foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

تنظيم المناطق اللبنانية والمشاريع السياسية التي طرحتها الدول الأجنبية والسلطنة العثمانية 1860 – 1920

0

تنظيم المناطق اللبنانية والمشاريع السياسية التي طرحتها الدول الأجنبية والسلطنة العثمانية 1860 – 1920

Organization of Lebanese land and political initiatives suggested by foreign nations and the Ottoman authorities, 1860 – 1920

  Ahmad Habib Abboud أحمد حبيب عبود*

تشكل الحقبة الممتدة من النّصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالميّة الأولى مرحلة متكاملة من تاريخ لبنان الحديث والمعاصر . لقد شهدت تغيّرات جذرية تتعلق بانتقال المجتمع اللبناني من زمن القرون المتخلفة إلى زمن العصور الحديثة، وقد برزت عوامل متعددة وظواهر أثّرت على مستقبل البلاد وتطوره في ما بعد .

يعدُّ القرن التاسع عشر منطلقًا أساسيًّا في انهيار السلطنة العثمانيّة ، إذ ما إن قارب على نهايته حتى فقدت السلطنة أقاليمها في المغرب العربي وشمالي أفريقيا، كما فقدت الجزء الأكبر من سواحل شبه الجزيرة العربيّة . فالجزائر سقطت في يد فرنسا العام 1830، وشاركتها في المصير نفسه تونس في العام 1881، أمّا مصر فاحتلّتها بريطانيا في العام 1882، وكانت الدول الاستعمارية تلك قد بدأت زحفها قبل ذلك بالاستيلاء على سواحل شبه الجزيرة العربية، ابتداءً من عدن جنوب اليمن على البحر الأحمر حتى الكويت على الخليج العربي ، وفي الوقت نفسه كانت فرنسا وبريطانيا قد انتقلتا نتيجة التطور الرأسمالي فيهما إلى أعلى مراحل الرأسماليّة، وانضمت إليهما في وقت متأخر كل من ألمانيا وإيطاليا اللتان بفعل التطور غير المتعادل من جهة، وتخلفهما في إنشاء دولتيهما القوميتين الموحدتين من جهة ثانية. وقد قاربت عمليّة توزيع المستعمرات على النّطاق العالمي على الانتهاء، وخاصة حيث بقيت في ميدان التّنافس على مخلفات السلطنة العثمانيّة في المشرق العربي، وخلال النّصف الثاني من القرن التّاسع عشر اقترن استيلاء الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنساعلى الأقاليم العثمانّية العربية بغزو مالي واقتصادي على نطاق واسع ، انتهى باستعباد السلطنة الاقتصادي ابتداءً من العام 1854. لقد تزايدت القروض الماليّة للسلطنة من بنوك بريطانيا وفرنسا وفق شروط صعبة لتسديد نفقاتها لقواتها العسكرية، وقد وصلت تلك الديون إلى 60 مليون فرنك فرنسي العام 1855 ، وإلى 5300 مليون فرنك العام 1875 ، وهذا ما أخضع السلطنة العثمانيّة للرأسمال الأجنبي(1).

لم تجد السلطنة العثمانيّة وسيلة لتسديد تلك الدّيون وفوائدها سوى تخصيص الجزية المصرية ، والمداخيل الجمركيّة، وإيرادات ضريبة الحيوانات، وبيع احتكارات الملح والتّبغ وغير ذلك … ألخ (2) .

لكن التطورات السياسيّة والعسكرية التي حدثت بدءًا من العقد الرابع من القرن التّاسع عشر بمحاولة والي مصر محمد علي باشا الاستقلال عن السلطنة العثمانيّة، وإرسال ابنه إبراهيم باشا على رأس قوة عسكريّة كبيرة لاحتلال سوريا، وهزيمته للجيش العثماني، ومتابعة زحفه لمحاصرة الآستانة عاصمة السلطنة، واستنجاد السلطان بالدول الأوروبيّة، ساهم في تشجيع تلك الدّول على التّدخل أكثر في شؤون السلطنة، لا سيما بعد المجازر الدّامية التي حدثت في لبنان بدءًا من العام 1840  والتي كانت أكثرها دمويّة الفتنة الكبرى العام 1860 لقد ذهب ضحيتها آلاف اللبنانيين من المسيحيين والمسلمين .

لقد شكّل العام 1840منعطفًا مصيريًّا في تاريخ لبنان . ففي هذا العام حصلت تطورات سياسية وعسكرية كان لها تأثيرات مهمّة على مصير السّلطنة وأقاليمها العربية بينها لبنان . ففي أعقاب مؤتمر لندن الذي شاركت فيه الدول الأوروبية الخمس: فرنسا، بريطانيا، النمسا، بروسيا وروسيا العام 1840 بناء لاستنجاد  السلطان العثماني بتلك الدول لوقف زحف إبراهيم باشا إلى الآستانة عاصمة السلطنة، حصل التّدخل العسكري الأوروبي لمنع إبراهيم باشا من الوصول إلى عاصمة السلطنة من جهة، ولكي لا يكون على حدود الدّول الأوروبيّة من جهة أخرى، ولكي تحقق الدّول الأوروبيّة أهدافها في التدخّل أكثر في شؤون السّلطنة تمهيدًا للسيطرة عليها، ومن ثم اقتسامها في ما بينها من جهة ثالثة .

إن تراجع إبراهيم باشا عن الآستانة وانكفائه إلى مصر تحت ضغط التدخل العسكري للدول الأوروبيّة المشاركة في مؤتمر لندن في 15 تموز العام 1840، شكّل هزيمة لحليفه الأمير بشير الثاني الشّهابي، وزوالًا للحكم الوطني في إمّارة الجبل، وعودة العثمانيين إلى بلاد الشّام بغطاء الدّول الأوروبيّة، مزهوين بنصر لم يسهموا فيه بنصيب كبير، يحملون معهم الاضطراب وفوضى الإدارة العثمانيّة (3) .

تسلّم حكم الإمارة الشّهابيّة بعد الأمير بشير الثاني الذي نفته السلطنة العثمانية إلى الخارج، الأمير بشير الثالث الذي عرف بضعف شخصيته، فبدأ عهده باندلاع الفتن الطائفية المتوالية في السنوات:1841، 1842 ، 184 ، وكانت فتنة العام 1860 أكثرها قسوة ومرارة، إذ تبارى فيها الأطراف المتحاربون المسيحيون والمسلمون على حد سواء في استعمال أعنف أساليب القتال والتّدمير والتهجير، وقد ترتب على ذلك عواقب وخيمة ومفجعة .

وبعد تفاقم أحداث ومجازر العام 1860، اجتمع قناصل الدّول الأوروبيّة الخمس المشاركة في مؤتمر لندن  في 25 حزيران من العام 1860 في بيروت، وطلبوا من والي بيروت العثماني خورشيد باشا التّدخل ووقف المجازر، ولكنهم لم يستطيعوا التّوصل إلى رأي موحد، فتقدمت كلّ من الدّول المشاركة في المفاوضات بآراء ومقترحات حول موضوع إعادة تنظيم المناطق اللبنانيّة، وهمّ كل منهم بالسّعي لتأمين مصالح بلاده بالدرجة الأولى، ومصالح الطائفة اللبنانيّة التي يدّعي حمايتها بالدرجة الثانيّة(4).

كانت فرنسا تخطط لإقامة دولة عربية مستقلة في سوريا تحت حكم الأمير عبد القادر الجزائري، وعندما أفشل وزير خارجيّة الدّولة العثمانيّة فؤاد باشا هذا المخطط، عادت للمطالبة بإعادة توحيد لبنان تحت إدارة أمير لبناني. وقد لقي هذا المشروع بدوره معارضة شديدة من فؤاد باشا الذي كان يأمل بإنجاح مساعيه الرامية إلى إعادة لبنان إلى الحكم العثماني المباشر. كما عارض المندوب البريطاني”اللورد دوفرين” الاقتراح الفرنسي لأنّه كان يرفض إخضاع الدّروز الذي يدّعي حمايتهم إلى حكم أمير مسيحي، ولأنّه كان يفكّر في الوقت عينه بإنشاء كيان شبه مستقل في سوريا ولبنان على غرار الكيان المصري يبعد به النّفوذ الفرنسي عن هذه البلاد، ويؤمن لبريطانيا السيطرة المطلقة على طريق الهند (5).

وقد كتب السيد هنري بلور السفير الإنكليزي في الآستانة بتاريخ 18 تشرين الثاني من العام 1860 رسالة يشرح فيها مشروع حكومته هذا، وأكثر ما جاء فيها أهمّيّة: “يجب أن يكون الحاكم في سوريا رجلًا بعيدًا من نفوذ الآستانة، يختاره الباب العالي بالاشتراك مع ممثلي الدول الأوروبيّة الخمس الكبرى، ويجب أن يتمتع باستقلال جزئي عن الدولة العثمانيّة، فيقبض رواتبه من إيرادات الولاية السورية، وتكون له قوة عسكرية مستقلة عن الجيش العثماني، وتترك له حرية تحديد الضرائب وطريقة جبايتها، ويجب أن تكون مدة ولايته طويلة نسبيًّا حتى يطمئن إلى مستقبله وينصرف إلى ما فيه خير شعبه…” . ويختتم السفير الإنكليزي رسالته باقتراح اسم فؤاد باشا كحاكم للكيان السوري المقترح إنشاؤه لأنّه خير ما يصلح لتلك المهمة  …” (6) .

أمّا لبنان بحسب رأيه فيكون موحدًا وجزءًا من الولاية السوريّة، يتمتع بامتيازات إدارية محدودة ويديره حاكم مسيحي يتبع مباشرة لحاكم الولاية السورية.

لقد تضمن المشروع الإنكليزي نظامًا مؤلفًا من سبع عشرة مادة وحاز على موافقة الدّول المشاركة، إلّا أنّه لم يوضع موضع التّطبيق لرفضه من الدّولة العثمانيّة . فالصدر الأعظم العثماني عالي باشا كتب إلى موزوروس سفير السلطنة العثمانية في بريطانيا بتاريخ التاسع من شهر كانون الثاني من العام 1861 يقول حول هذا الموضوع : ” إنّ مشروع اللورد دوفرين المتعلق بسوريا والذي يجعل منها دولة مستقلة منفصلة عن الدولة العثمانيّة لا يمكن أن يقبله الباب العالي. وأنت تعلم أنّنا كنا دائمًا نتمسك بالمبدأ القاضي بعدم تدخل الدّول الأوروبيّة لا في مسألة تنظيم لبنان ضمن حدود أنظمة سنة العام 1845، وأنّني سأبلغك قريبًا مشروعًا بإعادة تنظيم سورية. وسترى أنّ مشروع الحكومة السلطانيّة هذا سيعطي النّصارى الضمانات نفسها التي يعطيها إياه المشروع المقدّم من المندوب البريطاني من دون أن تكون له نقائصه أو أخطاؤه …” (7) .

وكان  القنصل الإنكليزي في دمشق قد اقترح بدوره في تقرير رفعه إلى السيد هنري بلور بتاريخ الثالث من شهر تشرين الثاني من العام 1860 إعادة لبنان إلى الحكم العثماني المباشر كحل وحيد يضمن عدم تجدد الأحداث الدّامية ، فالأتراك كانوا وراء المذابح لإستيائهم من الاستقلال النوعي الممنوح للبنان. فمنع الأتراك من تولّي حكم لبنان، يحول دون ضرب الأوتاد الأمنية فيه، وعليه فيجدر أن يكون للحكومة العثمانيّة مصلحة بتوطيد دعائم الأمن في لبنان من أن تضرم نار الحرب فيه” (8) .

وضع الباب العالي من جهته، مشروعًا بإعادة تنظيم سوريا ولبنان على أساس فكرة الحكم المباشر هذه، وشرح مشروعه في رسالة بعث بها إلى سفير بلاده في لندن بتاريخ 20 كانون الثاني من العام 1861، وقد تضمن المشروع النقاط الآتية :

1 –  يوضع لبنان وسوريا تحت الحكم العثماني المباشر. يتولّى حفظ الأمن فيها جيش مؤلف من 26000 رجل، بالإضافة إلى فرقة من الخيّالة، وفرق من البوليس المحلّي ، يتكوّن أعضاؤه من المسلمين والمسيحيين على حد سواء(9).

2 – تقسم سوريا إلى ولايتين: ولاية صيدا وولاية دمشق، يتولى الحكم في كل منهما حاكم عام يساعده مجلس إداري منتخب ومؤلف من ممثلين من مختلف الطوائف الموجودة في الولاية .

3 – تقسم كل ولاية إلى عدد من السناجق، وينشأ في كل سنجق مجلس إدارة محلّي مؤلف من ممثلين عن الطوائف الموجودة في السنجق .

4 – يشكّل في مجلس الولاية، مجلس إداري أعلى يجتمع سنويًّا برئاسة حاكم الولاية ويتألف من مجلس الولاية بالإضافة إلى ممثلين عن طوائف السناجق التي تتألف منها الولاية، ويكون لكلّ طائفة ممثل واحد في كل سنجق، وتكون مهمته استشارية تقتصر على تقديم الدّراسات والاقتراحات حول حاجة البلاد في حقول الزراعة والتجارة، وطريقة فرض وجباية الضرائب والإجراءات الواجب إتخاذها للمحافظة على الاستقرار والأمن داخل الولاية .

5 – يكون لبنان ضمن هذا النظام سنجق في ولاية صيدا(10).

لقد رفضت الدول الأوروبيّة مبدأ الحكم التركي المباشر هذا بالإجماع. وكان للمندوب الرّوسي اقتراحات معيّنة حول إعادة تنظيم لبنان ترتكز في مجملها على فكرة إبعاد الطائفة الأرثوذكسية عن السيطرة المارونيّة وذلك بإنشاء قائمقامية مستقلة لهم في منطقة الكورة. وقد أيّد اللورد دوفرين هذا الاقتراح على أمل أن يقلل هذا التّقسيم من النّفوذ الفرنسي بين المسيحيين. وكتب إلى السيد هنري بلور بتاريخ 15 تشرين الثاني من العام 1860 بعد أن عيّن يوسف كرم قائمقامًا على النّصارى يقول: ” …إنّ تعيين يوسف كرم يشقي على ذوي الإقطاع من أبناء طائفته لإضراره بمصالحها… إنّما لا أستطيع أن أقول فيها لو عجز المندوب الرّوسي ( بوفيكوف) عن إيلاء الرّوم الأرثوذكس حكومة مستقلة إذ كان يؤثر إنقاذهم من حكم الدولة العثمانيّة أو من حكم الموارنة، فإنّه معادٍ للأولين … وأظن أنّ كرهه للآخرين هو أعظم. وإنّي لواثق أنّ مصالح طائفة الرّوم تتضرر من إنشاء إمارة مارونيّة أكثر من بقائها خاضعة للحكم العثماني المباشر… وعلى كلّ فمن المؤكد أن روسيا لا ترضى بسيطرة الموارنة على لبنان. ونظرًا لهذه الظروف قد عزمت على أن أحثّ مندوبي فرنسا وروسيا على التمسّك برأيهما ليزداد تباينًا، فيتسنى لي إذّذاك أن أقترح التعديل على مشروع يتراءى لي أنّه يحل عقدة المشكلة بصورة أقل ضررًا من غيرها …” وبالفعل فقد تقدّم اللورد دوفرين من اللجنة الدّوليّة بمشروع حاز على موافقتها، وكان يتألف من 47 مادة تعتمد في الأساس فكرة الفصل الجغرافي بين الدّروز والمسيحيين، وتعيد تنظيم المناطق على الصعيد الإداري والعسكري .

فعلى الصعيد الإداري قضى هذا المشروع بتقسيم لبنان إلى ثلاث قائمقاميات هي :

1 – القائمقامية الدّرزية وتشمل الشوف وعاليه والشّحّار.

2 – القائمقاميّة الأرثوذكسيّة وتشمل منطقة الكورة بما فيها القسم السّاحلي منها.

3 – القائمقاميّة المارونيّة وتشمل كل مناطق الجبل باستثناء القائمقاميتين الدرزية والأرثوذكسيّة، وما عدا مدينة زحلة والمعلّقة التي اقترح وضعها تحت إدارة مشتركة تابعة مباشرة إلى والي صيدا، فتكون مديرية مستقلّة بمرتبة إحدى القائمقاميات(11). وتحلّ مشكلة المناطق المختلطة عن طريق عمليّة تبادل سكاني بين القائمقاميات الثلاث على أن تتولّى تنفيذ هذه العمليّة لجنة مؤلّفة من ممثلين عن مختلف الطوائف تحت إشراف السلطنة العثمانيّة، بالإشتراك مع ممثلين عن الدول الخمس الكبرى(12).

عُرِض هذا المشروع على اللجنة الدوليّة لمناقشته وإقراره في الجلسة السّادسة والعشرين المنعقدة بتاريخ الحادي والعشرين من شهر آذار من العام 1861، فأبدى ” بيكلار ” المندوب الفرنسي تحفظات حول ما جاء فيه من فصل جغرافي للطوائف اللبنانيّة. وهنا قادت الحكومة الفرنسيّة حملة دبلوماسيّة في محاولة لحمل الدّول المعارضة على قبول فكرة توحيد لبنان وإعطائه حكمًا لبنانيًّا مسيحيًّا، فكتب وزير الخارجيّة الفرنسيّة ” أتوفينيل ” إلى ” مونتابلوه ” سفير دولته في بطرسبورغ  – روسيا بتاريخ أول آذار من العام 1861 يحثّه على إقناع الحكومة الروسيّة بأهمية توحيد لبنان كمدخل للمحافظة على مصالح الفئات جميعها والطوائف اللبنانيّة ، ويبيّن له مخاطر إقامة قائمقاميّة مستقلة للروم الأرثوذكس، ويقترح بدلًا من ذلك إقامة مؤسسات بلديّة في المناطق جميعها، تحصل كل طائفة بموجبها على الضمانات المطلوبة، من دون التعرّص لسلطة الحكم المركزي(13).

بعد أن تزوّد سفراء وممثلو الدول الخمس بتعليمات جديدة من حكوماتهم، عقدوا اجتماعًا في الحادي والثلاثين من شهر أيّار من العام 1861 في ديوان عالي باشا الصدر الأعظم العثماني، ولم تستغرق المناقشات سوى تسعة أيام . فقد آثر المفوّضون الأوروبيون التخلّي عن مجمل المشاريع التي قدّمت إليهم بعد أخذهم العِبرة من التّناقضات التي أجهضت مداولات المندوبين في بيروت، وأظهروا مرونة كبيرة حيال الباب العالي، بقبولهم مطالبه المهمّة.

ومما قاله لهم عالي باشا: ” إن الحكومة العثمانيّة ترفض بشكل قاطع التفاوض حول اختيار حاكم لبنان، وهو خيار يجب أن يبقى بتصرّف السلطان دون سواه. وبذلك أعلن رفضه المسبق لأيّ بند من شأنه أن يحدّ من حريّة السلطان في هذا الاختيار .

وأخيرًا وبناءً على طلب ممثل بروسيا في اسطنبول الكونت، “غولتز”، وُجِد حل وسط في هذا الصدد، فقد اقترح النص الآتي: “يتولّى إدارة جبل لبنان حاكم مسيحي معيّن من قبل الباب العالي وخاضع له مباشرة”، ولا يستبعد هذا الاقتراح مع ذلك، اختيار السّلطان لأحد مسيحيي لبنان، وهي فكرة عزيزة على فرنسا وروسيا. وهكذا فقد محضت اللجنة الباب العالي موافقتها التّامة، تاركة للسلطان حرية استنسابيّة مطلقة في اختيار حكّام ولايته. وبعد إزالة هذه العقبة، وافق ممثلو الدول الخمس والسلطنة العثمانيّة في إسطنبول على مشروع نظام جديد للبنان يتضمن 16 مادة وُقِّع بتاريخ التاسع من شهر حزيران من العام 1861. اعتُرّف بموجبه للبنان الذي أصبح متصرفيّة، بالإستقلال الذاتي، وكرّس بشكل صريح ولأول مرّة، حقّ الدّول الأوروبيّة بالتدخّل لدى الباب العالي لضمان تنفيذه (14) .

لقد قُسِّم لبنان وفق هذا النظام إلى ستة أقضيّة هي الآتية :

1 – الكورة بما فيها القسم الأدنى والأقسام الأخرى من الأراضي المجاورة التي ينتمي سكانها إلى المذهب الأرثوذكسي، باستثناء بلدة القلمون الساحليّة التي يقطنها مسلمون بالحصر.

2 – القسم الشّمالي من لبنان، ما عدا الكورة حتى نهر الكلب.

3 – زحلة وأراضيها .

4 – المتن مع السّاحل المسيحي وأراضي القاطع وصليما.

5 – المنطقة الواقعة إلى الجنوب من طريق دمشق حتى جزّين .

6 – جزّين وإقليم التفاح(15).

وكانت هذه الأقضية الواردة في المادة الثالثة من نظام المتصرفية العام 1861 مقسّمة إلى 40 ناحية، تضم 934 قرية بما فيها القرى الصغيرة التي دمّرت وهجرها سكانها. وقد أوكلت إدارة هذه الأقضية إلى مديرين يعينهم المتصرف ، ويُختَاروا في كل قضاء من الطائفة السائدة سواء بأهميتها العددية أو بثرواتها وأملاكها العقارية ( المادة الثالثة ).

وما يجدر ذكره أن أحكام هذا النظام المهمّة يبقى بلا منازع، هو إلغاء الامتيازات جميعها، خصوصًا امتيازات الإقطاعيين والمقاطعجيّة  في التسمية اللبنانيّة، انسجامًا مع مبادئ خط كلخانة العام 1839. وقد أنشئ جهاز آخر مهم إلى جانب المتصرف هو مجلس الإدارة المركزي الكبير، ويتألف من 12 عضوًا، يمثلون بالتّساوي الطوائف اللبنانيّة الست الكبرى وهي: الموارنة، الروم الكاثوليك، الروم الأرثوذكس، السُنّة، الشّيعة والدّروز. كما أنشئ مجلسان آخران هما: مجلس وكلاء الطوائف ومجلس المحاكمة الكبير(16).

ما هو موقع هذه الإدارة الجديدة ودورها في لبنان ؟

لم يكن للبنان عهد بهذا النوع من الحكم، فقد كان الحكم قبل ذلك يقوم في معظم مؤسساته على العرف والتّقاليد. هذا النّوع من الحكم الذاتي كان معروفًا في السلطنة العثمانيّة، فهو لم يكن فريدًا، ولكن الفرادة كانت عند اللبنانيين الذين تقبّلوا هذا الوضع الجديد وتأقلموا معه بسرعة لم نعهدها في الولايات المجاورة .

استُقبل خبر نشر النظام الأساسي في التاسع من شهر حزيران من العام 1861 وتعيين داوود باشا متصرّفًا على جبل لبنان، بالاستياء والرّفض من أكثرية المسيحيين في لبنان وبخاصة الموارنة، وبالارتياح من المسلمين وخصوصًا الدروز .

كانت خيبة أمل رجال الإكليروس الماروني عميقة ، فقد سلبهم هذا النّظام الامتيازات التي كان يتمتع بها منذ زمن بعيد، وأَلقى بهم بين يدي حكم مدني يتولاه أجنبي. وكان الإكليروس يرون في تعيين داوود باشا بدلًا من ماروني خيانة الدّول الأوروبيّة لقضية مسيحيي لبنان. كما اعترف كبار رجال الإكليروس أنّ عمل الحملة الفرنسيّة قد انتهى إلى فشل ذريع .

أمّا أعيان المسيحيين الملتفّين حول الشهابيين، فقد أعربوا عن خيبة أملهم من موقف الدول الأوروبيّة حيالهم ، وكانوا على ثقة أنّها لن ترضى أبدًا أنّ يمسّ لبنان الجديد سلطتنهم وامتيازاتهم الإقطاعيّة. فلم يكتموا مشاعرهم التي جرى احتوائها زمنًا طويلًا، وحقدهم المتشدد المتجدد على رجال الإكليروس الذين اتهموهم بشن حملة إضطهاد منظّم ضدهم، بهدف السّيطرة على الشؤون العامة، أو على الأقل الإسهام بقسط وافر فيها .

لقد بلغ استياء الأمراء والمشايخ من كبار رجال الإكليروس لدى وصول أخبار تعيين داوود باشا حدًّا جعلهم يفكّرون بالتخلّي عن المذهب الماروني لإحراج إكليروس الكنيسة الكاثوليكيّة حسب أقوال “بنتفوليو ” قنصل فرنسا في بيروت وقالوا : “سينُبقي كاثوليكيين، ولكن سوف نحظى بميزة عظيمة هي النّجاة من الاضطهادات المنظّمة، ومن جهة أخرى، ندخل في طائفة قليلة العدد نسبيًّا، ولكنّها ذكيّة وأفضل منا حظوة لدى السلطات العثمانيّة، وسنخلص كليًّا لقضيتنا”.

أمّا موقف الطبقة البرجوازيّة الصغيرة، والمؤلّفة من رجال الفكر والتّجار والحرفيين وأصحاب الصناعات الصغيرة لغزل الحرير ونسجه. أيّ الفئة النّشيطة والماهرة فكان مختلفًا ومغايرًا، إذ كانت تعدُّ النّظام الجديد أفضل تسوية ممكنة، نظرًا لخلافات الدول حيال القضية اللبنانيّة، وللتّناقض السائد بين مختلف فئات السكان اللبنانيين .

وعلى النقيض من ذلك، فقد رحّب الدّروز بنصوص النّظام الجديد وبخبر تعيين داوود باشا، وهلّل زعماؤهم، خصوصًا الجنبلاطيون، وذلك بإقصاء خصومهم الشّهابيين عن الحكم، إذ لم يغفروا لهم مصرع الشّيخ بشير جنبلاط المأساوي الذي اغتيل في عكا بتحريض من الأمير بشير الثاني، كذلك لم يغفروا تعنّت خلفه بشير الثالث الذي وقف ضد إعادة حقوقهم في المقاطعجيّة العام 1841 .

أمّا الطوائف الإسلاميّة والمسيحيّة الأخرى: السنّة والشّيعة والكاثوليك والأرثوذكس، ونظرًا لتعدادها الضئيل في جبل لبنان، فقد إنضوت تحت لواء حكومة المتصرفيّة الجديدة (17).

وكان تصديق النّظام الأساسي بالصورة التي أقرّ بها، انتصارًا جديدًا للدبلوماسيّة الإنكليزية التي صرّح سفيرها في الآستانة معبّرًا عن هذا الانتصار فقال: ” إنّه دخل المناقشات وهو يتمتع بموقف ضعيف، وأضاف ..” كل شيء كان ضدنا، لقد بقينا وحدنا في ما يختص بموضوع الأمير المحلي، ولكن على الرغم من كل شيء فأنا أعتقد أنّه سيجري الاعتراف أن هذه المسألة قد حلّت وفقًا لرأينا، وأستطيع أن أضيف أنني تلقيت بارتياح شكر”عالي باشا” الخالص لي للدور المتواضع الذي أدّيته في التوصل إلى هذه النتيجة (18).

ولكن مع ذلك يمكن القول أيضًا إن نتائج المفاوضات حاولت إرضاء الأطراف جميعهم بمن فيهم اللبنانيين الذين بقوا بعيدين منها، ولم يُؤخذ رأيهم، أو موافقتهم بالحسبان على ما طبخ لهم من حلول لمشاكلهم، إذ كان كل همّهم يقتصر على الخروج من المحنة التي زجّتهم فيها الأيدي الأجنبيّة والحكومة العثمانيّة .

فتوحيد الجبل عدّ إرضاءّ لفرنسا، واقتطعت من لبنان أجزاء كبيرة من مناطقه الحيويّة كالسّهول الخصبة في البقاع والجنوب وعكار إرضاءً للسلطنة العثمانيّة، بينما جعل الحاكم أجنبيًّا إرضاءً لبريطانيا وللعثمانيين أيضًا . واختير في الوقت عينه مسيحيًّا ضمانة للنصارى وإرضاءً لفرنسا .

ولكن بشكل عام، فإنّ نظام المتصرفيّة ساهم بالدرجة الأولى في تعزيز الإمتيازات لصالح الدول الأوروبيّة، وتحقيق شبه توازن بين مصالحها ومصالح السلطنة العثمانيّة، وأنّ الشّعب اللبناني لم يحصد سوى الارتهان والانزلاق في متاهات الخلافات الطائفيّة والمذهبيّة التي غذّتها هذه الدول واستفادت منها. حيث تبارى فيها الأطراف المتحاربون، المسيحيون والمسلمون على حد سواء في استعمال أعنف أساليب القتال والتدمير، وترتب على ذلك عواقب وخيمة ومفجعة بعد قرن أو يزيد من الزمان، وذلك خلال الحرب الأهلية التي استمرّت خمسة عشر عامًا من العام 1975 حتى العام 1990. ومحنة لبنان لم تنته بعد .

خاتمة البحث

فكيف يمكننا والحالة هذه، تحديد موقع لبنان الحالي؟ وكيف نعرّفه ؟

– إنّ أقل ما نستطيع قوله، وتثبّته الوقائع، هو أن لبنان ما زال يتلمّس طريقه، ويبحث عن شخصيته، ويتساءل عن هويته .

– إن دراسة نظام المتصرفيّة وتقاطع مصالح الدول الكبرى توضّح لنا وتفسّر المشاكل التي يعاني منها لبنان حاليًّا.

– إن التاريخ يعيد نفسه، فالأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الصعبة والمعقّدة التي يعاني منها لبنان اليوم، الناتجة عن سياسة الفساد والهدر، والأزمة السّورية وتدفّق النّازحين السوريين إلى مختلف المناطق اللبنانيّة وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية على لبنان، أضف إلى أزمة النّظام اللبناني الناتجة عن الانقسام السياسي بين الكتل النيابيّة والأحزاب السياسيّة والطائفيّة بعدم انتخاب رئيس للبلاد، وتبعيّة تلك الأحزاب للدول العربية والأجنبيّة، هذه الأوضاع استجلبت التّدخل الخارجي في الشّؤون الداخليّة اللبنانيّة حتى بات لبنان تحت الوصاية الدّوليّة، وما سعي اللجنة الخماسيّة اليوم المؤلفة من الولايات المتحدة الأميركيّة، فرنسا، المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية ودولة قطر لإيجاد حل سياسي للبنان وانتخاب رئيس للجمهورية إلّا تدخلًا في شؤونه الداخليّة بما  ينسجم مع مصالح كلّ دولة منها .

الهوامش

[1]  – الحصري ، ساطع . البلاد العربية والدولة العثمانية، دار العلم للملايين ، الطبعة الثانية 1906 ، بيروت ، لبنان ، ص 30.

2  – لوتسكي . تاريخ الأقطار العربية الحديث . دار التقدم ، الجزء الأول ،  موسكو 1971 ، ص 36 .

3  – الشدياق ، طنوس . أخبار الأعيان في جبل لبنان ، المكتبة العمومية ، 1859 ، بيروت – لبنان ، ص 498 .

4 – Ismail , Adel . “ Documents diplomatiques et consulaires relatifs du Liban et des pays du proche- orients du xvIIe  siècle à nos jours” . T. 1 – Beyrouth 1975 – 1979 .p 90 et 93 .

5 – Mème reference , T. 11 , p 86 . – Jouplain .La question du Liban . T.II . p 416 .

6 – Jouplain , Jacques . La question du Liban . T. II , p 418 – 419 .

7 – Robinson , Eduard . La syrie1840 – 1862. Paris . p 294 – 295 .

8  – الخازن ، فريد وفؤاد . مجموعة المحررات السياسية والمفاوضات الدولية في سوريا ولبنان من سنة 1840 – 1910 . ثلاثة أجزاء ، جونيه 1976 ، ج 1 ، ص41 – 42 .

9 – De teste “Recueil des traits de la porte Ottomane avec les puissances étrangères – Paris 1882 – 1894 , T.vI . p . 346 – 347 .

10 – De teste .” Recueil des traités . Reference precedante , p . 347 – 348 .

11 – Ismail , Adel . “ Documents diplomatiques et consulaires , reference precedante , T II , p . 51 – 52 .

12  – Meme reference , p . 51 .

13- De teste .” Recueil des traités “ T.vI p . 365 – 367 . – Ismail , Adel “ Documents diplomatiques ….TII p . 56-

14  – طربين ، أحمد . لبنان منذ عهد المتصرفية إلى بداية حكم الإنتداب 1861 – 1920 . معهد البحوث والدراسات العربية ، مطبعة نهضة مصر – القاهرة 1968 ، ص 264 – 269 .

15- خاطر ، لحد . عهد المتصرفين في لبنان 1861 – 1918 . منشورات الجامعة اللبنانية ، قسم الدراسات التاريخية ، 1967 بيروت ، ص 27 .

16  – عدرة ، عبد الرحمن . بروتوكول لبنان 1861 – 1864 . أطروحة دكتوراه ، قسم التاريخ ، الجامعة اللبنانية ، بيروت 1952 ، ص 112 .

– Ismail , Adel . Documents diplomatiques et consulaires ….T29 , p186 – 196 .17

 

18 – De teste , Recueil de traits …T VI , P . 401 .

                                                                                  المراجع باللغة العربية

1 – الحصري ، ساطع . البلاد العربية والدولة العثمانية . الطبعة الثانية ، دار العلم للملايين ، بيروت 1906 .

2 – الخازن ، فريد وفؤاد . مجموعة المحررات السياسية والمفاوضات الدولية في سوريا ولبنان   1840 – 1910 ، ثلاثة أجزاء ، جونيه 1976 .

3 – خاطر ، لحد . عهد المتصرفين في لبنان 1861 – 1918 . منشورات الجامعة اللبنانية ، قسم الدراسات التاريخية ، بيروت 1967.

4 – الشدياق ، طنوس . أخبار الأعيان في جبل لبنان . المكتبة العمومية  ، بيروت 1959

5 – طربين ، أحمد. لبنان منذ عهد المتصرفية إلى بداية حكم الإنتداب 1861 – 1920 . معهد البحوث والدراسات العربية ، مطبعة نهضة مصر ، القاهرة 1968 .

6 – عدرة ، عبد الرحمن. ” بروتوكول لبنان ” 1861 – 1864. أطروحة دكتوراه، قسم التاريخ، الجامعة الأميركية، بيروت 1952

7- لوتسكي. تاريخ الأقطار العربية الحديث . دار التقدم ، الجزء الأول موسكو 1971 .

المراجع باللغة الأجنبيّة

1 – De teste . “ Recueil de traits de la porte ottoman avec les puissances étrangères . Paris 1882 – 1894 .

2 – Eduard , Robinson. La syrie 1840 – 1862 . Paris .

3 – Ismail , Adel . “ Documents diplomatiques et consulaires relatifs du Liban et des pays du proche – orients du xvII siècle à nos jours . Beyrouth 1975 – 1979 .

4 – Jouplain , Jacques . La question du Liban . 3 tomes , Paris .

*  طالب دكتوراه في التاريخ ، السنة الرابعة بإشراف البروفسور الدكتور علي عبد فتوني ، الجامعة اللبنانيّة . حائز على إجازة في العلوم السياسية والإدارية وماجستير في التاريخ من الجامعة اللبنانيّة . E- mail: ahmadabboud53@gmail.com Tel : 03/704339

-,PHD student in history fourth year , Lebanese University , hold a degree in political and administrative sciences from the Lebanese University in 1979 .

-The supervising professor : Professor Dr. Ali Abed Ftouni .Lebanese University .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website