رمزيّة الفيل في الثقافة والفنّ والديانات الهنديّة
رمزيّة الفيل في الثقافة والفنّ والديانات الهنديّة[1]
د. محمّد أمين الضنّاويّ([2])
تعدّ رمزيّة الفيل في الأدب والفنّ رمزيّة معقّدة إلى حدّ ما، وذلك يعود إلى دلالاتها الأسطوريّة. وفي المواكبِ، هم حاملو الملوك والملكات. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنّ الفيلة عدّت رمزًا للغيوم نظرًا إلى شكل جسمها الدائريّ، ولونها الرماديّ. وكانت الفيلة المجنّحة ترمز إلى الكائنات المسؤولة عن توليد الغيوم. كما عدّت الفيلة في العصور الوسطى رمزًا للحكمة، والاعتدال، والخلود، والشفقة، ويتجسّد هذا الاعتقاد بأنّ قمّة الجبل، أَو الغيمة التي تشبه شكل الفيل في خطوطها العامّة، يمكن أن تمثّل محور الكون.
ومن جهة أخرى يُرمز به إلى كتلة ضخمة أو ذكرى. وهو في الهند رمز لـــ”غانيشا” ربّ الحكمة الذي يذلّل الصعوبات، وغالبًا ما يمثّل مع رأس الفيل على جسد بشريّ، “وهو يجمع فيه طبيعة الكائن الأكثر ذكاءً” وهذا في نظر الهنود.
الفيل لدى هذه الشعوب أصبح إله الرسائل، فهو شعبيّ جدًّا. ويقوم الدغفل (ابن الفيل) في الأيقونات الهنديّة، بدور الملائكة الصغار. وفي التقليد الهنديّ تمثّل الفيلة الدعائم التي تحمل الكون.
ويعدّ الفيل من الحيوانات التي تجلب الحظّ والسعادة في الهند: لذلك يلجأ بعض الهندوس إلى عبادة الفيلة فإذا عزموا إلى السفر برحلة أو مغامرة قاموا بتقديم الصلوات للإله الفيل؛ حتّى يبارك لهم بالعمل المراد القيام به.
ويُعتقد في التراث الشعبيّ الهندوسيّ أنّ الفيل الأبيض يجذب السحب البيضاء، ويرمز إليه في التراث الشعبيّ إلى الفطنة والحكمة فضلاً عن القوّة. وبالتالي يسبب هطول المطر، كما يعتقد الهندوس أن الحاكم إذا قتل فيلاً خصوصًا إذا كان لونه أبيض اتّهمه شعبه بالخيانة. ويأتي ذكر الفيل في الهند منذ أقدم العصور لأنّه يرتبط بالآلهة هناك، على حدّ قولهم واعتقاداتهم وللفيلة صفات تتّصف بها في الثقافة الهنديّة فهي تتّصف:
- بالنبل والتضحية بالنفس.
- وإنّها ترمز إلى الفخامة والاحتفالات الملكيّة.
- وتعدّ رمزًا للصبر، والامتنان، والحلم، والعرفان بالجميل.
- كما أنّها تتّصف بالقوّة الخارقة.
كما أن هناك بعض القصص والحكايا ذكرت في التراث الهندي البوذي تقول فيها:
تقول إنّ “بوذا” المستقبل أرسل فيل والده الأبيض ليجلب المطر للبلاد المجاورة التي تعاني من القحط والمجاعة، وكيف أنّ ميلاد بوذا يرتبط بالفيل الأبيض، فقد رأت أمّه في المنام فيلاً أبيض يدخل جسدها، وعندما روت حلمها للعرّافين قالوا لها إنّها ستلد ابنًا بالغ الأهمّيّة لأنّه: إمّا أن يحكم العالم، أو يخلّصه، وكان هذا الابن هو “بوذا”.
كما تؤمن بعض الطوائف الهندوسيّة بأنّ الفيل تجسيد حيٌّ للإله “جانيش”، وهو واحد من أهمّ الآلهة الهندوسيّة وأبرزها، ويصوّر في المعابد برأس فيل، وجسم فأر، أو جسم إنسان.
أمّا في العصر الرومانيّ فكان يعدّ الرأس البشريّ مع أنياب، وخرطوم، وأذني فيل، تشخيصًا لأفريقيا. ويعدّ الفيل من الرموز المقدّسة لدى شعوب الشرق الأقصى ولا سيّما لدى البوذيّين حيث يرمز الفيل إلى ولادة “بوذا”. ونجد صورة هذه الفيلة التي كانت تمثّل دبّابات العالم القديم على القطع النقديّة السلوقيّة التي تعود إلى عهد الملك “سلوقس”، والتي حملت صورًا لفيلة ذوات رؤوس شبه مستديرة أعلى الجبهة، في حين أن الفيل الأفريقيّ يتميّز برأسٍ شبه مسطح يعلو الجبهة.
[1] – https://mawdoo3.com
[2] – أستاذ جامعيّ سابق، وأحد رئيسَيْ تحرير مجلّة أوراق ثقافيّة، مجلّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، له العديد من المؤلَّفات.
