آثار الثورات في العصر الأمويّ
د. فوّاز فرحات*
إنّ حركات الخروج على الدولة الأمويّة المتعددة الاتجاهات والأهداف نتج عنها العديد من الآثار السلبية، وإن كانت الدولة الأمويّة نجحت في القضاء عليها، إلا أن تلك الحركات أضعفت الدولة الأمويّة، وأنهكت قواها، وكان لها آثار خطيرة على مستقبلها وعلى مصيرها كله، وأسهمت في سقوطها ومن تلك الآثار ما يلي:
– عمق العصبية القَبليّة
والعصبية: أن يدعو الرجل إلى نُصرة عصبته، والتألب معهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين. وقد تعصبوا عليهم إذا تجمّعوا، واعصوصب القومُ إذا اجتمعوا، فإذا تجمّعوا على فريق آخرين قيل: تعصّبوا([1]).
– قال ابن خلدون في أن العصبية إنما تكون من الالتحام بالنسب أو ما في معناه.
وذلك أن صلة الرحم طبيعة في البشر إلا في الأقل، ومن صلتها النعرة على ذوي القربى وأصل الأرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة، فإن القريب يجد في نفسه غضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه، ويود لو يحول بينه وبين ما يصله من المصاعب والمهالك نزعة طبيعية في البشر منذ كانوا، فإذا كان النسب المتواصل بين المتناصرين قريبًا جدًّا بحيث حصل به الاتحاد والالتحام كانت الوصلة ظاهرة فاستدعت ذلك بمجردها ووضوحها، وإذا بَعُد النسب بعض الشيء فربما تنوسي بعضها ويبقى منها شهرة([2]).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من دعا إلى عصبيةٍ وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية)([3]).
ومن مظاهر العصبية القَبليّة في العصر الأمويّ ما يلي: لما استوثق الأمر لعبد الله بن الزبير في العراق ثارت قيس بزعامة زفر بن الحارث وطردت أمير قسرين وكان من كلب، وبعد وفاة معاوية، بايع أمير حمص أيضًا عبد الله بن الزبير بالخلافة، وانقلب الضحاك بن قيس الذي كان ذا نفوذ في دمشق على الأمويّين وحازب ابن الزبير([4]).
وكان الضحاك بن قيس الفهري([5]) عاملًا ليزيد بن معاوية على دمشق([6])، حتى هلك، فجعل يقدم رجلًا ويؤخر أخرى، إذا جاءته اليمانية وشيعة بني أمية أخبرهم أنه أمويّ، وعندما جاءت القيسية أخبرهم أنه يدعو إلى ابن الزبير، فلما قدم مروان قال له الضحاك: هل لك أن تقدم على ابن الزبير ببيعة أهل الشام؟ قال: نعم، وخرج من عنده فلقيه عمرو بن سعيد بن العاص([7])، ومالك بن هبيرة([8]) وحصين بن نمير الكنديان وعبيد الله بن زياد فسألوه عما أخبره به الضحاك، فأخبرهم فقالوا له: أنت شيخ بني أمية وأنت عم الخليفة هلم نبايعك، فلما فشا ذلك أرسل الضحاك إلى بني أمية يعتذر إليهم ويذكر حسن بلائهم عنده، وأنه لم يرد شيئًا يكرهونه، فاجتمع مروان بن الحكم، وعمرو بن سعيد بن العاص، وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية وقال لهم: اكتبوا إلى حسان بن بحدل([9]). فليس من الأردن([10]) حتى ينزل الجابية([11]) ونسير من ههنا حتى نلقاه فيستخلف رجلًا([12]).
عندما مات يزيد بن معاوية ودعا مروان إلى نفسه بالخلافة فأجابه أهل حمص([13]) وأهل الأردن وفلسطين قال فوجه إليه ابن الزبير رضي الله عنهما الضحاك بن قيس الفهري في مائة ألف، فالتقوا بمرج راهط قال: ومروان يومئذٍ في خمسة آلاف من بني أمية ومواليهم وأتباعهم من أهل الشام([14])، وكانت قيس تدعو إلى ابن الزبير ونصرة الضحاك، وكلب تدعو إلى بني أمية وإلى خالد بن يزيد، وتتعصب ليزيد بن معاوية([15])؛ وانتهت موقعة مرج راهط بهزيمة القيسية وقتل الضحاك بن قيس الفهري سنة 65هـ([16])، الذي نتج عن تلك المعركة هو الصراع القبلي الذي لا ينتهي إلا بسقوط الدولة الأمويّة، وقد تجسد الصراع بين قبيلتي يمن وقيس، مثلهما في مرج راهط الضحاك بن قيس عن العصبية القيسية وابن بحدل وأتباعه عن العصبية اليمانية، وهكذا حل الصراع القبلي محل الصراع من أجل الخلافة الذي كان محصورًا بين فروع قبيلة قريش في السابق، وشكل ذلك الصراع على مر الأيام أحد الأسباب الرئيسة القوية، التي هزت وزعزعت أسس ووجود الدولة الأمويّة وجعلتها تسقط بسهولة أمام العباسيين([17])، وقد أذكت تلك الموقعة نار العصبية القَبليّة بين اليمنية والمضرية، لا في الشام فحسب، لكن في سائر الولايات الإسلامية ولا سيما في خرسان، وظهر العداء بين اليمنية والقيسية في صورة نزاع متصل بين عرب الشمال وعرب الجنوب، وامتد لهيب العصبية إلى أقصى البلاد التي وصلت إليها الفتوح الإسلامية، وقد أسفرت موقعة مرج راهط على نتائج مُهِمَّة فقد انتقل الملك من الفرع السفياني إلى الفرع المرواني([18])، وأشعل خلفاء بني أمية العصبية القَبليّة؛ الأمر الذي فتت قاعدتهم في بلاد الشام وشطرها شطرين أحدهما قيس ينتمي إلى عرب الشمال، والآخر يمني ينتمي إلى عرب الجنوب، وقد سعى معاوية المؤسس منذ البدء إلى تلافي هذه المشكلة، ونجح في ذلك إلى حد كبير، ولكن أعقابه ولا سيما الأسرة المروانية التي تسلمت السلطة عام 64هـ، على يد مروان بن الحكم في أعقاب تلك المعركة القَبليّة العنيفة بين اليمانيين والقيسيين التي عرفت بمعركة مرج راهط هذه الأسرة، مارس معظم خلفائها سياسة قَبليّة واضحة أخذت تتصاعد يومًا بعد يوم، وامتد تأثيرها إلى الأقاليم كافة وإلى سائر مساحات الحياة الإدارية والسياسية والاقتصادية، فكانت أحد العوامل الخطيرة في تدمير الوجود الأمويّ في نهاية الأمر([19])، كما تمكن مروان بفضل ولاء الحميريين له من الزحف على الضحاك، زعيم المضريين، الذي كان قد أيد قضية عبد الله بن الزبير، وتقابل الطرفان في مرج راهط، على بضعة أميال إلى الشمال الشرقي من دمشق، وبالرغم من تفوق الحميريين عددًا، فقد كانت المعركة الأولى سجالًا بين الفريقين، ولكن مروان دبر مكيدة للضحاك قتل على أثرها ثم حمل على المضريين وألحق بهم([20]) هزيمة منكرة، وعندئذٍ دخلت الشام كلها في طاعته، ولم تلبث مصر أن حذت حذوها.
وعند استقرار الأمر لمروان نكث بوعده لخالد، وأرغم عمرًا على التنازل عن ولاية العهد لولديه عبد الملك بن مروان وعبد العزيز بن مروان، وأن موقعة مرج راهط قد هاجت الأحقاد التي كانت كامنة في صدور الحميريين والمضريين سنين طويلة، وشرع الحميريون، بعد رجحان كفتهم، يعاملون منافسيهم المضريين أسوأ معاملة، واستمر الحال على ذلك طوال عهد عبد الملك بن مروان([21])، وقتلت قيس بمرج راهط مقتلة لم يقتل مثلها في موطن قط([22]).
من المعروف أن بني أمية حذرين منشقين على أنفسهم، وكان الحميريون في الشام يحسدون المضريين على تفوقهم وتمكن مروان بدهائه وبراعته في إعداد المؤامرات، فاكتسب تأييد خالد بن يزيد بأن وعده بولاية العهد، كما اكتسب ولاء ابن عمه عمرو، وكان له أتباع من بني أمية كثيرون، بوعد مماثل، كما أنه رشا الحميريين في الشام بأن منح زعماءهم الامتيازات السخية([23]).
وتراكم تذمر اليمنية بالشام والعراق، بدؤوا يضجون بالشكوى من بني أمية، ويتضجرون منهم في نهاية القرن الأول بعد هزيمة عبد الملك بن مروان لعبد الرحمن بن الأشعث الكندي، ومن التفوا حوله من اليمنية وغيرهم، ثم حنقهم على بني أمية في بداية القرن الثاني، عندما نكب يزيد بن عبد الملك المهالبة وتنامى حقد اليمنية في آخر أيام هشام حين أقصى خالدًا عن العراق. وتصدى الوليد بن يزيد بن عبد الملك لخالد بن عبد الله القسري؛ لأنه قاوم رغباته السياسية فسجنه. وكان قتل يوسف بن عمر الثقفي لخالد خاتمة النكبات التي حاقت باليمنية بعثهم على التذمر لخلع الوليد واغتياله ثأرًا لزعمائهم وكرامتهم وسلطتهم([24])، ونتج عن مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك([25]) اختلاف القبائل اليمنية الشامية، وتضارب أهوائها السياسية، وانقسامها ومحاربة بعضها لبعض، وهي الأساس في جند بني أمية، فتفكك جيش الدولة في العاصمة، وتصدعت قوتها الضاربة وتصدعت([26]).
وكان لثورة يزيد بن المهلب نتائج بعيدة الأمد، كما أن القضاء على أزد اليمانية التي ينتسب إليها يزيد بن المهلب في الكرمان والعراق قد هز العالم العربي بأسره، وأشعل نار العداوة والبغضاء بين اليمانية والحميريين في إسبانية وأفريقية والمشرق، وانتصر أعداء المسلمين في كل مكان، بينما شجع عجز الخليفة ومستشاريه، وتولية الحكام من غير الأكفاء إلى الاضطرابات والفتن في البلاد([27])، وكان عمر قد حفظ التوازن بين الحميريين والمضريين، وقد تضافرت عوامل عديدة على تسهيل تطور المؤامرة وإشعال الثورة التي أحرقت الأمويّين، فما كاد عدل عمر ينسي الناس مظالم الحجاج حتى ولي يزيد الخلافة، فأثارت أعماله الوحشية التي أنزلها بأسرة سمية الثائر يزيد بن المهلب عداء اليمانيين([28])، وبعد مبايعة هشام بوقت صير شب نزاع عنيف بين المضريين والحميريين في خراسان، واقتضى قمعه بعض الصعوبة، وتلا ذلك النزاع ثورة أخرى قام بها أهل صغد([29])، وكان ضروريًّا في تلك المحنة لإنقاذ الدولة الأمويّة من الانحلال القدرة على الترفع عن العصبية القَبليّة، وهي صفة كان يفتقر إليها مروان الثاني، شأن معظم أفراد أسرته. فلو أنه كان يتحلى ببعد النظر واتساع أفق التفكير اللازمين لكل سياسي محنك، وبروح التسامح الذي كان باستطاعته وحده أن يؤلف بين العناصر المتنازعة، إذًا لتغير وجه التاريخ في آسية، لكن حدة مزاجه وعناده وقسوته زادت من حدة نقيصته. فبدلًا من أن يسعى إلى تهدئة الضغائن التي كانت تعصف بالأمة العربية، انغمس في المنازعات القَبليّة بذلك الحماس الأعمى، فعامل اليمانيين بقسوة أثارت كراهيتهم وحقدهم وأذكت من جديد نيران البغضاء بين الحميريين والمضريين([30])، وكانت العداوة المريرة بين مضر وحمير تعمل على تقويض دعائم الدولة الأمويّة في آسية. كان نصر، حاكم خرسان، مضريًّا، ولذلك تألب عليه الحميريون جميعًا وانتهز الدعاة العباسيين ذلك النزاع بين الفئتين العربيتين([31]) ومنذ وفاة هشام عبد الملك عام (126هـ/ 744م) وحتى سقوط الدولة الأمويّة عام (132هـ/ 750م)، أخذت الأفعال وردود الأفعال القَبليّة تتصاعد، وكانت من بين الثغرات العديدة التي نفذت إليها الدعوة العباسية لتحقيق أهدافها، انحاز الوليد بن يزيد بن عبد الملك (152ه – 126هـ) إلى القيسية، وشددوا الخناق على اليمانية، فثاروا عليه وحرضوا ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك على البيعة لنفسه، وتمكنوا من قتله وتحقيق هدفهم بمبايعة يزيد بن الوليد الذي لبث ما إن وجد نفسه مضطرًا لإخماد فتنة القيسية في أماكن متعددة من الشام وفلسطين، كما اعتقل عددًا من قاداتهم، فلما توفي في هذا العام نفسه تولى الخلافة من بعده أخوه إبراهيم، إلا أنه لم يلبث في الحكم إلا أشهرًا معدودات، وتحرك ضده مروان بن محمد بأنصاره القيسيين وتمكن من هزيمة قواته من اليمانيين في دمشق، الأمر الذي دفعهم إلى سلسلة من الأعمال الانتقامية ضد القيسيين في دمشق، لكن مروان ما لبث أن دخل دمشق وأخمد فتنتها، لكنه لم يأمن على نفسه الإقامة فها لكثرة اليمانية، فانتقل إلى حران([32]).
ورغم انتصار مروان لم يحسم الصراع بين القيسية واليمانية، بل زادها اشتعالًا، وما لبث أن انتقل الصراع إلى أنحاء الدولة كافة، فثارت اليمانية في حمص والغوطة وفلسطين، وتمكن مروان من إخماد تلك الثورات الواحدة تلو الأخرى بعدما كلفه غاليًّا. كما انتشرت الصراعات القَبليّة في المغرب والأندلس، أما العراق فقد شهد الصراع نفسه بين الجماعتين، لولا أن وجد من استشرائه تفاقم أمر عدو مشترك هو الخوارج، أما في خراسان فقد استفحل الأمر بين الطرفين، واستمر الصراع سنين عديدة([33]).
وكان الأبرش ثلابة نسابة وكان مصاحبًا لهشام بن عبد الملك، فلما أفضت إليه الخلافة سجد وسجد من كان عنده من جلسائه، والأبرش شاهد لم يسجد، فقال له هشام: ما منعك أن تسجد يا أبرش؟ قال ولِمَ أسجد وأنت اليوم معي ماشيًا وغدًا فوقي طائرًا؟ قال: فإن طرت بك معي؟ قال: أتراك فاعلًا؟ قال: نعم. قال: فالآن طاب السجود([34]).
وبلغ من خطورة العصبية القَبليّة وآثارها المدمرة إنها كانت سببًا من أسباب قتل خليفة من الخلفاء الأمويّين، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك؛ فقد قتل خالد القسري وهو من اليمانية، والوليد بن يزيد من المضرية، والعصبية بين مضر واليمن على أشدها فسر الولد بمقتل القسري، وأظهر التشفي والشماتة. واقتتلوا قتالًا عنيفًا حاقت الهزيمة بمضر، فتحصن الوليد بقصره ولكن تسلقوا عليه القصر وقتلوه([35])، طلب المضرية بثأر الوليد، وإن المضرية تلاومت فيما كان من غلبة اليمانية عليها، وقتلهم الخليفة الوليد بن يزيد، فدب بعضهم إلى بعض، واجتمعوا من أقطار الأرض وساروا حتى وافوا مدينة حمص، وبها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وكان يومئذٍ شيخ بني أمية وكبيرهم، وكان ذا أدب كامل ورأى فاضل، فاستخرجوه من داره، وبايعوه، وقالوا له: (أنت شيخ قومك وسيدهم، فاطلب بثأر ابن عمك الوليد بن يزيد). فاستعد مروان بجنوده في تميم، وقيس، وكنانة، وسائر قبائل مضر، وسار نحو مدينة دمشق. وبلغ ذلك إبراهيم بن الوليد، فتحصن في قصره. ودخل مروان بن محمد دمشق، فأخذ إبراهيم بن الوليد وولي عهده([36]).
من جهة أخرى ظهر فريق من العراقيين الذين ندموا على التهاون في نصرة الحسين وآل بيته في موقعة كربلاء، وأقسموا على الانتقام من قتلته؛ وفي ذات ليلة اجتمعوا على قبر الحسين وأقاموا الصلاة وذرفوا الدموع، ثم ساروا لملاقاة أهل الشام. لقد أطلقوا على أنفسهم اسم التوّابين، واستطاعوا بقيادة زعيمهم سليمان بن صرد أن ينتصروا في بادئ الأمر في جميع المعارك التي خاضوها، لكنهم في النهاية لقوا هزيمتهم على يد جيش جرار بعث به مروان، وقتل سليمان وأمراء جيشه، وانهزم ومن قُدّرَ له النجاة من التوابين إلى الكوفة، حيث ثاروا مرة أخرى بقيادة المختار([37])، فانتقم المختار من قتلة الحسين وطاردهم وأمعن فيهم تقتيلًا، فأرسل إليه عبد الملك جيشًا بقيادة عبيد الله بن زياد الملقب بالجزار، فهزم جيش عبد الملك، وقتل الجزار، وحمل رأسه إلى المختار، وفي نهاية الأمر قُتل المختار ورجاله([38]).
عدما قُتل الحسين بن علي رضي الله عنه وأدخل النسوة من كربلاء إلى الكوفة جعلت نساؤها يلتطمن ويهتكن الجيوب عليه، فرفع علي بن الحسين عليهما السلام رأسه، وقال بصوت ضئيل وقد نحل من المرض يا أهل الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم؟ وأومأت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه([39]) إلى الناس أن اسكتوا فلما سكنت الأنفاس وهدأت الأجواء قالت: أبدأ بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد: يا أهل الكوفة يا أهل الختر والخذل لا فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرئة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، تتخذون أيمانكم دخلًا بينكم ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف وملق الإماء وغمز الأعداء، وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة وكفضة على ملحوذه، ألا ساء ما قدمت أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون إي والله فأبكوا وإنكم والله أحرياء بالبكاء، فأبكوا كثيرًا واضحكوا قليلًا، فلقد فزتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدًا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة، وسيد شبان أهل الجنة ومنار محجتكم ومدره حجتكم ومفرخ نازلتكم، فتعسًا ونكسًا، لقد خاب السعي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة، لقد جئتم شيئًا إذا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم، لقد جئتم بها شوهاء خرقاء شرها طلاع الأرض والسماء أفعجبتم أن قطرت السماء دمًا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل فإنه لا تحفزه المبادرة ولا يخاف عليه فوت الثأر كلا إن ربك لنا ولهم بالمرصاد([40])، ولما أتى الناس بالمدينة مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه، خرجت زينب بنت عقيل بن أبي طالب وهي تقول:
ماذا تقول إن قال النبي لكم | ماذا صنعتم وأنت آخر الأمم | |
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي | منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدمي | |
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم | أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي([41]) |
فلما سمع عمرو أصواتهم ضحك وقال:
نساء بني زياد عجة | كعجيج نسوتنا غداة الأرانب([42]) |
وكان جميع من قتل مع الحسين من أصحابه اثنين وسبعين رجلًا، ودفن أهل الغاضرية من بني أسد جثة الحسين، ودفنوا جثث أصحابه رحمهم الله بعدما قتلوا بيوم، وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلًا، سوى من جرح منهم، فصلى عمر عليهم ودفنهم. وأرسل عمر برأس الحسين من يومه مع خولي بن يزيد الأصبحي من حمير، وحميد بن مسلم الأزدي إلى ابن زياد فأقبلا به ليلًا فوجدا باب القصر مغلقًا، فأتى خولي به منزله فوضعت تحت أجانة في منزله، وكان في منزله امرأة يقال لها النوار بنت مالك الحضرمي فقالت له: ما الخبرة يقالأة ؟ قال: جئت بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار. فقالت: ويلك جاء الناس بالفضة والذهب وجئت برأس ابن بنت رسول الله، والله لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدًا([43]). قالت فقمت من راشي فخرجت إلى الدار فدعا الأسدية فأدخلها إليه وجلست أنظر قالت فوالله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة، ورأيت طيرًا بيضًا ترفرف حولها، قال: فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد وأقام عمر بن سعد يومه ذلك، والغد ثم أمر حميد بن بكير الأحمري، فأذن في الناس بالرحيل إلى الكوفة، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين مريض([44])، فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته أو أخته النوار بنت جابر: أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيد القراء، لقد أتيت عظيمًا من الأمر. والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدًا. وكانت مرجانة امرأة صدق، فقالت لعبيد الله حين قتل الحسين رضي الله عنه: عنك ويلك ماذا صنعت وماذا ركبت([45])!!!
وقد كتبت كلمات وأبيات للمشاركين في قتل الحسين تكشف عن ندمهم منهم ما يأتي:
وزعموا أن رضي بن منقذ العبدي رد بعد على كعب بن جابر جواب قوله فقال:
لو شاء ربي ما شهدت قتالهم | ولا جعل النعماء عندي ابن جابر | |
لقد كان ذاك اليوم عارًا وسبة | يعيره الأبناء بعد المعاشر | |
فيا ليت أني كنت من قبل قتله | ويوم حسين كنت في رمس قابر([46]) |
وندم الكثير من العلماء المشاركين في ثورة ابن الأشعث، فهذا طلحة بن مصرف يقول: شهدت الجماجم، فما رميت ولا طعنت ولا ضربت، لوددت أن هذه سقطت من ههنا ولم أكن شهدتها([47])، وعن محمد بن طلحة([48]) قال: رآني زبيد مع العلاء بن عبد الكريم ونحن نضحك، فقال: لو شهدت الجماجم ما ضحكت ولوددت أن يدي، أو قال يميني، قطعت من العضد وأني لم أكن شهدت وقتل الحجاج بمسكن خمسة آلاف أسير أو أربعة آلاف، حيث خرج مع ابن الأشعث خمسمائة من القراء كلهم يرون القتال([49]) كما ندم غيرهم من العلماء. والمسلمون ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب([50]) وعلي بن الحسين([51]) وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد.
وكما كان الحسن وغيره ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث، ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتلهم في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين([52])، ولهذا لما أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبًا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر، وابن عباس، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج وغلب على ظنهم أنه يقتل حتى إن بعضهم قال استودعك الله من قتيل، وقال بعضهم لولا الشناعة لأمسكتك ومنعتك من الخروج وهم بذلك قاصدون نصيحة طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين. والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى.
فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك إذ لم يكن في الخروج مصلحة لا في دين ولا في دنيا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله وسلم، حتى قتلوه مظلومًا شهيدًا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يحصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير([53])، وقال ابن حجر العسقلاني في أحد هؤلاء الذين يرون الخروج بالسيف: كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه ففي وقعة الحرة ووقعة بن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبر، وبمثل هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته واشتهر بالحفظ والإتقان والورع التام والحسن مع ذلك لم يخرج على أحد([54]).
وكان الحسن البصري ينهي عن الخروج على الحجاج، وعن الحسن البصري أنه سمع رجلًا يدعو على الحجاج فقال له: لا تفعل إنكم من أنفسكم أوتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن يتولى عليكم القردة والخنازير([55]).
وعن عبد الملك بن حبيب أنه قال: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالجهاد مع الولاة وإن لم يضعوا الخمس موضعه، وإن لم يوفوا بعهد إن عاهدوا، ولو عملوا ما عملوا، ولو جاز للناس ترك الغزو معهم بسوء حالهم لأستذل الإسلام، وتخيفت أطرافه واستبيح حريمه ولعلى الشرك وأهله([56]). فقال رسول الله “إنه يخرج من ضئضئي هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”([57]) وهذه صفة الخوارج الذين كاوا لا يطيعون الخلفاء([58]).
– قتلة الحسين والانتقام
تجرد المختار لقتل قتلة الحسين، وقال: ما من ديننا أن نترك قتلة الحسين أحياءً، بئس ناصر آل محمد أنا إذًا “في الدنيا، أنا إذًا” الكذاب كما سموني، وإني أستعين بالله تعالى عليهم، فسموهم لي ثم تتبعوهم حتى تقتلوهم، فإني لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم، فدل على عبد الله بن أسيد الجهني، مالك بن النسير البدي وحمل بن مالك المحاربي، فبعث المختار إليهم، فأحضرهم من القادسية، فلما رآهم قال: يا أعداء الله ورسوله، أين الحسين بن علي؟ أدوا إلى الحسين. قتلتم ابن من أمرتم بالصلاة عليهم. فقالوا رحمك الله، بعثنا كارهين، فأمنن علينا واستبقنا، فقال: هلا مننتم على ابن بنت نبيكم واستبقيتموه وسقيتموه؟ فأمر بمالك ابن النسير البدي فقطع يديه ورجليه وتركه يضطرب حتى مات، وقتل الآخرين، وأحضر زياد بن مالك الضبعي، وعمران بن مالك العنزي، وعبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي، وعبد الله بن قيس الخولاني، فلما رآهم قال: يا قتلة الصالحين، وقتلة سيد شباب أهل الجنة، قد أقاد الله منكم اليوم، لقد جاءكم الورس، بيوم نحس، وكانوا نهبوا من الورس الذي كان مع الحسين رضي الله عنه، ثم أمر بهم فقتلوا([59]).
فذهب المختار منهزمًا حتى دخل قصر الكوفة، فجاء أصحاب المختار حيث أصبحوا فوقفوا مليًّا، فلم يروا المختار/ فقالوا قد: قتل فهرب منهم من أطاق الهرب، واختفوا في دور الكوفة، وتوجه منهم نحو القصر ثمانية آلاف لم يجدوا من يقاتل بهم، ووجدوا المختار في القصر فدخلوا معه، وكان أصحاب المختار قتلوا في تلك الليلة من أصحاب مصعب بشرًا كثيرًا؛ فيهم محمد بن الأشعث وأقبل مصعب حين أصبح حتى أحاط بالقصر، فأقام مصعب يحاصره أربعة أشهر يخرج إليهم في كل يوم فيقاتلهم في سوق الكوفة من وجه واحد ولا يقدر عليه حتى قتل المختار، فلما قتل المختار بعث من في القصر يطلب الأمان فأبى مصعب حتى نزلوا على حكمه، فلما نزلوا على حكمه قتل من العرب سبعمائة، أو نحو ذلك وسائرهم من العجم قال: فلما خرجوا أراد مصعب أن يقتل العجم ويترك العرب، فكلمه من معه فقالوا: أي دين هذا؟ وكيف ترجو النصر وأنت تقتل العجم وترك العرب ودينهم واحد فقدمهم فضرب أعناقهم([60]) فأمر مصعب بالقوم جميعًا فقتلوا كانوا ستة آلاف.
الحالة الاقتصادية والحصار
وكان من آثار حركات الخروج على الحكام حدوث حصار اقتصادي ومن مظاهر الحصار الاقتصادي ما يأتي:
وجعل عبد الملك بن مروان معبد بن خالد بن ربيعة([61]) على قطع الميرة([62]) عن ابن الزبير وأهل مكة([63]). ثم سكن معبد الكوفة([64]) ولم يزل القتال بينهم دائمًا، فغلت الأسعار عند ابن الزبير وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه وقسم لحمها في أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم والمد الذرة بعشرين درهمًا، وأن بيوت ابن الزبير لمملوءة قمحًا وشعيرًا وذرة وتمرًا وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق ويقول أنفس أصحابي قوية ما لم يفتن، فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان خرج من عنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه أبناه حمزة وخبيب أخذًا لأنفسهما أمانًا فقال عبد الله لابنه الزبير: خذ لنفسك أمانًا كما فعل أخواك فوالله إني لأحب بقاءكم فقال: ما كنت لأرغب بنفسي عنك فصبر معه فقتل([65]) وكانت العير تحمل إلى أهل الشام من عند عبد الملك السويق والكعك والدقيق، لا تفتر حتى أخصبوا([66]) ولما تفرق أصحابه عند خطب الحجاج الناس، وقال: قد ترون قلة من مع ابن الزبير وما هم عليه من الجهد والضيق، ففرحوا واستبشروا وتقدموا فملؤوا ما بين الحجون إلى الأبواء، فدخل على أمه فقال: يا أماه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير، ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتل معك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار، ولا أهل الدين كم خلودك في الدنيا القتل أحسن فقال: يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني قالت: يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ فامض على بصيرتك واستعن بالله فقبل رأسها وقال هذا رأيي الذي خرجت إلى يومي هذا فلا يشتد حزنك وسلمي الأمر إلى الله فإن ابنك لم يتعهد إيثار منكر ولا عملًا بفاحشة، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم، أو معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به، بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي، اللهم لا أقول هذا تزكية لنفسي، ولكني أقوله تعزية لأمي حتى تسلو عني.
فقالت أمه لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلًا إن تقدمتني احتسبتك، وإن ظفرت سررت بظفرك، اخرج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك، فقال: جزاك الله خيرًا فلا تدعي الدعاء، لي قالت: لا أدعه لك أبدًا فمن قتل على باطل، فقد قتلت على حق، ثم قالت: اللهم ارحم طول ذاك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ هو في هواجر مكة والمدينة وبره بأبيه وبي اللهم قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فأثبني فيه ثواب الصابرين الشاكرين([67]).
ضرب الكعبة بالمنجانيق
زحف الأمويّون إلى مكة، حيث عبد الله بن الزبير، الذي كان قد بويع بالخلافة ولدى وصولهم إلى جوار مكة أحاطوا بالمدينة، وفي إبان المعركة التي نشبت فيما بعد أصيبت الكعبة، والأماكن المقدسة الأخرى بأضرار كبيرة([68])، وأذاع الأمويّون أن بن الزبير هو السبب في ما أصاب الكعبة، على حين ألقى ابن الزبير التهمة على عاتق الأمويّين، واختلف المؤرخون فيما بينهم عمن يقع عليه الاتهام، وسنستعرض آراء المؤرخين على اختلاف أهوائهم، وقد انقسم المؤرخون إلى فريقين:
أما المؤرخون الذين ألقوا بالمسؤولية على عاتق جند الشام ففي مقدمتهم المسعودي الذي قال: إن جند الشام هم سبب تهدم وحرق الكعبة موصوفًا ما حدث فقال([69]):
ونصب الحصينُ فيمن معه من أهل الشام المجانيق والعرادات على مكة والمسجد من الجبال والفِجَاج، وابنُ الزبير في المسجد، ومعه المختار بن أبي عُبَيد الثقفي، داخلًا في جملته، منضافًا إلى بيعته، منقادًا إلى إمامته، على، شرائط شَرَطها عليه لا يخالف له رأيًا، ولا يعصي له أمرًا، فتواردت أحجار المجانيق، والعرادات على البيت، ورمي مع الأحجار بالنار، والنفط، ومشاقات الكتان، وغير ذلك من المحروقات، وانهدمت الكعبة، واحترقت البنية، ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحَدَ عشر رجلًا، وقيل: أكثر من ذلك، واشتد الأمر على أهل مكة وابن الزبير، واتصل الأذى بالأحجار والنار والسيف، ففي ذلك يقول أبو وَجْزَة المدني:
ابنُ نُمَيْرٍ بِئْسَ ما تَوَلّى.. قَدْ أحْرَقَ المَقَام وَالْمُصلَى([70]) ويوجه المؤرخ اليعقوبي الاتهام إلى جند الشام أيضًا بأنهم تسببوا في ما لحق الكعبة من حرق وهدم، ويتفق ابن عساكر وابن طباطبا في اتهامهما جند لحصين بن نمير([71]).
فقال اليعقوبي: وقدم الحصين بن نمير مكة فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة، وكان عبد الله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة فنادى بأعلى صوته يا أهل الشأم، هذا حرم الله الذي كان مأمنًا في الجاهلية يأمن فيه الطير والصيد فاتقوا الله يا أهل الشأم، هذا حرم الله الذي كان مأمنًا في الجاهلية يأمن فيه الطير والصيد فاتقوا الله يا أهل الشأم، فيصيح الشاميون الطاعة الطاعة الكرة الكرة الرواح قبل المساء، فلم يزل على ذلك حتى أحرقت الكعبة، فقال أصحاب ابن الزبير: نطفئ النار فمنعهم وأراد أن يغضب الناس للكعبة فقال بعض أهل الشأم إن الحرمة والطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة وكان حريق الكعبة في سنة 63هـ([72]).
وقال السيوطي: واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة سقفها وقرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل وكانا في السقف وأهلك الله يزيد في نصف شهر ربيع الأول من ذلك العام، فجاء الخير بوفاته والقتال مستمر فنادى ابن الزبير: يا أهل الشام إن طاغيتكم قد هلك فانفلوا، وذلوا، وتخطفهم الناس، ودعا ابن الزبير إلى بيعة نفسه وتسمى بالخلافة وأما أهل الشام فبايعوا معاوية بن يزيد([73]).
من ناحية أخرى، المؤرخون الذين وجهوا الاتهام إلى جند عبد الله بن الزبير، فمنهم الطبري([74]) الذي قال: قال كانوا يوقدون حول الكعبة، فأقبلت شررة هبت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة واحترق خشب البيت يوم السبت لثلاث ليال خلون من شهر ربيع الأول([75]) ثم يؤيد الطبري اتهامه برواية أخرى فقالب: لم يتساءل الناس عن سبب احتراق الكعبة (فأشاروا إلى رجل من أصحاب ابن الزبير فقالوا: هذا احترقت بسببه أخذ قبسًا في رأس رمح فطيرت الريح منه شيئًا فضربت أستار الكعبة فيما بين اليماني إلى الأسود([76]) وقال ابن الأثير: إن الكعبة احترقت من نار كان يوقدها أصحاب عبد الله حول الكعبة، وأقبلت شرارة هبت بها الريح، فاحترقت ثياب الكعبة، واحترق خشب البيت([77]) وروى ابن كثير ثلاث روايات دون أن يرجح أحدهما فقال فلما كان يوم السبت ثالث يوم من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، نصبوا المجانيق على الكعبة ورموها حتى بالنار، فاحترق جدار البيت في يوم السبت([78])، وقيل إنما احترقت لأن أهل المسجد جعلوا يوقدون النار وهم حول الكعبة، فعلقت النار في بعض أستار الكعبة، فسرت إلى أخشابها وسقوفها، فاحترقت، وقيل إنما احترقت لأن ابن الزبير سمع التكبير على بعض جبال مكة في ليلة ظلماء، فظن أنهم أهل الشام فرفعت نار على رمح لينظروا من هؤلاء الذين على الجبل، فأطارت الريح شرارة من رأس الرمح إلى ما بين الركن اليماني والأسود من الكعبة، فعلقت في أستارها، وأخشابها فاحترقت، وأسود الركن، وانصدع في ثلاثة أمكنة منه([79])، ويؤيد الخربوطلي الرأي القائل أن قذف الكعبة بأحجار المنجنيق قد نتج عنه إشعال النيران بالكعبة([80])، وترى الباحثة أن الرأي الأقرب إلى الصواب هو أن حرق الكعبة كان ناتجًا عن رمي الكعبة بالمجانيق، وأن جيش الشام لم يقصد حرق الكعبة، وكان رمي المجانيق للقضاء على ابن الزبير وليس الكعبة.
واحترقت الكعبة يوم السبت لثلاث ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين قبل أن يأتي نعي يزيد بن معاوية بتسعة وعشرين يومًا، وجاء نعيه لهلال ربيع الآخر ليلة الثلاثاء([81]) وذكر الطبري: بينا حصين بن نمير يقاتل ابن الزبير إذ جاء موت يزيد، فصاح بهم ابن الزبير فقال: إن طاغيتكم قد هلك فمن شاء منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل فمن كره فليلحق بشأمه، فغدوا عليه يقاتلونه، قال: فقال ابن الزبير للحصين بن نمير ادن مني أحدثك فدنا منه فحدثه فجعل فرس أحدهما يجفل والجفل الروث فجاء حمام الحرم يلتقط من الجفل فكف الحصين فرسه عنهن فقال له ابن الزبير ما لك؟ قال: أخاف أن يقتل فرسي حمام الحرم، فقال له ابن الزبير: أتتحرج من هذا وتريد أن تقتل المسلمين؟ فقال له: لا، أقاتلك فأذن لنا نطف بالبيت وننصرف عنك ففعل فانصرفوا([82]). ولم تكن الكعبة مقصودة في ذاتها بالإحراق، والدليل على ذلك ما أحدثه حريق الكعبة من ذهول وخوف من الله في كلتا الطائفتين جيش الحصين بن نمير، وجيش ابن الزبير، فقد نادى رجل من أهل الشام بعد أن أحرقت الكعبة وقال: هلك الفريقان والذي نفس محمد بيده([83])، أما أصحاب ابن الزبير فقد خرجوا كلهم في جنازة امرأة كانت في صبيحة ليلة الحريق خوفًا من أن ينزل العذاب بهم، وأصبح ابن الزبير ساجدًا يدعو ويقول: اللهم إني لم أتعمد ما جرى فلا تهلك عبادك بذنبي، وهذه ناصيتي بين يديك، فلما تعالى النهار أمن وتراجع الناس فقال لهم: الله الله أن ينهدم في بيت أحدكم حجر فيزول عن موضعه فيبنيه ويصلحه وأترك الكعبة خرابًا، ثم هدمها مبتدئًا بيده وتبعه الفعلة حتى بلغوا إلى قواعدها ودعا ببنائين من الفرس والروم فبناها([84])، فمن المستحيل أن يعمد أحدهم إلى حرق الكعبة ولا شك أن أحدًا من أهل الشام لم يقصد إهانة الكعبة، بل كل المسلمين معظّمين لها، وإنما كان مقصدهم حصار ابن الزبير والضرب بالمنجنيق كان لابن الزبير لا للكعبة ويزيد لم يهدم الكعبة، ولم يقصد إحراقها لا هو ولا نوابه باتفاق المسلمين، وهكذا كانت من آثار تلك الحرب التي دارت بين ابن الزبير والحصين بن نمير إحراق البيت الحرام([85])، ثم حصار مكة للمرة الثانية، ورميها بالمنجنيق فأحدث في أرجائها الفوضى والدمار([86]).
حيث كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبير، ويخبره بضعفه وتفرق أصحابه ويستمده، فكتب عبد الملك إلى طارق يأمره باللحاق بالحجاج، فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين، وأخرج عامل ابن الزبير عنها، وجعل عليها رجلًا من أهل الشام اسمه ثعلبة، فكان ثعلبة يخرج المخ، وهو على منبر النبي ثم يأكله، ويأكل عليه التمر ليغبط أهل المدينة، وكان مع ذلك شديدًا على أهل الزبير، وقدم طارق على الحجاج بمكة في سلخ ذي الحجة في خمسة آلاف، وأما الحجاج فإنه قدم مكة في ذي القعدة، وقد أحرم بحجة، فنزل بئر ميمون وحج بالناس تلك السنة الحجاج، إلا أنه لم يطف بالكعبة، ولا سعى بين الصفا والمروة، منعه ابن الزبير من ذلك، فكان يلبس السلاح، ولا يقرب النساء، ولا الطيب إلى أن قتل ابن الزبير، ولم يحج ابن الزبير ولا أصحابه؛ لأنهم لم يقفوا بعرفة، ولم يرموا الجمار، ونحر ابن الزبير بدنه بمكة، ولما حصر الحجاج ابن الزبير نصب المنجنيق على أبي قبيس، ورمى به الكعبة، وكان عبد الملك ينكر ذلك أيام يزيد بن معاوية، ثم أمر به فكان الناس يقولون خذل في دينه، وحج ابن عمر تلك السنة فأرسل إلى الحجاج أن أتق الله([87]).
وذكر ابن كثير: ووضع الحجاج المنجنيق على مكة ليحصر أهلها حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة لعبد الملك، وكان مع الحجاج الحبشة، فجعلوا يرمون بالمنجنيق فقتلوا خلقًا كثيرًا، وكان معه خمس مجانيق، فألح عليه بالرمي من كل مكان، وحبس عنهم الميرة والماء فكانوا يشربون من ماء زمزم، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة، والحجاج يصيح بأصحابه يا أهل الشام الله الله في الطاعة، فكانوا يحملون على ابن زبير حتى يقال: إنهم آخذوه في تلك الشدة، فيشد عليهم فعل ذلك مرارًا، كم في جوف الكعبة لذبحوكم جميعًا، والله لا أسألهم صلحًا أبدًا([88])، وحج عبد الله بن عمر في تلك السنة، فأرسل إلى الحجاج أن اتق الله، واكفف هذه الحجارة عن الناس، فإنك في شهر حرام، وبلد حرام([89])، وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤذوا فريضة الله ويزدادوا خيرًا، وإن المنجنيق قد منعهم عن الطواف، فاكفف عن الرمي حتى يقضوا ما يجب عليهم بمكة، فبطل الرمي حتى عاد الناس من عرفات، وطافوا وسعوا ولم يمنع ابن الزبير الحاج من الطواف والسعي، فلما فرغوا من طواف الزيارة نادى منادو الحجاج انصرفوا إلى بلادكم، فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير الملحد وأول ما رمي بالمنجنيق إلى الكعبة أرعدت السماء، وأبرقت وعلا صوت الرعد في الحجارة، فأعظم ذلك أهل الشام، وأمسكوا أيديهم، فأخذ الحجاج حجارة المنجنيق بيده فوضعها فيه، ورمى بها معهم، فلما أصبحوا جاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلًا، فانكسر أهل الشام، فقال الحجاج: يا أهل الشام لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة، وهذه صواعقها، وهذا الفتح قد حضر فأبشروا، فلما كان الغد جاءت الصاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عبدة، فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصبأون وأنتم على الطاعة وهم على خلافها، وكانت الحجارة تقع بين يدي ابن الزبير وهو يصلي فلا ينصرف.
وبعد انتصار الحجاج على ابن الزبير كافاه عبد الملك بن مروان بتوليته على مكة واليمن واليمامة، ولم يمض زمن طويل حتى ولاه على المدينة، وبذلك أصبح الحجاز كله تحت سلطانه. وكان الحجاز موطن المعارضة الشديدة لبني أمية، ولذلك اتّبع والسنوات الثلاث التي أقامها فيها حكم الاضطهاد، والشدة، ولا سيما إزاء أهل المدينة([90])، وبعد أن أقر الأمن والنظام في تلك البلاد طوال سنتين دعاه عبد الملك إلى تولي أعباء أكثر في الدولة فعينه أميرًا على العراق([91]).
كما انتهت واقعة دير الجماجم بهزيمة ابن الأشعث وفراره، حيث ألقى بنفسه من فوق حصن عالٍ، ومات، وقبض على كثيرين من أتباعه ونكل بهم الحجاج، وبذلك انتهت حركة ابن الأشعث بالفشل، وعلى أثر ذلك عظم سلطان الحجاج وهدأ المشرق. وبسط عبد الملك عليه وأضاف إلى أعمال الحجاج خراسان، وسجستان، وعمان، وصار بذلك حاكمًا على نصف الدولة العربية، وضعفت ثقة الحجاج بجند العراق، وعول على جند الشام، ولكي لا يختلط جند الشام بجند العراق، ترك الكوفة والبصرة وأنشأ بلدة واسط وكان إنشاؤها ختامًا للفتن التي قامت في ذلك العصر([92])، ولم يسمح الحجاج بالعيش في واسط، لغير الجند العربي الشامي، ولغير أتراك ما وراء النهر الذين قدموا البصرة كأسرى حرب، ومنفيّين في أغلب الأحوال، أو قدموا من تلقاء أنفسهم أحيانًا([93]).
ميل كفة الأعداء على حساب الدولة الأمويّة
وكان من آثار حركات الخروج عن الخلفاء الأمويّين ضعف الدولة الأمويّة، ومن مظاهر ضعف الدولة الأمويّة ما يأتي:
لقد روعت مذبحة كربلاء العالم الإسلامي بأسره، وولدت في بلاد فارس شعورًا وطنيًا ساعد بني العباس من بعد على تحطيم الأمويّين. وكان الشعور في المدينة من القوة بحيث أن يزيد أرسل على عجل عاملًا خاصًا لتهدئة الناس، وبناء على مشورته أرسل وجهاء المدينة وفدًا منهم إلى الخليفة يتوسطونه في إنصاف آل الحسين، ولكن أفراد الوفد ما لبثوا أن عادوا ساخطين على حياة يزيد المقيته، وعلى المعاملة التي لقوها منه، وعندئذٍ هاج أهل المدينة لفشل مسعاهم وأعانوا خلع يزيد وطردوا عاملهم من مدينتهم، وعندما انتهت أنباء ذلك إلى يزيد ثارت ثائرته ووجه إليهم، في الحال جيشًا كبيرًا من أهل الشام بقيادة مسلم ابن عقبة([94])، ولقد ألقت وقعة كربلاء الفزع والهلع في جميع البلاد الإسلامية، كما أشعلت في نفوس الفرس ذلك الحماس الوطني الذي ساعد بني العباس على إسقاط دولة الأمويّين، وتوحدت صفوف الشيعة عقب تلك الوقعة وصمموا على الأخذ بثأر الحسين، ولا سيّما الفرس الذين يرون أنّها فرصة للتخلص من سلطان العرب وسيطرتهم والاستقلال بدولتهم([95])، كما أكّدت مأساة كربلاء روح التشيع بعد أن كان رأيًا سياسيًّا لم يصل إلى قلوب الشيعة، ولكن التشيع امتزج بعد مقتل الحسين بدمائهم وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم، وانتشر التشيع بين الفرس الذين تربطهم بالحسين رابطة المصاهرة إذ كانوا يرونه أحق بالخلافة هو وأولاده من بعده؛ لأنهم يجمعون بين أشرف دم عربي وأنقى دم فارسي([96])، ووجد الفرس الفرصة مناسبة للتمرد على الحكم الأمويّ، والعمل ضد الأمويّين الذين استبدوا بهم وظلموهم، وكان ولي الكوفة عبيد الله بن زياد، وقائد الجيش الأمويّ الذي قاتل الحسين هو عمر بن سعد بن أبي وقاص([97]).
وترى الباحثة: إنّ مقتل الحسين استعمل ذريعة للأهواء والطموح من أجل السيطرة والملك. واستغل الأعداء حروب المسلمين فيما بينهم فقاموا بحركات على كل جبهات القتال، وهدد الروم بلاد الشام، واضطر عبد الملك إلى أن يدفع إتاوة سنوية، ريثما ينتهي من تدبير أمره، ووصلوا في عام (79هـ/ 698م) إلى أنطاكية، وتمكنوا في أفريقية من قتل عقبة بن نافع وأبي المهاجر دينار عام (63هـ/ 683م)، ثم قتل زهير بن قيس البلوي عام (71هـ/ 691م)، حتى تراجع المسلمون إلى برقة، وتركوا القيروان قاعدتهم الأولى وراءهم ونقض أهل أرمينيا العهد، وكذا الترك على الجبهة الشرقية، وهاجموا المسلمين مرات عدّة، فلما اجتمع المسلمون على خليفة واحد، وتوحد أمرهم قاموا برد الضربة، وعاد للجهاد أثره، وحدثت فتوحات على الجبهة الإسلامية كلها([98])، كما أن نشوء العصبيات القَبليّة ساعد الموالي المتسترين بالدعوة العلوية على القضاء على الدولة الأمويّة ذات العصبية العربية، وعرّض بلاد الدولة الأمويّة لأخطار خارجية تتمثل في هجمات الخزر والروم في المشرق([99]).
في ذلك يقول الله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}([100]) وقال الطرطوشي أيها الأجناد أقلوا الخلاف على الأمراء فلا ظفر مع الخلاف، ولا جماعة لمن اختلف عليه. قال الله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} فأول الظفر الاجتماع وأول الخذلان الافتراق، وعماد الجماعة السمع والطاعة([101]).
أما الخوارج فكانت حركتهم سياسية واستمرت سياسية مدة طويلة جدًّا، حيث كانوا يقاتلون الولاة الأمويّين، فضعفت الدولة الأمويّة ضعفًا شديدًا، وخصوصًا في آخر أيامها حيث سيطر الضحاك بن قيس الشيباني على العراق وجنوبي فارس([102]).
وترى الباحثة: أن حركات الخروج عن الخلاقة الأمويّة أدت إلى ضعف الدولة الأمويّة، وانتهاك قواها مع ما يقابله من قوة العدو، فالخلفاء الأمويّون انشغلوا في قتال الخوارج، ما أدى إلى ضَعف الجيوش، وقلة عددهم، وخسارة كبيرة في العتاد، ولا سيما إذا كان الخارجي له من القوة ما يصعب القضاء عليها، وعن الحسن البصري أنه سمع رجلًا يدعو على الحجاج فقال له: لا تفعل إنكم من أنفسكم أوتيتم إنما نخاف إن عزل الحجاج، أو مات أن يتولى عليكم القردة والخنازير([103]). وعن عبد الملك بن حبيب أنه قال: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالجهاد مع الولاة، وإن لم يضعوا الخمس موضعه، وإن لم يوفوا بعهد إن عاهدوا، ولو عملوا ما عملوا، ولو جاز للناس ترك الغزو معهم بسوء حالهم لاستذل الإسلام، وتخيفت أطرافه، واستبيح حريمه ولعلا الشرك وأهله([104]). وقال ابن عبد البر: فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأن في منازعته، والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي الدهماء، وتبييت الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر([105]).
انخفاض الفتوحات الإسلامية
إن المعارك الشرسة التي دارت بين الأمويّين وبين الخوارج من جهة والشيعة من جهة أخرى كانت تعوقهم كثيرًا عن التقدم في البلاد التي كانوا يتمنون فتحها، لقد عاقت الحروب الداخلية مسيرة الدولة الأمويّة وكانت عقبة كأداء في سبيل الإصلاحات التي كانت، وربما كانت تعتزم القيام بها، كما كلفتها كثيرًا من الرجال الذين كان يعتمد عليهم في الفتوحات التي كان لا بدّ من مواصلتها لنشر الدعوة، وإقامة الحجة، والقضاء على الطواغيت التي تحول بين الناس وبين الدخول في دين الله، وهكذا اضطرت الدولة الأمويّة أن تحارب في جبهتين حتى تقمع الثورات الداخلية، وتحقق الانتصارات الخارجية([106]).
وإن حركات الخروج على الدولة الأمويّة شغلتها عن العناية بإرادة البلاد والمحافظة على الأمن والاستقرار، فتراخت قبضتها عن الأقاليم، وأدى اتساع الدولة وترامي أطرافها إلى تفاقم تلك المشكلة([107]).
وأثر عدم الاستقرار الداخلي مع الحاجة المستمرة إلى المال تأثيرًا كبيرًا على عمليات الفتوح العربية، وتحكم بخط سيرها، كما أثرت على ملكيات الأرض، كما أن جند الشام قد حول مع الأيام عن مَهَمّاته الأساسية بالحروب الخارجية وتكملة الفتوحات، إلى ما يشبه قوة ردع داخلية، أو كتلة من القوى التي تتولى إخماد الثورات، وأعمال المعارضة، وأكسب كل ذلك الحكم الأمويّ المزيد من العداء والمعارضة المستمرة([108]).
وكان ظهور حركات الخوارج من أكبر المعوقات في امتداد الفتح الإسلامي، فقد شغلوا الحكام والولاة بتتبعهم يمينًا وشمالاً ما بدّد الكثير من طاقات حكام بني أمية([109]).
فإن الناس كانوا في ولاية معاوية رضي الله عنه متفقين، يغزون العدو، فلما مات معاوية، قتل الحسين وحوصر ابن الزبير بمكة، ثم جرت فتنة الحرة بالمدينة، ثم لما مات يزيد جرت فتنة بالشام بين مروان والضحاك بمرج راهط، ثم وثب المختار على ابن زياد فقتله، وجرت فتنة، ثم جاء مصعب بن الزبير فقتل المختار، وجرت فتنة، ثم ذهب عبد الملك إلى مصعب فقتله، وجرت فتنة وأرسل الحجاج إلى ابن الزبير فحاصره مدة، ثم قتله، وجرت فتنة، ثم لما تولى الحجاج العراق خرج عليه محمد بن الأشعث مع خلق عظيم من العراق وكانت فتنة كبيرة([110]).
لقد كان الخطر الحقيقي في الدولة الأمويّة، منذ أيام يزيد بن عبد الملك، هو العصبية القَبليّة. حينما جعلت القبائل العربية من قيسيه ويمنية تتنازع وتتقاتل في أنحاء البلاد؛ لأن ذلك النزاع شغل القبائل العربية عن الفتوح الإسلامية، ثم عرض الدولة لخطر داخلي هو الاضطراب، كما انشغل الأمويّون عن توطيد فتوحاتهم في الأندلس، مما ترك الأمر فوضى في تلك البلاد([111]).
مستحقات الجنود
الجندي ما هو إلا سلاح الحاكم ضد الخارجيين على الشريعة، والدرع الواقي للدولة الإسلامية ضد أعدائها، فإذا أعطى ماله من عطاء كانت طاعته حاضرة، وإذا العطاء منع تذمر وتخاذل، بل تواطأ وتآمر، وهذا ما حدث بالفعل في عهد بعض خلفاء بني أمية، وعلى الخصوص في أواخر عهدهم، في خلافة مروان بن محمد، حيث قلت الأموال، وتوقف الكثير من الأقاليم على إرسال الأموال إلى دار الخلافة لسقوط تلك الأقاليم تحت راية العباسيين، أو تحت راية الخوارج([112]).
يذكر أن علي بن عيسى بن الجراح([113]) قال سألت أولاد بني أمية ما سبب زوال دولتكم؟ قالوا: خصال أربع أولاها أن وزراءنا كتموا عنا ما يجب إظهاره لنا، والثاني أن جباة خراجنا ظلموا الناس فارتحلوا، عن أوطانهم فخرجت بيوت أموالنا، والثالثة انقطعت الأرزاق عن الجند فتركوا طاعتنا، والرابعة يئسوا من إنصافنا فاسترحوا إلى غيرنا فذلك زالت دولتنا([114]).
وسئل بعض شيوخ بني أمية وَمُحصّليها عقيب زوال الملك عنهم إلى بني العباس: ما كان سبب زوال ملككم؟ قال: إنا شُغلُنَا بِلذاتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا فظلمنا رعيتنا، فيئسوا من إنصافنا، وتمنوا الراحة مِنّا، وتحومل على أهل خراجنا، فتخلوا عنا، وخربت ضياعنا، فخلت بيوت أموالنا، ووثقنا بوزرائنا، فآثروا مرافقهم على منافعنا، وأمضوا أمورًا دوننا أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا، فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم أعادينا، فتظافروا معهم على حربنا، وطلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الأخبار عنا من أوكد أسباب زوال ملكنا([115]).
تشتت المسلمين وظهور المذهبية
إن أسوأ الآثار التي ترتبت نتيجة لظهور الحركات هو انقسام العالم الإسلامي([116]).
ما يستدل على انقسام المسلمين ما يأتي: أصبحت الأقاليم ذات اتجاهات سياسية واضحة، إذا ذكر إقليم تغلب صفته عليه، فمثلًا البصرة كلها عثمانية، والكوفة كلها علوية، والشام كلها أمويّة، والجزيرة خارجية، والحجاز سنية([117])، حيث تغلغل النفوذ الشيعي في الدولة الإسلامية، فهناك من تشيع لبني أمية من أهل الشام، ونظريتهم أن الخلافة للأمويّين والذين تظاهروا بالتشيع لعلي في العراق، ومصر، وكانت نظريتهم أن تكون الخلافة في علي وأبنائه من بعده. أما الخوارج فرأوا أن تكون الخلافة من غير قريش([118])، ولا يرون كبير أمر في استحلال دمائهم ومقاتلتهم لخروجهم على الدين في زعمهم، وكانوا يعتقدون بأن الخلافة حق لكل مسلم ما دام كفوًا لها، لا فرق في ذلك بين قريش وغير قريش وإذا كانت الشيعة والخوارج قد اتّخذت طابعًا مميزًا كان لها أثر كبير في إضعاف الحكم الأمويّ([119]).
وكان الناس في الصدر الأول بعد وقعة صفين على أقسام أهل سنة، وهم أولو العلم، وهم محبون للصحابة كافون عن الخوض في ما شجر بينهم، كسعد، وابن عمر، ومحمد بن سلمة، وأمم، ثم شيعة يتوالون وينالون ممن حاربوا عليًا ويقولون: إنّهم مسلمون بغاة ظلمة، ثم نواصب، وهم الذين حاربوا عليًّا، يوم صفين ويقرون بإسلام عليّ وسابقيه ويقولون خذل الخليفة عثمان فما علمت في ذلك الزمان شيعيًّا كفّر معاوية وحزبه ولا ناصبيًّا كفّر عليًّا وحزبه، بل دخلوا في سبّ، وبغض، ثمّ صار اليوم شيعة زماننا يكفرون الصحابة، ويتبرؤون منهم جهلًا وعدوانًا، ويتعدون على الصديق قاتلهم الله، وأما نواصب وقتنا فقليل، وما علمت فيهم من يكفّر عليًّا، ولا صحابيًّا([120]).
كانت الأمة الإسلامية حين ولي معاوية الخلافة ثلاثة أحزاب: أتباع بني أمية، وشيعة عليّ، والخوارج وهم أعداء الفريقين. وكانت بلاد المشرق العراق وفارس، مركزًا لنشاط الخوارج الذين كانوا يثورون كلما مكنتهم الفرصة. وقد قويت شوكتهم منذ قيام الدولة الأمويّة، فواجه معاوية بن أبي سفيان معارضة قوية منهم، وعملوا على مناوأة سلطته في كل من الكوفة والبصرة، كما كانوا يرون أن غيرهم من المسلمين كفار، وأن دماءهم وأموالهم حلال، لذلك كان لا بدّ لمعاوية أن يتبع معهم طريق الشدة والقمع ليأمن شرهم([121]). ويرى الخوارج أن أول واجب عليهم قتال معاوية، ومن تبعه، وقتال شيعة عليّ؛ لأن كلاهما قد ألحد على زعمهم في الدين([122]).
وعندما مات يزيد بن معاوية، كان بيعتان إحداهما بالشام ليزيد بن معاوية، والثانية بمكة والحجاز لعبد الله بن الزبير([123]). ووجدت في مستهل عهد عبد الملك أربع فئات إسلامية كانت تتنازع السيطرة على الحكم تمثلت بما يأتي:
الفئة الأولى: فئة الأمويّين الذين يسيطرون على الشام ومصر.
الفئة الثانية: عبد الله بن الزبير وكان يسيطر على الحجاز والعراق.
الفئة الثالثة: جماعة الشيعة في العراق وقد كانت أن تقوم لها قائمة بزعامة المختار بن عبيدة الثقفي.
الفئة الرابعة: جماعة الخوارج([124]) الذين لا يؤمنون بالوراثة كأساس لنظام الحكم، ولا يرون حصر الخلافة في جنس معين أو بيت معين، بل يعتقدون أن الخلافة للأمة يكون الاختيار فيها هو الأساس، وكانت تلك الجماعة معارضة للحكم الأمويّ، وقد اشترك أفرادها في الفتن التي قامت ضد الدولة الأمويّة، كما انتشر عدد كبير منهم في المناطق البعيدة عن مركز الخلافة بدمشق، وقد أدى ذلك الخلاف إلى اصطدامات دامية شغلت جانبًا كبيرًا من نشاط الأمويّين([125]).
غير أن العراق كان مركزًا لفئات أربع يجب أن يحسب لكل منها حسابها
الأولى: هي شيعة أهل البيت في الكوفة خاصة.
الثانية: هم الخوارج في البصرة وما حولها من أراض وبلدان.
الثالثة: هم الزبيريون، ويتكونون من أشراف أهل الكوفة والبصرة ومن يتبعهم من جماعتهم وقبائلهم.
والرابعة: فئة كانت موجودة في العراق، لكن أحدًا من الناس لم يكن يلقى إليها بالًا، فقد كانت مستضعفة لا شأن لها، وهي فئة الموالي من الفرس، وقد برزت إلى الميدان ولو كان العرب متحدين لبقيت مستضعفة، غير أنهم اختلفوا فظهر شأنها([126]).
وما يدل على انقسام المسلمين أنه شهد موقف عرفة في موسم الحج أربع رايات متباينة كل واحدة منها لا تأتم بالأخرى الواحدة لمحمد بن الحنفية في أصحابه، والثانية لنجدة الحروري وأصحابه، والثالثة لبني أمية، والرابعة لعبد الله بن الزبير، وكان أول من دفع رايته ابن الحنفية، ثم نجدة، ثم بنو أمية، ثم دفع ابن الزبير([127]).
غير أنه بالرغم من العداء الذي كان يكنّه بعضهم لبعض، فقد مرّ ذلك الموسم المقدس دون أن يعتدي أي فريق على آخر([128]).
وقال محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس لرجال الدعوة حين اختارهم للدعوة وأراد توجيههم: أما الكوفة وسوادهم فهناك شيعة عليّ بن أبي طالب. وأما البصرة فعثمانية تدين بالكفّ، وتقول كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل. وأما الجزيرة فحرورية مارقة، وأعراب كأعلام، ومسلمين في أخلاق النصارى. وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان، عداوة لنا راسخة وجهلًا متراكمًا. وأمّا أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير، والجلد الظاهر، وصدورًا سليمة وقلوبًا فارغة لم تقسّمهم الأهواء، ولم تتوزعهم النِّحَل، ولم تشغلهم ديانة، ولم يتقدم فيهم فساد، وليست لهم اليوم همم العرب، ولا فيهم كتحازب الأتباع بالسادات، وكتحالف القبائل، وعصبية العشائر([129]).
ولم يظهر في العهد الأمويّ مذهب معين كما ظهر في العهد العباسي، كما لم تكن قد ظهرت بعد هيئة من العلماء الذين يتمكنون من إجبار أولي الأمر على التقيد بفتاواهم في سبيل مصالحهم الشخصية، فضلًا على أن الخلافات كانت في معظمها ذات طابع شبه سياسي أو عائلي، وكانت الإمامة والزعامة الروحية في الإسلام، هي مدار الخلاف الرئيس بين الفرق المختلفة([130]).
كان لثورة زيد بن علي تأثير على سير الأحداث التي وقعت في العصر الأمويّ، وتمخضت عنها نتائج بعيدة المدى، وكان فشلها بمنزلة الدافع لحركات أخرى حذت حذوها، فقد هرب يحيى بن زيد([131]) إلى خراسان، وأعلن الثورة على الأمويّين إيفاء بوعده الذي قطعه لوالده حيث قال له: أقاتلهم والله لم أجد إلا نفسي ومع أن يحيى فشل في القضاء على الحكم الأمويّ كما فشل أبوه من قبل، إلا أن هاتين الثورتين مهدتا بصورة غير مباشرة الطريق للقضاء على الدولة الأمويّة، واستغل العباسيون ذلك العطف الذي لقاه يحيى بن زيد في خراسان لكسب الأتباع والأنصار لهم([132]) كما أن الشيعة بمقتل زيد بن علي بن الحسين فقدوا قوتهم فأتاح ذلك الفرصة لانتصار الدعوة العباسية، فقد استفادت الدعاية العباسية من توظيف مقتل زيد وابنه يحيى في حشد الأنصار ضد الأمويّين([133]) كما نتج عن حركة خروج زيد بن علي تشكيل فرقة شيعية جديدة هي الفرقة الزيدية التي انتشرت انتشارًا كبيرًا كمذهب فقهي، وعمت في وقت من الأوقات مناطق كبيرة في خراسان واليمن وهي ما تزال موجودة في اليمن([134]).
ضعف الدولة الأمويّة من خلال انتشار (الفتن والشائعات…)
بدأت حركات الخوارج تنطلق من الكوفة وما حولها، ثم أخذت تمتد إلى البصرة، واليمامة، والبحرين، وعمان، وحضرموت، واليمن، ثم إلى الموصل، والجزيرة، وإلى شرق العراق، وخراسان، وبلاد المغرب، وهي البلد التي شهدت في الأغلب الإعداد، والتحضير لإزالة سلطان بني أمية، ثم الأعمال العسكرية التي أنهت سلطان الأمويّين وهو وأن لم تكن الدعوة والأعمال العسكرية التي أزالت دولة الأمويّين، امتدادًا عضويًّا لثورات الخوارج، فإن الجهود الفكرية والعسكرية التي قام الخوارج بها أدت إلى هزّ القوة العسكرية الأمويّة، وزعزعت الولاء والثقة بالأمويّين، وضعفت هيبتها في النفوس، وقل حماس الجند لنجدتهم حين الشدة والضيق([135])، وإن الشيعة والخوارج يتحملون الوزر الأكبر في أكثر المذابح التي وقعت في العصر الأمويّ، ولقد كانوا سببًا في لجوء حكام بني أمية إلى ولاة من أمثال زياد والحجاج([136])، وقد ظل العراق مسرحًا لثورات الخوارج، ومنبعًا لأفكارهم طوال العصر الأمويّ، كما تكبّدت الدولة الأمويّة مبالغ طائلة وأرواحًا كثيرة في مقاومتهم، واستمرت ثوراتهم منذ قيام الدولة الأمويّة حتى سقوطها، وكانت سببًا في إضعافها، ومن ثَمَّ سقوطها، وكانت تخرج تلك الثورات من الكوفة والبصرة، ومن أرض السواد، والجزيرة تثأر من الولاة الأمويّين في العراق، وشارك الموالي في ثورات عديدة، واجهوا السلطة الأمويّة في العراق، فقد اشتركوا مع المختار الثقفي في ثورته على الأمويّين، ثم دخلوا في ثورة عبد الرحمن بن الأشعث سنة 82هـ، وكان عدد كبير منهم في جيش الطواويس الذي أرسله الحجاج إلى الشرق بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث، وقد انضم عدد منهم إلى ثورة ابن الأشعث، نفسه، انتقامًا من الحجاج وأعماله، وكذلك اشتركوا في ثورة زيد بن علي بن الحسين سنة 121هـ، التي نادت بالدفاع عن المستضعفين، واشتركوا في ثورات عديدة في خلافة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، ووقفوا أيضًا إلى جانب الخوارج في بعض ثوراتهم، وكان هدفهم الأول والأخير الانتقام من السلطة، ودفعها إلى الانهيار، ثم تحولوا عن هدفهم لمحاربة العرب انتقامًا من الأمويّين([137]).
وترى الباحثة: أن العراق اشتهرت بالفتن بين صفوفهم وهي خاصية عرفوا بها من بين الأقاليم الإسلامية، فقد كان عمر بن الخطاب يشكو من أهل الكوفة ويقول: أعياني وأعضل بي أهل الكوفة ما يرضون أحدًا ولا يرضى بهم ولا يصلحون ولا يصلح عليهم([138]). وحدثنا قبيصة ثنا سفيان عن محمد بن جحادة قال سمعت الحسن يقول: قال رسول الله اللهم بارك لنا في مدينتنا اللهم بارك لنا في شامنا فقال رجل لرسول الله والعراق فإن منها ميرتنا وفيها حاجتنا، قال فسكت ثم أعاد فقال هنا يطلع قرن الشيطان وهنالكم الزلازل والفتن([139])، ولما أراد عمر رضي الله عنه العراق نصحه كعب الأحبار وقال: لا تأت العراق فإن بها تسعة أعشار الشر([140])، فقال له كعب إن بها عُصاة الحق، وكل داء عضال فقيل له ما الداء العضال؟ قال: أهواء مختلفة ليس لها شفاء([141]). وقد قيل قسم الخير عشرة أجزاء فتسعة أعشاره بالشام وعشره بالعراق، وقسم الشرّ عشرة أجزاء على العكس من ذلك([142]).
اقتراب تنازل الأمويّين عن الخلافة (مروان بن الحكم)
ونظر مروان بن الحكم في إطباق الناس على مبايعة ابن الزبير، وإجابتهم له، فأراد أن يلحق به وينضاف إلى جملته، فمنعه من ذلك عبيد الله بن زياد عند لحاقه بالشام، وقال له: إنك شيخ بني عبد مناف فلا تعجل، فصار مروان إلى الجابية، من أرض الجولان، بين دمشق والأردن، واستمال الضحاك بن قيس الفهري الناس، ورأسهم، وانحاز عن مروان، وأراد دمشق، فسبقه إليها الأشدق، عمرو بن سعيد بن العاص فدخلها وصار الضحاك إلى حوران والبثنة وأظهر الدعوة لابن الزبير، والتقى الأشدق ومروان، فقال الأشدق لمروان: هل لك فيما أقوله لك فهو خير لي ولك. قال مروان: وما هو؟ قال: أدعو الناس إليك، وآخذك لك البيعة على أن تكون لي من بعدك، فقال مروان: لا، بل بعد خالد بن يزيد بن معاوية، فرضي الأشدق بذلك، ودعا الناس إلى بيعة مروان فأجابوا، ومضى الأشدق إلى حسان بن مالك بالأردن، فأرغبه في بيعة مروان، فجنح لها([143]).
– مبايعة عبد الله بن الزبير بالخلافة في معظم الأقطار الإسلامية
وكان عبد الله بن الزبير فور وفاة يزيد قد بويع بالخلافة في جميع أنحاء الحجاز، والعراق، وخراسان، ولو أنه غادر مكة، وزحف على الشام لما كان سوى شك قليل في قضائه على حكم الأمويّين، ولكنه اكتفى بالبقاء في مكة، وبذلك أتاح للأمويّين فرصة ليلموا شملهم، ويستجمعوا قواهم([144])، فقد كان موقف عبد الله بن الزبير قويًّا جدًّا لأن معظم أقاليم الوطن العربي الإسلامي، كانت ترفع راية ابن الزبير، وفي الوقت نفسه لم يكن للأمويّين من يستطيع كسب تأييد القبائل وولائهم وجعلها موحدة تحت قيادته([145]). ويقول الدينوري: قوي أمر عبد الله بن الزبير، وأعطاه أهل الكوفة الطاعة. فولى الكوفة عبد الله بن مطيع العدوي. ووجه أخاه مصعب بن الزبير إلى البصرة، وأمر عبد الله بن مطيع بمكاتبته. ووجه عماله إلى اليمن، والبحرين، وعمان، وسائر الحجاز. ودانت لابن الزبير البلدان إلا الشام، ومصر. فإن مروان بن الحكم كان حماهما([146]).
– رفض عبد الله بن الزبير عرضًا مغريًا للحصين بن نمير قائد القوات الأمويّة بأن يصبح خليفة
حاصر الحصين بن نمير طوال شهرين، وعندما بلغه نعي يزيد أوقف القتال، وفاوض عبد الله بن الزبير، وعرض عليه البيعة بالخلافة([147])، ورفض عبد الله بن الزبير عرضًا مغريًا للحصين بن نمير قائد القوات الأمويّة بأن يصبح خليفة وقال له: “أنت أحق بهذا الأمر هلم فلنبايعك، ثم أخرج معنا إلى الشام، فإن الجند الذين معي هم وجوه الشام وفرسانهم فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك وبين أهل الحرم، فقال له: أنا لا أهدر الدماء والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة منكم وأخذ الحصين يكلمه سرًّا وهو يجهر ويقول والله لا أفعل فقال له الحصين قبح الله من يعدك بعد ذاهبًا وآيبًا قد كنت أظن أن لك رأيًا، وأنا أكلمك سرًّا، وتكلمني جهرًا، وأدعوك إلى الخلافة وأنت لا تريد إلا القتل، والهلكة، ثم فارقه ورحل([148]). ونتج عن قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك ضَعف الخلافة الأمويّة، وذهاب هيبتها، وضياع جلالها، وانهيار سلطانها على العامة، والخاصة، والجند في الأمصار المتعدّدة، وذلك بسبب مقتل الوليد بن يزيد كما نتج عن قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفسّخ الأسرة الأمويّة بفرعيها السفياني والمرواني وتناحرها وتنافيها في سبيل الفوز بالحكم والملك، وهاجت الفتن، وتتابعت الأحداث، ولم تنقطع إلا بزوال الملك([149]).
حالة الأحاديث الضعيفة
وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلوه إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء. وإما قد ولدوا في الشام على حبه وتربى أولادهم على ذلك، وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشؤوا على النصب نعوذ بالله من الهوى كما قد نشأ جيش عليّ رضي الله عنه ورعيته إلا الخوارج منهم على حبه، والقيام معه، وبغض من بغى عليه، والتبري منهم، وغلا خلق منهم في التشيع([150])، ويقول ابن الجوزي: قد تعصب لمعاوية بن أبي سفيان قوم ممن يدعي السنة فوضعوا في فضله أحاديث ليغضبوا الرافضة، وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمّه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح([151]). وأن الرافضة ثلاثة أصناف: صنف سمعوا شيئًا من الحديث فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا. وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق ويقولون قال جعفر: وقال فلان. والصنف الثالث: عوام جهلة يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل ومما لا يسوغ([152]). ويقول ابن أبي الحديد المدائني: واعلم أن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة، فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث متعدّدة في صاحبهم، حملهم على وضعها عداوة خصومهم([153])، ونزلوا أحاديث العراق بمنزلة أحاديث أهل الكتاب، لا تصدقوهم، ولا تكذبوهم([154])، وكان مالك يقول: نزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم. وقال له عبد الرحمن بن مهدي: يا أبا عبد الله سمعنا في بلدكم أربعمائة حديث في أربعين يومًا، ونحن في يوم واحد نسمع هذا كله. فقال له عبد الرحمن: من أين لنا دار الضرب التي عندكم، دار الضرب تضربون بالليل وتتفقون بالنهار، ومن كثرة الكذب الذي كان أكثره في الشيعة صار الأمر يشتبه على من لا يميز بين هذا، وهذا بمنزلة الرجل الغريب إذا دخل إلى بلد نصف أهله كذابون خوانون، فإنه يحترس منهم حتى يعرف الصدوق الثقة وبمنزلة الدراهم التي كثر فيها الغش يحترس عن المعاملة بها من لا يكون نقادًا([155]).
وقال معمر: سمعت الزهري يقول: يا أهل العراق يخرج الحديث من عندنا شبرًا ويصير عندكم ذراعًا([156]). وقال: عبد الله بن عمر: إن من أهل العراق من يكذبون ويكذبون ويسخرون([157]). وقال حماد بن سلمة حدثني شيخ لهم يعني الرافضة قال: كنا إذا اجتمعنا شيئًا جعلناه حديثًا([158]). وعن ابن سيرين أنه قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قيل سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم([159]).
الكراهية لبني أمية
وقع بعض حكام بني أمية في بعض الأخطاء القاتلة التي جلبت لهم سخط الكثيرين من الرعية من أمثلة ذلك موقف يزيد بن معاوية بن الحسين رضي الله عنه، وما نشأ عنه من قتل الحسين، وموقف عبد الملك بن مروان من آل الزبير وقتاله لعبد الله ومصعب ابني الزبير حيث قتلا فقد ظهرت الشيعة وغيرها، واجتمعوا على مناوأة الأمويّين، والكيد لهم، وليس خروج أمثال المختار وتتبعه لقتلة الحسين، وقتلهم شر قتله إلا مثلًا من تلك الأمثال على تغلغل الشعور بالبغض والسخط في قلوب الكثيرين من الرعية([160])، ولقيت حركة التوابين هزيمة منكرة، ولم يكن لها من نتائج سوى المزيد من إراقة الدماء، وتعميق الكراهية بين أهل العراق والدولة الأمويّة([161])، فلا شك في إن قتل عشرات الألوف في تلك الحركات سواء من جيوش الدولة، أو من أعدائها قد خلف وراءه مشاكل كثيرة وخطيرة، فكل أسرة قتل أحد أفرادها، أو بعضهم في تلك المعارك، أصبح لها عند الدولة ثأر، والناس عادة في تلك الأحوال ينظرون إلى الأمور بقدر انعكاسها عليهم، وتأثرهم بها بصرف النظر عن من المخطئ ومن المصيب؟ أو من على حق، ومن على باطل من أطراف الصراع؟([162]). وكانت حادثة كربلاء سيّئة الأثر على المسلمين، فقد ترتب عليها شعور عدائي في العراق وفارس ضد بني أمية، استغله أحفاد العباس بن عبد المطلب عم الرسول في العمل على تقويض دعائم الخلافة الأمويّة([163]). ومن تلك الأعمال التي أدت إلى كره العديد من الناس للأمويّين ما يأتي: إن مسلم بن عقيل حين انتهى إلى باب القصر فإذا قلة ماء باردة موضوعة على الباب، فقال ابن عقيل: أسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمر والباهلي([164]): أتراها ما أبردها لا والله لا تذوق منها قطرة أبدًا حتى تذوق الحميم في نار جهنم، قال له ابن عقيل: ويحك من أنت؟ قال: أنا ابن من عرف الحق إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غشته، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي، فقال ابن عقيل: لأمك الثكل ما أجفاك. وما أفظك. وأقسى قلبك. وأغلظك، أنت يا بن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني ثم جلس متساندًا إلى حائط([165]). وجاء كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد أن حل بين حسين وأصحابه، وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة، كما صنع بالتقي الزكي المظلوم، فبعث خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة، وحالوا بين الحسين وأصحابه، وبين الماء ومنعوهم أن يستقوا منه، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، وناداه عبد الله بن حصن الأزدي: يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشًا. فقال الحسين: اللهم اقتله عطشًا ولا تغفر له أبدًا، فمات بالعطش، كان يشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذاك دأبه حتى لفظ أنفاسه. فلما اشتد على الحسين العطش بعث العباس بن علي بن أبي طالب وأمه أم البنين بنت حزام من بني كلاب في ثلاثين فارسًا وعشرين راجلًا، وبعث معهم بعشرين قربة فجاؤوا حتى دنوا من الشريعة، واستقدم أمامهم نافع بن هلال المرادي، ثم الجملي، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي([166])، وكان على منع الماء: من الرجل؟ قال: نافع بن هلال، قال: ما جاء بك؟ قال: جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه. قال: اشرب هنيئًا. قال: أفأشرب والحسين عطشان، ومن ترى من أصحابه؟! فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء، إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء. فأمر أصحابه باقتحام الماء ليملأوا قربهم فثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم العباس، ونافع بن هلال فدفعوهم، ثم انصرفوا إلى رحالهم وقد ملأوا قربهم. ويقال إنهم حالوا بينهم وبين ملئها فانصرفوا بشيء يسير من الماء. ونادى المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين ألا ترى إلى الماء يلوح كأنه بطون الحيات، والله لا تذوقه أو تموت، فقال: إني لأرجو أن يوردنيه الله ويحلأكم عنه. ويقال إن عمرو بن الحجاج قال: يا حسين. إن هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب منه الحمير والخنازير، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم([167]). وإن عمرو بن الحجاج حين دنا من أصحاب الحسين يقول يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم، وجماعتكم، ولا ترتأبوا في قتل منمرق من الدين، وخالف الإمام فقال له الحسين: يا عمرو بن الحجاج أعلي تحرض الناس أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه أما والله لتعلمن لو قد قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم أينا مرق من الدين ومن هو أولى بصلي النار([168])، ثم قال الحسين رضي الله عنه لأعدائه أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها، وانظروا هل يصلح، ويحل لكم قتلي، وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيه، وابن عمه، وأولي المؤمنين بالله والمصدق لرسوله، أوَليس حمزة سيد الشهداء عم أبي، أوَليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي أوَلم يبلغكم قول مستفيض أن رسول الله قال لي ولأخي: أنتما سيدا شباب أهل الجنة وقرة عين أهل السنة، فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت كذبًا مذ علمت أن الله يمقت عليه، وإن كذبتموني فإن فيكم إن سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله، أو أبا سعيد، أو سهل بن سعد، أو زيد بن أرقم، أو أنسًا يخبروكم أنهم سمعوه من رسول الله، أما في هذا حاجز يحجزكم عن سفك دمي([169]).
وقيل: لما قتل الحسين وبنو أبيه، وبعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد سُرَّ بقتلهم أولًا([170])، وحسنت حال ابن زياد عنده، ووصله، وسرّه ما فعل، ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى بلغه بغض الناس له، ولعنهم إياه، وسبهم، فندم على قتل الحسين وكان يقول: “وما علي لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري وحكّمته فيما يريد، وإن كان علي من ذلك وهن في سلطاني، حفظًا لرسول الله ورعايةً لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة، فإنه اضطره، وقد سأله أن يضع يده في يدي، أو يلحق بثغر حتى يتوفاه الله، فلم يجبه إلى ذلك، وقتله، فبغضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البر والفاجر بما استعظموه من قتلي حسينًا، ما لي ولابن مرجانة لعنه الله وغضب عليه”([171]). قال: ثم ندم ابن زياد أيضًا على قتله الحسين، وقال لعمر بن سعد: يا عمر ائتني بالكتاب الذي كتبته إليك في قتل الحسين؟ قال: مضيت لأمرك وضاع الكتاب، قلت: لتجيء به، قال: ضاع، قال: لتجيء به، قال: ترك والله يقرأ على عجائز قريش بالمدينة اعتذارًا إليهن، أما والله نصحتك في حسين نصيحةً لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص لكنت قد أديت حقه “فقال عثمان بن زياد: “صدق، والله لوددت لو أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزانة إلى يوم القيامة، وأن حسينًا لم يقتل” فما أنكر عبيد الله بن زياد على أخيه([172]).
نظرت النسوة لما مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههن، قال: فاعترضتهن على فرس فما رأيت منظرًا من نسوة قط كان أحسن من منظر رأيته منهم ذلك اليوم، والله لهن أحسن من مها يبرين قال فما نسيت من الأشياء لا أنس قول زينب ابنة فاطمة حين مرت بأخيها الحسين صريعًا وهي تقول: إيا محمداه، يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء هذا الحسين بالعراء مرمل بالدماء مقطع الأعضاء يا محمداه، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا، قال: فأبكت والله كل عدو وصديق، قال: وقطف رؤوس الباقين فسرح باثنين وسبعين رأسًا مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجاج، وعزرة بن قيس، فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد([173]).
فلما دخل برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة أرذل ثيابها، وتنكرت، وحفت بها إماؤها، فلما دخلت جلست، فقال عبيد الله بن زياد من هذه الجالسة؟ فلم تكلمه فقال ذلك ثلاثًا كل ذلك لا تكلمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب ابنة فاطمة. قال: فقال لها: بيد الله الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرًا لا كما تقول أنت إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر([174]).
لما قتل الحسين جيء برؤوس من قتل معه من أهل بيته وأصحابه إلى ابن زياد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسًا وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأسًا، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت بنو تميم بسبعة عشر رأسًا، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسًا، وجاءت مدحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر قيس بتسعة أرؤس. قالوا: وجعل ابن زياد ينكثف بين ثنيتي الحسين بالقضيب، فقال له زيد بن أرقم: إعل بهذا القضيب غير هاتين الثنيتين فوالله لقد رأيت شفتي رسول الله عليهما تقبلهما، ثم جل الشيخ يبكي، فقال له: أبكي الله عينيك فوالله لو أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك، فنهض وهو يقول للناس: أنتم العبيد بعد اليوم يا معشر العرب، قتلتم ابن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم ويستبعد شراركم، فبعدًا لمن رضي بالعار والذل([175]). فلما خرج الشيخ سمعت الناس يقولون والله لقد قال زيد بن أرقم قولًا لو سمعه ابن زياد لقتله، قال: فقلت ما قال: قالوا مر بنا وهو يقول: ملك عبد عبدًا فاتخذهم تلدًا أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستبعد شراركم فرضيتم بالذل فبعدًا لمن رضي بالذل([176]). لما قتل الحسين رضي الله عنه قام عبد الله بن الزبير في أهل مكة وعظم مقتله وعاب على أهل الكوفة خصوصًا ولام أهل العراق عام. فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم: إن أهل العراق غدر فجر إلا قليلًا، وإن أهل الكوفة شرار أهل العراق، وإنهم دعوا حسينًا لينصروه ويولوه عليهم، فلما قدم عليهم ثاروا إليه فقالوا له: إما أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سمية سلمًا فيمضي فيك حكمه، وإما أن تحارب فرأى والله أنه هو وأصحابه قليل في كثير، وإن كان الله عز وجل لم يطلع على الغيب أحدًا أنه مقتول ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة فرحم الله حسينًا وأخزى قاتل حسين، لعمري لقد كان من خلافهم إياه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناهٍ عنهم، ولكنه ما حم نازل وإذا أراد الله أمرًا لن يدفع. أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدًا، لا، ولا نراهم ل ذلك أهلًا أما و الله لقد قتلوه طويلًا بالليل قيامه كثيرًا في النهار صيامه([177]).
كما فعل الحجاج بسيفه الكثير في أله الكوفة والبصرة وكان فعله سببًا في إشعال عدد كبير من الثورات ولئن كان عبد الملك قد نجح بالحجاج وأمثاله في تهدئة الأحوال والقضاء على الفتن فإنه لم ينجح في فتح القلوب للفرع الأمويّ الجديد([178]). وترى الباحثة: إن عهد بني أمية كان عهدًا سليمًا، ولكنه تدهور بسبب الفتن التي حلت فيه ولجوء الدولة إلى ولاة استعملوا الشدة التي أدت دورًا كبيرًا في زيادة كره الناس للولاة الأمويّين ومن ثَمَّ للدولة الأمويّة.
كما قال محمود شاكر: إننا لا نقول: إن عهد بني أمية عهد إسلامي سليم كما كان أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيام الخلفاء الراشدين، كما لا نقول عنه: إنه عهد جاهلي كالعهود التي نعرفها قبل الإسلام وبعد عصورهم التي تجعل منه الافتراءات عهدًا قاتمًا في بعض جوانبه أكثر من العصور الجاهلية، ولكننا نقول: إن الوضع الإسلامي قد تدهور قليلًا منذ انتهى العهد الراشدي، وبدأت زاوية الانحراف تزداد في انفراجها تدريجيًّا مع الزمن([179]).
ضخامة خسائر الدولة الأمويّة من الأموال والرجال
ومن أبرز الحركات التي كبدت الدولة الأمويّ الكثير من الجهد والمال والرجال حركة الخوارج التي صاحبت الدولة الأمويّة منذ قيامها، فقد ثار على معاوية عبد الله بن أبي الحوساء بالنخيلة، ثم خرج حوثرة الأسدي، وقد قتلهما معاوية سنة 41هـ، ثم خرج فروة بن نوفل الأشجعي فقتله أهل الكوفة، وخرج المستورد بن جوين الطائي في الكوفة فقتل، وخرج عروة بن أدية وأخوه مرادس، وظهرت النجدات والأزارقة بقيادة نجدة بن عامر ونافع بن الأزرق ما بين سنتي 65 – 87هـ فكبدوا الدولة الكثير من الجهد وظهر في الحقبة نفسها شبيب بن يزيد، وخرج شوذب الخارجي سنة 100هـ، وخرج بهلول بن بشر سنة 105هـ، والصحاري بن شبيب 119هـ، ثم خرج شيبان بن عبد العزيز اليشكري، والضحاك بن قيس الشيباني بعد وفاة هشام، وهكذا ظل الخوارج ملازمين للدولة الأمويّة بدأت معم وظلت معهم حتى سقوط دولتهم([180])، حيث تمكن الخوارج من هزيمة الجيش الذي أرسله ابن زياد وكان عليهم ابن حصن التميمي فقتلوا في أصحابه وهزموه.
وتورط بنو أمية في قتل بعض الصالحين من أمثال حجر بن عدي، وسعيد بن جبير، فضلًا عن الإمام الحسين رضي الله عنه، مهما كانت الأسباب التي ألجأتهم إلى ذلك أكبر الأثر في الحفاظ على الفجوة النفسية التي تفصلهم عن الناس منذ نشأة دولتهم([181]).
فقتل من أصحاب الحسن رضي الله عنه اثنان وسبعون رجلًا([182])، وحملت الرؤوس على أطراف الرماح وكانت اثنين وسبعين رأسًا، جاءت هوازن منها باثنين وعشرين رأسًا، وجاءت تميم بأربعة عشر رأسًا مع الحصين ابن نمير، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأسًا مع قيس بن الأشعث، وجاءت بنو أسد بستة رؤوس مع هلال الأعور، وجاءت الأزد بخمسة رؤوس مع عيهمة بن زهير وجاءت ثقيف باثني عشر رأسًا مع الوليد بن عمرو([183]).
ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعدما قتلوا بيوم وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلًا سوى الجرحى فصلى عليهم عمر بن سعد، ودفنهم قال: وما هو إلا أن قتل الحسين فسرح برأسه من يومه ذلك مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله ابن زياد([184]).
وفي أثناء حكم الحجاج للعراق قتل قرابة مئة وخمسين ألف رجل، راح كثيرون منهم ضحايا تهم باطلة، وكان بينهم خيرة رجال العرب، وعندما توفي وجد في سجونه خمسين ألف سجين من الجنسين([185]).
كما أن واقعة الحرة أسفرت عن هزيمة أهل المدينة وقتل عدد كبير منهم وقتل في تلك الموقعة ألف وسبعمائة من قريش، والأنصار، والمهاجرين، ووجوه الناس، وكان من بينهم ثمانون رجلًا من أصحاب النبي عليه السلام كما قتل عشرة آلاف من سائر الناس من الموالي والعرب سوى النساء والصبيان، على أن بني هاشم لم يشتركوا في موقعة الحرة ولزموا بيوتهم، ولذلك لم يقتل منهم إلا ثلاثة فقط، وبعد تلك الهزيمة استباح جيش مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام وأسرف هو وجنده في السلب والنهب والاعتداء ولذلك لقبوه المسرف([186]).
وانتهت حركة المختار الثقفي بهزيمته وقتله هو ونحو سبعة آلاف من أتباعه، وكانوا يطلقون على أنفسهم اسم المختارية([187]) وقد قتل الحجاج خلقًا كثيرًا ممن كانوا مع بن الأشعث، حيث قيل: إنّه قتل منهم مائة ألف وثلاثين ألفًا، منهم محمد بن سعد بن أبي وقاص حتى كان آخرهم سعيد بن جبير رحمه الله ورضي الله عنه([188]).
ويرى الباحث: إن حركات الخروج على الخلافة الأمويّة استمرت منذ نشأت الدولة الأمويّة عام 41هـ حتى سقوطها عام 132هـ لكننا نلاحظ أن الحِقبة الزمنية الممتدة بين 90 – 100هـ، قل فيها عدد حركات الخروج على الخلافة الأمويّة في العراق ويرجع ذلك إلى أمرين:
1- سليمان بن عبد الملك عندما استلم الحكم من عام 96 – 99ه قام بعزل الولاة لا سيما ولاة الحجاج بن يوسف الثقفي، ويقول الطبري، وابن الأثير: “كان الناس يقولون سليمان مفتاح الخير ذهب عنهم الحجاج فولي سليمان فأطلق الأسارى وخلى أهل السجون وأحسن إلى الناس واستخلف عمر بن عبد العزيز”([189]).
2- عدالة سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز وحرص سليمان بن عبد الملك على الاستعانة بصلحاء الرجال من أمثال عمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة([190])، عندما حج سليمان بن عبد الملك ورأى الناس، بالموسم قال لعمر بن عبد العزيز: ألا ترى هذا الخلق الذي لا يحصى عددهم إلا الله ولا يسع رزقهم غيره، فقال: يا أمير المؤمنين هؤلاء رعيتك اليوم، وهم غدًا خصماؤك عند الله، فبكى سليمان بكاء شديدًا، ثم قال: بالله استعين([191]). وقد ظهر تأثير هؤلاء الرجال الصالحين على سليمان، حيث كان يستشيرهم في أهم الأمور وخصوصًا في تولية الولاة على الأقاليم؛ لأنه كان يحب أن يكون من أصلح الناس وأعدلهم، فلما أراد أن يعيّن واليًا على أفريقية([192])، قال لرجاء بن حيوة: أريد رجلًا له فضل في نفسه أولّيه أفريقية، فقال له: نعم فمكث أيامًا، ثم قال: قد وجدت رجلًا له فضل قال: من هو؟ قال: محمد بن يزيد مولى قريش. فقال: أدخله عليَّ فأدخله عليه فقال سليمان: يا محمد بن يزيد اتق الله وحده لا شريك له، وقم فيما وليتك بالحق والعدل، وقد وليتك أفريقية والمغرب كله. قال فودعه وانصرف وهو يقول: “مالي عذر عند الله ما لم أعدل”([193]).
* أستاذ في جامعة بيروت العربيّة، قسم التاريخ.
([1]) الأزهري، تهذيب اللغة، ج2، ص30، ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص607.
([2]) ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ج1، ص128.
([3]) أبو داود، سنن أبي داود، ج4، ص332.
([4]) بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص130.
([5]) الضحاك بن قيس الفهري بن خالد بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك أبو أنيس الفهري أخو فاطمة بنت قيس القرشي، قتل بمرج راهط بالشام بعد موت يزيد بن معاوية سنة خمس وستين، البستي، الثقات، ج3، ص199.
([6]) دمشق هي مصر الشام ودار الملك أيام بني أمية، وثم قصورهم وآثارهم بنيانهم خشب وطين وعليها حصن أحدث وأنابه من طين أكثر أسواقها مغطاة، وله سوق على طول البلد مكشوف حسن وهو بلد قد خرقته الأنهار وأحدقت به الأشجار وكثرت به الثمار، المقدسي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ج1، ص144.
([7]) عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وأمه صفية بنت المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج4، ص100.
([8]) مالك بن هبيرة بن خالد بن مسلم بن الحارث بن المخصف بن مالك بن الحارث بن بكر بن ثعلبة بن عقبة بن السكون السكوني، ويقال الكندي أبو سع يد، ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج5، ص756.
([9]) حسان بن بجدل بن أنيف بن دلجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلاب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن زيد بن مرة بن عمرو بن مالك بن حمير أبو سليمان الكلبي، كان له وجاهة ومنزلة عند بني أمية، وكان مقدم بني كلب ورئيسهم، وعمته ميسون بنت بحدل زوج معاوية، وهي أم يزيد بن معاوية، وشهد مع معاوية صفين، وكان على قضاعة دمشق يومئذ، وهو الذي قام بأمر البيعة لمروان بن الحكم، وكان يسلم عليه بالإمرة قبل ذلك، ابن أبي جرادة، بغية الطلب في تاريخ حلب، ج5، ص2235.
([10]) الأردن ضم أوله، نهر بالشام وهو نهر طبرية عليه مدن، وكل من على جنبيه أردني، وكان ملك داود عليه السلام في الأردن وفلسطين، وكان عسكره ستين ألفًا أصحاب درق وسيوف، الحميري، صفة جزيرة الأندلس منتخبة من كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار، ج1، ص21.
([11]) الجابية بكسر الباء وياء مخففة وأصله في اللغة الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل وهي قرية من أعمال دمشق، ياقوت، معجم البلدان، ج2، ص91.
([12]) الأصبهاني، الأغاني، ج19، ص209.
([13]) حمص من أوسع مدن الشام، ولها نهر عظيم منه شرب أهلها، وأهل حمص جميعًا يمن من طيئ، وكندة، وحمير، وكلب، وهمدان، وغيرهم من بطون اليمن. افتتحها أبو عبيدة بن الجراح سنة ست عشرة صلحًا، وانتقضت بعد الفتح فصالح أهلها ثانية. وبحمص أقاليم منها التمة وأهلها كلب، والرستن، وحماة وهي مدينة على نهر عظيم وأهلها بهراء، وتنوخ، وصوران وبه قوم من أياد، وسلمية وهي مدينة في البرية، كان عبد الله بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابتناها وأجرى إليها نهرًا، واستنبط أرضها حتى زرع فيها الزعفران، وأهلها من ولد عبد الله ابن صالح الهاشمي ومواليهم، وأخلاط من الناس تجار وزراعيين، اليعقوبي، البلدان، ج1، ص37.
([14]) الفاكهاني، أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، ج2، ص356.
([15]) البلاذري، أنساب الأشراف، ج2، ص312.
([16]) حسن، التاريخ الإسلامي العام، مج1، ص285.
([17]) زعرور، تاريخ العصر الأمويّ السياسي والحضاري، ص41.
([18]) حسن، التاريخ الإسلامي العام، مج1، ص285.
([19]) الصلابي، الدولة الأمويّة، مج2، ص577.
([21]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص98.
([22]) الطبري، ـاريخ الطبري، ج3، ص380.
([23]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص97.
([24]) الصلابي، علي محمد، الدولة الأمويّة، مج2، ص494 – 495.
([25]) الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو العباس الأمويّ الدمشقي، بويع له بالخلافة بعد عمه هشام في السنة الخالية بعهد من أبيه، وأمه أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي، وكان مولده سنة تسعين وقبل ثنتين وتسعين وقيل سبع وثمانين، و قتل يوم الخميس لليلتين بقيتا في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة، ابن كثير، البداية والنهاية، ج10، ص6.
([26]) الصلابي، الدولة الأمويّة، مج2، ص502 – 503.
([27]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص133.
([28]) المرجع نفسه، ص134، 135.
([29]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص140.
([31]) المرجع نفسه، ص168، 169.
([32]) الصلابي، الدولة الأمويّة، مج2، ص577.
([33]) الصلابي، الدولة الأمويّة، مج2، ص 577 – 578.
([34]) الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، ص 182.
([35]) خطاب، قادة النبي مروان بن الحكم، ص 149.
([36]) الدنيوري، الأخبار الطوال، ج1، ص 510.
([37]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص 98.
([39]) أم كلثوم بنت علي بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وأمها فاطمة بنت رسول الله، وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، تزوجها عمر بن الخطاب وهي جارية لم تبلغ فلم تزل عنده إلى أن قتل وولدت له زيد بن عمر ورقية بنت عمر، ابن سعد الطبقات الكبرى، ج8، ص468.
([40]) صفوت، جمهرة خطب العرب، ج2، ص134-135؛ ابن حمدوان، التذكرة الحمدونية، ج6، ص265.
([41]) الجرجاني، الأمالي، ج1، ص225.
([42]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص441.
([43]) البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص424.
([44]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص336.
([47]) الذهبي، تاريخ الإسلام، ج7، ص388؛ المروزي، كتاب الفتن، ج1، ص91.
([48]) محمد بن طلحة ابن يزيد بن ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، وأمه فاخته بنت مسعود بن حارثة بن نضلة بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، فولد محمد بن طلحة جعفر بن محمد وإبراهيم وفاخته وأمهم الفاضلة بنت الفضيل بن ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وعليًا بن محمد وسلامة، وأمهما كلوكة بنت عون بن عبد الله بن مالك بن عبد الله بن رافع بن نضلة بن مهضب ابن صعب وتوفي محمد بن طلحة بالدينة في خلافة هشام بن عبد الملك وكان قليل الحديث، ابن سعد، الطبقات الكبرى القسم المتمم، ج1، ص101.
([49]) ابن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، ج1، ص287.
([50]) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي أبو محمد القرشي، كان مولده لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وكان من سادات التابعين فقهًا وورعًا وعبادة وفضلًا وزهادة وعلمًا، وقد قيل إنه كان فيمن أصلح بين عثمان وعلى مات سنة ثلاث وتسعين، البستي، مشاهير علماء الأمصار، ج1، ص63.
([51]) علي بن الحسين ابن الإمام بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف السيد الإمام زين العابدين الهاشمي العلوي المدني، يكنى أبا الحسين ويقال أبو الحسن، ويقال أبو محمد ويقال أبو عبد الله، وأمه أم ولد اسمها سلامة سلافة بنت ملك الفرس يزدجرد وقيل غزالة ولد في سنة ثمان وثلاثين ظنًا، سير أعلام النبلاء، ج4، ص386.
([52]) الذهبي، المنتقى من منهاج الاعتدال، ج1، ص287.
([53]) الذهبي، المنتقي من منهاج الاعتدال، ج1، ص287.
([54]) ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج2، ص250.
([55]) الجراحي، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، ج1، ص164.
([56]) ابن أبي زمنين، رياض الجنة بتخريج أصول السنة، ج1، ص289.
([57]) البخاري، الجامع الصحيح المختصر، ج6، 2702.
([58]) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج8، ص69.
([59]) النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، ج21، ص16.
([60]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص496.
([61]) معبد بن خالد بن ربيعة بن مزين بن حارثة بن ناضرة بن عمرو بن سعد بن علي بن رهم بن ناج بن يشكر ابن عدوان، كان ناسكًا من أهل الشام، ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ج، ص244.
([62]) الميرة في الأصل الإبل التي تحمل الطعام أريد بها هنا نفس الطعام، الصاوي، لغة المسالك لأقرب المسالك، ج4، ص221.
([63]) ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ج، ص244.
([64]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج59، ص308.
([65]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص123.
([66]) البلاذري، أنساب الأشراف، ج2، ص412.
([67]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص124.
([68]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص94.
([69]) الخربوطلي، عبد الله بن الزبير، ص248.
([70]) المسعودي، مروج الذهب، ج1، ص379.
([71]) الخربوطلي، عبد الله بن الزبير، ص249.
([72]) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص251-252.
([73]) تاريخ الخلفاء، ج1، ص209.
([74]) الخربوطلي، عبد الله بن الزبير، ص249.
([75]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص361.
([77]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص464.
([78]) ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص225.
([80]) عبد الله بن الزبير، ص251.
([81]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص361.
([82]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص363.
([83]) الحسن، الدولة الأمويّة عوامل البناء وأسباب الانهيار، ص153.
([84]) الأصبهاني، الأغاني، ج3، ص274؛ الحسن، الدولة الأمويّة عوامل البناء وأسباب الانهيار، ص153.
([85]) الحسن، الدولة الأمويّة عوامل البناء وأسباب الانهيار، ص153-154.
([86]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص100.
([87]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص122.
([88]) ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص329.
([89]) البلاذري، أنساب الأشراف، ج2، ص413.
([90]) حسن، التاريخ الإسلامي العام، مج1، ص293.
([91]) بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص134.
([92]) حسن، التاريخ الإسلامي العام، مج1، ص298.
([93]) بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص146.
([94]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص93.
([95]) حسن، التاريخ الإسلامي العام، مج1، ص280 – 281.
([96]) حسن، تاريخ الإسلام السياسي، ص2.
([97]) حسن، حضارة العرب في العصر الأمويّ، ص27.
([98]) شاكر، التاريخ الإسلامي، ج4، ص183.
([99]) زعرور، تاريخ العصر الأمويّ السياسي والحضاري، ص101.
([101]) الطرطوشي، سراج الملوك، ج1، ص151.
([102]) فروخ، تاريخ صدر الإسلام للدولة الأمويّة، ص199.
([103]) الجراحي، كشف الخفاء ومزيل الإلباس، ج1، ص164.
([104]) ابن أبي زمنين، رياض الجنة بتخريج أصول السنة، ج1، ص289.
([105]) ابن عبد البر، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، ج5، ص16.
([106]) الوكيل، الأمويّين بين الشرق والغرب، ص56-57.
([107]) عبد اللطيف، العالم الإسلامي في العصر الأمويّ، ص521.
([108]) عيسى، الحزبية السياسية منذ قيام الإسلام حتى سقوط الدولة الأمويّة، ص112-113.
([109]) السيد، تاريخ الإسلام والمسلمين، في العصر الأمويّ ص305.
([110]) الذهبي، المنتقى من منهاج الاعتدال، ج1، ص387.
([111]) زعرور، تاريخ العصر الأمويّ السياسي والحضاري، ص101.
([112]) السيد، تاريخ الإسلام والمسلمين في العصر الأمويّ، ص306-307.
([113]) عيسى بن الجراح بن داود ابن الجراح أبو الحسن الوزير للمقتدر والقاهر ولد سنة خمس وأربعين ومائتين، وسمع الكثير وعنه الطبراني وغيره وكان ثقة نبيلًا فاضلًا عفيفًا كثير التلاوة والصيام والصلاة يحب أهل العلم ويكثر مجالستهم أصله من الفرس، وكان من أكبر القائمين على الحلاج، وروى عنه أنه قال: كسبت سبعمائة ألف دينار أنفقت منها في وجوه الخير ستمائة ألف وثمانين ألفًا، ولما دخل مكة حيننفى من بغداد طاف بالبيت وبالصفا والمروة في حر شديد، ثم جاء إلى منزله فألقى نفسه وقال أشتهي على الله شربة ثلج فقال له بعض أصحابه هذا لا يتهيأ ههنا، فقال أعرف ولكن سيأتي به الله إذا شاء وأصبر إلى المساء فلما كان ف أثناء النهار جاءت سحابة فأمطرت وسقط منها برد شديد فجمع له صاحبه من ذلك البرد شيئًا كثيرًا وخبأه له، وكان الوزير صائمًا فلما أمسى جاء به، فلما جاء المسجد أقبل إليه صاحبه بأنواع الأشربة وكلها بثلج، فجعل الوزير يسقيه لمن حواليه من الصوفية والمجاورين ولم يشرب هو منه شيئًا، فلما رجع إلى المنزل جئته بشيء من ذلك الشراب كمنا خبأناه له وأقسمت عليه ليشربنه فشربه بعد جهد جهيد وقال أشتهي لو كنت تمنيت المغفرة رحمه الله وغفر له، ابن كثير، البداية والنهاية، ج11، ص217.
([114]) البيهقي، شعب الإيمان، ج6، ص35.
([115]) المسعودي، مروج الذهب، ج1، ص446.
([116]) الخطيب، الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، ص445.
([117]) ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج6، ص264.
([118]) الكساب، تاريخ صدر الإسلام، ص293.
([119]) خفاجي، معارك فاصلة في التاريخ الإسلامي، ص29.
([120]) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج5، ص374.
([121]) حسن، التاريخ الإسلامي العام، مج1، ص275.
([122]) الخضري، محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية الدولة الأمويّة، ص425.
([123]) إبراهيم، البجاوي، أيام العرب في الإسلام، ص422.
([124]) طقوش، تاريخ الدولة الأمويّة، ص67.
([126]) العش، الدولة الأمويّة والأحداث التي سبقتها ومهدت لها ابتداء من فتنة عثمان، ص193.
([127]) ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص294.
([128]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص100.
([129]) ابن قتيبة، عيون الأخبار، ج1، ص88.
([130]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص193.
([131]) يحيى بن زيد ظهر في أيام الوليد بن يزيد: يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، بالجوزجان من بلاد خراسان، مُنكرًا للظلم وما عنم الناس من الجور، فسير إليه نصر بن سيار سلم بن أحوز المازني، فقتل يحيى في المعركة بقرية يقال لها أرعونة، ودفن هنالك، وقبره مشهور مزور إلى هذه الغاية، وليحيى وقائع كثيرة، وقتل في المعركة بسم أصابه في صدغه، فولى أصحابه عنه يومئذ، واحتز رأسه، فحمل إلى الوليد، وصلب جسده بالجوزجان، فلم يزل مصلوبًا إلى أن أخرج أبو مسلم صاحب الدولة العباسية، فقتل أبو مسلم سلم بن أحوز، وأنزل جثة يحيى فصلى عليها في جماعة أصحابه ودفنت هناك، وكان ظهور يحيى في آخر سنة خمس وعشرين، وقيل: في ألو سنة ست وعشرين ومائة، الذهبي، مروج الذهب، ج1، ص440.
([132]) الصلابي، الدولة الأمويّة، مج2، ص470.
([133]) المرجع نفسه، مج2، ص576.
([134]) عيسى، الحزبية السياسية منذ قيام الإسلام حتى سقوط الدولة الأمويّة، ص197.
([135]) بطابنة، دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويّين، ص383.
([136]) عويس، بنو أمية بين الضربات الخارجية والانهيار الداخلي، ص41.
([137]) الحسين، تجديد الدولة العربية زمن الأمويّين، ص292.
([138]) الفسوي، المعرفة والتاريخ، ج3، 79.
([140]) ابن أبي شيبة، المصنف في الأحاديث والآثار، ج7، ص483.
([141]) الفسوي، المعرفة والتاريخ، ج3، ص78.
([142]) الغزالي، إحياء علوم الدين، ج4، ص355.
([143]) المسعودي، مروج الذهب، ج1، ص385.
([144]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص95.
([145]) زعرور، تاريخ العصر الأمويّ السياسي والحضاري، ص40.
([146]) الدينوري، الأخبار الطوال، ج1، ص423.
([147]) بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص129.
([148]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص467.
([149]) الصلابي، الدولة الأمويّة، مج2، ص502-503.
([150]) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص128.
([151]) ابن الجوزي، الموضوعات، ج1، ص328.
([152]) ابن الجوزي، الموضوعات، ج1، ص252.
([153]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج11، ص28.
([154]) القاسمي، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، ج1، ص378.
([155]) الذهبي، المنتقى من منهاج الاعتدال، ج1، ص88.
([156]) الذهبي، تاريخ الإسلام، ج8، ص237.
([157]) ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج4، ص267.
([158]) ابن حجر، لسان الميزان، ج1، ص11.
([159]) الدمشقي، توجيه النظر إلى أصول الأثر، ج2، ص559.
([160]) السيد، تاريخ الإسلام والمسلمين في العصر الأمويّ، ص306.
([161]) طقوش، تاريخ الدولة الأمويّة، ص72.
([162]) عبد اللطيف، العالم الإسلامي في العصر الأمويّ، ص521.
([163]) خفاجي، معارك فاصلة في التاريخ الإسلامي، ص33.
([164]) مسلم بن عمرو بن حصين بن أسيد بن زيد بن قضاعي الباهلي والد قتيبة بن مسلم أمير خراسان كان عظيم القدر عند يزيد بن معاوية ووجهه يزيد إلى عبيد الله بن زياد بتوليته إياه الكوفة عند توجه الحسين رضي الله عنه، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج58، ص114.
([165]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص290.
([166]) عمرو بن الحجاج الزبيدي كان مسلمًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله مقام محمود حين أرادت زبيد الردة إذ دعاهم عمرو بن معد يكرب إليها فنهاهم عمرو بن الحجاج وحثهم على التمسك بالإسلام ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، 5، ص144.
([167]) البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص417.
([168]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص324.
([169]) ابن الأثير، ألكامل في التاريخ، ج3، ص419.
([170]) العاصمي، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، ج3، ص188.
([171]) النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، ج20، ص296.
([172]) المصدر نفسه، ج20، ص296.
([173]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص336.
([174]) المصدر نفسه، ج3، ص336.
([175]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج1، ص312.
([176]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص336.
([177]) صفوت، جمهرة خطب العرب، ج2، ص168.
([178]) عويس، بنو أمية بين الضربات الخارجية والانهيار الداخلي، ص41.
([179]) شاكر، التاريخ الإسلامي، ج4، ص40.
([180]) عويس، بنو أمية بين السقوط والانتحار، ص75-76.
([181]) عويس، عبد الحليم، بنو أمية بين السقوط والانتحار، ص35.
([182]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص335.
([183]) ابن أبي جرادة، بغية الطلب في تاريخ حلب، ج6، ص2630.
([184]) الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص335.
([185]) علي، مختصر تاريخ العرب، ص105.
([186]) حسن، التاريخ الإسلامي العام، مج1، ص281-282.
([187]) حسن، التاريخ الإسلامي العام، مج1، ص290.
([188]) الوكيل، الأمويّون بين الشرق والغرب، ص397.
([189]) تاريخ الطبري، ج4، ص57؛ الكامل في التاريخ، ج4، ص311.
([190]) عبد اللطيف، العالم الإسلامي في العصر الأمويّ، ص162.
([191]) ابن كثير، البداية والنهاية، ج9، ص179.
([192]) عبد اللطيف، العالم الإسلامي في العصر الأمويّ، ص163.
([193]) ابن عذاري، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، ج1، ص19.