foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

دور الضبط الاجتماعي في التربية

0

دور الضبط الاجتماعي في التربية

أ م.د منيرة محمد جواد الصميدعي([1])

 

المقدمة

الحمد لله رب العالمين يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى اهله الطيبين الطاهرين. إنّ أي مجتمع لا يمكن له الاستغناء عن التربية فكل مجتمع يريد أن يصل أفراده إلى مستوى معين من النمو الجسمي والعقلي والخلقي. وإن التعرف على دور المؤسسة التربوية في عملية الضبط الاجتماعي هذا المفهوم الذي نال عناية الكثير من علماء الاجتماع منذ أن ذكر هربرت سبنسر (Herbert spenser) هذا المصطلح في كتابة مبادئ علم الاجتماع، وكذلك في مقدمة العلماء العرب الذين أكدوا أهمّية الضبط الاجتماعي ابن خلدون فقد أشار إلى العمران البشريّ لا بدّ له من سياسة ينتظم بها أمره وأن المجتمع لا يكون صالحًا إلّا إذا كان هناك وازع (أي ضبط اجتماعي) يحافظ على كيانه لقد تضمن بحثنا الموسوم دور الضبط الاجتماعي في التّربية ثلاث مباحث تضمن المبحث الأول مشكلة الدّراسة وأهمّية الدراسة وأهداف الدراسة والمفاهيم والمصطلحات والدراسات السّابقة، أمّا المبحث الثاني تضمن التربية أمّا المبحث الثالث الضبط الاجتماعي.

المبحث الأول: الإطار العام للدراسة

أولًا: مشكلة الدّراسة

         إن وجود خلل في دور الأسرة يؤثر على باقي المؤسسات الأخرى، كالمدرسة وإنّ التّعقد التكنولوجي والعولمة ساهما في وجود مشكلات في الضبط الاجتماعي داخل المؤسسة التربوية، ووجود سلوكيات منحرفة وانحراف أخلاقي أدى إلى ضياع القيم وضعف المجتمع.

ثانيًّا: أهمية الدراسة

تعدُّ هذه الدّراسة من الدّراسات النادرة التي على المؤسسة التربوية الاهتمام بها والأخذ بالحسبان موضوع الضبط الاجتماعي وذلك للسيطرة على الجيل الجديد من الانحراف، وهو أمر أساسي لتماسك المجتمع ودعم الأسرة في تفعيل دورها في عملية الضبط الاجتماعي، وكذلك تساهم هذه الدراسة في تشخيص السلوك الشاذ وتبين لأفراد المجتمع كيفية تكامل المؤسسات التّربويّة لتحقيق الضبط الاجتماعي كذلك لا قيمة لوجود النظام الاجتماعي بغياب أو بضعف وسائل ضبطية تقوم بمراقبة الأفراد في سلوكهم.

ثالثًا: هدف الدّراسة

  • تهدف الدّراسة إلى الكشف عن دور الضبط الاجتماعي في التربية.
  • التعرف على مفهوم الضبط الاجتماعي ووسائله.

رابعًا: حدود الدراسة

تقتصر الدّراسة على دور الضبط الاجتماعي في التربية للأحداث المتراوحة أعمارهم ما بين (6-12) سنة.

خامسًا: المصطلحات والمفاهيم 

تعدُّ المفاهيم والمصطلحات العلمية من أكثر العناصر أهمّية في موضوع الدّراسة، لذلك كانت أكبر معين  في وضع منهاج الدّراسة ورسم خطتها([2]).

ا- الضبط

ضبط يضبط ويضبط ضبطًا فهو ضابط والمفعول مضبوط.

         ضبط لسانه: حفظه بالحزم حفظًا بليغًا.

         ضبط عمله أتقنه: أحكمه.

         ضبط ساكنه: طابقها مع الوقت الجاري ضبط المعلم النص صححه وشكله بالحركات([3]).

وتدل كلمة الضبط في اللغة على عدة معان بمعنى لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء فيقال: ضبط الشيء يضبطه في باب ضرب أي لزمه لزومًا شديدًا، لذا يقال هو الضبط  من الاعمى واضبط من نملة([4]).

2- الضبط الاجتماعي

يرى (جوزيف روسيك) أنّه مفهوم شامل يشير إلى العمليات المخططة وغير المخططة التي تعمل على تعليم الأفراد كيف يمتثلون لممارسات حياة الجماعات وقيمهم أو على إقناعهم بالامتثال أو إجبارهم([5]).

3- الدور

الدور لغةً واصطلاحًا: دور مصدر دار.

الدور الاجتماعي السّلوك المتوضح من الفرد في الجماعة أو النمط الثقافي المصدر السلوك الفرد الذي يشغل مكانة معينة([6]).

أمّا اصطلاحًا فيقول لنتون (Linton) الجانب الدينامي لمركز الفرد، أو وضعه، أو مكانته من الجماعة، أمّا رويتر فيقول إنه وظيفة الفرد في الجماعة، أو الدور الذي يؤدّيه في جماعته، أو موقف اجتماعي([7]).

4- التربية

التربية لغةً: ربّيته تربية وتربيته أي غدوته هذا لكل ما ينمو كالولد والزرع ونحوه. ويقال ربوت في شيء فلان، وربيت أي نشأت فيهم.

التربية اصطلاحًا: إظهار الكمالات الباطنيّة للبشر وإخراج الاستعدادات الفطريّة إلى حيّز الفعليّة وأن الإنسان لا يصل إلى الكمال اللائق به من دون التعليم والتربية.

أو هي المخزون الثقافي والنفسي والسّلوكي الذي سيلقى بظلاله على الإنسان طوال مسيرة حياته وكما يقال (من شب على شيء شاب عليه)، وأنّ الأساس الأول هو ان ينتبه المربي القدير إلى جميع الاستعدادات الكامنة في الطفل، ويعمل على تنميتها مع مراعاة الموازنة بين ميوله والتوفيق بها وإخراجها إلى حيز الفعلية، وبعبارة أدقّ إن التربية الصحيحة هي التي تكون مطابقة للفطرة الواقعية للإنسان، ولا يوفق المربي في ذلك إلا إذا ادرك جميع الميول والغرائز الطبيعيّة في الإنسان أولًا، ويعمل على تنمية تلك الميول وترويضها في مقام التربية الثانية([8]).

سادسًا: منهج البحث

لقد استخدمنا المنهج التاريخي، فالتاريخ هو المادة الخام الذي يمكن للباحث أن يستمد منه حقائق مفيدة للمعرفة الإنسانيّة([9]). ويهتم المنهج التاريخي بدراسة المجتمع الإنساني من أجل تقديم تفسير لدور الضبط الاجتماعي في التربية.

سابعًا: نظريات الدّراسة

تعد النظريات الآتية من المداخل النظرية العامة لدراسة السلوك الاجتماعي.

الاتّجاهات الكلاسيكيّة

  • المنظور البنائي الوظيفي

يذهب أنصار المنظور البنائي الوظيفي إلى أن المجتمع – كبناء كلي – يتكون من مجموعة من الأجزاء المترابطة وأن كل جزء له وظيفة، ودور يؤديه للمحافظة على استمرارية المجتمع وجميع هذه الأجزاء تتعاون في ما بينها للوفاء بالاحتياجات الأساسيّة للمجتمع وأن هناك آليات وظيفتها الأساسية تحقيق التساند الوظيفي داخل المجتمع بوصفه نسقًا ويُعد الإجماع القيمي مصدرًا أساسيًّا لضبط سلوك الأفراد. لقد زاوج ريس (Riss) بين مصطلحي الشّخصية والتنشئة الاجتماعية، وبين عمل مدرسة شيكاغو ووضع نظرية في الضبط الاجتماعي فاقت معظم الأعمال الآتية على الرّغم من أن (ريس) استخدم نظرية التحليل النفسي، وكتب بالتفصيل عن أهمية الشّخص فإنه في نظريته يذهب إلى وجود ثلاثة عناصر تتعلق بالضبط، وتفسير الجناح حيث ذهب إلى أن الجناح نتاج لأيّ أو لكل من العناصر الآتية:

  • نقص في الضوابط الدّاخليّة السوية التي تنمو اثناء مدّة الطفولة.
  • انهيار هذه الضوابط الداخليّة.
  • تصدع أو تصارع القواعد الاجتماعيّة التي تزودنا بها الجماعات المهمّة مثلًا الأسرة – المدرسة جماعة الأصدقاء([10]).
  • المنظور الصّراعي

يعد مفهوم الضبط الاجتماعي مفهومًا مهمًّا أيضًا من وجهة نظر الصّراعية الماركسية.إذ يُعدُّ خاصية متأصلة في المجتمع وضرورية لتنظيم الحياة. إذ إن المجتمع أصبح يتسم بالصّراع أكثر من التوفيق والنظام. وبصفة عامة تشترك نظريات الصّراع في مسلمة أساسية هي أن المجتمعات تتميز بالصّراع أكثر من الإجماع القيمي. هذه المسلمة تسمح بوجود تنويعات متعددة لنظرية الصّراع.هذه التنويعات تمتد على خط متصل يوجد في طرف منه الاتجاه التعدّدي الذي يفترض أن المجتمع يتكون من الآف الجماعات – التي غالبًا ما تكون موقتة – تتباين في الحجم. وفي حالة صراع من أجل تحقيق المصالح والسّيادة وفي الطرف الآخر يوجد الصّراع الطبقي، حيث توجد طبقتان في المجتمع تسعى كل منها إلى السيطرة على المجتمع.([11])

الاتجاهات المعاصرة

يمكن حصر أبرز الاتجاهات المعاصرة في تناول مفهوم الضبط الاجتماعي في ثلاث اتجاهات بالتحديد هي البنائية الجديدة، التي تطرح المعرفة كمصدر جديد للضبط الاجتماعي والنّسق الرأسمالي العالمي الجديد الذي يعكس مستوى جديد للضبط الاجتماعي وأخيرًا تلك المحاولات التي سعت الي تكوين نظرية في الضبط الاجتماعي. ترفض النظرية البنائية الجديدة النظرة الكلاسيكيّة لآليات الضبط وترى أنّ المعرفة هي مصدر الضبط الاجتماعي وبالتالي تحلّ آليات التّوجيه والإقناع والخطاب محل القهر والقسر في ضبط السّلوك من أبرز رواد ذلك الاتجاه “ميشيل فوكوVokoh Meshel ” و”انتوني جيدنز Entony Gednez  ويذهب فوكو Vokoh إلى أنّه من الضروري أن يقوم نسق الضبط الاجتماعي بتحسين القانون وإعادة إنتاجه باستمرار من أجل بقائه، وبالتالي بقاء مصدر مهمّ للضبط الاجتماعي إذ يعمل القانون لمصلحة الدولة التي تسن مواد لصالح  المجتمع أو لصالح بعض الجماعات المسيطرة التي تحاول أن تعيد توليد نفسها من خلال استخدام القانون كأداة للسيطرة والسيادة.

النسق الرأسمالي العالمي الجديد: مستوي جديد للضبط الاجتماعي

في ظل النمو الهائل للنسق الرأسمالي العالمي الجديد، لم تعد نظرة الكلاسيكية لمفهوم الضبط التي تحصره في مستويات ضبط معينة بَدءًا من الضبط الذاتي وانتهاء بالمجتمع الأكبر كاملة، وذلك نظرًا إلى ظهور مستوي جديد من الضبط، وهو الضبط العالمي فلقد أصبحت العولمة تشكل شكلًا جديدًا من السيطرة والضبط سواء عن طريق التدخل من الاستغلال الاقتصادي أو بث الفكر الأيديولوجي ليكون المجتمع طبعًا للقوة والسيطرة والهيمنة العالمية.([12])

ثامنًا: الدّراسات السّابقة

  • دراسة محمد الحامد (1995)

وهي بعنوان “دور المؤسسات التربوية غير الرسمية في عملية الضبط الاجتماعي” دراسة ميدانية([13]) رسالة ماجستير غير منشورة، قدمت إلى كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة هدفت إلى التعرف على طبيعة الدور الذي تقوم به المؤسسات التربوية غير الرسمية في عملية الضبط الاجتماعي، وبالطبع هذا يتضمن التعرف على مدى فعالية تلك المؤسسات في تفسير الاستقامة، والانحراف ومدى استجابة تلك المؤسسات للعوامل الاجتماعية والاقتصاديّة في المجتمع إلى الحد الذي يتمّ فيه إدراك تلك المؤسسات لبواعث الانحراف، وكيفية التعامل بها بطريقة وقائية وقد استخدم الباحث ثلاث أدوات رئيسة وهي استبانة المعلومات الذاتية، ومقياس مستوى التدين. وقد توصل إلى النتائج الآتية:

  • نتائج مرتبطة بالأسرة.
  • نتائج مرتبطة بجماعة الرفاق.
  • دراسة آمال عبد الحميد “الضبط الاجتماعي غير الرسمي بين النمط المثالي والنمط الواقعي” (1991): هدفت إلى الكشف عن المنظومة التي تضبط الفعل الاجتماعي حتى يمتثل للقيم والمعايير التي حددها النمط المثالي لكل من الدين والعرف. وطبقت الدراسة في أحد أحياء القاهرة على عدد سكان الحي. وأسفرت الدراسة على عدة نتائج منها أنّ الضبط الاجتماعي غير الرسمي موجود في التجمعات الحضرية، وأنّه توجد فجوة بين ميكانزمات الضبط الاجتماعي المثالي في كل من الدين والعرف والقانون وما يحدث في الواقع([14]).

المبحث الثانيّ: دور الضبط الاجتماعي في التربية

التربية

تمثل التربية مكانة بارزة في بناء الفرد والمجتمع، ولهذا عني بها كل المفكرين والتربويين في شتى أنحاء المعمورة على اختلاف أممها وشرائعها، وتقاليدها ذلك أن التربية هي المسؤولة عن تشكيل سلوكيات البشر عن طريق التربية، يكتسب الطفل القيم الأساسية لبناء ذاته وشخصيته في محيط الأسرة، وعلى هذا تعمل الأسرة بأساليبها التّربوية المختلفة على إكساب الطفل السلوك الذي يتوافق مع القيم التي تدين بها. ويمكن القول إن لكل مجتمع تربيته الخاصة التي تعكس فلسفته، وأهدافه وظروف حياته وألوان نشاطه وقيمه ومعتقداته لذا سعت التربية الإسلاميّة إلى ذلك من خلال تربية الذّات الإنسانيّة عن طريق تنمية الإيمان، والعلم والخلق والعمل الصالح فضلًا عن تأكيد التمسك بالقيم الروحية والخلقية. وتتجلى أهمية النّظام التّربوي في تلبية متطلبات اقتصاديًّا فلقد شهد منتصف القرن الماضي وبداية القرن الحالي اهتمامًا كبيرًا بدأ بأهمية التربية في توفير اليد العاملة المدربة، والمؤهلة للقيام بالأعمال المختلفة بدقة متناهية تضاف اليها التكنولوجيا الحديثة، وما أُنجز عنها من ضرورة أن يكون الفرد على قدر مقبول من التحصيل العلمي، يستطيع مسايرة التطور الحاصل في النّظم المعلوماتية الحديثة. إن التربية والتعليم، لم يعد ينظر اليها كنوع من الخدمة التي تقدم للناس بمعزل عن العمليّة الاقتصادية وإنما أصبح ينظر اليها مع النشاط الاقتصادي وجهان لشيء واحد يراد بها النصوص بمستوى حياة الفرد والمجتمع.([15])

  • التربية تعمل على تكوين الاتجاهات السّلوكيّة

وتوجد وظائف اجتماعية كثيرة للتربية، تحقق من خلال عمل البيئة الاجتماعيّة، ذلك الطريقة الوحيدة التي يسيطر بها الكبار على تربية الصغار إنما تحدث من خلال السيطرة على البيئة التي يعملون فيها. إن الأثر التربوي للبيئة الاجتماعية ينعكس في تكوين شخصية الفرد واتجاهاته العقلية والعاطفية، وفي تحديد أنماطه السّلوكية، فالبيئة تتطلب من الأفراد استجابات معينة، فالوسط الخاص الذي يعيش فيه الفرد يقوده إلى رؤية أشياء أكثر من غيرها ولاتخاذ أسلوب عمل ناجح مع الاخرين. وهكذا يكتسب الفرد من هذا الوسط اتجاهًا سلوكيًّا يظهر في نشاطه، وتفاعله مع بيئته وتتكون الاتجاهات السّلوكيّة في البيئة بواسطة تشكيل العادات النافعة للطفل وتثبيتها، وبتعديل دوافعه الأصلية على أساس مبدأ اللذة والألم فلكي يحصل الطفل على لذة النجاح ويتجنب ألم الفشل عليه أن يعمل في الطريق المرغوب فيه مع الآخرين، وقد يشارك  بطريقة حقيقية في نشاط الكبار، بل لأن تقمص الأفكار والعواطف التي عند الكبار قد نمت عنده وبالتالي يكسب رضا الآخرين. وما يؤكد دور البيئة الاجتماعية من تشكل الاتجاهات العقلية والعاطفية لفرد وتحديد نمطه السلوكي انه اذا ما احتوته الاتجاهات العقلية والعاطفية للبيئة يكون قادراً على معرفة أهدافها الخاصة وطرق ووسائل تحقيقيها وبمعنى آخر نأخذ أفكاره ومعتقداته اتجاهاً مشابهاً لاتجاه مثيلاتها في البيئة فطريقة الحكم على الأمور وكيفية تفسير الظواهر المتعدّدة ونوعية القيم التي تحكم المجتمع وتسوده إنما تعكس الاتجاهات العقلية والعاطفية السائدة في المجتمع.([16])

  • التربية وسيلة اتصال وتنمية الأفراد

إن بقاء المجتمع لا يعتمد على نقل نمط الحياة عن طريق اتصال الكبار بالصغار فقط، ولكن بقاء المجتمع يُتم الاتصال الذي يؤكد المشاركة في المفاهيم، والتشابه في المشاعر للحصول على الاستجابات المتوقعة من الأفراد في مواقف معينة.إنّ هناك علاقات كثيرة بين افراد الجماعة لا تكون علاقات اجتماعية بالمعنى الصحيح، فكثيرًا ما يستخدم إنسان إنسانًا غيره لإنجاز مطالب له من دون تقدير لأوضاعه العقلية، والنّفسيّة المتصلة بإنجاز تلك المطالب ومثل هذا الاستخدام يعكس العلاقة القائمة على أساس القوة، والنّفوذ وليس على أساس تحقيق الأهداف أو إشباع الرغبات المشتركة. والاتصال يكون مربياً اذ كان قائماً على الخبرة ووحد ة الأهداف والميول المشتركة وهذا الاتصال هو الاتصال المرغوب، والمفصل بين الأباء والأبناء،وبين المعلمين والتلاميذ، وبين الرئيس والمرؤوس حتى تضمن علاقات إيجابيّة ذات أثر تربوي بين أعضاء المجتمع. فالحياة الاجتماعيّة لا تتطلب لدوامها التدريس والتعليم فقط، ولكنها تتطلب التربية لأنّ التّربية تزيد الخبرة وتخلق الإحساس بالمسؤولية، وتوحد الاهتمامات فتتلاقى الاتجاهات. والمجتمعات الإنسانيّة يعتمد في بقائها على التربية لأنّ أساليب حياتها وأنماط تفكيرها التي تكونت، واستقرت بين أفرادها لا تنتقل انتقالًا بيولوجيًّا بين الأفراد مثل لون العين، أو الشعر، أو البشرة. وإنما تكتسبها الأجيال المتعاقبة عن طريق التعلم والمشاركة في الخبرة الاجتماعية، فمهما كانت بساطة الحياة في أيّة جماعة إنسانية من حيث لغتها وتقدمها العلمي ومعاييرها الخلقية وأساليبها المعيشة فإن المرادفات السلوكية لكل ذلك.([17])

3- الانضباط الذاتي

الانضباط المدرسي بأشكاله المختلفة من الموضوعات الحساسة، والمهمة في نجاح العملية التعليمية  وأمثلها، ولقد كثر الحديث حول هذ الموضوع، ليس فقط بسبب تزايد المشكلات وغرابتها، وبعدها عن المألوف في مجتمعنا العربي ما جعلها تأخذ الوقت الكثير من مدير المدرسة، والمرشد التربوي والمعلم والطالب ووليّ الأمر وصانع القرار التربوي وذلك لأن المدرسة أصبح على كاهلها دور الأسرة والمجتمع والأسرة مغيبة عن هذا الدور الذي هو الأساس في تصحيح السلوكيات غير المرغوب  فيها، ما يجعلها تبني جسور تواصل بين المدرسة والأسرة الذي يؤدي إلى تقية دور المدرسة ويجعله أكثر فاعلية. إن مفهوم التربية أوسع من مجرد تحصيل المعرفة أو امتلاك المهارات والاتجاهات، إنما يشمل كل هذه المعارف والمهارات والاتجاهات، والمسؤول عن تحقيق التكامل هو معلم مبدع ذكي، مثقف متجدد في تطلعاته ومعلوماته، ومن اجل وجود مثل هذا المعلم فإنه لا بد من إعداده إعدادًا سليمًا وإلّا فإنّ الحصاد يكون مؤسفًا.([18]) فالمعلم الذي يسعى لينمي السلوك السوي الدّيمقراطي لدى الطلبة، عليه أن يكون قدوة لهم، وأن يطلع على كل جديد في مجال تخصصه، وأساليب تدريسه وطرق التعامل مع الطلبة ويظل حاضرًا في ذهنه مع الطلبة يراقبهم ويتغيب عن أسئلتهم، يشجع الحوار والتّشاور، وينوّع في طرح القضايا، وطرق معالجتها يعد موضوع الانضباط الذاتي من الموضوعات المهمة في المجال التربوي التي تستدعي اتّباع أساليب بناءة، وهادفة من قبل المربّين والتربويين تساهم في تحقيق أهداف التّربية، وإزالة العقبات وبخاصة ما كان منها ناجمة عن صعوبات في التكيف مع البيئة المدرسيّة. إن جزءًا كبيرًا من تحقيق الانضباط الذاتي لدى الطلبة يقع على كاهل المعلم داخل غرفة الصف وخارجها وبخاصة إذا كان أولئك الطلبة في مرحلة المراهقة، ففي تلك المرحلة تزداد حساسية الطالب نحو العلاقة التي تربطه بالآخرين، وربما يتوافق مدى انضباطه على معاملة زملائه ومعلميه له فإما أن يزيد ذلك من ثقته بنفسه، ويجعله يتردد أو يبتعد من ممارسة أيّ عمل من شانه أن يسيء اليه والى مدرسته وزملائه، وأمّا أن يغالي في هذا الأمر فلا يكترث إلى ما سيحدث نتيجة ممارسته وعدم  انضباطيته،  وإثارة المشكلات التي من الممكن أن تعيق تحقيق الأهداف([19]).

4- الأهل ومبدأ الشراكة في العمل التربوي  

يقول كونفرشيوس: إنّ الشّراكة بين الأسرة  والمدرسة عرفت والمدرسة في العقدين الأخيرين لاقت انفتاحًا على تلامذتها لم تعرفه عبر تاريخها الطويل، وتظهر الأبحاث التربوية المتخصّصة بأن مشاركة الأهل أولادهم اهتمامهم وحياتهم المدرسية، هي من العناصر المهمّة المؤثرة إيجابًا على تقدم الأولاد التعلمي وعلى نموهم الإنساني على المستويات كلها، ويستند مبدأ الشراكة بين الأهل والمدرسة على مسلمة أساسية تنطلق من الأهل والمدرسة في اتّجاه هدف واحد: الأهل يريدون الأفضل لأولادهم ويحلمون لهم بمستقبل باهر، لذا يحاولون توفير أفضل فرص التعلم والنمو لهم باذلين الغالي والرخيص لبلوغ هذه الأهداف، والمدرسة وجدت لتسهر على تنشئة التلامذة وتنميتهم وبالطبع مدى نموهم، ونجاحهم بالتعلم يؤثر على موقعها سلبًا أو إيجابًا ويحدد مدى نجاحها في المجتمع، ويقوم مبدأ الشّراكة بين الأهل والمدرسة على أسس ست هي([20]):

1- مدرسة المجتمع:  تعمل على تحسين مستولى المعيشة للمواطنين، فالوظيفة الأساسية التي تضطلع بها المدرسة الحديثة، هي رفع مستوى المعيشة للإنسان في المنطقة التي تقوم المدرسة بتأدية خدمات فيها، وبما أن المدرسة تؤدي وظيفتها الاجتماعية فالأهالي يكونون أفضل صحيًّا وجسميًّا وعاطفًّاً وأكثر إدراكًا لمن حولهم، فاعتبارها الأول من أجل تكوين أفراد أفضل معيشة أفضل في عالم أفضل.

2- مدرسة المجتمع تستخدم البيئة معملًا([21]) فلن يكون التدريس واقعيًّا، إذا اقتصر على الجدران الأربعة لحجرة الدراسة أو المكتبة، وهي تهيئ لهم جمع الفرص ليتعلموا من الحياة عن طريق الاتصال المباشر بها وكسب الخبرات، والتدريب على حل مشكلاتها فهي تفتح أبوابها لتبادل الخبرة العملية بينها وبين المجتمع عن طريق الاستفادة الحكيمة من المصادر  الإنسانيّة، الرحلات والخبرات العملية بالعمل في المشروعات التي يقوم المجتمع بتنفيذها.

3- مدرسة المجتمع تسيّر استخدام مرافق المدرسة لخدمة البيئة، إذ يتلاقى الأهالي بصورة اجتماعيّة لممارسة نشاط ما أو الاستماع إلى أحد المحاضرين، فمدرسة المجتمع لا ينقطع الناس عن استخدامها كبارًا أو صغارًا ليلًا أو نهارًا في الصيف والشتاء على السّواء، فهي مدرسة الشعب أنشئت من أجل أن يستخدمها الجميع حسب حاجاتهم.

4- مدرسة المجتمع تنظم خططها ومناهجها حول العمليات الأساسيّة والمسائل الرئيسة للحياة الواقعية، وذلك عن طريق خبرات الدارسين أكثر واقعية وأعظم حيوية، فيشعر المجتمع بوجود علاقة بين الدراسات التي يتزود بها ومطالب الحياة المتصلة بذاتيته، يقول أحد رجال التّربية أن الدراسة الحقيقية الميدانية هي دراسة الإنسان)([22]) على الرّغم من أنّ الإنسان متغير، ويصعب دراسته.

5- مدرسة المجتمع تشرك الأهالي في رسم سياسة المدرسة، وتخطيط برامجها فهي تعدُّ مشروعًا اجتماعيًّا واسع المجال، والبرامج العامة التي توضع لمدرسة المجتمع يناقش بصورة تعاونية مخططها القادة المحليون من أصحاب الأعمال والقرويين والعمال، والمختصين بشؤون التعليم، ومن ممثلي الحكومة والهيئات الاجتماعيّة وجميع من يهتم بشؤون ومستوى المعيشة في مجتمعه.

6- مدرسة المجتمع تؤدي إلى التوافق الاجتماعي، إذ تعمل جنبًا إلى جنب مع الهيئات الأخرى مستهدفة تحسين المعيشة، وتتحمل المسؤولية في تقريب وجهات النظر بين هذه الفئات ليتعاونوا جميعًا باطراد وتماسك نحو الهدف.

7- مدرسة المجتمع تمارس الأساليب الديمقراطية في كل المعاملات الإنسانيّة وتعمل على تطويرها، فيتعلمون فيها باطراد المهارات التي تتصل بالمشاركة الدّيمقراطيّة الفعالة في نواحي الحياة المختلفة، فكلّ من المدرسة والمجتمع معامل حية يتعلم فيها الأساليب التعاون بالممارسة الحقيقية وكسب المهارات(1).

المبحث الثالث (الضبط الاجتماعي)

         الضبط الاجتماعي: نظام قديم عرفته البشرية وعرفه الإنسان منذ القدم، واتخذ لتحقيقه بعض الأساليب لتنظيم العلاقات الاجتماعيّة بين الأفراد المجتمع من أجل إشباع حاجاتهم ولضمان استقرار المجتمع واستمراره، إذ إنّ في طبيعة النّفس الإنسانيّة التأثر بالغرائز المختلفة التي تسيطر على سلوك الإنسان وتنزح به عن الطريق السوي إذ لم يجد الوسيلة الضابطة لسلوكه، ولذا فان عملية الضبط الاجتماعي عملية قيمة لها دورها على الفرد والمجتمع. يشير الضبط الاجتماعي (Social-control) في معناه العام إلى العمليات والإجراءات المقصودة وغير المقصودة التي يتخذها مجتمع أو جزء من هذا المجتمع  لمراقبة سلوك الأفراد فيه، والاستيثاق أنهم يتصرفون وفقًا للمعايير والقيم أو النّظم  التي رسمت لهم ويرتبط الضبط الاجتماعي في المجتمع الحديث بالرأي العام والحكومة قانونيًّا أمّا في المجتمعات التقليدية فتسهم الأنماط الاجتماعيّة  كالعادات الشّعبية، والعرف بدور كبير في الضبط الاجتماعي([23]).

         وعلى هذا، فقد ذهب كل (اوجبرن ونيمكف) (Ogburn-nimk off) إلى دارسي علم الاجتماع يستخدمون اصطلاح الضبط الاجتماعي بطريقة عامة جدًا في وصف كل الوسائل، التي تستخدمها الجماعة في تحقيق النظام الاجتماعي ويترتب على هذا الاستخدام، إن العادات الشّعبية وتقسيم العمل مثلًا يمكن تصنيفها من وسائل الضبط الاجتماعي ما دام يساعدان على استمرار الجماعة، وتكاملها فالضبط في نظرهما هو في تطبيق نطاق الانحرافات عن المعايير الاجتماعيّة. إن كل عرف اجتماعي وكل مظهر من مظاهر السّلوك العام، هو إلى درجة ما وسيلة للضبط الاجتماعي بل إن ابسط قواعد السّلوك أو ابسط مظاهر التقليد أو آداب السلوك العام هي أدوات وسائل الضبط الاجتماعي.([24])

ثانيًّا – أشكال الضبط

  • الضبط القهري

نشأ هذا الشكل من الضبط بناءً على فاعلية القانون، والحكومة والقرارات واللوائح التنظيمية سواء داخل الجماعات ويكون مصحوب عادة بالقوة، أو الخوف من استخدامها فأنماط السلوك الرادعة به في حالات الجريمة إنما هي نوع من الضبط القهري الذي يمارسه المجتمع لمنع الجريمة، وردع الآخرين عن اقتراف السلوك الذي ينافي القيم والمعايير الاجتماعيّة([25]).

2– الضبط المقنع

عادةً التفاعلات الاجتماعية والوسائل الاجتماعية المختلفة التي تقنع المرء بالتزام قيم المجتمع وقوانينه، وذلك بناءً على الانتماء إلى الجماعة وعمليات التّطبيع الاجتماعي منذ الصغر، وتعود قيم الطاعة ومسايرة المعايير الاجتماعيّة الساندة داخل المجتمع، وعادة ما يكون الجزاء الاجتماعي على هذا النوع من الضبط الاجتماعي جزاء معنويًّا بمعنى أن الخروج على قيم المجتمع يقابل النّبذ والاستهجان أو البعض عن غير الملتزمين، كما قد يكون الضبط الاجتماعي مباشرًا كما هو الحال في القوانين المكتوبة أو غير مباشر كما يتمثل في التّوقعات العامة والعادات والتقاليد غير المكتوبة([26]).

ثالثًا: وسائل الضبط الاجتماعي

  • العرف (Mors)

هو أساليب الضبط الاجتماعي المهمّة الرّاسخة في المجتمع لكونه من الطرائق والأساليب المهمّة التي توجها الحياة الاجتماعيّة. وقد ذكر sapir أنّ اصطلاح العرف يطلق على تلك العادات التي يكتشفها الشعور بالصواب، أو الخطأ في أساليب متعدّدة.

  • العادات والتّقاليد

العادات ظاهرة اجتماعيّة تشير إلى كل ما يفعله الناس، وتعود فعله بالتكرار وهي ضرورة اجتماعيّة إذ تصدر عن غريزة اجتماعيّة، وليس عن حكومة أو سلطة تشريعيّة، وتنفيذيّة فهي تلقائية لأنّ أعضاء المجتمع الواجب يتعارضون في ما بينهم على ما ينبغي أن يفعلوه وذلك لبقاء جميعهم([27]).

3-عملية التنشئة الاجتماعيّة

هي العملية التي تطبع الإنسان منذ مراحل الطفولة المبكرة، وتعده للحياة الاجتماعيّة المقبلة التي سيتعامل فيها مع الآخرين من غير أسرته فالتنشئة الاجتماعيّة تعلم الطفل قيم المجتمع ومعاييره الأساسية، وأهمّية دور المدرسة في تنشئة الطفل وتربيته إذ يتعلم فيها احترام نفسه واحترام الآخرين، كما يتعلم ضبط نفسه وفي المدرسة يجد النمط المثالي التالي لنمط والديه متمثلًا في المدرس فيطيعه فيغرس فيه المدرس عادة الطاعة والاحترام، وبذور الحكمة وهكذا تصبح التربية أداة أخلاقيّة في يد المجتمع لضبط أبناءه([28]).

4- القانون

هو أعلى أنواع الضبط الاجتماعي دقة وتنظيمًا، هو يتغير عن بقية الضوابط الأخرى لكونه أكثرها موضوعيّة، وتحديدًا كما ينطوي على عدالة في المعاملة لا تفرق بين أبناء المجتمع فالثواب، والعقاب صنوان في القانون وهدف الجزاء والعقاب هو الردع.([29])

رابعًا: نظريات في مجال الضبط الاجتماعي 

لقد اختلفت أفكار العلماء والباحثين حول مفهوم الضبط الاجتماعي، وما ينطوي عليه وتعددت تعريفاتهم لمصطلح الضبط الاجتماعي، وتبعًا لذلك ظهرت عدة نظريات في مجال الضبط الاجتماعي

  • نظرية تطور وسائل الضبط الاجتماعي (Ross)

تقوم هذه النظرية على أساس الطبيعة الخبرة للإنسان، إذ يعتقد روس أنّ داخل النفس الإنسانيّة أربع غرائز هي المشاركة أو التعاطف القابليّة للاجتماع على الإحساس بالعدالة أو رد الفعل الفردي. تشكل هذه الغرائز نظامًا اجتماعيًّا للإنسان يقوم على تبادل العلاقات بين أفراد المجتمع بشكل ودي([30]).

  • نظرية الضوابط التلقائيّة:سمنر Sumner

تنصب الفكرة الأساسيّة لنظرية سمنر على أنّ الصفة الرئيسة للواقع الاجتماعيّ تعرف نفسها بطريقة واضحة في تنظيم السلوك عن طريق العادات الشّعبية، إذ إنّها تعمل على ضبط التفاعل الاجتماعي وهي ليس في خلق الإرادة الإنسانيّة([31]).

  • نظرية الضبط الذاتي (كولي cooiey)

ينظر كولي للمجتمع على أساس أنّه كلّ يتجزأ يعتمد على تنظيمه الاجتماعي على الرّمز، والأانماط والمستويات الجمعية والقيم والمثل، فهو يرى أنّ الضبط الاجتماعي هو تلك العملية المستمرة التي تكمن في الخلق الذاتي للمجتمع([32]).

  • نظرية البنائيّة الوظيفيّة (لانديز Landis)

يرى لانديز على مكونات البناء الاجتماعي ودورها في الضبط الاجتماعي، كما يركز على مفهوم التوازن الوظيفي بين النظم الاجتماعيّة وعلاقة هذه النظم بالضبط الاجتماعي، ويصوّر لأنديز النظم الاجتماعيّة على شكل خط متصل نظري، يمثل أحد طرفيه التفكك الاجتماعي الذي يتسم بالفوضوية والنزاعات الفردية، بينما يمثل الطرف الآخر التنظيم الاجتماعي الأكثر صرامة والذي يتغير بالاعتماد على السلطة المطلقة، وبينهما توجد منطقة تسامح واسعة مشاكل الحاضر ويمدّه بالوسائل والأساليب اللازمة لذلك([33]).

  • النظرية الثقافية التكاملية (جيردفيتش)

يركز جيردفيتش على ضرورة دراسة الضبط الاجتماعي على أساس وشروط تتمثل في:

1- إنّ الضبط الاجتماعي ليس نتيجة لتطور المجتمع وتقدمه بل إنّه كان موجودًا في المراحل المبكرة في تاريخ المجتمعات الإنسانيّة.

2- إنّ الضبط الاجتماعي واقع اجتماعي وليس أداة للتقدم.

3- عدم وجود صراع بين المجتمع والأفراد.

4- إنّ كل نمط من أنماط المجتمعات هو عالم طبيعي يتألف من جماعات، ولذا فإنّ مؤسسات الضبط الاجتماعي تختلف باختلاف الجماعات والمؤسسات.[34])

خامسًا: أساليب الضبط الاجتماعي والمعايير الاجتماعيّة

يقصد بأساليب الضبط الاجتماعي: الطرق والممارسات التي تتحكم في تصرفات الأفراد، وتعمل كقوى تجبر الأفراد على الخضوع للمعايير الاجتماعيّة. فكلّ مجتمع من المجتمعات البشرية له أساليب ضبط تنظم حياة البشر، وتحكم طرق معاملاتهم وسلوكياتهم لتحقيق الضبط الاجتماعي كالقوانين والأعراف والعادات والتقاليد. وتختلف أساليب الضبط الاجتماعي في أهميتها باختلاف المجتمعات وباختلاف الزمان والمكان، فقد تكون الطرائق الشّعبية أسلوبًا من الدرجة الأولى في بعض المجتمعات، ويكون القانون في المرتبة الثانية، وقد يحدث العكس  ([35]). ويشير (جيب  Gibbs-1981) إلى أنّ تعدد صور وأنواع الضبط الاجتماعي، جاءت نتيجة تغيرات شخصية سابقة، وكل من هذه الصور له تأثير مختلف على السلوك الاجتماعي، ومهمة علم الاجتماع تتركز في بحث هذه الصور ونتائج الضبط الاجتماعي، وهذا يعني الإجابة على السؤال الافتراضي – أي صور الضبط الاجتماعي هي الأكثر تأثيرًا، وكيف يمكن للجماعة أن تضبط ذاتها ضمن مبادئ أخلاقيّة شرعية، تفضي إلى خفض السيطرة القسرية ومن هنا فقد اختلف العلماء في تحديد مصطلح لهذه الأساليب، كما اختلفوا في تصنيفها فسماها روس وسائل الضبط الاجتماعي وحددها في خمس عشرة وسيلة مرتبة كما يلي.([36]) الرأي العام – التقاليد – الشخصية القانون – دين الجماعة – التراث – المعتقدات – المثل العليا – القيم الاجتماعيّةالإيحاء الاجتماعي – الشعائر والطقوس – الأساطير والأوهام – التّربية – الفن – الأخلاق.

بينما صنف لأنديز وسائل الضبط الاجتماعي إلى قسمين

  • الوسائل الضرورية لإيجاد النظام الاجتماعي وتشمل القيم والمعايير والأعراف والعادات.
  • وسائل تدعيم النظام الاجتماعي وقسمها إلى قسمين:
  • النظم الاجتماعيّة، كالأسرة والدين والمدرسة والاقتصاد والعلم والتكنولوجيا.
  • الأبنية الاجتماعيّة، كالجنس والطبقة والجماعة الأولية والثانوية.

وحدد بارسونز خمسة أساليب للضبط الاجتماعي وهي

  • التنشئة الاجتماعية/ 2- المقاطعة الاجتماعيّة/ 3- ضغط الجماعة/ 4- السجون المنظمة/ 5- قيام المؤسسات والمنظمات([37]).

أمّا لابيير فقد ميز بين وسائل الضبط الاجتماعي من الناحية العمليّة (وتشمل: الصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح)، وبين الأساليب الفنية التي تكمل تدعيم سلطة الجماعة على أفرادها وتتلخص في أنواع الجزاءات (الجمعيّة والنّفسيّة والرّمزيّة والتّوقعيّة). بينما يميز جيروفيتش بين صور الضبط الاجتماعي، وأنواعه وهيئاته فأنواع الضبط الاجتماعي هي القانون والدين، والمعرفة والتربية والفن والأخلاق ([38]) أيّ أنّه اعتبر تلك الأمور أنواعًا للضبط الاجتماعي وليست وسائل أو أساليب.

وعلى الرّغم من اختلاف علماء التربية، والاجتماع في مسمى أساليب الضبط الاجتماعي وتصنيفاتها، إلا أنّ الإجماع يكاد يكون واحدًا على أهمية هذه الأساليب، فالنظام الاجتماعي يعدُّ نتاجًا طبيعيًّا لفاعلية وسائل الضبط الاجتماعي([39]). ونلحظ خلطًا كبيرًا بين أساليب الضبط الاجتماعي والمعايير الاجتماعيّة، ومن هنا نجد أنه لزامًا علينا اأن نوضح  المقصود بالمعايير الاجتماعيّة.

1- المعايير الاجتماعية

المعيار الاجتماعي هو مقياس أو قاعدة أو اطار مرجعي للخبرة والإدراك الاجتماعي والاتجاهات الاجتماعيّة، والسلوك الاجتماعي وهو السّلوك الاجتماعي النموذجي أو المثالي الذي يتكرر بقبول اجتماعي من دون رفض أو اعتراض أو نقد، فالاتجاهات التي يشترك  فيها أفراد الجماعة والتي تسير لهم سبيل التفاعل والتواصل هي معايير اجتماعية للجماعة.وقد عبر سمنر عن المعايير بقوله “انها ضوابط تشبه القوى الطبيعية التي يستخدمها الأفراد دون وعي منهم وتنمو مع التجربة وتنتقل من جيل إلى جيل دون أن يحدث أي شذوذ أو انحراف في طبيعة الأداء وعلى الرّغم من ذلك فهي قابلة للتغير والتطور بما يتفق مع طبيعة المجتمع([40]). والمعايير الاجتماعية تشمل عددًا هائلًا من تفاعل الجماعة في ماضيها وحاضرها وتقع ضمن: الأخلاق والقيم الاجتماعيّة، والعادات والتقاليد والأحكام القانونية والأحكام القانونية والعرف، وبوجه عام هي التي تحدد ما هو صواب،  وما هو خطا وما هو جائز وما هو غير جائز، وما يجب أن يكون وما يجب إلا يكون، حتى يكون الفرد مقبولًا من الجماعة ملتزمًا بسلوكها ومسايرًا لقواعدها، ومتجنبًا لرفضها وعلى رأس المعايير الاجتماعيّة تأتي التعاليم الدينيّة، والمثل العليا والخلق النبيل والعادات الحسنة التي تنتشر في المجتمع فتكون هي أساس الحكم ومنطق القياس.([41])

وهذه الأنواع من المعايير الاجتماعيّة تؤدي غرضًا واحدًا، هو امداد افراد المجتمع بمعاني موحدة يستطيعون بواسطتها أو عن طريقها التعامل فيما بينهم، وفق المعايير وأن يفهم بعضهم البعض الآخر، وبذلك تصبح هذه المعايير ضرورية لكل شكل من أشكال السّلوك وتفسيره. ولذلك فالحكم على السّلوك، وتفسير السّلوك إنما يخضع لبعض المعايير الاجتماعيّة، ونخلص مما سبق إلى أن المعايير الاجتماعيّة، هي القواعد التي يستند اليها المجتمع، بينما أساليب الضبط الاجتماعي هي الطرق والوسائل التي تمارس لتطبيق تلك القواعد بهدف الحفاظ على المجتمع من التفكك والانهيار.

سادسًا: دور الدين في ضبط المجتمعات

كان الدين منذ القدم هو المصدر المتجدد للأخلاق والقيم، وهو التنظيم الاجتماعي الوحيد الذي يسود الحياة الاجتماعية، وينسقها ويرى العلامة ابن خلدون أن ضبط النفس أمّا أن يكون خارجيًّا يتحقق عن طريق القانون، أمّا داخليًّا يتحقق عن طريق الدّين والشّريعة، أمّا أن يكون ضابطًا يأتي عن طريق الضمير، والمجتمع لا يترابط ولا يتماسك إلا بفضل الدين كما لا يوجد المجتمع أصلاً إلّا على أساس الإيمان الجمعي([42]) ويشير ايريك فروم في كتابيه (المجتمع السليم) و(الخوف من الحرية) إلى أنّ نسبة الاضطرابات النفسيّة، والعصبية تزداد في المجتمعات الحضرية الحديثة، إذ تضعف المشاعر الدينية، ويزداد الإحساس بالفرديّة والغربة والصّراع، ويزداد القلق والتوتر، ولا يخفى ما تسببه تللك الاضطرابات من سلوكيات مرفوضة، وتهديد لاستقرار تلك المجتمعات وأمنها. وفي دراسة أجراها دوركايم عن ظاهرة الانتحار بعد أن ارتفعت نسبته في المجتمعات البرتستانتية عن المجتمعات الكاثوليكية، تبين أن السبب في هذه الزيادة هو ان المذهب البروتستانتي يؤمن اصلاً بحرية الفكر، ويؤكد الفردية ويدعم روحها، ولا يؤمن بمظاهر الشعائر ما أدى إلى قلتها، بعكس المذهب الكاثوليكي الذي يؤمن بروح المحافظة والتمسك بمظاهر التقاليد والشعائر. ومن هنا أدى تحديد المعتقدات، والسلوك البروتستانتي إلى ضعف واضح في درجة الالتحام والتماسك الاجتماعي، ما هدم روح المحافظة والتضامن الاجتماعي فظهرت بوادر التفكك، والتّخلخل واضحة بين الفرد ومجتمعه وقد ذهب دوركايم إلى أنّ أقدم ديانة إنسانية هي عبادة المجتمع نفسه، ويعتقد أن أول ما انبثق عن عبادة المجتمع لنفسه هو نظام التحريم الذي يعدُّ الأساس في الضبط الاجتماعي الذي يعتمد على أساس خلقيّ وديني في أن واحد([43]). ونظرًا لأهمية الدين وقوته كوسيلة للضبط الاجتماعي، فقد وضعه دوركايم على قمة النظم الاجتماعيّة، فالدّين بتعاليمه وأوامره ونواهيه يعدُّ من أقوى عوامل تحقيق التّوافق في السّلوك الاجتماعي، كما فكرة الثواب والعقاب التي تؤلف ركنًا مهمًّا في الدين، تؤدي دورًا مهمًّا في عملية الضبط الاجتماعي وفي إقرار النظام في المجتمع ومن هنا تبدو أهمية الدين في الحياة الاجتماعيّة، لأنّه يسد حاجة من حاجاته الضرورية، بفضل وضع القواعد والقوانين التي تنظم علاقات الأفراد وتعمل على التماسك الاجتماعي، واستقرار النظام والاطمئنان  النّفسي والسمو بالمشاعر الذاتية كما زاد تعلق الأفراد بالقوى والرموز الغيبيّة([44]).

سابعًا: موقف الإسلام من الضبط الاجتماعي

الدين هو وضع إلهي سائغ لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المال والدين الذي ارتضاه الله لعبادة هو الدين الإسلامي ﴿إن الدّين عند الله الإسلام﴾ آل عمران: 19، فالإسلام منهاج الحياة وطراز خاص للتفكير والعمل، وهو يعني طاعة الإنسان لربه وإسلام وجهه اليه، وأن يقبل المسلم المنهاج الفكري والعملي الذي أنزله الله لهداية البشر، ويتبعه منقادًا له منسلخًا من الفوضى الفكرية والعملية. ويعني الضبط الاجتماعي في المجتمع المسلم الامتثال للقواعد والمعايير والقيم الإسلامية التي تحصل بها تقوى الله، وما مجموعة الأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية وطرائق التربية التي تنشأ في المجتمع الإسلامي الا أساليب ضابطة، فاذا كانت في حدود تعاليم الإسلام ومتفقة معه فهي مقبولة والامتثال لها يدعم التماسك الاجتماعي،أمّا إذا خالفت قواعد شرعية فيجب نبذها، واستبدالها بما يتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي([45]). إن مفهوم الضبط الاجتماعي من منظور إسلامي يتضح في إدراك أن الإنسان لم يخلق في هذه الحياة عبثًا، وإنما جاء للقيام بمهمة تتمثل في العبادة الخالصة لله وحده وخلافة الأرض وعمارتها، وهذا يقتضي أن يلتزم الإنسان بالضوابط المحددة لسلوكه، والتي تضمن له ولمجتمعه الخير والسّعادة وتحفظهم من الشّرور، وتحقق لهم الأمن والاستقرار وتقيهم من الانحراف والفوضى. وينطوي الضبط الاجتماعي في الإسلام على معنى الطاعة والامتثال لأمر الله تعالى والطاعة قد تكون فردية أو اجتماعية، والمراد بالطاعة الفردية كل ما يقوم به الإنسان بإرادته الشخصية امتثالًا لأحكام الله المتعلقة بحياة الإنسان ذاته، قال تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا﴾ الأحزاب:36. والطاعة الاجتماعيّة، هي امتثال أفراد المجتمع للأحكام الشّرعية الاجتماعيّة.

ثامنًا: دور المؤسسات التربوية المسؤولة عن الضبط الاجتماعي

 ا- الأسرة: للأسرة مسؤولية كبرى ودور مهم في تقرير النماذج  السّلوكيّة التي يبدو عليها الطفل في كبره، فلا شك أنّ شخصية الإنسان وفكرته عن هذا العالم، وما ينتشر به من تقاليد وعادات ومعايير السلوك إنما هي نتاج لما يتلقاه الطفل في أسرته منذ يوم ميلاده.

2- المدرسة: وهي البيئة الثانية للطفل وفيها يقضى جزءًا كبيرًا من حياته يتلقى فيها صنوف التربية وألوان من العلم والمعرفة، فهي عامل جوهري في تكوين شخصية الفرد وتقرير اتجاهاته وسلوكه وعلاقته بالمجتمع الأكبر.

3- جماعة الرفاق: لا شكّ أن شغل وقت الفراغ الصغير في موضوعات مفيدة له ضرورته ويعود بالنّفع على النشء وعلى المجتمع الكبير، كما أن معاونته على اختيار أنسب جماعات الرفاق يجنبه الوقوع في أخطاء الجريمة والانحراف إلى الرذيلة.

4- وسائل الإعلام: تؤثر وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وتلفزيون وفيديو وأطباق واستقبال وسينما وصحف ومجلات وكتب واعلانات بما تنشره، وما تقدمه من معلومات وحقائق وأخبار وأفكار وآراء على التنشئة الاجتماعية، والضبط الاجتماعي بوصفها ناقلة للثقافة ولأنواعها المتعدّدة.

5- الجهاز الأمني: لأجهزة الامن دورًا مهمًّا وأساسيًّا في الحفاظ على البناء الاجتماعي للدولة، لأنها تحافظ على المقومات الأساسية لهذا البناء، فأفهي منوط بها الحفاظ على المعايير السلوكية والأخلاقية المرعية في المجتمع، ودعم وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، فالجهاز الأمني هو الجهة المنوط بها ضبط المنحرفين من جهة، والاشراف على تنفيذ العقوبات المقررة عليهم من جهة أخرى، ومن دون هذ الجهاز الهام في المجتمع يفقد القانون قيمته كوسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي([46]).

6- الجهاز القضائي: فعلى القاضي المسلم أن يحكم بشريعة الله عز وجل لا يحيد عنها، بحيث يكون الكتاب الكريم هو المرجع الذي يجب الرجوع اليه عند التعرف على أي حكم من الأحكام، والسُّنة هي المرجع الثاني بعد كتاب الله الكريم، وعلى هذا كان يسير الخلفاء الراشدون والقضاة في عهدهم، كما كان الولاة يسرون في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن في الكتاب الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم – الحكم الذي يراد للقضية، فهناك مجال القياس وغيره من الأدلة الأخرى، وأخذ رأي الآخرين بما يتفق والقواعد الشّرعية العامة.

7- الثقافة: وهي مجموع ما يتعلم وينقل من عادات وتقاليد وقيم ومعتقدات واتجاهات وأيضًا من نشاط حركي وأفكار وتكنولوجيا، وتؤثر الثقافة في شخصية الفرد والجماعة عن طريق المواقف الثقافية المتعددة، وتؤدي الرياضة دورًا مهمًّا في تدعيم الشّعور الوطني بين أبناء البلد الواحد وذلك من خلال الاشتراك في الفرق المحليّة التي تمثل بلدهم في الخارج، ومن خلال تشجعيهم للفرق الرياضية المحلية، وكثيرًا ما نجد أبناء البلد يتكاتفون معًا ضد البلاد الأخرى وقد لاحظ علماء الاجتماع وجود علاقة قوية بين الرياضة والشعور القومي، وأنّ كلًا منهما يدعم الآخر([47]).

التربية كنوع من أنواع الضبط الاجتماعي

أشار هلفتيوس (Helvetius) في معرضه حديثه عن التربية في فرنسا في القرن الثامن عشر إلى أن الناس يولدون جهلاء، ولكن ليسوا أغبياء والتربية هي التي تحولهم إلى أغبياء، وليست هذا بالطبع هي النظرة الحديثة إلى التربية، حقيقة أنه قد لاتزال هناك مجتمعات تتحول فيها عقول الناس إلى عقليات غبية بسبب التلقين الدوجماطيقي للمعلومات، إذ يجعلها تتقبل آراء السلطات السياسية أو الدّينية من دون تمحيص أو مراجعة إلّا أنّ الطابع العام للتعليم الرسمي قد تغير تغيرًا عميقًا بفضل العلوم والتكنولوجيا الحديثة. وربما كان الفارق الكبير بين المجتمعات البدائية والقديمة والمجتمعات الحديثة، هو أنّ التربية في المجتمعات الأولى كانت مهتمة في المقام الأول بنقل اسلوب معين في الحياة بينما تهتم التربية في المجتمعات الحديثة – بسبب وفرة المعلومات المتاحة – بتطبيق العلم في الإنتاج وأحكام تقسيم العمل، كما نجد في هذه المجتمعات أن التعليم الرسمي لا يستغرق عملية التربية بأكملها، إنّما يختص أساسًا بتوصيل المعرفة الامبيريقية([48])، ومن الشواهد على هذا الجانب من جوانب التغير أن مضمون التربية في المجتمعات الحديثة أقل اصطباغًا بالطابع الأدبي، وأكثر علمية والفارق الرئيس الثاني هو أنه بينما كانت عملية التربية في المجتمعات السابقة، تقوم بتوصيل أسلوب في الحياة ثابت نسبيًّا وكمية من المعلومات، فإن المعرفة العلمية التي توصلها التربية الحديثة تتوقع التغير دائمًا. ونجد علاوة على هذا التربية مطالبة بشكل متزايد بأعداد الأفراد لعالم متغير وليس ثابتًا مستقرًا. ومن هذه الناحية يمكن أن نعدَّ أن التعليم الرسمي في المجتمعات الحديثة، يقوم مستقلاَ بتوصيل أفكار وقيم لها دورها في تنظيم السلوك، وقد ذكر مالينوفسكي هذا الجانب بحق – في صورته الأوليّة في المجتمعات البدائية عندما عدَّ القواعد الحرفية عنصرًا من عناصر الضبط الاجتماعي، وليست العلوم والتكنولوجيا الحديثة مجرد الأساس الذي تقوم عليه القواعد الحرفيّة المعقدة أشد التعقيد، وإنما أساس اتجاه عقلي([49]) عام من الطبيعة، والحياة الاجتماعية أدى دورًا متزايد الأهمية في إقامة التعاون الاجتماعي والحفاظ علية، ونلاحظ فضلًا عن هذا الفكر العلمي قد عمل طوال القرون الثلاثة الماضية على توجيه الانتقادات الضمنيّة أو الصريحة إلى الأفكار التي كانت تروج لها المذاهب الدّينيّة، والأخلاقيّة كما كان مسؤولًا إلى حد كبير عن التغيرات التي أصابت تلك المذاهب فعمليّة الترشيد الكامل للعالم الحديث – التي أولادها ماكس فيبر القسط الأوفى  من اهتمامه – ترتبط بتطور العالم، وأمّا كانت التربية هي الأداة الرئيسة في تحقيق هذا التطور – على الأقل طوال القرن التاسع عشر – فإنّنا يمكن بحقّ أن ننعدُّ التعليم الرسمي نمطًا من أنماط الضبط الاجتماعي. على أنّ هناك على أيّ حال طريقة أخرى ساهمت التربية من خلالها – وبشكل مستقل – في تنظيم السّلوك وذلك خلال المرحلة المبكرة لتنشئة الطفل اجتماعيًّا. وقد ساهم المصلحون التربويون – من أمثال مونتيسوري (Montessori) وفروبل (Froebel) – في إحداث تغيرات في تربية الأطفال الصغار، ومن المؤكّد أن هذه الإصلاحات تعكس جزئيًّا أفكارًا أخلاقية خارجية عن النّسق التربوي، وقد أدت دورًا بارزًا في تغير الأفكار الاخلاقية في المجتمع الكبير، وقد كان بعضها – بمقدار ارتباطه بالدراسات العلمية لنمو الطفل مثل دراسات بياجيه Piaget  – نتيجة تطور العلوم الاجتماعية، بل يمكننا فضلًا عن هذا أن نعدَّها إلى حد كبير من نتاج المجال التربوي نفسه كاكتشافات تربوية مستقلة، من مبدأ اعتمادها على ملاحظة وتحليل التطور الفعلي لأنشطة الأطفال واحتياجاتهم، ومشكلاتهم كما ينبغي أن نلاحظ كذلك أنّ التّغيرات التي طرأت على النسق التربوي الرسمي قد أدت بدورها إلى إحداث تغيرات في عملية التنشئة الاجتماعيّة داخل الأسرة مدعمة بانتشار معارف العلوم الاجتماعيّة، وبهذا المعنى يمكن القول إنّ التعليم الرسمي للأطفال قد خلق بالفعل أشكالًا جديدة لتنظيم السلوك.وهكذا نرى أن التربية بمعناها الواسع – من الطفولة إلى البلوغ تمثل وسيلة حيوية من وسائل الضبط الاجتماعي، فعن طريق التربية تتعلم أجيال جديدة المعايير الاجتماعية وعقوبات الخروج عليها، كما أنّها تلقن في موقعها وواجباتها داخل نسق التباين والتدرج الاجتماعي كذلك تعدُّ التربية نمطًا من أنماط الضبط الاجتماعي.

النتائج

لقد خرجت الدراسة بمجموعة من النتائج التي توصلت اليها الدّراسة النظرية، والمحاولة إلى الخروج بتوصيات ومقترحات من شانها ان تعمل على اثراء الباحثين موضع البحث النتائج  المهمّة:

  • تمثل التربية مكانة بارزة في بناء الفرد والمجتمع، ولهذا عُني بها كل المفكرين والتربويين في شتى أنحاء المعمورة على اختلافأاممها، وشرائعها وتقاليدها ذلك أن التربية هي المسؤولة عن تشكيل سلوكيات البشر عن طريق التربية، يكتسب الطفل القيم الأساسيّة لبناء ذاته وشخصيته في محيط الأسرة، وعلى هذا تعمل الأسرة بأساليبها التّربويّة المختلفة على إكساب الطفل السلوك الذي يتوافق مع القيم التي تدين بها.
  • فكلّ مجتمع من المجتمعات البشرية له أساليب ضبط تنظم حياة البشر، وتحكم طرق معاملاتهم وسلوكياتهم لتحقيق الضبط الاجتماعي، كالقوانين والأعراف والعادات والتقاليد. وتختلف أساليب الضبط الاجتماعي في أهميتها باختلاف المجتمعات وباختلاف الزمان والمكان فقد تكون الطرائق الشّعبية أسلوبًا من الدرجة الأولى في بعض المجتمعات، ويكون القانون في المرتبة الثانية، وقد يحدث العكس.
  • وينطوي الضبط الاجتماعي في الإسلام على معنى الطاعة، والامتثال لأمر الله تعالى والطاعة قد تكون فردية أو اجتماعيّة، والمراد بالطاعة الفرديّة كلّ ما يقوم به الإنسان بإرادته الشخصية امتثالًا لأحكام الله المتعلقة بحياة الإنسان ذاته، قال تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا﴾ الأحزاب: 36. والطاعة الاجتماعية هي امتثال أفراد المجتمع للأحكام الشرعية الاجتماعية.
  • التربية كنوع من أنواع الضبط الاجتماعي.

التّوصيات

  • إعطاء أهمية متزايدة لدور المدرسة في تنشئة الأطفال، وتوعيتهم بالسلوك غير الصحيح لما يسببه من سلبيات والتأكيد على دور المرشد التربوي وتفعيله.
  • مراقبة الشّباب المنحرف بصورة مستمرة، لكي لا ينحرف الأسوياء منهم مع المنحرفين وردعهم عن الانحراف.
  • إقامة النّدوات والمهرجانات التي تقدم فيها النصوص العالميّة، والعربيّة للإفادة من الأفكار والطروحات الفلسفة والاجتماعيّة التي تحمل الموضوع (الضبط الاجتماعي ودوره في التربية).

المقترحات

  • اجراء دراسات الميدانية لتنمية وتأهيل الأطفال والشباب.
  • إعطاء أهمية كبيرة لدور الأسرة في التنشئة الاجتماعيّة، وتأثيرها على المستقبل العلمي والدراسة للتلاميذ.
  • دراسة أسباب التسرب المدرسي وعلاقته بالضبط الاجتماعي.

المصادر

1- القران الكريم.

2- الساعاتي، حسن، تصميم البحوث الاجتماعية، مكتبة النهضة العربية، بيروت، 1982.

3- دوارد اولين، تعريب أحمد زكي محمد رفيقه، المدرسة والمجتمع، ج1.

4- ابن منظور، جمال الدين الأنصاري، لسان العرب، ج13، الدار المصرية للتأليف والترجمة.

5- أبو زيد محمود، الشائعات والضبط الاجتماعي، الإسكندرية، الهيئة المصرية، العامة للكتاب، 1980.

6- الحامد، محمد بن معجب ونايف بن هشال الرومي، الأسرة والضبط الاجتماعي، الرياض، 2001.

7- الخشاب، أحمد، الضبط والتنظيم الاجتماعي، القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة، 1999.

8- الخوالدة، محمد محمود، مقدمة في التربية، دار المسرة، عمان، الأردن، 2003.

9- الرازي، محمد بن أبي بكر مختار الصحاح، مكتبة لبنان، 1995.

10- الرشدان، عبد الله، عالم اجتماع التربية، عمان، دار الشروق، 1999.

12- السالم، خالد بن عبد الرحمن، الضبط الاجتماعي والتماسك الأسري، الرياض، 2000.

13- السمالوطي، نبيل محمد توفيق، الدين والبناء الاجتماعي، الجزء الثاني، جدة، دار الشروق، 1981.

14- الطاهر، عبد الجليل، مسيرة المجتمع، بحث في نظرية التقدم الاجتماعي، المكتبة المصرية، بيروت، 1969.

15- الطبيب، أحمد محمد، أصول التربية، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 1999.

16- العبد، سليمان، وقاية الأولاد من الانحراف، المجلة العربية، العدد71، 1990.

17- القصير، حليمة عوين، معن خليل عمر، المدخل في علم الاجتماع، مطبعة جامعة بغداد، 1981.

18- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق، 2004.

19- النجيحي، محمد لبيب، التربية أصولها الثقافية والاجتماعية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1994.

20- بريتشارد، إيفانز، الأنثروبوجيا الاجتماعية، ترجمة احمد أبو زيد، مكتبة المعارف مصر، 1960.

21- بيك روتنيتج، اتّجاهات حديثة  في إعدادا المعلم، ترجمة حسين سليمان قوره، عالم الكتب، القاهرة، 1973.

22- جابر، سامية محمد، القانون والضوابط الاجتماعية الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1984.

23- حسين، علي ناصر،الضبط الاجتماعي،دار صفار للنشر والتوزيع، عمان، 2011.

24- زهران، حامد عبد السلام،علم النفس الاجتماعي، ص23،عالم الكتب، القاهرة، 1974.

25- السعيدي، أمّ زهراء، التربية في منظور الإسلامي، مؤسسة الكوثر، لبنان، 2011.

26- سليم، سلوى، الإسلام والضبط الاجتماعي، القاهرة، دار التوفيق النموذجية، 1985.

27- شريف، عبد القادر، التربية الاجتماعية والدينية، ط1، دار الميسرة، جامعة القاهرة، 2007.

28- طيبة، عمر العمودي، دور التربية الإسلامية في تحقيق الضبط الاجتماعي، جامعة أمّ القرى، السعودية، 1425.

29- عبد الحميد، أمال وآخرون، علم الاجتماع القانوني والضبط الاجتماعي، دار الميسرة، عمان، 2010.

30- عبد العزيز، عائشة فتحي، دور المؤسسات التربوية في الضبط الاجتماعي، مجلة تطوير الأداء الجامعي، مصر، 2017.

31- قطبشات، نازك عبد الحليم، وآخرون، دار كنوز المعرفة، عمان، 2009.

32- مصطفى، حسن ورفقاه، الإدارة المدرسية، مكتبة الأنجلو المصرية، 1960.

[1] – جامعة الكوفة – كلية التربية الأساسية – Muneeram.jawad@uokufa.edu.iq

 

[2]– حسن الساعاتي، تصميم البحوث الاجتماعية، مكتبة النهضة العربية، بيروت 1982، ص119.

[3]– ابن منظور، جمال الدين الأنصاري، لسان العرب، ج13، الدار المصرية للتأليف والترجمة، ب ت، ص133-134.

[4]– الرازي، محمد بن أبي بكر مختار الصحاح، مكتبة لبنان، 1995، ص337.

[5]– العبد، سليمان، وقاية الأولاد من الانحراف، المجلة العربية، العدد 71، 1990، ص17.

[6]– المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق، 2004، ص1.

[7]– زهران، حامد عبد السلام، علم النفس الاجتماعي، ص23، عالم الكتب، القاهرة، 1974، ص130.

[8] – السعيدي، أمّ زهراء، التربية في منظور الإسلامي، مؤسسة الكوثر، لبنان، 2011، ص17.

[9] – القصير/ حليمة عوين/ معن خليل عمر/ المدخل في علم الاجتماع/ مطبعة جامعة بغداد/ 1981/ ص49.

[10] – عبد العزيز، عائشة فتحي، دور المؤسسات التربوية في الضبط الاجتماعي، مجلة تطوير الأداء الجامعي، مصر، 2017، ص173.

[11] – عائشة، عبد العزيز، المصدر السابق، ص174.

[12] – المصدر السابق، ص174.

[13] – طيبة، عمر العمودي، دور التربية الإسلامية في تحقيق الضبط الاجتماعي، جامعة ام القرى، السعودية، 1425، ص10.

[14] – عبد العزيز عائشة، فتحي، دور المؤسسات التربوية في الضبط الاجتماعي، المصدر السابق، ص170.

[15] – الخوالدة، محمد محمود، مقدمة في التربية، دار المسرة، عمان، الأردن، 2003، ص131.

[16] – شريف، عبد القادر، التربية الاجتماعية والدينية، ط1، دار الميسرة، جامعة القاهرة، 2007، ص30.

[17] – النجيحي، محمد لبيب، التربية أصولها الثقافية والاجتماعية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1994، ص12-18.

[18] – بيك روتنيتج، اتّجاهات حديثة  في إعدادا المعلم، ترجمة حسين سليمان قوره، عالم الكتب، القاهرة، 1973، ص10.

[19] – قطبشات، نازك عبد الحليم، وآخرون، دار كنوز المعرفة، عمان، 2009، ص90.

– [20] إدوارد اولين، تعريب أحمد زكي محمد رفيقه، المدرسة والمجتمع، ج1، ص3.

[21] – مصطفى، حسن ورفقاه، الإدارة المدرسية، مكتبة الأنجلو المصرية، 1960، ص194.

[22] – مصطفى، حسن ورفقاه، مصدر.السابق، ص194.

[23] – حسين، علي ناصر، الضبط الاجتماعي، دار صفار للنشر والتوزيع، عمان، 2011، ص57.

[24] – حسين، علي ناصر، الضبط الاجتماعي، المصدر السابق، ص57.

[25] – الطاهر، عبد الجليل، مسيرة المجتمع، بحث في نظرية التقدم الاجتماعي، المكتبة المصرية، بيروت، 1969، ص20.

[26] – بريتشارد، إيفانز، الأنثروبوجيا الاجتماعية، ترجمة احمد أبو زيد، مكتبة المعارف مصر، 1960، ص48.

[27] – بريتشلرد/ ايفاتز/ الانثروبولوجيا الاجتماعية/ المصدر السابق/ ص49.

[28] – المصدر السابق/ ص49.

[29] – أبو زيد، محمود، الشائعات والضبط الاجتماعي، الإسكندرية، الهيئة المصرية، العامة للكتاب، 1980، ص78.

[30] – السالم، خالد بن عبد الرحمن، الضبط الاجتماعي والتماسك الأسري، الرياض، 2000، ص23.

[31] – الرشدان، عبد الله، عالم اجتماع التربية، عمان، دار الشروق، 1999، ص217.

[32] – جابر، سامية محمد، القانون والضوابط الاجتماعية الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1984، ص.101.

[33] – جابر، سامية محمد، القانون والضوابط الاجتماعية، المصدر السابق، ص107.

[34] – الحامد، محمد بن معجب ونايف بن هشال الرومي، الأسرة والضبط الاجتماعي، الرياض،2001، ص49.

[35] – السالم، خالد بن عبد الرحمن، الضبط الاجتماعي والتماسك الأسري، الرياض، 2000، ص24.

[36] – سليم، سلوى، الإسلام والضبط الاجتماعي، القاهرة، دار التوفيق النموذجية، 1985، 27-28.

[37] – الحامد، محمد بن معجب ونايف بن هشال الرومي، الأسرة والضبط الاجتماعي، الرياض، 2001، ص77.

[38] – الخشاب، أحمد، الضبط والتنظيم الاجتماعي، القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة، 1999، ص23.

[39] – المصدر نفسه ص24.

[40] – المصدر السابق ص24.

[41]– الطبيب، أحمد محمد، أصول التربية، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 1999، ص100- 101.

[42] –  الحامد، محمد بن معجب ونايف بن هشال الرومي، الأسرة والضبط الاجتماعي، المصدر السابق، ص 36.

[43] – الخشاب، أحمد، الضبط والتنظيم الاجتماعي، المصدر السابق، ص27.

[44] – سليم، سلوى، الإسلام والضبط الاجتماعي، المصدر السابق، ص72.

[45] – السمالوطي، نبيل محمد توفيق، الدين والبناء الاجتماعي، الجزء الثاني، جدة، دار الشروق، 1981، ص22.

[46] – عبد العزيز، عائشة فتحي، دور المؤسسات التربوية في عملية الضبط الاجتماعي، المصدر السابق، ص178.

[47] – نفس المصدر السابق، ص179.

[48] – عبد الحميد، أمال وآخرون، علم الاجتماع القانوني والضبط الاجتماعي، دار الميسرة، عمان، 2010، ص133-134.

[49] – عبد الحميد/ أمال وآخرون/ علم الاجتماع القانوني والضبط الاجتماعي/ دار المصرية/ عمان/ 2010/ ص133- 134.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website