foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

مقاربة نقديّة لخطاب نقد المسرح: “المصطلحات الأساسيّة في دراسة المسرح” لآن أُوبرسفِلد نموذجًا

0

مقاربة نقديّة لخطاب نقد المسرح: “المصطلحات الأساسيّة في دراسة المسرح” لآن أُوبرسفِلد نموذجًا

د. زينة سعيفان([1])

ملخّص

تعالج هذه الورقة البحثيّة قضيّة خطاب النقد، والتّحليل في الدّراسات المسرحيّة المترجمة إلى اللغة العربيّة وهي دراسات تشكّل الأدبيّات التأسيسيّة، التي ترتكز عليها الدراسات العربيّة الحديثة في النقد المسرحيّ الذي يعنى بالنص المسرحيّ و بالمسرحة على حدّ سواء. تسعى هذه الدراسة إلى كشف بنية الخطاب النقدي المعاصر للمسرح، ومدى ارتباط مساره بنظريات تحليل الخطاب الحديثة، وبالألسنيّة التي أخذت تطوّر أدواتها ومصطلحاتها مع البنيوية وما جاء بعدها من تطوير لنظريّات التواصل والتلفظ، والمقاربات السيميائيّة التّداوليّة في تحليل النص والخطاب بشكل عام، والخطاب المسرحي بشكل خاصّ.

نستعرض في هذه الورقة خطاب النّقد المسرحي لدى إحدى أبرز من درس المسرح، الناقدة آن أوبرسفلد Anne Ubersfeld([2]) التي عُرِفت بنجمة الدّراسات المسرحيّة الحديثة، والمصدر هو كتابها المعنون Les Termes Clés de l’Analyse du Théâtre، وهو موسوعي الطابع منقول إلى العربيّة في دراسة أكاديميّة منشورة([3]).

 يشكّل خطابًا موسوعيًّا ناقدًا للمسرح، غنيًّا بالمصطلحات، متأثرًا بالألسنيّة البنيويّة وبمقاربات تحليل الخطاب الحديثة.  تقتضي الدراسة اختيار نماذج من هذه الترجمة، تقوم مباحث الورقة البحثية هذه على دراسة الخطاب النقديّ ووضعه في إطاره الألسنيّ، وكشف مدى تأثّره بعلوم الألسنيّة المعاصرة، والإضاءة على تعالق المصطلح ما بين المدارس والنّظريات والمقاربات المذكورة أعلاه، بما يقدّم للنّاقد المسرحي العربي من إضاءات على الإطار المعرفي المرجعي والتأسيسي لخطاب النقد المسرحي المعاصر.

الكلمات المفتاحيّة: مسرح – نقد – مصطلح – تحليل الخطاب- ألسنيّة.

Résumé

Cet article traite de la question du discours de la critique et de l’analyse théâtrales traduites en arabe, sur lequel se fondent les études arabes modernes dans le domaine de la critique théâtrale.

D’ailleurs, cette étude vise à analyser la structure du discours-critique sur le plan de la terminologie, et du parcours lié aux approches de l’analyse du discours, le structuralisme, et le poststructuralisme.

Dans cet article, on se base sur un corpus bien choisi: la traduction arabe de l’étude intitulée: Les Termes Clés de l’Analyse du Théâtre, Anne Ubersfeld (seuil, 1996), étude encyclopédique critique du théâtre, riche en terminologie, influencé par

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- أستاذة مساعدة في لسانيّات النصّ والخطاب – الجامعة اللبنانيّة، كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانية؛ وفي جامعة القدّيس يوسف، معهد الآداب الشرقيّة.

la linguistique structurale et les approches modernes d’analyse du discours. L’étude choisit quelques termes, et s’appuie sur l’étude du discours critique de chaque terme, dans le but de sa mise en place dans son cadre linguistique, ce qui offre à la critique de théâtre arabe des éclairages sur le cadre référentiel et cognitif a la base de la critique théâtrale contemporaine.

Mots clés : théâtre – critique – terminologie – analyse du discours – linguistique

مقدّمة

تطوّر المسرح في القرن العشرين وتتابعت المدارس والاتّجاهات المعنيّة دراسته. وأصاب التغيير مستويات الدرس النقديّ المسرحيّ، من النصّ والتلقّي إلى العرض والمسرحة. وشهدت المكتبة العربيّة مساعٍ لمواكبة تطوّر نظريات السّرد وعلم اللغة الحديث والنقد الأدبيّ بشكل عامّ، إلّا أنّ الدرس المسرحيّ المواكب لتلك النظريّات بقي ناقصًا، تشوبه فوضى المصطلحات وينقصها هذا النّوع من الدّراسات، التي إذا ما وُجدت، فهي تتحدّث عن تاريخ المسرح المحلّي أو العربيّ بشكل عامّ، وعن الموضوعات التي يعالجها، أيّ إنّها تقيّم المسرح في محيطه الاجتماعيّ وتيّاراته المختلفة، كالمسرح السوسيولوجيّ، ومسرح النهضة، والمسرح العربيّ، إلى جانب عرض الأنواع المسرحيّة في عصور التّاريخ.

وبالتالي، فإنّ هذه الدراسات، لا تعدُّ متعمّقة في الدّرس النقديّ المسرحيّ، ولا تشكّل ما يسمّى خطابًا نقديًا ذي خصوصيّة. وقد ارتبط هذا النّقد “في الغالب بأوضاع المسرح العربيّ الذي كان يعيش من حين لآخر حالات تأرجح بين الازدهار، والانحسار، كما ارتبط أيضًا بندرة النقاد المتخصّصين”([4]) أمّا النقد المسرحي الأدبي والدّرامي، الذي يُعنى بالعرض الفني في علاقته بالنصّ، فما زال يفتقر إلى قواعد أو مناهج تخوّل له مقاربة العمل المسرحيّ مقاربة متكاملة.

يقوم بحثنا في هذه الورقة على كشف التأسيس النّظريّ لمصطلحات نقد المسرح لدى آن أوبرسفلد، من خلال تعريفها الموسوعيّ لكلّ مصطلح. إذ قدّمت تحت كلّ مدخل عرضًا تاريخيًّا لطبيعة المصطلح النّقدي، مع الإضاءة إلى النّظريّة الألسنيّة التأسيسيّة، مستشهدة في الكثير من المواضع بأمثلة مسرحيّة، مقيمة شبكة من التّعالقات الدلاليّة والمصطلحيّة، عن طريق الإحالة من مصطلح إلى آخر. تنطلق دراستنا من خلفيّة نقديّة مسرحيّة- لسانيـّة، تقتضيها حاجة قارئ نصّ المسرحية ومتلقّيها كمشاهد، بقدر ما تقتضيها حاجة كلّ من المخرج والكاتب والناقد المسرحيّ، فنعمل على بثّ طائفة من المصطلحات المسرحيّة المتشابكة، إذ نحيل بعضها إلى البعض، لانتمائها إلى شبكة مفاهيميّة تُكوِّن المجال الخاص لهذه المعرفة، مستكشفين أسسها النّظريّة الألسنيّة والنّقديّة. وتبني آن أوبرسفلد مؤلّفها على مداخل مصطلحيّة يحيل بعضها إلى الآخر، وتقوم تحت كل مدخل بتعريف شبه موسوعيّ، مستعرضة بمنهج تاريخي تطوّر المفهوم واستعمالاته، وتأثّره بمدارس النقد المسرحيّ وبعلوم اللغة الحديثة. ولا بدّ من الإشارة إلى أن آن أوبرسفلد هي من المنظّرين المسرحييّن الذين درسوا طبيعة العلاقة بين النّص والعرض، كما حاولت تطبيق الدّراسات البنيويّة والسرديّة في إطار المسرح، إذ توقّفت عند خصوصيّة التواصل في المسرح من خلال طبيعة التلفّظ وطبيعة الرسالة وتعدّدية مكوّناتها وطبيعة التلقّي. ونعالج في المباحث كلّ نظريّة وارتباطها بالنقد المسرحيّ لدى أوبرسفلد، مستعرضين آراء الكاتبة، مضيئين على إنجازاتها في هذا المجال، مستشهدين بالمدّونة من حيث المصطلح وشروحه المسهبة، محدّدين الأسس الألسنيّة في خطابها النقديّ المسرحيّ، إلى جانب تحديد آليات توظيف تلك الأسس في مجال قراءة خطاب المسرح، من خلال سبعة مباحث تنظر في خطاب النقد المسرحي لدى أوبرسفلد:

  • نظريّة أفعال الكلام وأثرها في خطابها
  • التفكير التداوليّ التحاوريّ وأثرها
  • الأسس السيميائيّة في خطابها
  • المرجعيّة والإحالة ووظيفتهما في خطابها
  • التلفّظ المسرحيّ ووظائفه في خطابها
  • المضمر وتأثيره في خطابها
  • علم النصّ وتأثيره في خطابها

وإذا كان “المصطلح المسرحي” متفرّعًا عن المصطلح اللسانيّ في مجال تحليل الخطاب عامّة، فإنّ الكاتبة تحدّده بناءً على معيار الاستعمال، بكون كتابها هذا وظيفيًّا وقامت ببنائه بناءً على تعالق البنية اللغويّة بمجـال استعمالها. ونقصد بالمصطلح المسرحي كلَّ مقولة مفتـاح (catégorie clef) وصفيّة كانت أم إجرائيّة، لها صلة بإطار نظري معيَّن. ولا شكّ أنّ الحديث عن تعريف المصطلح يشي بانتمائه إلى “حقل مفهومي يضمّ مستويات مُتداخلةٍ، كقواعد التخاطب والاستدلالات التداوليّة والعمليات الذهنيّة المتحكّمة في الإنتاج والفهم اللغوييّن وعلاقة البنية اللغويّة بشروط الاستعمال والتلقّي بين لأطراف العمليّة التخاطبية”، بما ينطبق على المصطلح المسرحي النقديّ. أمّا مصطلحات المدوّنة المدروسة فنعرضها مع ترجمتها الفرنسيّة من خلال هذا الفهرس، وهي مداخل نقديّة موسّعة ومشروحة بشكل موسوعي تحت كل عنوان في الدّراسة المترجمة، ويحيل بعضها إلى البعض أحيانًا  بإشارة السهم ◄:

 

 

 

الصفحة المصطلح بالفرنسيّة المصطلح مترجمًا إلى العربيّة الرقم
95 PRAGMATIQUE►DIALOGUE تداوليّة◄ حوار 1.
59 ÉNONCIATION تلفّظ 2.
52 DIDASCALIES توجيهات 3.
68 GESTE حركة 4.
68 GESTUALITÉ حركيّة 5.
47 DIALOGUE حوار 6.
53 DISCOURS خطاب 7.
111 TEMPS زمان 8.
60 CONDITIONS D’ÉNONCIATION شروط الـتلفّظ 9.
86 NON-DIT غير مقول 10.
26 ACTE DE LANGAGE فعل كلام 11.
26 ACTE SCÉNIQUE فعل مشهديّ 12.
100 RÉFÉRENT مرجع 13.
107 SOLILOQUE►MONOLOGUE مناجاة◄مونولوج 14.
83 MONOLOGUE مونولوج 15.
114 TEXTE نصّ 16.
107 SOUS-TEXTE►NON-DIT نصّ مضمر◄غير مقول 17.
  • نظرية أفعال الكلام وأثرها في خطاب النقد المسرحي لدى أوبرسفلد

تنظر نظريّة أفعال الكلام إلى اللغة على أنّها تخاطُب يعبّر عن أفعال حقيقيّة، فالطلب يعبّر عن رغبة في شيء ما، وحكم القاضي يعني الفعل المترّتب على هذا الحكم بالسجن أو الإفراج، وعقد البيع اللفظيّ يعني تمليك البيت وتملّك المال، وقول الرجل كلمة الطلاق لزوجته يعني أنّه يقوم بفعل المفارقة([5]).

تبني أوبرسفلد في خطابها النقديّ للمسرح خطابًا موازيًا لطلب نظرية أفعال الكلام، وهي نواة مركزيّة في الكثير من الأعمال التداوليّة. وقد رصدنا مجموعة من مصطلحاتها- المداخل أو التي يحال إليها في متن التعريف، إلى مصطلحات التّداوليّة وبخاصة في ما يتعلم بمفهوم فعل الكلام، ومن هذه المصطلحات:

يبدو تحليل أوبرسفلد مبنيًّا على آراء أوستن، الذي وضع مفهوم فعل الكلام ، وفحواه أنّه كلّ ملفوظ ينهض على نظام شكليّ دلاليّ إنجازيّ تأثيريّ، وفضلًا عن ذلك يُعدّ نشاطًا مادّيًّا يتوسّل أفعالًا قوليّة Actes Locutoires تخصّ ردود فعل المتلقّي كالرفض والقبول، ومن ثمّ فهو فعل يطمح إلى أن يكون فعلًا تأثيريًّا، أي ذا تأثير في المخاطب، ومن ثمّ إنجاز شيء ما([6]). ويبدو أثر هذه النّظريّة في الخطاب التّحليلي المتّجه نحو الحوار، فآن أوبرسفلد ترتكز فيه على طبيعة أفعال الكلام وأنواعها ووظائفها الإنجازية. وقد اخترنا دراسة هذا المبحث من خلال المصطلحات الآتية: التداولية، وفعل الكلام، والفعل المشهدي، والتوجيهات، والحوار.

أ-1- التداوليّة

         تعرّف المدخل التداوليّ بقولها: “التداوليّة تصف الاستعمال الذي يصنع بموجبه المتكلّمون الساعون إلى التأثير ببعضهم البعض من  خلال التلفّظ. علم جوهريّ لفهم عمل الكلام في المسرح([7])“، ومنه تحيل القارئ إلى مصطلح الحوار.

أ-2- فعل الكلام       

عرّفتها أوبرسفلد كالآتي: “وحدة تداولية تحدّد في كلّ ملفوظ، تأثير المتكلّم في المخاطَب: فعل كلام، توجيه (أمر، نصح، نهي)، أو إثبات، ألخ.◄حوار.([8])” وارتكزت عليها في خطابها النقدي للمسرح وأحالت إليها في مصطلحات عدّة.

أ-3- الفعل المشهديّ

أكسبت أوبرسفلد المشهد وظيفة إنجازيّة بالعودة إلى نظرية أفعال الكلام، فالمشهد برأيها معادل  للكلام كما، والفعل المشهديّ  لشخصيّة ما  يتألّف من أفعال كلام وأفعال ماديّة تقوم بها. ومن خلال أمثلة تقدّمها، تنقل مفهوم فعل الكلام كمّا عرّفته، وبما هو عليه في الخطاب المكتوب، إلى خشبة العرض المسرحي: “الملك لير يبذل كلّ جهده لإعادة ابنته كورديليا إلى الحياة، هاملت يقتل بولونيوس ، إيرميون تشتم أورست الذي ثأر لها.([9]) فهذه المشاهد هي أفعال كلام مشهديّة مُشَخّصة. وبذلك لكي تتمكن من تحليل مفهوم الأفعال المشهديّة إحالتها إلى فعل الكلام، مشيرة إلى ضرورة التنبّه إلى طبيعتها المعقّدة  والممتدّة أحيانًا على متتالية كاملة أو مقطع بأكمله.

أ-4- التّوجيهات                                                                           

بالعودة إلى التّوجيهات أيّ العبارات الإرشاديّة المكتوبة إلى جانب النّص المسرحي الذي ينطق به الممثلون، فقد تيقّنت أوبرسفلد في خطابها النقدي إلى الوظيفة التداوليّة للتوجيهات، فهي بنظرها بمقام فعل كلام توجيهيّ للمخرج والممثل وصانع الديكور والإضاءة. وقد قالت عن تلك التوجيهات: “إنّها أمر مُعطى للمنفّذ. وبالتالي يمكنها أن تبيّن لا بفعل في صيغته الدلاليّة، بل بفعل أمر : “طاولة وكرسيّان” وهي لا تعني : “يوجد طاولة وكرسيّان” بل “ضعوا (أو تخيّلوا) طاولة…”، “فلان، غاضبًا” أمر موجّه إلى الممثّل بأن يمثّل الغضب”([10]).

أ-5- الحوار      

وتقوم بتفسير إنجازيّة الحوار من وجهة نظر جديدة، فالحوار بنظرها تداوليّ، فما يقال على الخشبة يصبح حدثًا منجزًا، وتقول: تأخذ هذه النظريّة الكلام – الفعل بعين الاعتبار. “التكلّم هو الفعل ولكنْ ليست اللغة المسرحيّة فقط هي الكلام – الفعل بل اللغة بكاملها…، نستطيع أن نلاحظ وجود فئة من الأفعال التي تقوم بالعمل نفسه الذي تعنيه هذه الأفعال. فلا نستطيع أن نقول “أنا أعد”، من دون أن أعد، أو “ألعن” دون لعنة، ولا حتّى “أنفي” من دون نفي. إنّها أفعال كلام إنجازية performatifs.”([11]) أي قادرة على القيام بالفعل، وكان لتمييزها النقدي وانزياحها عن إنجازية فعل الكلام دورًا في لفت النّظر إلى خصوصية وظيفة اللغة في المسرح، فهي ترى أنا الإنجازيّة ليست محصورة بأفعال الكلام، وأنّه في كلّ تلفّظ هناك مكوّن إنجازيّ وقيمة إيعازيّة وإن كان ذلك غير بديهي. هي ميّزت بين مستويات التخاطب الفعلية والتأثيرية، وما فوق التأثيرية أي تلك التي تحصل بواسطة قوة فعل الكلام، مشددة على أهمية التأثير المسرحي بواسطة اللغة وقدرتها على التأثير في المشاهِد.

ب- التفكير التّداولي التّحاوريّ وأثره في خطاب النقد المسرحيّ  لدى أوبرسفلد

ففي سعي أوبرسفلد للبحث عن المعنى أثناء عملية التخاطب المسرحية، نراها تعود إلى جهود غرايس في تحليل المحادثات، وهي جهود مبنية على المنحى التحاوريّ في المقاربة التداولية، الذي يعنى بدراسة مكوّنات التحاور وقصديّتها.  وقد توصّلت في خطابها النقدي إلى أهميّة دراسة القرائن التي تثبت المعنى المقصود، ومع خصوصية هذه القرائن في المسرح، ارتأت ضرورة تحليل مجموعة الضوابط التي تخضع لها عمليّة المحادثة المسرحيّة، وظروف التّواصل الكلاميّ، ووضوح الرسالة للمتلقّي، وكذلك مبدأ التّعاون بين المتخاطبين وبينهم وبين الجمهور، وهو أمر ضروريّ لفهم المعنى في السّياق.  فالحوار المسرحي في نظرها يتخطّى عمليّة الإخبار الصّرف، ويعيد ترتيب اللغة بشكل خاصّ ينتج عنه أفعال تعمل على التأثير وتغيير السّلوك. نعالج بعض مؤشرات التفكير التداولي في خطاب أوبرسفلد النقدي من خلال المصطلحات الآتية: المناجاة، والمونولوغ، والتلفّظ، وشروط التلفّظ.

ب-1- المناجاة والمونولوج

تندرج أسسه النقدية لدى أوبرسفلد تحت المقاربة التحاوريّة، فظاهرة المونولوج تتواتر في بعض المقاطع، إذ تأتي على شكل تساؤلات مطوّلة يطرحها الكاتب على نفسه بالدّرجة الأولى، وعلى متلقّيه بالدرجة الثانية. وإذا كان ياكبسون قد حصر الخطاب بين مرسل ومرسل إليه، فإنّ لوتمان أشار إلى نموذج آخر من التلقّي لا يكون بين هذين الطرفين، إنّما هناك خطاب يتجلّى فيه الحوار الداخليّ([12]).

والمونولوج هو شكل من أشكال الخطاب المسرحيّ التي تقتضي غياب المخاطَب، “المخاطَب المسرحيّ”، لكون المتلقّي هو الجمهور وحده. نادرًا ما يكون المونولوج مناجاة حقيقيّة، والحواريّة ليست غريبة عنه، إنّه يفترض بشكل عامّ متكلّمًا مزدوجًا داخل صوت الشخصيّة الواحد، أي صراعًا بين الأصوات التي تتكلّم تبعًا لنظامين من القيم. وهنا تحيل أوبرسفلد إلى “المقاطع الشعريّة لرودريغ  Rodrigue في السيدLe cid لكورناي، أو صراعًا بين تيّارين عاطفيّين لا يمكن أن  يتّفقا (راجع مونولوج إيرميون Hermione الذي يفتتح المشهد الخامس من أندروماك Andromaque لراسين).”([13]) وبذلك تنحو أوبرسفلد منحى التداولي غرايس في حديثه عن مبادئ المحادثة، فقد كان يرى أنّ إنجاز أيّ عمل لغويّ مرتهن باجتماع شروط نجاحه، وبناءً على هذا المقتضى التداوليّ يستخلص القارئ أنّ فلانًا يعتقد بما يقوله فيبحث في معارفه الموسوعيّة عن تأويل مناسب لهذا التّقرير. وتسلّط الضوء على ضرورة تمييز الأصوات الداخليّة المتنازعة التي يتوجّه لها هذا المونولوج، فتقول: “ويجب ألاّ ننسى أنّه بفعل ازدواجيّة التلفّظ*، يكون المشاهد حتمًا هو المرسل إليه الثانويّ في كلّ تلفّظ على الخشبة، وبالتالي لكلّ مونولوج. وهنا تشير إلى أنّه في “أشكال المسرح الشعبيّة أو أشكال الملهاة شبه الشعبيّة، يعتبر مشاركًا المشاهد في المونولوج كمرسل إليه، ويتمّ استدعاؤه أحيانًا بتعيين الاسم. راجع لدى موليير مونولوج أرباغون (البخيل l’Avare).”([14]) وتعتمد فيها على نظرية جينيت ولكنّها تسمي المناجاة ما يسميه جينيت بالمونولوج وتعتمد في تمييزها هذا على مستوى البوح خالص للأنا في حالة من عدم التّمالك أو ضعف التمالك (قلق، أمل، حلم، نشوة، جنون) وبدون مرسَل إليه.

ب-2– تلفّظ وشروط الـتلفّظ                   

في حديثها عن إنجازيّة أفعال الكلام وقدرتها على التحقق،  لفتت أوبرسفلد  النظر إلى بُعد جديد في الخطاب المسرحي، وهو من وظيفة الكاتب المسرحي أو المخرج، وهو بعد لا يمكنه التحقّق سوى  بشروط التلفّظ. وتقول: “لكنّنا لا نؤثّر بدون شروط التلفّظ : أن  نسأل هو في الوقت نفسه أن نؤكّد حقّنا في السؤال، وقول حقيقة يستحيل إلاّ إذا كنّا نملك حقّ قولها وإمكانيّة ذلك، أو إذا كان لدى الآخر القدرة على سماعها، كما في الكلام التربويّ. ذلك لأنّ كلّ فعل كلام يفترض ما بين المخاطَبين عقدًا يعطي المتكلّم نوعًا من القدرة على الكلام، وهي قدرة قلّده إيّاها المخاطَب بطريقة ضمنيّة وفعليّة، من خلال صمته أو إجابته، فإنّ كلّ تبادل لغويّ يفترض إنشاء عقد لغويّ ثمّ امتداده فتعديله أو قطعه.”([15]) تنطلق أوبرسفلد من آراء بنفينيست فيس التلفّظ، وتركّز على خصوصيّة التلفّظ المسرحي الشفهي، وترى أنّ نيّة التلفّظ المكتوب بهدف العرض لديها خصائص تميّزها عن نيّة التلفّظ المكتوب بغرض الكتابة السردية فقط:  “العمل المسرحيّ هو شفهي افتراضًا، وكون الملفوظ مطلوبًا ما بين صفحات كتابٍ لا يمنع أن يكون قد كُتب ليُقال.” وكان لأوبرسفلد الدور الأبرز في تمييز أصوات المتلفّظين بناء على نيّة التلفّظ الأساسية، ففي المسرح تطرح السؤال التالي: ” من ينطق بملفوظ نصّ مسرحيّ؟” وتجيب: ” الجواب ليس سهلًا، فإذا كان المقصود ملفوظًا توجيهيّا فإنّ كاتب السيناريو هو فاعل التلفّظ (لكون فعل الكلام في التوجيه ملزمًا)، وإذا كان المقصود ملفوظًا في حوار فإنّ فاعل التلفّظ هو الشخصيّة، لا بل أيضًا كاتب النصّ الذي أنتج الملفوظ وفوّض صوته الى الشخصيّة.”

من هنا لأوبرسفلد في خطابها النقدي دور في تعديل نظرية التلفّظ نظرًا إلى خصوصيّتها المسرحية إذ أكسبتها صفة الازدواجيّة مفصّلة عناصر تمييز صوت المتلفّظ – الكاتب من صوت المتلفّظ الشخصيّة أو الممثّل: “كلّ ما يُتلفَّظ في المسرح يكتبه كاتب النصّ وتنطق به الشخصيّة، إلى جانب أمر إضافيّ مفاده أنّ الصوت الملموس الذي سينطق بالملفوظ ليس لكائن مجرّد، بل هو الصوت الحقيقيّ للممثّل. وبالتالي نميل إلى نسيان صوت كاتب النصّ، بقدر ما لا يترك في الملفوظ سوى آثار غير مباشرة : “أسلوب” الكاتب ومحصلة العناصر الدراماتورجيّة. إنّ  صيغة الملفوظ في الحوار المسرحيّ هي الـ أنا – أنت في الملفوظ الشخصيّ، وصوت الـ هو لا يكون أبدًا سوى للذِّكر عندما “نجعل شخصيّة ما تتكلّم” في السرد”([16]).

ج- الأسس السيميائيّة في خطاب النقد المسرحي لدى أوبرسفلد

انطلقت أوبرسفلد من فهمها الرمزية كما هي في التاريخ المسرحيّ، إذ أدتّ الرمزيّة إلى تحوّلات جذريّة في المسرح على صعيد الكتابة والعرض المسرحيّ،” فنصوص المسرح الرمزيّ لا تحتوي على حبكة بالمعنى التقليديّ للكلمة وهي تعطي الأولويّة الكلمة التي تشغل الحيّز الأساسيّ في العرض المسرحيّ”([17]). وبما أن  النصوص الرمزيّة كانت صعبة التحقيق على الخشبة بداية فبالتالي لقيت أوبرسفلد صعوبة في التعامل مع هذه النصوص الرمزية، لتصل فيما بعد إلى أدوات السيميّائية وقدرتها على تعريف مداخل مصطلحية كفيلة بتحليل الخطاب المسرحي مع مراعاة الرمز. أمّا الأسس السيميائيّة في خطابها النّقدي فتظهر من خلال رجوعها الى شارل موريس (Charles Morris)، وقد  قدّم تحديدًا مفاده أنّ “التداوليّة هي دراسة علاقة العلامات بمستعمليها، أي دراسة اللغة في أثناء ممارستها إحدى وظائفها الإنجازيّة والحواريّة والتواصليّة، وهي دراسة ارتباط العلامات بمؤوّليها أي بمستعمليها”([18]). ورأت أوبرسفلد في نقدها المسرحي أنّ النصّ علامة متكاملة، أو مجموعة متوالية من العلامات، فاستطاعت بذلك أن تقتحم مجال المسرح بخطابه، محاولة حلّ مأزق الانتقال من النقد السيميائي للنص إلى النقد السيميائي للمسرح، فطوّرت وسائلها المنهجية لوصف الحالة المسرحية، وتحليلها. ويبدو ذلك واضحا من خلال مصطلحات: الحركة والحركية، والمرجع.

ج-1–  الحركة، والحركيّة                             

وثّقت أوبرسفلد علاقة الحركة والحركية بالرموز المشفرة، فالحركة هي “تحرّك جسديّ ناتج من الممثّل بطريقة إراديّة أو شبه إراديّة، وهو بما أنّه أُنتج في أثناء التمثيل يعتمد مدلولاً على علاقة بكلام الممثّل، أو بباقي الممثّلين، وبفضاء التمثيل. وبنتيجة ذلك، الحركيّة (والمقصود بها ليس فقط حركات الممثّل بمجموعها بل طريقتها) هي نصّ، على علاقة بجميع رموز التمثيل، الشفهيّة وغير الشفهيّة.”([19]) وبالتالي وأوكلت إليها وظيفة مزدوجة إيمائيّة تحاكي تصرفا واقعيا ورمزيّة،  وأسست من خلال مجموع الحركات والإيماءات نصّا ربطته من خلال الأساس النظري السيميائي بالرموز الشفهية، وقسّمته إلى أنواع “فهو أحيانًا يسهب فيها وأحيانًا يتعارض معها”([20])، لم تستثن احتمال وجود” رموز حركيّة كثيفة لا يمكن ترجمتها، أو رموز قليلة الوضوح وظيفتها بالنسبة إلى الخطاب الشفهي بمثابة وظيفة المجاز”([21]).

ج-2- المرجع                                                                      

انطلاقا من المبدأ التداوليّ القائل بضرورة دراسة اللغة في سياقها التخاطبيّ أي في حيّز الاستعمال، كان لأوبرسفلد الدور في إعطاء السياق قيمته النقدية فيما يتعلق بالنص والعرض المسرحي. رافقت دراسات أوبرسفلد مسار التداولية الذي تجاوز التعامل البنيويّ مع النصّ باعتباره نظامًا مستقلًّا عن السياق أو المرجع، إلى وصفه خطابًا مرتبطًا بمقام ومنتَجًا في سياق، وهو يحمل بشكل مباشر أو غير مباشر آثار هذا السّياق الذي كُتب فيه، كما يحمل آذار مقام المسرح الذي قيل فيه، كما تحضر فيه العناصر التّسعة المكوّنة للمقام التخاطبيّ أو الوضعيّة التلفّظيّة النموذجيّة وهي: “المخاطِب والمخاطَب وزمن التلفّظ ومكانه وخصائص الملفوظ الصوتيّة والنحويّة ودلاليّة التلفّظ والمسلّمات المسبقة (معارف المتخاطبَين وقدراتهما وعلاقتهما الاجتماعيّة) ومقصد المخاطِب التواصليّ والتعامل الذي يساهم التلفّظ في بنائه”([22])

وتحلّل أوبرسفلد  العناصر التي تسهم في إنتاج خطاب المسرح، وتشكّل إطارًا للتواصل بين منشئ النصّ والممثل والمخرج والمتلّقي. وهي بذلك متأثرّة بغرايس إذ له دور حاسم في التأكيد على أهميّة العناصر غير اللسانيّة في إنتاج الخطاب وتأويله، مثل السّياق والموقف التواصليّ والمعارف المسبقة للمتخاطبين، إذ تتعدّد الدلالات بتعدّد سياقات التلفّظ، وتبعًا لتغيّر الظروف والمرجعيات والمحدّدات الزمانيّة والمكانيّة والموقف التواصليّ. تحيل أوبرسفلد على العنصر الثالث من عناصر الرمز (دالّ، مدلول، مرجع). والذي يرجع  إلى العالم الخارجيّ   ولكنْ بما إنّ الرمز المسرحيّ لديه خصوصية العرض والحضور، فإن وجوده الملموس  جعل أوبرسفلد تميّز في فكرها النقدي بين الرمز الألسني الموجود في النص، والرمز الحسّي المجسّد على الخشبة. بما يدفعها إلى التأسيس لمفهوم ازدواجية المرجع في المسرح: الرمز الألسنيّ الموجود في نصّ كاتب النصّ يرجع، ككلّ رمز، إلى عنصر من الواقع. هذا الواقع قد يكون خياليًّا (شجرة، طاولة، إنسان، عنقاء، أبو الهول…). فلها إذًا مرجع، لكنّ هذا المرجع مزدوج : الكلمة طاولةأو طاهٍتعود إلى طاولة، وإلى طاهٍ (أو إلى فكرة طاولة أو طاهٍ)، ولكنْ ها هي طاولة ملموسة وطاهٍ من لحم وعظم موجودان على المسرح([23]).

وتأتي هذه الإضاءة النقديّة لرفع الإبهام المرتبط بازدواجيّة الرّمز المشهديّ، فكلمات النصّ ترجع إلى واقع على المسرح وخارج المسرح. و ثمّة واقع على الخشبة ترجع إليه الرموز النصّيّة، وواقع في العالم الحقيقيّ.

د- المرجعية والإحالة ووظيفتهما في خطاب النقد المسرحي لدى أوبرسفلد

المرجعيّة بحسب جون ديبوا هي “الوظيفة التي يتمكّن من خلالها الدليل اللغويّ من الرجوع إلى موضوع في عالم غير لغويّ واقعًا كان أم خيالًا”([24])، وعليه فوظيفة اللغة المرجعيّة هي التي تعطي الخطاب بعده الحقيقيّ في التأدية، إذ إنّ تتمّة الفائدة في الكلام تتوقّف على مدى مطابقة العلامات للواقع. من هنا تأتي أهميّة الحديث عن المرجعيّة قبل الشروع في دراسة الإشاريّات، إذ إنّ الدلالة فيها تتوقّف على وظيفتها المرجعيّة بكلّ ما تحمله من أبعاد. وفي هذا المبحث نعالج نظرية السياق والمرجع ووظيفتهما في خطاب النقد المسرحي لدى أوبرسفلد من خلال مصطلح الزمان:

د-1-  الزمان

ينبغي إلاّ يُخلط مفهومي الإحالة والمرجع، “فالإحالة هي خاصيّة العلامة اللسانيّة أو عبارة متمثّلة في الإحالة على واقع، أمّا المرجع فهو الواقع الذي أشارت إليه الإحالة”([25]). وقد اعتمدت أوبرسفلد هذا التمييز وأوضحته في المسرح، فاعتمدت المقاربة التلفّظيّة التي تقوم بوصف العلاقات الموجودة بين بعض المعطيات الداخليّة للملفوظ، وهي تُعنى بدراسة الرموز الإشاريّة أي بدراسة عناصر التلفّظ التي تتضمّن التأشير Deixis، الذي يُفهم منه تعيين مكان الأشخاص وهويّاتهم، كما الأشياء والأحداث. وذلك نسبةً إلى السياق المكانيّ – الزمانيّ الذي أنشأه التلفّظ. “وتُقسم الإشاريّة Déictique غالبًا – حسب الميادين الثلاثة المكوّنة لمقام التلفّظ – إلى إشاريّة شخصيّة، ومكانيّة، وزمانيّة، لكنّ بعضهم يخصّص مفهوم الإشاريّة للعلاقات المكانيّة – الزمانيّة. أمّا التأشير الشخصيّ فهو كما يعرّفه يول- صيغ تُعتمد للإشارة إلى أشخاص مثل “أنا”و”أنتم””([26]).

هذه العناصر لها سياق خاصّ في المسرح وهو السياق الوجوديّ والإحاليّ، إذ نحلّل بالتفصيل عناصر التلفّظ الأساسيّة من حيث التأشير والمرجعيّة، والـ”أنا” أي المتكلّم الذي يصدر عنه الخطاب؛ والـ”هُنا”: المكان الذي ينتج فيه الخطاب؛ والـ”آن”: الزمن الذي ينتج فيه الخطاب أو اللحظة التي تتمّ فيها عمليّة التواصل([27]).

وتميز أوبرسفلد بين ” دلالتين للزمان في المسرح، هما المدّة واللحظة، أي مدّة العرض بتفاصيلها ولحظة الحدث بمقابل لحظة العرض”([28]). في مقاربتها الزمان المسرحي، تربط أوبرسفلد الزمان المسرحيّ بالإخراج، فالفضاء المسرحي – وهو من عمل المخرج-  باختيار المرجعيّات، واختيار الرموز. إلا أنّها تربطه كذلك بالنصّ المسرحي، وفي هذا الربط تستحضر دراسة المرجعية والإحالة من خلال ما قدّمته لسانيات النص في هذا المجال. كما تحيل إلى مفهوم المتتاليات، التي أوضحت الألسنية النصيّة مدى اهميتها في بناء الخطاب، وترى أوبرسفلد أنّ “مسألة إيقاع المتتاليات منبثقة عن الزمان المسرحيّ”([29])، فالإيقاع المسرحي يوازي الانتقال المقطعي ما بين المتتاليات السرديّة. أمّا روابط النص فقد ترجمتها في دراستها التحليليّة للمسرح بما يسمى بال” فواصل (وقفات أو سواد)  تتيح تخيّل انقطاع زمنيّ ” أمّا الاتّصال النّصي فهو على الخشبة “متتاليات طويلة تجعل الأفضليّة للاتّصال الزمنيّ”([30]). وفي حديثها عن اللحظة المسرحية توضح أوبرسفلد أن المقصود بها “زمان لحظة التخييل، أي زمان المرجعيّة  التاريخيّة”([31]) في إطار دراسات المرجعية التاريخية التي عنيت بها لسانيات النص والمقاربات التداولية، نرى اوبرسفلد تسلّط الضوء على تحديّات الزمان، “فاللحظة قد تكون “منذ ألفي سنة أم منذ عشر سنوات أم الأسبوع الماضي  ومع هذه الصعوبة التي لا يستطيع المسرح (نصًّا وتمثيلاً) عدم إحالتها إلى حاضر، هو حاضر الكتابة وحاضر العرض المسرحيّ، فإنّه من غير الممكن كتابة النصّ المسرحيّ، إلاّ ضمن الحاضر”([32]) وتقصد بذلك كلّ ما يشير إلى الزمان من خلال الأفعال وصيغ الأفعال الماضية ومؤشرّات الزمان. كما تأتي آراء أوبرسفلد النقدية بناء على مقاربة المرجعيّة التّأشيريّة في دراسات الزّمان بإطارها التّداوليّ، فهي تسلّط الضوء على “العلاقة الزمانيّة المزدوجة بين لحظة كتابة العمل الفني ولحظة التمثيل من جهة، وبين حاضر التمثيل ولحظة التخييل من جهة أخرى”([33])، إذ تأتي من خلال ملفوظات تشدّد على الفارق التاريخيّ، أو تقوم بردم الهوّة. تشير أوبرسفلد خلافًا لدراسات الزمان في الخطاب المكتوب، إلى خاصيّة متعلقة بالمسرح فحسب، فالإخراج قادر على إيجاد مرجع آخر، لا يكون مرجع الحاضر ولا مرجع التخييل، وهذا المرجع الزمني متعلّق بالمخرج والمؤلف الدرامي، مشيرة إلى المثال الآتي: “وهكذا نستطيع لعب مسرحيّة يوليوس قيصر Jules césar لشكسبير في السياق الفاشي للثلاثينيّات… (وبالتالي هناك أربعة مراجع : العصور القديمة، زمان شكسبير، 1930، اللحظة الحاضرة)”([34]).

هـ – التلفّظ المسرحي ووظائفه في خطاب النقد المسرحي لدى أوبرسفلد

نقوم تحت هذا العنوان بتسليط الضوء على ركائز خطاب التحليل المسرحي المعتمدة على مسائل التداوليّة التلفّظيّة، ونعالجه من خلال مصطلحات: التداولية والحوار والتلفّظ وشروط التلفّظ.

ه-1- التداوليّة والحوار

ثمّ تشير في دراستها للحوار إلى وظائفه المبنية على طبيعة التلفظ فيه، أي إلى “ازدواجيةّ التلفّظ في الحوار المسرحيّ: فلكلّ تلفّظ ضمن الحوار مرسلان، كاتب النصّ والشخصيّة التي أوكل إليها صوته، ومتلقّيان هما المخاطب – الشخصيّة (“الآخر” من المخاطب)  المشاهد الحاضر أيضًا بطريقة ما من خلال التبادل وإن لن يتمكّن من التدخّل فيه”([35]). وهنا تحيل إلى شروط التلفّظ المشار إليها بمجموع التوجيهات: “فتلفّظ “أحبّك” قد يكون تلفّظ مغرمة أو ساخطة… شروط التلفّظ هي بدورها مزدوجة، تخييليّة ومشهديّة معًا: المشهد لا يروي دائمًا ما يقتضيه النصّ، فالإخراج قادر على تغيير شروط التلفّظ التخييلي المنصوص من خلال التوجيهات ليحلّ في محلّها شروطًا أخرى تتيح للحوار أن يشكّل معنى أوضح بالنسبة إلى المشاهد، أو أكثر ملاءمة لمشروع المخرج بمجمله”( [36]). من هنا تستعين أوبرسفلد بآراه لتشير إلى وجود فرق تداوليّ جوهريّ يسمح للمشاهد المسرحي بالتمييز بين الكاتب المسرحي والراوي للحدث المتخيل والشخصيّة المتلفّظة بالقول على الخشبة، إلاّ أنّ الفصل فيها يبقى ممكنا من خلال المحيط النصي والإشاريات المرجعية المستخدمة بالكلام أو الحركة أو الديكور المسرحي.

ه-2- التلفّظ وشروطه

كما تعتمد أوبرسفلد على نظريّة التلفّظ للتمييز بين شروط وظائف التلفظّ ما بين اللغة المكتوبة والتلفظ المسرحيّ:  “لكلّ تلفّظ في الحوار له وظيفة أو عدّة وظائف من الوظائف الست: الوظيفة التخاطبيّة التي تنشئ اتّصالاً بالمخاطب: “صباح الخير!”، الوظيفة المرجعيّة أو التي تخبر المخاطب بالأحداث التي تهمّه (المرتبطة إذًا بالعالم الموضوعي)، الوظيفة التعبيريّة التي ترتبط بالمتكلّم وتترجم ما يشعر به، الوظيفة الإيعازيّة التي تتّجه نحو المخاطب وتوجّه عمل هذا الأخير، الوظيفة الشعريّة التي تتّجه نحو المرسَلة نفسها وتعدّل التأثير الذي تحدثه، أخيرًا الوظيفة السننيّة ومهمّتها التشديد على أنّ شفرة متكلّم وآخر هي نفسها : “أنتكلّم عن الأمر نفسه؟”([37]).

و-  المضمر وتأثيره في خطاب النقد المسرحي لدى أوبرسفلد

ويُعدُّ المضمر Implicite أي متضمّنات القول “مجموع ما يختلف عن الظاهر، أي مجموع الدلالات الثانويّة التي يمكن استنتاجها والاستدلال عليها من الملفوظ. فالملفوظات التي لها معنى مباشر نعتبره ظاهرًا، هي أيضًا ذات طبيعة تستوعب دلالات عدّة بحسب السياق الواردة فيه، والذي يُعُتبر بدوره المنطلق في تحليل المضمرات”([38]). تُعدُّ دراسة المضمر في الخطاب صلب مساعي الكشف عن المقاصد.فالمفترض هو المعلومات المدرجة في القول الذي يتضمّنها وإن لم يفصح عنها المتكلّم، وذلك بغضّ النظر عن السياق.  والافتراض قول يقبل أن يُصاغ استفهامًا، ثمّ نفيًا، مثال ذلك جملة: انقطع زيد عن التدخين، إذ يمكن تحويلها إلى استفهام: هل انقطع زيد عن التدخين؟، كما يمكن نفيها: لم ينقطع زيد عن التدخين. أمّا المضمّنات فهي صيغة مختلفة عن المفترضات، ففي حين أنّ المفترضات مسبقة وقبليّة وغير مرتبطة بالسياق، فإنّ المضمّنات بَعديّة، أي أنّها استدلال نتيجة، كما يمكن أن تكون مصدر سوء تفاهم. مثال ذلك جملة: إنّ السماء تمطر، فالمتلقّي قد يفهم أشياء كثيرة إذا تعدّدت السياقات التي قيل فيها: فقد يفهم أنّها دعوة إلى المكوث في البيت، أو الإسراع إلى العمل حتّى لا يفوته موعد الحافلة، أو الانتظار والتريّث حتّى يتوقّف المطر، أو عدم نسيان المظلّة قبل الخروج.

أمّا على صعيد تداوليّة المسرح، فترى أوبرسفلد أنّ كلّ عمل مسرحي يدفع المتلقي إلى تعقّب المضمر أو المضّمن([39])،  بما يحقّق قصديّة الخطاب؛  وبما أنّ هذه الظواهر اللغوية لا يمكن إدراكها إلا من خلال تحكّم الباحث وإدراكه مختلف قوانين الخطاب وأحكام المحادثة. فإنّ أوبرسفلد أضاءت على تلك القوانين نظرًا لأهمية دورها في تحويل الكلام من مدلوله الصريح إلى مدلوله الضمنيّ، ضمن الوضعيّة التخاطبيّة التي قيل فيها. وفي هذا المجال سعت أوبرسفلد للكشف على ما يحتويه الخطاب المسرحيّ من متضمّنات القول، لذا نعالج هذا المبحث من خلال مصطلحي النصّ المضمر وغير المقول:

و-1- النصّ المضمر وغير المقول

قد ترجمت ما اسمته “سديم المشاعر والانفعالات” إلى تلفظات مضمرة في خطاب الشخصية تجتمع تحت مسمّى “غير المقول”: “سديم المشاعر والانفعالات التي ترافق عند المشخّص التلفّظ بكلام الشخصيّة،  وهذا السديم بالطبع يتعلّق بشروط التلفّظ التي لا تشكّل جزءًا من غير المقول، بل من “مقول في موضع آخر”: أقوال رجلٍ في السجن هي أقوال السجن (ما كان قد قيل لنا بوضوح تامّ)، وبالتالي فإنّ ما يتعلّق بالنصّ الخلفيّ عند ستانيسلافسكي هو سديم مشاعر الإنسان وانفعالاته في السجن”([40]).

وتشير إلى الأصول التداولية لتفريعات ما لم يُقّل على المسرح فتقول: “تداوليّة كلّ ملفوظ تذكّرنا بوجود فئتين من غير المقول الموضوعيّ، … المفترَضات والمضمّنات. مثال: في أندرورماك راسين، تقول أندروماك في حالة من الريبة: “هلمّي إلى قبر زوجي واستشيريه”. ما يُفترض مسبقًا ومن دون أيّ تردّد، هو أنّ هذا الزوج ميت، سواء استخدمت الاستفهام: “أأذهب؟…” أو النفي: “لن أذهب…”، فالمفترَض لن يتغيّر : هكتور  ميت على أي حال”([41]). فالمفترض الذي يحتويه المقول هو جملة غير معلنة إذ إنّه، في حال انعدام الاتّفاق بين المخاطب ومخاطبه حول المقال المفترَض، فإنّ المقول لن يكون مقبولًا. يشكّل المفترَض جزءًا لا يتجزأ من معنى المقول، أيًّا كان السياق. وتقوم أوبرسفلد بجهد تفريع هذه المفترَضات إلى فئات متعدّدة: “تاريخيّة وحدثيّة – هناك بطل يُدعى هكتور، وقد مات-، لا بل إيديولوجيّة أيضًا: احترام الموتى قيمة ملازمة للجنس البشريّ، فالموتى لهم إذًا قبر، قد يكون نصبًا تذكاريًّا (قبر هكتور فارغ)، وأغرب من ذلك أنّ الموتى يستطيعون نصح الأحياء”([42]). تلك هي المفترَضات التي تتحكّم في الشعر الذي تقوله أندروماك، والتي لم يتمكّن مخاطبها سوى من موافقتها عليها (وافقتها كاتمة أسراراها عليها بطبيعة الحال وقبل قول أيّ كلام). لاحظ ديكرو “بقدر ما  يحتوي النصّ مفترَضات، فإنّه يحتوي ]…[ في محوره نداءً للآخرين ويجب أن يُفهم بالنسبة إلى مرسل إليه”. وتربط أوبرسفلد مجموعة المفترَضات والمضمّنات بالفضاء المعرفي والإحالات المرجعية الثقافية لدى المتلقي   وفق الشكل الذي وضعه عليه كاتب النصّ في أثر أدبيّ، وتعطي مثالًا: “في ماكبث  لشكسبير قيل فيما يتعلّق بمالكولم: “مالكولم سيكون الملك،” ولكي يُفهم ذلك ، تطلّب هذا المقول مفترَضًا حديثًا، أنّ مالكولم هو ابن الملك المتوفّى ووريثه، لكنّه مشروط أيضًا بمفترَض سياسيّ – إيديولوجيّ : أنّ ابن الملك هو وريث السلطة الملكيّة، مقترن بمفترَض حدثي مفاده أنّ  قانون الفرنج يسود في اسكتلاندة”([43]). وفي ما يلي مخزون مضمّنات مدرجة ومنها: “أنّ مالكولم Malcolm لديه جميع المزايا المطلوبة ليشكّل ملكًا صالحًا، أنّه ليس لديه أي من المزايا المطلوبة…، أنّ  البارونات سيساعدونه ويدعمونه…، أنّهم لن يفعلوا شيئًا”([44]). وتعمل أوبرسفلد على كشف أليات الإخراج الجديدة التي من شأنها إظهار غير المقول، خصوصًا أنّه إذا ما تغيّر الكون الموسوعيّ للمرسل والمتلقّي، فإنّ غير المقول لن يشكّل جزءًا ممّا يعرفه الناس أجمعون، هو – وإذا لم يُدرك – يجب إيجاد الوسائل المشهديّة لإظهاره، إذ تقول: “يتوجّب عليه كذلك إلقاء الضوء على المفترَضات والمضمّنات التي تؤلّف كون الشخصيّة. كذلك في النورس La Mouette لتشيخوف، فخطاب الشخصيّات الرئيسيّة كلّها يكون مضمرًا بواسطة مفترَض “إيديولوجيّ: “أن الفنّ هو القيمة العليا التي يجب أن يُضحّى بكل شيء في سبيلها… أنّ  تحليل مختلف عناصر غير المقول وإلقاء الضوء عليها هو إحدى النقاط الأساسيّة حيث يلتقي فكر كلّ من المخرج والممثّل.”([45])

  • علم النص وتأثيره في خطاب النقد المسرحي لدى أوبرسفلد

ظهر التوجّه الجديد لدراسة النصوص مع تقاطع النظريّات وتأثير العلوم المعرفيّة “بدأت فكرة دراسة النصوص بشكلها الكلّيّ. وكان ذلك مع ظهور ما يُسمّى بـ”علم النصّ” الناشئ مع هاريس (Harris) سنة ١٩٥٢ في كتابه “تحليل الخطاب. وانطلق علم النصّ من أهميّة  تحديد القواعد والمعايير التي تجعل النصّ نصًّا”([46]). ولكشف خفايا الخطاب المسرحي تعتمد أوبرسفلد على النصّ وتعالقاته، وترتكز فيها على مصطلح  “التعالي النصّيّ” TextuelleTranscendance الذي جاء به جينيت  في العام ١٩٨٢ ويعني عنده كلّ ما يجعل نصًّا ما يتعلّق مع نصوص أخرى، بشكل مباشر أو ضمنيّ. وأبرزها([47]):

1- “التناصّ Intertextualité ، وهو حضور نصّي في نصّ آخر، كالاستشهاد، والسرقة، وغيرهما.

2- النص المصاحب أو محيط النصّ Paratexte، ويوجد في العناوين، والعناوين الفرعيّة، والمقدّمات، وكلمات الناشر، والخواتيم، والصور…”.

وقد اخترنا لدراسة هذا المبحث المصطلحات التالية: النصّ، والتوجيهات:

خ-1- النصّ

كرّس جينيت في كتابه “عتبات” (١٩٨٧) أهميّة النصّ المصاحب، “إذ تعود لكونه يشكّل إطارًا مرجعيًّا للخطاب، واعتبره عتبة من عتبات النصّ، أي مرآة معرفيّة يبرز من خلالها النصّ بتلويحاته وتلميحاته، وهو بذلك يسهّل عمليّة الاستقراء والاستنباط”([48]). وراجعت أوبرسفلد كّلّ هذه العتبات في كتابها النقديّ للمسرح، دامجة أفكار جينيت بما توصّلت إليه لسانيّات النصّ والخطاب، فأتاحت أخذ النصّ المصاحب بالحسبان فاتحة مفهوم النصّ على الدراسة التداوليّة لاستراتيجيّة الكاتب في بنائه، ولتحديد ظروف إنتاجه وتلقّيه. وبما أنّ لكلّ خطاب إجراءاته الخاصّة في تفعيل النصّ المصاحب، فقد نظرت إلى خصوصيّة المسرح على أساس أنّه جنس أدبيّ له قصد مرجعيّ، لقيت دراسة النصّ المصاحب على صعيد المسرح  اهتمامًا واضحًا لديها، فتقول: كلمة نصّ في المسرح تدلّ بالطبع على النصّ الذي ينتجه كاتب النصّ، فيما يوجد نصّ (مكتوب أم محكي، مدوّن أحيانًا من قِبل شاهد أو مسجّل) وهو نصّ المخرج، نصّ محيط أو تعليق، ولا سيّما النصّ التوجيهيّ (توجيهات) الذي يطيل توجيهات النصّ الأوّلي ويحدّدها ويعدّلها. وبشكل خاصّ، يوجد نصّ سيميائيّ مبنيّ من مجموعة رموز التمثيل، نصّ شامل (“التمثيل كنصّ”، بحسب دوماريني De Marinis) مؤلّف من عدّة “مجموعات نصيّة” يمكن بناؤها حول ممثّل أو غرض مسرحيّ”([49]).

ز-2- التوجيهات

ويُقصد بها دفاتر الإرشادات الموجّهة إلى الممثّلين قبل التمثيل. وقد فعّلت أوبرسفلد مفهوم جينيت لمحيط النص Paratexte في السرد ونقلته من كونه  “لوازم النصّ المكتوب في السرد أي مجموع الملفوظات التي تحيط به (العنوان – العنوان الفرعي – المقدّمة – التمهيد – الفهارس – المحتويات)”([50]) إلى توجيهات المسرح المكتوبة بكونها إرشادات، وجعلت وظيفتها مماثلة لوظيفة محيط النص بمفهوم جينيت، بما جعل النقد المسرحي أكثر قدرة على وضع هذه الإرشادات في سياقها، وربطها بمتن النص. وتمكّنت بذلك أوبرسفلد من تقديم خطاب نقدي للمسرح قادر على فهم الكتابة المشهدية بكونها حاضرة وقابلة للتنفيذ من الممثل وللفهم من المشاهد، ووضعت التوجيهات في خدمة الناقد والمشاهد إذ أشارت إلى مرجعيّتها وإلى أهميّة تأمين ظروف حضورها في فضاء العرض. وقالت عن مفهوم التوجيهات ووظيفتها : “الكلمة تعني كلّ ما هو ضمن النصّ المسرحيّ ولا يتلفّظ به الممثّل، أي كلّ ما هو مباشرة من وضع كاتب النصّ. وتتضمّن التوجيهات الإرشادات الإخراجيّة بالتحديد أي إشارات المكان والزمان، يضاف إليها تلك الموجّهة إلى المشخّص (بخصوص الكلام والحركيّة)، وخاصّة ما يجزّئ الخطاب المحكيّ في العمل بأكمله، أي الإشارة إلى اسم الشخصيّة أمام النصّ الذي يجب أن  تقوله”([51]). وبالتالي فإنّ التوجيهات ترتبط بشروط التلفّظ وظروف الخطاب المسرحي خاصّة المكانيّة الزمانيّة. وبما أنّ الخطاب المسرحي يمتاز أيضًأ بخصوصيّة لحظة العرض، فقد أولت أوبرسفلد هذه التوجيهات – على خلاف محيط النص المكتوب – بدور مزدوج – متعلّق بإرشادات العرض، وتقول: “دور التوجيهات مزدوج إذًا: هي نصّ إداريّ يتضمّن جميع الإشارات التي يوجّهها المؤلّف إلى مجموع المنفّذين (المخرج ومنظّم المسرح والممثّلين) المكلّفين تحقيق الوجود المشهديّ لنصّه، وهي أيضًا سند يتيح للقارئ أن يبني خياليًّا إمّا مكانًا في العالم أو مشهدًا مسرحيًّا أو الاثنين معًا.” وبالتالي تحيل إلى التوجيهات وظيفة تخييليّة من شأنها بناء عوالم تخييليّة لدى المتلقّي المشاهد:” بما إنّ صنعة المخرج هي بالتحديد إقامة علاقة ما بين التخييليّ والمعروض، نفهم كيف أنّ التوجيهات هي مفهوم تأسيسيّ في الصنعة المسرحيّة”([52]).

كما أشارت إلى خصوصيّة التوجيهات المحيطة بالنص لكن من الداخل، وأطلقت عليها اسم “التوجيهات الداخليّة” وهي  الإشارات الموجّهة إلى المخرج ضمن النصّ. وللتوضيح أشارت إلى نموذج من أعمال شكسبير بقولها: ” هذا هو حال معظم التوجيهات لدى شكسبير. “تسعلين بقوّة يا سيدتي، أيطيب لك تناول بعض شراب عرق السوس؟” يقول طرطوف لإلمير (موليير، طرطوفTartuffe، الفصل الرابع) : يُشار إلى المشهد المسرحيّ والعلاقات الحركيّة بتضافر المشهديّ والمحكيّ”.

خاتمة

         أعادت هذه الورقة البحثيّة مراجعة خطاب النقد المسرحيّ المتأثّر بنظريات الألسنيّة وعلومها، وكشفت من خلال تحليل مضمون هذا الخطاب عن تأثير نظريّات علم النصّ والسياق والتلفّظيّة والتداوليّة والسيميائيّة في تكوينه، كما هو الحال في الأبحاث التي تدرس نظريّات الدرس اللغويّ الحديث ومقاربات النقد الأدبّي-  ارتكزت ورقتنا في خطابها بشكل أساسيّ على ترجمات نقلت إلى اللغة العربيّة لمصطلحات عدّة تتأسّست عليها نظريّات الأدب ومقارباته وكان مصدرها علوم اللغة. وكان بحثنا قائمًا على افتراض وجود أسس بنيويّة تداولية سيميائيّة لقراءة التلفظ المسرحي وتحليل خطابه. واعتمدنا لذلك منهجًا قائمًا على تحليل مجموعة مصطلحات مشروحة بشكل موسّع، فأظهرنا آليّات توظيف هذه العلوم في تحليل الخطاب المسرحيّ من خلال استشهادات عدّة مأخوذة من مدوّنتنا، وأوضحنا كيف أسهمت تلك العلوم في تأطير دراسة المسرح بكونه نصًّا وخطابًا وفضاءً. واعتنت الدراسة بتظهير تعالقات المصطلحات فقدّمتها للناقد المسرحي العربي المعني بدراسة المسرحة بشكل عامّ إلى جانب عنايته بنقد النصّ المسرحيّ. ومن خلال دراسة المدوّنة المختارة أظهرت ورقتنا البحثيةّ أنّ الدراسات المسرحيّة المعاصرة اتّسعت حين خرجت من إطارها التقليديّ إلى إطار المقاربات الألسنيّة، وبخاصّة مع آن أوبرسفلد؛ فالمسرح القائم بأساسه على اللغة والتواصل، استحضر مقاربات الألسنيّة لفهم هذا الخطاب، وتحليله، ووضع مصطلحات نقده. كما امتدّ أثر لغة خطاب النقد المرتبطة بالمكوّن اللغوي المسرحي، على المكوّنات المسرحيّة الأخرى من الفضاء إلى العرض المسرحي والمسرحة بشكل عام. فلغة نظريّات التلفّظ ومقاربات تحليل الخطاب والتداولية ترمي بظلالها على لغة خطاب نقد المسرح، وتعير أدواتها النقديّة لقراءته على مستويات ألسنيّة واضحة وأبرزها:

  • مستوى قراءة المكوّن التلفّظيّ، وعلاقات المتلفّظين ببعضهم البعض، والوظائف المرتبطة بذلك.
  • مستوى قراءة المقصود من اللغة المستعملة من خلال اعتماد المقاربة التداوليّة في فهم خفايا الخطاب المسرحي وتضميناته وقدرته الإنجازيّة.
  • مستوى قراءة الرمز المسرحيّ والعلامة من خلال المقاربة السيميائيّة، وبخاصّة في العرض المسرحيّ الذي يتراجع فيه النصّ بمعناه الحواري لصالح عناصر سيميائيّة، من خلال كل ما يظهر على الخشبة من ديكور وحركيّة ومكونّات المشهديّة.
  • مستوى المرجعيّة والإحالة وقراءة الزمان والموقف الاجتماعيّ بتأثير من نظريّات السياق التي تحيل على الدوام إلى المرجعيات الزمانيّة – المكانيةّ، وإلى الفضاءات الثقافيّة- الاجتماعيّة للحدث المسرحيّ.
  • وعلى مستوى المصطلح: بما أنّ النظريّة النقديّة لا يمكن إدراكها علميًّا إلّا بواسطة درس المصطلح  فكذلك لا يخفى أن المصطلح المسرحيّ ناجم أيضاً عن تكوّن الخطاب المسرحيّ في دلاليته وتداوليتّه من مراعاة السياقيّة والنسقيّة إلى مراعاة التأويل والتلقّي. أمّا المصطلح النقديّ المسرحيّ في النقد العربيّ الحديث، فهو متعالق بشكل أساسي مع مصطلحات البنيويّة وما بعدها من نظريّات التلفّظ ومقاربات التداوليّة والسيميائيّة وهو يكشف وغلبة الأبعاد اللغويّة والوصفيّة والبلاغيّة والذوقيّة في التعامل معه نظريّا وتطبيقيّا. وهو يكشف دخول المصطلح النقديّ المنهجيّات الحديثة مع مطلع السبعينيات من القرن العشرين، ولاسيّما البنيويّة والتأويل والنقد الجديد ثم الدخول الأوسع في المنهج السيميائيّ.

وعليه فقد فضت بنا هذه الدراسة إلى تحديد مكوّنات خطاب التقد المسرحيّ المعاصر، والذي يعتمد عليه دارسو المسرح العربيّ بكونه المصدر المترجم، بالتوازي مع ترجمات الألسنيّة وتحليل الخطاب المعاصرة.

المصادر والمراجع

أوّلًا: المصادر والمراجع العربيّة والمترجمة

  1. أُوبرسفِلد (آن)، المصطلحات الأساسيّة في دراسة المسرح، ترجمة زينة سعيفان، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، 2011، 160 صفحة.
  2. أوستن (جون)، نظريّة أفعال الكلام العامّة: كيف ننجز الأشياء بالكلام، ترجمة عبد القادر قينيني، الطبعة الأولى، تونس، إفريقيا الشرق، ١٩٩١ ، ١٩٢صفحة.
  3. بلخير (عمر)، معالم لدراسة تداوليّة وحجاجيّة للخطاب الصحافيّ الجزائريّ المكتوب ما بين 1989 و2000، 348 صفحة، مستنسخة.

أطروحة دكتوراه: لغة عربيّة: جامعة الجزائر: قسم اللغة العربيّة وآدابها، 2006.

  1. روبول (آن)، موشلر (جاك)، التداوليّة اليوم: علم جديد في التواصل، ترجمة سيف الدين دغفوس ومحمد الشيباني، الطبعة الأولى، بيروت، المنظّمة العربيّة للترجمة، ٢٠٠٣، ٢٨٨ صفحة.
  2. سعيفان (زينة)، تداوليّة الخطاب في السيرة الذاتيّة: السير الذاتيّة الصادرة في لبنان بين العامين ١٩٩١-٢٠١١ نموذجًا،435 صفحة، مستنسخة.

أطروحة دكتوراه في الآداب: جامعة القدّيس يوسف، معهد الآداب الشرقيّة، اللغة العربيّة وآدابها،2016.

  1. كيربيرات- أوريكيوني (كاترين)، المضمر، ترجمة ريتا خاطر، الطبعة الأولى، بيروت، المنظّمة العربيّة للترجمة، ٢٠٠٨ ،٧٠٠ صفحة.
  2. معجم تحليل الخطاب / إشراف باتريك شارودو ودومينيك منغونو، ترجمة عبد القادر المهيري وحمادي صمّود، الطبعة الأولى، تونس، المركز الوطنيّ للترجمة، منشورات دار سيناترا، ٢٠٠٨، ٦٤٦ صفحة. (اللسان).
  3. منغونو (دومينيك)، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ترجمة محمّد يحياتن، الطبعة الأولى، بيروت، الجزائر، الدار العربيّة للعلوم، منشورات الاختلاف، ٢٠٠٨، ١٥٢ صفحة.
  4. المنيعي (حسن)، النقد المسرحي العربي: إطلالة على بدايته وتطوّره، الطبعة الأولى، طنجة، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، 2011، 290 صفحة.
  5. الياس (ماري)، قصّاب حسن (حنان)، المعجم المسرحيّ: مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض، بيروت،مكتبة لبنان ناشرون، ١٩٩٧، ٦١٦ صفحة.

ثانيًا: المصادر والمراجع الأجنبيّة

  1. Adam (Jean-Michel), La Linguistique Textuelle: Introduction à L’Analyse Textuelle des Discours, 2ème Édition, Paris, Armand Colin, 2008, 239 pages.
  2. Fraser (Bruce), “The Meaning of DMs Discourse Markers”, Pragmatics (62), June 1996, Boston University.
  3. Genette (Gérard), Figures 3, Paris, Seuil 1992, 288 pages.
  4. Rainer (Warnig), “Pour une Pragmatique du Discours Fictionnel”, Poétique n°39, sep. 1979, p. 322-345.
  5. Ubersfeld (Anne), Les Termes Clés de l’Analyse du Théâtre, Paris: Edition du seuil, 1996, 90 pages, (MÉMO; 21).

الهوامش

[2]   – آن أوبرسفلد Anne Ubersfeld هي أستاذة جامعية متخصّصة بالدراسات المسرحيّة في جامعة Paris III، وتمتاز بغزارة التأليف في هذا المجال. ومن مؤلّفاتها نذكر :

  1. UBERSFELD, Lire le théâtre, Paris, Éd. Sociales, 1977, Belin, 1995.

__, Lire le théâtre II (L’École du spectateur), Paris, Messidor, 1981, Belin, 1995.

__, Le Roi et le Bouffon, étude sur le théâtre de Hugo, Paris, José Corti, 1974.

__, Paroles de Hugo, Paris, Messidor, 1985.

__, Le Roman d’Hernani, Paris, Mercure de France, 1985.

__, Le Théâtre et la Cité, Bruxelles, Éd. Complexe, 1988.

__, Vinaver dramaturge, Paris, Librairie théâtrale, 1990.

__, Le Drame romantique, Paris, Belin, 1993.

[3] – ترجم وحُلّل كدراسة أكاديميّة في جامعة القدّيس يوسف، ونال مرتبة الشرف، ونُشر عند مكتبة لبنان- ناشرون.

[4]حسن المنيعي، النقد المسرحي العربي، ص.35.

[5]– زينة سعيفان، تداوليّة الخطاب في السيرة الذاتيّة، ص. 174.

[6]– جون أوستن، نظريّة أفعال الكلام العامّة، ترجمة عبد القادر قينيني، ص. 98.

[7] – آن أوبرسفلد، المصطلحات الأساسيّة في دراسة المسرح، ترجمة زينة سعيفان، ص.95.

[8]م.ن.، ص.96.

[9]م.ن.، ص.26.

[10]م.ن.، ص.52.

[11]م.ن.، ص.47.

[12]م.ن.، ص. 83.

[13]م.ن.، ص. 84.

[14]م.ن.، ص. 107.

[15]م.ن.، ص. 59.

[16]م.ن.، ص.60.

[17]– ماري الياس وحنان قصاب،  المعجم المسرحيّ،  ص. 228 -230.

[18]–  آن روبول وجاك موشلر، التداوليّة اليوم، ص. ٢٤٣-٢٤٤.

[19]– آن أوبرسفلد، م.س.، ص.68.

[20]م.س.، ص.68.

[21]م.س.، ص.69.

[22]– Warning Rainer, « Pour une Pragmatique du Discours Fictionnel », p. 325

[23] – آن أوبرسفلد، م.س.، ص.100.

[24]معجم تحليل الخطاب، إشراف شارودو ومنغونو، ص. ٤٧٤.

[25]م.ن.، ص. ٤٧٥.

[26]– جورج يول، التداوليّة، ص. ١٩٤؛ عمر بلخير، معالم لدراسة تداوليّة وحجاجيّة للخطاب الصحافيّ الجزائريّ، ص. ١٠٣.

[27]-Bruce Fraser, “The Meaning of DMs Discourse Markers », p.98.

[28] – زينة سعيفان، م.س.، ص. 176.

[29]– آن أوبرسفلد، م.س.، ص. 111.

[30] م.س.، ص. 111.

[31]م.س.، ص.112.

[32]م.س.، ص. 112.

[33]م.س.، ص.113.

[34]م.س.، ص.113.

[35]م.س.، ص.59.

[36]م.س.، ص.59.

[37]م.س.، ص.60.

[38]– زينة سعيفان، م.س.، ص. 193.

[39] -Dominique Maingueneau, Pragmatique Pour Le Discours Litteraire, p. 78.

[40]– آن أوبرسفلد، م.س.، ص. 86.

[41]م.س.، ص. 86.

[42]م.س.، ص. 87.

[43]م.س.، ص. 107.

[44]م.س.، ص. 107.

[45]م.س.، ص. 108.

[46] -Jean-Michel Adam, La Linguistique Textuelle, p. 23.

[47] -Gérard Genette, Figures 3, p. 120.

[48]معجم تحليل الخطاب، إشراف شارودو ومنغونو، ص. ٤٠٩.

[49]– آن أوبرسفلد، م.س.، ص. 114.

[50]– Gérard Genette, Figures 3, Paris, p. 209.

[51]– آن أوبرسفلد، م.س.، ص. 52.

[52] – آن أوبرسفلد، م.س.، ص. 53.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website