foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

أثر غياب خطاب الإصلاح الدّيني على المجتمعات المسلمة

0

أثر غياب خطاب الإصلاح الدّيني على المجتمعات المسلمة

د. نبيل موفق
د. نبيل موفق( )
ملخّص البحث
تُبرز هذه الورقة البحثيّة مفهوم الخطاب الإصلاحيّ الدّينيّ وتبيّن بعض مجالاته، وتسلّط الضّوء على المخاطر المهمّة والمحاذير التي تنتج عن غياب هذا الخطاب وضعفه بين المسلمين وعدم تفعيله عند المصلحين، وقد تمّت الإشارة إلى بعض الآثار المهمّة والمخاطر التي يسبّبها ذلك الغياب على المستوى الفرديّ، وعلى المستوى الجماعيّ، وما يمكن أن تكون عليه الأمّة – وهي تعيش حالة غياب كامل أو جزئيّ للعمل الإصلاحيّ في المجال الدّيني- من تأخّر عن الرّكب الحضاريّ في جميع المستويات، لأنّ الدّين وتعاليمه، والمداومة على إصلاحه وتقويمه بين النّاس أحد الأسس الرّئيسة في الشّهود الحضاري، والرّقي المعيشيّ عند الأفراد وعند الأمّة بل عند البشريّة جميعًا.
Résumé de la recherche
Cet article met en évidence le concept de discours de réforme et spectacles religieux des champs, et met en évidence les risques et les mises en garde les plus importants qui résultent de l’absence de ce discours et de faiblesse entre musulmans et non-activé lorsque les réformateurs, comme l’a souligné certains des effets et des risques les plus importants causés par l’absence même au niveau individuel et au niveau collectif et ce qui pourrait être la nation -le vivre l’absence de tout ou partie de l’œuvre de la réforme dans le domaine du militantisme retardé sur les genoux de la civilisation dans tous les niveaux, parce que la religion et ses enseignements, et en continu réparés et l’évaluation chez les gens une base principale dans le témoignage de la civilisation, et la sophistication de la vie quand individus, quand la nation même quand toute l’humanité.
مقدّمة
إنّ المجتمع المسلم لا يمكن أن يقوم إلاّ بتمسّكه بدينه، وبقدر تمسّكه بتعاليم الدّين الحنيف يعظم إنجازه ونفعه وإعماره للحياة، وإسعاده للبشريّة، وبقدر تهاونه في تلك التّعاليم يكون الخراب في العمران والفساد في الحياة، والإتلاف للأموال، وغيرها من صنوف الانحراف الإنساني، نقول هذا ليقيننا بأنّ تعاليم الدّين الإسلامي الذي ارتضاه الله لعباده هو الهادي للبشريّة، والمقيم للحياة السّعيدة، والمعين على توظيف الطّاقات الإنسانيّة والمسخّرات الكونيّة من أجل تحقيق مقاصد وجودها؛ ولذلك وجب على المسلمين أن يقيموا صرح الإسلام في قلوبهم وفي واقعهم وسلوكاتهم، ولكن فساد الوضع الدّيني لدى المسلمين أمر لا يمكن إنكاره لأنّنا نعيشه ونعيش مخاطره ونرى آثاره على الفرد وعلى المجتمع، وقد جاهد أهل العلم جهادًا كبيرًا في مجال الإصلاح الدّيني على مرّ تاريخ الإسلام، فظهر المصلحون يدعون النّاس إلى العودة إلى حظيرة الدّين، ويحثّونهم على ضرورة التّمسّك به في جميع شؤونهم ومجالات حياتهم، آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، ومقوّمين للسّلوك ومجدّدين للدّين في القلوب، فنتج عن ذلك الحركات الإصلاحيّة التي عرفها العالم الإسلامي قديمًا وحديثًا، ولاشكّ أنّ دوام العمل الإصلاحيّ واستمراره، وتجديد خطابه وتقصيد آلياته من عوامل بقاء الدّين وتطبيق أحكامه، لأنّ الإنسان بطبعه يغفل ويسهو ويخطئ، وله خصوم من شياطين الإنس والجنّ يؤزّونه إلى الفساد والشّرّ أزًّا، فإذا وجد من يذكّره ويصلح خطأه ويقوّم سلوكه رجع عن ذلك وأصلح قوله وفعله، وتقوّى ليتصدّى للواردات الإفساديّة التي ترد عليه، ومن ثمّ يمكن لنا أن نستشعر خطر غياب ذلك الخطاب الإصلاحيّ على الفرد وعلى الأمّة المسلمة، فما هي يا ترى تلك الآثار المهمّة والمخاطر؟
وللإجابة عن ذلك الإشكال والتّساؤل جاءت هذه المقاربة الفكريّة في ثلاثة مباحث كالآتي:
– المبحث الأوّل: مفاهيم عامة حول عناصر الموضوع.
– المبحث الثّاني: آثار غياب الخطاب الإصلاحيّ على أفراد المجتمع المسلم.
– المبحث الثّالث: آثار غياب الخطاب الإصلاحيّ على الأمّة ودينها.
– المبحث الأوّل: مفاهيم عامة حول عناصر الموضوع.
في هذا المبحث نريد أن نبيّن معاني ومفاهيم للكلمات المفتاحيّة التي يتكوّن منها عنوان البحث من أجل توضيح المقصد والهدف هو رسم المسار والطّريق الذي نسلكه في هذه الورقة البحثيّة.
– المطلب الأوّل: مفهوم الخطاب الإصلاحيّ
– الفرع الأوّل: مفهوم الخطاب
الخطاب في اللّغة من المخاطبة؛ ومعناها مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابًا، وهما يتخاطبان، وفصل الخطاب أن يفصل بين الحقّ والباطل ويميّز بين الحكم وضدّه( ).
وأمّا في الاصطلاح هو: الكلام الذي يقصد به الإفهام، إفهام من هو أهل للفهم والكلام الذي لا يقصد به إفهام المستمع فإنّه لا يسمّى خطاباً( ).
يقول طه عبد الرّحمن: “… إنّ المنطوق به أي الخطاب الذي يصلح أن يكون كلامًا: هو الذي ينهض بتمام المقتضيات التواصلية الواجبة في حقّ ما يسمّى خطابًا، إذا حُدّ الخطاب أنّه كلّ منطوق به موجّه إلى الخير بغرض إفهامه مقصوداً مخصوصًا”( ).
– الفرع الثّاني: مفهوم الإصلاح
الإصلاح من الصّلاح وهو في اللّغة: ضدّ الفساد فيقال رجل صالح في نفسه من قوم صلحاء ومصلح نفسه، والإصلاح هو نقيض الإفساد وأصلح الشّيء أي أقامه. وصلح صلاحًا وصلوحًا: زال عنه الفساد، وأصلح ذات بينهما: أزال ما بينهما من عداوة وشقاق ووحشة وخلاف( ). أمّا في الإصطلاح فقد عرّفه ابن تيمية بقوله:” إنّ الإصلاح هو صلاح العباد بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فإنّ صلاح المعاش والعباد في طاعة الله ورسوله ولا يتمّ ذلك إلاّ بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمّة خير أمّة أخرجت للنّاس”( ). وقال الآلوسيّ: الصّلاح هو “الإتيان بما ينبغي والاحتراز عمّا لا ينبغي”( ). يقول الدّكتور محمّد عمارة:” الإصلاح هو التّغيير إلى الأفضل ذلك أنّ مقابل الإصلاح هو الفساد، فالحركات الإصلاحيّة هي الدّعوات التي تحرّك قطاعات من البشر الإصلاح ما فسد، في الميادين المختلفة انتقالًا بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التّطوّر الإنساني”( ). فالصّلاح على ما ذكر يحمل معاني بذل الجهد إلى أقصى ما يمكن لإزالة ما يفسد واقع النّاس في نفوسهم ومجتمعهم، وعليه فالإصلاح الدّيني سمة من سمات المجتمع المؤمن ومشروع كبير من مشروعاته المستمرّة والدّائمة من أجل تقويم المعوج وتصحيح الخطأ وتطوير الصّحيح وتعزيز الصّواب.
خلاصة القول إنّ الخطاب الإصلاحي هو تجنيد المهارات القولية والكلاميّة والسّلوكيّة من أجل إحداث تغيير في حياة الفرد والمجتمع، من جهة تطوير الحياة والقضاء على أسباب التّخلّف والفساد شريطة بناء ذلك الخطاب على معالم واضحة ومقاصد هادية وأهداف راشدة.
– المطلب الثّاني: تعريف الدّين لغةً واصطلاحًا
في هذا المطلب نجلِّي حقيقة مصطلح الدّين في اللّغة والاصطلاح، وذلك في ثلاثة فروع:
الأول: من النّاحية اللّغوية، والثّاني: تعريف الدّين من النّاحية الاصطلاحيّة، والثّالث: قواعد وكلّيّات الدّين .
– الفرع الأوّل: تعريف الدّين لغة
الدّين في اللّغة يطلق على معان كثيرةمنها( ):
– الجزاء: يقال دنته بفعله دينًا: جزيته، ومنه يوم الدّين أي يوم الجزاء، ومنه قوله تعالى:﴿ أئذا متنا وكنّا ترابا وعظاما إنّا لمدينون﴾( )، أيّ مجزيون محاسبون ، وكما قيل: «كما تدين تدان» أيّ: كما تجازي تجازى( ).
– الحساب: ومنه قوله تعالى: ﴿مالك يوم الدّين﴾( )، وقوله تعالى: ﴿ذلك الدّين القيّم﴾( )، أيّ: ذلك الحساب الصَّحيح، والعدد المستوي( ).
– الطّاعة: يقال: دنته ودنت له، أيّ أطعته، ومنه قوله تعالى: ﴿وأخلصوا دينهم﴾( ) ، ويقال: متدين أي طائع لله ومنه كذلك دنت الرجل إذا وكلته إلى دينه.
– الإسلام: ومنه قوله تعالى: ﴿إنّ الدّين عند الله الإسلام﴾ ( )، وقوله تعالى:﴿ ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه لله وهو محسن﴾( ).
– الذلّ والاستعباد: والدين لله من هذا إنما هو طاعة والتعبد له، ودانه دينًا أي أذله واستعبده، وفي الحديث الشريف، أنّ النبي قال: «الكيِّسُ من دان نفسَه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله»( )؛ أي: ذلها واستعبدها، وقيل حاسبها، وهناك إطلاقات أخرى منها: السّلطان، الورع ، القهر، المعصية، الداء، الحال، الملك، الحكم، السيرة، التدبير، الملّة، الإكراه، والقضاء( ). ودان من الأضداد، يقال: دان الرجل إذا عزَّ، ودان إذا ذلّ ، ودان إذا أطاع، ودان إذا عصى، ودان إذا اعتاد خيرًا أو شرًّا ( ). قال الفخر الرازي: ” قال بعضهم: المراد أن هذا التعبد هو الدين اللازم في الإسلام، وقيل : حمل لفظ الدّين على العبادة أولى من حمله على الحساب، لأنّه مجاز فيه، ويمكن أن يقال: الأصل في لفظ الدين الانقياد، والعدة تسمى دينا، فلم يكن حمل هذا اللفظ على التعبد أولى من حمله على الحساب”( ).
أمّا الطّاهر ابن عاشور فيرى أنّ الدّين حقيقة في الجزاء، ثم صار حقيقة عرفية يطلق على مجموع عقائد وأعمال يلقيها رسول من عند الله، ويَعِدُ العاملين بها بالنعيم، والمعرضين عنها بالعقاب، ثم أطلق على ما يشبه ذلك ما يصنعه بعض زعماء الناس من تلقاء عقله، فتلزمه طائفة من الناس، ويسمى الدين دينًا لأنّه يترقَّب منه متَّبعه الجزاء عاجلًا أو آجلًا، فما من أهل دين إلاَّ وهم يترقبون جزاء من رب ذلك الدين، وأهل الأديان الإلهية يترقبون الجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة( ).
– الفرع الثّاني: تعريف الدّين في الاصطلاح
أمّا الدّين في الاصطلاح فهو لا محالة مبني على معناه في اللّغة، وقد عرِّف بتعريفات كثيرة منها:
– إنه: “وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو من عند الرّسول”( ). وقيل إنّه: “وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إيَّاه إلى الصلاح في الحال و الفلاح في المآل”( ). وهذا يبيّن أنّ الدّين أو التّديّن فطرة في الإنسان، فالإنسان لابدّ أن يدين بدين سواء كان ذلك الدين حقَّا أم باطلًا، فإنّ مخالفة تلك الفطرة شذوذ وانحراف، ولكنّ المقصود بالدّين هنا الدّين الحق، فحين نتكلّم عن الدّين وكونه ضروريًا للحياة فإنّنا نعني بذلك الدّين الحق الصَّحيح المنزّل من رب العالمين، الخالص من البدع، والتحريفات لا مطلق الدين، وهو المنزَّل على محمد وهو الدّين الإسلاميّ الحنيف، بدليل أنه لم يبق دين من الأديان الأخرى إلاَّ محرّفًا مشوَّهًا مختلطًا بآراء البشر لا يمثّل الدّين الحق، ولا أثر له في حياة البشر فضلًا عن أن يبني عليه وازع يزع النّاس إلى صلاحهم، ويمنعهم عمَّا يضرهم( ).
ولذلك تكاد تجمع كلمة العلماء والأصوليين على تعريف الدّين في الاصطلاح؛ إذ عرَّفوه بقولهم: ” وضع إلهي سائق لذوي العقول، باختيارهم المحمود، إلى ما هو الخير بالذّات لهم”( ). وقيل في شرح التّعريف( ):
وضع إلهي: يشمل ما جاء به القرآن والسّنّة، بقيّة مصادر التّشريع، وبذلك تخرج كلّ القوانين الوضعية، والتّدابير المعاشية والصّناعية.
– السّائق: خرج به الأوضاع الإلهية غير السائقة، كإنبات الأرض، وإمطار السّماء.
– بذوي العقول: خرج بها الطابع و الغرائز التي تهتدي بها الحيوانات لخصائص منافعها ومضارها.
– بالاختيار: خرج بها الأوضاع الاتفاقية والقسرية، كالوجدانيات.
– بالمحمود: خرج الكفر.
– الفرع الثّالث: القواعد الكبرى للدّين
قسَّم العلماء الدّين إلى قواعد ثلاث( ):
– القاعدة الأولى: العقائد: وهي التي تقرر وحدانية الله وعدم الشرك به، والمعبّر عنها بالإيمان، وهي بدورها تشتمل على ثلاث قواعد:
أ‌- الأولى: ما يتعلق بالذّات الإلهية، وما يجب له وما يستحيل عليه، ويدخل في ذلك الصفات العليا والأسماء الحسنى لله تعالى.
ب‌- الثّانية: النّبوّات، وتشتمل على صفات الرّسل الكرام وحقوقهم وكتبهم.
ج- الثّالثة: أمر المعاد، وما يتعلّق به من أشراط الساعة، وحوادث يوم القيامة، والحساب والجزاء من الجنّة والنّار، والقبر عذابه ونعيمه، ويطلق على العقائد أصول الدّين.
– القاعدة الثّانية: الشّريعة: وهي المعبّر عنها بالأحكام العملية التي تشمل العبادات والمعاملات التي تنظّم جميع العقود التي تنظّم التّعامل بين الناس، من بيع وتجارة ورهن واستصناع ومزارعة وغيرها، وتشمل أيضًا الأحوال الشّخصية كالزّواج والطّلاق وغيرها، كما تشتمل على العلاقات الدولية، التي تنظم علاقات الدّول في ما بينها في حالتي السّلم والحرب، ونظام الحكم الذي ينظّم العلاقات بين الحاكم والمحكوم، ونظام القضاء، الذي ينظم أصول التّقاضي بين الخصوم.
– القاعدة الثّالثة: الأخلاق: وهو الدّستور الذي ينظّم علاقات النّاس الاجتماعية، ويعالج علاقة النّاس بالله سبحانه وتعالى، بما يهذب نفـسه وسريرته، وينتقل بعد ذلك في دوائر من الأسرة ببرّ الوالدين والأقارب، ثمّ رعاية حقوق الجيران، إلى دوائر المجتمع الإسلامي الكبير، فنجده يأمر بالأخلاق الصّالحة كالصّدق والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة، وتنهى عن الأخلاق الذّميمة كالكذب، ونقض العهود، وإخلاف الوعد.
وقد قُسِّم الدّين على أساس آخر بالنَّظَر إلى مراتبه إلى ثلاث قواعد أيضًا: الإسلام، الإيمان، والإحسان، يقول ابن تيميّة:”الدّين كله داخل في العبادة، وقد ثبت في الصَّحيح أنّ جبريل – عليه السلام – لما جاء إلى النبي في صورة أعرابيّ وسأله عن الإسلام، ثم قال في آخر الحديث: «فإنّه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» ، فجعل هذا كلّه من الدّين( ).
وقال النّووي: “أنّ الإيمان والإسلام والإحسان تسمّى كلّها دينًا”( ).
– المبحث الثّاني: آثار غياب خطاب الإصلاح الدّيني على أفراد المجتمع المسلم.
الصّلاح الدّيني مصاحب للفطرة، والإسلام دين الفطرة، قال النّبيّ : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه»( ). ومع ذلك فإنّ الصّلاح الدّيني عند الفرد المسلم والمتمثّل في الاستقامة الظّاهرة، والاستقامة الباطنة قد يعترضه ما يفسده، وينزعه نحو الانحراف؛ وهناك أسباب متعدّدة لذلك، وغياب الخطاب الإصلاحي والدّيني، وانعدام الرّؤية التّغييريّة التي تساير ذلك الصّلاح وتسنده وتقوّمه من حين إلى آخر أحسبه السّبب الأوّل في ذلك، وينتج منه تعطيل لأحكام الشّريعة وعدم نفوذها وانعدام لسلطانها؛ إذ الصّلاح الدّيني عند أفراد المجتمع يجعلهم في حالة يرتقون بها إلى تحكيم الشّريعة، وتفعيل قواعدها في حياتهم السياسية والاقتصاديّة والعلمية والاجتماعية والثّقافية، ومن بين آثار غياب الخطاب الإصلاحي في المجال الدّيني على الفرد المسلم ما يلي:
– الفرع الأوّل: ضعف التّنشئة التّربويّة
تعدُّ التّنشئة التّربويّة الصّالحة ثمرة لكلّ سلوك فاضل محمود، كما أنّ التّنشئة الفاسدة أساس لكل رذيلة خلقيّة، ويكون ضعف التّنشئة التّربويّة على أصعدة تمسّ بناء أخلاق الفرد والمجتمع، ومنها( ):
أ- الجوانب العلميّة: فضعف الجانب العلمي الشّرعي لدى الفرد يفقده أكبر وأقوى حصانة ذاتية، لأنّ العلم الشرعي هو الذي يغرس ويربّي النّفس على التّقوى، وبعد بالنّظر لما بعد الدنيا من نعيم أو جحيم، فيجعلها مقدمة على الفضيلة خائفة ومبتعدة عن الرّذيلة، وضعف العلم الشّرعي يؤدّي إلى الجهل الذي يقود إلى موت القلوب، قال ابن تيمية: “فالقلب يموت بالجهل المطلق، ويمرض بنوع من الجهل” .
ب- الجوانب العقديّة والتّعبّديّة: فضعف التّربية والتّنشئة الصّحيحة عند المكلّف يجعله سهل الانسياق وراء الشّهوات والملذّات التي بدورها تقود إلى الانحراف لأنّ العقيدة الصّحيحة والعبادة تربّي في المسلم قوّة اليقين، وقوّة البصيرة، وقوّة الصّبر، وعلوّ الهمّة، والبعد عن الدّناءات،” إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”( ).
والفحشاء هي كل فعل أو قول ظهر قبحه لكل أحد، وإذا ضعفت التّربية الدّينية تعرّض الفرد للانحرافات السلوكية وويلاتها( ).
ج- الجوانب الخلقيّة: إنّ ضعف التّنشئة الخلقيّة على الفضائل الإسلامية يجعل المرء سهل الانقياد لأضدادها من الرّذائل السّلوكيّة، لأنّه لم يألف التّربية على الصّبر، وبالتّالي يصبر على نزواته وشهواته، ولذلك فإنّ ضعف التّربية الخلقيّة من أقوى الأسباب التي تخرم حصانة الوازع الدّيني وربّما تؤدّي إلى انعدامه( ).
د- البيئة الاجتماعيّة: وهي كل ما يحيط بالفرد من منزل ومدرسة ومهنة وشعائر دينية ومعتقدات وأفكار، وعرف ورأي ولغة وأدب وعلم وأخلاق، والحي الذي يسكن فيه، فهي على العموم كل ما يؤثّر في بناء الشّخصية الفردية من عوامل( ). فمتى كانت هذه البيئة غير صالحة أثّرت في الفرد بقدر ما نقص منها من صلاح وإصلاح، وبالتّالي يتأثّر الوازع الدّيني بذلك ويضعف.
– الفرع الثّاني: ضعف التّناصح الاجتماعي
ذلك من خلال انعدام مبدأ التّعاون على الخير والصّلاح والتّناصح، وهو أساس صحّة المجتمع وسلامته؛ “وتعاونا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”( ).
وقال : «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فمن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»( ). يقول ابن رجب: “فإنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها”( ).
فإذا ضعف التّناصح الاجتماعي، وجد المنحرف المجال أمامه مفتوحًا للإفساد؛ إذ لا ينهاه أحد على انحرافه ولا ينتقده منتقد، ومن أسباب ضعف التّناصح الاجتماعي بين أفراد الأمّة ما يلي( ):
أ- الانشغال الذّاتيّ: حيث ينشغل الفرد بشؤونه الخاصّة، ومتابعتها والسّعي في تحقيق مصالحه فيتلهّى بذلك عن كلمة الحق التي تحثّ النّاس على فعل الخير واجتناب الشّر، وربما عرف اختلال صديق أو جار، أو أحد الأبناء، فانشغل بشؤونه الخاصّة عن تحقيق مصلحة عامة، وفي ذلك من المفاسد الشّيء الكثير التي تنعكس على الأمّة، وفي مقدّمتها فساد الأخلاق.
ب- التّسابق الماديّ: وهذا أيضًا من أسباب ضعف التّناصح الاجتماعيّ؛ إذ كل فرد يسعى وراء جمع الجوانب المادّية، فانعكس ذلك على نظرة المجتمع في تقييم النّاس، فأصبح المعيار الذي يتفاضل به الناس عن بعضهم البعص هو ما يملكون من أموال، وأصبح الجانب الخلقي غير معتبر في ذلك، ومن ثمّ تفسد الأخلاق ويغيب الصّلاح الدّيني المتمثّل هنا في وازع الضّمير الذي من شأنه الزّجر عن فعل الشّر والدفع إلى عمل الخير، حيث تحل المعصية محلّه، أمّا المشاعر الإنسانية والقيم العليا فتعدّ سخفاً وسذاجةً ( ).
ج- عدم الشّعور بالمسؤوليّة: سواء على مستوى الأفراد في أنفسهم، أو على من ولاّه الله أمرهم، أو حتّى على مستوى مجال الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ويكون الإصلاح الدّيني حيال هذا التّنصّل مهترئاً ومهدّداً بالانهيار( ).
– الفرع الثّالث: الرّفقة السّيّئة
للرّفقة السّيّئة تأثيراً مباشراً على الرّفيق في سلوكه القولي والفعلي والاعتقادي، وقد نبّه المنهج التّربويّ الإسلامي على ذلك كثيراً في القرآن الكريم، وفي السنّة أيضاً. فأمّا من القرآن فقوله تعالى:﴿الأخلاّء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو”( )، وقوله: ﴿ياليتني لم أتّخذ فلانا خليلا﴾( ). وأمّا من السنّة فقد قال النّبي : «الرّجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»( ). فالرّفقة السّيئة تؤثّر لا محالة على معتقد الفرد، وعلى أدائه للشّعائر الدّينية، كما أنّها تؤثّر في سلوكه وأخلاقه، وكما قال ابن القيّم: «توجب له تفرّقًا وتشتّتًا وهمًّا وغمًّا وضعفًا، وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السّوء وإضاعة مصالحه، والانشغال عنها بهم، وبأمورهم، وتقسّم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يتبقّى منه لله والدّار الآخرة»( ). ومن مساوئ الرّفقة السّيئة أيضاً أنّها عن الحقّ تصدّ، وبالباطل تأمر، وبحلاوة الكلام تزيّن القبائح، وعن المعروف تنهى، محبّةً للشّر والفساد، مبغضةً للخير والصّلاح( ). وبيئات الرفقة السيئة كثيرة في هذا الزّمان منها رفقاء المدرسة، والأقارب، والحي الذي يسكن فيه الفرد، وزملاء المهنة، وهكذا فحيث ما ولّيت وجهك وجدت البيئات التي تتنازع في كسب قلوب النّاس إن بالخير وإن بالشّر.
– الفرع الرّابع: التّأثّر بالتّيّارات الفكريّة
تعدُّ التيّارات الفكريّة القادمة إلى المجتمع الإسلامي من أعدائهم أشدّ فتكًا وشراسةً على الأخلاق، لما تحمله عبر الكلمة البرّاقة، والشّاشة الملوّنة، والبث المباشر السّريع من فتن فكريّة كقطع الليل المظلم، حيث تغرس الشّك بدل اليقين، وتنشر الفتن بما يفسد الأخلاق وينحدر بها إلى الهاوية في ظلّ غياب الخطاب الإصلاحي في المجال الدّيني، وتتمثّل التيّارات الفكرية الغازية في وسائل متعدّدة منها ما يلي( ):
أ- البثّ المباشر: يعتبر البث المباشر من أسرع الوسائل الحديثة التي غزت العالم بأسره، ونقلت بين أفراده ما هو صالح وما هو فاسد على حدّ سواء، ولنسبة الفساد الحظ الأوفر والنّصيب الأكبر؛ فأصبح يبثّ ما يفسد الدين والأخلاق، ويحطّم القيم الاجتماعيّة، وينشر الفساد والرّذيلة، من خلال نقل عادات خلقيّة فاسدة لأهل الكفر والرّذيلة، وتقديمها في ثياب برّاقة، فينزلق وراءها الشّباب الذي ضعف وازعه الدّيني وسيطرت عليه الشّهوات من كل جانب.
ب- ترجمة كتب الفكر المنحرف: فإذا ترجم الفكر المنحرف المخالف لكتاب والسنّة من حيث المعتقد، أو من حيث فهم الحياة إلى اللغة العربيّة؛ فإنّه يصبح سهلًا ميسورًا لدى القرّاء الذين لا يملكون اللغة العربية، وللذين لا يملكون حصانة شرعيّة ولا علميّة ولا فكريّة، ومن بين هذه المواضيع: تحرير المرأة، العلاقات المحرّمة، تعليم الجريمة ومسالكها، وغيرها من الآفات التي تفسد الأخلاق وتضعف هيبة الدّين في قلوبهم بسبب غياب العمل الإصلاحي( ).
ج- السّفر إلى بلاد الكفر: وهذا السّفر إذا لم يكن لحاجة ماسّة، فهو خطر على المسافر إلاّ إذا كان صاحب وازع ديني قوي، ولكنّه حتمًا سوف يتأثّر بما يلاحظ من ممارسات ومشاهد مخالفة للفطرة، ولتعاليم الدّين الإسلامي الحنيف من شبهات وشهوات تعصف بالوازع الدّيني عصفًا( ).
– المبحث الثالث: آثار غياب خطاب الإصلاح الدّيني على الأمّة ودينها
إنّ ضعف الإصلاح الدّيني وغياب خطابه بين أفراد الأمّة يحدث تهلهلاً في القواعد التّحتية للشّريعة الإسلامية، ويجرّئ النّاس على دين الله، ويصبح هذا الدّين غير محترم عند الآخرين، لأنّ أتباعه لم يطبّقوه، ولم يعملوا بأحكامه، فيتأخّر النّاس عن الدّخول في دين الله لتلك الأسباب، أو على الأقل في التّعرّف على تعاليم هذا الدّين الحنيف، بل ربّما يوصل إلى أن يتحامل أعداء الدّين فيمتطون صهوة أقلامهم ليصوّروا هذا الدّين-من خلال ضعف العمل الإصلاحي والتّقويمي الدّيني عند أتباعه وعدم نفوذ أحكام الشّريعة بينهم – بأبشع صورة؛ وعليه فسأتكلّم من خلال هذا المطلب عن هذه المعاني، وذلك في أربعة فروع كالتّالي:
– الفرع الأوّل: تشويه حقيقة الإسلام( )
الإسلام هو الملّة التي ارتضاها الله دينًا وشريعة للإنس والجن نزل به الرّوح الأمين على قلب الرّسول الكريم إذ لم يدّخر جهدًا في إيصال هذا الدّين صافيًّا نقيّاً لأصحابه فقدّموا لنا وللعالم صورة حيّة صادقة صحيحة بيضاء نقيّة أحسّ بها النّاس وشاهدوها، فدخلوا في دين الله أفواجاً، كما قال تعالى:” إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت النّاس يدخلون في دين الله أفواجا”( ). ولكن نقول وبكل أسف أنّ مساوئ الأخلاق قد انتشرت في ديار المسلمين ما أدّى إلى ضعف وازعهم الدّيني، وسبب ذلك غياب الخطاب الإصلاحيّ في المجال الدّينيّ؛ فقدّموا صورة مشوّهة عن الإسلام؛ وبالتالي يوهمون النّاس بسوء فعالهم أنّ هذا هو الدّين، فتجد منكرات الأفعال منتشرة بين المسلمين من سرقة وغشّ وربًا ورشوة، وتجد شرب الخمر والزّنا، وتلحظ في سلوكهم الظّلم والبطش والاعتداء، فليحذر المسلم من هذا حذرًا شديدًا وليقرأ قول النّبيّ : «من سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن يتقص من أوزارهم شيئاً»( ).
– الفرع الثّاني: تعريض دين الأمّة للنّقد.
إنّ من آثار ضعف الإصلاح الدّيني، وانتشار الأخلاق الرّذيلة أن يتعرّض دين الأمة للنّقد من قبل الأعداء بشتّى الوسائل، بالكلمة وبالصّورة، أو المقال، أو التّمثيل عبر وسائل الإعلام المختلفة، حتى يسهل تداولها بين النّاس قصد الإضرار وتشويه صورة الدّين الإسلاميّ. فعندما ضعف الوازع الدّيني لدى المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب وتأثّرت بما يرد من الغرب، وغابت حملات الإصلاح في هذا المجال عرف هناك أعداء الله أنّ لهم سندًا من المسلمين يمكن أن يعينهم في حملتهم ضدّ تعاليم الإسلام وقيمه الخاصّة بالحجاب( ). فأعداء الإسلام لم يكن لهم أن يجرؤوا على دين الله لولا ضعف الوازع الديني وغياب العمل الإصلاحي والتّقويمي لدى كثير من المنتسبين إليه، لأنّ هذا الضعف والتّفريط في الوقوف على حدود الله يمثّل لهم مجالاً ينطلقون منه لإصابة هدفهم؛ كما قال تعالى:” إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء” ( ). أي: لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من أذى ينالوكم به بالمقال والفعال) (. والمتأمّل في عالم اليوم يجد أن النّقد ينصب في هذه المدّة على الإسلام، ولاسيما قضية تحرير المرأة، وبقولهم إنّ الإسلام يمنع من مساواتها بالرّجل والاختلاط، ويهدفون من وراء ذلك إخراج المرأة عن بيتها وإبعادها عن مهمّتها التّربويّة( ).
– الفرع الثّالث: تأخّر النّاس عن الدّخول في الإسلام
إنّ ما يصيب الأمّة الإسلاميّة في دينها إذا ضعف عملها الإصلاحي الدّيني بين أفرادها؛ أن ينفر النّاس الآخرين ممّن يرجى إسلامهم من الدّخول في الإسلام، لأنّ الذي يعلن إسلامه إنّما يعلنه لشعوره بالعطش الدّينيّ الذي لم يجده في الدّيانات الأخرى، ولن يجده، فإذا رأى في المسلمين من الانحطاط الخلقي ما يجده عند أتباع الدّيانات الأخرى توهّم أنّ هذا هو منهج الإسلام، فيصدّه ذلك عن دين الله( ). فالسّبب في عدم نفوذ أحكام الشّرع بين المسلمين أو حتى بين غيرهم-ليتعلّموا ويعرفوا عن الإسلام- هو ضعف جهود الإصلاح الدّيني عند أتباع الدّين الإسلامي، فيظهر منهم ما ليس من تعاليم ذلك الدّين القيّم فيشتبه الأمر على النّاس، فيتأخّر دخولهم فيه كنتيجة لذلك السّبب. فالأمّة الإسلاميّة والفرد المسلم عليه أن يدرك أنّه على ثغر من ثغور الإسلام لا ينبغي أن يؤتى الإسلام من قبله أو أن يساء إليه بسببه، ولا يكون ذلك إلاّ برعاية وتبنّي الجهود الإصلاحيّة القائمة على الأسس الشّرعية الصّحيحة وصيانتها.
– الفرع الرّابع: إضعاف الأمّة بإضعاف دينها
إنّ قوّة الأمّة بقوّة دينها النّاتج عن اليقين بأحكام هذا الدّين الصّحيح، كما أنّ ضعفها وهوانها على الأمم الأخرى ناتج عن ضعف تمسّكها بعقيدتها، ففي قوّة الأمّة قوّة للدّين، وفي ضعفها ضعف للدّين (فإذا كان في قوّة السّلطان قوّة للدين… فكيف بقوّة المؤمنين مع قوّة السّلطان)( ). ولكن إذا ضعف الإصلاح الدّيني عند المسلمين نزل الوهن في قلوبهم، وفي ذلك إضعاف لقوّة المسلمين التي يجب أن تكون عزيزة الجانب، ليقوى بها الدّين وينتشر، فعلى أبناء الأمّة الإسلاميّة أن يعوا أخطار غياب العمل الإصلاحي الدّينيّ على شريعة الإسلام وعلى أنفسهم في الدّنيا وفي الآخرة، وأن يدركوا تمام الإدراك أنّ الجهد المبذول في كلّ عمل إصلاحيّ من مقاصد الشرع الكبرى.
– الفرع الخامس: انعدام الأمن والاستقرار
يعدُّ الأمن الفرديّ والاجتماعيّ والدّوليّ والإقليميّ من أهمّ مقوّمات الحياة الهادئة السّعيدة؛ وأنّ ذلك من أبرز مقوّمات التّقدّم الحضاريّ والاقتصاديّ، وأحد المعايير المهمّة نفوذ أحكام الشّريعة الإسلاميّة، ولهذا فقد اهتمّ به الشّرع اهتمامًا بالغًا( ). وقد امتنّ الله على عباده بأن وفّر لهم الأمن وجعله من أجلّ النّعم الدنيويّة الموجبة للشّكر، فقال تعالى:﴿الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾( ).
وفي هذا المعنى يقول النّبيّ : “من أصبح منكم معافى في جسده آمناً في سربه عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدّنيا”( ). فإذا ضعف الجانب الإصلاحيّ في المجال الدّينيّ، وانتشرت في المجتمع الرّذائل وأسبابها؛ كالسّرقة، والتّهريب، والاختطاف، وغير ذلك، وكثرت العداوة والبغضاء بين أفراده، فإنّ نتيجة ذلك غياب الأمن والاستقرار، وهذا لاشك من أعظم المصائب على الأمّة، ومن أكبر الجنايات على مقاصد الشّريعة في تحقيق نفوذها والعمل بمقتضى أحكامها، فيقتضي منّا ذلك السّعيّ إلى إقامة صرح الإصلاح الدّيني الفرديّ والجماعيّ والمؤسّساتيّ من أجل تلافي هذه الإخطار والآثار.
– الفرع الخامس: الوهن الحضاري
فإنّ غياب الخطاب الإصلاحيّ في المجال الدّيني يضعف شهود الأمّة الحضاري، ويورث مشكلات كبيرة تعيق سيرها نحو التّقدّم والتّطوّر، وعليه فإنّه من المنطلقات الأساسيّة التي لابدّ منها لتحقيق الوجود والشّهود الحضاري تجديد وتطوير الخطاب الدّعوي الإصلاحيّ ليتساوق مع اهتمامات النّاس لاسيما الشّباي، وليستوعب أكبر قدر ممكن من المشكلات المعاصرة لكي يجتهد في إيجاد حلول ناجعة لها، فالأمّة الإسلاميّة تمتلك النّصّ الإلهي الصّحيح الوارد بالتّواتر الذي يهدي الإنسان ويسعده ويحقّق له الأمن والرّفاهية، وعندهم أيضًا النّصّ النّبويّ الذي يفسّر ويبيّن لهم كيف يحوّلون النّصّ إلى واقع وحياة، ومعرفة الوحي التي يمتلكها المسلمون اليوم من نص وبيان وتطبيق والتي تتّسم بالشّموليّة تعدُّ منهج العمل، ودليل التّعامل مع الحياة، فإذا غفلت الأمّة عن هذه الحقيقة وجب أن يكون هناك من يرجعها إلى صوابها ويعيدها إلى رحابها من أجل تحقيق الشّهود الحضاري والوجود الإنساني، والعمل الإصلاحي والخطاب الدّعوي له الشّأن الكبير في تحقيق ذلك( ).
خاتمـة
في ختام هذه الورقة البحثية التي نأمل أن تكون قد سلّطت الضّوء على بعض الآثار والمخاطر النّاتجة عن غياب الخطاب الإصلاحي الدّيني، يمكن لنا تسجيل النّقاط الآتية:
1- التذكير بوجوب الدعوة إلى الله تعالى لأنّها عنوان خيرية هذه الأمة وبرهان ريادتها للأمم ودليل وراثتها للنبيين، وبها استوجبت الأجر على الله، ولو فرطت الأمة في واجب الدعوة والبلاغ فقد سقطت من عين الله تعالى، واستحقت مقته وعذابه، إذ ما شرع الله الجهاد بما فيه من ذهاب النفس والمال وحصول المكروه فيهما إلا قيامًا بهذا الواجب، وحق على الدولة المسلمة أن توفر للدعوة ما تحتاجه من طاقات بشرية وموارد مالية، وما يكفل لها ترقية الأداء وحسن العرض بأفضل الأساليب وأحدث التقنيات، وقد مضى زمان قد كانت الدعوة فيه قائمة على جهود فردية واجتهادات شخصية أثمرت خيرًا أحياناً، وخلفت شرورًا في أحيان أخرى، أقول: في زماننا هذا لا بد أن يتوفر على التخطيط للدعوة هيئات ورجال وبحوث ودراسات حتى ندرك من قبلنا ونصلح ما أفسد غيرنا، أما التخبط والارتجال والفوضى فلا تصلح لزمان قد صارت لغة الأرقام والإحصائيات هي المعول عليها في كل شيء.
2- القيام بواجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وهو سبب لأمن المجتمعات وحفظ الحقوق ونزول رحمة الله ومنع المفسدين من أن يتعدى فسادهم إلى غيرهم، وقد جعله الله عز وجل شرطاً لخيرية هذه الأمة وعلامة لأهل الإيمان فيها كما أن تركه سبب لنزول اللعنة وحصول المقت، وفي سنة النبي –صلّى الله عليه وسلّم- تواترت النصوص في بيان أن هذا الأمر سنة ماضية وفريضة محكمة لا يسع مسلمًا إنكارها أو التخلّي عنها.
3- التذكير الدائم بالقيم الأخلاقية والمعايير الحضارية في رسالة الإسلام إذ ليس محمودًا من الداعية أو المصلح أن يركز في خطابه لجمهور المسلمين على النواحي العقدية النظرية والشعائر التعبدية، ويهمل الجوانب الأخلاقية والقيم الحضارية في ديننا!! إن المسلم الحريص على صيام رمضان وحج البيت الحرام، هو نفسه الذي قد يخلف الوعد ويخون الأمانة ويكذب في الحديث ويغش في المعاملة، وهو نفسه الذي قد يقع في معاصي القلوب من الغش والكبر والغل والحسد وغير ذلك من المهلكات، وقد يرى أنها أمور هينة تكفرها تلك الشعائر التي يحرص على المحافظة عليها، ولكنّها تسيء إلى الأمّة ودينها حتّى تصل إلى مستوى الازدراء من قبل الآخرين.
4- المصادر والمراجع
5- 1- الآلوسي شهاب الدّين ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، (د، ت، ط).
6- 2- ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، دار الجيل ودار لسان العرب، بيروت، 1988م.
7- 3- ابن تيمية عبد الحليم، العبوديّة، المكتب الإسلامي، بيروت، ط6، سنة 1407هـ-1987م.
8- – ابن تيمية، السياسة الشّرعية في إصلاح الرّاعي والرّعيّة تحقيق: بشير بن محمّد عيون، دار البيان، دمشق، (د،ط)، سنة1405هـ-1985م.
9- 4- ابن عاشور محمّد الطّاهر ، تفسيرالتّحرير والتّنوير، الدّار التونسيّة للنّشر والتّوزيع، تونس، والمؤسّسة الوطنيّة للكتاب، الجزائر، (د.ط)، سنة1984م.
10- 5- ابن القيّم جوزية، مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، تحقيق: محمّد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، سنة1973م.
11- 6- ابن ماجة، أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزويني، السّنن، تعليق: محمّد ناصر الدّين الألباني، اعتنى بها:أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرّياض، المملكة العربيّة السّعوديّة،ط:2،سنة1429هـ-2008م.
12- 7- احميدان، زياد محمّد، مقاصد الشّريعة الإسلاميّة، مؤسّسة الرّسالة ناشرون، بيروت، ط1، سنة1425هـ-2004م.
13- 8- الأشقر، عمر سليمان، المدخل إلى الشّريعة والفقه الإسلامي، دار النّفائس، الأردن، ط1، سنة1425هـ-2005م.
14- 9- بكر، عبد الله أبو زيد، حراسة الفضيلة، جهاز الإرشاد والتوجيه، الرياض،ط2، سنة 1424هـ-.
15- 10- البخاري، صحيح البخاري بشرح فتح الباري، تحقيق: ابن باز ومحمّد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، سنة1424هـ-2004م.
16- 11- الترمذي محمّد بن عيسى بن سورة ، السّنن، تعليق: محمّد ناصر الدّين الألباني، اعتنى بها:أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرّياض، المملكة العربيّة السّعوديّة،ط:2،سنة1429هـ-2008م.
17- 12- التّهانوي، محمّد بن علي بن علي، كشّاف اصطلاحات الفنون، دار صادر، بيروت(د،ت،ط).
18- 13- الجرجاني، علي بن محمّد، التّعريفات، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، سنة1405هـ.
19- 14- الخن، مصطفى سعيد ومحي الدّين مستور، العقيدة الإسلاميّة، أركانها-حقائقها-مفسداتها، دار الكلم الطّيّب، دمشق، ط3، سنة1419هـ-1999م.
20- 15- الدرويش، عبد الرحمان، الشرائع السابقة ومدى حجّيّتها في الشّريعة الإسلاميّة، د ط، 1410هـ.
21- 16- طه عبد الرحمان، اللّسان والميزان، طبعة المركز الثّقافي العربي، الدّار البيضاء، 1998م.
22- 17- الطبّارة عفيف عبد الفتّاح ، روح الدّين الإسلامي، دار العلم للملايين، بيروت، ط30، سنة1995م,
23- 18- العالم يوسف، حامد، المقاصد العامة للشّريعة الإسلاميّة، الدّار الإسلاميّة للكتاب الإسلامي، الرّياض-المعهد العالمي للفكر الإسلامي،ط2، سنة1415هـ -1994م.
24- 19- عمر عبيد حسنة، في النّهوض الحضاري، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1414هـ-1996م.
25- 20- فوده عبد الرّحيم، الدّين عند الله، مطبوعات مجمع البحوث الإسلاميّة، القاهرة، ط1، سنة1397 هـ-1977م.
26- 21- الفخر الرّازي، التّفسير الكبير، إعداد مكتب تحقيق دارإحياء التّراث العربي، بيروت، ط2، سنة1417هـ-1997م.
27- 22- قطب، محمّد، ركائز الإيمان، دار إشبيليا، الرّياض، ط1، (د،ت).
28- 23- الكفوي أبو البقاء ، الكلّيات، مؤسّسة الرّسالة، بعناية عدنان درويش، ومحمّد المصري، بيروت، 1992م.
29- 24- اللّقاني، إبراهيم المالكي، منار أهل الفتوى، تحقيق: زياد محمّد احميدان، دار الأحباب، بيروت، ط1، سنة1412هـ-1992م.
30- 25- محمد عمارة، إزالة الشّبهات عن معاني المصطلحات، دار السلام، القاهرة، ط1، 1431هـ-2010م.
31- 26- مسلم صحيح مسلم بشرح النّووي، تقديم وتعريف: وهبة الزّحيلي، المكتبة العصريّة، صيدا بيروت، (د،ط)، سنة1426هـ-2005م.
32- 27- اليوبي، محمّد بن أحمد بن مسعود، مقاصد الشّريعة الإسلاميّة وعلاقتها بالأدلّة الشّرعيّة، دار الهجرة، الرّياض، ط1، سنة1418هـ-1998م.
الهوامش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website