foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

مفهوم الأدب في كتاب “أدب القاضي” لابن القاصّ

0

مفهوم الأدب في كتاب “أدب القاضي” لابن القاصّ،

 أبي العباس أحمد بن أحمد الطبري البغدادي (٣٣٥هـ/٩٤٦م)

خلود أنور سقباني([1])

الملخص

يتناول البحث موضوع أدب القضاة، والصفات التي يجب على القاضي وأعوانه التحلي بها، وما ينبغي الأخذ به أو تركه، مع الابتعاد من الميل والهوى في الأحكام، بغية إحقاق الحقّ والقضاء على الظلم، لإنفاذ العدل بين النّاس لما فيه من مصلحة القضاء.

ويعدُّ كتاب ” أدب القاضي” لابن القاص المتوفى (٣٣٥هـ – ٦٤٦م)، من الكتب الإسلامية المهمّة التي تناولت موضوع القضاء، وعرضت لأكثر السِّمات الحميدة أهمّيّة، وترك سواها من المقابح المذمومة في عصره.

يتبع البحث مخططًا يبرز تسلسل فصوله وفقًا لحاجات الدراسة وأولوياتها، فيبدأ بمقدمة قصيرة يطرح فيها أسئلته البحثيّة، وللإجابة عنها يطبق البحث المنهج التّحليلي من خلال دراسة تحليليّة تفكيكيّة للنص ولمفهوم الأدب في فصوله، مستعرضًا دعوة صاحبه للتمسك بالآداب الحميدة للقاضي، إلى جانب تَبَنيّه منهجًا تاريخيًّا ومعجميًّا يعتمد على دراسات خارجيّة لاستكمال الدراسة، وبيان المجالات المرتبطة بالمفهوم السّابق ومستوياتها اللغوية.

ثم يُسلِّط الضوء على المصادر والمراجع المهمّة لِفهم مكنونات الكتاب موضع الدراسة، ينتقل بعدها للتعريف بالكاتب وآثاره، ثم عَرض كلي للكتاب موضوع البحث. يليها تعريفات بمصطلحات الدراسة، وأخيرًا الولوج في مجالات تحليل النص لفهم تواتر كلمة أدب ضمن المجالات الثلاثة الدّينيّة والاجتماعيّة والثقافيّة. وكان لهذا الترتيب أهمية وصول البحث إلى دراسة المستويات اللغوية لفهم معنى الأدب بدلالاته المختلفة، فضلًا عن الوقوف على مستويات التحليل اللغوي المعجميّة الدلالية للألفاظ الواردة في النص. وأخيرًا، اخْتَتَم البحث بعرض النتائج التي توصل إليها.

الكلمات المفتاحية: مفهوم الأدب – أدب القاضي –- صفات القاضي وأعوانه – المجال الديني – المجال الأخلاقي الاجتماعي

Abstract

The research discusses the judges’ literature, the qualities the judge and his associates have, and what should be taken or left. With impartiality in judgments, to protect the rights, eliminate injustice, and enforce it among the people. The book “Adab Al-qadi” by Ibn- Al-Qass, who deceased (335H-646 AD), is one of the essential Islamic books dealing with judiciary issues. It presented the good attributes the judge must adhere to, versus abandoning all other hated traits and rejected morals in his time.

The research chapters’ chronology follows an outline that shows the priorities of the study. It begins with an introduction that raises questions to answer; the research applies the analytical method through a distrustful analysis of the text and literature concept, reviewing the author’s call to uphold the good morals of the judge, as well as the adoption of historical and lexicon-based studies. Besides, describe areas associated with the literature concept and its linguistic levels.

The research highlights the most important references and sources for understanding the book’s component, it defines the author and its publications, and presents the entire book’s contents, followed by definitions of study terms, and finally uses the three cultural, religious and sociological fields along with different language levels. Particularly, lexicographical and semantic fields to explain the frequency of literature term and words of the text.

The research result indicates that the definitions of “literature” fell into three main areas: religious moral, social, and cultural knowledge related to lexical and conceptual fields. At the rhetorical, synthetic, and semantic levels, the text’s sentences were short and straightforward, clearly indicative, nominal, and verbs in the form of binary oppositions to indicate the pros and cons of the judge’s morals.

Keywords: Literature Concept – Judge Literature – Judge and his associate’s Qualities – Religious Field- Moral Social field

مُقدِّمة

         غني عن القول إن للقضاء أهمية كبيرة في حياة الناس عمومًا، والمسلمين خصوصًا، ولا يمكن لأحد أن يتوَلَّى القضاء في البلاد العربية والإسلامية من دون أن يكون من أهل العلم والدراية بالكتاب والسنة، واجتهاد الرأي، والحكمة البليغة. فلو كان عالمًا بالنّص الدّيني، ولا يعرف ردَّ الفروع إلى الأصول لما استطاع إنفاذ حكمه. فالقاضي العادل يرفع الظلم، ويَرُدّ الظالم، ويعيد الحقوق، ويُنصِف العباد، ويقيم حدود الله، ويخشاه في أحكامه وقضائه. وبالنظر إلى أهمية موضوع القضاء في حياة الأمة الإسلاميّة، فإنّ الكتاب الذي بين أيدينا من أَجَلِّ الكتب الإسلامية التي تناولت ناحية القضاء، وهو كتاب “أدب القاضي”([1]) للإمام أبو العباس أحمد بن أحمد الطبري البغدادي، المعروف بابن القاصّ (المُتوفى سنة ٣٣٥هـ/٩٤٦م)، دراسة وتحقيق الدكتور حسين خلف الجبوري([2]).  كان الفقيه الشّافعي ابن القاصّ إمام وقته في إقليم طَبَرِسْتان([3])ببلاد العجم يَعِظُ الناس. انتهت به أسفَاره في طرسوس حيث تولى القضاء، ومات فيها.

         ويتناول هذا البحث بالرصد والتحليل مفهومي “أدب” و”آداب” وما يتصل بهما من حقول معجميّة دلاليّة ولغويّة وتركيبيّة، إضافة إلى المجالات الثقافيّة والدينيّة الفقهيّة والاجتماعيّة في أدب القاضي والقضاء، وكل ما يرتبط بها من صفات القاضي وأعوانه التي يجب أن يكونوا عليها، وشروط تعيين القاضي، وتوجيهه إلى الحقّ والصواب، لتكون دليلًا للأحكام في ما يُعرض عليه من منازعات وخصومات.

ولما كان القاضي يسعى لتحقيق العدالة، وإعادة الحقوق لمستحقيها، كان حريٌ به أن يلتزم بأخلاق تليق بذلك المنصب الرفيع. ومن هنا جاء هذا البحث لتوضيح مفهوم أدب القاضي، وصفاته الواجب التحلي بها للقيام بواجبه، كما عرض لها ابن القاصّ في كتابه موضوع الدراسة. وقد جاء هذا البحث للإجابة عن معنى الأدب وكشفه، الذي يدعو له ابن القاصّ ومفهومه.

١- ما مفهوم الآداب التي يجب أن يكون عليها القاضي وفقًا للفقه الشافعي خصوصًا؟

٢-ماهي الدلالات المختلفة لمفهوم “الأدب” التي قصدها مؤلف الكتاب؟

٣- ما المسائل التي دعا النص إلى الأخذ بها أو تركها كشروط لعمل القاضي؟

المبحث الأول: تقويم المصادروالمراجع

         حرص العلماء الأوائل على تقديم الجديد في مؤلفاتهم وكتبهم، وتجنُّب تكرار علمٍ اشتملت عليه الكتب الأخرى، فكتب التراجم بمجموعها تشكِّل موسوعة تاريخية لا يمكن الاستغناء عنها في أي بحث من الأبحاث. وسيرصد هذا المبحث المصادر والمراجع المهمّة التي اعتُمد عليها مرتبة تاريخيًّا لبيان فائدتها وأهميتها في إغنائه:

١- ابن خلكان، أبي العباس شمس الدين أحمد (٦٠٨-٦٨١هـ/١٢١١- ١٢٨٢م)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.

         على الرغم من وجود كتب تراجم سبقت تاريخيًّا كتاب ابن خلكان، وقربها لسيرة ابن القاصّ، إلاّ أنّ الكتاب قدّم ترجمة معَّمقة لابن القاصّ متنوعة المصادر، مقارنًا لها بالتراجم الأخرى بمنتهى الموضوعيّة. فقد تضمنت سِيَرة ابن خلكان الأحداث المفصليّة المهمّة، والتحولات الكبرى التي عاشها ابن القاص، وشيوخه، وتلامذته الذين أثّر وتأثّر بهم ما أغنى البحث الحالي. تأتي أهمية الكتاب من بساطة البحث فيه، فقد رتّبه ابن خلكان حسب تسلسل الحروف ما يسهّل تناوله، وفيه من الإيجاز ما يكفي لذكر مَكْرُمات الأشخاص وما يليق بهم.

٢- الذهبي، شمس الدين محمد (٦٧٣-٧٤٨ هـ/ ١٢٧٤-١٣٤٨م)، سير أعلام النبلاء.

         الباحث في سير التراجم والمؤلفين لا بدّ من أن يمرَّ بهذا الكتاب فهو من أمتع كتب التّراجم، ومرجِع مُعْتَمَد رتبّه صاحبه في طبقات، وقد جاء في أربعين طبقة، وقد ذُكِر ابن القاص في الطبقة التاسعة عشرة بين تراجم الصحابة والتابعين المشهورين وأهمل المغمورين. أغنى هذا المرجع البحث كثيرًا لأنّه استند على العلمية والشّموليّة في ترجمته لابن القاصّ لجهة مصنفاته، وحدوده المكانيّة والزمانيّة، فوَازَنَ في المعلومات التي قدمها. جاءت ترجمة ابن القاص عنده قصيرة نوعًا ما لكنها شاملة موثقة تضمّنت المهمّ الّذي يجب معرفته عن اسمه وتصانيفه، مستوفية لما سبقها من كتب التراجم في ذلك العصر.

٣- السبكي، تاج الدين أبي نصر (٧٢٧- ٧٧١هـ/ ١٣٢٧-١٣٧٠م)، طبقات الشافعية الكبرى.

         يختلف ترتيب المؤلفين في كتاب طبقات الشّافعيّة عما سبقه من كتب التراجم، إضافة إلى استشهاده بالكثير من المصادر والأسانيد التي سبقته. فقد أثبت السبكي في كتابه تراجم الفقهاء الشّافعيين فقط، حسب طبقاتهم، ورتّب كل طبقة على حروف المعجم وأهمل الترتيب الزمني، ما سهّل البحث فيه عن الفقيه الإمام الشّافعي ابن القاصّ المنتمي إليهم وقد ذَكَره عندما بدأ بذكِرِ تراجم الأحمدين. وفي الحقيقة أفاد البحث من هذا الكتاب كثيرًا لأن السّبكي خصّ ابن القاص بترجمة طويلة نسبيًّا مقارنة بكتب التراجم السّابقة التي استفاد منها، فقد ذكر فيها اسمه ونسبه ورواياته، واستشهد بما كتب في تصانيفه.

٤-كحالة، عمر رضا (١٣٢٣-١٤٠٨هـ/١٩٠٥-١٩٨٧م)، معجم المؤلفين.

         وهو من المصادر الحديثة لكتب التراجم التي صنّفت العرب والعجم، لا يمكن لأيّ باحث أن يغفل الرجوع إليه عند كتابة بحثه. تميز معجم كحّالة باستيفائه المؤلفين منذ بدء تدوين الكتابة حتى العصر الحاضر. رتبّه صاحبه حسب الحروف، وورد ذكر ابن القاصّ ضمن حرف الهمزة، وأثبته باسمه الأول “أحمد بن القاصّ”، فبدأ بذكر اسم المترجم وشهرته وولادته، ووفاته، والزمن الذي عاش فيه، ثم نسبته وكنيته ولقبه، كما لم يستخدم تعظيمًا له مثل ما سبقه من كتب التراجم، وقد اكتفى كحّالة بذكر خمسة تصانِيف لابن القاص من دون الكلام عن قيمتها العلمية والمفاضلة بينها. كما ذَيّل كل ترجمته بالمصادر التي استقى منها المعلومات سواء مخطوط، أو مطبوع، أو مجلة، أو جريدة مع ذكر العدد والسنة والجزء، ما أفاد البحث الحالي فائدة كبيرة.

٥-الزركلي، خير الدين (١٣١٠-١٨٩٣هـ/ ١٣٩٦- ١٩٧٦م)، الأعلام.

         نهج الزركلي في أعلامه منهجًا متكاملًا، فأغنى بمصدره المكتبة العربية بموسوعات متخصصة عَرّفت البارزين في العصور العربية السابقة. وأحاط في قاموسه بتراجم أشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين الذي ظهرت الطبعة الأولى منه سنة ١٣٤٥هـ/١٩٢٧م. أغنى هذا الكتاب البحث بتوثيقه اسم تصنيف جديد من آثار ابن القاص لم يذكر في كتب التراجم السّابقة المثبتة أعلاه، وقد استخدم البساطة في عرض المعلومات الرئيسة ذات الدلالات المهمة لكل ترجمة بالتّسلسل الأبجدي، مع تقصي المعلومات وتوضيحها وضبطها. وقد قارن بين المراجع المطبوعة السّابقة ووثّق ذلك من المصادر.  

المبحث الثاني: ابن القاصّ وآثاره

أجمعت كتب السير والتراجم([4]) السّابقة على اسم الشّيخ الإمام ابن القاصّ، ولقبه، وتاريخ وفاته فهو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد المعروف بابن القاصً، الطبري، ثم البغدَادِي([5])، الفقيه الشَّافعيّ تلميذ أبي العَبَّاس بن سُرَيج([6]). أمّا الزركلي(7) في الأعلام فقد أثبت اسمه: أحمد بن أحمد الطبري ثم البغدادي خلافًا لما ذكره ابن خلكان، والسّبكي والذّهبي. وقد عرُف والده بالقاص لأنّه يقصُّ الأخبار والآثار، والمشهور أنه ابن القاصّ، وجعله أبو سعد بن السمعاني نفسه القاص(8). كان إمام وقته في طَبَرَستان وهو إقليم متسع ببلاد العجم يجاور خراسان(9)، وقد تفقهوا به، وكان يَعِظُ الناس. انتهت به أسفاره في طَرَسُوس وهي مدينة في الثغور الروميّة عند المصِّيصة وأَذَنَةَ، وقد تولى فيها القضاء، فعُقِد له مجلس وعظ، ومات فيها سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة هجرية الموافق لستٍ وأربعين وستمئة ميلادية، وأورد الزركلي قولًا مختلفًا بأنه توفى سنة ٣٣٦هـ/ ٦٤٧م. توسّع السّبكي(10) في طبقاته في ذكر شيوخ ابن القاص الذين حدَّثَ عنهم مثل: أبي خليفة، ومحمد بن عبد الله المُطَيَّن الحَضرَمِي، ومحمد بن عثمان بن أبي شَيْبة، ويوسف بن يعقوب القاضي، وعبد الله بن ناجية. وتلامذته مثل: أبي علي الزَّجاجيّ. كما اتفق مع ابن خلكان أنّه كان من أخشع الناس قلبًا إذا قصّ حتى أنه خرَّ مغشيًّا عليه، ومات من روعة ما يَصِفُ عن جلال الله وعظمته وملكوته. أورد السبكي في ترجمته لابن القاص بعضَ ما جاء في تصانيفه من مثل: “أدب القضاء”، و”المفتاح” وأثبتها تحت عنواني “ومن الغرائب عنه”، “تحليف المقذوف”، “فرع: هل يكفي في الشّهادة على الشّهادة مطلق الاسترعاء، أو لابدَّ من استرعاء الشّاهد بخصوصه؟”

تمحورت تصانيف ابن القاص حول الفقه والمذهب الشّافعي، وكانت جميعها صغيرة الحجم كثيرة الفائدة(11)، إذ صنّف كتبًا منها(12): “التلخيص” و”هو أَنْفَسُها فلم يُصنِّف قبله ولا بعده مثله في أسلوبه”(13)، و”أدب القاضي”، و”المواقيت”، و”المفتاح”، وغير ذلك وقد شُرِح له “التلخيص”. ذكر له السّبكي والسّمعاني(14)مصنّف في “أصول الفقه”، وله مصنف في الكلام على حديث “يا أبا عُمَيْر”(15)( 16) ، كما انفرد الزركلي في أعلامه بذكر مصنّف “دلائل القبلة” بينما لم يأتِ على ذكر مصنفه “التلخيص”. كما وله كتاب “أدب الجدل”(17)، وكتاب “إحرام المرأة”(18) ، وكتاب في “الفرائض” (19).

المبحث الثالث: كتاب أدب القاضي(20)

كما أشار البحث سابقًا، إن أحمد بن أبي أحمد المعروف بابن القاصّ كان واحدًا من الأئمة الفقهاء الشّافعيين الذين وضعوا كتبًا متنوعة في الفقه، والكلام، والقضاء. وقد اتّفَقَت معظم المصادر التي ذكَرَت كتابه في القضاء على اسمه “أدب القاضي”، بينما ذكره ابن العماد الحنبلي باسم “أدب القضاء”(21) . لهذا الكتاب موضوع البحث الحالي ثلاث مخطُوطَات، والمخطوطة الأصليّة التي اعتمدها محقق الكتاب حسين الجبوري لكتاب “أدب القاضي” موجودة في مكتبة أحمد الثالث بتركيا. هَدَفَ ابن القاص في كتابه إلى توجيه القُضَاة إلى الصواب، وسداد الرأي عند إصدار الأحكام في المسائل التي تُعْرَض عليهم، وما تحتاجه من أسانيد وأدلّة في مسائل الأصول والفروع. كما يساعد الكتاب الوزارات، والمحاكم الشّرعية، وطلاب الجامعات والمعاهد العلمية.

         بيّن ابن القاص في مقدّمة كتابه المنهج الذي اتبعه، فقد جمع فيه بين قوليّ أهل الحديث من الشّافعيّة وأهل الرأي من الحنفيّة، كما ذَكَر أقوال الأَئِمّة الآخرين، وقارن بينها في المسائل جميعها. كما لم يترك الكتاب أيَّ موضوع من موضوعات الفقه التي لها صلة بالقضاء وآداب القاضي إلا وعرضها، ووضع حُكمَه وفرّع عليه(22). كان ابن القاص يبدأ بِذِكر الحكم المتفق عليه بين الشّافعي والكوفي بادئًا بالشّافعي ثم الكوفي، يليها الحكم المختلف عليه بين الشّافعي والكوفيّ، وأخيرًا يذكر أقوال الأئمّة الآخرين الموافقين لكل من المذهبين السّابقين، ثم يلحقها بأقوال الأئمة الآخرين المخالفين. وتضمّن منهَجه البدء بالمسألة ثم التفريع عليها في الأحكام. إلى جانب اهتمامه بعرض الأحاديث النّبويّة كدليل عليها. تميز الكتاب بتفرده في الأحكام على بعض المسائل من دون الكتب الأخرى المختصّة في أدب القضاء، كما ويحسب له دقته وأمانته في النقل عن الأئمة وضبطه للأحكام عنهم.

بلغ عدد لوحات مخطوط كتاب “أدب القاضي” تسعًا وسبعين لوحة، وعدد أسطر الصفحة الواحدة ثلاثةٌ وعشرون سطرًا (23)، واشتمل الكتاب على تسعة وستين بابًا بدأت بالتقديم لصفات القاضي وشروطه، ثم تناولت قضايا مدنيّة وشرعيّة تمسّ أحوال الناس. ويستعرض البحث هنا الأبواب التي اشتمل عليها الكتاب ومحتوياته(24)

١- الترغيب في القضاء وتخريج الأخبار المروية في كراهته.

٢- باب صفة القاضي.

٣- باب ذكر من لا يجوز قضاؤه.

٤- باب أرزاق القاضي وأعوانه.

٥- باب صفة القاضي.

٦- صفة القاسم.

٧- باب ذكر شروط القاضي.

٨- ترجمان القاضي.

٩- ذكر الحبس واتخاذ السجن للقاضي.

١٠- ذكر من يجوز له القضاء.

١١- ذكر القاضيين في بلد واحد.

١٢- ذكر خليفة القاضي.

١٣- القوم يتحاكمون إلى رجل من الرعيّة في خصومهم ثم يقضي بينهم.

١٤- قاضي البُغَاة والأهواء.

١٥ القضاء بين أهل الكفر.

١٦- القاضي يعزل فيحكم بعد العزل وهو لا يعلم أو يموت من ولاه أو يخلع.

١٧- قضاء القاضي بعلم نفسه.

١٨- ذكر مجلس القاضي في المسجد وغيره.

١٩- الحال التي لا ينبغي للقاضي أن يقضي.

٢٠- خروج القاضي من بيته إلى مجلسه.

 

٢١- العدوى والهجوم والأعذار.

٢٢- الوكالة.

٢٣- تصحيح الدعوى.

٢٤- الإقرار.

٢٥- وجوب اليمين على المُدّعى عليه.

٢٦- موضوع اليمين.

٢٧- كيفية اليمين.

٢٨- عدد اليمين في القتل.

٢٩- ما لا يجب في اليمين.

٣٠- صفة اليمين على البت.

٣١- النكول ورد على اليمين.

٣٢- تفريغ مسائل النكول.

٣٣- مراتب البينات.

٣٤- الحكم بالشاهد الواحد ويمين الطالب.

٣٥- شهادة المحدود والأعمى والكافر والمملوك والأخرس.

٣٦- ذكر من لا تجوز الشهادة له وإن كان الشاهد عدلاً.

٣٧- ذكر من رُدّت شهادته ثم شهد بها ثانياً.

٣٨- شهادة المتوسط والمختبئ.

٣٩- الشهادة على الشهادة.

٤٠- كتاب القاضي إلى القاضي.

٤١- الخليفة وقاضي الرُستاق.

٤٢- إرسال القاضي رسولاً إلى القاضي أو تلقاه بنفسه فيخبره.

٤٣- قاضي البغاة.

٤٤- كتاب قاضي أهل الأهواء.

٤٥- وجوه كتاب القاضي إلى القاضي.

٤٦- تعريف الإنسان وتحديد العقار في كتاب القاضي إلى القاضي.

٤٧- الشهادة على كتاب القاضي.

٤٨- نسخة كتاب القاضي إلى القاضي.

٤٩- ما يجب على القاضي إذا ورد عليه كتاب قاضٍ آخر.

٥٠- خطأ القاضي يرفع إلى قاضٍ غيره.

٥١- القاضي يعزل فيدعي عليه رجل أنه ظلمه.

٥٢- الضمان في خطأ القاضي.

٥٣- الرجوع عن الشهادة.

٥٤- ما يصنع بشاهد الزور.

٥٥- أخذ الكفيل إذا خُوصِم.

٥٦- الحَبس.

٥٧- المُفلس.

٥٨- وُجُوب الحَجر.

٥٩- الحَجر ومسائله.

٦٠- نكاح الصغير والمَغْلوب على عقلِه.

٦١- أي الولاة أحق بالتزويج.

٦٢- عضل الولي.

٦٣- الولي إذا أراد أن يتزوجها.

٦٤- إذا زوج الوليان.

٦٥- نكاح الكبيرة.

٦٦- المُطَالَبة بالمَهر.

٦٧- وُجُوب المَهر.

٦٨- الحُدود.

٦٩- السَّرِقة.

 

المبحث الرابع: مفهوم الأَدَب والآدَاب في كتاب “أدب القاضي”

كما أشرنا في الفقرة السابقة عند التعريف بكتاب أدب القاضي، فقد قُسِّمَت أبوابه حسب المسائل الفقهية وأحكامها. استهل ابن القاصّ الأبواب الأولى من كتابه للتفصيل في آداب منصب القاضي من مثل؛ صفات القاضي، من لا يجوز قضاؤه، أرزاق القاضي وأعوانه ورسومه، صفة كاتب القاضي وقَاسِمِه، ذِكْر شُرَط القاضي وتُرْجُمانه. فدعا في مفهومه عن الأدب عمومًا، وأدب القاضي خصوصًا إلى الأحوال كما اتُّفِق عليه في القرن الثالث والرابع الهجري، وقد ارتبط المعيار الأخلاقي بالمعيار الزّمني، وبرز مفهوم الأدب من خلال العِلم والدين موضحًا في الشكل (١):

الشكل (١) علاقة الأدب بالعلم والدين

ولرصْدِ تواتر أصل كلمة “أدب” في النص، سيبدأ البحث بتعريف معنى الأدب والقضاء لغةً واصطلاحًا؛ ثم يتعمق في فهم مضمون النّص على مستويين متسايرين؛ الأول أفقي ويشمل ثلاثة مجالات؛ المجال الدّيني الأخلاقي، والمجال الاجتماعي المعيشي، والمجال الثقافي المعرفي. أمّا المستوى الثاني، فهو عمودي ويحمل: صفات إيجابيّة يُسْتَحب التحلّي به، وصفات سلبيّة من الواجب تركها. ثم يَعْرج البحث لتحليل المستويات اللغويّة المعجمية تفكيكًا للغة النّص. والمؤلف لم يأتِ على ذكر كلمة “أدب” صراحةً، بل استخدم ما يدلّ عليها في المقابل المعجمي، من مثل: “التأدُّب بالمحامد، النهي عن المَقَابِح، الظُّرف، حُسْن التناول، الاحتراز من الخطأ، أدب المهنة، رياضة النّفس، التّعليم، التّهذيب، علوم الأدب، علوم اللغة، العُرف، العلوم الأدب الخاص وقصد به الثقافة والمعارف. وفي المقابل استخدم المؤلف كلمة قاض، بما يقابلها في المعجم من مثل: الحاكِم، الفاصِل، الفَقيّه.

أولًا- تعريف المصطلحات:

حاول البحث الوقوف على المعاني المختلفة لمصطلحي الأدب والقضاء عند القدماء والمحدثين وقد اقتصرت دلالة الأدب قديمًا على ما تدلّ عليه السُّنة من سُلُوك محمود ومَورُوث عن الأجداد. أمّا في العصور التي تَلَت ابن منظور(25)مثلًا بدأت تظهر دلالات جديدة للكلمة ارتبطت بعلوم العصر.

أ- مصطلح “الأدب”

يقول ابن منظور: الأَدَبُ ويقصد به الذي يَتَأدَّب به الأَدِيْبُ من الناس؛ سُمّي أَدَبًا لأنه يَأْدِبُ الناس إلى المَحَامِد، وينهاهم عن المقابح. أَدَبُ النَّفس والدَّرس. والأَدَبُ: الظُّرْفُ، وحُسْن التَّنَاوُل. وأَدُبَ، بالضم، فهو أَدِيْبٌ، من قَومٍ أُدَبَاء(26). والأَدَبُ عند الجرجاني معرفة ما يُحْترَز به جميع أنواع الخطأ(27). أمّا المُعْجَم الوسيط فقد أضاف إلى المعاني السّابقة تعريفات أخرى، فالأَدَبُ رياضة النّفس بالتّعليم والتّهذيب على ما ينبغي، وجُملَة ما ينبغي لذِي الصِّناعة أو الفن أن يتمسك به، كأدب القاضي، وأدب الكاتب. وعُلُوم الأدب عند المتقدمين تشمل: اللغة والصّرف، والاشتِقاق، والنّحو، والمعاني، والبيان، والبديع، والعَروض، والقافية، والخط، والإنشاء والمحاضرات. وتُطلَق الآداب حديثًا على الأدب بالمعنى الخاصّ، والتّاريخ والجغرافيّة، وعلوم اللسان، والفلسفة. والآداب العامة: العُرْف المقرَّر المَرْضِيّ (28).

ب- مصطلح “القضاء” 

قَضَيَ: القَضَاء: الحُكم، وأصله قَضَايٌ لأنّه من قَضَيْت. قال أهل الحجاز القاضي معناه في اللغة القَاطِع للأمور المُحْكِم عليها. والقَضَايا: الأَحكام. يقال قَضَى يَقّضِي قَضَاء فهو قاَضٍ إذا حَكَم وفَصَل، وكل ما أَحكِم عمله أو أُتِمَّ أو خُتِمَ أو أُدِّيَ أَدَاء أو أُعْلِمَ أو أُنْفِذَ أو أُمْضِيَ فقد قُضِيَ (29). ويقول الجرجاني في معجمه: القَضَاء: لغة: الحُكم، وفي الاصطلاح: هو الحُكْم الكلي الإلهي في أَعيَان المَوجودات على ما هي عليه من الأَحَوال الجَارِية، وفي اصطلاح الفقهاء: القَضَاء تَسْلِيم مثل الواجب بالسّبب(30). والقضاء في الخُصُومة: هو إِظْهار ما هو ثابت(31). واسْتَقْضَى السُّلطان فلانًا: صَيَّرَه قَاضِيًا، والقاضي من يَقْضِي بين الناس بِحُكْم الشَّرع ومن تُعَيّنه الدولة للنّظر في الخُصُومات والدَّعَاوَى، ورجال القضاء: الهَيْئَة التي يُوْكَل إليها بَحْث الخُصُومات للفَصْلِ فيها طِبْقَاً للقوانين(32).

ثانيًّا: تحليل النّص ودراسته:

بنى البحث دراسته لمفهوم الأدب في نص ابن القاصّ على الدلالات المختلفة التي لفَتَ إليها ابن القاص في آداب القضاء والقاضي. كما أشارت إليها معاجم اللغة العربية على مر العصور المتتالية، فبالتركيز على تواتر كلمة أدب، وجد البحث أنّها تنتظم ضمن ثلاث دلالات رئيسة:

أ- الأدب بمعنى الدّين والأخلاق من القرآن والسنة.

ب- الأدب بمعنى الظرف وحُسن التَّناول، وما يُحْتَرَز به جميع الأخطاء.

ج- الأدب بمعنى رياضة النّفس بالتّعليم والتّهذيب، وعلوم الأدب لذي الصناعة أو الفن، وعلوم اللغة.

ويوضح الشكل (٢) المستويات التي سيتناولها وهي على الترتيب:

الشكل (٢) مستويات تحليل مفهوم الأدب

أ- المجال الديني الأخلاقي:

أَسْلَفَ البحثُ الذِكْرَ أن تواتر مفهوم كلمة “أدب” يتناسب مع تعريفها وفهمها في العصر الذي عاش فيه الإمام الفقيه ابن القاصّ، وفي قمة هذا الهرم يأتي التأدب بعلوم الدين بما يتوافق مع القرآن الكريم، والسنة النبويّة، والأخلاق الإسلاميّة الحميدة الموروثة عن الأجداد الأولين، إضافة إلى العادة والسّلوك الأخلاقي المحمود والأخذ به. فقد شدّد ابن القاص في الأبواب السّبعة الأولى من كتابه على الآداب والصفات التي يجب أن يتحلَّى بها القاضي ليتولَّى منصب القضاء، وكاتِبه وقاسِمه وتُرْجُمَانِه وأَعْوَانه على حسب المذهبين الشّافعي والكوفي. كما ذكر ما يُسْتَحَب ويُسْتَكْرَه من أمور وفقًا للشرع والدّين.

فالاختيار في صفة القاضي أن يكون عارفًا بأمور دينه، حَامِلًا لعلم الِكتاب والسُّنة، وإجماع الأُمّة، واختلاف أئمة السَّلف، فقيه النّفس، يَعْقِل وجوه القياس إذا ما اضطر إلى ذلك، عالمًا بتخريج الأخبار إذا ما اختلفت (33). يمكنه أن يختار الحُكم المناسب من أقوال الأئمة إذا تشابهت في ما بينها. من الواجب أن يكون حاضر العقل، أمينًا، متبينًا، جامعًا للعَفَاف، نزيهًا، بعيدًا من الطمع، عدلًا، رشيدًا، فَصْلًا لا تأخذه في الله لومة لائم، حليمًا ذا فطنة وتيقظ، حرًّا بَالِغًا. والأمر عند ابن القاص ينطبق على كاتب القاضي وقَاسِمِه وتُرْجُمانه، فعليه مثلُ القاضي أن يكون فَقِيَهًا، فَطِنًا، مُتَيَقِظًا، عدلًا، لا يُؤْتَى من جَهَالَة. عَاقلًا لا يُخْدَع بغيره (34). والتّرجمان عدلٌ، ثقةٌ(35). أمّا الشهود فعلى الرّغم من اختلاف المذهبين الشّافعي والمالكي حول عددهم، إلّا أنّ ابن القاص يُدرِك أهميتهم بالنسبة إلى حكم القاضي وقراره، فلا يقبل إلا شاهدًا مسلمًا ثقةً، وليس عبدًا ولا مكاتبًا.

وثمة أمور إيجابيّة مُسْتَحبّة يدعو ابنُ القاص القاضي للأخذ بها، وأخرى لتركها لأنها غير جائزة في المذاهب الفقهية ولا يجوز معها ممارسة القضاء. وقد استخدم ابن القاص في نصه أسلوب التّرغيب والتّرهيب بذكر أحاديث من السُّنة النبويّة والقرآن الكريم. ويصنف البحث تلك الصفات المستحبة والمستكرهة ضمن كل مستوى في ثنائيات ضدية في الجدول الآتي:

الإيجابيات السلبيات
– من لا تجوز شهادته لا يجوز قضاءه

– أخذ المال من بيت مال المسلمين غير مُحَرّم

– الرفق مع الصرامة في الأحكام

-الترجمان معروف اللسان لتقبل ترجمته

– الشاهد يكون عدلًا حرًا مسلمًا ثقةً

– الشاهد امرأة ثقة حرة

– الشاهد رجلان أو رجلٌ وامرأتان

– رجل له رأي ولا يحتاج غيره

– وإذا حَزَبَه أمرٌ شَاوَر

– القاضي يكون كبيراً لم يَخْرَف

 

– رجل لا تُقبل له شهادة

– لا يستحب للقاضي وترجمانه وأعوانه وقاسمه وكاتبه – الشاهد والمُزَكِّي للشهود أن يأخذ جُعلاً (مالًا) من بيت مال المسلمين.

– لا يُقبل الكافر، والفاسق، وشارب الخمر، والشاعر إذا شَبَّبَ بامرأة.

– الرفق مع الضعف والتقصير

– الحِيَاد عن الحق في القضاء

– لا يكون الشاهد عبداً مكاتبًا

– لا تقبل الشهادة من امرأة عبدة مملوكة

– الشاهد لا يكون أقل من رجلين

– لا يكون نصف رجل لا رأي له.

– الرجل لا شيء إذا لا رأي له ولا يشاور

– لا يجوز أن يكون القاضي صغيرًا

 

ب- المجال الاجتماعي المعيشي

ويأتي هذا المجال في المرتبة الثانية التي يندرج تحتها مفهوم “الأدب”، فقد ركّزت دلالة الكلمة خلال تطورها في العصر العباسي على محتواها الأخلاقي من حُسن التّربية، واللّياقة في التصرف، بما يليق بأهل المدن المُتَحضرِّة من تهذيب ورهافة خِلافًا لأهل البداوة. وهذا يظهر جليًّا في ما يدعو إليه ابن القاص من آدابٍ على القاضي أن يتحلى بها ليكون مقبولًا اجتماعيًّا.

فالقاضي بريء من الشحناء والمماظة (36)، والحَيف والعَصبية. ذو رأيٍ ومَشُوَرةٍ، لكلامه لِينٌ إذا قَرّب، ومُساواةٌ إذا حَاوَرَ، وهَيْبةٌ إذا وَعَدَ، وجِدٌ إذا حَكمَ. ذو هَيبةٍ وأَنَاةٍ، وسكينةٍ ووقَارٍ، ولو كان من قريش كان أَوْلَى (37). لا يَعلُو كَلامُه كلام الخصمين، متقدّمٌ أعوانه، والقُوّام عليه في ترك الحرق (38) بالناس، ويؤكد ابن القاص مكانة القاضي في قومه فمن المُسْتَحب أن يكون رجلًا له رأي ويشاور إن احتاج الأمر. غير متعصب لقبيلته، لا يلعب النَرد، والشّطرنج، والقِرَقِ، والحَمَام، وسائر الطيور على قِمَار.

والقاضي لا يجوز له أن يَقْبَل الرَّشوة ولا يعطيها لِعزْل قاضٍ لِيُوَلَّى مَكَانه، ولو قَبِلَها فقضاؤه مَرْدُودٌ، ولا الهدايا فإن ذلك يُوِقع التُّهمة ويَطْمَعُ فيه النَّاس، ويُؤَثِّر في عدالته، فالهدية التي تأتي من العمل سُحْتٌ (39). ولا يجيب القاضي على الولائم إلّا أن يجيب على الكلّ أو يترك الكلّ، فالوليمة الخاصة لواحد من الخصمين لا تَجُوز حتى تَنْفُذ الخصومة. أمّا قضاء المرأة، فالشّافعي يرى الرجال قَوّامين على النساء وحُكامًا دُونَهُنَّ (40).

ج- المجال الثقافي المعرفي

اتّخذت كلمة أدب منذ القرن الأول للهجرة معنى ثقافيًّا أخذ يتوسع تدريجيًّا ليدل على جملة المعارف والثقافة التي يجب أن يتقنها كُلُّ ذي صناعة أو فن. فالثقافة هي التي تجعل المرء يستقيم، ويُحسِن التّصرف في الأمور. وقد أشار البحث سابقًا لتعريف المعجم الوسيط للأدب بمعنى الثقافة؛ فالأَدَبُ رياضة النّفس بالتّعليم والتّهذيب على ما ينبغي، وجملة ما ينبغي لذِي الصِّناعة أو الفن أن يتسّمك به، كأدب القاضي، وأدب الكاتب. وعلوم الأدب وعلوم اللغة وتُطلق الآداب حديثًا على الأدب بالمعنى الخاصّ والعامّ.

هذا المنحى الجديد للثقافة كان بارزًا في ما يدعو إليه ابن القاص القاضي، فالقاضي لاُبدّ من أن يكون عالمًا بتخريج الأخبار إذا اختلفت، لا يُؤْتى عن غفلة ولا يُخْدع بغيره، يتمتع بشرف العقل والعلم. صدُوق اللهجةِ، يعرف اللغة ويفهمها جيدًا، وعارفًا بِلُغات أهل قضائه. كما يَحرِص كاتب القاضي أن يكون فصيحًا عارفًا بلغات خصومه، ضابطًا لتغيير العجمية إلى العربيّة (41). ويُستحب له أن يكون قوي الخط، قائم الحروف، عالمًا بمواضيع التدليس في الخط، ضابطًا لنظمها. لا يلتبس على خطه تسعة بسبعة. ولا ثلاث بثلاثين. ولا خمس عشر بخمس وعشرين. وكذلك يدعو أن يكون القاسم عالمًا بالحساب والمساحة، يعرف الضرب والقسمة والتكسير واستخراج الجذور. وقد قرأ الجبر والمقابلة.

د– الشروط الخَلْقِيّة للقاضي وأعوانه

وقد صنّف ابن القاص الصفات الخَلْقِيّة للقاضي وأعوانه، وميّزها من غيرها من الصفات الخُلُقية، وهذا إنما يدل على حرصه، وإحاطته بصغائر الأمور خشية على الأمة من المهالك.

فالقاضي يَسْتَلِزم أن يكون صحيح حواس السّمع والبصر، غير معتوه أو أعمى أو أخرس لا يَعْقِل الإشارة.

كما قال في باب ترجمان القاضي: لو كان في القاضي صَمَمٌ فأسمعه غيره، يجب أن يكون المُسْمِعُ عدده اثنان مثل الترجمان. ولا يستحب أن يكون المُسْمِع عَبدًا.  في ما يتعلق بالترجمان فمن الجائز عند الشّافعي أن يكون أعمى، على خلاف الحنفي.

ثالثًا- المستويات اللغويّة في النص:

        ركّز المبحث السّابق على المجالات المتصلة بكلمة أدب، وفي هذا الجزء من الدراسة سوف يربط البحث بين كلمة الأدب وحقولها المعجميّة والمفهوميّة المرتبطة بها، إضافة إلى المستويات التّركيبيّة والدلاليّة والبلاغيّة للنص.

أ- المستوى المعجمي

القاضي بالمعنى الدّيني: العارف، العالم، الفقيه، المسلم

الصفات الإيجابيّة: العاقل، الحليم، الفَطِن، الأمين، النزيه، العادل، الرشيد، لينٌ دون ضعف، فصلٌ، صارم، ذا هيبة، وقور، حرٌ، بالغ، صدوق اللهجة، ضابط اللغة واللهجات، قوي الخط، قائم الحروف، المثقف بالعلوم اللغوية والحسابية.

ويرفض ابن القاص الصفات السّلبية من مثل: الكبير الخَرِف، الصغير، العبد، الكافر، الفاسق، المَعْتُوه، الأعمى، الأخرس، الكذّاب، الشاعر المتغزل بالنساء، غير جائز الشهادة، شارب الخمر، المُرْتشي، لاعب النرد والشطرنج والحمام والقمار. المُدَلَّس.

ب- المستوى البلاغي والتركيبي

عرض ابن القاص لآداب القاضي المُستحبّة وغير المُستحبّة على شكل ثنائيات ضدية متقابلة في الجمل التي استخدمها في نصه. كما بَدَت جمله قصيرة تتناسب مع الجمل الخبرية ذات الأهداف المباشرة، لا تحتمل اللبس والغموض، جمل اسميّة وجمل فعليّة فعلها مبني للمجهول من مثل: لا يُخدع، لا يُؤتى من جهالة، لا يُستمال بهدية، لا رأي له ولا يشاور، من لا تجوز شهادته لا يجوز قضاءه، فصلٌ لا تأخذه في الحق لومة لائم، لكلامه مساواة إذا حاور، صحيح حواس السمع والبصر.

جدول الثنائيات الضدية

– فطِن متيقظ

– نزيه جامع للعفاف

– لكلامه لينٌ

– الرفق دون ضعف أو تقصير

– رجل له رأي لا يحتاج رأي غيره

– لا يجوز قضاء الصغير

– الحر، المسلم، الصادق، النزيه، العفيف، الفصيح

– لا يؤتى من غفلة ولا يخدع بغيره

– بعيد عن الطمع

– له هيبة وقار

– صارم بين المسلمين

– نصف رجل لا رأي له، يشاور ذا الرأي

– ولا الكبير الخرف

– العبد، الكافر، الكذاب، الفاسق، المرتشي، الأخرس

الخاتمة

         حاول هذا البحث رصد مفهوم كلمة أدب وتتبع تواترها ودلالاتها في أبواب كتاب ” أدب القاضي” لابن القاصّ المتوفى٣٣٥هـ/٦٤٦م، وتصنيفها حسب المجالات التي تنتمي إليها، وذلك من خلال منهجه الذي اتبعه. حيث لم يَأْلُ ابن القاصّ جهدًا في رواية الكثير من الأخبار والأحاديث والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته التابعين لتوضيح وجهات النّظر المختلفة حول المسائل الخلافيّة بين الفقهاء حول أدب القاضي وصنعته، وتفسيره لأهلية القاضي، ومن يجوز تقلد القضاء وجواز الدخول به من قاسم القاضي وكاتبه وترجمانه.

وجد البحث أن دلالات مفهوم “الأدب” التي قصدها الكتاب تندرج تحت ثلاثة مجالات رئيسة: المجال الديني الأخلاقي، والمجال الاجتماعي المعيشي، والمجال الثقافي المعرفي، وما يتصل بها من حقول معجمية ومفهومية. فقد شملت الأحاديث والمسائل الفقهية التي أوردها ابن القاصّ في وجوه القضاء وآدابه كلها. فالقاضي يتمتع بالعلوم الدينية وحسن التصرف الاجتماعي والثقافة في العلوم المختلفة. كما رصد البحث المستوى البلاغي والتركيبي والدلالي للجمل المستخدمة في النص، فوجدها؛ جملاً قصيرة مباشرة، واضحة الدلالات، اسميه وفعلية، جاءت على شكل ثنائيات ضدية لتدل على الإيجابيات والسلبيات، وما يُستحب وما يُستكره في صفة القاضي وأعوانه.

المصادر والمراجع

 

  • ابن العماد، شهاب الدين أبي الفلاح عبد الحي الحنبلي (١٠٨٩هـ -١٦٧٩م). شذرات الذهب في أخبار من ذهب. تحقيق وتعليق عبد القادر أرناؤوط ومحمود الأرناؤوط، ط١، دمشق: دار بن كثير، ١٤١٠هـ-١٩٨٩م، مج٤.

٢- ابن القاصّ، أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري (ت٣٥٥هـ-٦٤٦م). أدب القاضي. تحقيق حسين الجبوري، ط١، الطائف: مكتبة الصديق، ١٤٠٩هـ-١٩٨٩م، ج١.

٣- ابن خلكان، أبي العباس شمس الدين أحمد (ت٦٨١هـ-١٢٨٢م). وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. تحقيق إحسان عباس، ط١، بيروت: دار صادر، ١٣٩٨هـ-١٩٧٨م، مج١.

٤- ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين. لسان العرب. بيروت: دار صادر، لا تاريخ، مج١،١٥.

٥- الجبوري، حسين بن خلف. “ابن القاص وكتابه أدب القاضي”، مجلة كلية الشريعة والدراسات     الإسلامية، جامعة أم القرى: كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، ١٩٨٢، مج٦، ع٦، ص٧-٢٤.

٦- الجرجاني، علي بن محمد (٨١٦هـ-١٤١٣م). معجم التعريفات. تحقيق ودراسة محمد المنشاوي، القاهرة: دار الفضيلة، لا تاريخ.

٧- الذهبي، شمس الدين محمد (٧٤٨هـ-١٣٧٤م). سير أعلام النبلاء. تحقيق شعيب الأرنؤوط، إبراهيم، ط١، بيروت: مؤسسة الرسالة، ١٤٠٣هـ-١٩٨٣م، ج١٥.

٨- الزركلي، خير الدين. الأعلام. ط٧، بيروت: دار العلم للملايين، أيّار ١٩٨٦، مج١.

٩- السبكي، تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب (٧٧١هـ-١٣٧٠م). طبقات الشافعية الكبرى. تحقيق       محمود الطناحي، عبد الفتاح الحلو، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، ١٣٣٦هـ-١٩١٨م، ج٣.

١٠- السمعاني، أبي سعد عبد الكريم (٥٦٢هـ-١١٦٦م). الأنساب. تصحيح وتعليق عبد الرحمن بن   يحيى المَعلِمي اليماني، ط١، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ١٣٩٧هـ-١٩٧٧م، ج١٠.

١١- العبادي، أبي عاصم محمد بن أحمد (٤٥٨هـ-١٠٦٦م). طبقات الفقهاء الشافعية. ط١، مطبعة      بريل ليدن، ١٩٦٤م.

١٢- القزويني، زكريا بن محمد بن محمود (٦٨٢هـ- ١٢٨٣م). آثار البلاد وأخبار العباد. بيروت:     دار صادر، لا تاريخ.

١٣- كحالة، عمر رضا. معجم المؤلفين. ط١، بيروت: مؤسسة الرسالة، ١٤١٤هـ-١٩٩٣م، ج٣.

١٤- مَجمع اللغة العربية. المعجم الوسيط. ط٤، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، ١٤٢٥هـ/٢٠٠٤م.

١٥- النووي، أبي زكريا محي الدين بن شرف (٦٧٦هـ -١٢٧٧م). تهذيب الأسماء واللغات. القاهرة:     إدارة الطباعة المنيرية، لا تاريخ، ج٢.

الهوامش

-[1] أستاذة اللغة العربية في جامعة فيرجينيا كومونولث في قطر، باحثة، وطالبة دكتوراه في اللغة العربية وآدابها- جامعة القديس يوسف في لبنان- قسم اللغة العربيّة-ksakbani@vcu.edu

 

  -[1]ابن القاصّ (ت٣٥٥هـ-٦٤٦م)، أدب القاضي، تحقيق حسين الجبوري، ج١.

-[2] أستاذ مشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى – مكة المكرمة.

– [3]بلاد معروفة، والعجم يقولون مازندران، وهي بين الري وقومس وبحر الخزر. القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، ص٤٠٣.

-[4] الكتب التراجم الخمسة السابقة التي تم تقويمها في المبحث السابق.

– [5]هذا اللقب أضافه له الذهبي. انظر الذهبي، سير الأعلام، ج ١٥، الطبقة ١٩، ص٣٧١.

[6] – أحمد بن عمر بن سُريج القاضي أبو العباس البغدادي، أحد أئمة مذهب الشافعي. انظر السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، الطبقة الثالثة، ج٣، ص٢١.

 –7 الزركلي، الأعلام، مج١، ص٩٠.

 –8 انظر السمعاني، الأنساب، ج١٠، ص٣٠٣. وطبقات الشافعية الكبرى، السبكي، ج٣، الطبقة الثالثة، ص٥٩.

 – 9 بلاد مشهورة، شرقيها ما وراء النهر، وغربيها قهستان، قصبتها مرو وهراة وبلخ ونيسابور. انظر القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، ص٣٦١.

 –10 السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، ج٣، الطبقة الثالثة، ص٥٩.

 –11 ابن خلكان، وفيات الأعيان، مج١، ص٦٨.

 –12 هذه التصانيف مذكورة في كتب التراجم الخمسة التي قومها البحث في المبحث الأول.

 –13 النووي، تهذيب الأسماء واللغات، ج٢، ص٢٥٣.

 –14 السمعاني، الأنساب، ج١٠، ص٣٠٣.

 –15 الذهبي، سير الأعلام، ج١٥، الطبقة١٩، ص٣٧١.

 –16 انظر شذرات الذهب، ابن العماد، مج٤، ص١٩٢.  ذكره باسم ” يا أبا عُمير ما فَعَل النُّغَير”.

 –17 العبادي، طبقات الفقهاء الشافعية، ج٢، ص٧٣.

 –18 ابن العماد، شذرات الذهب، مج٤، ص ١٩٢.

 –19 السمعاني، الأنساب، ج١٠، ص٣٠٣.

 – 20 ابن القاصّ، أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص (المتوفى: 335 هـ). أدب القاضي. دراسة وتحقيق: د.         حسين خلف الجبوري، – الطائف: مكتبة الصديق، ط١، ١٤٠٩هـ -١٩٨٩م. عدد الأجزاء:٢.

21– ابن العماد، شذرات الذهب، مج٤، ص١٩٢.

22 – ابن القاصّ، أدب القاضي، ص٣٥.

23 – جبوري، “ابن القاص وكتابه أدب القاضي”، مجلة كلية الشريعة الإسلامية، مج٦، ع٦ ص١٨.

24 – ابن القاص، أدب القاضي، ص٢٠.

25 – ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (٦٣٠هـ-٧١١هـ/ ١٢٣٢م-١٣١١م).

26 – ابن منظور، لسان العرب، مج١، ص٢٠٦.

27 – الجرجاني، معجم التعريفات، باب الألف (٧٩)، ص١٦.

28 – المعجم الوسيط ص ٩-١٠.

29 – لسان العرب – مج١٥ ص ١٨٦

30 – معجم التعريفات- الجرجاني – باب القاف (١٤١٧) ص١٤٨.

31 – معجم التعريفات الجرجاني – باب القاف (١٤١٩) ص١٤٩.

32 – مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، ص٧٤٣.

33 – ابن القاصّ، كتاب أدب القاضي، ص٩٨.

34 – انظر: م. ن، ص١١٧.

35 – انظر: م. ن، ص١٢١.

36 – مَاظَّه: خاصمه وشاتمه، المَظَاظَة: شدة الخُلق وفظاظته. انظر: مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، ص٨٧٦.

37 – يستشهد ابن القاص بقول رسول الله ” أي رجل من قريش، أفضل من رأي رجلين من غير قريش”، انظر: العبادي، طبقات الفقهاء       الشافعية، ص٦.

38 – أحرق باللسان: عابه وتنقَّصه، حارق: يكثر السبّ. انظر: المعجم الوسيط، ص١٦٨.

39 – السُّحت: التجارة خَبُثت وحَرُمَت. انظر: المعجم الوسيط، ص٤١٨.

40 – ابن القاصّ، أدب القاضي، ص١٠٤.

41 – انظر: م. ن، ص١١٧.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website