البديهة

البديهة

Intuition

Abdul Latif Al-Falah Al-Wazzani عبد اللطيف الفلاح الوزاني⁾[1]⁽

فتحت رحيمو الباب على طرقات صديقتها الباتول. سلمت عليها ورحبت بها، وطلبت منها أن تتفضل للدخول.

الباتول جارة رحيمو وصديقتها منذ أمد، متزوجة من صالح عامل بالميناء ولها ثلاثة أبناء، ربّة بيت ممتازة… تجتمعان على كأس شاي، كلّ مرّة في بيت إحداهن. يتجاذبن أطراف الحديث، وتشتغلان بإعداد طعام الغذاء، أو تعجنان الخبز، أو تهّيأن بعض الحلويات.

رحيمو ربة بيت بامتياز، زوجة عبد السلام الذي يملك محلًّا تجاريًّا بالسّويقة يبيع الملابس المستعملة، ولهما بنت وولد. نظرت رحيمو للباتول وقالت لها :

ـــ حالك لا يعجبني اليوم، تساءلت رحيمو، ما بك؟

أطرقت الباتول رأسها وهي تضع يدها على خدها …

ـــ بالله عليك انطقي، لقد شغلتني وأكثرت الهواجس والوساوس …أضافت رحيمو.

ـــ ماذا أقول لك يا أختي… ثم صمتت …

ـــ إمّا أن تنطقي بما لديك أو تلبسي نعلك وتعودي لبيتك … لقد نفذ صبري …

ـــ أتطردينني ؟!.

أرادت أن تضع نعليها في رجليها، ولكن رحيمو بادرتها:

ـــ فأنت التي تتوجعين وتتلكئين للبوح بكلمة أو اثنين… لماذا لا تخبرينني وتريحيني وتريحي نفسك …

ـــ لقد التقيت محجوبة وأنا قادمة من السّوق …

ـــ لا تسمعي لها، فإنّها لا تأتي بخبر يفرح، فكل أخبارها كوارث…

ـــ كوارث … فعلًا… كوارث… لقد أخبرتني أنّ عبد السّلام يدخل بيتًا غير بيته …

ـــ وله زوجة غير زوجته… أضافت رحيمو …

تنفست الباتول الصّعداء وهلَّ وجهها وقالت لها :

ـــ إذًا أنت تعرفين الخبر؟!.

لقد أنقذتني وأزلت العناء والتّكليف… وتركتِ زوجك يتزوج عليك…

ـــ الله يجيء بك على خير ويوقظك من غفوتك … عبد السّلام مضبوط كالسّاع     ة، واضح كسماء الصيف، لا يهمه سوى أسرته وحبه لكرة القدم… ردت رحيمو …

ـــ أنا أنذرتك ونبهتك … فقد أكدت لي أنّها رأته يخرج من البيت …حتى أنّها أعطتني العنوان … المهم قد أعذر من أنذر…

ـــ لاعليك ارتاحي، واتركي الأيام تكشف لنا المستور…

مرت الأيام تباعًا، وتوالت الأحداث عاصفة، ورحيمو تحسب الحركات وتُعد السَّكنات. تترصد لكل هفوة وتسجل كلّ كبوة … لم تلحظ أيّة زلة ولم تقف عن أي تغيير …

في أحد الأيام وكما جرت العادة، حلت الباتول ورحبت بها رحيمو. ورحيمو امرأة عملية، فبادرتها بقولها :

ـــ ربما يتضح لي أنّنا سنحتاج للعنوان … ويبدو لي أنّ محجوبة امرأة حكيمة على الرّغم من أنّها تنقل الأخبار …

ـــ لماذا نريد بالعنوان ؟ ولماذا قلت إنّ محجوبة امرأة حكيمة ؟

ـــ أمّا العنوان لأنّنا سنذهب إلى هناك وفي الحال . وأمّا جوابًا عن السؤال الثاني فستدركينه في عين المكان …

سارتا عبر الأزقة والدّروب الضيقة للمدينة القديمة إلى أن وصلتا إلى العنوان المذكور. وقفتا أمام باب البيت . قالت رحيمو للباتول:

ـــ اطرقي الباب …

طرقت الباتول الباب بكل قواها… نادى صوت من وسط الدّار يتوسل التّريث، ويطلب الانتظار… التفتت الباتول لرحيمو وكأنّها تخبرها أن الصّوت ليس غريبًا عنها … في اللحظة ذاتها، جلست الباتول أمام عتبة الدار. طأطأت رأسها ووضعت يديها على خديها…سالت الدموع على وجنتيهاغزيرة.

قبل أن يُفْتَح الباب، رفعت رأسها، حملقت في رحيمو وكأنها تقول لها، وعيناها مغرورقتين: لقد أدركت حكمة محجوبة…

1- كاتب وأديب مغربي. écrivain et auteur marocain Email: El_ouazzani@hotmail.fr