا الاسم الخطير في المدرجات والملاعب، فقد قرّرت إدارة الثانويّة بعد اجتماع مهمّ […] تغيير اسم التلميذ […] ومناداته “بيله” (pelé)”([18]).

يستغرب الرّاوي هذا التعسّف ويستنكره. “مرّة أخرى، وجد التلميذ “بن بلة” نفسه وباقتراح وضغط من بعض الطلاّب القادمين من الجامعة مضطرًّا إلى تغيير اسمه، فمن جهة كان يراد له التخلّص من اسم “بن بلة” لأنّه يشترك فيه مع رئيس كان اشتراكيًّا مبشّرًا بفكرة التسيّر الاشتراكيّ للمؤسّسات والتأميم، وصديق كفّار العالم من “بريجنيف” إلى “شي غيفارا” إلى “كاسترو””([19]).

حجّة أولئك أنّ التحرّر الماركسيّ يفترض أن يكون تحرّرًا من الاستغلال الذي يحوّل الإنسان إلى أداة، أو إلى آلة إنتاجيّة. كما يفترض أيضًا، التحرّر من الارتباطات، والقيود الدينيّة، وهذا لا يتناسب مع الجماعات الإسلاميّة. لهذا يجب على الجميع ألاّ يتشبّهوا بهم ولو بالأسماء.

نرى كلّ هذا، من خلال الرّاوي الذي يروي بضمير “الأنا” دائمًا. أمّا منظوره الرّوائي فارتبط باختياره للصيغة أي بمن يرى، ويدرك، ويحصل على المعلومات في النصّ، وباختيار الرّاوي لتنظيم البرنامج السرديّ فيها. لقد اختلف منظوره “عن الصوت الذي يعنى بمن يتكلّم، أي بالسّرد”([20]).

نلاحظ أنّ الأحداث السياسيّة تحديدًا جرت وفقًا للبرنامج السرديّ للشخصيّة الرئيسة، أي الرّاوي نفسه. يمكننا القول، تبعًا لذلك، إنّ التبئير هو تبئير داخليّ، من نوع الرؤية مع.

قد يبدو موقفه واضحًا من خلال كشفه عن رؤيته في الزمن العربيّ أنذاك. لم يقتصر التمرّد على السّلطة، بل تمرّد على الخدمة العسكريّة التي لم يكن يؤدّيها إلاّ الفقراء وأبناء الفلاّحين. انتقل هو وأخوه “مازار” إلى فرنسا هربًا من هذه الخدمة: “جاء هذا البلد هاربًا مثلي من الخدمة الوطنيّة التي يؤدّيها أبناء الفلاّحين ويعفى منها أولاد المسؤولين”([21]).

كانت جهوده قائمة على وعي ذاتيّ وموضوعيّ، يمشي منفردًا لكنّه مع الجماعة التي تقوده إلى التغرّب، والغرق، والتفكّك الاجتماعيّ، والصراعات التي لا مفرّ منها، وإلى السير في متاهات تعود إلى الماضي، وتغزو المستقبل.

تضعنا، بذلك، الرّواية أمام جرد تاريخيّ واجتماعيّ لمراحل زمانيّة حسّاسة من تاريخ الوطن العربيّ والجزائريّ، من خلال الإضاءة على مراحل مليئة بالأحداث، بَدءًا بالاحتلال والاستعمار، وصولًا إلى ظهور الجماعة التكفيريّة.

كما تضعنا أمام محاولة الرّاوي إظهار ما عاناه الشعب الجزائريّ بعد الاستقلال من موجات التمرّد والخضوع من الأطراف المتعدّدة المتنازعة على السّلطة.

تُظهر، من خلال ذلك، الصّراعين السياسيّ والاجتماعيّ، على صعيد العادات، والتقاليد، والقيّم، أيضًا التمرّد على الذات، وخضوع الفئات الضعيفة للفئات السّلطويّة الطاغية. أثّر هذا التمرّد والخضوع، من خلال الصراع على السّلطة، على “أنا” الرّاوي، التي تشظّت بسبب الصراعات السياسيّة المتلاحقة. استحضر الرّاوي الماضي، وتصوّر المستقبل ليحقّق ذاته، وليتجنّب آلامه، إلا ّ أنّه خضع للواقع، ولمبدأ المسايرة الاجتماعيّة. كما مرّ بمراحل اختلطت فيها ثنائيّات النهوض، والتحرّر، والاستقلال، وثنائيّات التراجع، والانكسار التدريجيّ، ما جعل “أناه” تتخبّط في عالم الداخل، وعالم الخارج. دخلت في عمليّة صراع جديدة.

ابتدع الرّاوي مواقف وتيّارات للكشف عن السّيّئ أمام المتلقّي، وليفجّر الوعي أمام “الأنا العليا” التي تدّعي الحرّيّة، والتي اكتسبت من وجع الواقع، والتجارب ما لم تعوّض به عن حرمانها وطموحها، معتقدةً بأنّها تعيد خلق ذاتها من جديد، لكنّها تنتهي بطرق مسدودة نتيجة ترك ما لا ينبغي تركه، والإقبال على ما لا ينبغي الإقبال عليه. كما حاول اصطناع عالم بديل. استند إلى زمن اجتماعيّ مليء بالتناقضات، ليبيّن الحدث، ويضخّم في حجم “الأنا”، والعواطف وانعكاس الأحداث على ذاته. أظهر هذه الانعكاسات بفنّيّة عالية. رأينا الحقائق من منظوره، إذ طرح ما رآه من انهزام وتقهقر وتسيّب وتفتّت بطريقة عفويّة.

بحث عن عالم آخر من خلال اصطناعه للثنائيّات الضدّيّة التي زادت الهُوّة بينه وبين الواقع المنكسر. إنّه الواقع الجزائريّ الحافل بالقضايا، والتجارب التي نظر إليها بطريقة مغايرة، كما عكس تقاليد الشعب الجزائريّ، وحياته، وثقافته. توغّل في هذه الثنايا، فوجدها آفاقًا متكسّرة.

توصّلنا في نهاية البحث إلى أنّ الراوي قدّم التمرّد في أكبر تجلّياته، من خلال تمرّده على ذاته، وتمرّد الشّخصيّات الروائيّة الأخرى على العادات، والتقاليد، والقيم، والأعراف من جهة، وعلى السّلطة من جهة أخرى، لإظهار ما عاناه الشّعب الجزائريّ من قمع وعنف. الأمر الذي جعله شعبًا متمرّدًا حينًا، يسعى إلى الكمال لإثبات الذّات عبر هذا التمرّد. في المقابل واجه الخضوع أحيانًا أخرى. يعود السبب إلى أنّ للمجتمع أعرافه التي تحدّ من حرّيّة الفرد، والسبب الآخر السّلطة التي فرضت على المواطن تصرّفاتها، ومواقفها، وتيّاراتها. أدّى هذا التأرجح بين التمرّد، والخضوع إلى نشوء صراعات، وتوتّرات نفسيّة، اضطرابات ظهرت في تصرّفات الراوي، والشخصيّات الروائيّة كافَّة.

فهرس المصادر والمراجع

  • أيّوب، نبيل، النقد النصّيّ (2) وتحليل الخطاب (نظريّات ومقاربات)، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون،2011.

2- أيّوب، نبيل، الطرائق إلى نصّ القارئ المختلف (2) وسيميائيّة الخطاب النقديّ. بيروت، مكتبة لبنان ناشرون،2011.

3- جبر، جميل، جبران في عصره وأثاره الأدبيّة والفنّيّة. بيروت، مؤسّسة نوفل، ط1، 1983.

4- الزاوي، أمين، نزهة الخاطر. بيروت، منشورات ضفاف والاختلاف، ط1، 2013.

5- شوقي بدر، يوسف، إشكاليّة الاغتراب في الرواية. مجلّة الطريق، بيروت، السنة الثامنة والخمسون، العدد الثاني، 1999.

6- عبّاس، فيصل، معرفة الشخصيّة (تقنيّات تفهّم الموضوع والروشاخ). بيروت، دار المنهل العربيّ للطباعة والنشّر، ط1، 2003.

7- عبده، سمير، التحليل النفسيّ لشخصيّة الديكتاتور. دمشق، دار حسن ملص للنشر، ط1، 2002.

8- فرويد، سيغموند، مدخل إلى التحليل النفسيّ. ترجمة جورج طرابيشيّ، بيروت، دار الطليعة، ط4، 1986.

9- الماضي، شكري عزيز، في نظريّة الرواية. بيروت، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1986.

10- نعمة، رجاء، صراع المقهور مع السلطة، دراسة في التحليل النفسيّ لرواية موسم الهجرة إلى الشّمال، (د. ت).

11- نسر، عليّ، أمين الزاوي في نزهة الخاطر إلى أحوال الجزائر، جريدة الحياة، بيروت، الأحد 8/ 12/ 2013.

 

** طالبة دكتوراه، الجامعة اللبنانيّة، السنة الثانية، لغة عربيّة.

([1]) الزاوي، أمين، نزهة الخاطر. بيروت، منشورات ضفاف والاختلاف، ط1، 2013 ص: 33.

([2]) الزاوي، أمين، نزهة الخاطر. ص: 65.

([3]) الزاوي، أمين، نزهة الخاطر. ص: 90.

([4]) الزاوي، أمين، نزهة الخاطر، م. ن. ص: 92.

([5]) م. ن. ص: 95.

([6]) فرويد، سيغموند، مدخل إلى التحليل النفسيّ. ترجمة جورج طرابيشيّ، بيروت، دار الطليعة، ط4، 1986، ص: 38.

([7]) الزاوي، أمين، نزهة الخاطر. ص: 101.

([8]) أيوب، نبيل، الطرائق إلى نصّ القارئ المختلف. (2) وسيميائيّة الخطاب النقديّ. بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، 2011. ص: 181.

([9]) عباس، فيصل، معرفة الشخصيّة (تقنيّات تفهّم الموضوع والروشاخ). بيروت، دار المنهل العربيّ للطباعة والنشر، ط1، 2003، ص:73.

([10]) م. ن. ص:78.

([11]) شوقي بدر، يوسف، إشكاليّة الاغتراب في الرواية. مجلّة الطريق، بيروت، السنة الثامنة والخمسون، العدد الثاني، 1999، ص: 41.

([12]) عبده، سمير، التحليل النفسيّ لشخصيّة الديكتاتور. دمشق، دار حسن ملص للنشر، ط1، 2002، ص: 29.

([13]) جبر، جميل، جبران في عصره وأثاره الأدبيّة والفنّيّة. بيروت، مؤسّسة نوفل، ط1، 1983، ص:41.

([14]) الماضي، شكري عزيز، في نظريّة الرواية. بيروت، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1986. ص: 56.

([15]) نعمة، رجاء، صراع المقهور مع السلطة، دراسة في التحليل النفسيّ لرواية موسم الهجرة إلى الشّمال، (د. ط. ت). ص: 83.

([16]) نسر، عليّ، أمين الزاوي في نزهة الخاطر… إلى أحوال الجزائر. جريدة الحياة، بيروت، الأحد 8/ 12/ 2013.

([17]) الزاوي، أمين، نزهة الخاطر. ص: 183.

([18]) الزاوي، أمين، نزهة الخاطر. ص: 70.

([19]) م. ن. ص: 71.

([20]) أيوب، نبيل، النقد النصّيّ (2) وتحليل الخطاب (نظريّات ومقاربات)، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، 2011، ص: 97.

([21]) الزاوي، أمين، نزهة الخاطر. ص: 22.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website