دراسة عوامل نشوء الغلوّ وأسبابه ونموّه في مدينة قمّ
(من البداية حتی القرن الرابع الهجري)
Studying the Factors and Causes of the Emergence and Growth of Exaggeration in the City Of Qom
)From the Beginning until the Fourth Century AH)
Sadiq Amiri Dehnaoui صادق أميري دهنوئي([1])،Dr. Mostafa Pirmoradian د ـ مصطفي پيرمراديان([2])،Mohammad Ali Chlongar د ـ محمدعلي چلونگر([3])
تاريخ الإرسال: 28-6-2024 تاريخ القبول: 10-7-2024
الملخص: من آفات الفكر الإنساني هو الغلوّ، الذي يجب على الإنسان تجنبه، وخاصة على الصعيد الدّيني إذ يجب مکافحته بحساسيّة شديدة؛ لأنّ الأديان متعرضة لمزيد من الضرر في هذا المجال. کما نری أن مكونات خفيفة للغلوّ نمت متدرّجة خلال ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربيّة، ولكن بعد توسع الإسلام إلى العراق بمدّة، ازدادت مكونات الغلوّ كميةً ونوعيةً. وبجانب العراق، كانت قمّ إحدى المناطق التي تزايد فيها وجود الغلاة في القرنين الثالث والرابع، وهاجروا إليها من العراق واستمرّوا وجودًا كحركة قوية لمدّة من الزمان. وعلی الرّغم من وجود المعارضين، قد تمكن غلاة قمّ من تشكيل جبهة قوية، والتأثير على الكثير من أهلها، وتمهيد الطريق لوقوع أحداث وظهور آثار. من هذا المنطلق فقد استهدف هذا البحث معرفة خلفيّة نشوء حركة الغلاة ودراستها ونموها في قمّ. فحاول بمنهج وصفي تحليلي ودراسة مكتبيّة أن يجيب عن هذا السؤال: ما هي أسباب ظهور الغلو والغلاة في قمّ؟ وبالنّظر إلی التّقريرات التّاريخيّة، قد توصل البحث إلی أن وجود القبائل اليمنيّة خاصة الأشاعرة منهم، وشيوع الإخباريّة، ووفور الموارد الماليّة الشّرعيّة، كانت من العوامل الفاعلة المهمّة في ظهور الغلو والغلاة في مدينة قمّ.
كلمات مفتاحيّة: الغلوّ، الغلاة، مدينة قمّ، الأشاعرة.
Abstract
One of the scourges of human thought is extremism, which a person must avoid, especially on the religious level. It must be combated with extreme sensitivity. Because religions are exposed to more harm in this area. We also see that slight components of fanaticism gradually grew during the emergence of Islam in the Arabian Peninsula, but some time after the expansion of Islam to Iraq, the components of fanaticism increased in quantity and quality. In addition to Iraq, Qom was one of the regions where the presence of the ghuls increased in the third and fourth centuries. They migrated to it from Iraq and continued to exist as a strong movement for a period of time. Despite the presence of opponents, the Qom extremists were able to form a strong front, influence many of the people of Qom, and pave the way for events and effects to occur. From this standpoint, this research aimed to know and study the background of the emergence and growth of the extremist movement in Qom. He tried, using a descriptive and analytical approach and a desk study, to answer this question: What are the reasons for the emergence of extremism and fanaticism in Qom? Considering the historical reports, the research concluded that the presence of the Yemeni tribes, especially the Ash’ari ones, the prevalence of the news, and the abundance of legitimate financial resources, were among the most important effective factors in the emergence of fanaticism and fanaticism in the city of Qom.
Keywords: extremism, extremists, the city of Qom, the Ash’aris.
-
المقدمة:
لقد كانت الأفكار المغاليّة موجودة في الأديان جميعها، ولم يكن الإسلام مستثنى من هذه القاعدة. وفي العصرين النّبوي والراشدي، على الرّغم من معارضتهم للأفكار المغاليّة، كانت هناك أفكار ضعيفة من الغلوّ. أمّا مع بداية خلافة الإمام علي (ع) وانتقال مركز الخلافة إلى العراق، تزايدت المذاهب المغاليّة تدريجيًّا. وكانت المغيريّة، والمنصوريّة، والبيانيّة، والجناحيّة، وغيرها من أشهر الفرق المغالية في العراق. وقد نشط عدد كبير من هذه الفرق علنًا في العراق، خاصة في مدينة الكوفة أواخر الخلافة الأُمويّة حتى القرن الأول للخلافة العباسيّة. وقد اجتذبوا العديد من أفراد المجتمع الإسلامي إليهم. بالإضافة إلى حملات أئمة الشّيعة ضدهم، فكانت الدّولتان الأُمويّة والعباسيّة تواجهانهم بقسوة، وتمنعانهم من إلحاق الضرر الفادح بالمجتمع الإسلامي.
مدينة قمّ هي منطقة أخرى من الأراضي الإسلاميّة التي كان فيها نفوذ للغلاة. ومع هجرة قبائل الأشاعرة إلى هناك، توفّر المجال لظهور الأفكار المغالية في قمّ، وعندما بدأ ركود الأنشطة المغالية في العراق، تمتعت قمّ في الوقت نفسه بميزات خاصة تساعد على نمو الغلاة، ما دفع عدد من غلاة العراق بالهجرة إلى قمّ. وبحسب الأدلة التّاريخيّة، فإنّ القبائل الأشعرية التي استقرت في قمّ كانت تعارض بجدية الدّولتين الأُمويّة والعباسيّة، وقد تزايدت سعة هذه المعارضات في قمّ. وكان مسلمو قمّ والأشاعرة الذين كان بينهم أيضًا ميل نحو التّشيع، يحتاجون إلى المتكلمين، والمحدثين، والفقهاء لتأكيد شبه حكومتهم في قمّ. وفي مثل هذا السّياق استمر الغلاة في حياتهم إلى جانب التيارات الأخرى.
مسألة البحث: قد سعی البحث الحالي وراء الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- كيف ساعد الأشاعرة علی شيوع أفكار الغلاة في قمّ؟
- ما هو دور الأحاديث المغاليّة في شيوع الغلوّ في قمّ؟
- كيف اجتذبت الموارد الماليّة الشّرعيّة الغلاة إلی قمّ؟
ضرورة البحث: إنّ دراسة الغلوّ مهمة جدًا؛ لأنّه يمكن الوقاية من آثاره الضار، وأعراضه في المجتمعات الدّينيّة من خلال فهم مكوناته وسلبياته. إن ضرورة هذا البحث مهمة، في معرفة سياقات الحركات المغالية وأحوالها في قمّ لكي نتمكن من فهم أهل الغلوّ وأعمالهم وآثارهم فيها بشكل أفضل.
أهداف البحث: استهدف هذا البحث أن يبين أن غلاة قمّ ظهروا في ظروف خاصة، وكان المجال ممهدًا لنموهم إلى جانب الفرق الأخرى على الرّغم من وجود معارضيهم الكثيرين.
خلفية البحث: على الرّغم من الاهتمام بقضية الغلو في آثار كتّاب الملل والنّحل منذ البداية، وذکر أكثر من مائة فرقة مغالية في آثارهم، إلّا أنّ المعلومات قليلة جدًا حول أسباب ظهور الغلاة ووجودهم. وفي المنطقة العراقيّة، كانت معرفة كثير من الغلاة وتعريفهم، لكن لم يُتَطرق بشكل كامل إلى سياقات وأسباب ظهور الغلاة القمّيين أو فُقدت مثل هذه الأعمال. لقد قام صفري فروشاني في كتاب «غاليان» (الغلاة)، بدراسة في فرق الغلاة وآثارهم حتی نهاية القرن الثالث الهجري مبينًا أفكارهم وأسباب ظهورهم وميزاتهم. أمّا معلوماته وتقريراته حول غلاة قمّ وأسباب ظهورهم، فقليلة جدًا. وأشار كرامي في كتابه «العلاقات الفكريّة الأولى عند التّشيع: إعادة قراءة مفهوم الغلوّ في فكر التيارات الإمامية المتقدمة» إلى عدة أمثلة لمكونات الغلو كعلم الغيب، والتّفويض، وعالم الذّر، وسهو النّبي، ودرسها من منظور مدارس قمّ الدّينيّة، لكنه لم يتحدث عن أسباب ظهور الغلو والغلاة في قمّ. وقد بيّن سامي العزيزي في كتابه «الجذور التّاريخيّة والنّفسيّة للغلوّ والغلاة» عوامل الغلو بالتفصيل، لكن مجال عمله كان في معظمه يتعلق بالغلاة في العراق. وقد وصف عبد الله سلوم السّامرائي في كتابه «الغلو والفرق الغالية» الفرق المغاليّة المشهورة في الإسلام بعد دراسة الغلو وأسباب ظهوره، كما ذكر خصائص الغلاة المهمّة، ولم يتطرق إلى غلاة قمّ.
- الغلو والغلاة في قمّ: «الغلو» يعني الارتفاع والإفراط والتّعدي على الحدّ، وفي اللفظ الشّعبي إذا ارتفع سعر الشّيء عن حدّه المسمى يسمى «غاليًّا» أيّ مرتفع السّعر (ابن منظور، المجلد الـ15، 1414ق، ص 132)، ولكن ليس هناك اتفاق علی حدّ محدد له لکي يُعِدُّ المسلمون تجاوزه غلوًّا، حتی يتسرب الخلاف بين كثير من الفرق إلی هذه المسألة؛ لأنّ هذا الحدّ أو المعيار يختلف من فرقة إلی أخری. أو حتی ما عدَّ غلوًّا أو حدًّا للغلو في فرقة في زمان، لم يعدُّ غلوًّا أو حدًّا له في الأزمنة اللاحقة وتغيّر حدّه أو حتی لم تكن هذه الحدود ثابتة في زمان، إذا ما عدَّ حدًّا للغلو في بيئة، لم يعدُّ حدًّا له في بيئة أخری. كما أنّه ينبغي أن يُعدّ غلاة القرن الثاني مشابهين بغلاة القرن الثالث وحتی بعضهم ببعض في قرن واحد (الأنصاري، 1401ش، ص 4). وتبيّن هذه المسألة سيولة مفهوم الغلو، ما جعل بعض القضايا مثل سهو النّبي في المذهب الشيعي يُعدُّ غلوًا في مدرسة، بينما لا يُعدُّ غلوًا في مدرسة أخرى (گرامي، 1391ش، ص 20). وبشكل عام، كانت هناك أفكار مثل علم الغيب، والنّبوة، والألوهية، وادعاء الوحي، والإمامة، والرجعة، والتّفويض، وما إلى ذلك، تُعرف بمؤشرات الغلو ومواصفاته.
لقد ألحقت ظاهرة الغلو أضرارًا جسيمة بالمجتمعات والأديان طوال التّاريخ، ولم تسلم من أضرارها الدّيانات الكبرى مثل المسيحيّة واليهوديّة وغيرها (صفري فروشاني، 1378ش، ص 32). ومع ظهور الإسلام في جزيرة العرب، نشاهد حضور عدد قليل جدًا من الأفكار المغالية هناك، ولكن مع انتقال مركز الخلافة الإسلاميّة من المدينة المنورة إلى العراق، نشاهد ظهور أول فرقة مغالية تسمى بالسّبئيّة (الطبري، المجلد الـ3، 1375ق، ص 549). وبعد ذلك، قد نشأت فرق أخرى ونمت مثل المغيريّة، والكربيّة، والجناحيّة، والبشيريّة، وغيرها. ومعظم هذه الفرق كانت مفروضة ومطرودة من أئمة الشّيعة، بالإضافة إلى صراعها المباشر مع الحكومات.
قمّ هي إحدى المناطق الوسطى في إيران، وإحدى المدن القديمة التي يعود تاريخ بنائها إلى عصر ما قبل الإسلام، وكانت جزءًا من أصفهان في العصر السّاساني. لكنها انفصلت عنها في عهد الخلافة العباسيّة العام 189ق (حقيقت، 1376ش، ص 404). وإنّ موقعها الجغرافي، وجيوسياسيها المناسب وتفرع العديد من الطرق التّجارية إليها، قد زاد من أهميتها إذ كانت العديد من الطرق التّجارية الرئيسة تتصل بها، وتنتهي إليها ما أدّى إلى توسع التّجارة فيها (ابن فقيه، 1349ش، ص 270). بعد الفتوحات الإسلاميّة أصبحت قمّ من المدن المستقبلة للمهاجرين المسلمين، ونما فيها تيار الغلوّ تدريجيًا ووصل إلى ذروته في القرن الرابع. وبالإضافة إلى صراعات مثل طرد عدة من الغلاة منها، حاول بعض العلماء أيضًا الحدّ من تأثيرات الغلاة عليها من خلال تأليف الكتب. بشكل عام، كان تحديد الغلاة في قمّ مهمة صعبة للغاية ولم يكن لديهم معايير معيّنة لتّحديد الغلاة، فالحسن بن عبد الله القمّي، والحسن بن محمد بن بابا القمّي، والحسين بن عبيد الله السعدي (القمّي)، وسهل بن زياد، وقاسم بن محمد الأصفهاني (القمّي) المعروف بكاسولا، ومحمد بن أورمة القمّي، ومحمد بن علي بن إبراهيم بن موسى المعروف بأبي سمينة، وعلي بن حسكة، وقاسم بن حسن اليقطيني، و… كانوا من أشهر غلاة قمّ (صفري فروشاني، 1378ش، ص 348-356). ومن المرجح أنّ الضّغط على مدينة قمّ بسبب جوّ الغلو جعل ولاتهم مثل أحمد بن محمد عيسى الأشعري، وسعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي يتشددون بشدة على الغلاة ويطردون عددًا منهم من قمّ. ولكن يبدو أنّهم كانوا يعودون إلى قمّ مرة أخرى بسبب انعدام المعايير المناسبة لتحديد هُوية الغلاة وميزاتهم. كان محمد بن أورمة القمّي من أهل قمّ الذي اتّهم بالغلوّ لكثرة الأحاديث المغالية، وأراد أهل قمّ قتله. ولكن عندما رأوه يصلي ويتعبد بالليل، توقفوا عن ذلك (الخوئي، المجلد الـ16، 1372ش، ص 124). وبحسب هذه الرّواية، يبدو أن المجون والزّندقة كانا من المعايير المهمّة لتمييز غلاة قمّ. فإذا كان لدى الإنسان الكثير من مقومات الغلو مثل الألوهية، والتّفويض، والباطنيّة، والتّشبيه، وغيرها، لكنه كان متمسكًا بأحكام الشّريعة، كان خارجًا عن جماعة الغلاة بنوع ما؛ وإذا كان الشخص متكاسلًا في أحكام الدّين، فيمكن عدّه من الغلاة.
ففي الوقت الذي قدم فيه غلاة قمّ العديد من أفكارهم على شكل أحاديث لمجتمع قمّ، وخلقوا العديد من الفضائل الخارقة للأئمة، إلا أنّهم لم يتمكنوا من معارضة مثل هذا الاتجاه لانعدام معيار مناسب، وفقط عدُّوا هذه الأحاديث عصّية على الفهم، ومثيرة للكراهية بينما يُعدُّ مثل هذا رد الفعل ونوع من التّسامح تجاههم (گرامي، 1391ش، ص 39). وكان لأهل قمّ مواجهات متقطعة وغير منتظمة معهم إذ كانوا يطردونهم، ولكن بعد مدّة أعادوهم أو كانوا يأمرون بقتلهم، ولكن ينصرفون من قتلهم في النّهاية. وللتخلص من هذا الوضع، اضطر أهل قمّ إلى استخدام المعيار الأدنى، وهو الفجور والمجون والخروج عن قواعد الدّين، لتحديد الغلاة وتمييزهم. ومن ناحية أخرى، فإنّ مكونات الغلاة في قمّ صارت أخف وأكثر تفصيلًا، وخلافًا لغلاة العراق الذين يجب أن يكون لديهم مكونات مثل الحلول، والتّناسخ، والألوهيّة، وغيرها حتی يوصفون بالغلاة، كان في قمّ عقائد خفيفة مثل عدم الاعتقاد بسهو النّبي أو ذكر الشّهادات الثلاث في الأذان يمكن التي عدّها معيارًا للغلوّ، أو في معيار آخر كان الشّيخ الصّدوق يُعدُّ الذين يتهمون علماء قمّ بالتّقصير من الغلاة (ابن بابويه، ١٣٧١ش، ص ١٠١). إن مثل هذه المعايير الخفيفة لتمييز الغلو، والغلاة في قمّ جعلت الأمر أكثر صعوبة من قبل؛ لأنّه كان هناك أناس مؤمنون لديهم ثبات جيد في معتقداتهم في العديد من الخصائص، ولكن بسبب الغلو في اعتقاد صغير كان يطلق عليهم غلاة، ما جعل مواجهة هؤلاء الأشخاص صعبة جدًا.
- أسباب ظهور الغلوّ وعوامله في قمّ:كانت هناك أسباب وعوامل متعددة ومختلفة لظهور الغلاة في مدينة قمّ، قد بيناها فيما يلي:
- وجود الأشاعرة في قمّ: قد أدّى الأشاعرة دورًا بارزًا في ظهور الغلو والغلاة في قمّ بوعي منهم أو بغير وعي. وتمثل هذا الدور في وجوه مختلفة نشرحها فيما يلي:
- معارضة الأشاعرة السياسيّة للخلفاء الأُمويين والعباسيين: وكانت أغراض الخصوم السياسية ودوافعهم فعالة في ظهور العديد من الفرق الكلاميّة (فرغل، 1392ق، ص 299-301)، كما أنّ معارضة الأشاعرة وأهل قمّ الشّديدة للخلفاء مهدت الطريق للانحراف عن المعتقدات الرّسمية للخلافة، وأصبحت أرضيّة مناسبة للغلاة لدعم هؤلاء المعارضين.
كان هذا الجوّ الشّديد من معارضة القمّيين ضد الخلفاء الأمويين والعباسيين يحتاج إلى حماية دينيّة لتشجيعهم على القيام بمثل هذه الأعمال، وكان الغلاة قادرين على مثل هذه الأعمال. وبما أن الغلاة أنفسهم كانوا مثل أهل قمّ من معارضي الخلفاء، كان ذلك يُعدُّ نوعًا من التّعاون ضد الخلفاء.
والأشاعرة من أوائل القبائل اليمنيّة التي آمنوا عن طريق إرسال الوفود إلى المدينة المنورة في عهد الرّسول (ص) وأصبح بعضهم من أصحاب النّبي، وقاتلوا في الحروب ضد المشركين (ابن سعد، المجلد الـ4، 1374ق، ص 322) وقد كان دور أساسي في الأحداث لهم منذ صدر الإسلام. كان كثير من أبناء عشائر الأشاعرة فخورين جدًا بأن عشيرتهم أسلمت قبل عام الوفود. ويبدو أن إيمان القبائل الأشاعرة لم يكن عميقًا؛ لأنّه بعد وفاة النبي انضم كثير منهم إلى المرتدين وقُمّعوا.(الطبري، المجلد الـ4، 1375ق، ص 1455)، ما يدل على سطحيّة إيمانهم. ومن الأحداث المهمّة التي برّزت هذه القبيلة هو مشاركتها الفعالة في الفتوحات الإسلاميّة، ما أدّى إلى دخول العديد من القبائل الأشعريّة إلى العراق (فرشچيان، 1384ش، ص 31). وسرعان ما مالت هذه القبيلة اليمنيّة إلى المذهب الشّيعي، وردّت بقوة على أعداء أهل البيت، فقد اتخذ مالك بن عامر الأشعري، من أصحاب النّبي، موقفًا قويًّا من معاوية في زمن الإمام علي (ع)، واستشهد أخيرًا في معركة صفين (ابن الأثير، المجلد الـ4، 1409ق، ص 254-253). وفي ثورة المختار الثّقفي التي حدثت بسبب سفك دماء الإمام الحسين (ع) وأصحابه، كان للأشاعرة دور فعال فيها، وظهر ميلهم نحو التّشيع (القمّي، 1361ش، ص 284) وقد عارضوا الأمويين بالعلانيّة. ويجب التّأمل في حضور الأشاعرة في ثورة المختار؛ لأنّ حركة المختار الثقفي والكسانيّة كانت لها أفكار مبالغ فيها أيضًا، وكانوا أكبر جماعة مغالية بعد السبئيّة. ومع مرور الوقت، حتى بعض الغلاة تفرعوا عن الكسانيّة أو أخذوا أفكارهم منهم (قاضي، 1974م، ص 262-261). وكان الأشاعرة حاضرين في حركة المختار والكسانيّة منذ البداية وساندوهم بقومهم، فمهّد هذا التّعاون المجال لزيادة رغبتهم في الغلو. وبعد انهزام ثورة المختار، فإنّ الأشاعرة الذين كان لديهم أرضيات غلو الكيسانيّة، هاجروا إلى قمّ بسبب ضغط الحجاج بن يوسف (فقيه محمدي جلالي، ١٣٨٥ش، ص ١٦٥). كما أدّت قبيلة الأشاعرة دورًا نشطًا في انتفاضة ابن الأشعث ضد الحجاج بن يوسف الثقفي والي الأمويين في العراق. وعلى الرّغم من أن انتفاضة ابن الأشعث لم تكن بقيادة الشّيعة، إلّا أنّ معارضة الأشاعرة ضد الأمويين كانت كبيرة للغاية، وبعد هزيمة هذه الانتفاضة ومقتل عدد من زعماء الأشاعرة بسبب مشاركتهم فيها، زاد الأمويون من الضغط عليهم وهددوهم بالاستمرار وأجبروهم اجتماعيًّا على القيام بأعمال وضيعة، ما دفعهم في النّهاية إلى الهجرة إلى إيران. وبعد استيطانهم في قمّ والصّراعات الأوليّة التي دارت بينهم هناك، تمكنوا من السيطرة هناك وتحويل أنفسهم إلى سكان حاكمين (ناصر الشريعة، 1342ش، ص 43-42) إذ أصبحوا يتخذون القرارات المهمّة.
وأول من أعلن التّشيع في قمّ على الرّغم من وجود الحكّام السُّنة هو موسى بن عبد الله بن سعد الأشعري (الحموي، المجلد الـ4، 1995م، ص 397)، والذي يبدو أنّ تراجع الأمويين وصعود العباسيين الذين ظهروا باسم أهل البيت، مهّد الطريق لتحضير مثل هذه القرارات في إيران. كما استمرت معارضة أهل قمّ للخلافة العباسيّة، وكانوا قليلًا ما يتعاونون مع ولاتهم، وأحيانًا يرفضون بشكل مباشر قبول أمرائهم وقضاتهم، ولا يُعدُّونهم أهلًا لتلقي الخراج والزّكاة، وأصبحت قمّ بالتدريج أول دولة مدنيّة شيعيّة إماميّة بين الحكومات السّنيّة والتي أصبحت مستقلة في كثير من المجالات (نيومان، 1386ش، ص 21). واستمرار مثل هذه العمليّة يمكن أن يكون لها عواقب سلبيّة للغاية على خلافة العباسيين. فمثل هذه المعارضات من قمّ استمرت حتى في ذروة الحكم العباسي، وكان الخلفاء الأقوياء مثل هارون الرشيد والمأمون في السّلطة، وهذا العصيان الكبير من أهل قمّ ضد الخلفاء العباسيين دفعهم أخيرًا إلى فصلها عن أصفهان من أجل سيطرة أفضل وإرسال أمير مستقل هناك (القمّي، ١٣٦١ش، ص ٣١)، لكن سياسات التّكيف والتّسامح للخلافة العباسيّة، لم تنجح وكان أهل قمّ أقل تعاونًا مع الخلفاء وما زالوا يمتنعون عن دفع الخراج لهم. ولم يكتف أهل قمّ بهذه الأعمال الاحتجاجيّة، وحتى في بعض الحالات قاموا بعزل الخلفاء علنًا، وفي النهاية قرر الخلفاء العباسيون الزحف إلى قمّ لوضع حد لسياساتهم، لكن أهلها كانوا يتمتعون بالصّلابة والصّمود ما أفشل الزحف والقمّع في المرة الأولی. واستمرت سياسة الزّحف والقمّع مرات عديدة في عهد الخلفاء العباسيين، ما جعل أشهر القادة العباسيين يقومون بهجمات شدّيدة على قمّ (ابن الأثير، المجلد الـ17، 1371ش، ص 25). وأدى ذلك إلى النّهب العام ضد الأهالي، وأخيرًا فالهجمات المتكررة العباسيّة دمرت الأجزاء الدّفاعيّة المهمّة للمدينة، ولم تبق لدى سكان المدينة قدرة على المعارضة، ما أدى في النهاية إلى تراجع مدينة قمّ في كثير من المجالات (ناصر الشريعة، 1342ش، ص 44).
- التشيع المتطرف في قمّ: على الرّغم من وجود الأفكار المغاليّة في الأديان والمذاهب جميعها ، ونظرًا إلى ميزات المذهب الشيعي الخاصة، فقد تشكل حوله كثير من الأفكار المغالية (الرازي، 1392ق، ص 305-305) وقد خرج عدد منهم عن طريق الصّواب والإنصاف، واستغلوا بهذه الفرصة، وعدُّوا التّشيع والغلو من مصدر واحد (هالم، 1389ش، ص 277).
لم يكن لدى المذهب الشّيعي في القرون الإسلاميّة الأولى، سلطة سياسيّة على إبعاد الغلاة وطردهم بشكل كامل، بل على العكس من ذلك، كان أئمة المذهب الشّيعي وزعماؤه يتعرضون لضغوط شديدة من الحكومات، ونشأت أزمة قيادة بين الشّيعة، ما أتاح أفضل فرصة لتظاهر الغلاة. ونظرًا للفضائل الأخلاقيّة والمعارف الجمة لدی أئمة الشّيعة، أشار البعض إلی رغبة المسلمين الشّديدة في أهل البيت والذين كانت عليهم محظورات كثيرة من الخلفاء. فعدُّوا الغلوّ المحدث في التّشيع رد فعل علی هذه المحظورات علی الرّغبة في أهل البيت (الشيبي، 1353ش، ص 139). وقد ذكرت أكثر من مائة طائفة مغاليّة في كتب الملل والنّحل، كانت أغلبها نشأت في صعيد المذهب الشيعي، وكان زعماء تلك الطوائف ينسبون أنفسهم إلى أحد أئمة الشّيعة أو إلى أحد شيوخهم.
كان الشّيعة في البداية يعيشون منتشرين في المدينة المنورة، ومكة، والكوفة، وبغداد وغيرها، وتضمنت مجموعة من أنواع التّشيع، مثل السياسي، والودّي، والكلامي، والمتطرف، ولكن مع سلطة الأشاعرة في قمّ، انجذب عدد كبير من سكان البيئة إلى المذهب الشّيعي لأول مرة، إذ لم يكن له سابقة حتى ذلك الحين. وعلى الرّغم من أنّ التّشيع في قمّ كان في البداية شيعة عراقيّة وودية في معظمها، إلّا أنّ شدّتها ازدادت تدريجيًّا واتجهت نحو التّشيع المتطرف، إذ أشار الكثير من الكتاب بوضوح إلى هذا النّوع من التّشيع لدی أهل قمّ.
يصف الجيهاني، وهو أحد كتّاب القرن الرابع، مدن إيران من النّاحية الجغرافيّة، فيذكر أهل قمّ ويقول إنّهم من الشّيعة المتطرفة (الجيهاني، ١٣٦٨ش، ص ١٦٣). المستوفي المؤرخ عند وصفه لمناخ قمّ وطبيعتها من دون أيّ مقدمة، سرعان ما يذكر مذهب أهل قمّ، ويتحدث عن التّحيز والتّطرف الطائفي لوصف التّشيع الشّايع والغالب فيها.(المستوفي، ١٣٦٢ش، ص ٦٧). فإنّ هذا الوصف الواضح للمستوفي يدل علی علانيّة مثل هذه المعتقدات في قمّ. لقد كان التّشيع المتطرف في قمّ إلی حدّ أنّه إذا سمع شخص ما اسم قمّ في مناطق أخرى، فإنّه يتذكر أولًا نوع مذهبهم. وبسبب التشيّع المتطرف، كان لأهلها صراعات كثيرة ونزاعات مع المناطق المجاورة التي كانت معظمها من السُّنة. وكانت التّوترات بين قمّ وأصفهان (جعفريان، 1388ش، ص 195) أمرًا شائعًا كان ينتج عن الاختلافات الطائفيّة. أثناء التّعريف بمذاهب المدن الإيرانيّة، يعلن المقدسي بوضوح عن أهل قمّ أنّهم كانوا مغالي المذهب (المقدسي، المجلد الـ2، 1361ش، ص 591). كما تأثرت المناطق المجاورة لقمّ بالغلاة هناك؛ إذ يقول زكريا القزويني عن أهل كاشان: إنّهم من الشّيعة الإثني عشريّة، وأهل الغلو وينتظرون ظهور الإمام الثاني عشر كل يوم باحتفال خاص (القزويني، 1373ش، ص 502). وينسب الراوندي سوء حال العصر والمسلمين إلى الحريّة النسبيّة التي يتمتع بها شيعة قمّ، ويخاطبهم بالزّنادقة (الراوندي، 1369ش، ص 283). وعلى الرّغم من أنّ الشّيعة الإثني عشريّة، كانوا يعيشون في مدن مثل الري، والكوفة، والبصرة، وبغداد، وسامرّاء، والحجاز، إلّا أنّهم واجهوا العديد من القيود وكانوا بطريقة ما تحت السّلطة السياسيّة والثّقافيّة للسُّنة، وكانت الجماعات الشّيعيّة الأخرى مثل الزّيديّة والإسماعيليّة، يخلقون العديد من التّحديات لهم. أمّا أشاعرة قمّ فتمكنوا من تطبيق شيعة موحدة بلا معارض ولا منافس (نيومان، 1386ش، ص 164). وذلك في وقت لم ينتشر الإسلام في مناطق إيران الأخرى بعدُ. ولم يكن لدى الشّعب الإيراني سوى معرفة سطحيّة بالدين.
- مکونات الغلو في القبائل اليمنيّة: تقع أرض اليمن جنوب شبه الجزيرة العربية، وتعدُّ من أنسب المناطق العربيّة من حيث المناخ والظروف الجوية، ولهذا السّبب قد كانت مكانًا مناسبًا لنشوء الحضارات. وفي تصنيف عام، كان العرب ينقسمون إلى الفرعين الجنوبي والشّمالي؛ حسب قول المورخين، كان عرب الجنوب أو العاربة وهم أكثر أصالة يعيشون في اليمن، وكان عرب الشّمال أو المستعربة يسكنون وسط شبه الجزيرة والحجاز (الخوري، 1380ش، ص 41-40). وكثيرًا ما أدى هذا الانقسام القبلي إلى نتائج ضارة بسبب التّنافس بين العرب. وبعد الإسلام نرى أيضًا هذا التّكتل اليمني والشّمالي ضمن التّنافسات السياسيّة في الخلافة الإسلاميّة، وحتى في بعض الحروب كان المقاتلون يسمّون أنفسهم يمنيين أو شماليين علنًا، ويحيون هذا التّنافس من جديد إذ إنّ معركة مرج راهط الكبرى والدّمويةّ في العصر الأموي، أظهرت هذا التّحيز والتّنافس بين عرب الجنوب والشّمال (طقوش، 1391ش، ص 87). وكانت إحدى المشاكل الأساسيّة والمستمرة لدی الخلفاء هذه التّنافسات بين عرب الشّمال وعرب الجنوب علی مستوى المجتمع الإسلامي. ومن الطبيعي أنّ قبيلة الأشاعرة التي كانت من أوائل القبائل اليمنيّة المسلمة وأدّت دورًا رئيسًا في أحداث صدر الإسلام، طالبت الخلفاء بمزيد من الامتيازات المادية.
لم يقتصر الأمر على الأشاعرة فحسب، بل كانت معظم القبائل اليمنيّة قد حصلت على حصّة قليلة من الخلافة والامتيازات الماديّة بعد ذلك، وقد أثارت سياسة الخلفاء هذه استياءهم العام من مؤسسة الخلافة؛ لأنّ قريش سيطرت على معظم امتيازات الخلافة الإسلاميّة ماديّة منها ومعنوية.
تتمتع بيئة اليمن بأراضٍ خصبة مناسبة، ومع إمكانيّة الوصول إلى طرق التّجارة البحريّة فيها، كانت أكثر ملاءمة لتأسيس الدولة وتكوين والحضارة بالنسبة إلی مركز شبه الجزيرة العربيّة، ولذلك قبل ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربيّة، قامت حضارات شهيرة فيها مثل معين، وسبأ، وقتبان، وحضرموت التي قضت كل منها مدّة مجيدة ومزدهرة في عواصمها، وأحيانًا كانت سيادتها تتجاوز اليمن. وكان حكم المكاربة، وهو بمعني الملوك الدّينيين، سائدًا في تاريخ حضارات اليمن الجنوبي، وقد اعتادت القبائل الجنوبيّة على مثل هؤلاء الملوك (هولت والآخرون، المجلد الـ1، 1383ش، ص 36). كان المكاربة في اليمن، وكانوا نوعًا من المؤسسات الإمبراطوريّة، يتولون منصب الحكم والدّين معًا في جنوب شبه الجزيرة العربيّة. وعندما كان شخص من العشائر غير الدّينيّة يتولى منصب المكرب، فإنّ المنصب الدّيني يفوّض إليه أيضًا، ويتولى الحكم في الشّؤون الدّينيّة أيضًا (جعفري، 1392ش، ص 22-21). وكانت مثل هذه الفكرة موجودة في ميل الموالين الإيرانيين نحو الغلاة؛ لأنّهم كانوا يُعدُّون ملوك إيران متمتعين بالسّلطة الإلهية والنّصف إلهية. ومن ناحية أخرى، قبل ظهور الإسلام بمدّة، وبسبب الفوضى التي أحدثتها الحبشة في اليمن، تمكن عدد من الإيرانيين من قمّع الحبشة بناءً على نجدتهم، وأقاموا حكومة هناك خلقت جيل الأبناء (الخضيري، 1391ش، ص 20). كما أن وجود الإيرانيين في اليمن كان من الممكن أن يجعلهم يعرفون أفكارًا تميل إلى الغلو. وقد استفادت الفرق المغالية من هذه الأرضيّة؛ فإذا تولى شخص ما زعامة طائفة مغالية، كان يمكنه بسهولة أن يدّعي ادعاءات روحيّة عميقة مثل الألوهيّة، والنّبوة، والوصاية، وما إلى ذلك، بينما كان اليمنيون يقبلون هذه الادعاءات المغالية، ويدعمونهم بسهولة بسبب وجود سابقة حكم المكاربة. وأولى الطوائف المغالية التي ظهرت في المجتمع الإسلامي كان لهم زعماء من الأصل اليمني. وهاجر أتباع عبد الله بن سبأ الذين كانت الادعاءات المغالية سائدة في طائفتهم، من اليمن إلى العراق، وبطبيعة الحال اكتسبوا سلطة بما كان لهم من الأتباع اليمنيين الكثيرين. والنقطة الأخرى المتعلقة باليمن والتي تظهر أن أرضيتهم كانت مناسبة لظهور الغلو، هي ظهور أول متنبئ كذاب في اليمن. عندما كان النّبي (ص) على قيد الحياة، يدّعي النّبوة شخص اسمه أسود عنسي من اليمن ويطرح أفكارًا مغالية للوصول إلى السّلطة، لكنه في النّهاية سرعان ما قُتل (مسكويه، المجلد الـ1، 1369ش، ص 237). كان ادعاء النّبوة والتّنبؤ للحصول على المكانة والثّروة شعارًا للعديد من القادة المغالين طوال التّاريخ. وعندما ادّعى زعماء الغلاة العلاقة، والتواصل مع أئمة الشيعة عادّين أنفسهم أولياء أمورهم، كان من الأرجح أن تكون قبيلة الأشاعرة أكثر ميلًا إليهم بسبب رغبتهم في التّشيع (جعفريان، 1388ش، ص 11). ومن القبائل اليمنيّة التي كانت تدعم الغلاة على نطاق واسع، يمكن الإشارة إلی عجل، وكندة، وبجيلة (تاكر، 1397ش، ص 124). ويذكر الشهرستاني قبيلة كندة التي كانت تدعم طائفة المنصوريّة المغالية بشكل كبير (الشهرستاني، 1415ق، 209). وكانت قبيلة عجل من القبائل اليمنيّة الأخرى التي يعيش عدد كبير منها مع الأشاعرة في قمّ، ويساعدونهم في تهيئة الأجواء التي أرادوها (ابن فقيه الهمداني، 1349ش، ص 99). كما سكنت قبيلتا قيس ومذحج في قمّ، وهما في الأصل يمنيتان، وتعيش بجانب القبائل اليمنيّة الأخرى (الفقيهي، 1378ش، ص 51).
- محبة الموالي والإيرانيين الشديدة بأهل البيت والأئمة: إنّ الأفكار المغالية التي كانت موجودة بين أتباع المذهب الشّيعي أثرت في الإيرانيين كثيرًا؛ لأن الغلاة كانوا يدركون جيدًا أنّ الإيرانيين والموالي لديهم تحيّز قوي إلی أهل البيت. ويُطلق لفظ الموالي علی غير العرب، وكان مصطلحًا شائعًا عند الإيرانيين الذين أُسروا في الفتوحات الإسلاميّة، أو الذين كانوا تحت سيطرة المسلمين بسبب فتح منطقةٍ عنوة. كانت هذه القبائل الإيرانيّة تتحرر بعد ما أسلمت، وقد أبقت علی علاقاتها بقبائلها العربيّة السّابقة وما زالت تحت سيطرتها. كان الإيرانيون والموالي في الغالب يتمتعون بالخبرة، والمهارات العديدة والتي خلّفت منهم أسماء كبيرة في التاريخ في المجالات العلميّة بالإضافة إلى الصناعة والاقتصاد (زيدان، المجلد الـ2، 1372ش، ص 687)، ولكن مع مرور الزّمان، تزايدت الضّغوط علی الإيرانيين والموالي، وعانوا تدريجيًّا من الكثير من المشقة والمحن في العصرين الأموي والعباسي، وأصبح الموالي فئة وضيعة في نظر العرب، وأصبحوا مضطرين إلى القيام بأعمال شاقة لا قيمة لها كصناعة الأحذية، والتّرميم، والحدادة، وغيرها (الجودة، 1382ش، ص 122-117). وكانت هذه النّظرة الدّونيّة المحقرة مؤلمة للغاية، وغير مقبولة بالنسبة إلى الموالي والإيرانيين ومثيرة لردود أفعال منهم. فتحولوا إلی جماعة يستعدون للثورة والانتفاضة في كل لحظة، ويوافقون على كل حركة ودعوة ضد الخلفاء ويرافقون مخالفيهم ومعارضيهم. وكان الضغط على الموالي شديدًا إذ كانوا حاضرين حتی في انتفاضات الخوارج، وثورة عبد الرحمن بن الأشعث، وخروج المختار الثقفي، وخروج آل الزبير، وحركة المرجئة، وأخيرًا كان أكثر حضور الموالي في الثّورة العباسيّة ضد الأمويين. وبما أن أئمة الشّيعة وأهل البيت كانوا دائمًا من حماة العدالة وأنصارها طوال التاريخ، وأظهروا رفضًا كبيرًا لهذا الإذلال للموالي وكانوا يدافعون عنهم، فإنّ الإيرانيين والموالي بالمقابل يظهرون محبة شديدة لأهل البيت، وكان الإيرانيون حاضرين في كل حركة تقريبًا تقام باسم أهل البيت. واستطاع الغلاة الذين كانوا من الجماعات المعارضة لهذه الحكومات، أن يجذبوا عددًا كبيرًا من الإيرانيين بشعارات باسم أئمة الشيعة، ويستخدمونهم في صفوفهم لأغراض شخصيّة أو ضد الأمويين والعباسيين، وقد تشكلت معتقدات الغلاة الرسميّة الأولی حول محور أئمة الشّيعة (نشار، 1977م، ص 246). والكيسانيّة هي إحدى الفرق المغالية التي جذبت الكثير من الموالي. ويُعدُّ البعض أن لقب كيسان خاص بالمختار، والبعض الآخر يُعدُّ هذا اللقب لواحد من مواليه (صابري، 1393ش، ص 29-28). ويُعد خروج المختار الثقفي من أولى الحركات التي يتفق فيها الجميع على حضور الموالي فيها، وعمليًّا يظهر اسم الموالي في هذه الحركة من البداية إلى النهاية، إذ كان أشراف الكوفة ينتقدون المختار كثيرًا بسبب حمايته الموالي، فصاروا من معارضيه. وكان المختار الثقفي يستخدم هذه المكونات بذكاء شديد لجذب عدد كبير من الموالي. فينجح لدرجة أن يثير التّحدث بالفارسية بين جيش المختار دهشة الجميع (جعفريان، 1388ش، ص 124- 122). إحدى الانتفاضات الكبرى التي حدثت في القرن الثالث في العصر العباسي وأزعجت الخلافة بشدة هي الانتفاضة الزّنكيّة. فقد كان الكثير منهم مواليًا، وعبيدًا يحتجون على حياتهم الصّعبة وظروفهم الاجتماعيّة. وكان علي بن محمد الذي كان في الأصل من الموالي الإيرانيين، يقود هذه الانتفاضة. لقد استخدم أفكارًا مغالية مثل المهدويّة، والنّبوة، والوحي، والتّكهن، وما إلى ذلك لكي يجذب المزيد من النّاس. وبعد مدّة، قُمِعت هذه الانتفاضة من العباسيين (الطبري، المجلد 14، 1375ق، ص 6308-6307). لذلك، وبحسب ظروف الموالي الحرجة في القرون الأولى، استطاع الغلاة النّفوذ فيهم بسهولة وجذبهم؛ لأنهم كانوا ينسبون أنفسهم إلى التّشيع ويدّعون العلاقة والتّواصل مع الأئمة، وبهذه الطريقة يجذبون كثيرًا من الإيرانيين والموالي (فياض، 1406ق، 69) ويستغلونهم لأغراضهم الخاصة.
- الأحاديث المغالية في قمّ: وفي دين الإسلام، تُعرف آيات القرآن بأنّها المرجع الأصلي لأعمال المسلمين ومعتقداتهم، ويرجع الناس في كثير من الأمور إلى آيات القرآن التي نزلت على النّبي. وفي آيات أخرى من القرآن تمت الإشارة أيضًا إلی ضرورة اتباع النّبي لكونه قدوة، مما زاد أقوال النّبي وأفعاله أهمية بالنسبة إلى المسلمين، فكلام النّبي بعد القرآن مهمٌ بوصفه جزءًا مهمًّا من التّعاليم الإسلاميّة، ولذلك أصبح كلام النّبي رائجًا في المجتمع بعنوان الأحاديث النّبويّة، وهي في معظمها أحكام نُشِرت من النّبي شخصيًّا، وتوضع مقابل القرآن الذي رأی أغلب أهل السّنة أنّه كلام قديم، وهذه الأحاديث هي نوع خاص من الأخبار التي تعد جديدة وحديثة بوصف محتواها (مدير شانهچي، 1401ش، ص 9)، وعلى الرّغم من أنّ كتابة الأحاديث توقفت في العصر الأموي، ولكن بعد مدّة لاقت استقبالًا واسعًا لدى المسلمين.
- الإسراع في كتابة الحديث بقمّ: وعندما أنشأ شيعة قمّ مركزًا لتدوين المعتقدات الشّيعيّة الواسعة لأول مرة، كانوا بحاجة إلى حماة علماء، وخاصة المحدثين منهم، لتأييد معتقداتهم وتشجيعهم في ذلك الوضع الحرج والخطير؛ لأنّ ضغط العباسيين على قمّ كان أكبر بكثير. كما كانت هناك هجمات من الجماعات الشّيعيّة الأخرى على القمّيين في الوقت الذي بدأت فيه غيبة الإمام الشّيعي الثاني عشر (نيومان، 1386ش، ص 305) وحتى الطائفة الشّيعيّة في قمّ كان لديها العديد من الأسئلة حول معتقدات مذهبها وتحتاج إلى علماء لإزالة شكوكها. ومن ناحية أخرى، بدأت الطائفة السُنّية بتأليف كتب الحديث الكثيرة والواسعة حتى القرن الرابع الهجري والتي يدلّ هذا الكمّ الهائل من كتب الأحاديث علی الدّعم الدّيني والارتقاء الثّقافي، بالإضافة إلى قدرة الردّ على المسلمين في مذهبهم. وكتبهم الحديثيّة المهمة، مثل الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن النّسائي، وسنن ابن ماجه، وسنن أبي داود، وقد بيّنت كثيرًا من أحكام أهل السُّنة ومعتقداتهم. وفي هذا الصّدد، كان شيعة قمّ بحاجة إلى مثل هذه الكتب التي يؤلفها علماء مذهبهم وبحسب عقائدهم (هالم، 1389ش، ص 86). وكانت عقليّة المجتمع الحديثي بين الطوائف الإسلاميّة أن كثرة أحاديث المحدثين تدل على مكانتهم العلميّة الرفيعة. فكان هناك دافع كبير لرواية الأحاديث، بينما قلّ اهتمامهم بالأسانيد ومضمون الروايات. كما أن بدء المدرسة الأخبارية في قمّ، وتأكيد متن الحديث في نهاية القرن الثاني، ساهمت كثيرًا في نشر الأحاديث المغالية؛ لأنّه في هذه المدرسة كان الاهتمام الأكبر بنص الحديث، ولم يكن هناك اهتمام كبير بتحليل الأحاديث الفكري ونقد أسانيدها ومضامينها. وفي المقابل كانت المدارس العقلانيّة تنمو في العراق والتي وقفت ضد المدرسة الإخباريّة باستخدام الطرق الاستدلاليّة والاجتهاديّة والعقلانيّة في الكلام والفقه، ونقد العديد من آراء الأخباريين (فرمانيان، 1387ش، ص 64-63). ومما لا شك فيه أنّ الغلاة كانوا يفضلون الوجود في البيئة الإخباريّة على البيئة العقلانية، ولذلك توفرت أسباب هجرة بعضهم. وتدريجياً، ومع تزايد قوة المدرسة الإخباريّة في قمّ، ازداد أيضًا عدد أصحاب الأئمة القمّيين، إذ كان للإمام الصادق نحو عشرة أصحاب من قمّ وهم يروون حديثه (إيزدي، ١٤٠١ش، ص ١٠٢)، وكانوا يختلفون كثيرًا للقاء بالأئمة حضوريًّا للعثور على حديث ونقله إلى قمّ. ولكن في هذه الأثناء، بما أنّه كان من الصعب جدًا مقابلة الأئمة شخصيًا بسبب القيود السياسية عليهم، كان هناك احتمال أن يلتقوا بالغلاة وأحاديثهم، ويرجعوا بأحاديث مشتبة بالغلو إلى المجتمع الأخباري بقمّ وينشروها. وبهذه الطريقة يُسرَّب عدد من هذه الأحاديث المغالية في المؤلفات الحديثيّة في قمّ (مدرسي طباطبائي، ١٤٠٠ش، ص ١٠٣-١٠٤).
وقد ألّف أحمد بن محمد بن خالد البرقي كتابًا من كتب الشيعة المهمّة يسمى بـ«المحاسن» في ذلك الجوّ بقمّ. قد اعترض بعض شيوخ قمّ على الرّوايات المغالية في الكتاب وأسانيده الضعيفة التي شملت بعض الغلاة، وقاموا بطرد البرقي من المدينة إلى حين (العلامة الحلي، ١٤١١ق، ص 14)، ولكن كالعادة، لعدم توافر المعايير الدّقيقة لمحاربة الغلو، وحاجة الطائفة الشّيعيّة في قمّ إلى الأحاديث التي ترفع معنوياتهم، أعادوا البرقي إلى قمّ مرة أخرى. وكان الخطاب الشّائع في كتاب «المحاسن» إذ يساهم كثيرًا في التّطرف الدّيني ونمو أفكار الغلاة (ابن الغضائري، 1364ش، ص 39). وفي كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني والذي أُلِّف أغلبه في قمّ، يمكن رؤية عدد من الغلاة فيه (هالم، ١٣٨٩ش، ص ٨٧). کان الحسين بن زيد النّوفلي، وداود بن كثير، ومحمد بن جمهور العمي، ومحمد بن سنان، ومعالي بن خنيس، ومحمد بن عيسى بن عبيد، وإبراهيم بن إسحاق النهاوندي، و… من الذين يُعدُّهم كتاب الرّجال من الغلاة، ويمكن رؤية أسمائهم في العديد من كتب الحديث المكتوبة في قمّ. وفي مواجهة هذه الآراء المتطرفة لغلاة قمّ، تشكلت مجموعة أخرى تسمى بـ«المقصرة» والتي حاولت التّخفيف من آراء الغلاة، ووقفت مقابل الغلاة تمامًا (صفري فروشاني، 1378ش، ص 190).
- تزييف الحديث: ونظرًا للاهتمام الكبير الذي حظي به الأئمة لدی الشّيعة، فقد اجتهدوا في نقل أحاديثهم وكتابتها. ومن خلال الدّراسة والبحث في تاريخ الحديث الشّيعي، وبالنظر إلی الظروف الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة لتاريخ الإسلام بعد رسول الله (ص)، يمكن تقسيم عمليّة صدور الأحاديث، وكتابتها بعد النّبي إلى عصر كلّ إمام على حدة (الغروي النائيني، 1386ش، ص 49) وقد كُتِبت أحاديث مختلفة من كلّ إمام. وكان الغلاة يدخلون أفكارهم في شكل الأحاديث، وينسبونها إلى الأئمة (ع) ويكلفون عدّه كعُمّال بتقديم أنفسهم على أنّهم من أنصار الأئمة، وبعد أن ينالوا ثقتهم، يأخذون كتب أصحاب الأئمة، ويقومون باستنساخها وإدخال الأخبار الكاذبة في الكتب المستنسخة، ويعيدون الكتب الأصليّة إلى أصحابها (صالحي نجف آبادي، 1401ش، ص 12-11). وبهذه الطريقة كانت أحاديث كثيرة تدخل إلى المجتمع الشّيعي، وخاصة في قمّ. وكانت إزالتها مهمّة صعبة للغاية؛ لأنّه كان من الصعب جدًا التّواصل مع الأئمة في قمّ بسبب بعدهم، كما عاش أصحاب الأئمة قيودًا شديدة من الحكومات. وقد أخبر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، أحد شيوخ قمّ في القرن الثالث، الإمام الحسن العسكري عن هذه الأحاديث المنشورة في قمّ، أنّ هذه الأحاديث تشمئز منها القلوب، كما أنّهم يفسرون الآيات وفق تأويلهم الشّخصي لها، وينسبون الألوهيّة إلی أمثال علي بن حسكة. وكان الإمام العسكري يبطل مثل هذه الأحاديث، ويطلب من الشّيعة التّراجع عنها والتّجنب منها (الكشي، المجلد الـ2، 1404ق، ص 803). وكان محمد بن علي الصيرفي، المعروف بأبي سمينة، أحد المحدثين المعروفين بالغلو في العراق. وبعد أن تهيأت الظروف، جاء إلى قمّ ونشر أحاديث مغالية كثيرة، وظهر غلوّه شديد الوضوح في قمّ إذ اضطر إلى العيش في الخفاء لمدّة. لكن أحمد بن محمد بن عيسى نفاه أخيرًا من قمّ (قهپائي، المجلد الـ5، ١٣٦٤ش، ص ٢٦٥)، وإن خلّف تراثه الحديثي فيها، ونقل منها المحدثون اللاحقون في كتبهم. وكان سهل بن زياد الآدمي من غلاتها فقد كان يقرأ الأحاديث المغالية على الناس، فأدّی عمله هذا إلی أن يخرجه شيوخ قمّ من المدينة (النجاشي، ١٣٦٥ش، ص ١٨٥).
- تفسير الأحاديث وتأويلها: كان بإمكان الغلاة تفسير أي حديث للأئمة، وشرحه بغير معناه وإعطاء معنى متحيز للأحاديث لمصلحتهم. وكانوا يعبّرون عن تفسيراتهم الخاصة لبعض الأحاديث لأتباعهم، وإذا كان الأئمة يلعنونهم ويشتمونهم مباشرة أو بحضور أشخاص موثوقين، فإنّ الغلاة كانوا يقولون: إنّ الأئمة أدلوا بمثل هذه التّصريحات بسبب التقيّة. لقد أصبحت مكافحة الغلاة صعبة للغاية في هذا الجانب، حتى أنّ أقرب الناس إلى الأئمة كانوا يصابون بشكّ في شأنهم. وكان محدثون في قمّ يستطيعون إعطاء معنى باطني للأحاديث، وتقديمها للناس وإفساح المجال لقبول الأفكار المغالية. وكان محمد بن موسى بن عيسى من الغلاة الذين قاموا بمثل هذا العمل في قمّ، على الرّغم من أنّه كان يُعرف بالمغالي عند أهل قمّ، وطُرِد منها في النهاية (الخوئي، المجلد الـ١٨، ١٣٧٢ش، ص ٢٩٩-297). وكان الغلاة في قمّ أكثر ما يستغلون مثل هذه الأحاديث: «قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): ضَعْ لِي فِي الْمُتَوَضَّإِ مَاءً. قَالَ: فَقمّتُ. فَوَضَعْتُ لَهُ. فَدَخَلَ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنَا أَقُولُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا وَيَدْخُلُ الْمُتَوَضَّأَ. فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ. فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، لَا تَرْفَعُوا الْبِنَاءَ فَوْقَ طَاقَتِنَا، فَيَنْهَدِمَ. اجْعَلُونَا عَبِيدًا مَخْلُوقِينَ، وَقُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: كُنْتُ أَقُولُ فِيهِ وَأَقُولُ حَدَّثَنَا» (الصفار، المجلد الـ1، 1404ق، ص 241). والظاهر أنّهم كانوا ينزعون الربوبيّة عن الأئمة فقط ويبالغون في سائر صفاتهم، ويقرؤون هذا الحديث في الرّد علی المخالفين. ومع انتشار مثل هذه الأحاديث، كان معيار الغلوّ يصل إلى أدنى مستوياته في قمّ، وتتوافر ظروف قبول الأحاديث الضعيفة والتأويلات المغالية لها أكثر من قبل. في الحالات التي كان فيها قبول بعض الأحاديث صعبًا وغير مقبول بالنسبة إلى الشّيعة، كان الغلاة بتأويل أحاديث مثل: «وَاللَّهِ إِنَّ أَحَبَّ أَصْحَابِي إليّ أَوْرَعُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ وَأَكْتَمُهُمْ لِحَدِيثِنَا، وَإِنَّ أَسْوَأَهُمْ عِنْدِي حَالًا وَأَمْقَتَهُمْ لَلَّذِي إِذَا سَمِعَ الْحَدِيثَ يُنْسَبُ إِلَيْنَا وَيُرْوَى عَنَّا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ، اشْمَأَزَّ مِنْهُ وَجَحَدَهُ وَكَفَّرَ مَنْ دَانَ بِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الْحَدِيثَ مِنْ عِنْدِنَا خَرَجَ وَإِلَيْنَا أُسْنِدَ. فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَارِجاً عَنْ وِلَايَتِنَا» (الكليني، المجلد الـ2، 1407ق، ص 223) يمهّدون المجال لقبول الأحاديث المغالية وتأويلاتها. لقد كانت تفسيرات غلاة المتحيزة لهذه الأحاديث ترخيصًا لمعتقدات الغلاة؛ لأنّه وفاقًا لهذه الأحاديث، كانوا يحذفون الربوبيّة أو الألوهية فقط، لكنهم يضيفون إلی الأئمة أيّ اعتقاد غير مناسب يحلو لهم.
- الموارد الماليّة الشّرعيّة:
- تراجع وضع الغلاة في العراق: لقد كانت مدن العراق وخاصة بغداد، والكوفة من البيئات الشّيعية التي يوجد بها عدد كبير من الشّيعة، والأمكنة التي تشكلت فيها المراكز الشّيعيّة المهمّة. ولا شك أنّ مثل هذه الأماكن كانت أفضل أرضيّة للغلاة؛ لأنّ الكثير من الشيعة كانوا يتأثرون بسهولة بالاتجاهات المغالية.
لكن شيعة العراق بسبب ميولهم السياسيّة الكثيرة ضد الخلفاء، كانوا يقيمون انتفاضات تدريجيًّا، وعلى الرّغم من الانتصارات التي حققوها، كانوا يُقمّعون من الحكومة بشدة، فتتلاشى خططهم وأفكارهم الحماسيّة (هالم، 1389ش، ص 76) وأخيرًا أدت القيود الصّارمة ضد الشّيعة إلى تقليص الطوائف المغالية في العراق. ومن ناحية أخرى، أصبحت دعايتهم في العراق أيضًا ضعيفة جدًا. وفي القرنين الثالث والرابع الهجريين، لم يكن هناك أخبار عن تلك الطوائف المغالية الكبيرة والشّعبيّة، وتحوّلت إلى مجموعات صغيرة جدًا. وعلى الرّغم من أنّ مدينة الكوفة في منطقة العراق كانت متجانسة، ومثيرة للإعجاب من حيث عدد السّكان الشّيعة، إلّا أنّه تدريجيًّا مع بناء مدن أخرى مثل بغداد، توزع شيعتها في هذه المدن (المحرمي، 1387ش، ص 189). وكانت في كثير من الأحيان تحت إشراف أهل السُّنة ما تسبب بهذا التشتت، وبصمت الشّيعة في انخفاض أنشطة الغلاة. لكن في القرنين الثالث والرابع نفسهما، عُرِفت مدينة قمّ أنها مركز شيعي يتمتع بالحريّات الاجتماعيّة للشّيعة، وهي بطبيعة الحال تحولت إلی مكان مناسب لهجرة الغلاة إليها. فنُقِلت قواعد المدارس الشّيعيّة العراقية إلى إيران، وخاصة إلی قمّ (گرامي، 1391ش، ص 104). وفي القرنين الثالث والرابع في العراق، بدأت الصّراعات والنّزاعات رسميًّا بين الشّيعة والسُّنة بين عامة النّاس، وأصبحت شوارع المدن مسرحًا للصراع بين الناس (اليعقوبي، 1385ش، ص 61).
تعرض في هذه الصّراعات الشّيعة إلى المزيد من الأضرار بسبب قلّة أتباعهم وسكانهم. لقد أصبح العراق، وخاصة مدينة الكوفة، غير آمن بالنسبة إلى الغلاة، وأصبحت مكانتهم ضعيفة للغاية. وفي الوقت نفسه، أصبح وضع الشّيعة في مدينة قمّ مناسبًا للغاية، وكانوا ينخرطون بحرية في أنشطتهم الدّينيّة، وكانوا يدافعون عن أي نوع من الفكر الذي يميل إلی الأئمة.
- موارد قمّ المالية والاقتصادية للغلاة:
كان كلٌّ من الجانب الاقتصادي والمالي وفي كثير من الأحيان يتسببان في انحراف الأديان والمذاهب؛ لأنّ كثيرًا من الناس يسيئون استغلال هذا الجانب كثيرًا. وكان أحد الدّوافع المهمة للغلاة هو كسب المال، والمعاش من خلال الأنشطة الاقتصاديّة التي كانت موجودة عند التّشيع، وهم سرعان ما تسللوا إلى هذه الموارد الاقتصاديّة، واستخدموا العديد من التّكتيكات لجذب ممتلكات الناس وأموالهم. من خلال دراسة حياة القادة الغلاة وشخصياتهم، يمكن للمرء أن يدرك بسرعة أنّهم كانوا أذكياء وسيّاسيين أنشأوا مجموعات مختلفة من أجل تحقيق السّلطة وکسب الثروة لأنفسهم، ومن خلال الاستشهاد بالأحاديث عن النّبي وأهل البيت استُغلوا بعواطفهم وأضلوهم (إيزدي، 1401ش، ص 50). خلافًا لبيئة العراق، حيث كانت هناك مجموعات مختلفة من الشّيعة، وأحيانًا كانت تشتعل حرب داخليّة بينهم، كان معظم سكان قمّ من الشّيعة، وكان لهم أكثر حساسيّة لشؤونهم الدّينيّة. كما كان أهل قمّ أكثر اتحادًا في الأمور المالية، ويحاولون إرسال أموالهم الدّينيّة إلى الأئمة ووكلائهم، ويرفضون التّعاون مع خلفاء ذلك العصر قدر الإمكان، ويتبعون في دفع ضرائب الأراضي السياسة النّضاليّة والانفصاليّة العلانيّة تجاه السلطة السياسية المركزيّة. وبما أن أهل قمّ لم يكونوا على علاقة جيدة بالخلفاء الأمويين والعباسيين، فلم يُعدُّوهم أهلًا لتلقي الزّكاة والخمس وغيرهما، ولهذا السّبب كان الخلفاء دائمًا يتنازعون مع أهل قمّ. وهم كانوا يرسلون الزّكاة والخمس وغيرهما إلى أئمة الشّيعة، حتی ورد في الأخبار أنّ أهل قمّ أرسلوا الخمس إلى الأئمة لأول مرة (النجاشي، ١٤١٨ق، ص ١٧٧). وقد أُلِّفت في قمّ كتب كثيرة عن الخمس والزكاة، ما يدل على أهمية المسائل المالية هناك. وكان نظام الوكلاء في قمّ أكثر تنظيمًا من المناطق الشيعية جميعها، وترسل مبالغ كبيرة عن طريق هذا النظام إلی الأئمة.
وبالإضافة إلى استلام الخمس والزكاة التي كان يستمتع بها غلاة قمّ، كان لهم أيضًا تأثير في حالات مثل الهدايا، والصدقات، والتبرعات، والأوقاف، وغيرها؛ لأنّه كانت فيها موارد مالية وفيرة، وكان الكثير من الشّيعة يرسلونها إلی الأئمة أو العتبات المقدسة الشّيعيّة (مدرسي طباطبائي، 1400ش، ص 45). ودخل الغلاة في هذه السلاسل الماديّة والماليّة لاستغلالها. لقد كان تأثير الغلاة في هذا الجانب المالي للشّيعة متوقعًا، وكان قلّة عدد الوكلاء وكثرة عدد الشّيعة في جميع أنحاء المجتمع الإسلامي مهدت أرضية مناسبة جدًا لنمو الغلاة وحصولهم على الكثير من الثروة. وفي بعض الأحيان كان الممثلون يتقلبون بين الشّيعة بشكل متنقل ويستلمون الأموال الدّينيّة. كانت هذه الطريقة هي أسهل طريقة لتسلّل الغلاة، ويمكنهم الحصول على الأموال من دون العودة إلى المكان السّابق. وفي قمّ، حتى بين الوكلاء، كان هناك خلاف إذ كان السّكان مجبورين أنّ يراسلوا الأئمة لمعرفة حقيقة بعض الأمور (الكشي، المجلد الـ2، 1404ق، ص 859-858)، وإن تسلل الغلاة والمستغلين في المراسلات بعد مدّة، وقاموا بتزوير رسائل من الأئمة إلى أهل قمّ، ما أدى إلى زيادة الشكوك والاشتباه في شؤون الشّيعة ( ابن شهرآشوب، ص 434-433).
وكان أهل قمّ يرسلون واجباتهم الماليّة إلى الأئمة قدر الاستطاعة، ولكن بما أن الأئمة كانوا يواجهون قيودًا كثيرة من الخلفاء، لم يتمكنوا من استلام الأموال الدّينيّة مباشرة، فكان وكلاؤهم ونوابهم مسؤولين عن هذه المهمة. وفي الحالات التي أرسل فيها الشّيعة الخمس والزكاة إلى الأئمة، استُجوِب الأئمة من الحكومة، ووجهت إليهم تهديدات خطيرة وجديّة (جعفريان، 1391ش، ص 470-469). وكان محمد بن ناصر الفهري من أشهر الغلاة يحصل على ثروة طائلة من خلال انخراطه في الجوانب الاقتصاديّة للشيعة، وكان الإمام العسكري يعلن للشيعة أنّ هذا الشخص يأكل من الناس باسمنا، ويثير الفتنة والتّحرش. علي بن حسكة وفارس بن حاتم القزويني وابن بابائي القمّي كانوا من الغلاة الذين حصلوا على أموال من شيعة قمّ باسم الأئمة وادّعوا التّواصل مع الأئمة، غير أنّ أمرهم يفتضح في النهّاية ويرفض الإمام العسكري ادعاءاتهم ويقول: إنّهم يريدون الوصول إلى الدنيا عن طريقنا. وفي تكملة الرسالة يطلب الإمام من الشّيعة المواجهة المادية ضد ابن بابا القمّي (الكشي، المجلد الـ2، 1404ق، ص 805).
وكان أهل قمّ يقومون بوقف أراضٍ واسعة للأئمة ويرسلون إليهم منتجاتها، وفي المقابل كانوا يتلقّون من الأئمة الملابس، والأكفان، والخواتم، وغيرها على سبيل الشّفاء والتبرك (القمّي، 1361ش، ص 279). ولو كان شخص يستطيع أن يؤكد لأهل قمّ أنّه على الاتصال بالأئمة، والتواصل معهم وأنّه أمين على أموال الناس، فعندئذ يحصل على سيل كبير من الزّكاة، والخمس، والهدايا، والصدقات، والتبرعات وغيرها.
- الخاتمة
من الموضوعات المهمّة في الأبحاث الحديثة للتاريخ الإسلامي هو دراسة الغلو؛ لأنّ الوصول إلى فهم أشمل للغلو وتراثه يمكن أن يساعد الباحثين في بحوثهم. وفي نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري، تزايد نموّ الغلو في العراق بشكل سريع وترك آثارًا مدمرة. ولكن بعد مرور مدّة، وفي القرنين الثالث والرابع، أخذ الغلو ينمو في قمّ وينشط كتيار قوي إذ اضطر شيوخها إلى طرد عدد منهم من المدينة ردًا على هذا الاتجاه. وإلى جانب قمّ التي كانت إحدى المدن الإسلاميّة في إيران، كانت هناك مدن أخرى في المجتمع الإسلامي ينشط فيها المسلمون، غير أن مدينة قمّ كانت فيها أرضية مناسبة للنزعة المغالية. ولم يكن أهل قمّ معروفين بالغلو فحسب، بل هاجر الأشخاص المشهورون بالغلو في العراق إلى قمّ أيضًا.
وعلى الرّغم من أن عملية أسلمة أهل قمّ كانت بطيئة جدًا في البداية، إلّا أنّه مع الهجرة الواسعة للقبائل الأشعرية وهيمنتها هناك، استطاعوا أن يؤثروا كثيرًا في اعتناق أهل قمّ دين الإسلام. واضطر العديد من القبائل الأشعريّة إلى الهجرة إلى قمّ بسبب ميلهم إلى التّشيع ومعارضتهم السياسية للحكام الأمويين، وهناك نشروا أفكارهم بحريّة وصراحة وزادوا من حجم معارضتهم للحكومات. كانت الحرب وكان الصّراع المستمر بين أهل قمّ مع الحكومات بحاجة إلى مزيد من التّشجيع، وهكذا اجتذبوا إليهم بسرعة العديد من علماء الحديث، والفقه، وعلم الكلام، وغيرها من الشّيعة في أماكن مختلفة. وبينما كانت شبه دولة قمّ متعطشة للدّعم الدّيني لإجراءاتها، استمرت حركة الغلو في النّمو بقمّ، وتمكنت من نشر الكثير من الأحاديث أو تأويلها هناك. ونظرًا لعدم قبولهم للخلفاء من حيث الشّريعة، رفض أهل قمّ منحهم الأموال الشّرعية مثل الخمس والزكاة والهدايا وغيرها، وبدلًا من ذلك أرسلوا هذه الأموال إلى الأئمة قدر الإمكان. ومن ناحية أخرى، وبسبب التّضييق الشّديد على الأئمة من الخلفاء، تشكل نظام يسمى بـ«الوكالة» بين الشّيعة. وكانت المبالغ الشّرعيّة الطائلة التي تدفعها الشّيعة في قمّ للأئمة أحد المجالات التي تمكن بعض الغلاة من الحصول عليها، وتحقيق أهدافهم الماديّة باسم التّواصل مع الأئمة. وبالنظر إلی الأقوال والتّقريرات التاريخيّة يمكننا أن نستنتج أنّ معارضة الأشاعرة السياسيّة القويّة ضد الخلفاء، والسّرعة في تكوين الدّعم الدّيني لشيعة قمّ في إطار الأحاديث، والموارد الاقتصاديّة الشرعيّة مثل الخمس، والزكاة وغيرها، كانت من العوامل المهمّة وأسباب لنشوء تيار الغلاة ونموه في مدينة قمّ.
المصادر والمراجع
- ابن الأثير، أبو الحسن علي بن محمد الجزري: أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الفكر، بيروت، 1409ق.
- ابن الأثير، عز الدين علي: كامل تاريخ بزرگ إسلام وإيران. الترجمة: أبو القاسم حالت وعباس خليلي، مؤسسة مطبوعاتي علمي، طهران، 1371ش.
- ابن الغضائري، أحمد بن الحسين: الرجال، دار الحديث، قمّ، 1364ش.
- ابن الفقيه الهمداني، أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق: مختصر البلدان بخش مربوط به ايران، الترجمة: محدرضا حكيمي، بنياد فرهنگ إيران، طهران، 1349ش.
- ابن بابويه، محمد بن علي: الاعتقادات، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قمّ، 1371ش.
- ابن سعد، أبو عبد الله محمد: الطبقات الكبري، الترجمة: محمود مهدوي دامغاني، انتشارات فرهنگ وأنديشه، طهران، 1374ش.
- ابن شهرآشوب، محمد بن علي: المناقب، علامه، قمّ، لا تاريخ.
- ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، الطبعة الثالثة، دارالفكر، بيروت، 1414ق.
- أنصاري، حسن: از ميراث غلات، الطبعة الأولي، انتشارات علمي، طهران، 1401ش.
- إيزدي، ژاله: گونهشناسي انديشههاي غاليانه تا قرن پنجم هجري از منظر مؤلفين كتب أربعه، الطبعة الثالثة، حوزه مشق، ملارد ، 1401ش.
- تاكر، ويليام فردريك: مدعيان مهدويت وهزارهگرايان: نگاهي به جنبشهاي غاليان شيعي عراق در سدههاي نخستين، الترجمة: حميد باقري، حكمت، طهران، 1397ش.
- جعفريان، رسول: تاريخ تشيع در إيران: از آغاز تا طلوع دولت صفوي، الطبعة الثالثة، نشر علم، طهران، 1388ش.
- جعفريان، رسول: حيات فكريسياسي إمامان شيعه، الطبعة الثانية، نشر علم، طهران، 1391ش.
- جعفري، سيد محمدحسين: تشيع در مسير تاريخ: تحليل وبررسي علل پيدايش تشيع وسير تكويني آن در إسلام، الترجمة: سيد محمدتقي آيت اللهي، الطبعة الثامنة عشر، نشر فرهنگ إسلامي، طهران، 1392ش.
- جودة، جمال: أوضاع اجتماعي واقتصادي موالي در صدر إسلام، الترجمة: مصطفي جباري ومسلم زماني، نشر ني، طهران، 1382ش.
- الجيهاني، أبو القاسم بن أحمد: أشكال العالم، الترجمة: علي بن عبد السلام كاتب، آستان قدس رضوي، مشهد، 1368ش.
- حقيقت، عبد الرفيع: فرهنگ تاريخي وجغرافيايي شهرستانهاي إيران، الطبعة الأولي، انتشارات كومش، 1376ش.
- الحموي، ياقوت بن عبد الله: معجم البلدان، الطبعة الثانية،دار صادر، بيروت، 1995م.
- الخضيري، أحمد حسن: دولت زيديه در يمن 280-298ق/911-893م، الترجمة: أحمد بادكوبه هزاوه، الطبعة الثالثة، پژوهشگاه حوزه ودانشگاه، قمّ، 1391ش.
- خوري حتي، فيليپ: تاريخ عرب، الترجمة: أبو القاسم پاينده، انتشارات علمي وفرهنگي، طهران، 1380ش.
- الخوئي، أبو القاسم الموسوي: معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، لا دار، لا مکان، 1372ق.
- الرازي، أبو حاتم: الزينة، التصحيح: عبد الله سلوم السامرائي، دار الحرية، بغداد، 1392ق.
- الراوندي، محمد بن علي: راحة الصدور، الاهتمام: جعفر شعار، انتشارات أمير كبير، طهران، 1369ش.
- زيدان، جرجي: تاريخ تمدن إسلامي، الترجمة: علي جواهر كلام، الطبعة الثامنة، انتشارات أمير كبير، طهران، 1372ش.
- الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم: الملل والنحل، المجلد الـ1، دار المعرفة، بيروت، 1415ق.
- الشيبي، مصطفي كامل: همبستگي ميان تصوف وتشيع، الترجمة: علي أکبر شهابي، جامعة طهران، طهران، 1353ش.
- صابري، حسين: تاريخ فرق إسلامي فرق شيعي وفرقههاي منسوب به شيعه، المجلد الثاني، الطبعة العاشرة، سمت، طهران، 1393ش.
- صالحي نجف آبادي، نعمت الله: غلو: درآمدي بر أفكار وعقايد غاليان در دين، الطبعة السادسة، انتشارات كوير، طهران، 1401ش.
- الصفار، محمد بن الحسين: بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد (صلّى الله عليهم)، التحقيق والتصحيح: محمد بن عباسعلي كوچهباغي، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قمّ، 1404ق.
- صفري فروشاني، نعمت الله: غاليان: كاوشي در جريانها وبرآيندها تا پايان سده سوم، الطبعة الثالثة، بنياد پژوهشهاي إسلامي، مشهد، 1378ش.
- الطبري، محمد بن جرير: تاريخ طبري، الترجمة: أبو القاسم پاينده، أساطير، طهران، 1375ش.
- طقوش، محمد سهيل: دولت أمويان، الترجمة: حجت الله جودكي (با افزودههايي از رسول جعفريان)، الطبعة السادسة، پژوهشگاه حوزه ودانشگاه، قمّ، 1391ش.
- العلامة الحلي، حسن بن يوسف: خلاصة الأقوال، دار الذخائر، النجف، 1411ق.
- غروي نائيني، نهله: تاريخ حديث شيعه تا قرن پنجم، شيعهشناسي، قمّ، 1386ش.
- فرشچيان، رضا: پيشگامان تشيع در إيران (همراه با رويكردي تفصيلي به رجال أشعريان)، زائر، قمّ، 1384ش.
- فرغل، يحيي هاشم حسن: عوامل وأهداف نشأة علم الكلام في الإسلام، مجمع البحوث الإسلامية، لا مکان، 1392ق.
- فرمانيان، مهدي: آشنايي با فرق تشيع، الحوزة العلمية، قمّ، 1387ش.
- فقيه محمدي جلالي، محمدمهدي: قيام يحيي بن زيد (عليه السلام) 98-125ق، وثوق، قمّ، 1385ش.
- فقيهي، عليأصغر: تاريخ مذهبي قمّ: بخش أول از تاريخ جامع قمّ، انتشارات زائر، قمّ، 1378ش.
- الفياض، عبد الله: تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، الطبعة الثالثة، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1406ق.
- قاضی، وداد: الكيسانية في التاريخ والأدب، دار الثقافة، بيروت، 1974م.
- القزويني، زكريا محمد بن محمود: آثار البلاد وأخبار العباد، الترجمة والإضافات: جهانگير ميرزاي قاجار، التصحيح والتكميل: ميرهاشم محدث، الطبعة الأولي، انتشارات أميركبير، طهران، 1373ش.
- القمّي، حسن بن محمد: تاريخ قمّ، الترجمة: حسن بن علي القمّي، توس، طهران، 1361ش.
- قهپايي، عنايت الله: مجمع الرجال، الطبعة الثانية، إسماعيليان، قمّ، 1364ش.
- الكشي، محمد بن عمر: اختيار معرفة الرجال، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قمّ، 1404ق.
- الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي (الطبعة الإسلامية)، التحقيق والتصحيح: عليأکبر غفاري و محمد آخوندي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1407ق.
- گرامي، سيد هادي: نخستين مناسبات فكري تشيع: بازخواني مفهوم غلو در انديشه جريانهاي متقدم إمامي، جامعة الإمام الصادق، طهران، 1391ش.
- محرمي، غلامحسن: تاريخ تشيع از آغاز تا پايان غيبت صغري، مؤسسه آموزشي وپژوهشي إمام خميني، مركز انتشارات، قمّ، 1387ش.
- مدرسي طباطبائي، سيد حسين: مكتب در فرايند تكامل: نظري بر تطور مباني فكري تشيع در سه قرن نخستين، الترجمة: هاشم ايزدپناه، الطبعة الخامسة عشر، كوير، طهران، 1400ش.
- مدير شانهچي، كاظم: تاريخ حديث، الطبعة الثانية عشر، سمت، طهران، 1401ش.
- المستوفي، حمد الله بن محمد: نزهة القلوب، الطبعةالأولي، دنياي كتاب، طهران، 1362ش.
- مسكويه، أبو علي: تجارب الأمم، المجلد الـ1، الترجمة: أبو القاسم إمامي، سروش، طهران، 1369ش.
- المقدسي، أبو عبد الله محمد بن أحمد: أحسن التقاسيم، الترجمة: علينقي منزوي، شركت مؤلفان ومترجمان إيران، مطبعة كاويان، طهران، 1361ش.
- ناصر الشريعة، محمدحسين: تاريخ قمّ، الاهتمام والمقدمة والتعليقات والإضافات: علي دواني، دار الفكر، قمّ، 1342ش.
- النجاشي، أحمد بن علي: رجال النجاشي، النشر الإسلامي، قمّ، 1418ق.
- نشار، علي سامي: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، القاهرة، 1977م.
- نيومن، أندروجي: دوره شكلگيري تشيع دوازده إمامي: گفتمان حديثي ميان قمّ و بغداد، الترجمة: مهدة أبوطالبي و محمدرضا أمين و حسن شكراللهي، مؤسسه شيعهشناسي، قمّ، 1386ش.
- هالم، هاينتس: تشيع، الترجمة: محمدتقي أكبري، الطبعة الثانية، نشر أديان، قمّ، 1389ش.
- هولت. بي. إم، لمبتون وإن. ك. س، لوئيس، برنارد: تاريخ إسلام كمبريج، الجلد الـ1، الترجمة: تيمور قادري، البعة الأولي، انتشارات أميركبير، طهران، 1383ش.
- يعقوبي، محمدطاهر: پراكندگي جغرافيائي شيعيان، شيعهشناسي، قمّ، 1385ش.
– طالب دكتوراه في فرع تاريخ الإسلام ـ قسم التاريخ ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة أصفهان. [1]
Doctoral student in the History of Islam branch – Department of History – Faculty of Arts and Humanities – University of Isfahan: Email: Moalem.amiri69@gmail.com
[2]– أستاذ مشارك في قسم التاريخ ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة أصفهان.
Associate Professor in the Department of History – Faculty of Arts and Humanities – University of Isfahan. Email: mostafapirmoradian@yahoo.com
[3]– أستاذ كامل في قسم التاريخ ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة أصفهان.
Dr. Full Professor in the Department of History – Faculty of Arts and Humanities – University of Isfahan
Email: M.chelongar@ltr.ui.ac.ir