foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

الغربة في الشعر العربيّ

0

الغربة في الشعر العربيّ

إعداد: عبّاس حسن حاوي

تردّد مفهوم الغربة في الشعر العربيّ عبر عصوره الأدبيّة، لالتحام الشعر بواقع أمّته. وارتبط مفهوم الغربة في المعاجم العربيّة بالمكان والبعد عنه، فيقال الغَرْبُ: أي  الذهاب والتنحّي، ويقال أغَرَبْتَه إذا نحّيْتَه ، والغَرْبُ أيضّا هو الابتعاد عن الوطن، ويشير الجوهريّ إلى هذا المعنى بقـــــــوله “التغريب النفي عن البلاد، وأيضًا غَرَبَ، وأغْرَبَ عنّي أي تباعد”[1]، وهــذا ما أـكّـده ابن منــظور في تحــديده معنى الغربة بقوله: “الغربة والغرب: النوى والبعد، ويقـــال: أغربته وغرّبته إذا نحّيته وأبعـــدته، والتغريب النفي عـــــــــن البلد”[2]، إذًا الغربة هي البعد والتنحّي. وورد في معجم المعاني: “والغُربة مصدر غَرُبَ، ويقال طَالَتْ غُرْبَتُهُ أي طَالَ بُعْدُهُ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ، وأيضًا، وَجَدْتُهُ فِي غُرْبَةٍ أي فِي وَحْشَةٍ، ومنها: فقْدُ الأحبّة غُرْبة بمعنى من فقد أحبّتَه صار كالغريب بين الناس، وإن لم يفارق وطنَه[3]. وهناك نوعان من  الغربة: غربة مادّيّة تتجلّى في البعد عن الأهل والوطن، وغربة معنويّة تتجلّى في الخروج على مبادئ الناس، وتقاليدهم، وأعرافهم[4].

وتردّد مفهوم الغربة عند كثيرٍ من الشُّعراء على مَدار التَّاريخ ، كلَّما ارتحل عن أرضه، ووطنه، أو كلّما حلَّت نكبةٌ، أو وقعَتْ واقعةٌ يَشْعر فيها الشَّاعر بالوحشة، والغُربة، والحزن، فينظم شِعرِه مُصوِّرًا حاله، أو حال أمَّتِه إبَّان هذه المناسبة، أو ذلك الموقف.

ونعرض هنا أمثلةً نُدلِّل بها على امتداد هذه الرُّوح وهذه الرُّؤية لمفهوم الغربة في شِعْرنا القديم؛ تأكيدًا وتَمثيلاً لهذه الرُّؤية الشعريَّة والفَنِّيّة في الشِّعر عبر كلّ العصور الأدبية بَدءًا من العصر الجاهليّ، لأنّ مفهوم الغربة ارتبط مع الإنسان منذ بداياته، ويبدو أنّ الغربة عاشت مع الإنسان منذ بدأ يضرب في الأرض “قد حمل بين جوانحه ضروبًا من الإحساس بالغربة حتّى تلوّنت قطاعات عريضة من أدبه بعد ذلك بهذا الإحساس”[5].

وكان إحساس من القلق يسيطر على الإنسان العربيّ في ذلك العصر بسبب صراعه الدائم مع العوامل الطبيعيّة، أو الذاتيّة:

في العوامل الطبيعية فقد كانت الطبيعة الصحراوية والحياة الرعوية سببًا للانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن أسباب العيش، فيرتحل الشاعر تاركًا وراءه أهلا وأحبابا غير الذين ارتحلوا معه، “ولذلك كانت مطالع القصائد الجاهليّة في كثير من الأحيان حديثًا عن الأطلال وإحساسًا بالغربة بعد الأنس، وحنينًا طويلًا إلى ديار أحبابه الراحلين. الذين هم بالنسبة إليه كأبناء الوطن بالنسبة إلى المعاصر”[6].

يقول عنترة:

هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ                أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعـــــــــــــــدَ تَوَهُّـمِ

يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـــــــــي               وَعِميِ صَباحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي

فَوَقَّفْـتُ فيها نَاقَتي وكَأنَّـــــــــــــــــهَـا               فَـدَنٌ لأَقْضـــــــــــــــــــــــــي حَاجَةَ المُتَلَـوِّمِ

وتَحُـلُّ عَبلَةُ بِالجَوَاءِ وأَهْلُنَـــــــــــــا                بالحَــــــــــزنِ فَالصَّمَـــــــــــــــــــــــانِ فَالمُتَثَلَّـمِ

حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْـدُه              أَقْـوى وأَقْفَـرَ بَعدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ[7]

وفي العوامل الذاتيّة فقد يولد الشاعر من أمّ سوداء فيظلّ لونه ظلاًّ يلاحقه، ويعيش الغربة، والقهر داخل قبيلته.

حَسَناتي عِندَ الزَمانِ ذُنوبُ          وَفَعالــــــــــــــــــــــــــــــــــي مَذَمَّةٌ وَعُيوبُ

وَنَصيبي مِنَ الحَبيبِ بِعادٌ          وَلِغَيــــــــــــــــــري الدُنُوُّ مِنهُ نَصيب

كُلُّ يَومٍ يُبري السُقامَ مُحِبٌّ          مِن حَبيبٍ وَما لِسُقمي طَبيبُ[8]

يشكو الشاعر من الظلم الذي يناله من الزمان وأهله، حتّى غدت كلّ أفعاله ذنوبًا وإن كانت حسنات، حتّى الوصال الذي ينشده من الحبيب لا يناله أبدًا، بل إنّ حبّه يصير سقمًا نتيجة هذا البعد الذي لا يشفيه حبيب.

يعيش الشاعر وحشة الغربة التي تؤلمه، وتحرمه الوصال من حبيبته، أو من الاعتراف به، وهو ابن سيّد من سادة القبيلة.

واستمرّ مفهوم الغربة حاضرًا  بعد العصر الجاهليّ، ففي العصر الأمويّ ظهرت الغربة المادّيّة، والنفسيّة لدى الشعراء، “فالاغتراب ظاهرة إنسانيّة عامّة لا ينفرد بها جيل دون جيل، فهي موجودة منذ وطئ الإنسان هذه الأرض وبدأ طريق المعاناة”[9]، فهذا قيس بن الملوح يشكو المرارة والألم، وهو يمرّ بالديار بعد هجرانها والتغرب عنها، وإن كانت غربته مقرونة بإحساس عميق من الشوق إلى الحبيبة، وهي أقسى درجات الغربة النفسيّة التي يعبّر عنها الشاعر من خلال الانتماء إلى كلّ يمثّل اللقاء بالحبيبة، حتّى وإن كانت جدران، أو بقايا أوتاد.

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى        أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي        وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيار[10]

ومثله يقف الشاعر الصّمّة بنُ عبد الله القشيريّ[11] حين رحل عن موطنه نجد نظم:

قِفا وَدِّعا نَجْداً ومَنْ حَلَّ بالحِمـــــــــى           وقَلَّ   لَنَجْدٍ   عِنْدَنا   أَنْ   يُوَدَّعا
وأَذْكُرُ  أيَّامَ   الحِمَى   ثُمّ   أنْثَنِي            على كَبِدِي مِن خَشْيَةٍ أَنْ تَصَدَّعــا
فلَيْسَتْ عَشِيّاتُ  الحِمَى  برَواجِـــعٍ            عليكَ، ولكنْ خَلِّ  عَيْنَيْكَ  تَدْمَعــــــا[12]

إحساس الشاعر بالغربة في موطنه بعد عجزه عن نيل المراد، والاقتران بابنة عمه جعله يترك الدّيار ويرحل عنها لعلّ الرحيل يخفف من وطأة الألم، ولكن هذا الرحيل أوجد غربة جديدة شعر بها قبل مغادرة الديار.

وتشتدّ الغربة في نفس الشاعر، ويخرجها من مكامنها كلّ ما يذكّر بالوطن، فهذا عبد الرحمن الداخل عندما رأَى نخلةً برصافته[13] أثارتْ فيه هذه النخلةُ شجونَه، فرآها شبيهةً به؛ فكِلاهما غريبٌ عن وطنه، فقال:

تبدَّت   لنا   وَسْطَ   الرّصافةِ    نخلةٌ                تنـــــــاءتْ بأرضِ الغَرب عن بلدِ  النخْلِ
فقلت: شبيهي  في  التغرّبِ  والنّــــــــــــوَى               وطولِ اكتئابي عن  بنيَّ  وعن  أهلِيْ

نشأتِ   بأرضٍ   أنتِ   فيها   غريبةٌ                فمثلكِ  في  الإقصاء  والمُنتأَى  مِثليْ

سقتكِ غواديْ المُزْنِ في المنتأى الّذي                يسحُّ  ويَستمرِيْ  السِّمـــــــــــــــــاكَينِ  بالوَبْلِ[14]

 

ذكّرت النخلةُ الأميرَ بوطنه الذي تغرّب عنه وارتحل صوب الأندلس، ولم ينسِ رغدُ العيش والحكمُ الأمير موطنَه حيث نشأ وترعرع، حتّى هاجت نفسه شوقًا في لحظة واحدة رأى فيها نخلة هو أمر بزرعها في موطن جديد سمّاه باسم موطنه، كي لا تتغرّب نفسه كما تغرّب هو عن موطنه.

وكذلك ابن زُرَيق البغداديِّ الَّذي قصد الأندلُس بعد أن تركَ بغداد طلَبًا للرِّزق ومات غريبًا فيها، فقد ترك قصيدة هي من عيون الشِّعر العربيّ، يقول في أوَّلِها مخاطِبًا زوجته بعد أن ألَمَّ به المرض وأقعدَه، وشعر بِدُنوِّ أجَلِه.

 

أَسْتَوْدِعُ اللهَ فِي بَغْدَادَ لِي قَمَـــــــــــــــــــــرًا          بِالكَرْخِ مِنْ فَلَكِ الأَزْرَارِ مَطْلَعُهُ

وَدَّعْتُهُ وَبِوُدِّي لَوْ يُوَدِّعُنِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي         صَفْوُ الْحَيَاةِ وَأَنِّي لاَ أُوَدِّعُــــــــــــــهُ

وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً           وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُـــعُـــــــهُ [15]

يشكو الشاعر غربتَه وهو يَموت غريبًا وحيدًا؛ حيث لا يَراه أهلُه، ولا أبناؤه، فيعاني من مرارة الغربة معاناة قاسية.

وعلى مستوى الغربة الشخصيَّة التي عبَّر عنها الشعراء العرب على امتداد تاريخ الشِّعر، نَجِد أبيات المتنبِّي التي يَشْكو فيها غربتَه بِمِصر بعد أنْ ترَكَ بلاط سيف الدَّولة الحمدانيّ، الذي كان بالنِّسبة إليه البطَل الذي يقتحم الملمَّات، ولا يهاب الأعداء، وكان يرى فيه صورة نفسه التوّاقة إلى العلا دائمًا، وحين يلمّ به المرَضُ تشتعل النفس شوقًا إلى الأحبّة ورفاق الأنس، الذين يفتقدهم، ويخسر مع فقدانهم السلوى، وإمكانية التخفيف من آلامه ومواساته.

يقول المتنبِّي مُخاطِبًا الحُمَّى:

أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كلّ بِنْتٍ              فكَيْفَ وَصَلْتِ أَنْتِ مِنَ الزَّحَامِ

جَرَحْتِ مُجَرَّحًا لَمْ يَبْقَ فِيـــــهِ              مَكَــــــــــــــــــــــانٌ لِلسُّيُوفِ وَلا السِّهَامِ[16]

وألم المتنبّي مضاعف فقد اجتمع فيه ألم الغربة، والشوق، وألم الحمى على جسمه الضعيف، وزاد من جراحه وعمقها.

وحين سمع المتنبّي بوفاة خولة أخت سيف الدولة، استعرت النار في نفسه، إذ كان هو في العراق بينما هي توفيت في حلب، وعبّر عن قسوة الألم الناجم عن خبر الوفاة مع قسوة الغربة والبعد، حتّى صار الألم شاملاً عابرًا للزمان والمكان.

طَوَى الجَزِيرَةَ حتى جاءَني خَبَــــــــــــــرٌ         فَزِعْتُ فيهِ بآمــــــــــــــالي إلى الكَذِبِ

أرَى العرَاقَ طوِيلَ اللّيْلِ مُذ نُعِيَـــــتْ         فكَيفَ لَيلُ فتى الفِتيانِ في حَلَبِ

فَلَيْتَ طالِعَةَ الشّمْسَينِ غَائِبَـــــــــــــــــــــــــــــةٌ                وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَينِ لم تَغِبِ[17]

تحمل الأبيات إلى جانب الألم إحساسًا بالغربة والفقد، وهو لا ينسى أن يعبّر عن قلقه على حال سيف الدولة في حلب، وإنّما يعبّر هذا القلق عن الغربة التي يشعر بها الشاعر لبعده عن أميره، وصديقه الذي بعد عنه، وحلّ بينهما جفاء لم يستطع إطفاء نار الشوق.

وتتجلّى غربة المتنبّي أيضًا وشوقه إلى الدّيار في الفترة نفسها التي ترك فيها سيف الدولة، وأثناء وجوده في فارس حيث قال:

مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَاني       بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ

وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا              غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ[18]

 

بالرغم من وجود المدن الطيبة الغنية بالجمال، والحدائق المزدانة يبرز الحنين إلى الديار العربية في شبه الجزيرة، ويبرز موضوع الغربة، والحنين غرضًا شعريًّا مستقلًا كبقيّة الأغراض التي برزت في الشعر العباسيّ.

وتتجلّى في العصر نفسه غربة أبي الفراس الحمداني مثالاً واضحًا في شعره، وهو في سجن الروم، “فها هو أبو فراس الحمدانيّ يسمع هديل حمامة على شجرة عالية قرب سجنه في بلاد الروم، فيتذكّر الأهل والوطن”[19] ويقول:

أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَـــــــــــــــــــــــــةٌ       أيـــــــــا جارتـــــــــــــــــــــا هل تشعرين بحالي؟

معاذَ الهوى‍! ما ذُقتِ طارقـــــــــــــــــــــــــــــةَ        النوى، وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُومُ ببالِ

أيا جارتا ، ما أنصفَ الدهرُ بيننا! عَالَـــــــــــــــــــــــــــيْ أُقَاسِمْكِ الهُمُومَ، تَعَالِي!

تَعَالَيْ تَرَيْ رُوحاً لَدَيّ ضَعِيفَـــــــــــــــــةً،        تَرَدّدُ في جِسْمٍ يُعَذّبُ بَالـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي[20]

 

فهو يعاني من غربتين: غربة الأسر، وغربة الأهل، والوطن، وزادت غربة الأسر من غربته المكانية، واشتدّت وطأتها كلّما تذكّر أمّه في الديار:

وْلا العَجُوزُ بِمَنْبِجٍ مَا              خِفْـــــــــــــــــــــــتُ أسْبَابَ المَنِيّهْ

َلَكَانَ لي، عَمّا سَأَلْـــــ             ـتُ منَ الفدا ، نفسٌ أبيهْ[21]

 

ويتابع الشاعر في التعبير عن شوقه، محافظًا على إيبائه داعيًا أمّه إلى التّحلّي بالصبّر، والتسليم بقضاء الله

يَا أُمّتَا! لا تَحْزَنــــــــــــــــــــــــي،         وثقي بفضلِ اللهِ فيَّـــــــــهْ !

يَا أُمّتَا! لا تَيّأسِـــــــــــــــــــــــــــــي،                للهِ ألطــــــــــــــــــــــــــــــافٌ خفيهْ

أوصيكِ بالصبرِ الجميـــــــــــ         ــلِ! إنّهُ خيرُ الوصيهْ ![22]

 

 

 

واستمرّ موضوع الغربة حاضرًا الدى الشعراء العرب في  العصر الحديث، بالرغم من الظروف المأسويّة التي حصلت مع تراجع الأمّة  العربيّة، وافتقاد الأمّة إلى الكثير من بريقها ومكانتها بين أمم العالم في الفترة الممتدّة من معركة مرج دابق[23] العام 1516، بين المماليك والعثمانيّن. تراجع الشعر كثيرًا، وفقد بريقه وألقه الذي علا شأنه في العصور السالفة. وظهر ما سمّي بعصر الانحطاط الأدبيّ الذي جثم على صدر الأمّة قرابة أربعة قرون، حتّى ظهرت طائفة من أبناء هذه الأمّة حاولت جاهدة أن تعيد الحياة إلى أوصالها، وتزيح الجمود المهيمن، وتعيد لها المجد بعد عقود من الذل والهوان، وقد عاشت هذه الطائفة ظروفًا من الغربة والاغتراب، خصوصًا مع شيوع أفكار، وفلسفات غربية بعيدة كلّ البعد عن الأمّة العربيّة بداعي حملات الغرب على الشرق، “كذلك عاشت هذه الطَّائفة عيشَ الغرباء في عالَمٍ سيطرَتْ عليه فلسفاتُ المادَّة، وهرطقات المتفلسِفين، والمُتشدِّقين من مُفكِّري الغرب التَّائه”[24]، وعاش الشعراء غرباء أيضًا عندما ألجأتهم الظروف السياسيّة إلى هجرة أوطانهم والتغرّب عنها، فكانت غربة إضافيّة كالشاعرين محمود سامي الباروديّ، وأحمد شوقي اللذين نفاهما الإنكليز خارج وطنهم مطلع القرن الماضي.ٍ

لقد كانت غُرْبة الباروديِّ ونَفْيُه، وكذلك شوقي ونفيه إلى الأندلس – سببًا لكثيرٍ من قصائدهما حول الغُرْبة والاغتراب؛ مِا يعدُّ بُذورًا للحديث حول الغربة، والاغتراب في الشعر العربيِّ الحديث[25].

فالباروديّ بقي في المنفى بمدينة كولومبو أكثر من سبعة عشر عامًا يعاني الوحشة، والسقم والبعد عن وطنه، وطيلة هذه الفترة أنشد قصائده التي يسكب فيها آلامه وشوقه إلى الوطن، ويرثي من مات من ذويه وأصحابه، ويتذكّر أيّام صباه، وشبابه وما آل إليه حاله، ومرّت أيّامه في المنفى ثقيلة، وأثقلها عليه كثرة العلل والأمراض التي أصابته، وفقدان الأهل والأحباب.

كَفَى بِمَقَامِي فِي سَرَنْدِيــــــــــــــــبَ غُرْبَةً       نَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ العَــــــــــــــــــلاَئِقِ

وَمَنْ رَامَ نَيْلَ العِزِّ فَلْيَصْطَبِرْ عَلَى         لِقَاءِ الْمَنَايَا وَاقْتِحَامِ الْمَضَـــــــــــــــــــــــايِقِ

يَقُولُ أُنَاسٌ أَنَّنِي ثُرْتُ خَـــــــــــــــــــــــــــــالِعًا       وَتِلْكَ صِفَاتٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ خَـــــــلاَئِقِي

وَلَكِنَّنِي نَادَيْتُ بِالــــــــــــــــــــــــــــــعَدْلِ طَالِبًا       رِضَا اللهِ وَاسْتَنْهَضْتُ أَهْلَ الْحَقَــائِقِ

أَمَرْتُ بِمَعْرُوفٍ وَأَنْكَرْتُ مُــــــــــــــــــنْكَرًا         وَذَلِكَ حُكْمٌ فِـــــــــــــــــــــــي رِقَابِ الْخَلاَئِقِ[26]

 

كذلك كان نَفْي شوقي وإبعاده إلى إسبانيا ومعاناته الغربة المكانيّة والزمانيَّة، سببًا لِما سُمِّي بأندلسيَّات شوقي، تلك القصائد التي يَعْزف فيها على وتر الغربة والاغتراب، ويبكي حال الأندلس الذَّاهب مَجْدُها، ويتأسَّى على حاله في غربتِه؛ يقول شوقي في سينِيَّته الشهيرة.

اخْتِلاَفُ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ يُنْسِــــــــــــــــــــــــــــي       اذْكُرَا لِي الصِّبَا وَأَيَّامَ أُنْسِــــــــي

وَصِفَا لِي مُلاَوَةً مِنْ شَبَــــــــــــــــــــــــــــــــابٍ        صُوِّرَتْ مِــــــنْ تَصَوُّرَاتٍ وَمَسِّ

عَصَفَتْ كَالصِّبَا اللَّعُوبِ وَمَـــــــــــــرَّتْ         سِنَةً حُلْوَةً وَلَذَّةَ خَلْــــــــــــــــــــــــــــــــــــسِ

وَسَلاَ مِصْرَ: هَلْ سَلاَ القَلْبُ عَنْهَا          أَوْ أَسَا جُرْحَهُ الزَّمَانُ الْمُؤَسِّي [27]

 

ومن شوقي إلى السيّاب، ومن العموديّ إلى التفعيلة والشعر الحرّ، والغربة موضوع ظلّ محورًا تختزنه أبيات الشعراء وأسطرهم. وحين نتناول السيّاب شعرًا فأنّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن هو غربته، وهو يحلم بحضن الأم التي لن تعود لتُقبّل دمع صغيرها، تبدأ حياة السيّاب بحرمان لا يردّ ألمه أيّ فرح، ويكبر السؤال معه عن تلك التي لن تعود. كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام:

بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ

فلم يجدها، ثمَّ حين لجّ في السؤال

قالوا له: “بعد غدٍ تعودْ …”

لا بدَّ أن تعودْ[28]

يلج الشاعر في طلب أمّة التي يفتقدها، ويشعر بغيابها بغربة قويّة، ويسكب في سبيل ذلك دمعًا ينساب على جوانب النّصّ بسبب تراكم الألم جرّاء البعد عن الوطن، والقرية، والأمّ، حرمت عاطفة الأمومة وأنا ابن أربع...[29]

 هي دورة الأفلاك في عمري، تكوّر لي زمانه

في لحظتين من الأمان، و إن تكن فقدت مكانه

هي وجه أمّي في الظلام

وصوتها، يتزلّقان مع الرؤى حتّى أنام[30]

 

يفرض الواقع المرّ لليتم حنينًا تشكّل في قلب الشاعر صغيرًا، وأدرك من خلاله قيمة المشاهد، وصورها التي تنعكس بهجة في قلب أيّ إنسان يعاني شوقًا، وألمًا مزمنًا. المشاهد التي لازمت الطفولة، وكوّنت ذكرياتها الصغيرة أمانًا للشاعر، صورة النخيل الذي يعشقه في وهج النهار، ويهاب أخيلته ليلاً. حبّات المطر التي ترسم في مخيّلته جموحًا، وفرحًا، وفيض عاطفة وعطاء، القمر حين يحتلّ كبد السماء هيبة. السفن المصطفّة بأشرعتها البيضاء والسمراء. الطفولة بكلّ عفويّتها، وبرائتها، وشغفها تمدّ خيال الشاعر بالصور الصادقة التي يرتفع معها شريط الذكريات والحنين إلى القرية الأم، ومنها إلى فضاء العالم الواسع.

جيكور جيكور يا حقلاً من النور  

يا جدولاً من فراشات نطاردها

في الليل في عالم الأحلام والقمر

ينشرن أجنحة أندى من المطر

 في أوّل الصيف

 يا باب الأساطير[31]

والشعور بالحنين لا ينحصر في  فترة زمنيّة معيّنة عند السيّاب، لا ينتهي في سنةٍ ما ليبدأ في سنة أخرى، بل هو موج متصارع حائر من دون مرسى أو محطة، الحنين بحر متلاطم لا يعرف حدودًا أو وجهة، يتدفّق، ويستفيض كلّما اشتدّت حالة من حالات الخيبة، أو الانتظار فيشتدّ صراع تفرضه حالة آنيّة يحمل الشاعر على جناح الأنين الذي لا يحطّ إلّا وقد أُنهِك بوحًا…

جيكور ماذا؟ أنمشي نحن في الزمن 

أم أنّه الماشي  

ونحن فيه وقوف 

أين أوّله 

وأين آخره 

هل مرّ أطوله

أم مرّ أقصره الممتدّ في الشجن[32]

ومثل السيّاب عانى محمود درويش مرارة الاغتراب، وكواه الحنين إلى الوطن، والأهل لترحاله الدائم، وابتعاده القسري عنهم، ويرتبط الحنين ارتباطًا وثيقًا بالغربة في شعر درويش، وفي الشعر الفلسطينيّ بشكل عامّ،  فعندما يبتعد الإنسان عن مكان ما، يشعر بحنين إليه، ويشتاق إلى كلّ ما فيه، فكيف إذا كان هذا المكان وطنه، وقريته، وذاكرته، وهذا ما حصل مع الشاعر الذي فجر سنين غربته بأشعار تنضح حبًّا، وشوقًا، وحنينًا، تبادل الأرض الشوق لابنها الشارد في المدى

لا أَنام لأحلم قالت لَه

بل أَنام لأنساكَ. ما أطيب النوم وحدي

بلا صَخَب في الحرير، اَبتعدْ لأراكَ

وحيدًا هناك، تفكّر بي حين أَنساكَ

لا شيء يوجعني في غيابكَ

لا الليل يخمش صدري ولا شفتاكَ…

أنام على جسدي كاملاً كاملاً

لا شريك له،

لا يداك تشقَّان ثوبي، ولا قدماكَ

تَدقَّان قلبي كبنْدقَة عندما تغلق الباب[33]

 

تنقلب معادلة الشوق عند محمود درويش، فتشعر الأرض باشتياق إلى حبيبها المفقود الذي رحل عنها منذ سنوات طويلة، ولكنّها تكابر الغياب والبعد، لأنّها لم تتعوّد أن ينساها للحظة، إلا أنّها لا تستطيع المكابرة أكثر فتبتعد لتراه، وهو يفكّر فيها، لأنّها في النهاية أنثى.

وفي قصائد محمود درويش يبرز عمق الشعور بالوحدة والاغتراب اللذين عاشهما خصوصًا في سنواته الأخيرة، بالرغم من الشهرة التي حقّقها، والترحيب المفعم بالحبّ، والاحترام الذي يلقاه في أيّ مكان يذهب إليه، كان يقاسي من إحساس عميق بأنّ كلّ شيء لم تعد له قيمة، فأصبح في أيّامه الأخيرة نسيج من الألم، والمرارة، فقصائده توشك أن تكون كالوصايا الأخيرة التي تصدر عن رجل ينتظر تنفيذ حكم الإعدام لكنّه يراوغ الموت.

“لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”..

ورغم كلّ الارتحال قال “درويش”: “أحنّ إلى خبز أمّي..

وقهوة أمّي.. ولمسة أمّي..

وتكبر فيّ الطفولة..

يومًا على صدر يوم..

وأعشق عمري لأنّي إذا متّ..

أخجل من دمع أمّي!”..[34]

كثيرًا ما كتب “درويش” عن أمّه، وعلاقته بأمّه كانت من أقوى روابطه الإنسانيّة، فهي كانت الوطن والأم،ّ والحبيبة، ولهذا لم تطق الحياة بعد وفاته، ورحلت بعد فترة قصيرة لا تتخطّى الثمانية أشهر.

ومثل درويش هناك الكثير من شعراء العصر الحديث كانت الغربة حاضرة في شعرهم، فنزار القبانيّ، والبياتيّ، وحاوي، وطوقان، وغيرهم الكثير عبّر عن الغربة النفسيّة والمادّيّة التي كانت تلازم الشاعر في سنين حياته، حتّى صار الكلام عن الغربة، والاغتراب خطٌّ أصيل في خطوط الشعر العربيّ وأغراضه المتعدّدة عبر كلّ العصور.

لقد كان الحنين إلى الوطن، والأمّ، والحبيبة من موضوعات الشعر العربيّ لدى الشعراء الذين عبّروا عن غربتهم علّهم يلقون وصالاً منشودًا، أو يلفظون من صدورهم زفرات حرّى تخرج معها لهيب الشوق، لقد كان شعرهم مرآة نفوسهم التي تعبّر عن واقعهم وبيئتهم.

ولأنّ الغربة رفيقة الشاعر ظلّت الغربة موضوعًا لازم الشعر، وسيبقى مدى بقاء الإنسان.

 

 

[1]– الجوهريّ، الصحاح، ت أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، 1990، مادّة: “غرب”

[2]– ابن منظور، لسان العرب، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت، ط 1، 2005، مادّة: “غرب”.

[3]https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%A9/

[4]– عبد الرازق الخشروم، الغربة في العصر الجاهليّ، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1981، ص 12

[5]– ماهر حسين، الحنين والغربة في الشعر العربي الحديث، ص 5

[6]– وهيب طنوس، الوطن في الشعر العربي من من الجاهليّة إلى نهاية القرن الثاني عشر الميلاديّ، د. 331.

[7]– عنترة بن شداد، ديوان عنترة، المعلّقة، دار صادر، بيروت، باب الميم.

[8]– عنترة بن شدّاد، ديوان عنترة، دار صادر، بيروت، باب الباء.

[9]– فاطمة محمّد حميد الموسويّ، الاغتراب في الشعر الأمويّ، مكتبة  مدبوليّ، ط1، ص 7.

[10]– قيس بن الملوح، الديوان،  باب الراء.

[11]– الصمّة بن عبد الله بن الطفيل القشيريّ، شاعر غزل إسلاميّ بدوي من شعراء يّ.[1] قيل إنّه أحبَّ فتاة من قومه، من بناتِ عمّه، ولمّا لم يستطع الزواج منها، ترك الديار ورحل.**( خير الدين الزريكليّ، 2002. (الأعلام قاموس تراجم ــ الجزء الثالث، لبنان، دار العلم للملايين. صفحة 209).

[12]– كتاب الأمالي للقالي، دراسة واختيار: د. عمر الدقّاق، منشورات دار الشرق – ط3 – 1972م. ص 88-89.

[13]– هي رصافة قرطبة التي أنشأها وسمّاها الرصافة تشبيهًا برصافة الشام التي أنشأها جدّه هشام بن عبد الملك غربيّ الرقّة.

[14]https://www.alukah.net/literature_language/0/5106/

[15]– حسين المرصفيّ، الوسيلة الأدبيّة، ج2 ص 165 – 166.

[16]– ديوان المتنبّي، دار صادر، بيروت، باب الميم.

[17]– المصدر نفسه.

[18]–  المصدر نفسه.

[19]– لطفي حدّاد، مقدّمة في الأدب العربيّ المهجريّ المعاصر، مجلّة المهاجر، ص 7.

[20]– ديوان أبي فراس، دار الكتاب العربيّ، باب اللام.

[21]– م . ن

[22]– م . ن

[23]مرج دابق هو اسم معركة قامت في8  أغسطس 1516 بين العثمانيّين، والمماليك، قرب حلبفي سوريا، قاد العثمانيّين السلطان سليم الأول، وقاد المماليك، تمزّق جيش المماليك بسبب الخيانة، وانهزم أمام العثمانيّين.

[24]طاهر العتبانيّ، الغربة والاغتراب في الشعر العربيّ قديمًا وحديثًا. تاريخ البحث 25 – 12 – 2018. https://www.alukah.net/literature_language/0/39911/

[25]– م . ن.

[26]– الباروديّ شاعر العصر الحديث”، د. شوقي ضيف، ص 83 – 84.

[27]– المصدر نفسه.

[28]– بدر شاكر السيّاب، ديوان بدر شاكر السيّاب.

[29]– بدر شاكر السيّاب، عيسى بلاطه، ط 4 – دار الشؤون – بغداد – 1971: 142،218.

[30]– المصدر نفسه.

[31]– المصدر نفسه.

[32]– المصدر نفسه.

[33]– محمود درويش، الأعمال الشعريّة الكاملة ، المكتبة الأهليّة للنشر والتوزيع، 2014.

[34]– المصدر نفسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website