foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

عطاء العرب الحضاري في ميدان التاريخ

0

عطاء العرب الحضاري في ميدان التاريخ

The cultural contribution of the Arabs in the field of history

 

د. حسن شقور([1]) Dr.Hasan chaccour

تاريخ الإرسال:4-1-  2024                                                                  تاريخ القبول: 15-1-2024

تحميل نسخة PDF

د. حسن شقور

ملخص البحث: إن موضوع البحث موضوع مهم، وآية ذلك أنّه يتصل بقضية فكريّة وهي عطاء العرب الحضاري في ميدان التّاريخ.

كما أنّ غايات بحثي عديدة، أبرزها تبيان تطور الحركة التّاريخيّة وتطور الفكر السياسي والاجتماعي والعلمي للأمم، والشّعوب على قاعدة الانتفاع من التّاريخ وإبراز الحقائق التي يتعيّن النّظر إليها بدراسة التّفاصيل التّاريخيّة البحتة لألفاظ، ومفردات تُستخدم لمعنى التاريخ والتّأريخ في العصور اليونانية والرومانيّة والإسلاميّة، وصولًا إلى العصور الحديثة من خلال المشاهدات العينيّة وجمع المخطوطات وتسخير العلوم الأخرى لعلم التاريخ وفنه.

كما يستهدف البحث توضيح قواعد كتابة التّاريخ من خلال الاعتماد على كتب الرّحلات ودراسة الآثار والمذكرات الشّخصيّة والوثائق والسِيَر الذّاتيّة.

كما يقدّم البحث المعطيات والبيانات التي تضمنتها بعض المصادر، حول نشأة علم التّاريخ عند العرب والمسلمين وأهمّيّة القرآن الكريم في تحفيز المسلمين، وتشجيعهم على الاهتمام بعلم التّاريخ وتدوين أخبار العرب السّابقين للإسلام.

ومن المعلومات المهمّة التي قدّمتها في البحث العوامل التي ساعدت على نمو، التأريخ وتطوره عند المسلمين من خلال أخبار الماضين، وأحوال العرب والسِيرة النّبويّة.

كما وتعود أهميّة البحث إلى المفكّرين، والمؤرّخين العرب الذين اهتموا بالكتابة عن مناهج الفكر التّاريخي العربي ومصادره.

الكلمات المفاتيح: القادة، المعارك، الدول والمناطق، المصطلحات، الأعلام، المستشرقون ،المؤلفات.

Research Summary

The subject of the research is an important one, and the implication of this is that it is related to an intellectual issue, which is the cultural contribution of the Arabs in the field of history.

The goals of my research are many, the most prominent of which is explaining the development of the historical movement and the development of the political, social and scientific thought of nations and peoples on the basis of benefiting from history and highlighting the facts that must be looked at by studying the purely historical details of the words and vocabulary used to mean history and historiography in the Greek, Roman and Islamic eras, all the way to the modern eras through visual observations, collecting manuscripts, and harnessing other sciences to the science and art of history.

The research also aims to clarify the rules of writing history by relying on travel books, studying antiquities, personal memoirs, documents, and biographies.

The research also presents the data included in some sources about the emergence of the science of history among Arabs and Muslims and the importance of the Holy Qur’an in implementing and encouraging Muslims to take an interest in the science of history and recording the news of the Arabs who preceded Islam.

Among the important information that I provided in the research are the factors that helped the growth and development of Muslim history through the news of the past, the conditions of the Arabs, and the biography of the Prophet.

The importance of the research also goes back to Arab thinkers and historians who were interested in writing about the methods of Arab historical thought and its sources.

Keywords: leaders, battles, countries and regions, terminology, flags, orientalists, writings.

 

مقدمة: إنّ التّاريخ لأمّة أو شعب أو لمرحلة تاريخيّة أو لعلم من الأعلام، إنّما يهدف إلى إظهار تطور الحركة التّاريخيّة للأمم والشّعوب، وإظهار تطور الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري والعلمي أيضًا. وهو دراسة لمراحل النّمو والانحطاط التي مرّت بها تلك الشّعوب، وبمعنى آخر فإنّ أهداف التّاريخ إنما تكمن في العمل لمعرفة ماضي البشريّة بإيجابياتها وسلبياتها مع الحرص على إحياء الإيجابيات، والابتعاد من السّلبيات والاستفادة من التّجارب السّابقة على قاعدة “الانتفاع من التّاريخ” ما يعزز أهمّيّة التّاريخ في ميدان بناء المواطن والوطن.

والتاريخ كما يقول ابن خلدون هو “فن عزيز المذهب، جم الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا..” وفي مكان آخر يقول في التّاريخ “… إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيّام والدّول والسّوابق من القرون الأولى… وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق…”(۱). وعدّ بعض المؤرخين القدامى أنّ التّاريخ هو صنف من علوم الخبر بما يتضمن من أخبار متنوعة ومتعددة(٢).

وعلى الرّغم من تعدد نظريات ومذاهب الفكر التّاريخي، فإنها تتفق جميعها على أنّ مهمة المؤرخ هي في الكشف عن ماضي الشّعوب، والغور في خفايا تاريخها الشّامل، وتتبع تطورها منذ ما قبل التّاريخ.

دلالات التأريخ والتّاريخ: إنّ لفظ التّاريخ يدل على معان متفاوتة، فيعدُّ البعض أن التّأريخ يشتمل على المعلومات الطبيّة والعلميّة والكونيّة. وهنا يمكن أن يسمّى تاريخ العلم، والمؤرخون يطلق عليهم اسم مؤرخي العلوم. وبذلك يتبيّن أنّ بعض المؤرخين القدامى يبدأون تدوين التّاريخ بدراسة تاريخ الأرض والكون، بينما يرى البعض الآخر أن معنى التّاريخ هو ما يتعلق بدراسة التّفاصيل التّاريخيّة البحتة، واستقصاء الأحداث الماضية من دون الإشارة إلى بدايات تكوين البشريّة. والواقع فإنّ اللبس ما يزال موجودًا إلى الآن بين المعنيين بكتابة التّاريخ سواء في البلدان العربيّة أو في أوروبة والولايات المتحدة الأميركية.

فلفظة (HISTOIRE) الفرنسية و(HISTORY) الإنكليزية تستخدم لمعنى التاريخ والتّأريخ، لذلك يميل بعض المؤرخين الفرنسيين إلى استخدام لفظ (HISTOIRE) (H) للدّلالة على ماضي التاريخ وأحداثه و (h) (histoire) للدّلالة على تاريخ العلوم بينما يميل أغلب المؤرخين إلى أنّ التّاريخ هو بحثٌ وسبر أغوار الماضي، والاطلاع على حقائقه وهذا ما تعنيه الكلمة اللاتينيّة (HISTORIA)(3).

أمّا صناعة التّاريخ أو طرق ومناهج التّأريخ فيعرف باسم (Methodology) وهو الذي أسماه د. أسد رستم (مصطلح التّأريخ) تأثرًا بعلم (مصطلح الحديث). ولا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّه يوجد تمييز وفرق بين التّأريخ وبين التّاريخ، فالتّاريخ كأحداث وماض وتطورات وواقع وجد قبل التاريخ، بينما كان التّأريخ حاجة ملحة استلزمتها التّطورات التّاريخيّة، واستلزمتها الحاجة لتسجيل تلك التّطورات والأحداث حفظًا لها وخوفًا عليها من الضياع.

إن أصحاب المذاهب والمناهج التّاريخيّة في العصور اليونانيّة، والرّومانيّة والإسلاميّة وفي العصور الحديثة اتبعوا وسائل في كتابة التاريخ وقواعد. وبين هذه الوسائل – التي ما يزال بعضها مستخدمًا – على سبيل المثال لا الحصر:

١ – المشاهدات العينيّة: وهي تعبّر عن الأحداث المعاصرة للمؤرخ أو سماع الأخبار بالتّواتر، وإجراء المقابلات الشّخصيّة لبعض الأشخاص المعاصرين للحدث، وإجراء المراسلات مع المهتمين والدارسين والمتخصصين سواء في الدّاخل أو في الخارج.

۲ – جمع المواد التّاريخيّة من المخطوطات والكتب المتوفرة.

٣ – تسخير العلوم الأخرى لعلم وفن التّاريخ كأنّ نستفيد من الجغرافيا في كتابة تاريخ المدن والبلدان، وكأن يُستفاد من علم الأجناس الطبيعي أو الحضاري في التأريخ للبشريّة.

٤ – الاعتماد على الرّحلات وكتب الرحلات ودراسة الآثار والنّقوش (الأبيغرافيا) والمستندات الموثوقة.

5 – معرفة فقه اللغة وهو علم “الفيلولوجيا” (Philology) إذ لا بدّ للمؤرخ من معرفة النّصوص التّاريخيّة ولغة العصر الذي كتبت فيه وفهمها. ويرتبط بهذا العلم علم الكتابات القديمة أو قراءة الخطوط، إذ يتعرّف المؤرخ إلى الخطوط الكتابيّة القديمة التي تبدو أحيانًا غير مفهومة أو غير مقروءة.

٦ – الاعتماد على الوثائق (Documents) أو على الوثائق القنصليّة الدّبلوماسيّة (Diplomatic) وهي الوثائق والمراسلات والتّقارير الأصليّة الرّسميّة.

7 – دراسة المذكرات الشّخصيّة التي تركها القادة، ورجال السياسة في التّاريخ القديم والوسيط والحديث وبعضها يعرف باسم “سيرة ذاتيّة” (Auto – Biography).

۸ – دراسة النّقود أو ما يسمى النّوميات أو النّميات (Numismatics) (Numismatiques) والأختام وبواسطتها يمكن تحديد الحقب التّاريخيّة، وتحديد حكم الأباطرة والملوك والسلاطين وذلك اعتمادًا على التّواريخ والصور والأسماء المسجلة عليها.

۹ – دراسة سجلات وتحقيقها، ووثائق المحاكم الشّرعيّة الإسلاميّة ووثائق الكنائس والأديرة والأماكن الدّينيّة الأخرى، لأنّ دراستها تعبّر عن التّاريخ الاجتماعي والسياسي والدّيني والحضاري بشكل عام.

۱۰ – وضع الهوامش (Footnote) وذكر المصادر المعتمد عليها.

١١ – التّعريف بالأشخاص والأماكن الواردة في المخطوط، وتفسير ما غمض من عبارات وألفاظ.

۱۲ – دراسة التّراجم (Biography) والسير الذّاتيّة (Autobiography) والمذكرات الشّخصيّة (Memoirs).

١3 – البحث عن أسباب الأحداث وربطها بالنّتائج والابتعاد من التّفصيلات الواهية.

١4 – نقد الأصول نقدًا داخليًّا وخارجيًّا أي في الشكل والمضمون، والمعلومات الواردة في النّص ومن حيث الوثيقة ذاتها(٤).

نشأة علم التّاريخ عند العرب والمسلمين: نشأ علم التّاريخ العربي والإسلامي نتيجة لاهتمامات العرب بتدوين الأخبار والأحداث السّابقة لعصرهم والمعاصرة لهم، ولم تكن كتابة التاريخ عندهم في الحِقب الأولى بالمعنى نفسه الذي ساد وعُرف فيما بعد، فقد كان قبل الإسلام يتمثل بتدوين الأخبار السّالفة كما كان في بداية العهد الإسلامي مهتمًا بتدوين أحاديث الرسول محمد صلى االله عليه وسلم وأعماله، فإنّ كلمة التّاريخ التي يمكن عدّها منذ القرن التّاسع الميلادي تعبيرًا فنيًّا خاصًا مرادفًا في العموم لكلمة (History) أو (Histoire) إنما هي بالنسبة إلى علم التّاريخ العربي القديم كانت كلمة مختلفة تمامًا، إذ يبدو أنّ أصول كلمة تاريخ مستمدة من الكلمة السّاميّة “يرخ” التي تعني القمر أو الشّهر وهي في الأكاديّة “أرخو” وفي العبريّة “يرخ” أو “ياريخ” بمعنى القمر. غير أن ذلك لا يعني أن كلمة تاريخ مشتقة من الأكاديّة أو العبريّة أو الأثيوبيّة أو الآراميّة أو السريانيّة، ولكن من الثّابت أن المناطق العربيّة الجنوبيّة اليمنيّة استخدمت لفظ “ورخ” و”توريخ” قديمًا ومنها جاءت كلمة تاريخ ومؤرخ ومؤرخ وعلى هذا فإنّ كلمة تاريخ لفظ عربي أصيل، وإنّ استخدمت الشّعوب القديمة لفظًا مماثلًا له. وتأريخ مصدر من أرّخ بلغة قيس وهذا اللفظ شائع عند العرب أو “ورخ” بلغة تميم. ومنهم من زعم بأنّ لفظ تأريخ تعريب لكلمة “ماه روز” الفارسيّة ومعناها حساب الشّهور والأيام أو التّوقيت حسب القمر(٥). غير أن استخدام كلمة تاريخ وردت في بردية في زمن الخليفة عمر بن الخطاب يرجع تاريخها إلى العام ۲۲هـ ما يشير إلى أن اللفظ كان متداولًا في تلك الحقبة. وقد أكد “جب” (H.Gibb) في كتابه (علم التاريخ) من أن تأريخ لفظ عربي بمعنى العهد أو الحساب أو التوقيت، أي تحديد الوقت وتحديد الشّهر(6).

ولا بد من الإشارة إلى أن كلمة تاريخ بدأت في صدر الإسلام تعني التّقويم، والتّوقيت ثم أصبحت تعني تسجيل الأحداث على أساس الزّمن وتحمل اسم الأخبار، ثم بدأت كلمة تاريخ تحلّ تباعًا في الكتابة التّدوينيّة العربيّة لا سيما في أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث الهجري ومن الأهمّيّة بمكان القول إنّ العرب قبل الإسلام اهتموا بالتأريخ للأحداث المهمّة والوقائع المشهورة مثل عام الفيل، وبناء الكعبة، وكانت بعض الأحداث التاريخية تحفظ بواسطة النّقوش أو بواسطة الرّواية الشّفويّة، ولا شك بأنّ الأحداث الكبرى المهمّة كانت تستثير اهتمامًا تلقائيًّا من قبل العرب.

ومن النّقوش القديمة نقش عربي باقٍ، وهو نقش امرئ القيس الذي يرجع إلى العام ٣١٨م، وقد وضع لتخليد الأعمال التّاريخيّة للأمير المتوفى كما وجد نقش تدمير خيبر العام ٥٧٧م، فضلًا عن ذلك فإنّ الهمداني يشير في كتابه “الإكليل” الجزء الأول إلى: “ما ادّخرته ملوك حمير في خزائنها من مكتوب علمها وإلى زبر حمير القديمة ومساندها الدّهرية”، وأشار إلى أمثلة كثيرة تؤكد على وجود تسجيلات لدى بعض الملوك والقبائل، والأسر وإنّ ثمة عادة مألوفة بذلك استمرت بعد الإسلام.

وكشفت البعثات العلميّة في شبه الجزيرة العربيّة عن وجود المئات من النّقوش لتاريخ العرب قبل الإسلام. ففي العام ١٨٤٣م، كشّف العالم الفرنسي ” توما آرنو” عن (٥٦) نقشًا من نقوش اليمن وكان أثر ذلك فك رموز الخط العربي القديم الجنوبي الذي أطلق عليه في البداية الحروف الحميريّة، وفي العام 1870م، اكتشف العالم الفرنسي ” جوزف هاليفي” (٦۸٦) نقشًا في نجران وصنعاء.

وكانت أهمّيّة اكتشاف هذه النّصوص هي في الكشف عن تاريخ المنطقة، والأحداث التي تضمنتها والأحداث التي أرخ لها أبناء شبه الجزيرة العربيّة.

ويرى بعض العلماء والمؤرخين أنّ أقدم نقش عربي هو نقش امرئ القيس، غير أنّ الدّراسات الحديثة أثبتت حتى الآن أنّ أقدم نقش عربي وجد في مصر، يعود إلى عصر البطالسة ۳۰۱ – ۳۰ ق.م. ومدوّن بالخط العربي القديم على تابوت التّاجر المعيني “زيد إيل”.

والحقيقة فإنّ أقدم المؤلفات التّاريخيّة العربيّة كانت مؤلفات أحداث قبل أن تكون تراجم وما يؤكد ذلك كتاب “عوانة بن الحكم الكوفي” المتوفى ١٤٧هـ / ٧٥٨م المسّمى كتاب التاريخ، وهو يتناول أحداث التاريخ الإسلامي في القرن الأول الهجري، وهو أول كتاب على ما يبدو يحمل اسم هذا العلم في الإسلام ثم كتب هشام بن محمد بن السّائب الكلبي المتوفى سنة ۲۰٤هـ / ۸۱۹م كتاب التّاريخ بعنوان أخبار الخلفاء كما كتب الهيثم بن عدي المتوفى سنة ٢٠٦هـ / ۸۲۱م كتاب التاريخ على السنين. وبعد هذه المرحلة استقرت تسمية ولفظ تاريخ ثم انتشرت، وبدأت العشرات من الكتب في القرن الثالث هجري تحمل اسم تاريخ كذا.

وروى ابن أبي خيثمة عن طريق محمد بن سيرين قال: “قدّم رجل من اليمن فقال رأيت باليمن شيئًا يسمونه التّاريخ يكتبونه من عام كذا، وشهر كذا فقال عمر هذا حسن فأرخوا”.

والحقيقة فإنّ القرآن الكريم كان حافزًا ومشجعًا للمسلمين على الاهتمام في التاريخ، فقد ورد فيه الكثير من الأحداث تسجيلًا لتاريخ المجتمعات السّابقة على الإسلام، فأوردها أحيانًا بشيء من التّعميم وأحيانًا بشيء من الاختصار أو التّفصيل لأنّ الهدف من إيرادها هو العظة، وإعطاء أمثلة على الشعوب والقبائل، والأنبياء قبل الإسلام ومن هنا حاول المسلمون أن يبحثوا عن تاريخ هذه الشّعوب والقبائل والأنبياء، والرّسل الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم فإلى جانب ذكره لقبيلة قريش التي كانت موجودة في القرن السابع الميلادي، فقد أورد القرآن الكريم قبائل عاد وثمود فأراد المسلمون أن يتوسعوا في فهم هذه القبائل ومكان إقامتها، وتاريخها فعادوا إلى المصادر العربيّة واليونانيّة واللاتينيّة فأخذوا منها بعض المعلومات التّاريخيّة وأضافوا إليها معلوماتهم البدائيّة(٧).

هذا ويعدُّ أول تدوين لأخبار العرب السّابقين للإسلام كان على عهد معاويّة بن أبي سفيان في أواسط القرن الأول الهجري، ويذكر ابن النّديم في الفهرست بأنّ أول تدوين في العصر الإسلامي عن أخبار الجزيرة في عصر ما قبل الإسلام هو عند “عبيد بن شريه” الذي أمره معاويّة أن يدوّن أخبار العرب والعجم، وقيل إنه ألّف كتابًا لمعاوية اسمه كتاب الملوك وأخبار الماضي وهو يتضمن الكثير من أخبار العرب في الجاهليّة.

أمّا ” وهب بن منبه ” فقد كان يمنيًّا من أصل فارسي وقيل إنّه كان يهوديًّا، وأسلم وينسبون إليه معظم الإسرائيليات الواردة في المصادر العربيّة، وقد ركز وهب اهتمامه على أخبار اليمن في الجاهليّة ومن الكتب المنسوبة إليه ” الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم” وتمتاز كتابات عبيد ووهب بالطابع الأسطوري والخُرافي وينسب إلى وهب كتاب “المبتدأ” الذي يتحدث فيه عن بدء الخليقة، وقد اعتمد عليه ابن قتيبة في كتاب “المعارف” والطبري في كتاب ” تاريخ الرّسل والملوك” والمقدسي في كتابه ” البدء والتاريخ”.

العوامل المساعدة لنمو التاريخ عند المسلمين: أمّا العوامل التي ساعدت على نمو وتطور التّأريخ عند المسلمين فهي عديدة منها:

1 – الأحداث التي وردت في القرآن الكريم، وحضّ أو حثّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على العلم والتّعلم والتّدوين وينسب إليه قوله: “لا تدع التّاريخ فإنّه يدل على تحقيق الأخبار وقربها وبعدها.

ولقد كان التاريخ يملأ تفكير الرّسول لدرجة كبيرة، وقد ساعد ذلك في تقدم التّاريخ الإسلامي في ما بعد على حد قول “روزنثال” فضلًا عن أنّ أحاديثه الشّريفة شجعت المسلمين على تسجيلها. وأقدم من كتب فى السّيرة “عروة بن الزّبير بن العوام” المتوفى العام ٩٣هـ.

۲ – رأى المسلمون أهمّيّة ظهور الإسلام، والتّحولات السياسيّة الاجتماعيّة التي أوجدها في المجتمع العربي ومدى تأثيراته على الدول المجاورة مثال الدّولة الفارسيّة والرّومانيّة والحميّريّة، ولذا رأوا أهميّة تدوين الأحداث المهمّة التي أحدثها الإسلام ضد الأوضاع القديمة السّائدة.

٣ – إنّ المعارك الكبرى التي خاضها المسلمون والتّفصيلات والملابسات التي أحاطت بها، كانت من جملة العوامل التي شجعت على كتابة ونمو التّاريخ العربي والإسلامي، وكانت معارك بدر وأحد ومكة واليّرموك والقادسيّة والجمل وصفين وسواها من المعارك عاملًا مهمًّا من عوامل اتجاه العرب والمسلمين نحو التّدوين.

٤ – حاجة المسلمين إلى معرفة الأنظمة السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة، والاجتماعيّة السّابقة على أنظمتهم، فتحولوا إلى المصادر القديمة وإلى التّدوين للتّمييز بين الأنظمة السّابقة والأنظمة الإسلاميّة، وللاستفادة من تلك الأنظمة التي يمكن أن يتوافق بعضها مع الدّين الجديد.

٥ – أن وضع التّقويم الهجري في عهد الخليفة عمر بن الخطاب أدخل عاملًا مساعدًا على فكرة التّأريخ عند المسلمين، كأن يقال إنّ حدثًّا ما وقع في عام كذا من الهجرة، أو قبل الهجرة، فأصبح التّقويم الهجري فاصلًا تاريخيًّا بين مرحلتين على غرار التّقويم الميلادي.

٦ – تشجيع الخلفاء والحكام في العهود الأمويّة والعباسيّة والفاطميّة والأيوبيّة والمملوكيّة والعثمانيّة وسواها على التّدوين التّأريخي.

والحقيقة أنّ هناك عوامل عديدة أدت إلى تطور ونمو علم التّاريخ العربي والإسلامي، غير أنّه لا يمكن في هذا المجال حصرها جميعها، فإنّ أهل السيرة والأخبار قد رسموا في أواخر القرن الثاني الهجري الأبواب الأساسيّة للتّاريخ عند المسلمين، والعرب وهي لا تعدوا أمورًا أربعة:

١ – أخبار الماضين.

٢ – أحوال العرب قبل الإسلام.

٣ – السّيرة.

٤ – أخبار الدّولة الإسلاميّة.

ولا بدّ أن نشير في هذا المجال أنّ المفكرين المسلمين، والعرب اهتموا بعلم مهمّ من علوم الفهرسة والتّوثيق مرتبط إلى حدّ كبير بالدّراسات التّاريخيّة، ويكفي أن نعطي مثالًا لهذا النّوع ابن أبي أصيبعة الذي فهرس للأطباء وكتبهم تحت عنوان “عيون الأنباء في طبقات الأطباء” وابن النّديم الذي ألف كتابًا اسماه “الفهرست” ضمنه فهارس بأسماء كتب التّاريخّ وكتب الأخبار والسّير وكتب عن الرسول وسيرته وعن أخبار الخلفاء الراشدين والخلفاء عمومًا. كما تضمن الفهرست كتب التّاريخ عن حياة الوزراء والكتّاب والولاة والقضاة والشّرطة وكتب عن العرب والعجم والرّوم.

وللطوسي فهرست آخر يماثل فهرست ابن النّديم. والجدير بالذّكر أنّه عندما نتحدث عن المؤرخين العرب والمسلمين وعن علم التّاريخ العربي والإسلامي، فإنّ ذلك لا يعني بأن المؤرخ العربي والإسلامي كان مؤرخًا فحسب، بل كان أحيانًا مؤرخًا وأديبًا وعالمًا وجغرافيًّا وكثيرة هي الكتب الأدبيّة التي تضمنت معلومات تاريخيّة والعكس صحيح، وكثيرة هي الكتب التّاريخيّة التي تضمنت معلومات جغرافيّة والعكس صحيح.

والحقيقة فإن كثرة المادة التّاريخيّة وتوفرها شجعت المؤرخين على الغوص في حِقب تاريخيّة متباعدة ومتعددة، ثم أخذ التّاريخ بالنّماء كعلم من أجل العلوم عند المسلمين وأعظمها شأنًا، وأخذ المؤرخون مكانتهم بين علماء الدّولة الإسلاميّة كرجال لهم مكانتهم، بل وخطرهم في الحياة العامة السياسيّة والأدبيّة والاجتماعيّة. وتضاءل مدلول لفظ “الإخباري” الذي قال فيه السّمعاني (المتوفى العام ٥٦٢ه): “ويقال لمن يروي الحكايات والقصص والنّوادر الإخباري”. وقد برز من بين مؤرخي القرن الثالث ابن قتيبة (المتوفى العام ۲۷۰ه) صاحب كتاب “المعارف” والبلاذري (المتوفى العام ۲۷۹هـ) صاحب كتاب “فتوح البلدان وأنساب الأشراف” واليعقوبي (المتوفى العام ٢٨٤ه) صاحب “التّاريخ” والدينوري (المتوفى العام ۲۹٠هـ) صاحب “الأخبار الطوال” وابن جرير الطبري (المتوفى ۳۱۰هـ) صاحب “تاريخ الأمم والملوك”.

وبلغ من أهمية تقدير المسلمين للتّأريخ أن ألّف بعض مفكريهم كتبًا خاصة عن التّاريخ وأهدافه ومراميه وفوائده. كما تصدى بعضهم للدّفاع عنه، ومن بين هؤلاء السّخاوي الذي ألّف كتابًا خاصًا بعنوان “الإعلان بالتّوبيخ لمن ذمّ التّاريخ”(8). ومن الأهمية بمكان القول إنّه نتيجة لأهمّيّة علم التّاريخ عند العرب، فقد قام عدد من المستشرقين بدراسة هذا العلم لكشف الجوانب الخفيّة في مناهج الفكر التّاريخي العربي والإسلامي، ومن بين هؤلاء(۹):

۱ – فردناند وستنفيلد (F. Wuestenfeld) الذي أصدر بحثًا مهمًّا في مؤرخي العرب العام ۱۸۸۲ جمع فيه حوالي ٥٩٠ اسمًا من أسمائهم، وضمنه مصنفاتهم ومؤلفاتهم في القرون العشرة الأولى بعد الهجرة.

۲ – مرجليوث (D. Margolioth)، وقد نشر عددًا من الدّراسات والمحاضرات التي كان قد ألقاها في جامعة كلكوتا بالهند العام ۱۹۲۹ عن مؤرخي العرب في القرون السّتة الأولى للهجرة.

٣ – بروكلمان (C. Brockelmann) وقد أصدر معجمًا لمصنفات العرب جميعها في العصور الإسلاميّة، وتضمن مجلدين نشرهما في برلين ۱۸۹۸ – ۱۹۰۲، ثم أضاف إليهما ثلاثة مجلدات نشرها بین 1937 – 1942.

بالإضافة إلى هؤلاء هناك بعض المستشرقين الذين بحثوا أيضًا في مناهج الفكر التاريخي العربي ومصادره ومنهم هاملتون جب (H.Gib) وبارتولد (Barthold.W) وكلود كاهن (Cahen claude) وجان سوفاجيه (Jean Sauvaget) وليفي بروفنسال (Levi – Provençal) الذي تخصص في تاريخ المغرب والأندلس.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ المؤرخين والمفكرين العرب المحدثين اهتموا بدورهم بالكتابة عن مناهج الفكر التّاريخي العربي، ومصادره فصدرت دراسات مهمّة لبعض المفكرين منهم:

١ – أحمد أمين الذي أصدر كتابيه ضحى الإسلام وظهر الإسلام في العام ۱۹۳۸.

۲ – حسن عثمان: منهج البحث التاريخي، القاهرة ١٩٤٣.

٣ – عبد الحميد العبادي الذي تَرجم كتاب هرنشو “علم التاريخ” وأضاف إليه فصلًا من وضعه

العام ۱۹۳۷.

٤ – عبد العزيز الدّوري: نشأة علم التاريخ عند المسلمين بيروت ١٩٦٠.

5 – د. عبد العزيز سالم: التّاريخ والمؤرخون العرب، ۱۹۸۱.

6 – د شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون جزءان بيروت.

7 – عبد الله العروي: العرب والفكر التاريخي.

8 – د. أسد رستم: مصطلح التّاريخ.

9 – قسطنطين زريق: نحن والتّاريخ.

۱0 – د. عزيز العظمة: الكتابة التّاريخيّة، والمعرفة التّاريخيّة (مقدمة في أصول صناعة

التأريخ العربي). وسوى ذلك من مؤلفات عديدة أخرى.

ونظرًا لتعدد المؤرخين المسلمين العرب وكثرتهم، وكثرة نتاجهم التاريخي والأدبي والعلمي فإنّه يتعذر علينا أن ندرسهم جميعًا دراسة وافية، لأنّهم يقدّرون بالمئات في مختلف المراحل. وكان العلماء العرب أول من ربطوا بين التّاريخ والعلوم المساعدة الأخرى، وقد استطاعوا ربط العلوم بشكل علمي بارز، وسنحاول دراسة نموذج من عطاءات العرب في مجال ربط العلوم ببعضها البعض، فقد يظن البعض أن لا علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين مصطلح الحديث وبين التأريخ، علمًا أنّ العلاقة بين العلمين علاقة مباشرة ومهمّة لارتباطهما ولارتباط قواعدهما معًا. وقد أكّد الدّكتور أسد رستم من أن مناهج البحث التّاريخي الحديث والمعاصر عند علماء الغرب، ليست غريبة عن علم مصطلح الحديث، بل تمُتّ إليه بصلة قوية. “فالتاريخ دراية أولًا ثم رواية، كما أنّ الحديث دراية ورواية”(١٠).

مصطلح التّاريخ: عدّ د. أسد رستم منذ العام ۱۹۳۹ أنّ مصطلح الحديث النّبوي، هو القاعدة الأولى والأساسيّة التي بنى عليها كتابه “مصطلح التّاريخ” وقد اقتبس الاسم أيضًا. ورأى أنّ يسمّي كتابه “مصطلح التّاريخ” وليس “منهج التّاريخ” اقتداء بما فعله العلماء المسلمين من قبل في إطار “مصطلح الحديث”. وأشار إلى أنّ مخطوط رسالة القاضي عياض في علم المصطلح – التي كتبها ابن أخيه العام ٥٩٥هـ – هي أنفس ما صنف في موضوعها، وقد سما بها القاضي عياض إلى أعلى درجات العلم والتدقيق في عصره. وأضاف د. رستم قائلًا: “والواقع أنّه ليس بإمكان أكابر رجال التّاريخ اليوم أن يكتبوا أحسن منها في بعض نواحيها، وذلك على الرّغم من مرور سبعة قرون عليها.

فإنّ ما جاء فيها من مظاهر الدّقة في التفكير، والاستنتاج تحت عنوان “تحري الرّواية والمجيء باللفظ” يضاهي ما ورد في الموضوع نفسه في كتب الفرنجة في أوروبة وأميركة “والواقع أنّ المتودولوجية الغربيّة التي تظهر اليوم (أي العام ۱۹۳۹) لأول مرة بثوب عربي ليست غريبة عن علم مصطلح الحديث، وبعض القواعد التي وضعها الأئمة منذ قرون عديدة للتوصل إلى الحقيقة في الحديث تتفق في جوهرها وبعض الأنظمة التي أقرّها علماء أوروبة في ما بعد في بناء علم المتودولوجية…(۱۱).

من هذا المنطلق يمكن ربط علم مصطلح الحديث وقواعده بعلم التّأريخ وقواعده. إضافة إلى أن المضامين الواردة في الأحاديث النّبويّة، يمكن أن نستثمرها في كتابة التاريخ تبعًا للموضوعات التي يتناولها الباحث.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّه بالإمكان تسخير أساليب مصطلح الحديث وقواعده في دراسة التأريخ وكتابته(۱۲).يتضمن مصطلح الحديث موضوعات عديدة منها: وسائل اكتساب العلم، الأخلاق والآداب في اكتساب العلم، المكاتبة، نقد السند، الجرح والتّعديل، حجب الثقة العلميّة عن البعض، العوامل التي لا تقبل بها رواية الراوي، التّصحيف والتّحريف عند المحدثين واللغويين (وعند المؤرخين)، نقد المتن وأساليبه، تتبع التّزوير، الأحاديث الموضوعة وكيفيّة كشفها وسواها من موضوعات علميّة أساسيّة ينبغي على الباحث عدم إهمالها، لأنّها أدوات علميّة مهمّة تساعد المؤرخ على فهم مختلف الأساليب العلمية ودراستها للوصول إلى كتابة تاريخيّة صادقة وأمينة، زاخرة بالفهم العلمي والموضوعي فعلم مصطلح الحديث يمكن أن نصنفه في أنّه الأبجديّة الأولى لعلم التّاريخ.

ومن الأهمية بمكان القول، إنّ العلاقة القائمة بين مصطلح الحديث وعلم التأريخ، تظهر عندما اهتم المحدثون بنقد السّند بخطوات أهمها: البحث عن مصدر الخبر. من الذي نقله؟ من أين سمع الراوي الخبر، وكيف نقل إليه؟ ولذلك اهتم المحدثون بالراوي اهتمامًا كبيرًا وظهر عندهم “تاريخ الرّواة” و”علم الجرح والتّعديل” وكلاهما يهتمان بتاريخ وعلم الرجال اللذين هما أساس السند، واهتموا بالتحقيق من نسبة الخبر إلى قائله.

ولتأكيد الربط بين نقد السند – وهو من علوم مصطلح الحديث – وبين التأريخ، فقد روي عن الحاكم أبي عبد الله قال: “لما قدم أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي، وحدث عن عبد الله بن حميد سألته عن مولده، فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين. فقلت لأصحابنا: سمع هذا الشيخ من عبد الله بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة!(۱۳)

من هنا ندرك بأن دراسة ومعرفة تواريخ الأشخاص والأحداث ومقارنتها بتواريخ أخرى، تمكننا من معرفة الحقيقة من الكذب ومعرفة الحقيقة من التّزوير. ولذلك كان سفيان الثّوري يقول: “لما استعمل الرّواة الكذب، استعملنا لهم التّاريخ”.

وروي عن حفظ بن غياث أنّه قال: “إذا اتهمتم الشّيخ فحاسبوه بالسّنين، بمعنى احسبوا سنه وسن من كتب عنه “وكان يزيد بن أبي حبيب المصري المتوفى ۱۲۸ هـ أول من غرس دراسة الحديث في مصر، فدقّق في روايته ونبه تلاميذه إلى تمحيص السّند ومعرفة رواته(١٤). وفي هذا الإطار يمكن أن نربط بين التأريخ وعلم الجرح والتّعديل “وهو العلم الذي يبحث في أحوال الرواة في قبول رواياتهم أو ردها، وهو يعدُّ من أجل علوم الحديث وأهمها”. ولعلم الجرح والتّعديل رواد وأئمة منهم: يحيى بن معين (المتوفى العام ۲۲۳هـ) إمام الجرح والتعديل في عصره، والإمام أحمد بن حنبل (المتوفى العام ٢٤١ هـ) والإمام البخاري (المتوفى العام ٢٥٦ هـ) وابن أبي حاتم الرازي ( المتوفى العام ٣٧٧هـ)(15).

ومن إسهامات العرب والمسلمين، وعطاءاتهم هي ربطهم بين الصّدق والتأريخ فقد اهتموا ورأوا ضرورة توأمة الحديث والصّدق، وتوأمة التأريخ والصّدق، حتى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال: “في اللسان الدّية”، ذلك أنّ من يكذب أو يقتطع من الرّواية أو يزور فيها فإنّ عليه دية. وقد أجمع على ذلك أهل العلم، من أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل الحديث، وأهل الرأي(١٦) وقال أكثر أهل العلم، يكون على الرّاوي والمتحدث من الدّية بمقدار ما ذهب من كلامه. وعليه ديّة أكبر إذا ذهب الكلام كلّه. وأفتى بذلك الأئمة: مجاهد، ومالك، والشّافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي(17).

والحقيقة فقد حضّ القرآن الكريم والنّبي صلى الله عليه وسلم، كما حضّ أئمة الإسلام وعلماء الحديث والأصول على وجوب التثبت من الحقيقة وفي التثبت من الأنباء والروايات والأحاديث(۱۸). وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى في ضرورة التّثبت من الأنباء في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا * أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (۱۹) ويقول عزّ وجل في سورة الطلاق ﴿واشهدوا ذوي عدل منكم (۲۰).

دور الفهارس في التّراث الفكريّ والعلمي الإسلامي: يمكن التّعرّف في هذا الإطار إلى بعض ملامح التّراث الفكريّ والعلمي الإسلامي من خلال بعض الفهارس وفي مقدمتها “الدليل البيبلوغرافي للقيم الثقافية العربية”(۲۲).

ومن بين المؤلفات التّاريخيّة والإسهامات الحضاريّة الإسلاميّة على سبيل المثال لا الحصر:

١ – ابن النّديم: الفهرست.

٢ – البغدادي “إسماعيل باشا”: ١- إيضاح المكنون في الذّيل على كشف الظنون في اسامي الكتب والفنون.

2- هدية العارفين: أسماء المؤلفين وآثار المصنفين.

٣ – حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.

٤ – البلاذري: فتوح البلدان.

5 – البيهقي: تاريخ البيهقي.

٦ – الدمشقي “أبو الفضل جعفر”: كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة.

٧ – الدّينوري: الأخبار الطوال.

8 – مسكويه: تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق.

۹ – الشيباني “محمد”: الاكتساب في الرزق المستطاب.

10 – الصابيء “أبو الحسن”: كتاب تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء.

١١ – القرشي “يحيى بن آدم”: كتاب الخراج.

۱۲ – الماوردي “علي”: الأحكام السلطانية والولايات الدينية.

۱۳ – المسعودي “أبو الحسن”: مروج الذهب ومعادن الجوهر.

١٤ – ابن الأثير “عزّ الدّين أبو الحسن”: الكامل في التاريخ.

١٥ – ابن الجوزي “عبد الرحمن”: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم.

١٦ – ابن الخطيب “لسان الدين”: الإحاطة في أخبار غرناطة.

۱۷ – ابن الفرات “ناصر الدين”: تاريخ الدول والملوك.

۱۸ – ابن عساکر: تاریخ دمشق.

۱۹ – ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق.

۲۰ – ابن اياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور.

۲۱ – ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.

۲۲ – ابن خلدون: المقدمة “كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر”.

۲۳ – ابن خلكان “أحمد”: كتاب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.

٢٤ – ابن شداد: سيرة صلاح الدين الأيوبي المسماة النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية.

٢٥ – ابن عبد الظاهر: ۱- تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور.

2- سيرة الظاهر بيبرس المعروفة بالروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر.

٢٦ – ابن عذارى المراكشي: البيان المغرب في أخبار المغرب.

۲۷ – ابن واصل: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب.

28 – أبو الفداء: كتاب المختصر في أخبار البشر.

۲۹ – أبو شامة: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية.

۳۰ – أسامة بن منقذ: كتاب الاعتبار.

٣١ – الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار.

۳۲ – سبط الجوزي: مرآة الزمان في تاريخ الأعيان.

٣٣ – السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.

٣٤ – السيوطي: حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة.

٣٥ – الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

٣٦ – الشيزري: نهاية الرتبة في طلب الحسبة.

۳۷ – الأنصاري “عمر الأوسي”: تفريج الكروب في تدبير الحروب.

٣٨ – المسعودي “أبو الحسن علي”: مروج الذهب ومعادن الجوهر.

۳۹- مسكويه: تجارب الأمم وتعاقب الهمم.

٤٠ – المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.

٤١ – هلال الصابيء: تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء.

٤٢ – اليونيني البعلبكي: ذيل مرآة الزمان.

أهمية الجغرافية في كتابة التّاريخ: وللمؤلفات الجغرافيّة دور بارز في صناعة التاريخ لارتباطهما ببعض، ومن بين تلك المؤلفات الجغرافية على سبيل المثال:

١ – ابن الحائك: صفة جزيرة العرب.

2 – ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان.

3 – ابن بطوطة: تحفة النّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.

4 – ابن حوقل: صورة الأرض.

5 – الاصطخري: المسالك والممالك (وفاته ٩٥٠م).

6 – ابن جبير: تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار.

7 – الادريسي: نُزهة المشتاق في اختراق الآفاق.

8 – البكري: مُعجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع.

9 – الدمشقي: نخبة الدهر في عجائب البر والبحر.

10 – الزمخشري: الجبال والأمكنة والمياه.

1١ – القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد.

12 – المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم.

هذا وقد تركت لنا الحروب الصليبية في بلاد الشام على صعيد المؤلفات التاريخية إسهامات علمية يمكن أن نلخصها فيما يلي:

دور الحروب الصليبية في بروز المؤرخ: في الحقيقة إن عصر الحروب الصليبيّة قد أنجب نخبة من المؤرخين المعاصرين لهذه الحروب سواء من الشّرقيين أو الغربيين، ويمثل كلّ منهم وجهة نظره في تلك الحروب، وقد تركوا لنا تراثًا فكريًّا مهمًّا وسجلًا حافلًا وملامح من التّاريخ الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والسّياسي والعسكري(23). فمن بين المؤرخين الإفرنج “فوشيه دو شارتر” (F. de charters) صاحب كتاب (Histor a Hierosolimitana) ووصف فيه تاريخ مملكة القدس إلى سنة 1157م، وكذلك قد ترك مؤرخ فرنسي تاريخًا عن الحروب الصليبيّة وهو يعرف باسم النورماندي. ومنهم أيضًا غليوم (وليم) الصوري، وله “تاريخ فيما وراء البحار” (Historia Transmarina) وهو33 مجلدًا، تناول فيه الأحداث إلى سنة 1183م.

كما ظهرت مؤلفات أخرى عالجت الحملات الصيليبيّة ومنها كتاب صدر باللغة اللاتينيّة  وعنوانه: (Tinerarium Regis Ricardi) وقد ألّفه رجل إنجليزي من لندن اسمه  (Richard of the Holy Trinity)، كما ظهرت قصائد حول الحروب الصليبيّة باللغة الفرنسيّة القديمة “لأمبرواز” وعنوانها: “تاريخ الحرب المقدسة” (L’Estoire de la guerre Sainte)، ووُجِد تقرير يمثّل وجهة النّظر الفرنسيّة، كان قد أعدّه “ريجور” وعنوانه: (Gesta a philips Angusti) وهناك مؤلفات ألمانيّة تصف حملة فريدريك بربروسة الصليبيّة منها ما كان بعنوان: (Expedition Frideric) والأمر الملاحظ أن بعض الجنود الصليبيين تركوا لنا مذكراتهم. ويومياتهم عن الحروب الصليبيّة كانت لها أهمية كبرى في التأريخ للحملات الصليبيّة على غرار مذكرات الحملة الصليبيّة الرابعة.

أمّا الحملة الصليبيّة الخامسة، فقد استفيد من رسائل الكاردينال: جيمس فيتري “وتاريخ دمياط الذي ألفه “أوليفر بادينورن” الذي كان كاتبًا للكاردينال بيلاجيوس. وهناك كتاب “تاريخ القديس لويس” لمؤلفه “يوحنا سير جوانفيل” (Jean Sire de Joinville) (وهو يهتم بحملة لويس القديس).

كما عدّت المراسلات والتّقارير البابويّة القائمة بين البابوات وزعماء الطوائف والملوك والأمراء من المصادر المهمة.

ولا بدّ من الإشارة إلى وجود بعض المصادر الأرمنيّة التي اهتمت بالتأريخ للحروب الصليبيّة، ومنها كتاب الأمير الأرمني هايتون (هيثوم كوريكوس) الذي ألفه باللغة الفرنسيّة بعد التجائه إلى فرنسا في أوائل القرن الرابع عشر وهو المعروف باسم (Flor des Estoires de la terre d’orient). كما كتب ابن العبري باللغتين السريانية والعربّية وهو يعدُّ من المؤرخين المهمّين الذين كتبوا عن القرن الثالث عشر (١٢٦٦ – ١٢٨٦).

كما أفرزت الحروب الصليبيّة عددًا من المؤرخين الشّرقيين ومنهم على سبيل المثال: أسامة بن منقذ، ابن جبير، ابن الأثير، ابن شداد، ابن واصل، ابن الفرات، ابن العميد القبطي، ابن عساكر. وقد عكف المؤرخون الأوروبيون في العصر الحديث على جمع المواد الوفيرة من هذه الكتب الغربيّة والشرقية، وذلك في موسوعة علمية تحت عنوان “مجموعة مؤرخي الحروب الصليبية”.

(Recueil des Historiens des croisades) paris 1841-1960.

وهي تنقسم إلى مجموعتين:

– المجموعة الأولى وتضم ما كتبه المؤرخون الشرقيون في خمسة مجلدات وهي تحت عنوان (Historiens Orientaux).

– المجموعة الثانية وتضم ما كتبه المؤرخون الغربيون في خمسة مجلدات أخرى وهي تحت عنوان (Histories Occidentaux)(٢٤).

وأخيرًا؛ فإنّ من يطلع على كتاب ابن النّديم “الفهرست” يدرك كم كان العطاء الحضاري للعرب في ميدان التّاريخ والعلوم الأخرى، فقد جمع لنا مجموعات عديدة متجانسة في الكتابة التاريخيّة منها على سبيل المثال:

– مجموعة كتب التّاريخ.

– مجموعة كتب الأخبار والسير.

– مجموعة كتب عن الرسول وسيرته.

– مجموعة كتب عن الخلفاء الراشدين.

– مجموعة كتب عن الأمويين.

– مجموعة كتب عن العباسيين.

– كتب عن الفتوح.

– كتب البلدان والمسالك.

– كتب عن المدن (مكة، بغداد، دمشق، مصر، البصرة، اصفهان، المدينة،….).

– كتب السياسة وآداب السلطان.

– كتب عن الوزراء.

– كتب عن الكتاب.

– كتب عن الولاة، القضاة، الشرطة، المالية، الأنساب، عن العرب والعجم والروم.

– مجموعة كتب الطبقات.

– مجموعة تراجم أعلام.

ويمكن أخيرًا أن نجمل عطاءات العرب الحضاريّة في ميدان التّاريخ في ما يلي:

أولًا: استيعاب التّاريخ لمختلف العلوم وحفظها في إطار الدّراسات التّاريخيّة، ما شكل عبر التّاريخ مؤلفات جديدة أدّت إلى إثراء بقية العلوم، فبات في المكتبة العربيّة والمكتبة الأجنبيّة مؤلفات منها: تاريخ العلوم، تاريخ الأدب، تاريخ الموسيقى، تاريخ العمارة، تاريخ الطب، تاريخ الهندسة، تاريخ العلم والتكنولوجيا، تاريخ الفلسفة، تاريخ القوانين…

ثانيًّا: نشأت علوم ودراسات لم يكن مقدّرًا لها أن تنشأ وتنمو لولا الكمّ الهائل من المخطوطات والمؤلفات التّاريخيّة، من بين تلك العلوم والدّراسات والمؤلفات: مناهج الفكر والبحث التاريخي، علم الوثائق أو علم الشّهادات الكتابيّة (Diplomatics)، وعلم المخطوطات وتقنيات الحفاظ عليها وترميمها، علم الرّنوك (العلامات والشّعارات على الأختام والدروع والأعلام والملابس) (Heraldry)، علم المنمنمات (Numismatics) وهو علم النّقود والمسكوكات، البيبلوغرافيّا والموسوعات المتّخصصة، علم الاجتماع وعلم العمران، وهي من العلوم التي كان للعلامة ابن خلدون الفضل في اكتشافها والكتابة عنها، وتعميق المفهوم حولها، ومن ثم نقلها إلى أوروبا.

ثالثًا: فضل علم التّاريخ في معرفة نشأة اللغة و اللهجات العربيّة، وتطور الأدب والشّعر العربي ومختلف العلوم عند العرب التي اقتبستها، وترجمتها أوروبا في العصور الوسطى من خلال المعابر الحضاريّة الثلاثة: الأندلس، صقليّة، الشّام. وقد اعتمدت أوروبا لقرون عديدة على العلوم عند العرب.

رابعًا: ساهم علم التّاريخ في نشأة المكتبة العربيّة والإسلاميّة والعالميّة، كما ساهم في نشأة علم المكتبات والتّصنيف والتوثيق والفهرسة.

خامسًا: أدّت الدراسات التاريخيّة إلى اهتمام الخلفاء والسّلاطين والملوك والأمراء والرؤساء بها، ما دعاهم إلى تشجيع العلماء على الكتابة سواء في العصور القديمة أو الوسيطة أو الحديثة.

سادسًا: لولا الرّغبة فى كتابة التاريخ لما استنبط الخليفة عمر بن الخطاب التاريخ الهجري الذي جعله مفصّلًا تاريخيًّا في تاريخ العرب والمسلمين.

سابعًا: كشف التاريخ وأسهم في معرفة نشوء الأديان السماوية والمعتقدات الوثنية، وتاريخ الإنسانية بشتى وجوهها. ويكفي فخرًا أن المؤرخين المسلمين كانوا الرواد الأوائل في موضوع ربط التأريخ بالعلوم الأخرى، ما أسهم في توسيع دائرة المعارف الإنسانيّة.

ثامنًا: الاطلاع من خلال الدّراسات التّاريخيّة على تاريخ نشأة المدن، وحياة القادة والرّجال والأعلام في مختلف المراحل التّاريخيّة، والأنساب، وتاريخ القبائل والشّعوب. كما كان لها الفضل في إنجاب نخبة من المؤرخين أمثال: ابن خلدون، الطبري، البلاذري، ابن عساكر، ابن أياس، المقريزي وغيرهم الكثير.

تاسعًا: أسهم علم التّاريخ في نمو حركة الجهاد والنّضال في العالم العربي، اعتمادًا على المعارك التي انتصر فيها العرب والمسلمون في مختلف مراحل تاريخهم. كما اعتمد التّراث الشّعبي المعاصر، بما فيه التراث الأدبي والأغاني القومية على تاريخ الانتصارات العربيّة لتوظيفها في حركة الجهاد والنّضال في التاريخ المعاصر.

عاشرًا: من عطاءات علم التاريخ والدّراسات التّاريخيّة نمو الشّعور القومي والدّيني والوحدوي، ونمو الشّعور بالحرية والديموقراطيّة وذلك من خلال دراسة الثورات، والانتفاضات السياسية المختلفة سواء في العالم العربي أو في العالم.

حادي عشر: إنّ الذاكرة التاريخيّة تعلم الشعوب والأجيال الانتماء الوطني، فكلما كانت الذاكرة التّاريخيّة ضعيفة، كلما كان الانتماء الوطني ضعيفًا. وكلما كانت الذّاكرة التّاريخيّة قويّة ومسؤولة، كلما كان الانتماء الوطني والقومي قوياً ومسؤولًا.

ثاني عشر: إن الدراسات والوثائق التّاريخيّة يمكن أن تسهم في إعادة الحقوق إلى أصحابها. فالكثير من القضايا السياسيّة والعسكريّة اعتمد في بحثها في المحافل العربيّة، والدّوليّة على الوثائق التّاريخيّة منها على سبيل المثال: قضية فلسطين، قضية طابا، قضية لبنان، الجولان، الكويت، حلايب وقضايا عديدة لا يمكن حصرها في هذا المجال.

ثالث عشر: تأسيسًا على أهمية التّاريخ وكشف الحقائق أو المواقف التّاريخيّة فإنّ كثيرًا من السّاسة والقادة العسكريين، والمفكرين تركوا لنا مذكراتهم التّاريخيّة التي لا تمثل سيرهم الذاتية فحسب، بل تمثل تاريخ دولهم والمراحل السياسيّة والعسكريّة والاجتماعيّة التي عاصروها، وقد تركوا لنا من خلال مؤلفاتهم الكثير من المعلومات، والوثائق التّاريخيّة التي يمكن الاستفادة منها. وهذه المذكرات تمثل مختلف المراحل التّاريخيّة منها على سبيل المثال: سيرة صلاح الدّين الأيوبي لابن شداد، سيرة الظاهر بيبرس، مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني، مذكرات بشارة الخوري (حقائق لبنانية)، مذكرات كميل شمعون، ومؤلفات تاريخية أخرى قام بها: شارل حلو، محمد علي دروزة، أكرم زعيتر، سامي الصلح، غسان تويني، يوسف سالم، سليم الحص، خالد العظم، سليم علي سلام، أنور السّادات، وسواهم الكثير.

الخاتمة: وأخيرًا لا بدّ من التّأكيد أنّه لا بد من إسهام التاريخ لدى القادة، والزّعماء والشّعوب بما نسميه “نفعيّة التّاريخ” لأن المعرفة التّاريخيّة يمكن أن تنقذنا من الكثير من الأزمات السياسيّة والعسكريّة والطائفيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّربويّة، وما يؤسف له أنّ الكثير حتى الآن لا يدرك أهميّة الذّاكرة التّاريخيّة في بناء الشّعوب واستقرار الدّول، وأهميتها في تعميق الانتماء الوطني والاستفادة من الماضي لبناء الحاضر والمستقبل.

ولقد أشار المؤرخ “ديودورس” الصقلي في كتابه “المكتبة التاريخيّة” في العام ٣٠ ق.م. إلى أهميّة التأريخ والمؤرخين بقوله: “من واجب الناس جميعًا أن يدينوا بالشّكر العظيم لأولئك المؤرخين الذين وضعوا للبشر تاريخًا عامًّا، لأنّهم بمجهوداتهم الفرديّة قدموا خدمة كبرى للجنس البشري برمته.

وكما أنّ العناية الإلهيّة ربطت بين الحركات المنتظمة للأفلاك وبين طبائع النّاس برباط واحد عام، ووجهت الكلّ منذ الأزل إلى الطريق الذي يسير فيه، ومنحت الكل ما قدر له أن يكون، كذلك المؤرخون فإنّهم بتسجيلهم الشّؤون العامّة لسكان هذا العالم، كما لو كانوا أهل مدينة واحدة، قد جعلوا من كتاباتهم سجلًا واحدًا لأحداث الماضي، ومرجعًا نهائيًّا تصفى فيه معرفتنا بهذه الأحداث. ولذا حقّ لنّا القول إنّ لمعرفتنا بالتّاريخ أعظم نفع في كلّ شأن من شؤون الحياة، لأنّها تزود الشّبان بحكمة الشّيوخ، وتمدّ الشّيوخ بتجارب يضيفونها إلى تجاربهم، وتهيىء المواطنين لمهام القيادة والزّعامة، وتلهم الزعماء القيام بأنبل الأعمال لما يخلعه التاريخ عليهم من صفات المجد الخالد”.

 

 

المصادر والمراجع

۱- ابن خلدون المقدمة ص ٤، ٩.

۲- للمزيد من التفصيلات حول هذه الآراء انظر: د. عزيز العظمة: الكتابة التاريخية والمعرفة التاريخية، الفصل الأول، ص ۱۲ – ٤۲. هذا ويمكن الاستفادة أيضاً من كتاب د. حسين مؤنس: “التاريخ والمؤرخون” في مجال دراسة علم التاريخ وبشكل موسع. دار المعارف – القاهرة ١٩٨٤.

۳- د. قسطنطين زريق: نحن والتاريخ، ص ۱۳.

٤- تجري عملية النقد عادة بواسطة النّقد الخارجي والنقد الداخلي. فالنقد الخارجي يتضمن الاهتمام بمعرفة الوثيقة ومؤلفها وتاريخ تدوينها ومكانه. ثم ما هي الموضوعات التي تناولتها الوثيقة، وما علاقتها بنسخة أخرى للوثيقة نفسها؟ إن الإجابات عن هذه التساؤلات والتحقق منها تقودنا إلى وضعية الوثيقة فيما إذا كانت صحيحة أم مزورة. أما النقد الداخلي بحثًا في مضمون نص الوثيقة لمعرفة منهجية كاتبها واتجاهه الاجتماعي والسياسي والبحث في ما إذا كان الكاتب معاصراً للحدث ومشاركًا فيه أم مراقباً ومدوناً فحسب؟ ثم دراسة منهجيته من خلال الأساليب والأدوات التي استخدمها في كتابة الوثيقة أو المصدر بشكل عام. ونقد الأصول يهتم أيضًا بدراسة التزييف والانتحال، وفي ما إذا كان الأصل بخط المؤلف أم لا.

أنظر: د. حسن عثمان: منهج البحث التاريمي، ص 117 – 145.

أنظر أيضًا: د. أسد رستم: مصطلح الحديث، ص 12 – 41، د. حسان حلاق: مناهج الفكر والبحث التاريخي، ص 14 – 15.

٥- انظر: السخاوي: الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، ص ٦.

٦- جب (كب) (H.Gibb): علم التاريخ، ص ٢٦ – ٢٧.

۷- انظر د. لطفي عبد الوهاب يحيى: العرب في العصور القديمة، ص ١٦٠ – ١٧١، ١٢٦، ٢١٦. دار النهضة العربية – بيروت ۱۹۷۸. انظر أيضاً دراسة للدكتور عمر فروخ حول العلاقة بين الإسلام والتاريخ تجيب على تساؤلات عديدة، وهي تحت عنوان “الإسلام والتاريخ (الإسلام في نظره إلى الله والإنسان والمجتمع والتاريخ)”.

۸- انظر ما قاله السخاوي، المصدر السابق، ص 50.

۹- انظر: د. عبد العزيز سالم: التاريخ والمؤرخون العرب، ص ٦-٧.

۱۰- د. أسد رستم: مصطلح التاريخ، ص زمن المقدمة.

۱۱- د. أسد رستم: مصطلح التاريخ، ص و – ز، منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت. الطبعة الأولى ۱۹۳۹، الطبعة الثالثة ١٩٥٥.

۱۲- للمزيد من التفصيلات الوافية حول أساليب وقواعد مصطلح الحديث والشروط المستتبعة لهذا الموضوع.

انظر: المراجع الحديثة التالية: د. صبحي الصالح. علوم مصطلح الحديث ومصطلحه، دار العلم للملايين – بيروت ١٩٦٦، د. محمد عجاج الخطيب: أصول الحديث، دار الفكر – بیروت 1975.

۱۳- العراقي: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، ص ٤٣٢ – ٤٣٣.

١٤- د. شرف الدين على الراجحي: مصطلح الحديث، ص ١٠٥.

١٥- د. شرف الدين علي الراجحي: المرجع نفسه، ص ۱۱۳.

١٦- الإمام الحافظ النيسابوري: الإشراف على مذاهب أهل العلم، جـ ٢، ص ١٦٣.

۱۷- الإمام الحافظ النيسابوري، المصدر نفسه، ص ١٦٣ – ١٦٤.

۱۸- د. حسن عثمان: منهج البحث التاريخي، ص ۱۳۸.

* وفي قراءة “فتثبتوا”

۱۹- سورة الحجرات، الآية ٦.

۲۰- سورة الطلاق، الآية ٢.

21- انظر: الدليل البيبلوغرافي للقيم الثقافية العربية – نشر بالتعاون بين منظمة اليونسكو ومركز تبادل القيم الثقافية بالقاهرة – القاهرة ١٩٥٦ (صفحات مختارة من الدليل).

.- ابن النديم: الفهرست، مكتبة خياط – بيروت (طبعة مصورة بلا تاريخ).

– أبو بكر محمد الأموي الأشبيلي: فهرسة ما رواه عن شيوخه، بهمة الشيخ فرنسشكه قداره زيدين وتلميذه خليان ربارة طرغوه، مطبعة قومش سرقسطة ١٨٩٣م.

– فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (التاريخ وملحقاته) وضع: يوسف العش، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق 1366 ه ـ 1947م.

– فهرس المخطوطات العربية (المحفوظة في الخزانة العامة برباط الفتح المغرب الأقصى) جمع، ي.س. علوش، عبدالله الرجراجي، المكتبة الشرقية والأميركية – باريس – ماكس بيسون – شارع سان جرمان 1954.

– فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (دمشق) جمع: محمد ناصر الدين الألباني، ومجمع اللغة العربية – جمشق 1390 هـ 1970م (وهناك عدة فهارس أخرى من مخطوطات المكتبة الظاهرية).

22- انظر: د. زكي النقاش، العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين العرب والإفرنج خلال الحروب الصليبية، ص ۲۰۰-۲۰۱.

23- للمزيد من التفصيلات الوافية عن مؤرخي ومصادر ووثائق الحروب الصليبية انظر: أرنست باركر: الحروب الصليبية، ص 185 – 204. انظر أيضاً: د. جمال الدين الشيال: التاريخ الإسلامي وأثره في الفكر التاريخي الأوروبي، ص ٦٨ – ٧٦. ت ١٤٠٦ هـ ١٩٨٥م.

24- انظر: د. زكي النقاش، العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين العرب والإفرنج خلال الحروب الصليبية، ص 200 – 201.

25- انظر: د. جمال الدين الشيال: التاريخ الإسلامي وأثره في الفكر التاريخي الأوروبي، ص 68 – 76.

 

 

 

[1]– أستاذ مساعد في التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانيّة

Assistant Professor of modern and contemporary history at the Lebanese University

E-mail: chaccour@yahoo.com

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website