foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

“السّينما الدّينية”؛ الفنّ السّابع مقاومة في خطٍّ موازن

0

“السّينما الدّينية”؛ الفنّ السّابع مقاومة في خطٍّ موازن

Cinema between text and history”religious cinema”; The seventh art is resistance in a balancing line

NABIH ALI AHMAD نبيه أحمد ([1])

ملخّص

عندما نشأت السّينما في العالم، كان الاعتماد في البداية على اقتباس الأفلام من الروايات العالميّة. وكان اللافت في السّينما الدّينية، أو كما اصطلح على تسميتها بالسّينما التّاريخيّة، محاكاة القيم والمعتقدات التي نشأت معنا وتربينا على احترامها والإيمان بها. فميزة السّينما أنّها تستطيع نقل التاريخ من الأوراق ليكون أمامنا كالمرآة. لذلك؛ استًغِلَّ هذا الفن، والذي سمّي بالفنّ السّابع، ليكون ترويجًا لقيم الأقوى في العالم وابتداع أدبياته الخاصّة، ليعمّمها على بقية شعوب العالم. وفي ظلّ تراجع الحضارات الأخرى أمام هيمنة الثقافة الأميركيّة المدعومة بالتّفوق التكنولوجي، خفت صوت تلك الحضارات وبهتت صورتها، بل جرى تشويهها عمدًا من أرباب المنتجين في “هوليوود” المدعومة من المخابرات الأميركيّة المركزيّة. أدرك الإمام الخميني الراحل (قده) خطورة ما تثيره صور هذا الفنّ من قناعات مؤثرة في حياة الناس، وتحديدًا الأفلام الدّينية- التّاريخيّة، فشجع عليه ودعا إلى احترافه، وهذا ما كان، خصوصًا في عهد الإمام الخامنئي الولي الفقيه الحالي (حفظه الله)؛ بعدما أصبح نوعًا من المقاومة في الصورة والمشهد والكلمة، أيضًا لنخبر سرديتنا الإسلاميّة وجهادنا وفاق رؤيتنا، وتبعًا للحقائق التّاريخيّة.

كلمات مفتاحيّة : السّينما العربيّة- السّينما الأميركيّة- هوليوود- السينما الدّينيّة – السينما التاريخيّة – السينما الإيرانيّة – السينما المصرية.

summary

Religious cinema is the imitation of the values and beliefs that we grew up with, and we were raised to respect and believe in. In the previous years, this art has become a kind of resistance in image, scene and word, a means to tell our Islamic narrative beyond our vision. Iranian religious cinema represents a shift in the Seventh Art. In such, the Iranian director Shahryar Bahrani is very keen in all his cinematic works to present the best picture in any subject he deals with in a scientific and objective manner. In his movie, “King Solomon”, he addressed the issue in a cinematic language linked to the goal and the regulations that control the target audience.

        key words: Arab cinema – American cinema – Hollywood – religious cinema – historical cinema – Iranian cinema – Egyptian cinema.

المقدّمة :

ليست كلّ سينما تاريخيّة هي دينية والعكس صحيح، ذلك أنّ السّينما عندما تتناول الزاوية الدّينيّة وتقدّم من خلالها الأفكار الإنسانيّة والإيمانيّة، المستقاة من القرآن الكريم والسّنة النبويّة الشريفة، فهي سينما دينيّة بحتة، ولكن عندما تتناول السّينما التاريخ من خلال رواية حياة الملوك والسلاطين، بشكل غير منظّم، فهي تاريخيّة ولا علاقة لها بالدّين، حتى ولو كانت عن حياة الخليفة أو الملك أو أي أحد من الصحابة وغيرهم. لهذا فهناك الكثير من الأفلام التي أنتجتها السّينما لا تعدّ دينيّة بالمعنى الحقيقي؛ بل توضع في خانة التّاريخي، وربّما يعود السبب إلى الجهة المنتجة، والهدف الذي تبغيه من إنتاج هذه الأفلام. إذ نرى إنّ السّينما الإيرانيّة هي الوحيدة التي تنتج سينما دينيّة بالمعنى الحقيقي؛ ذلك أنّها تتمسك بتعاليم الإسلام، وتحرص على تقديم رواية دينيّة محقّقة من المراجع والمجتهدين الشّيعة.

أفلام السينما الغربيّة التي قدمت سرديّة صراع الخير والشر والعلاقة مع الشيطان تركت الحرية للخيال في نسج الأحداث الدراميّة؛ لأنّ النصّوص الدّينيّة المقتبس عنها كانت أساطير، وُجد البعض منها على جدران الكهوف أو بين زوايا المعابد اليونانيّة القديمة، وكانت كتابات وتصاوير جسّدت تلك الحقب. من هنا؛ كان لا بدّ للكتّاب من إضفاء روح الحماسة على تلك الأحداث، فابتكرت شخصيات تكون في مواجهة البطل، مع المحافظة على الجو العام للأسطورة التي قدّمت، ولكن بصور عديدة تحاكي فيها الخيال والمشاعر، بين التّعاطف مع البطل وصولًا إلى كره الآلهة الذين يعذّبون البشريّة تبعًا لأهوائهم، ولرؤيتهم للبشر عبيدًا لهم ومصدر تسلية، إذ لا وجود للخطاب العقلي مع هذه الأساطير التي لا يتقبّلها العقل، خاصّة مع وجود القدرات الخارقة والحيوانات الأسطوريّة.

بعد ذلك، انتقلت السّينما الدّينيّة، أو التاريخيّة كما عرفت في البدايات، فكانت سلسلة الأفلام التي تحدثت عن بداية الخلق، حياة آدم وحواء، النبيّ نوح، إبراهيم، موسى، سليمان، يسوع… هذه السلسلة الوثائقيّة([2])التي قدّمتها هوليوود للعالم، خلال السبعينيات من القرن الماضي، هي الأولى في تاريخ السّينما التي تناولت المواضيع الدّينيّة للمرة الأولى. ذلك؛ أنّ تلك الحقبة اعتمدت على تقديم قصة الخلق للمشاهد معتمدة على المصدر الدّيني الأساسي، وهو التوراة في ظل غياب تام للقرآن الكريم أو الإنجيل. إذ لم تُراع في صورة الأنبياء أي قدسيّة لهم، وصوّروا على أنّهم بشر يرتكبون المعاصي، مع أنّ النبيّ هو الرسول المعصوم الحامل لرسالة سماويّة.

بعد هذه السّلسلة، غابت المواضيع الدّينيّة التاريخيّة مع المحافظة على إنتاج الأفلام التي تتناول القصص اليونانيّة مع اختلاف مواضيعها، من أسطورة زيوس وصولًا إلى حياة القياصرة، والصراعات التاريخيّة بين الممالك في ظل تدخل الآلهة، أسطورة زينا، حياة هرقل البطل الخارق، المحارب… كلها مواضيع لأفلام تفرعت من أساطير اليونان التي شكّلت مادة غنيّة لا تنضبُ من العناصر الدراميّة التي تحتمل التأويل كثيرًا. ودامت هذه المرحلة عقودًا، فقد استمر اقتباس المواضيع الدّينيّة من الكتب السماويّة هذه المرة، وكانت قصة السيد المسيح هي أكثر المواضيع التي عالجت من زوايا مختلفة، بالاعتماد على التوراة والإنجيل، وآخرها فيلم المسيح للمخرج الإيراني “نادر طالب زاده”، والذي جمع ما بين الرواتين الإنجيليّة والقرآن الكريم في ظاهرة لفتت نظر الفاتيكان وأثنت عليه، كما كان هناك فيلم آلام المسيح للمخرج الأميركي “ميل غيبسون”، والذي أثار سخط الكنيسة.

كانت هذه الأفلام هي الأداة السّينمائية التي استخدمتها كبار الدول والشركات الإنتاجيّة في العالم لتقديم أفكارها والمساهمة في دعايتها وفقًا لسياستها. فالفيلم الممّول من اليهود (وهم الشريحة المهيمنة على إنتاج هوليوود) يرتكز على رواية التوراة التي لا تخلو من الإسرائيليّات، إذ جعلت حياة الأنبياء شبيهة بحياة القياصرة والملوك الذين يهتمّون بالمال والسّلطة والجنّس، أكثر من التبشير والدّعوة إلى الله، وكان آخرها ثلاثيّة المخرج والمنتج العالمي الأميركي “ريدلي سكوت” الذي قدّم، حتى الآن، فيلمين مقتبسين عن التوراة؛ وهما فيلم “نوح” و”اكسوديس” الذي يتحدّث عن حياة نبي الله موسى، مقدّمًا إياهما بصورة سيئة. كما كان هناك اقتباس من الروايات حاملة الطابع والأفكار الدّينيّة، كالتي كتبها الروائي “دان براون”، وأنتجت أفلامًا سينمائيّة عالميّة مثل “شيفرة ديفنش” و”ملائكة وشياطين”، وأثارت جدلًا كبيرًا في الوسط السّينمائي والفاتيكاني والمسيحي؛ لأنّها قدّمت رواية جديّة مخالفة لما ورد في الإنجيل، مع أنّ هذه الروايات بيعت بالملايين، وترجمت إلى أكثر لغات العالم انتشارًا .

أولًا: السّينما الإيرانيّة الدّينيّة تثبت رؤيتها المغايرة

أمّا السّينما الإيرانيّة، فقد أسّست لسينما دينيّة متكاملة، فهي تعتمد على القرآن الكريم مرجعًا أساسيًا، وترى هدفها الأوّل تعزيز تعلّق المشاهد المسلم بالدّين، فنافست الأفلام العالمية، وكان آخرها فيلم “محمّد” للمخرج “مجيد مجيدي”، بالإضافة إلى الكثير من المسلسلات التي تناولت حياة بعض الأنبياء وأهل البيت (ع) والصحابة والأولياء، وترجمت إلى العديد من اللغات، ونالت إعجاب العدو قبل الصديق والمبغض قبل المحبّ، ومنها: مريم المقدسة، يوسف الصدّيق، غريب طوس، المختار الثقفي…

متى تنجح ومتى تفشل؟ إذ لأنّ الدّين وجد مع بداية الخلق وعرفه البشر على أنّه خشبة الخلاص، يظهر نجاح أي عمل سينمائي ديني أو فشله من خلال التأثير والحال التي يتركها على المشاهد. وكم من أعمال سينمائيّة زعزعت حكم دول، وأخرى أثّرت في الرأي العام وجعلت منه قضية جوهرية كبيرة. كما حصل مع الأعمال التي تناولت الديانة المسيحيّة مثل فيلم “شيفرة ديفنشي” للكاتب دان براون – كما مرّ معنا- والذي أثار الرأي العام المسيحي العالمي ومنه الفاتيكان، حول القيم التي حملها ومدى تأثيره على ما أسموه تشويه العقيدة المسيحيّة في أذهان المسيحيين، وهكذا دواليك مع باقي الأفلام التي تندرج تحت عنوان السّينما التبشيرية أو الدّينيّة.

أخذت السّينما الإيرانيّة منحى واحدًا منذ انتصار الثورة الإسلاميّة، فارتبطت بقيم مبادئ المذهب الشّيعي (الإثنا عشري)، والذي يرتكز على أهل بيت النبي (ع) ورواياتهم القويّة السّند، والبعيدة عن التلفيق والتحريف. كما أنّ هناك الكثيرين من علماء الشّيعة نقلوا في كتبهم الأحداث بالاعتماد على التحقيق التاريخي والدّيني المسند والعلمي. من هنا، يأتي حرص السّينما الإيرانيّة في إنتاجاتها كافّة على تقديم النموذج الأمثل في تناول حياة أي من الأنبياء أو الأئمة أو الصحابة الأطهار. فهي ترى أنّه يحقّ للمشاهد التزوّد بالقيم الإنسانيّة والأخلاقية التي تحملها هذه الشّخصيات، فيكون الفيلم دعمًا له للتعلّق أكثر بالديانة الإسلاميّة الأصيلة. إذ إنّ كلّ فيلم إيراني ذات صلة بالدّين يرتكز على خلاصة عمل مجموعة كبيرة من الباحثين وعلماء الشريعة، للتدقيق في الأحاديث الدّينية المرتبطة بموضوع الفيلم، خوفًا من الوقوع في فخّ التحريفات التي طرأت على كتب التاريخ، والترويج لقصص لا أساس لها ولا سند.

ثانيًا: “الملك سليمان” في معالجة فلسفة الخير والشر

لا تجد في كتاب اليهود (العهد القديم) ما يتحدّث عن فتنة الجنّ، فلا وجود للجنّ أصلًا في حياة البشريّة، لذلك هم يتكلمون فقط عن ملائكة الخير والشر. لذلك مقاربة الفيلم لقصة سليمان منذ توليه سدة الحكم وصولًا لمواجهته لفتنة الجنّ، هو موضوع جديد في طبيعة طرحه ومعالجته لم تعهده السّينما العالميّة أبدًا.

 

أ‌-    مقاربة بين فيلم “الملك سليمان” والمرجعية الدّينيّة

إنّ عالم الجنّ والشياطين هو عالم غامض ومخفي؛ والباحث مع المعدّ لم يكونا يومًا من سكان هذا العالم حتى يستطيعا توصيفه بدقة. تاليًا لن يفكرا أبدًا بالاعتماد على الأشخاص الذين يدعون الارتباط بهذا العالم الغامض؛ لأنّ ذلك ليس المسار الصحيح أبدًا في هذا العمل. لكنهم عندما يعتمدون على رواية القرآن الكريم، فذلك لأنّ الخالق سبحانه وتعالى قد عرّفنا على الشيطان الذي هو عدو الإنسانيّة، كما أنّه في قرآنه المجيد قد بيّن لنا صفاته من خلال الآيات الكريمة.

من أجل عنصر الجاذبية في تقديم صورة الشيطان، في فيلم ملك سليمان، كان لا بدّ من تقديمه من الناحية الدلاليّة والحيوانيّة. ولكن عندما يقدم القرآن الكريم وأحاديث النبي وأهل العترة هذه الصفات له، فإنّ أي خلل دونها ستكون له تبعات سلبيّة على الصورة المقدّمة. مع الأسف عندما راجت الأفلام الهوليوودية قدّمت صورة خاصة بها ومختلفة حول عالم الجنّ والشياطين، وهنا قال الباحثون والفنّانون عندنا:” لماذا لا نحذوا نحن هذا المنحى؟!

عندما سادت هذه الموجة، فإن معظم الفنّانين والباحثين والكتّاب ارتكزوا في أعمالهم على هذه النظرة. في العام 2014،  عرضت فيه هذه المسلسلات، وكان هناك في أحد أجنحة معرض القرآن الكريم في طهران 22 كتابًا يتعلق بالنظرة إلى الشيطان من الناحية الدّينيّة. لذلك؛ فعندما لا يرتكز أي فيلم على مثل هذه المباحث، سيتسبب ذلك بتشوش وجدان الناس. من هنا، ارتكز الباحثون في فيلم “ملك سليمان”، بشكل أساسي، على القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. فصورة سليمان في القرآن الكريم تختلف كثيرًا عن صورة سليمان في أذهان الناس، وتتفاوت في ما بينهم. فلماذا كان النبيّ سليمان، في هذا الفيلم، كأي إنسان عادي من ناحية القوام والصفات الجسمانية؟ يعود ذلك إلى أنّ الأفلام سابقًا قدّمت صورة النبيّ سليمان بطريقة مختلفة كثيرًا عن الواقع حتى تثبتت في أذهانهم على تلك الشاكلة. نأخذ على سبيل المثال، إن صورة “بلقيس” و”قاليجه” في مقابل شخصية النبيّ سليمان، في ذهن مخاطب اليوم، هي شخصية مغلقة، ولكن نراها متعالية عندما نستمع أو نبحث عن هذه الصور في قصة النبيّ سليمان.

كان الأنبياء، على مرّ العصور، بأشكال متفاوتة تبعًا للناس الذين عايشوهم، وضمن فيلم النبيّ سليمان قُدِّمتِ الصورة التي تناسب ذلك العصر. إلا أنّه في النّظام الإلهي لا ينتخب الأنبياء فقط من أصحاب الهياكل الفظة والضخمة؛ لأنّ هذا الاعتقاد نفسه يؤدي إلى أضرار كبيرة على صعيد تقديم المفاهيم الدّينية. أما في ما يتعلق بجيش النبيّ سليمان، فقد أشكل على الباحثين ذلك، لأنه في فيلم “Troy([3])” مثلًا نرى أنّ جيش طروادة كبير جدًا؛ فلماذا في فيلم ملك سليمان كان العدد محدودًا جدًا؟! وفق هذه الأوصاف، على أي قاعدة منطقيّة يجب أن يرتكز باحث الفيلم وكيف سيقدم للمنتج ما حصل وفق الرواية القرآنيّة، أو صورة جيش الإمام الحسين “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”، وهل هناك من إمكانيّة لمقايستها مع فيلم طروادة؟

من أجل دقة تقديم صورة النبيّ سليمان وتجاوز كلّ هذه المشكلات، شكّلت خمس مجموعات بحثية، كل مجموعة تناولت بعدًا مختلفًا يتكامل مع المواضيع الأخرى، وقامت بالعمل عليه من خلال الأسس القرآنيّة والروائيّة والتاريخيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، كما قامت ببحث عالمي في المسائل الفنّية والبحثية المختلفة. يمكن القول إنّه، في معظم الأفلام، يكون هناك عمل بحثي، ولكن مع هذا الفيلم كانت الطريقة في العمل مختلفة.

إذ إنّ بداية العمل كانت مع الاطلاع على الروايات كافّة المتعلّقة بقصة النبيّ سليمان التاريخيّة منها والدّينيّة، كما نظرة العهدين القديم والجديد له، ثم الانتقال إلى حسم الخلافات الموجودة بينها، خاصّة من ناحية أنّ النبيّ قد ارتبط بامرأتين. ولو أردنا إكمال المبحث وفاق العهدين، فإنّ العمل كان سينحرف عن مساره الأساسي، ولهذا ارتكز منذ البداية على نظرة القرآن الكريم، وعلى الفهم العميق والواضح للآيات الشريفة. وقد بُحِث ذلك مع مجموعات أخرى، حتّى شُخصّت تخيلات المخرجين والفنّانين لتلك الشخصيّة.

يجب على الباحث والفنّان المحافظة على مفاصل البحث القرآني من زواياه كافّة، لإظهار العظمة الإلهيّة في ذلك. ويجب أن تأخذ هذه الأفكار شكلها في الفضاء الإيماني لذلك الفنّان. إنّ فيلم “ملك سليمان” قبلته شرائح دينية كثيرة، وإنّ عناصر الفيلم من خلال ذلك قدّمت الصورة المثلى للمشاهد. فقد حُرص على تقديم فتنة الجنّ (العمل التخريبي التي كان يقوم به الجنّ للتفريق بين الناس) لإظهار حجم في ذلك الزمان، وأهمية الانتقال من هذه الحياة إلى الحياة الهانئة، في ظل المخلّص (النبي سليمان) من هذه الشرور معتمدًا على القرآن الكريم بشكل أساسي، وعلى ما كان مشتركًا مع الكتب السماويّة الأخرى، بشكل لا يشوش نظرة المشاهد ولا يضلّله في ذلك.

ب- الأسس البحثيّة في المشروع الروائي لفيلم “ملك سليمان”

من المعروف عدم وجود تاريخ مفصّل لحياة الفراعنة في مصر، سوى ما وجد في الأهرامات من آثار إذ درست، ومنها كُتِب تاريخهم. ولكن لو نظرنا إلى سيرة الأنبياء على مرّ التاريخ، فلن نجد ما يدلّ على ذلك سوى ما ذكر في القرآن الكريم؛ لأنّ كلّ الآثار التي كانت تدلّ عليهم محيت في وقتها، وإن كان من الملوك الذين حاربوا الأنبياء، خاصة أيام الأنبياء: يوسف، داوود، موسى….

لقد تعمق الباحثون للتأكد من عدم تحريف القصص المعتمدة في السيناريو، وحرصًا من اندساس الأحداث المغلوطة – “الإسرائيليّات” – والمقصود بها تشويه حياة الأنبياء لتضليل عقول البشر، ونسبة الأمور السيئة اليهم من أجل نزع القداسة عنهم. إنّ حياة النبيّ عيسى، بعيدًا عما ذكر في القرآن الكريم، ذكرت في قصص متعددة؛ لأنّ من كتب الإنجيل وقتها هم أربع قديسين أو حواريين، كان مشككًا بتاريخ بعضهم ومتهمًا بالتعامل مع السلطة وقتها؛ حتى التوراة فقد كان العهد القديم زاخرًا بكل ما هو النبيّ بريء منه وبما لا يتوافق ورسالته السماويّة. كان الهدف تشويه التاريخ، وهذا ما يزال موجودًا حتى عصرنا الحالي.

لم يجد الباحثون، في فيلم النبيّ سليمان، مراجع تناولت حياته وفق سرديّة موحدة، حتى أنّ ما وجد كان متفاوتًا في المضمون والقصة. لذلك؛ كان لا بد ّمن الرجوع إلى قصة القرآن الكريم الكريم، كونها الوحيدة التي سلمت من التّحريف. ويعدّد الباحثون في الفيلم نحو 14 سببًا جوهريًا لاختيار قصة النبيّ سليمان مقارنة مع سيرة الأنبياء الآخرين. ولو عدنا للتاريخ، لوجدنا أنّه لم يذكر مثلًا عدد المعابد التي شيدت، طريقة لباس النّاس، مأكلهم… وكلّ ما يدلّ على حياتهم الاجتماعيّة؛ وهذا ما حصل أيضًا مع باقي الأنبياء. فكما نعرف أنّ النبيّ يوسف كان في وقت من الأوقات حاكمًا لمصر، فلماذا لا نجد في آثار أهرامات ما يدلّ عليه أو على حقبته وقتها، وإن ما كان ليوجد سُرق وطُمست معالمه حتى لا تكون حجة في إثبات حقائق زوّرت على مرّ التاريخ.

ذلك لأنّ ما ذكر في القرآن الكريم غير تفصيلي وكامل، كان لا بدّ من إحصاء الآيات المتعلّقة بحياة نبي الله سليمان وداوود، كما قصة آصف بن برخيا من أجل رسم مسار تاريخي لحياة النبيّ سليمان. وعمل هنا المؤرخون والباحثون على تفسير علمي وصحيح لهذه الآيات.

الجدير ذكره أنّ الخالق سبحانه وتعالى عندما وهب سليمان ملكًا جديدًا وأعطاه ميزة تسخير الجنّ كان هناك فاصل زمنيٌّ بينهما، حين حدثت عدة أمور وقتها. وقد عبّر عنها القرآن الكريم:﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ..﴾( [4]).

إذ إنّ الجنّ لم يسخّر من المرة الأولى، ولو كان ذلك صحيحًا، لما تحدثت الآية الكريمة عن فتنة الجنّ، وما افتعلوه بحق النّاس وما سبّبوه من مشاكل في وقتها. هذا يدلّل على أنّ فتنة الجنّ والشياطين قد وقعت في المرحلة الأولى من إيتاء الملك، حتى تكون ميزة تسخير الجنّ بيد النبيّ سليمان من خلال الخاتم في يده حجّة عليهم لردعهم عما كانوا يقومون به. وهذا ما ظهر في نهاية الفيلم، حين رأينا أنه بعد معجزة تسخير الرياح التي كانت مساعدًا للوصول إلى قصر الملك، والمعركة مع أتباع الجنّ والشياطين، ظهر لنا جليًا انكسار الجنّ وخروجهم من أجساد النّاس الممسوسين، وتجمعوا بشكل ذليل أمام النبيّ سليمان، والذي وهبه الله نعمة السيطرة على الجنّ وجعل تلك القوة في خاتمه.

في ما يلي جدول يُظهر المراحل التي جرت خلالها تلك التحوّلات:

هذا الجدول يُظهر مسار حياة النبيّ سليمان والأحداث التي حصلت بشكل مختصر، فالاعتماد الكبير كان على الآيات القرآنيّة، كونها حُفظت من التحريف. وإنّ الإرتباط ما بين البحث القرآني والروائي في الفيلم كان كبيرًا جدًا ومتكاملًا، إذ إنّ المراحل التي مرّت بها صناعة الفيلم كانت معتمدة بشكل أساسي على هذين العنصرين. وسنوضح ذلك من خلال الجدول الآتي:

درجات الملك

الملك مع الخصائص الأولى

مرحلة العبور

الملك المرجو

الخصائص الفرعيّة(وجود الفتنة في الملك)

بداية الملك في مرحلة الحداثة (الشباب)

الحصول على الملك المخصوص ب ” لا ينبغي لأحد من بعدي..”

الأحداث الجارية (وجود فتنة الجنّ والشياطين وفق سورة البقرة..)

تحقق الملك المخصوص بـ “لا ينبغي لأحد من بعدي..”

العناصر الفرعيّة الأخرى

التعريف عن الوريث

( في سن الثالثة عشر)

وراثة الملك بعد وفاة النبيّ داوود

مرحلة النشأة

تظهير مرحلة التربية والتنشأة

(نعم العبد)

الحصول على الملك العظيم

ظهور الجنّ بطريقة مرئية

الفتنة

تسخير و..

إيجاد الفضاء الفردوسي على الأرض

 

 

البحث القرآن الكريم

إحصاء الآيات المرتبطة

فهرستها

 

إظهار البازل القرآن الكريم

رسم المسار الزماني للقصة

البحث الروائي

إحصاء الروايات

فهرستها

البحث في الروايات

 

 

الأحاديث الضعيفة غير القابلة للإفادة

الأحاديث الضعيفة القابلة للإفادة

الأحاديث الصحيحة والموثوقة

عرض الروايات على القرآن الكريم

كشف الثغرات في القصة وتدعيمها

ثانيًا: تحويل القصة إلى سيناريو سينمائي:

كي يتمّ ذلك، يمكن تلخيص المراحل بالآتي :

1-  الشّخصيات

من أصعب الأدوار، في العمليّة الإنتاجيّة، هي اختيار الشّخصيات، خاصّة عندما يتعلق الأمر بالشّخصيات الدّينيّة. يعدّ المخرج “فرج الله سلحشور” من أوائل الذين رسموا مسار انتخاب الممثلين للأدوار الدّينيّة، من خلال مسلسله “يوسف الصديّق”. فقد أثبت أنّه يمكن للممثل التمتّع بمجموعة من الصفات الخاصّة التي تؤهله لتأدية دور إيماني. والأكثر أهمّيّة من ذلك، أنّ الأثر الذي سيتركه الممثل في ذهن المشاهد أقوى بكثير من ما ينطبع في ذهن قارئ الرواية الدّينيّة. ففي معرض لقاء القائد الأعلى للثورة الإسلاميّة الإيرانيّة، سماحة السّيد علي الخامنئي (دام ظّله) بفريق عمل مسلسل “يوسف الصدّيق” عبّر عن فرحته الكبيرة بمثل هذه الأعمال؛ كونها تساهم بقوة في تجسيد النصّ القرآني على مسرح الواقع، كما تساعد على فهم القصة القرآنيّة بشكل أوضح. وهذا من أسرار سحر السّينما، فعندما تستعمل للخير يكون دورها كبيرًا وخيّرًا، ولكن عندما تستعمل لأغراض شريرة، فإنّها كالنّار في الهشيم في عقول الناس..”.

في جولة بسيطة على سينما هوليوود، نرى الشّخصيات تمثّل بالنسبة إلى صانع الفيلم ركيزة عملهم، فهو ينتقيها كما ينتقى الحَبّ الجيّد من الفاسد، إذ برأيه الشخصيّة البارعة هي التي تصبح للمشاهد العنوان والمثال. وخير مثال على ذلك، أنّ أكثر الممثلين أهمّيّة في العالم أصبحوا معروفين من خلال الأدوار التي جسدوها في بعض الأفلام المهمّة؛ “سلفستر ستالون”، الممثل الأميركي، أصبح معروفًا في البدايات بفضل دوره في سلسلة “رامبو Rampo” (ذلك البطل الأميركي الذي يحقق العدالة ويقتصّ من الجماعات المسلّحة في فيتنام وغيرها). فالأمر نفسه بالنسبة إلى الشخصيّة التي تحمل طابعًا دينيًا، فممثل فيلم المسيح الإيراني رفض تقديم أي دور آخر بعد هذا الفيلم، إذ بنظره لم يعد يستطيع تمثيل أي دور أقل قيمة ومعنويّة من شخصيّة السّيد المسيح.

يقول مخرج “ملك سليمان” شهريار بحراني، إنّ اختيار الممثل “أمين زندكاني” كان توفيقًا إلهيًا، فبالإضافة إلى كونه صديقًا له، لكنّه استحق الدور لتمتّعه بمجموعة من الصفات الأخلاقيّة. هذا فضلًا عن قدارته التمثيليّة التي عبرّت عن مقدرة فنّية كبيرة. فـ”أمين زندكاني” يتمتّع أيضًا بصفات روحيّة ساعدته على الاندماج مع الشخصيّة التي يقدّمها، وإنّ علاقته بالله لافتة جدًا؛ ففي بعض المشاهد انقطع عن الواقع متعلقًا بالنبي سليمان. وإنّ أكثر عنصر أهمّيّة ساهم في جعله محبوبًا من الكاميرا والمشاهدين، تمتّعه أيضًا بصفات جماليّة، إضافة إلى تاريخه الفنّي الذي لا شائبة فيه، إذ جعل ذهن المشاهد يتماشى معه متأثرًا به. الأمر نفسه مع ممثلي هوليوود. وقد لا يكون ذلك قاعدة أساسيّة؛ فالممثل قد يقوم بعدة أدوار ما بين جيد وفاسد، ويجعل ذلك المشاهد في حيرة من شخصيته الحقيقيّة؛ لذلك فإنّ هناك بعض الممثلين ممن يقومون دائمًا بأدوار شريرة هم مبغضون من المشاهد، لكنّهم حقيقة هم أشخاص جيدون. ولكن هذه هي خدعة السّينما، تجعل الجيد سيئًا والعكس صحيح، وإنّ تركيز المخرج على اختيار ممثل لائق بتأدية دور نبي الله، له قيمة خطيرة، إذ تتجسد في تقديم صورة النبيّ على أفضل صورة ومثال.

تعدّ شخصية النبيّ سليمان محورية في الفيلم؛ ذلك لأنّه يتحدث عن حقبة من حياة هذا النبيّ العظيم الذي آتاه الله من ملكه وعظمته، فقد تتصدى لأخطر فتنة على مرّ التاريخ، ألا وهي فتنة الجنّ وتدخلهم في حياة البشر. فقد كان الدّافع لذلك إيمانيًا بحتًا، فهذا الرسول الذي كلّفه الله بهداية الأمّة اليهوديّة في ذلك العصر، كان في الوقت عينه خلفًا لملك ذلك الزمان نبي الله داوود، وكان من الطبيعي أن يكمل ما بدأه والده بقيادة شعبه، بالإضافة إلى دوره الإيماني في حمل رسالة التوراة وتبليغها للبشر.

هذا التكامل بين الوظيفة الإيمانيّة التبشيريّة والوظيفة الاجتماعيّة جمعتهما رغبة واحدة، وهي التقرب من الله سبحانه، فـ”سليمان” لم يصبح ملكًا على اليهود من لا شيء، كما أنّ الرسالة الإلهيّة التي كلّف بها كانت تكملة لما بدأه نبي الله داوود. ولهذا؛ فإنّ الدافع الأساسي وراء التصدي للفتنة هو أداء التكليف وتخليص شعبه من كيد الجنّ الذين يعيثون فسادًا في الأرض، ويقلّبون الأخ ضد أخيه. والشعب الذي أُرسل إليه سليمان، هم النّاس الذين عاشوا تحت ظلال حكم والده في المدن كافّة من أرجاء المملكة، فتنوّعت ما بين الساحليّة والجبليّة، وكلّ من عاش في تلك المملكة كان مستهدفًا من الجنّ. لولا أن ظهرت المعجزات الإلهيّة الواحدة تلو الأخرى لتحقق ربما حلم الجنّ في حكم البشر والتسلط عليهم؛ لأنّ أعوان الشر كانوا مخلوقات غير مرئيّة يتحركّون في أجساد بشريّة؛ ولذلك فالقوة التي تولّدت من استخدامهم للأجساد البشريّة كانت مخيفة ومرعبة، إذ يقتل الأخ أخاه من دون وعي. لكن فئة واحدة لم يستطع الجنّ الاقتراب منها هم المؤمنون.

من الأسئلة التي طرحت نفسها، في الفيلم، هي كيفية تقديم صورة الجنّ والشياطين. فالقرآن الكريم لم يقدّم صورة عينية للجنّ؛ بل صورة وصفيّة أو صفاتيّة تساعد الإنسان على محاولة تخيّل هذا الكائن الدّخاني الذي بقي شكله لغزًا للبشر لعدم تداخل عالم الجنّ مع عالم الإنس. فلم يكن هناك من شخصيّة يمكنها تجسيد الجنّ في الفيلم. فالمتدّين عندما يشاهد الفيلم لن يصدق أن الممثل الفلاني يشبه الجنّ، العقل البشري لن يتقبّل ذلك أبدًا، فكانت الحيرة بين إنجاز هذا العمل بهذه الطريقة أو الاستعانة بالروايات والآيات القرآنيّة، وقد رجحّت الكفّة على الإفادة من قصص القرآن الكريم للمزج ما بين صورة الشيطان التركيبيّة والصفاتيّة([5]).

جاء في الأبحاث القرآنيّة أنّ الجنّ هم طوائف مختلفة، والشيطان هو جزء منها. ولهذا فالصورة التي قدمت في الفيلم هي صورة الشيطان، وليس أنواع الجنّ كلّها، ولقد ركز على الصورة المقدمة عنه في الروايات المتعلقة بزمان النبيّ يحيى (ع)، والتي تناولت موضوع الشيطان بشكل تفصيلي([6]). هذا النوع من صور الشيطان، قدم في أكثر من سبع أو ثماني روايات مسندة تحدثت عن صراع النبيّ يحيى مع الشيطان. والجدير ذكره أيضًا أنّ صورة الشيطان، أو إبليس، وردت في عدة روايات مسندة؛ مثل صراعه مع النبيّن عيسى وإبراهيم والإمام علي (عليهم السلام)؛ ولكن مبحثنا هنا ليس بإبليس؛ لأنه في معظم تلك الأحداث كان يظهر على شاكلة رجل عجوز وليس بصفته الحقيقية.

يعدّ المخرجون الإيرانيون من القلائل الذين نجحوا في وضع الماورائيات في قالب مادي ملموس، أو على الأقل قابل للإدراك بالعين مع الإحساس به. وهناك أفلام كثيرة أظهرت ذلك؛ نذكر منها فيلم “خدا حافظ رفيق” (وداعًا يا صديقي- المخرج بهزاد بهزاد بور)، والذي ظهرت فيه شخصية روح الشهيد في قالب مادي بأربع قصص قصيرة متكاملة، تتمحور حول خصوصية روح الشهيد عند الله ومكانته التي لا يدركها إلا أصحاب الكرامات، وأيضًا فيلم “دموكراسى تو روز روشن (الديمقراطية في وضح النهار) إذ جسدت شخصية الرجل الذي يذهب إلى عالم البرزخ ويقوم على محاولة البداء([7]) بالنسبة إلى مصيره من خلال المرور بمراحل الحساب؛ وفي النهاية ينقلنا المخرج في عالم حياة البرزخ (مرتكزًا على الكتب والروايات الدّينيّة طبعًا). وقد حاول أن يجسد شخصيات هذا العالم (منكر ونكير، عزرائيل الذي يقبض الأرواح..) بشكل عام، من دون الوقوف على خصوصيّة كلّ شخصية؛ لأنّ الهدف هو إيصال الفكرة بالاستفادة مما هو في ذهن كلّ متدين مطّلع على عالم البرزخ.

من أجل الجمع ما بين الرأي الدّيني والنقد السّينمائي المناسب لقصة فيلم “ملك سليمان”، ومدى توافق الاقتباس الدّيني فيها مع السّينمائي كان لا بدّ من استعراض وجهة نظر المرجعيّة الدّينيّة العليا المتمثلة هنا بوليّ أمر المسلمين وقائد الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة السّيد علي الخامنئي الذي يعدّ من أكثر المراجع اهتمامًا بالفنّ بأشكاله كافّة، يشهد له بذلك كبار المخرجين وكتّاب السيناريو في اللقاءات التي تعقد بحضوره، إذ يشكّل رأيه مفصلًا أساسيًا في مسار هذه الأعمال، فكيف إن كان طابعها ديني بحت.

في لقائه مع فريق عمل الفيلم، كما جرت عليه العادة في استقباله أصحاب الأعمال الفنّية والسّينمائية بشكل دوري، عبر الإمام الخامنئي عن فرحته الكبيرة بهذا الإنجاز العظيم. وسنحاول تقدبم رأيه بطريقة موجزة تشكّل سندًا لموضوع بحثنا ما يختم الإشكاليّة التي طُرحت، وهي مدى تطابق الاقتباس الذي قدّمه الفيلم مع قصة القرآن الكريم كرأي علمي وموضوعي:

1.    “كان مميزًا، متقن السبك، جيد المضمون ومستنداً لآيات القرآن الكريم..”

2.    “..لقد قدّم الفيلم أفضل وأبلغ تفسير للآية الكريمة”؛ ﴿ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدًا ثم أناب..﴾ حيث تعدّدت التفاسير حولها، وكانت الصورة أبلغ من كل ذلك… ” يوجد في أوائل الفيلم حلقة مفقودة، ربما في الحوار في الأجزاء القادمة تصلحون ذلك، وهي أنّه عندما يكون النبيّ سليمان في حضرة الخالق يقول له:”رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي؛ إنّك أنت الوهاب..” فما هو ارتباط هذا الطلب بالقضايا التي سبقتها؟ ما الذي حصل حتى طلب النبيّ سليمان ذلك، ولماذا كان مصرًا على هكذا نوع من الطلبات؟ “…

3.    أكملوا هكذا نوع من الأعمال، لم يشهد العالم الإسلاميّ مثل هذه الأعمال قبلًا، مع أنّه كان هناك محاولات كثيرة؛ كان أحدها عن النبيّ الأكرم (ص)، والتي قدّم فيها بعض الأدوار الأساسيّة ممثلون محترفون، الفيلم كان جيدًا، ولكنّ القصة لم تقدّم بشكل جيد، ولم تستطع المحافظة على جوهر محاور القرآن الكريم..”

مهما حاولنا مقاربة موضوع الاقتباس من القرآن الكريم، سنجد أنّنا في بداية الطريق، خاصّة أنّ هذا الموضوع قدّم بشكل متقطع وغير تسلسلي، حتى جاء فيلم “ملك سليمان” ليقدّم طريقًا جديدًا وممنهجًا في دراسة السّينما الدّينيّة. ولو قدّر لنا الإحاطة بتفاصيل العمل السّينمائي المستوحى من القرآن الكريم لا يتسع البحث، ولكن نطمح بتناول هذا الموضوع في المستقبل بشكل موسّع من خلال إجراء مقاربة سردية بين السّينما الإيرانيّة مع أعمال أخرى مثل الفيلم السّينمائي “محمد” للمخرج مجيد مجيدي الذي أبدع في تصوير حياة النبيّ الأكرم (ص)، بعدما كانت هكذا أعمال قليلة مع فيلم “الرسالة” للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، ولم يكن هناك من بعده أي فيلم. والسّينما الهوليوودية التي قدمت هذه السّنة ثنائيّة دينيّة للمخرج العالمي “ريدلي سكوت” المعروف بأفلامه المشهورة – كما مرّ معنا – قدّم صورة النبيّن موسى ونوح وفاق رواية التلمود وليس التوراة. إذ إنّ الإسرائيليات شوهّت حياة الأنبياء. وعليه، لا بدّ من تناول هذه الأفلام وتبيان حقائقها للمشاهدين والنّاس، وصناعة أفلام مضادة أخرى تحكي رواية القرآن الكريم والروايات الإسلامية الحقيقية.

الخلاصة

إنّ السّينما الدّينيّة باب جديد يفتح للناس للتواصل مع النصّ الدّيني، في سبيل ترسيخ المفاهيم الإسلامية بشكل أوضح، بالإفادة من التقنيات البصريّة المبهرة. وإنّ ما يساعد على النجاح في تقديم هذه الصورة هو المنظور السردي الذي يتبعه المخرج والنابع من عقيدة إسلاميّة أصيلة. فـ”شهريار بحراني” معروف في أوساط المخرجين الإيرانيين على أنّه أكثرهم إلتزامًا وقربًا من الولّي الفقيه، وشديد الحرص في كلّ أعماله السّينمائيّة على تقديم الصورة الأمثل في أي موضوع يتناوله بطريقة علميّة وموضوعيّة. فهو لا يغالي ولا يبالغ على الطريقة الهوليووديّة التي تجعل من البطل أسطورة لا تقهر، ومن الجيش الأميركي خارقًا لا يهزم، مزوّرًا لحقيقة هزائمه في حروبه كلّها.

إنّ الأسلوب الذي يعتمده المخرج “بحراني” نابع من عقيدة دينيّة إسلاميّة، فهو مسلم يؤمن بالأحاديث والروايات المسندة عن أهل البيت (ع)، ويحسن جيدًا التفريق بين الإسرائيليّات المقحمة في التوراة والمتجرأة على النبيّ سليمان، وبين ما قدّمه القرآن الكريم وفسرته روايات أهل البيت. ولعلّ سرّ نجاحه، أيضًا، للمرة الأولى أسّس فريق بحثي تاريخي ديني كبير، وكان على رأسه حجة الإسلام الشيخ “سعيد أصفهانيان”، والذي يعدّ مدير مؤسسة السّينما الدّينيّة في الجمهورية الإسلاميّة، والتي أسست لنوع جديد ومنهجي من السّينمات يحاكي أكثر الأساليب البحثيّة أهمّيّة، ويقدّمها بطريقة علميّة ومنهجيّة، والأكثر أهمّيّة من ذلك كلّه تحرص على أن تكون أعمالها أنموذجًا يصلح في الاندماج في العمليّة المعرفيّة والأخلاقيّة، ويساهم في تقريب المفاهيم الدّينيّة، ويسهّل على الإنسان المؤمن حلّ الإشكاليات التي تعترضه، حين تٌقدّم مقاربة لقصص الأنبياء في القرآن الكريم، والذي نزّه عن التحريف، في صورة مضادة ومعاكسة للإسرائيليات وتشويهها للحقائق، وتتجرأ على الأنبياء(ع).

من خلال دراسة فيلم “ملك سليمان”، نستنتج أنّ معالجة الموضوع الدّيني بلغة سينمائيّة يجب أن يكون مرتبطًا بالهدف منه و بالضوابط التي تتحكّم بالجمهور المستهدف؛ .. لأنّ الموضوع الدّيني بما يمثله من قيم ومعتقدات للإنسان لا يمكن التعرّض له إلا من خلال تلك المعتقدات، ذلك أنّ الاعتماد على مصادر تاريخيّة ودينيّة مختلفة تجعل الصورة المقدّمة للمشاهد مختلفة عما يعرفها الإنسان المتدين. والدّليل على ذلك أنّ الأفلام الدّينيّة التي قدّمتها هوليوود كانت مختلفة كثيرًا عن حقيقة هذه الشّخصيات في الديانات السّماويّة، فنبي الله عيسى قُدّم للجمهور بصور عديدة ومختلفة، تارة وفاق التوراة المحرّفة، فأتت صورة النبي (ع) بطبيعة الحال مشوّهة، كذلك كان الحال حين قُدّم وفاق الإنجيل.

من هنا، تمثّل السينما الإيرانيّة الدينيّة تحولًا في الفنّ السّابع العالمي، فقد أثبت الإيرانيون قدرتهم العالية على النجاح في هذا الميدان الثقافي الذي يجذب الإنسان، فهو بفطرته محبّ لسماع القصص والروايات. ولعلّ هذا مسوغ واضح في بعض أيات القرآن الكريم وسوره. وذاك النجاح للرواية الإسلاميّة، وطبعا هو لا يزال حديثا جدًا، يؤكد أنّه لم يعد هناك صوت واحد ورواية واحدة تخاطب الجماهير.

المصادر والمراجع

1.   سليمان موسى، الأدب القصصي عند العرب، بيروت، دار الكتاب، 1969.

2.   سادول جورج، تاريخ السّينما في العالم،، عويدات للنشر والطباعة، 1968.

3.   سعيد، توفيق، الخبرة الجمالية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1992.

4.   شاكر، عبدالحميد، الصورة السينمائية- ضمن كتاب عصر الصورة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب-الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 311.

5.   بنياد هاى قرآنى حوزه ودانشگاه، قرآن وهنر، انتشارات بنياد ﭘڒوهشهاى قرآنى حوزه ودانشگاه-شركت چاپ ونشر بين الملل،مشهد، 1388.

6.    بروينى، خليل(1379) تحليل عناصر ادبى وهنرى داستان هاى قرآن، تهران، انتشارات فرهنگگستر.

7.    ﭘور خالقى چترودى، مه دخت، فرهنگ قصه هاى ﭘيامبران، آستان قدس رضوى، 1371.

8.   حسينى، سيد ابو القاسم (زرفا) (1377) مبانى هنرى قصه هاى قرآن، قم، مركز ﭘڒوهشهاى اسلامى صداوسيما.

9.      حسينى، محمد، ريخت شناسى قصه هاى قرآن: بازخوانش دوازده قصه قرآنى، تهران، ققنوس، 1382.

10.   تاركوفسكي، السينما والحياة، ترجمة وإعداد باسل الخطيب، منشورات وزارة الثقافة- الجمهورية العربية السورية، دمشق، 1991.

11.   تودروف، تزفيتان، باختين المبدأ الحواري، ترجمة فخري صالح، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1997.

12.   ديشين، أندريه جاك، استيعاب النصوص وتأليفها، ترجمة ميثم لمع، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1991.

13.   رولان، بارت، نظرية النص في آفاق التنصية، ترجمة عمر اوكان، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، ب.ت.

14.  كتاب من ملك سليمان حتى ملك المهدي، المادة البحثية الكاملة لفيلم ملك سليمان، إعداد مجموعة من المؤلفين، تهران .

 


[1] – طالب دكتوراة في اللغة العربيّة وآدابها في الجامعة اللبنانيّة، وهذا البحث هو اختصار لرسالة الماستر حملت عنوان “ السينما الدينية بين النصّ والتاريخ”، والتي نالت درجة جيد جدًاraeed21@gmail.com

Institute of the Lebanese University PhD student at the Higher

 

 

 

[2] دوكو درامي docu drama هي كلمة مكوّنة من دوكو، وتعني وثائقي؛ ودراما وهي العمل الروائي، والكلمة الأولى مأخوذة من اللغة الإنكليزيّة، وتجمع ما بين التوثيق والنفحة االروائيّة.

[3]– فيلم أميريكي يتحدث عن بطل مدينة طروادة اليوناني، وقد أدى هذا الدور الممثل الأميركي براد بيت-المرجع: موقع IMDBwww.imdb.com-م.س

[4]– القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 102

[5]– راجع الموقع الرسمي لفيلم ملك سليمان، في القسم البحثي المتعلق بصورة الشيطانwww.kinghdomofsolomon.org

[6] – المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، الجزء 60، ص 227.

[7] – البداء دينيًا هو مصطلح يعني تغير مصير الإنسان جراء زوال المسببات، فمثلًا الصدقة تدفع البلاء، وقد تغير من مصير الإنسان إن كان مقدرًا له الموت. المرجع: موقع تفسير القرآن.www.tafsir.org

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website