“عادات المرأة وتقاليدها داخل “الحمّام التركيّ”
الموروثات الثقافيّة والخصوصيّات النسائيّة دراسة في ميدان الأنتروبولوجيا الثقافيّة
ريم برّو([1])
تعريف التراث، الموروثات الثقافيّة، الذّاكرة، المهن
يُعرّف التراث تقليديًّا على أنّه: “ما يبقى من الماضي ماثلاً في الحاضر الذي انتقل إليه ويستمر مقبولًا ممن آل إليهم، وفاعلًا فيهم إلى درجة تجعلهم يتناقلونه بدورهم على مر الأجيال”([2]) التي تخترنها الذاكرة الجمعيّة. وتتعدّد الموروثات الثقافيّة منها المادّيّة، واللاماديّة، وتتعدّد كلاها من شعب إلى آخر، وتجمعها وحدة أساسية هي الاستمرارية.
تشمل الموروثات الماديّة الأماكن تاريخيّة (كالحمّامات العموميّة، المساجد، المبانيّ التراثيّة) وغيرها، وتمثل الركيزة الأساسية بأهمّيّة الماضي، من خلال دلالاتها التي تحتضن قصص ذات رمزيّة تنتقل من جيل إلى جيل وهو ما يعرف بالتّراث الحضاريّ الذي هو “نتاج لحضارات متراكمة… وصولاً إلى ما يسمى اليوم بحِقبة التراث الشّعبيّ”([3]). وتتمثل الموروثات اللاماديّة في العادات، والتقاليد الاجتماعيّة، وتشمل الأغاني الشّعبيّة والحكايات والأمثال… إلخ. يشير مفهوم الذاكرة الجماعيّة، من وجهة أنتروبولوجيّة، إلى أنّها “أحد الأبعاد الأربعة المُشَكِّلة للهُويّة الجماعيّة وانسجامها، ويستمدان من تشارك أفرادها وتقاسمهم الذّاكرة نفسها”([4]). وهي بذلك مجموع ما يختزنه الأفراد من قصص وروايات عن الحياة المعيشة التي تنتقل بدورها إلى الأجداد.
ترتبط الذاكرة بالتّاريخ، والمكان، والأحداث التي من خلالها سوف نتعرف نمط من أنماط الحياة التقليديّة في المدينة من خلال الحمّامات العموميّة في أوائل القرن العشرين، ودور المرأة فيه كناقله لهذا التّراث.
إنّ فهم الخصائص الذاتيّة للتراث، وإدراك مراحل تطوره، يُتيح لنا إلقاء الضوء على دور المرأة وإسهاماتها في رسم هذا التراث، ونقله، حيث يُجسد “الحمّام التركيّ”([5]) نموذجًا مثال، كمرفق يمتلك في مَظهَرِه فنٌ معماريٌ تراثيٌ، يحتوي قيمٌ لها دلالاتها ورمزيتها في الموروث الثقافيّ، حيث تتعايش جوانب متعددة ومتنوعة كالجانب الجماليّ، الجانب التقنيّ، والجانب الدّينيّ، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ، ما يدلُ إلى أنّ “الحمّام التّركيّ” كفكرة ليس قائمًا على الإنتاجيّة، أو على عامل النظافة فقط، وإنّما على نواحٍ عديدة متداخلة الأبعاد. والحال، يدخل هذا “الحمّام” بعلاقة مركبة تُضفي بحساب الناس “الهابيتوس” المرتبطة بعاداتهم وتقاليدهم، ويقول بورديو بهذا الخصوص: “يشتغل الهابيتوس بوصفه تجسيدًا ماديًّا للذاكرة الجماعيّة، معيدًا في الخَلَف إنتاج ما اكتسبه السلف”([6]).
تَكمن أهمية “الحمّام التركيّ” في الإرث الثقافيّ النّسويّ، كونه المكان الوحيد الذي كانت تلجأ إليه النّساء، في الماضي، نظرًا إلى وفرة المياه في داخله، ولوظيفته في تأمين خدمة غسل الجسد “الاستحمام” في المنطوق المحليّ.
لقد أتاح وجود “الحمّام التركيّ” للنساء فرصة التوافد إليه بشكل جماعيّ، وفقًا لرزنامة محددة لا يمكن الإخلال بها (تبدأ من الصباح حتى مرحلة الظهر)، ما جعلَ منه ظاهرة في القرن العشرين، وقد تحوّل من مجال مغلق إلى مجال مفتوح لعالم النّساء، ومكانًا لتحرّرهن من قيود المجتمع المحافظ، إذ استطعن من خلال التردد إليه من ممارسة خصوصيّاتهن التي تعدّت غسل الجسد إلى الاهتمام والعناية به، وعرض المفاتن والجماليات.
أولاً: دور المرأة في إنتاج العلاقات الاجتماعيّة داخل الحمّام
لقد تعاملت النّساء مع مرفق الحمّام التركيّ، كمجال ومتنفّس، حيث كانت العلاقات الاجتماعيّة داخله مُنظّمة وفقًا لقواعد ومبادئ أساسيّة. حملت في مقتضاها معطيات سيكولوجيّة وسوسيولوجيّة تنتمي في المقام الأول إلى التقيد بالأمور الدّينيّة والاجتماعيّة.
أولاً : خضع الدّخول إلى الحمّام التركيّ، إلى رزنامة زمنيّة قسّمت على أثرها مواقيت تفصُل بين الذكور والإناث، ففي حمّام النّساء، شكلت المرأة مركزًا أساسيًّا في إنتاج علاقات تسودها أنماط من التفاعل الاجتماعي، الأمر الذي جعل من الحمّام منتدى ثقافيًّا واجتماعيًّا ومنحه أهمية كبرى. إذ كان أولاً ملتقى للنّساء في المدينة، ومنها أنه أدى دورًا في إنتاج العديد من العلاقات المثمرة: كعلاقات الزّواج والقرابة، وعلاقات العمل، التي أدت في مجموعها إلى تكامل العديد من العلاقات في المجتمع، وطبعت في مكنوناتها تصورات خاصّة لمفهوم “الحمّام التركيّ” في الذّاكرة. يكشف الكاتب مهند مبيضين عن دور الحمّامات التركيّة في مرحلة ما قبل الحِقبة العثمانيّة وخلالها /1516 – 1918م/: “أنّها كانت مكانًا للترفيه بامتياز خصوصًا لمجتمع النّساء فقد كان الحمّام ملاذها الأول لأنّها كانت محرومة من الذّهاب إلى المقاهي، وبالتالي استعاضت عنها بالحمّامات للقاء الصديقات، والقريبات، ومكانًا للرقص والغناء”([7]).
يأتي منع الاختلاط بين الجنسين داخل الحمّام التركيّ انطلاقًا من منظور اجتماعي وأخلاقي، ومن العادات التي فرضتها النّساء حرصًا على عدم دخول الرجال إليه في الأوقات المخصصة لهن ربط قطعة قماش حمراء أو بيضاء اللون تسمى “بنديرا” على المدخل الرّئيس للحمّام دلالةً على وجودهن داخله كما جاء في الذاكرة الجماعيّة. كما تأتي أهميّة المشاركة والتفاعل مع الآخر، كجزء من منظومة اجتماعيّة فرضتها النّساء داخل الحمّام، ومنها أولوية الاحترام والتعاطف بينهن، ابتداءً من مساعدة الفقيرات منهن مثلاً: تقديم خدمات مجانيّة لبعضهن البعض حسب ما أوردته الذاكرة الشّفهيّة: “كانت النّسوان تساعد بعضها البعض وتليّف أجسام بعضها البعض خصوصًا النّسوان اللي ما كان معهن أجرة المكيّسة. وكمان كنّا نستعير الصابونة لما ما يكون معنا مصاري نشتريها”. هذه الأجواء التي كانت تمثل نموذجًا لعائلة واحدة تتشارك فيها السيدات وتتعاونَّ لقضاء أوقات سعيدة. وتشمل المساعدات التي كانت تقوم بها النّساء داخل الحمّام، توزيع الطعام وتبادله فيما بينهنَّ وخصوصًا في الأعياد والمناسبات الاجتماعيّة المتعدّدة، هذه الممارسات أدت دورًا في إطلاعنا على “ثقافة الطعام” في الحِقبة الزّمنيّة المشار إليها في هذه الدراسة التي لا يزال جزءٌ منها حاضرًا حتى يومنا هذا في المطبخ اللبناني التقليديّ ومنها أكلة “المجدّرة”، و”المفتّقة” و”التبولة”.
ومن الأجواء التي كانت النّساء تبثُها في الحمّام، التسلية والفرح والترفيه، وقد كانت هذه الطقوس تُعدُّ لغة تواصل في ما بينهنَّ نظرًا إلى السّاعات الطويلة التي كنَّ يقضينها داخله، والتي كان يتخللها العديد من المظاهر كالرقص والغناء، يسودها نوعٌ من المبارزة والمنافسة بين الفتيات اليافعات بشكلٍ خاص، حيث كن يقُمن بعرض أجسادهن التي كانت تتمايل و”تتغندر” على إيقاع الأغاني، وقد كان ذلك يتصاحب مع التّباهي بطول الشعر وبياض الجسد، وعرض الحوض (دليل على قدرتها على الإنجاب) كانت هذه الممارسات طريقة للفت أنظار “السيدات” في الحمّام لاختيار إحدى الفتيات كعروس محتملة لأحد أبناءهن ما حوَّل الحمّام إلى “سوق للعرائس” أُطلق على الزيجات الناتجة داخله “زواجة حمّام” في المنطوق المحليّ.
ثانيًا – المهن داخل الحمّام، أدواتها وتقنياتها
تعرف المهن المزاولة داخل الحمّام التركيّ بـ”الصنعة” أو “الحِرفة”، يٌقوم بها عدد من الأشخاص، مقابل بدل مادي. وقد ارتبطت الحِرف والمهن داخل الحمّام بالمرأة، وساهمت في إحداث أثر واضح في إنماء الناحيتين الاقتصادية والاجتماعيّة على السّواء، إذ أتاحت إعالة العديد من العائلات، من خلال عدد من الصُنع التي كانت تمارس داخله: ومنها: صُنعة “المكيسة” و”الدّاية” و”الماشطة” و”المصوبنة”، و”بياعة الحنة” و”المكحلة” وقد شكلت المهن المذكورة مظهرًا من مظاهر الحياة الاجتماعيّة والاقتصادية المُهمة في المدينة. فقد أدت الصُنع المذكورة دورًا مُهمًّا في عجلة الاقتصاد في المدينة، وارتبط العديد من المهن بعدد من الأدوات والمواد المستعملة داخل الحمّام التركيّ التي كانت تزاولها النّساء ومنها: المواد التجميليّة المستعملة في تجميل الوجه وترطيب الجسد مثل: ماء الورد، الحنّة، البخور، العطور، السكر، البيلون([8]) والطين. وقد ارتبطت هذه المواد لضرورتها وتكرار استهلاكها بإنماء العمليات التجاريّة في المدينة أبرزها: وجود محلات “العطارة” كمرفق اقتصادي مُكمل لاحتياجات المرأة وجزء من “اقتصاد الحمّام” الخاص بالمرأة.
من المهن والصنع الممارسة داخل الحمّام
1- صنعة “المكيسة”
تُعدُّ تقنية “المكيسة”، إحدى أقدم المهن التي زوالتها المرأة عبر التاريخ، وتحديدًا إبان الحِقبات الإسلامية (من الحِقبة الأمويّة، حتى الراهن)، وقد استطاعت هذه المهنة كتراث تقليديّ أن تصمد بوجه التغيّرات التي طرأت على الحياة الاجتماعيّة في المدن من خلال ارتباطها بأبعاد وتصوّرات ودلالات متعددة حول جمالية جسد المرأة ومنها: تحضير العروس، ونظافة الجسد. تقتضي مهنة المكيسة استعمال عدد من الأدوات والمواد التقليدية المكملة لعملية “الاستحمام” ومنها:
– الكيس الأسود: وهو نوعان بحجم كف اليد: واحد للوجه، وآخر للجسم لإزالة الإفرازات الدّهنيّه عنه.
– الليف المعقود: وهو مستخرج من نبتة الليف، يستخدم مع رغوة صابون الغار بعد عمليّة تكييس الجسد لتنظيفه من الجلد الميت.
– الحجر البركاني: ويعرف بـ”الحجر الأسود”([9]). يستعمل الحجر “لحفّ” الجلد القاسي المتراكم أسفل القدمين.
تعدُّ “عملية التكييس”، إحدى قواعد التنظيف الأساسية في الحمّام التركيّ، يُراعى فيها لحظ نوع الجلد وحالته، تفاديًا لأيّ جروح قد تحدث أثناء عملية الفرك. وتقوم “المْكَيِّسْة” بتَكْييس الجسم، وفقًا لتراتبية محددة: فتفركه بـ”الكيس الأَسْوَد” بداية من منطقة الصدر، الذراعين، الأرجل، ثم منطقة الظهر، كل هذه العملية هي لإزالة الجلد الميت والدّهون المتراكمة عليه، تليها مرحلة تلييف الجسد “بالليفة العادية” مع “صابون الغار” ليعود ناعمًا وطريًّا، أما كعب القدم فيفرك بـ”الحَجَرْ الأَسْوَد”. وتستعمل “المكيّسة” الطاسة المصنوعة من النّحاس لتطهير الجسد بالماء النظيف في نهاية الحمّام.
صورة (1) تقنية غسل جسد المرأة داخل الحمّام وهي إحدى التقنيّات لا تزال تمارس في الراهن بالأطر التقليدية نفسها
(أ) صورة تبين وضعيّة المستحمّة على ظهرها (ب) صورة تبين وضعية المستحمّة على بطنها
لمهنة “المكيّسة” عدد من العوامل الاجتماعيّة إذ تتميز بإدارتها لعمليات الاستحمام في القسم “الجوّاني” من الحمّام، ويأتي ذلك بسبب موقعها ودقّة عملها، إذ تنتقل هذه المهنة “المكيسة” بالوراثة من الجدة إلى الحفيدات، لاعتبار أنّ الفتاة قد تتزوج وتنتقل إلى منزل زوجها، لهذا السبب كانت الأمهات اللواتي يقُمن بمهنة “المكيسة” يصطحبن بناتهن معهن إلى الحمّام بهدف إكسابهن المهنة وتقنياتها من بعدهن. إلا أنّ هذه المهنة تخلو من التراتبية في حمّام الرجال التي تنتقل من الأكبر إلى الأصغر([10]).
2- “الدّاية” وازدواجيّة المهنة
“الداية” (بالعامّيّة) هو اسم لامرأة عندها معرفة ومهارة في صنعة التوليد. وقد شغلت “مهنة” الداية حيّزًا مُهِمًّا في المجتمع الأنثوي داخل الحمّامات التركيّة وخارجها، ومن الأدوار التي قامت بها الداية كطبيب معالج، إذ لم يكن مسموحًا للأطباء من الرجال في الكشف على النّساء من مفهوم “العيب” و”الحرام”. وقد كان دور الداية في الحمّام يتعدّى عملها الأساسيّ كقابلة قانونيّة خارجه. حيث كانت توكل إليها مَهَمّات ترتبط بالأعضاء الحميمة من جسد المرأة ابتداءً من إخضاع الفتاة بعد الزواج إلى فحوصات للتأكّد من تحولها إلى “امرأة” (فحص غشاء البكارة) فإذا ما زالت عذراء كانت الدّاية تقوم بنصحها لطرد الخجل. ومن المَهَمّات التي كانت تقوم بها الداية بديلًا عن أم العروس أو حماتها تنظيف جسد الفتيات من الشعر، والوبر غير المرغوب فيه بالطرق التقليدية باستعمال السكر المعقود. إضافة إلى ما ذُكر، كانت الدّاية تقوم بعدد من العمليّات ذات الوجهة العلاجيّة ومنها تضميد الإصابات والجروح، وعلاج التشنّجات التي تستخدم فيها أنواع من الزيوت وبعض الأعشاب والموادّ الطبيعية التي كانت شائعة الاستعمال آنذاك. ومن طرق العلاج الشّعبي في الموروث الثقافيّ، التي كانت تقوم بها الدّاية أيضًا لعلاج “النفسا”، (وهي المرأة التي تضع مولودًا)، ما بعد عملية الولادة فكان يُوضع البيض على الأرض (بلاط النّار في القسم الحار تبلغ درجة حرارته 90) مع الكمّون وتجلس عليه “النفسا”، وهي عارية تمامًا من الملابس “وتكبس المرأة بالأرض وترشق البيض لإعادة بيت الرّحم إلى موضعه” على أساس أن الكمّون، والزنجبيل لهما دور في تطهير موضع الجرح كما جاء في الذّاكرة الشّعبيّة.
3- المهن التجميليّة النّسائيّة داخل الحمّام التركيّ
من المهن التي اختصت بها النّساء داخل الحمّامات مهن “التجميل” والتي برزت على أثرها مَهَمّات عديدة تشغل كل منها وظيفة محددة، مقابل أجر: الماشطة، المُكَحِّلَة، بياعة الحنّة، المُصَوبِنَة.
“الماشطة”: وهي من تقوم بتمشيط وتسريح شعر السيدات داخل “الحمّام التركيّ” في القسم البارد منه، مقابل أجر بسيط من المال، باستعمال “المشط”([11])، وقد عرفت باسمه، ومن مَهَمّاتها أيضًا تجميل الفتيات ووضع المساحيق التجميليّة على وجوههن في المناسبات المتعدّدة. ومن المهن التي ترافق وظيفة “الماشطة” “المُكَحِّلَة”: وهي امرأة وظيفتها تنحصر في تكحيل عيون الفتيات بواسطة “قطرة” تركيبها يدويّ من قبل الكحّالة. إضافة إلى المهن الآنفة الذّكر التي كانت تمارسها النّساء داخل الحمّام في القسم الحار، “بيّاعة الحنّة([12])“: التي كانت تقوم بوظيفة صبغ شعر الفتيات، باستعمال مادّة “الحنّة” وتعدُّ هذه الطريقة في تلوين الشّعر من الطرق التقليديّة التجميليّة أيضًا إذ كانت “بيّاعة الحنّة” تجول بين السّيدات في الحمّام مناديةً “اللي ما حشى يحشي” أي (من لم تضع الحنّة على شعرها تضعها). ومن الوظائف التي مارستها النّساء أيضًا داخل الحمّام صنعة “المُصَوبِنَة” وهي أمرأة كانت تقوم بغسل شعر السّيدات. إنّ ما ذُكر من المهن والصُنع التي مارستها المرأة والتي تناقلتها الأجيال فيما بعد، تعدُّ من الخصوصيّات النسائية داخل “الحمّام التركيّ”، وقد تركت أثرًا بارزًا في الذّاكرة استمر من القرن التاسع عشر مرورًا بالقرن العشرين، وتطلعنا الذاكرة المدوَّنة على عدد من هذه العادات والتقاليد في القرن التاسع عشر ووظيفة النّساء فيها، ومنها ما ورد في كتاب السفير الفرنسيّ هنري غينز([13]): “إن مشاغل النّساء في الحمّام عديدة، فهناك يجتمعن لينظفن أجسادهنّ بكيس من الشّعر النّاعم، ويضعن على رؤوسهن الحنّاء لتصبح شعورهنّ ملساء، ثمّ يدلكن أجسادَهنَ بمادة لزجة ممزوجة بماء الورد، وأخيرًا يتمشّطن، ويصففن شعورهنّ ذوائب ذوائب، ولما كنّ يحْسبن أنفسهنّ عائلة واحدة على الرّغم من تعدّد العائلات والأشخاص، فإنّ هذه العمليّات لكلّ منهنّ على حدَة تستغرق الوقت الطويل، وفي الحمّام يشتدّ هذر النّساء ولَغْوَهُنّ، فهناك يلقنَّ بعضهنَّ بعضًا مما حفظنه من حاضناتهنّ اللواتي كنّ يدلّكن أجسادهن ويغسلنها، تتألف حمّامات الشّرق من ردهات واسعة معقودة بالحجر تعلوها قباب تطلّ منها كوى صغيرة مدوّرة لتستقبل ضوء النهار، وقد عرفت الحمّامات القديمة بعض الوصفات العربيّة كخليط الماء الساخن بأنواع من الأعشاب، إمّا من أجل نعومة الجلد للسيدات، أو من أجل الشّفاء من بعض الأمراض في كلّ الأعمار، ولكنّها لم تعرف الأحواض التي تثبتت في البيوت اليوم، وربما كان الغطس في المياه الساخنة مثل حمّامات الحمّة هو إحدى الوصفات العربيّة من أجل الشفاء من مرض معيّن”.
بيلون |
صورة رقم 3 تشمل الأدوات والموادّ المستعملة في الحمّام (مدوَّنة بلغة الحمّام)([14])
ثالثًا – الموروثات الشعبية و”ثقافة الحمّام”
من خصائص الحمّام التركيّ النّسائيّ، تعدد نماذج الاستحمام ومنها: “حمّام العروس”، “حمّام النفسا” الذي مارسته النّساء في الداخل، وأصبح من خصوصيّاتهن في “ثقافة الحمّام” النسائيّ. ويمتلك كلّ نموذج “استحمام” أجواءه الخاصة به ومنها الاحتفاليّة التي كان يتتخللها طقوس، وشعائر كالعزف على آلة الدربكة والتصفيق بالكفين، والغناء.
1- طقوس “غسل الجسد”
من ضمن “ثقافة الحمّام” عملية غسل الجسد أي “الاستحمام” الذي كان يجري وفقًا لتراتبيّة وتدرُج بين أقسام “الحمّام التركيّ”. ففي القسم الأول “البارد”، تبدأ النّساء أولًا بالتّجرد من ملابسهنّ، ثم تقوم بلف الوزرة المصنوعة من القطن حول جسدها، لتنتقل بعد ذلك إلى القسم الثاني “الدّافئ” بهدف تعديل حرارة جسدها بالماء قبل الدّخول إلى القسم الحار، وهو القسم الثالث والأخير من الحمّام، حيث كانت تجري فيه مراسم “الاستحمام” وطقوسه فتُعرِّض المُستحِمَّة جسدها للبخار والحرارة بهدف تفتيح مسامات الجلد فيه من أجل “تكييسه”. إنّ هذه العملية الأخيرة وفقًا لتقنيات خاصة ذكرناها في هذه الورقة. ومن ممارسات النّساء داخل “الحمّام التركيّ” أيضًا، ضرب الطاسة([15]) بالأرض التي كانت تحدث “طرطقة” وقد كان الهدف منها إصدار صوت للإعلان عن حاجة المستحِمَّة للمكيِّسة.
1- طقوس “حمّام العروس” وتهيئتها
يتميز “حمّام العروس” بطقوسٍ خاصة من حيث تراتبيته والتقنيات المستعملة فيه، والتي تحمل دلالات الاجتماعيّة واقتصادية وثقافية. ومن ثقافة هذا الحمّام، إحضار العروس أدواتها الخاصة التي كانت تستعملها في عملية الاستحمام والتي تحمل في مزاياها مؤشرات الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ للعائلة، من خلال نوعية وجودة ومتانة وزخرفة الأدوات منها:
“الطاسة” النحاسيّة التي تتميز بأشكال متعدّدة كالحفر، أنواع الصابون المعطر والبخور، والمشط والمرآة، ويشكل مجموع ما ذكر “جهاز الحمّام” الذي كان يوضع في صندوق خشبي خاص بالعروس أو توضع في “بقجة” حسب الوضع الاقتصاديّ للعروس. وبهدف تمييز العروس عن باقي الفتيات داخل “الحمّام التركيّ” كان يُلف جسدها بوزرة جهزت خصّيصًا لهذا اليوم، وتأتي الوزرة ضمن جهاز العروس الذي يتعدّد بين مدينة وأخرى. في مدينتي صور وصيدا كانت العروس تنفرد بلف جسدها بوزرة مقلّمة بالأحمر أو الأخضر. أمّا في مدينة طرابلس فكانت تلفُ جسدها بوزرة مقصبة بخيوط فضيّة أو ذهبيّة، وفي مدينة بيروت فقد كانت العروس تتميز بمنشفتها المطرزة. ومن طقوس تمييز العروس أيضًا، وضع طبق أحمر على شعرها في حين كانت قريباتها وصديقاتها يضعن ورودًا من ألوان أخرى للتعريف عنهن. أمّا عملية الاستحمام، فقد كانت تبدأ بدخول العروس إلى القسم الوسطاني، لتنظيف الجسد من الشعر غير المرغوب فيه، تليها عملية تكييس الجلد وتنعيمه، ثم غسله وفركه باستعمال مواد معطرة وماء الورد وبعض المواد الطبيعية. عند الانتهاء من الحمّام تنتقل العروس إلى القسم البارد، حيث تُزين وسط مراسم احتفاليّة، يتخللها نثر الورود، وتوزيع الحلويات على زائرات الحمّام مصحوبة بالزغاريد والأغانيّ الشّعبية التي كانت سائدة آنذاك، منها “الدلعونا”([16])، “الاويلات”([17]) التي كانت محط مبارزة بين النّساء من أهل العروس وأهل العريس، تُذكرُ خلالها محاسن العروس وتفضيلها على العريس حتى ينتهي الجوّ الاحتفاليّ بخروج العروس من الحمّام. ومن الأغانيّ:
* حَلوا شعرهن نِزلوا على الحمّام (أي فرد الشعر على طوله لإبراز جماله)
وإنتي * ئمرهن والصبايا نجوم (أي القمر دلالة على الجمال)
يا ويلي حَلو شَعرهُن يا ويلي
وإنتي ئَمرهُنْ وفي زَغْرودَه (ليليليليش)
يذكر فردريك معتوق في كتابه عدد من الأغاني التي كانت تردّد في حمّامات منطقة شمال لبنان([18]):
«وعند الحمّام تصطف النّساء أمام باب الحمّام وتغني:
– عالبركــات تحممتي طابت ميّة حمّامك
– لا تزعلي يا عروس أحو بيك قدامك (أو أمك أو أختك أو عمتك… الخ)
– يا عروس قومي تمشي من الحمّام للممشى…
– شو هالعروس الغاوية يللي ما شافها مخلوق
– حمّامهــا بدارهـا وشباكها مغلوق»
كما يصف لامارتين([19])، في مذكراته عن طقوس “حمّام العروس” في الحمّام التركيّ في لبنان فيقول: «كان الحمّام في ذلك النهار مُخَصّصًا لعروس أميرة، وقد دُعي إليه زهاءَ مائتي سيدة من نبيلات المدينة وضواحيها وبينهنّ بعض الأوروبيات وزوجتي، فجاءت كلّ واحدة من الأميرات والنبيلات ملتفّة بثوب واسع يسترُ ثيابها الفخمة، وكلّهن مصحوبات بإماء سود أو بجوارٍ بيض حُرّات، وكلما وصَلَ موكبٌ من مواكبهنّ اجتمعت نساؤهُ كُتلًا، وجلسن على حُصرُ ومساند مُعدة في الرّواق، ولمّا اجتمعت المدعوات كلّهن عُزفت موسيقى عنيفة بالنقيرات والمزامير، وغنّت نساء مرتديات ثيابًا من الأنسجة الشّفافة الحمراء، بأصوات حادّة محزنة، ولم تنقطع هذه الموسيقى طوال النهار، فكانت تنشر في ذلك الجوّ البهيج ضجيجًا صادعًا، ثمّ برزت العروسُ تصحبُها أمّها وأترابها، لابسة ثوبًا فخمًا، ويتوارى شعرُها وساعداها وعُنُقُها وصدرُها تحتّ عناقيد من النّقود الذّهبيّة واللآلئ، فتواصت المُحمّمات بها، فنزعن عنها ما عليها من الحليّ قطعةً قطعة، ثم ابتدأت مراسيم الاستحمام المتعدّدة، والموسيقى تعزف اللحن نفسه، والصياحُ يتراسل من غرفة إلى غرفة، فاستحممن أولًا بالبخار الحارّ، ثمّ صُبَ عليهنّ ماءٌ مُعَطّرًا، ثمّ جاءَ دورُ اللّعب والدعابات واللهو، وحينَ انتهين خرجنَ من غرف الاستحمام إلى غرف التبردّ والرّاحة، فجدلت كلُّ أَمَة وكل جارية شعرَ سيدتها الرّطب، وعقدت لها عقودها، وألبستها أساوِرَها وحليها وثيابها الحريريّة وسلطتها المخمليّة، ثمّ بُسطت بينهن مساند على حصر،… وتدور الأحاديث بينَهنّ، إلى أن برزت الرّاقصات يرقصنَ على الموسيقى عينها، الرقص المصري، ولما انقضى النهار وهنّ على هذه الحال، وأرخى الظلامُ سدوله وعاد الموكب النسائي بالعروس إلى بيت أمّها»([20]).
لوحة بربشة الرسام Arnst تجسد حال العروس في ثقافة الحمّام كما جسدها المخيال الغربي
2- طقوس “حمّام النفسا”
من المخزون الثقافي التي كانت تقوم به النّساء داخل الحمّام التركيّ، عادات وتقاليد عديدة أدت دورًا مهّمًا في نسج العديد من التصورات في المخيال الشّعبيّ. أبرزها العادات والتقاليد التي كانت متبعة في “حمّام النفسا”، والتي اتسمت بخصوصية ميزت هذا الحمّام عن طقوس الحمّامات الأخرى حيث تبرز فيه دلالات الاجتماعيّة وجندرية ثقافية.
من ميزة حمّام النفسا كانت تُحضر “المرأة إلى الحمّام، بعد مرور أربعين يومًا على وضعها مولودها، حيث كانت تقامُ لها مراسم “الاستحمام فتُدخل إلى” البركة المائيّة في القسم الحار من الحمّام، على أن تكون حرارة المياه حارة جداً أولاً: بهدف انتزاع فُتات الأوساخ المتراكمة عن جسدها، وثانيًا: لطرد الشّر حسب المعتقدات التي كانت سائدة آنذاك. بعدها تباشر الدّاية بعلاج المرأة النفسا، ثم تقوم المكيِّسة بغسل الجسد وفركه وتدليكه.
عند الانتهاء من “حمّام النفسا” تقام مراسم الاحتفال في القسم البارد من الحمّام ، حيث كانت توزع الكراوية([21])على السيدات ابتهاجًا بالمولود الجديد وسط الشموع المضاءة وخصوصًا إذا كان المولود صبيًّا. كما كانت تقوم الأمّهات بتوزيع الحلوى من “القضامي” و”المعمول”([22]) و”النعومي” على الأطفال وسط أجواء وتعليقات وتغامز فيما بينهن على من كان مولودها “بنت” وأشهر ما كان يردد في الاحتفالات من الغناء ابتهاجًا بالمولود الذكر:
آويِها صَلِّـي عَلـى النَبـي
آويها والْحِبْلَى جَـابَتْ صَبي
آويها مِين يِروحْ يِبَشِرْ أَبـوه
آويها ويِئْرا (يقرا) مَوْلِدْ لِلنَبي
وتطلق الزغاليط (لالالاليش)
كما يقال لها وسط الرقص والدّق:
«اليوم تحمَّمَت، واللي راح تروح مع زوجها نامت»
و«نامت وقامت، وعَفْراشْها نَامت وإِلَكْ الْحَمِدْ يا رَبْيِّ ما شَمَتِتْ فِيهَا شَامِتْ»
رابعًا – صورة المرأة والحمّام في الموروثات الشعبيّة اللامادّيّة
إلى جانب “ثقافة الحمّام”، وأنواع الاستحمام المصاحبة له، والمهن المزاولة والمتوارثة، برزت بعض الموروثات الشّعبيّة، التي أخذت حيّزًا مُهِمًّا في الثقافة اللامادّيّة، منها الموروثات والأمثال الشّعبية، التي بقيت متداولة حتى يومنا هذا، وكان للمرأة دورًا مُهِمًّا في استنبطاها من أدوات الحمّام، ووظائفه، وتقنياته المعمارية وتحديدًا في “القسم الحار” من “البلاط الناريّ”، “الرخام” و”الأجران”، ومن الأمثال اللبنانيّة التي تدخل في الموروث الثقافيّ الرمزيّ:
– “ضاعِتْ الطاسِةْ”: أي ضاعت من كثر التداول بها في الحمّام.
– “المَرا مِثِلْ الّبْلاطَة”: يدلّ هذا التشبيه على نقاوة جسد المرأة الخالي من الوبر.
– “مثِلْ الحمّام المَقْطوعَةْ مَيْتُهْ”: وهو يعبّر عن اللغط والفوضى التي تحدث داخل الحمّام عند انقطاع المياه.
– “حُطْ الحُزُنْ بالجُرُنْ”: أي “ارمي همومك بالماء تضيع” يرمز إلى ضياع الهموم بالماء.
– “شو بتعمل الماشطة بالوج العكش (أي البشع)”: وهو يرمي إلى الفتاة غير الجميلة التي تعمد الماشطة إلى تجهيزها وتجميلها ليلة العرس.
هذه الأهمية للحمّام كمكان في ذهنية المرأة، جسّد موروثات ثقافيّة لا مادّيّة ترسّخت في اللاوعي الجمعيّ، وحملت صورًا وقصصًا وأساطير ارتبطت في الجنّ والماورائيات وتحديدًا في الجدول النسائيّ لحضور الحمّام، التي ذكرت العديد من الأحداث التي حصلت في حمّامات لبنان والذي ارتبط معظمها بالجنّيّات([23]) كسقوط النّساء، واختفاء الأدوات والمشاكل بين النّساء، وشد الشعر.
الخاتمة
إنّ هذا الواقعٌ أتاح للمرأة إنتاج علاقاتها ومفاهيمها، ولغتها، من أمثال وموروثات شعبية، شكلت فيها التمثلات الاجتماعيّة والممارسات صورًا في المخيال والذاكرة الجمعيّة في الثقافيّة الشّعبيّة للمجتمع اللبنانيّ.
لقد فرضت المرأة الحمّام التركيّ عنصرًا ثقافيًّا مُهِمًّا، أدى إلى جانب وظيفته الرئيسة، أبعادًا سوسيولوجيّة وأنتروبولوجيّة، بدأت من داخل الحمّام إلى خارجه، من خلال توطيد العلاقات بين الجماعات في عدد من مجالات حياتهم الاقتصادية، والثقافيّة، والاجتماعيّة، والصحيّة، والرّمزيّة، الأمر الذي أدى إلى استمراره واستعماله، إذ حمل في طياته العديد من الموروثات الثقافيّة في الذاكرة المروية، والمدوَّنة في الأدب العربيّ، إضافةً إلى احتلال تلك الموروثات حيّزًا مُهِمًّا في خيال المستشرقين([24]) والأدباء الغربيّين والأعمال الفنية التي تقدم إسهامات المرأة كناقل فعلي وحافظ للتراث إذ لا تزال صوره تتناقلها الأجيال. أخيرًا، إن معايير “الجسد”، “الجمال”، و”التجميل”، والحفاظ عليها في اللاوعي الجمعي عند النّساء اكسبت “الحمّام” خلال مساره، تنوّعًا ثقافيًّا مُهِمًّا ساهم في إدخاله في تكوين المجتمعات وبنيتها، ويقدم المخزون الثقافي دليلاً لما نلاحظه اليوم من أنَّ بعض المهن ما زالت تمارسها النّساء، ولكن ضمن مسمّيات جديدة، كمفهوم الداية التي تحوّلت إلى قابلة قانونيّة، الماشطة ” الكوافيرة” إلا أن مفهوم “المكيِّسة” ووظيفتها ما زالت مستمرّة، بل تدخل ضمن منظومة المرافق التجميلية، وتشكل أحد التعابير الثقافة والتراثية في المجتمع اللبناني.
المصادر والمراجع
1- ابن منظور: “لسان العرب”، 1971، الجزء 6، دار صادر، بيروت/ لبنان.
2- بيار بونت وميشيال ازار: “ا“لأثنولوجيا والأنتروبولوحيا”، 2006، دار صادر، بيروت/ لبنان، طبعة اولى.
3- دنيس كوش: “مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعيّة”، مارس/ 2007، ترجمة منير السعيداني، إصدار المنظمة العربية للترجمة، بيروت/ لبنان، طبعة أولى.
4- فردريك معتوق: “سوسيولوجيا التراث” 2010، شبكة المعارف، بيروت/ لبنان، طبعة أولى.
5- مارون رعد: “بلاط الأمير بشير الثاني“، 1979، جامعة القديس يوسف، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بيروت/ لبنان، أطروحة دكتوراة حلقة 3 في التاريخ، بيروت/ لبنان.
6- مهند المبيضين: “ثقافة الترفيه والمدينة العربية في الأزمنة الحديثة – دمشق العثمانية”، 2009، دار العربية للعلوم ناشرون والصندوق العربي للثقافة والفنون، بيروت ، طبعة أولى.
7- ناصر حسين العبودي: “صفحات من آثار وتراث دولة الإمارات العربية المتحدة”، 2002، مركز زايد للتراث والتاريخ، العين، الإمارات.
8- هنري غينز: “بيروت ولبنان منذ قرن ونصف قرن”، الفصل الثامن، 2014، ترجمة مارون عبود، مؤسسة هندواي للتعليم والثقافة، مصر.
9- Muric Halbwachs: “les Cadres de la Mémoire Siciaux” (1925), )La mémoire collective(, chp V, Paris Librarie Félix Alan, pp109.
طالبة في المعهد العالي للدكتوراه الجامعة اللبنانية الآداب والعلوم الإنسانيّة، قسم الأنتربولوجيا الثقافيّة.- [1]
[2] – بيار بونت وميشيال آزار، “الاثنولوجيا والأنتروبولوحيا”، 2006، دار صادر، بيروت/ لبنان، طبعة 1، ص 366.
[3] – ناصر حسين العبودي: “صفحات من آثار وتراث دولة الإمارات العربية المتحدة”، 2002، مركز زايد للتراث والتاريخ، العين، ص 147.
* من المؤكد أن الحفاظ على التراث، كان ولا يزال، نواة المفهوم الجديد للتراث العالميّ، الذي تضمنته اتفاقية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972 التي وضعت بنودها منظمة اليونسكو (7).
[4]-Muric Halbwachs: “les Cadres de la Mémoire Siciaux” (1925), )La mémoire collective(, chp V, Paris Librarie Félix Alan, pp109.
-[5] أخذت الحمّامات التركيّة في لبنان أهمية برزت في تشكل المدينة، وتطور العمران وتوسعه فأصبحت مظهرًا من مظاهر الترف، ويُعرف الحمّام التركيّ بـ”الحمّام العمومي” أي لعموم الناس حيث يدخلون إلى الحمّام للاستحمام لوفرة المياه فيه. وقد ارتكزت في عمارتها على ثلاث أقسام اعتمدت على الهندسة نفسها للحمّامات العمومية: وترتكز إلى ثلاثة أقسام تتباين درجات الحرارة فيها وهي: القسم البارد “البرّانيّ”، القسم الدافئ “الوَسْطانيّ”، القسم الحار “الجُوّانيّ” كما تلفظ بالمنطوق المحلي.
[6] – دنيس كوش، “مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعيّة”، مارس/ 2007، ترجمة منير السعيداني، إصدار المنظمة العربية للترجمة، بيروت/ لبنان، ط1، ص 143.
[7]– مهند المبيضين: ” ثقافة الترفيه والمدينة العربية في الأزمنة الحديثة – دمشق العثمانية” ،2009، دار العربية للعلوم ناشرون والصندوق العربيّ للثقافة والفنون، بيروت، طبعة أولى، 157.
[8] – البيلون: هو تربة حلبيّة تُنقع في ماء الورد، ثمّ تُذوّب فيه، ويُصفّى الماء، ويُوضع على الرأس عند الانتهاء من عمليّة الاستحمّام لتُكسب الشعر رائحة جميلة ومعطّرة.
[9] – ابن منظور، “لسان العرب” مرجع سابق (باب النون). – ورد فيه: «يسمى أيضًا حجر الصوان “النسْفة”: وهو من حجارة الحَرَّة، تكون نَخرة ذات نخاريب يُنتشف بها الوسخ عن الأقدام في الحمّامات، ويسمى “النشفة”: لانتشافه الوسخ في الحمّامات».
[10]– يمر “المكيّس” بمراحل عديدة قبل أن يشغل هذا المركز، إذ تنتقل مهنة “التكييس” بين الأشقاء بتراتبية تبدأ من البكر إلى الأصغر يتدرّج فيها من مرحلة إلى أخرى (من ناطور الى تابع إلى مكيّس). وتنتقل عملية التكييس بالوراثة من الجد إلى الابن البكر، ثمّ إلى الحفيد البكر، وهي شبيهة بالنظام الملكيّ، لأنّ مراحل الانتقال تبدأ من الأخ البكر إلى الأخ الأصغر وفي حال وجود ولد للابن البكر تنتقل إليه مهنة التكييس، أمّا باقي الأخوة فتبقى مَهَمّاتهم موزّعة بين الأقسام.
[11] – وهو أداة مصنوعة من العظم أو الخشب لها أسنان صغيرة.
[12] – الحنّة: نبتة تُخلط بالماء، أو الشاي وتُوضع على الشعر لصبغه.
[13] – هنري غينز: “بيروت ولبنان منذ قرن ونصف قرن”، الفصل الثامن،2014، ترجمة مارون عبود، مؤسسة هندواي للتعليم والثقافة، مصر.
[14] – “طين خاوه”: (باللهجة الكويتية) وهو طين يخلط بماء الورد كما البيلون إلا أنّه ينقع به الشعر لفترة معينة ثم يغسل بالمياه.
[15] – الطاسة: (التي تستعمل لغسل الجسد بالمياه).
[16] – “الدلعونا”: وهي تعني كما حللها البعض “يد العون” التي تتكرر مع القيام بأيّ عمل حيث يساعد الناس بعضهم البعض لتصبح “يدلعون”.
[17] – “الأويلات”: مأخوذة من فعل (“قال” أي ئال) منها لغة الأقاويل (الأويلات) كما فسرها الدكتور عمر شبليّ. كما عرف عنها في مكان آخر على أنّها نوع من الزغاريد تطلقها السيدات في الأعراس، وهي أبيات عدّة تتميز عادة بوصف العروس، أو العريس، أو تُحاكي “الحماة والكنة”، يبدأ كل بيت منها بكلمة “آويها” “”aweha وفي الكورة تلفظ “آييها” “ayeha”. وفي آخر بيت فيها يطلق صوت يعبر عن الفرح وهو “ليليليش” /lelelelch/ أو “لالالايش/ “lalalach”/. في حين عدّ السيد طلعت حمادة أنّ “الأويهات” أو “الأويلات” إنذار الموجودين لإعطاء السمع تمهيدًا للالتفات لما سيقال. وما ورد ذكره أيضًا أن لفظة “آويها” يونانية الأصل، وتقول الرواية: إنّه قدم مسؤول سياسي من اليونان واستقبلته نساء فينيقية بـAvouwa””. (الرواية منقولة من كتاب المدينة الميمونة ليوسف حورانيّ).
[18] – فردريك معتوق: “سوسيولوجيا التراث” 2010، شبكة المعارف، بيروت/ لبنان، ط1، ص 173.
[19] – مارون رعد، “بلاط الأمير بشير الثاني“، 1979، جامعة القديس يوسف، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بيروت/ لبنان، أطروحة دكتوراة حلقة 3 في التاريخ، بيروت/ لبنان – ص144. (الفونس دي لامارتين: مستشرق فرنسي، عاش في جبل لبنان في القرن التاسع عشر، وقد دوّن ما نقلته له زوجته أثناء حضورها لزفاف أميرة في حمّام قصر بيت الدين. ونشير إلى أن حمّام الأميرات يختلف عن حمّام العامّة من الشعب، فتقتصر التقاليد على فخامة البناء والأدوات والموادّ، والفنون الممارسة في الدّاخل وهي حمّامات مخصصة لطبقة الأمراء والنبلاء.
[20] – لا بدّ من أن نشير إلى أنّ الحمّامات التركيّة في الريف كانت مخصّصة للأمراء كحمّامات ذات شأن خاصّ، إلا أنّ الممارسات بداخله، والخصوصيّة النّسائيّةفيه لا تختلف عن عادات الحمّامات التركيّة في االمدينة، وإنّما كانت أكثر بذخًا، وهي دلالة على تراث المرأة ذات المستوى الرفيع وعاداتهم.
[21] – الكراوية: نوع من الحلوى ساخنة تقدم في النفاس وهو مزيج من الزنجبيل والقرفة ويوضع المكسرات فوقه.
[22] – المعمول: نوع من الحلوى مصنوع من السميد يعجن يدويًّا ويُحشى بالتمر أو المكسرات، وهو من الحلويات الشّعبية ولا تزال حتى اليوم تخبز في المنازل في الأعياد والمناسبات.
[23] – تشير العديد من الروايات: إلى أنّ مجمل الحوادث المؤلمة التي حدثت في الحمّام من سقوط، وحرق الجسد، وسرقة الأغراض تعود إلى وجود الجنّيّات في الحمّام ما يتسبّب في مشاجرات بين النّساء.
[24] – من أبرز المستشرقين الذين جسّدوا صور خياليّة لواقع المرأة العربية في الحمّام التركيّ: Jean –Auguste Dominique Ingres. –Jean Leon Gerome. – Paul Louis Bouchard. – Arnst.